Warning: Function get_magic_quotes_gpc() is deprecated in /home/forumbs/public_html/includes/class_core.php on line 1960
عدم دستورية الحكم في إجراءات الغرامة الجزافية في القانون الجزائري [الأرشيف] - منتديات بانى ستار

المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عدم دستورية الحكم في إجراءات الغرامة الجزافية في القانون الجزائري



Bakenam
08-08-2009, 05:13 PM
عدم دستورية الحكم في إجراءات الغرامة الجزافية في القانون الجزائري



بقلم: الأستاذ المحامي الأخضر فنغور

إن ظاهرة مخالفة القواعد الدستورية في وضع القوانين، تنم عن ارتباك واضح في التشريع، بسبب محاولة الإدارة الفوز لنفسها بامتيازات عديدة على حساب السلطة القضائية من جهة وعلى حساب حقوق المواطن المكفولة دستوريا وفي المواثيق والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر أو انضمت إليها.

وهذا ما نلحظه في موضوع يومنا هذا حول مدى دستورية المواد التي تتحدث عن الغرامة الجزافية ضمن قانون الإجراءات الجزائية.

ومنهجيا وحتى لا نخلط بين الغرامة الجزافية وغرامة الصلح فلا بد لنا أن نشير إلى أن المشرع الجزائري قد استعمل في الفصل الخاص بغرامة الصلح مصطلحين اثنين الأول غرامة الصلح ضمن المواد 381 إلى غاية المادة 391، ويظهر مصطلح جديد بالأمر رقم 75-46 المؤرخ في 17 يونيو 1975 المتضمن تعديل قانون الإجراءات الجزائية، يسمى غرامة الصلح، وذلك لكي يورد فقط شروط تطبيق هذا النوع من الغرامة، غير أنه وحتى يؤكد المشرع الفرق بين نوعي الغرامتين الواقعتين في نفس الفصل فإن أورد تعديلا جديدا في المواد 392 و 392 مكرر يحدد الإجراءات التي يتم من خلالها تطبيق هذه الغرامة على غرار غرامة الصلح.

وإن لم يورد قانون الإجراءات الجزائية أي تعريف لنوعي الغرامة ألا أنه بالإمكان أن نعرف غرامة الصلح من خلال المادة 381 هي إجراء تقوم به النيابة العامة بديلا عن التكليف بالحضور أمام المحكمة، بأن تعرض على المخالف أن يدفع مبلغا ماليا لا يقل عن الحد الأدنى للغرامة المقررة قانونا.

بينما المادة 392 فإنها تحاول أن تعرف بالغرامة الجزافية من خلال النتائج المترتبة عن الامتثال للتسديد أو الإجراءات المتبعة في حال عدم التسديد.

إنه بالرغم من التشابه الواضح والكبير بين غرامة الصلح والغرامة الجزافية فإنهما يختلفان اختلافا كبيرا ولاسيما من حيث تطبيقاتهما الميدانية.

وبالرغم من وجود تعديل بالأمر رقم 75-46 المؤرخ في 17 يونيو 1975 إلا أن هذه المادة تبقى مؤقتا شاذة في قانون الإجراءات الجزائية باستعمالها مصطلح الغرامة الجزافية، ولا يمكن تفسير هذا التعديل إلا إذا رجحنا أنه قد أوجد لينسجم مع قانون المرور 71-15 الصادر في 05 أفريل 1971 ولاسيما في الفصل الخاص بإجراءات تطبيق الغرامة الجزافية المتضمن المادة 351 وما يليها، وذلك لأن قانون الإجراءات الجزائية قد صدر سنة 1966 ولم يكن يعرف مصطلح الغرامة الجزافية.

ومن ثم فإنه من رأينا أن الغرامة الجزافية تطبق إذا نص عليها قانون خاص تدقيقا بهذا المصطلح أما إذا كانت مجرد مخالفة فإننا نطبق المواد من 281 إلى 290 مع توافر الشروط الواردة بالمادة 391 من قانون الإجراءات الجزائية فتتبع في ذلك الإجراءات العادية في حال عدم دفع غرامة الصلح.

إلا أن ما يهمنا في موضوعنا هذا هو الغرامة الجزافية المنصوص عليها إثر تعديل في قانون الإجراءات الجزائية سواء ما تعلق بالأمر رقم 75-46 المؤرخ في 17 يونيو 1975 أو التعديل الوارد بالقانون رقم 78-01 المؤرخ في 18 يناير 1978، وهذه التعديلات بالإضافة إلى عدم انسجامها مع قانون الإجراءات الجزائية في حد ذاته فإنها أصبحت مخالفة للدستور سواء في تقريره لحق الدفاع أو للفصل بين السلطات واستقلالية القضاء، وحرية القاضي في إصدار الأحكام.

المادة 392 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية والتي تنص على الإجراءات التي يبت من خلالها القاضي في القضية المرفوعة إليه في حال عدم تسديد الغرامة الجزافية، مما يعني أن هذه المادة لا تنسجم مع تطبيق الإجراءات الأخرى، فإذا كانت الأولى تنتهي بالتسديد أو بتطبيق المادة 394 من قانون الإجراءات الجزائية فإن المادة 392 من نفس القانون تنص على أن القضية إذا أحيلت على القاضي فإنه لا يقوم فيها، بأي حال من الأحوال، باتباع الإجراءات المنصوص عليها في المادة 394 بل عليه أن يبت في الدعوى دون تمكين المتهم من حق الدفاع.

ويفهم من نص المادة 392 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية أن القاضي ملزم بأن يحكم بضعفي الغرامة المقررة :

.... بإصدار أمر جزائي يتضمن الحكم بغرامة لا يمكن أن تكون في أي حال من الأحوال أقل من ضعف الحد الأدنى المقرر للمخالفة.

و إذا كان القاضي كذلك أي إذا كانت الغرامة الجزافية المقررة قانونا هي 1.500.00 دج فإن القاضي ملزم بالحكم بمبلغ 3.000.00 دج إلى جانب المصاريف القضائية، فإن المشرع قد حبس القاضي عن تطبيق المادة 53 من قانون العقوبات، التي تقرر سلطته التقديرية في منح ظروف التخفيف، وهذا يعد تضييقا على حرية القاضي المنصوص عليها دستوريا، فيصبح أداة لتثبيت محضر العون الذي قرر الغرامة، بحكم يعادل السندات التنفيذية الرسمية الأخرى.

وإن كان المشرع سيعطي للقاضي في المرحلة اللاحقة من الإجراءات حريته في إلغاء الحكم أو تثبيته بعد أن تحال إليه القضية ثانية، وذلك بعد أن يرفع المتهم شكوى إلى إدارة المالية في ظرف 10 أيام يرفض فيها التسديد، إذ يوقف آليا تنفيذ السند. فإن طريقة إحالة الملف إلى القاضي هذه المرة لم يشر إلى دور النيابة العامة فيها. وإن كان من الجدير أن يحدد القانون كيفية السير في الإجراءات بهذه النقطة فإننا نلاحظ، إضافة إلى ذلك، غياب أي نص تنظيمي لهذه المسألة، أو إشارة لفتح الباب لإصداره.

والأدهى من ذلك أن تثبيت الحكم أو إلغاء يتم في غياب تام للمتهم، فالمتهم لا يكلف بالحضور حسب نص المادة، لأنها لا تشير إلى ذلك إطلاقا، وكأن القاضي قد كلف للقيام بعمل إداري، كان من الممكن أن يسند إلى النيابة أو إلى إدارة المالية فتقوم بذلك، فلا تلصق التهمة بجهاز العدالة في خرق أبسط المبادئ القانونية منها أصل البراءة في المتهم و حق الدفاع.

ففي المرحلة الأولى تنص المادة 292 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية على أن الفصل في القضية يتم بدون مرافعة أي أنه يستغنى أصلا عن حضور المتهم:

يبت القاضي في ظرف عشرة أيام ابتداء من تاريخ رفع الدعوى دون مرافعة مسبقة بإصدار أمر جزائي...

وبما أن حق الدفاع مكفول دستوريا فإن المشرع من الممكن تجاوز هذه المسألة ومعالجتها بإحدى الطريقتين:

1- إلعاء المواد 292 و 292 و 293 من قانون الإجراءات الجزائية، وتوحيد المصطلح في القوانين الأخرى ولاسيما قانون المرور بإلغاء مصطح الغرامة الجزافية والإبقاء على كلمة غرامة فقط أو إردافها بكلمة صلح، فتصبح غرامة الصلح انسجاما مع قانون الإجراءات الجزائية.

2- أما الطريقة الثانية فهي الإبقاء على هذه المواد ولكن بتوضيح الإجراءات التي تتبع بعد توقيف السند التنفيذي بسبب رفع الشكوى من قبل المخالف، على أن تتعامل النيابة مع القضية بشكل عاد وتكلف المتهم للحضور إلى المحكمة أمام قاضي المخالفات مع تمكينه من حقه في الدفاع سواء بنفسه أو بواسطة محام للدفاع عنه.

وبهذا يكون القانون قد انسجم مع اللائحة الأممية لحقوق الإنسان وكذلك مع المعاهدة الدولية التي انضمت إليها الجزائر والخاصة بالحقوق السياسية والمدنية، وباقي المواثيق الدولية والنصوص المتعلقة بحقوق الإنسان، دون أن ننسى المواد الدستورية المتعلقة باستقلاتلية القضاء وحرية القاضي وسلطته في إصدار الأحكام، وكذلك حق الدفاع المكفول قانونا ومبدأ البراءة في الإنسان حتى تثبت إدانته.

إنه لا يمكن أن يستقيم الظل والعود أعوج، وكذلك لا يمكن أن نقيم دولة القانون، ونحن ما زلنا نخاف من حق الدفاع ومن حرية القاضي، وننكر على أنفسنا براءتنا في الأصل.

المصدر : مدونة الكاتب