bassem_1974
04-24-2008, 08:00 PM
حَدَّثَ أبو الجهم بن حذيفة قال: وفدت على معاوية بن أبي سفيان وهو خليفة في دمشق، فقال لي: والله إن لك لَشَرَفًا وحقّا وقرابة يا أبا الجهم، وإنه لَزَمَتْنا مؤنٌ عظيمة، وهذه مائةُ ألفٍ لك فَخُذْها واعْذُر. فَقَبَضْتُها على مضض وأنا أرى أنه قد قَصَّر بي ولم يوفني حقي، وقلت في نفسي: ما عسى أن أقول له وهو رجل قد ترك بلاد قومه، وتَخَلَّق بأخلاق أهل الشام الجفاة المُقَتّرين، ونسي كرم السادة من قريش. فلما توفى معاوية واستُخْلِفَ ابنه يزيد، سِرْتُ إليه وافدا وأقمت عنده أياما. فلما أردت الرحيل، قال لي: يا أبا الجهم، إني لَعارفٌ بحقك وقرابتك وشرفك، غير أن ثمة حقوقا لا نستطيع دَفْعَها، وهذه خمسون ألفا لك فخُذْها واعْذُر ابن أخيك. فأخذتُها منه وانصرفتُ مغتاظا، وقلت في نفسي: هو غلامٌ حَدَثٌ نشأ مع غير قومه من قريش، وسَكَنَ غَيْرَ بلده، وهو إلى هذا ابن امرأة كَلْبِيّة، فأيّ خيرٍ يُرْجَى منه؟! فلما بويع عبد الله بن الزبير بالخلافة في مكة فرِحت، وقلت في نفسي: هذا بقيّةُ سادة قريش الكرام! فأتيتُه وافدا، وأقمت عنده أيام. فلما أردت الانصراف قال لي: يا أبا الجهم مهما جهلتُ فلن أجهل شرفك وقرابتك وحقك غير أن علي مؤنا وحقوقا وأمورا يطول شرحها، لكني مع ذلك لن أخيب سفرك وأملك. هذه ألف درهم خذها واستعن بها على أمورك! فأخذتها فرحا مسرورا وقلت له: يا أمير المؤمنين، مد الله لقريش في بقائك، ولا ابتلاها بفَقْدِك، فوالله لازالت قريشٌ بخير ما بقيتَ لها. فتعجّب عبد الله بن الزبير من دعائي له وقال: جزاك الله خيرا يا أبا الجهم. ولكن خبرني: أعطاك معاوية مائة ألف ولم تقل له ما قلته لي وأعطاك ابنه يزيد خمسين ألفا فلم تَدْعُ له، وإنما أعطيتُك ألف درهم. قلت: نعم يا أمير المؤمنين، ومن أجل ذلك قلت ما قلت ودَعَوْتُ لك ما دعوت، لأني بِتُّ الآن واثقا من أنك متى هلكتَ فلن يلي الخلافة بعدك إلا الخنازير! من كتاب "شرح لامية العجم" لخليل بن أيبك الصَّفَدي.