bassem_1974
04-23-2008, 10:19 PM
الوقف التعلميي ومكتبات المدارس
إعداد الدكتور نظمي خليل أبو العطا
من يطلع على مكتبات المدارس في عالمنا الإسلامي اليوم، ويقارن بينها وبين مكتبات المدارس في الحضارة الإسلامية يرى الغياب شبه التام لصدقات المسلمين الجارية في هذا المجال، ومن يطلع على الكتب التي تطبع على نفقات بعض المحسنين هذه الأيام يتقطع قلبه حسرة وندماً على عقول المسلمين وأموالهم فمعظمها كتب للأدعية والأذكار والتعوذ من السحر والجان والرقائق كما كتب الطب والهندسة والفلك والزراعة فهي غائبة تماماً عن واقع المحسنين، وكأن هذه العلوم ليست من الدين، وكأن الزراعة الصناعة والتجارة والهندسة الوراثية، والتقنية الحيوية من العلوم الدنيوية المذمومة وهذا في رأيي تخدير للمسلمين وتكريس للتخلف العلمي والتقني والحضاري وطمس للحياة العلمية في الحضارة الإسلامية وتأكيد للدور السلبي للمسلم في الحياة.
وعي الواقفين المسلمين :
لقد وعى الواقون المسلمون أهمية المكتبات العامة والخاصة في نشر العلم في ديار المسلمين، فحرصوا على أن يلحقوا بكل مدرسة خزانة كتب يرجع إليها الدارسون الطلاب ولا سيما الفقراء منهم، ولم يقتصر وجود المكتبات على المدارس بل أنشأت في المساجد والجوامع والمستشفيات والخوانق والزوايا وحتى في المدافن (1).
ومثال مكتبات المدارس ما نصت عليه وثيقة وقف السلطان الغوري في مصر حيث جاء فيها: وبها خلوة كبرى معدة لخزن الكتب بها جنبات خشب نقي يمنة ويسرة وصدراً مثبتتاً معدة لحفظ ما فيها من كتب العلم الشريف، الموقوفة على طلبة العلم الشريف للإنتفاعهم بها في المدرسة المذكورة.
فأنظر إلى كلمتي العلم الشريف لتتأكد من الفهم الواعي للواقف السلطاني الغوري رحمه الله بشرف العلم وشرف المنتسبين لتحصيله.
أمين المكتبة العالم الثقة:
أشرف على خزانة الكتب في الحضارة الإسلامية خازن الكتب (أمين المكتبة ـ أو مشرف مصادر التعلم ) أو شاهد خزانة الكتب، وكان يشترط فيه أن يكون ثقة خبيراً أميناً يقظاً ذكياً فطناً عاقالاً مأموناً بالغاً في الأمانة والثقة ونزاهة النفس وقلة الطمع قادراً على القيام في خدمة الكتب عارفاً بمحتواها وتصنيفها وترتيبها وسرعة تداولها.
وحرص الواقفون على أن يتولى هذه الوظيفة أحد العلماء أو الأدباء ليكون عوناً للباحثين في إرشادهم إلى ما يحتاجون إليه من مراجع(2).
ومن أمثلة ذلك ما نص عليه السلطان المؤيد شيخ في وثيقة وقفه بأن يتولى أمانة المكتبة أو عبد الله محمد البارزي ومن بعده من يصلح من ذريته .
مهمة امين المكتبة :
حددت وثائق الوقف مهمة أمين المكتبة بالتفصيل، وتبدأ هذه المهمة بتسليم النظار الكتب لأمين المكتبة، ويشهد عليه بتسلمها، ويسلمه جميع ما فيها من كتب، ثم يتولى خازن الكتب بعد ذلك أحراز الكتب، ونفضها من الغبار وتعدها على العادة وتفقد أحوالها بالإصلاح .
وقد حدد الواقفون الواعون نظام الإستعارة بدقة تمامة محافظة على الكتب من الضياع، فمن ا لواقفين من منع خروج الكتب نهائياً خارج مؤسسته، بل منع من الإطلاع الداخلي من يعرف عنه التفريط والإهمال فنصت وثيقة وقف الأبشادي على (لا يخرج من ذلك شيء من الأشياء عن الجامع الأزهر برهن ولا بغيره، ولا يعطا من ذلك شيء لمن يعرف التفريط وأن يقوم الخازن بكتابة أسماء لمن يطلب منه كراسا ويأخذه منه ثم إذا إعاده مسح اسمه ومن الواقفين من سمح لطلبة العلم من نفس المدرسة إستعارة الكتب لمدة شهر على الأكثر للإنتفاع بها ومنهم من نبه إلى تغير أمين المكتبة إن ظهر منه أهمال أو تقصير.
كما حدد بعض الواقفين مواعيد الاستفادة اليومية حيث جاء في وثيقة وقف السلطان الغوري: ويفتح الخزانة في أيام الدروس يومين في الجمعة لطلبة العلم (4) .
الخلاصة :
من دراسة الوقف التعليمي ومكتبات المدارس يبدو مدى إدراك الواقفين لأهمية المكتبة ولا سيما لطلب العلم، في وقت كانت الطباعة نادرة، والنسخ باليد، ومن هنا يسر الوقف التعليمي الحصول على الكتاب وبذلك ساهمت الأوقاف في بناء العلماء في الحضارة الإسلامية وهذا ما نفتقده في أيامنا هذه، وللحديث بقية بإن الله .
الهوامش:
(1) محمد أحمد أمين (إنظر هوامش المقال السابق)
(2) سعيد عاشور، مصر في عصر دولة المماليك البحرية القاهرة (1959م ) ـ عبد اللطيف إبراهيم، دراسات في وثائق عصر السلطان الغوري جامعة القاهرة (1956) ـ دراسة دكتوراه .
(3) وثيقة وقف الإبشاوي رقم (278) محفظة (43) نشر الدكتور عبد اللطيف إبراهيم ـ المرجع السابق.
(4) وثيقة وقف الغوري (883) المرجع السابق
إعداد الدكتور نظمي خليل أبو العطا
من يطلع على مكتبات المدارس في عالمنا الإسلامي اليوم، ويقارن بينها وبين مكتبات المدارس في الحضارة الإسلامية يرى الغياب شبه التام لصدقات المسلمين الجارية في هذا المجال، ومن يطلع على الكتب التي تطبع على نفقات بعض المحسنين هذه الأيام يتقطع قلبه حسرة وندماً على عقول المسلمين وأموالهم فمعظمها كتب للأدعية والأذكار والتعوذ من السحر والجان والرقائق كما كتب الطب والهندسة والفلك والزراعة فهي غائبة تماماً عن واقع المحسنين، وكأن هذه العلوم ليست من الدين، وكأن الزراعة الصناعة والتجارة والهندسة الوراثية، والتقنية الحيوية من العلوم الدنيوية المذمومة وهذا في رأيي تخدير للمسلمين وتكريس للتخلف العلمي والتقني والحضاري وطمس للحياة العلمية في الحضارة الإسلامية وتأكيد للدور السلبي للمسلم في الحياة.
وعي الواقفين المسلمين :
لقد وعى الواقون المسلمون أهمية المكتبات العامة والخاصة في نشر العلم في ديار المسلمين، فحرصوا على أن يلحقوا بكل مدرسة خزانة كتب يرجع إليها الدارسون الطلاب ولا سيما الفقراء منهم، ولم يقتصر وجود المكتبات على المدارس بل أنشأت في المساجد والجوامع والمستشفيات والخوانق والزوايا وحتى في المدافن (1).
ومثال مكتبات المدارس ما نصت عليه وثيقة وقف السلطان الغوري في مصر حيث جاء فيها: وبها خلوة كبرى معدة لخزن الكتب بها جنبات خشب نقي يمنة ويسرة وصدراً مثبتتاً معدة لحفظ ما فيها من كتب العلم الشريف، الموقوفة على طلبة العلم الشريف للإنتفاعهم بها في المدرسة المذكورة.
فأنظر إلى كلمتي العلم الشريف لتتأكد من الفهم الواعي للواقف السلطاني الغوري رحمه الله بشرف العلم وشرف المنتسبين لتحصيله.
أمين المكتبة العالم الثقة:
أشرف على خزانة الكتب في الحضارة الإسلامية خازن الكتب (أمين المكتبة ـ أو مشرف مصادر التعلم ) أو شاهد خزانة الكتب، وكان يشترط فيه أن يكون ثقة خبيراً أميناً يقظاً ذكياً فطناً عاقالاً مأموناً بالغاً في الأمانة والثقة ونزاهة النفس وقلة الطمع قادراً على القيام في خدمة الكتب عارفاً بمحتواها وتصنيفها وترتيبها وسرعة تداولها.
وحرص الواقفون على أن يتولى هذه الوظيفة أحد العلماء أو الأدباء ليكون عوناً للباحثين في إرشادهم إلى ما يحتاجون إليه من مراجع(2).
ومن أمثلة ذلك ما نص عليه السلطان المؤيد شيخ في وثيقة وقفه بأن يتولى أمانة المكتبة أو عبد الله محمد البارزي ومن بعده من يصلح من ذريته .
مهمة امين المكتبة :
حددت وثائق الوقف مهمة أمين المكتبة بالتفصيل، وتبدأ هذه المهمة بتسليم النظار الكتب لأمين المكتبة، ويشهد عليه بتسلمها، ويسلمه جميع ما فيها من كتب، ثم يتولى خازن الكتب بعد ذلك أحراز الكتب، ونفضها من الغبار وتعدها على العادة وتفقد أحوالها بالإصلاح .
وقد حدد الواقفون الواعون نظام الإستعارة بدقة تمامة محافظة على الكتب من الضياع، فمن ا لواقفين من منع خروج الكتب نهائياً خارج مؤسسته، بل منع من الإطلاع الداخلي من يعرف عنه التفريط والإهمال فنصت وثيقة وقف الأبشادي على (لا يخرج من ذلك شيء من الأشياء عن الجامع الأزهر برهن ولا بغيره، ولا يعطا من ذلك شيء لمن يعرف التفريط وأن يقوم الخازن بكتابة أسماء لمن يطلب منه كراسا ويأخذه منه ثم إذا إعاده مسح اسمه ومن الواقفين من سمح لطلبة العلم من نفس المدرسة إستعارة الكتب لمدة شهر على الأكثر للإنتفاع بها ومنهم من نبه إلى تغير أمين المكتبة إن ظهر منه أهمال أو تقصير.
كما حدد بعض الواقفين مواعيد الاستفادة اليومية حيث جاء في وثيقة وقف السلطان الغوري: ويفتح الخزانة في أيام الدروس يومين في الجمعة لطلبة العلم (4) .
الخلاصة :
من دراسة الوقف التعليمي ومكتبات المدارس يبدو مدى إدراك الواقفين لأهمية المكتبة ولا سيما لطلب العلم، في وقت كانت الطباعة نادرة، والنسخ باليد، ومن هنا يسر الوقف التعليمي الحصول على الكتاب وبذلك ساهمت الأوقاف في بناء العلماء في الحضارة الإسلامية وهذا ما نفتقده في أيامنا هذه، وللحديث بقية بإن الله .
الهوامش:
(1) محمد أحمد أمين (إنظر هوامش المقال السابق)
(2) سعيد عاشور، مصر في عصر دولة المماليك البحرية القاهرة (1959م ) ـ عبد اللطيف إبراهيم، دراسات في وثائق عصر السلطان الغوري جامعة القاهرة (1956) ـ دراسة دكتوراه .
(3) وثيقة وقف الإبشاوي رقم (278) محفظة (43) نشر الدكتور عبد اللطيف إبراهيم ـ المرجع السابق.
(4) وثيقة وقف الغوري (883) المرجع السابق