SaRaH19000
04-25-2008, 09:04 AM
أسير فلسطيني يروي تفاصيل وحشية طبيب صهيوني أجرى له عملية بدون تخدير
بإمكاننا أن نتخيّل أو نتوقع منهم الكثير و لكن لم يكن أحد يتصوّر أن تبلغ بهم هذه الدرجة من الحقد السّادي الفريد
، و رغم عشرات الشهادات و القصص القادمة من سجون الاحتلال تروي تفاصيل الحقد الصهيوني على كلّ ما هو فلسطيني إلا أن ما تعرّض له أنس شحادة ، المعتقل الإداري في سجن النقب الصحراوي يتجاوز كل المعاني ...
أنس كامل شحادة - 24 عاماً - من بلدة بيت أكسا جنوب رام الله ، طالب في جامعة بيرزيت يدرس الهندسة الإلكترونية… جرى اعتقاله إدارياً في تاريخ 6/12/2003 و احتجازه في معتقل النقب الصحراوي .
" عملية جراحية بدون تخدير" ، هل تصدقون ؟ بادرنا أنس بالسؤال ، فلنتركه يروي لنا دون مبالغة تفاصيل شهادته الحية حول ما تعرّض له أثناء فترة اعتقاله و لنحذِّر بداية من اصطحاب الأطفال أو ذوي القلوب المرهفة الحسَّاسة أو أصحاب العيون الفيَّاضة
...
" مع بداية دخولي للنقب و مع غروب شمس اليوم الأول في عمق الصحراء و مع حلول الليل بدأ الألم يضرب أعماقي… لأول مرَّة أواجه ألماً من هذا النوع في حياتي … مغص شديد في البطن و كأنه نصال حادّ ينغرس أسفل بطني … شعر الشباب بألمي فتوجّهوا إلى الجنود لاستدعاء الممرِّض … بعد ساعتين من الإلحاح و الصراخ حضر الممرض … ألقى بنظرات حاقدة عن بُعد … أرجع البصر على حقيبته … أعطى الشباب حبتين أكامول ثم انصرف … و لكن دون جدوى ...
ليلة اليوم الثالث هاجمني الألم و المغص الشديد بكل ضراوة … لم تُفلح الاستغاثات و لم تجد أي أُذن صاغية
و لم ينم الشباب في الخيمة معي و وقفوا على باب الخيمة يصرخون و يُنادون و يلتمسون من يُساعد في استدعاء الممرّض
أو طبيب المعتقل … كان الجواب الجاهز : غداً صباحاً … لا يوجد طبيب اليوم … لا توجد قوة كافية لهذه المهمة
… كان الهوس الأمني يفرض عليهم قوّة كبيرة كي تتمكّن من سحب الأسير المريض من الخيمة إلى عيادة المعتقل .
في الصباح قرَّر الشباب إخراجي إلى العيادة
مهما كلَّف الثمن … حملوني إلى باب الخيمة و أجلسوني على كرسي
و شرعوا بالمناداة و الصراخ كي نشعرهم بأن الأمر خطير و أن الحالة طارئة و لا بدّ من الاستجابة الفوريّة …
أنا من جانبي و عندما حضر الجندي المناوب حملت في يدي كمية من حبّات الدواء و هدّدت ببلعها دفعة واحدة
و أشعرته بتحمّل المسئولية إن حصل لي أي مكروه … و تحت وابلٍ من التهديد و الوعيد حضرت مجموعة من الجنود بكامل عتادها العسكري … شرّطوا أن أسير وحدي دون حمّالة أو أي مساعدة … وافقت على هذا رغم صعوبة الأمر
و سرت برفقتهم كمن يُساق إلى الموت و لكنه موت لا بدّ منه … لم تحتمل قدماي السير طويلاً … زاغت عيناي فوقعت
على الأرض … على الفور جاء الممرّض فوضع إبرة المغذي في يدي … نسي فك الحبل المطاطي الذي يشد على اليد
كي يبرز الشريان و يسهّل عملية إدخال الإبرة … نسيه فتجمّع الدم و الدواء تحت الجلد .
بعد عناءٍ طويل و سفر شاق وصلنا العيادة … لم يكن فيها طبيب فانتظرت ساعتين و الألم يضرب بطني بكلّ نصاله … أخيراً و بعد وقت مرّ
و كأنه دهر وصل الطبيب فقرّر تحويلي إلى المشفى … كبّلوني من يدي و رجلي ثم سرت معهم إلى سيارة "البوسطة" حيث سافرت بي إلى مشفى "سروكا " .
بداية كان الاستقبال رائعاً … مشفى محترم فيه خدمات طبية جيدة … هكذا خُيل لي حيث نظافة المكان و حُسن الإدارة
و النظام و ترتيب ظاهر و فن راقِ ظاهر للعيان … الهدوء و الرتابة و روعة الاستقبال … كنت بطل الفيلم حيث إن حولي خمسة جنود مرافقين كالظلّ و أسلحتهم مشرّعة نحوي … و عيون روّاد المشفى تُرسل نظراتها بالتعجب و الاستغراب … الكلّ ينظر إلي و أنا لا أنظر إلا إلى ألمي الذي يزداد شدّة و عنفواناً .
قادوني حيث عيادة الطبيب … ألقوا بي على سرير الفحص … كشف عن بطني وضع يديه بصورة عصبية … كان كمن
يلمس جيفة … التقزّز و الامتعاض رسم نفسه على وجهه بكلّ وضوح … عاد إلى طاولته و أخذ يكتب … سألته بالإنجليزية …
تجاهل سؤالي … سألت ثانية و ثالثة و رابعة… أجاب باقتضاب شديد … الزائدة الدودية ، تحتاج إلى عملية فوراً
…
طلبت استشارة طبيبي
… الاتصال التلفوني … رفضوا بشكلٍ قاطع … طلبت أن يتصل هو كي يطلّع من طبيبي
على ملفي الطبّي و يعرف بعض الأمور التي لا بدّ من معرفتها المسبقة عن أحوالي الطبية … رفض و أظهر الضجر
و الغضب .
طلبت فك قيودي طالما أني سأرتبط بقيود المخدّر و قوانين غرفة العمليات عدا عن وجود طاقم حراسة بكامل عتاده … خمسة من الجنود المدجّجين يُحيطونني برعايتهم الأمنية و أسلحتهم الوديعة !
أدخلوني غرفة لتحضيري للعملية بعد ساعتين أو ثلاثة … رأيت امرأة تخرج من غرفة العمليات وجهها مستبشر
و علامات الراحة بادية في عينيها … تفاءلت و انشرح صدري و لكني سرعان ما اجتاحتني الهواجس و الظنون
السوداء … كيف يجتمع الطب و الدواء مع هذا السلاح و هذه الأحقاد … هدّأت نفسي و حاولت تطمينها …
العلاج لا يخضع لمعادلات الصراع ثم إن أصحاب المهن الطبية يقسمون يمين المهنة … لطفك يا رب .
دخل طبيب بوجه عابس متجّهم … تناولَني بنظراته و كأنه يصفعني بها … سألته ملاطفاً …
لم تلامس ملاطفاتي
أذنه … أمعن في تجاهلي … سألت : هل التخدير موضعي أم كلّي … لم يُجب .
نقلوني إلى غرفة العمليات … وجدت نفس الطبيب … سحنة روسية واضحة من مرتزقة تلك البلاد النائية …
بدأ العمل بربط رجليَّ في طاولة العملية … طلبت فك قيودي … الرؤوس تتحرك بالرفض … تقدّم أحد الجنود
لفكّها فرفض الطبيب … عجباً الطبيب يأخذ دور الأمن و جندي القهر و القمع … استمر في تربيطي بكل شدّة
و إحكام … و أنا أتساءل : لماذا كلّ هذا إذا كنت سأدخل بعد قليل في رباط التخدير و الغياب التام
عن كل هذه الأشكال ؟ … ثم انتقل إلى يدي المكبلتين … ألصقهما بجسدي و لفّّّهما به بأربطته الطويلة .
كنت أوّل مرَّة أدخل فيها عملية … فتساءلت : لماذا كل هذا التربيط ؟ ردّ عليّ بالمسبّات التي لم أفقه معناها
على وجه التحديد … كان يسب بالروسية و العبرية الركيكة … حاولت تلطيف الأجواء كي أرى على وجهه ابتسا
علّها تخفِّف قليلاً من هذا الإرهاب النفسي الذي فرضوه عليّ … ردّ على ملاطفاتي بالغضب العارم و المزيد
من المسبّات …
أيقنت أن في جعبة هذا الطبيب شراً مستطيراً … توقّعت أموراً كثيرة و لكني لم أتوقع ما حدث بالفعل …
لا يخطر ما فعله على قلب بشر و لا قلب ذئب من ذئاب الصحاري الضارية .
انتقل إلى فمي .. سحب لساني بقسوة بالغة .. ألصقه بسقف حلقي ثم وضع حديدة تحت لساني … ضرب بكمّامة
على أنفي مع ضغط شديد مما أدّى إلى جرحه … لم يبقَ لي من حركة أو فعل أو قول إلا حركة
عيني ذات اليمين و ذات الشمال .
شعرت بمعجون الحلاقة ثم بالممرضات و هنّ يحلقن لي … خط بالقلم أسفل بطني و أنا أنتظر لحظة التخدير
كي أغيب عن هذه المناظر القاتلة … أُصبّر نفسي و أقول الآن و بعد لحظات أغيب عن هذا الوجود الصارم
لحظاتي معهم تمرّ ببطء شديد و كأنها سنوات مديدة لا نهاية لها .
يا إلهي إنه يحمل المشرط … هل نسي تخديري … حاولت الصراخ فلم أفلح … شدّدت على جسمي فلم يتحرّك شيء …
لقد أحكم رباطي و لم يترك لي أيّ مجال … لا حول لي و لا قوّة … لوَّح بالمشرط في الهواء ثم هوى
به على بطني …
نفر الدم بغزارة … شعرت بصدمة عصبية تنتابني … قلبي بلغ حنجرتي … تسارعت ضرباته … اهتزّ كياني بعد أن ضرب
الألم خاصرتي … شعرت بتوقف القلب و ذهول العقل … أيقنت بالموت … تشهّدت على روحي و رحت أعدّ نفسي
للقاء ربّي … و كأنهم لا يُريدون لي هذا اللقاء و الراحة من هذه الوجوه … جاءوا بجهاز صاعقٍ صعقوا به قلبي …
عُدت إلى وعيي و شعرت بهم و هم يُدخلون بربيشاً إلى المريء بكل قسوةٍ و فظاظة و آخر إلى حيث القصبة الهوائية …
شعرت باختناق شديد و كأني بدون رئتين .
غبت عن وعيي ثانية بعد أن أحسست بالدماء و هي تنزلق تحت ظهري … سمعت الطبيب و هو يسب و يلعن …
سمعت الممرضات و هنّ يطلبن منه شيئاً من الرحمة … هكذا كان يبدو عليهنّ و لكن كان يُسارع بمسبّاته …
يتمعّر وجهه بالحقد و الانتقام و يزداد ضراوة … يردّد كلمة مخرِّب بالعبرية بين الحين و الآخر …
أفقت مرّة أخرى بعد صعقة قلبية جديدة فوجدته يضع مقابض حديدية يشدّ بها اللّحم …
الدماء
تفور و العرق يتفصّد عن جبيني بغزارة … شعرت بيد ممرضة و هي تمسح عرقي …
شممت رائحة جلد محروقأنه كان يُكوى بالنار …
لم يستخدم الإبرة و الخيط و لكنه لحام بالنار … صدمت للمرّة الثالثة … توقف القلب لا أدري كم من الوقت
بقي متوقفاً و لكني شعرت بالصعقة الكهربائية الجديدة .
بقيت معركة الألم على أشدِّها … جيّش معه أعتى أنواع الأسلحة يُقابل من لا سلاح له سوى الدعاء
و الابتهال إلى الله … ساعتان في هذه العملية الإجرامية و كأنها ألف سنة … أدركت فيها كيف
أن هول يوم القيامة يجعله كألف سنة مما يعدّ الناس .
أخيراً نظّفت الممرضات الجرح و وضعن شريطاً لاصقاً عليه ثم سحبوني إلى حيث الغرفة الأولى و المرأة
التي عملت العملية قبلي … أين وجهها الذي لا يبدو عليه أثر و وجهي الذي صبغته كل ألوان العذاب …
الألم يُشعل أعصابي و يدقّ أسافينه في بطني … و الحرس من حولي يتبادلون الضحك و النكات الخليعة …
لجأت إلى الصراخ بعد أن فكّوا الأربطة و نزعوا قطعة الحديد من
فمّي … صراخ و نشيج حاد خرج عن إرادتي …
و كأني أزعجت آذانهم الشامتة … جاءوا بالممرضة … سألتها ما يسكن آلامي فسارعت بإبرة رحت بعدها بسبات
عميق … أفقت منتصف الليل على آلامٍ حادّة تطرق أبوابي صرخت صرخت حتى جاءت الممرضة ثانية و أفرغت إبرة مرّة
أخرى .
صبيحة اليوم التالي جاء الجنود بصحبة طبيب … طلبوا مني الوقوف … قلت لهم أنا لا أستطيع الوقوف … يجب أن تقوم …
يجب أن تعود إلى سجنك الآن …
- حسناً أحضروا حمّالة … أنا أريد العودة … لا أريد رؤية وجوهكم لحظة واحدة .
و بعد جدال عقيم تركوني و شأني أتخبّط في آلامي .
- خذ هذه حتى يذهب الألم و تستطيع العودة إلى سجنك .
- أنا لا أستطيع القيام … ليتني أستطيع .
أخيراً قلت لهم أحضروا كرسياً متحرّكاً عندها سأعود معكم .
بعد العصر تدافعني الجنود فيما بينهم و أخرجوني من المشفى عنوة …
أجرّ آلامي و كأن أرجلي قاطرة تجرّ عربات كثيرة محملةٍ بالآلام الثقيلة …
أتمايل بين وخزات الألم و وخزات ضحكاتهم الساخرة و أمخر عباب القهر و أقسى أنواع التنكيل .
على باب المشفى وجدت دورية عادية … خاب ظني في سيارة إسعاف تقلّني إلى سجني
و بين ثلة من الذئاب جلست في حضن آلامي أصطلي نارها … كانت تشتدّ و تضرب كل وخزاتها
عندما تمرّ دوريتهم على مطلب أو أيّ شيء يهزّ أركانها فتتساقط معها آلامي على أعصابي الخائرة ..
وصلت المعتقل بعد هذه الرحلة الشنيعة … طفقت أقصُّ على إخواني و كأنني من الكتاب ذوي الخيال
الخصب … هل هي هلوسات مريض أو أضغاث أحلام أو شطحات هائم … لُذت إلى طبيب معتقل
فقصصت عليه القصص طمأنني بأنني لست واهماً و لا حالماً و إنما هي تفاصيل عملية جراحية حقيقية
للزائدة الدودية ، كل ما هناك أنهم أجروها بلا تخدير … بدل تخديري خدّروا ضمير الإنسان الذي لا و
له في أفئدتهم … كانت أفئدة خاوية من أية بقايا لأي شكل من أشكال الضمير .
ما زلت أشعر بالقشعريرة و الهيجان و العصبي كلما رأيت وجه ذلك الطبيب
و وجوه الزبانية
و الشياطين التي عجزت عن فعلها كلّ شياطين الأرض و على مرّ الأزمان " .
بإمكاننا أن نتخيّل أو نتوقع منهم الكثير و لكن لم يكن أحد يتصوّر أن تبلغ بهم هذه الدرجة من الحقد السّادي الفريد
، و رغم عشرات الشهادات و القصص القادمة من سجون الاحتلال تروي تفاصيل الحقد الصهيوني على كلّ ما هو فلسطيني إلا أن ما تعرّض له أنس شحادة ، المعتقل الإداري في سجن النقب الصحراوي يتجاوز كل المعاني ...
أنس كامل شحادة - 24 عاماً - من بلدة بيت أكسا جنوب رام الله ، طالب في جامعة بيرزيت يدرس الهندسة الإلكترونية… جرى اعتقاله إدارياً في تاريخ 6/12/2003 و احتجازه في معتقل النقب الصحراوي .
" عملية جراحية بدون تخدير" ، هل تصدقون ؟ بادرنا أنس بالسؤال ، فلنتركه يروي لنا دون مبالغة تفاصيل شهادته الحية حول ما تعرّض له أثناء فترة اعتقاله و لنحذِّر بداية من اصطحاب الأطفال أو ذوي القلوب المرهفة الحسَّاسة أو أصحاب العيون الفيَّاضة
...
" مع بداية دخولي للنقب و مع غروب شمس اليوم الأول في عمق الصحراء و مع حلول الليل بدأ الألم يضرب أعماقي… لأول مرَّة أواجه ألماً من هذا النوع في حياتي … مغص شديد في البطن و كأنه نصال حادّ ينغرس أسفل بطني … شعر الشباب بألمي فتوجّهوا إلى الجنود لاستدعاء الممرِّض … بعد ساعتين من الإلحاح و الصراخ حضر الممرض … ألقى بنظرات حاقدة عن بُعد … أرجع البصر على حقيبته … أعطى الشباب حبتين أكامول ثم انصرف … و لكن دون جدوى ...
ليلة اليوم الثالث هاجمني الألم و المغص الشديد بكل ضراوة … لم تُفلح الاستغاثات و لم تجد أي أُذن صاغية
و لم ينم الشباب في الخيمة معي و وقفوا على باب الخيمة يصرخون و يُنادون و يلتمسون من يُساعد في استدعاء الممرّض
أو طبيب المعتقل … كان الجواب الجاهز : غداً صباحاً … لا يوجد طبيب اليوم … لا توجد قوة كافية لهذه المهمة
… كان الهوس الأمني يفرض عليهم قوّة كبيرة كي تتمكّن من سحب الأسير المريض من الخيمة إلى عيادة المعتقل .
في الصباح قرَّر الشباب إخراجي إلى العيادة
مهما كلَّف الثمن … حملوني إلى باب الخيمة و أجلسوني على كرسي
و شرعوا بالمناداة و الصراخ كي نشعرهم بأن الأمر خطير و أن الحالة طارئة و لا بدّ من الاستجابة الفوريّة …
أنا من جانبي و عندما حضر الجندي المناوب حملت في يدي كمية من حبّات الدواء و هدّدت ببلعها دفعة واحدة
و أشعرته بتحمّل المسئولية إن حصل لي أي مكروه … و تحت وابلٍ من التهديد و الوعيد حضرت مجموعة من الجنود بكامل عتادها العسكري … شرّطوا أن أسير وحدي دون حمّالة أو أي مساعدة … وافقت على هذا رغم صعوبة الأمر
و سرت برفقتهم كمن يُساق إلى الموت و لكنه موت لا بدّ منه … لم تحتمل قدماي السير طويلاً … زاغت عيناي فوقعت
على الأرض … على الفور جاء الممرّض فوضع إبرة المغذي في يدي … نسي فك الحبل المطاطي الذي يشد على اليد
كي يبرز الشريان و يسهّل عملية إدخال الإبرة … نسيه فتجمّع الدم و الدواء تحت الجلد .
بعد عناءٍ طويل و سفر شاق وصلنا العيادة … لم يكن فيها طبيب فانتظرت ساعتين و الألم يضرب بطني بكلّ نصاله … أخيراً و بعد وقت مرّ
و كأنه دهر وصل الطبيب فقرّر تحويلي إلى المشفى … كبّلوني من يدي و رجلي ثم سرت معهم إلى سيارة "البوسطة" حيث سافرت بي إلى مشفى "سروكا " .
بداية كان الاستقبال رائعاً … مشفى محترم فيه خدمات طبية جيدة … هكذا خُيل لي حيث نظافة المكان و حُسن الإدارة
و النظام و ترتيب ظاهر و فن راقِ ظاهر للعيان … الهدوء و الرتابة و روعة الاستقبال … كنت بطل الفيلم حيث إن حولي خمسة جنود مرافقين كالظلّ و أسلحتهم مشرّعة نحوي … و عيون روّاد المشفى تُرسل نظراتها بالتعجب و الاستغراب … الكلّ ينظر إلي و أنا لا أنظر إلا إلى ألمي الذي يزداد شدّة و عنفواناً .
قادوني حيث عيادة الطبيب … ألقوا بي على سرير الفحص … كشف عن بطني وضع يديه بصورة عصبية … كان كمن
يلمس جيفة … التقزّز و الامتعاض رسم نفسه على وجهه بكلّ وضوح … عاد إلى طاولته و أخذ يكتب … سألته بالإنجليزية …
تجاهل سؤالي … سألت ثانية و ثالثة و رابعة… أجاب باقتضاب شديد … الزائدة الدودية ، تحتاج إلى عملية فوراً
…
طلبت استشارة طبيبي
… الاتصال التلفوني … رفضوا بشكلٍ قاطع … طلبت أن يتصل هو كي يطلّع من طبيبي
على ملفي الطبّي و يعرف بعض الأمور التي لا بدّ من معرفتها المسبقة عن أحوالي الطبية … رفض و أظهر الضجر
و الغضب .
طلبت فك قيودي طالما أني سأرتبط بقيود المخدّر و قوانين غرفة العمليات عدا عن وجود طاقم حراسة بكامل عتاده … خمسة من الجنود المدجّجين يُحيطونني برعايتهم الأمنية و أسلحتهم الوديعة !
أدخلوني غرفة لتحضيري للعملية بعد ساعتين أو ثلاثة … رأيت امرأة تخرج من غرفة العمليات وجهها مستبشر
و علامات الراحة بادية في عينيها … تفاءلت و انشرح صدري و لكني سرعان ما اجتاحتني الهواجس و الظنون
السوداء … كيف يجتمع الطب و الدواء مع هذا السلاح و هذه الأحقاد … هدّأت نفسي و حاولت تطمينها …
العلاج لا يخضع لمعادلات الصراع ثم إن أصحاب المهن الطبية يقسمون يمين المهنة … لطفك يا رب .
دخل طبيب بوجه عابس متجّهم … تناولَني بنظراته و كأنه يصفعني بها … سألته ملاطفاً …
لم تلامس ملاطفاتي
أذنه … أمعن في تجاهلي … سألت : هل التخدير موضعي أم كلّي … لم يُجب .
نقلوني إلى غرفة العمليات … وجدت نفس الطبيب … سحنة روسية واضحة من مرتزقة تلك البلاد النائية …
بدأ العمل بربط رجليَّ في طاولة العملية … طلبت فك قيودي … الرؤوس تتحرك بالرفض … تقدّم أحد الجنود
لفكّها فرفض الطبيب … عجباً الطبيب يأخذ دور الأمن و جندي القهر و القمع … استمر في تربيطي بكل شدّة
و إحكام … و أنا أتساءل : لماذا كلّ هذا إذا كنت سأدخل بعد قليل في رباط التخدير و الغياب التام
عن كل هذه الأشكال ؟ … ثم انتقل إلى يدي المكبلتين … ألصقهما بجسدي و لفّّّهما به بأربطته الطويلة .
كنت أوّل مرَّة أدخل فيها عملية … فتساءلت : لماذا كل هذا التربيط ؟ ردّ عليّ بالمسبّات التي لم أفقه معناها
على وجه التحديد … كان يسب بالروسية و العبرية الركيكة … حاولت تلطيف الأجواء كي أرى على وجهه ابتسا
علّها تخفِّف قليلاً من هذا الإرهاب النفسي الذي فرضوه عليّ … ردّ على ملاطفاتي بالغضب العارم و المزيد
من المسبّات …
أيقنت أن في جعبة هذا الطبيب شراً مستطيراً … توقّعت أموراً كثيرة و لكني لم أتوقع ما حدث بالفعل …
لا يخطر ما فعله على قلب بشر و لا قلب ذئب من ذئاب الصحاري الضارية .
انتقل إلى فمي .. سحب لساني بقسوة بالغة .. ألصقه بسقف حلقي ثم وضع حديدة تحت لساني … ضرب بكمّامة
على أنفي مع ضغط شديد مما أدّى إلى جرحه … لم يبقَ لي من حركة أو فعل أو قول إلا حركة
عيني ذات اليمين و ذات الشمال .
شعرت بمعجون الحلاقة ثم بالممرضات و هنّ يحلقن لي … خط بالقلم أسفل بطني و أنا أنتظر لحظة التخدير
كي أغيب عن هذه المناظر القاتلة … أُصبّر نفسي و أقول الآن و بعد لحظات أغيب عن هذا الوجود الصارم
لحظاتي معهم تمرّ ببطء شديد و كأنها سنوات مديدة لا نهاية لها .
يا إلهي إنه يحمل المشرط … هل نسي تخديري … حاولت الصراخ فلم أفلح … شدّدت على جسمي فلم يتحرّك شيء …
لقد أحكم رباطي و لم يترك لي أيّ مجال … لا حول لي و لا قوّة … لوَّح بالمشرط في الهواء ثم هوى
به على بطني …
نفر الدم بغزارة … شعرت بصدمة عصبية تنتابني … قلبي بلغ حنجرتي … تسارعت ضرباته … اهتزّ كياني بعد أن ضرب
الألم خاصرتي … شعرت بتوقف القلب و ذهول العقل … أيقنت بالموت … تشهّدت على روحي و رحت أعدّ نفسي
للقاء ربّي … و كأنهم لا يُريدون لي هذا اللقاء و الراحة من هذه الوجوه … جاءوا بجهاز صاعقٍ صعقوا به قلبي …
عُدت إلى وعيي و شعرت بهم و هم يُدخلون بربيشاً إلى المريء بكل قسوةٍ و فظاظة و آخر إلى حيث القصبة الهوائية …
شعرت باختناق شديد و كأني بدون رئتين .
غبت عن وعيي ثانية بعد أن أحسست بالدماء و هي تنزلق تحت ظهري … سمعت الطبيب و هو يسب و يلعن …
سمعت الممرضات و هنّ يطلبن منه شيئاً من الرحمة … هكذا كان يبدو عليهنّ و لكن كان يُسارع بمسبّاته …
يتمعّر وجهه بالحقد و الانتقام و يزداد ضراوة … يردّد كلمة مخرِّب بالعبرية بين الحين و الآخر …
أفقت مرّة أخرى بعد صعقة قلبية جديدة فوجدته يضع مقابض حديدية يشدّ بها اللّحم …
الدماء
تفور و العرق يتفصّد عن جبيني بغزارة … شعرت بيد ممرضة و هي تمسح عرقي …
شممت رائحة جلد محروقأنه كان يُكوى بالنار …
لم يستخدم الإبرة و الخيط و لكنه لحام بالنار … صدمت للمرّة الثالثة … توقف القلب لا أدري كم من الوقت
بقي متوقفاً و لكني شعرت بالصعقة الكهربائية الجديدة .
بقيت معركة الألم على أشدِّها … جيّش معه أعتى أنواع الأسلحة يُقابل من لا سلاح له سوى الدعاء
و الابتهال إلى الله … ساعتان في هذه العملية الإجرامية و كأنها ألف سنة … أدركت فيها كيف
أن هول يوم القيامة يجعله كألف سنة مما يعدّ الناس .
أخيراً نظّفت الممرضات الجرح و وضعن شريطاً لاصقاً عليه ثم سحبوني إلى حيث الغرفة الأولى و المرأة
التي عملت العملية قبلي … أين وجهها الذي لا يبدو عليه أثر و وجهي الذي صبغته كل ألوان العذاب …
الألم يُشعل أعصابي و يدقّ أسافينه في بطني … و الحرس من حولي يتبادلون الضحك و النكات الخليعة …
لجأت إلى الصراخ بعد أن فكّوا الأربطة و نزعوا قطعة الحديد من
فمّي … صراخ و نشيج حاد خرج عن إرادتي …
و كأني أزعجت آذانهم الشامتة … جاءوا بالممرضة … سألتها ما يسكن آلامي فسارعت بإبرة رحت بعدها بسبات
عميق … أفقت منتصف الليل على آلامٍ حادّة تطرق أبوابي صرخت صرخت حتى جاءت الممرضة ثانية و أفرغت إبرة مرّة
أخرى .
صبيحة اليوم التالي جاء الجنود بصحبة طبيب … طلبوا مني الوقوف … قلت لهم أنا لا أستطيع الوقوف … يجب أن تقوم …
يجب أن تعود إلى سجنك الآن …
- حسناً أحضروا حمّالة … أنا أريد العودة … لا أريد رؤية وجوهكم لحظة واحدة .
و بعد جدال عقيم تركوني و شأني أتخبّط في آلامي .
- خذ هذه حتى يذهب الألم و تستطيع العودة إلى سجنك .
- أنا لا أستطيع القيام … ليتني أستطيع .
أخيراً قلت لهم أحضروا كرسياً متحرّكاً عندها سأعود معكم .
بعد العصر تدافعني الجنود فيما بينهم و أخرجوني من المشفى عنوة …
أجرّ آلامي و كأن أرجلي قاطرة تجرّ عربات كثيرة محملةٍ بالآلام الثقيلة …
أتمايل بين وخزات الألم و وخزات ضحكاتهم الساخرة و أمخر عباب القهر و أقسى أنواع التنكيل .
على باب المشفى وجدت دورية عادية … خاب ظني في سيارة إسعاف تقلّني إلى سجني
و بين ثلة من الذئاب جلست في حضن آلامي أصطلي نارها … كانت تشتدّ و تضرب كل وخزاتها
عندما تمرّ دوريتهم على مطلب أو أيّ شيء يهزّ أركانها فتتساقط معها آلامي على أعصابي الخائرة ..
وصلت المعتقل بعد هذه الرحلة الشنيعة … طفقت أقصُّ على إخواني و كأنني من الكتاب ذوي الخيال
الخصب … هل هي هلوسات مريض أو أضغاث أحلام أو شطحات هائم … لُذت إلى طبيب معتقل
فقصصت عليه القصص طمأنني بأنني لست واهماً و لا حالماً و إنما هي تفاصيل عملية جراحية حقيقية
للزائدة الدودية ، كل ما هناك أنهم أجروها بلا تخدير … بدل تخديري خدّروا ضمير الإنسان الذي لا و
له في أفئدتهم … كانت أفئدة خاوية من أية بقايا لأي شكل من أشكال الضمير .
ما زلت أشعر بالقشعريرة و الهيجان و العصبي كلما رأيت وجه ذلك الطبيب
و وجوه الزبانية
و الشياطين التي عجزت عن فعلها كلّ شياطين الأرض و على مرّ الأزمان " .