maghfera
07-25-2009, 04:24 PM
اسم الله الحفيظ
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين..
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنور المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات..
أيها الإخوة الكرام مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم الحفيظ، وقد ورد هذا الحفظ في قوله تعالى: { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ }.. { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } وفي قوله تعالى عن هود -عليه السلام- { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } وقد ورد أيضا هذا الاسم مقيد الاسم كما تعلمون يرد مطلق أو مقيد ورد مقيد في قوله تعالى: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } لم يرد هذا الاسم في السنة.
أما من حيث اللغة فالحفيظ في اللغة صيغة مبالغة من اسم الفاعل.. الحافظ.. الحافظ اسم فاعل صيغة المبالغة منه الحفيظ.. الفعل حفظ يحفظ حفظا.. الآن حفظ الشيء صيانته من التلف، والضياع، ويستعمل الحفظ في العلم على معنى الضبط، وعدم النسيان أو تعهد الشيء، وقلة الغفلة عنه رجل حافظ، وقوم حفاظ هم الذين رزقوا حفظ ما سمعوا، وقلما ينسون شيء بالمناسبة الذكاء شيء، والذاكرة القوية شيء آخر.. لكن بينهم منطقة مشتركة.. يعني كل زكي لابد من ذاكرة تعينه في استرجاع الحقائق، وكل من يملك ذاكرة قوية على شيء من الذكاء.. أما الذكاء شيء، وصاحب الذاكرة القوية شيء آخر، والحافظ، والحفيظ أيضا هو الموكل بالشيء يحفظه، ومن ذلك الحفظة من الملائكة كما في قوله تعالى: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ}.
المؤمن { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ} يحفظونه وقف من أمر الله.. يعني الله -عز وجل- كرم المؤمن بأنه وكل ملائكة يحفظونه من أمر الله.. المؤمن محفوظ.. الملائكة الحفظة الذين يحصون الأعمال، ويكتبونها على بني آدم كما قال تعالى: { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ{10} كِرَاماً كَاتِبِينَ{11} يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}، ويقال حفظ المال، والسر حفظا رعاه، وصانه، واحتفظ بالشيء لنفسه.. يعني خصه به، والتحفظ قلة الغفلة في الأمور، والكلام هذا ما يتعلق بمصدر الحفظ في اللغة.
أما أن الله -سبحانه وتعالى- هو الحفيظ.
أيها الإخوة هذا الاسم من أقرب الأسماء للمؤمن.. أما الحفيظ -سبحانه وتعالى- هو العليم المهيمن لن تكون مهيمن إلا إذا كنت عليم العليم المهيمن لا تغيب عنه شاردة، ولا واردة { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ }، لا تخفى عليه خافية الحفيظ هو العليم، والمهيمن هو الرقيب على خلقه..
إن الله كان عليكم رقيبا { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } من لوازم أنه حفيظ يعلم كل شيء لا يغيب عنه شيء.. العليم.. المهيمن.. الرقيب على خلقه { لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} في ملكه الآن، والحفيظ هو الذي يحفظ أعمال المكلفين..
أعمالك محفوظة عنده حركاتك، وسكناتك محفوظة عنده، والذي شرف بحفظها الكرام الكاتبين { يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } يدونون على العباد القول أقوالهم، وخطراتهم، وحركاتهم، وسكناتهم.
الآية الكريمة { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ{214} وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{215} فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ{216} وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ{217} الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} حركاتك، وسكناتك، وخطراتك، وكل جزئيات حياتك محفوظة عند الله -عز وجل- والحفيظ بمعنى ثالث يحفظ على عباده أسماعهم، وأبصارهم، وجلودهم.. يحفظ لهم أسماعهم، وأبصارهم، وجلودهم لماذا؟
قال: لتشهد عليهم يوم اللقاء.. يوم تشهد عليهم أسماعهم، وأبصارهم، وجلودهم. أيها الإخوة والحفيظ بمعنى رابع هو يحفظ من يشاء من الشر، والأذى، والبلاء.. أرأيت إلى هذا الاسم يتصل بحياتنا اتصال وثيق.
والحفيظ هو الذي يحفظ أهل الإيمان، والتوحيد، ويعصمهم من الهوى، وشبهات الشيطان، ويحول بين المرأ وقلبه من الوقوع في العصيان { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } لا حول ولا قوة إلا بالله.. لا حول عن معصيته إلا به، ولا قوة على طاعته إلا به.. يحفظ أهل التوحيد، والإيمان، ويعصمهم من الهوى، وشبهات الشيطان، ويحول بين المرأ وقلبه من الوقوع في العصيان الآن.
والحفيظ هو الذي يهيئ الأسباب إلى الطاعة، والإيمان.. يحفظك من الوقوع في العصيان، ويمدك بالأسباب التي تعينك على الطاعة، والإيمان.. ثبت عن حديث ابن مسعود (رضي الله عنه) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو ويقول: "اللهم أحفظني بالإسلام قائم واحفظني بالإسلام قاعد واحفظني بالإسلام راقد قائم قاعد راقد ولا تشمت بي عدو ولا حاسد اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك" لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "والشر ليس إليك" كلام دقيق.. يعني الشر نسبي.. ليس هناك شر مطلق.
الشر المطلق يتناقض مع وجود الله في خير مطلق، وفي شر نسبي.. يعني هذه المصيبة بالنسبية إليك تعد شر.. لكنها بالنسبة لمآلك، ومستقبل حياتك تعد خيرا؛ لذلك الله -عز وجل- يوظف الشر النسبي للخير المطلق، "والشر ليس إليك" للتوضيح مركبة من أحدث المركبات ساقها صاحبها وهو ثمل شرب الخمر، وساقها إذا دخل في الوادي تحطمت هذا المنظر المشوه للمركبة.. هل يحتاج إلى صانع؟ لا.. الصانع أخرجها من معمله.. أما حين أسيء استخدامها، وتحطمت نقول هذا الشر ناتج عن مخالفة التعليمات، "والشر ليس إليك" الشر سلبي.. الشر ناتج عن إنسان أعطاه الله حرية الإرادة، وأعطاه الشهوات، ولم يتحرك وفق منهج الله.. لو تحرك وفق منهج الله لما كان شر إطلاقا.
فالشر ناتج من كائن أودع الله فيه الشهوات، ومعه حرية الاختيار، وتحرك من غير ضابط من منهج الله؛ لذلك قال تعالى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} إذا الشر نسبي، "والشر ليس إليك" بينما الشر المطلق لا وجود له في الكون.. بل الشر المطلق يتناقض مع وجود الله.. الشر ناتج عن سوء الاستعمال. الملح مادة مهمة جدا إذا وضعت في الحلويات لا تأكلها صار حلويات لا تؤكل.. الأصل الملح مادة مفيدة، والسكر مادة مفيدة، والمواد التي صنعت منها الحلويات مواد مفيدة.. أما حينما أسيء استخدام الملح وضع في الحلويات هذا شر نسبي من سوء الاستعمال، والسكر مادة مفيدة، والمسحوق الأبيض للتنظيف مادة مفيدة إن وضعت في الطعام.. الطعام لا يؤكل..
الشر سلبي لا يحتاج إلى صانع.. يحتاج إلى إنسان مخير.. تحرك بقوة شهوته من دون ضابط من شرع، والدليل الواضح { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} معنى ذلك الذي يتبع هواه وفق هدى الله -عز وجل- لا شيء عليه.
الآن والحفيظ أيضا هو الذي حفظ السماوات والأرض بقدرته قال تعالى: { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } فالله حفيظ لمخلوقاته أي أنه يبقيها على حالها لغاياتها، وينظم ترابط العلل بالمعلولات هذه القوانين في علة، وفي معلول.. يعني في سبب، وفي نتيجة من نظم علاقة الأسباب بالنتائج هو الله -عز وجل- يعني الله -عز وجل- فضل علينا بمليارات القوانين قوانين ثابتة.. هذه القوانين الثابتة تنظم الحياة..
أنت أمام قوانين، والقانون يعطيك قدرة على التنبؤ في فواصل تمدد.. التمدد قانون أثناء البناء تراعي هذا القانون.. فالبناء لا يتصدع.. لو ما في قوانين الحياة لا تعايش تصبح الحياة شاقة جدا.. كل شيء له قانون.
إذا الحفيظ يبقي مخلوقاته على حالها لغايتها، وينظم ترابط العلل بمعلولاته وهو -سبحانه وتعالى- يحفظ الأشياء بذواتها، وصفاتها.
الإمام الغزالي (رحمه الله تعالى) ذكر أن الحافظ على وجهين يعني الحفظ الإلهي على وجهين..
الوجه الأول: إدامة وجود الموجودات، وإبقائها، ومضاد له الإعدام الشيء الموجود.. يعني المحفوظ.. الحفظ يعني البقاء.. الله -عز وجل- أبقى الشمس شمس، والقمر قمر، والنجوم نجوم.. أبقى الماء ماء، والهواء هواء.. أبقى المعادن معادن أعطاها الخواص.. خواص ثابتة، والله تعالى هو الحافظ للسماوات والأرض والملائكة والموجودات التي يطول أمدها، والتي لا يطول في شيء. بيقول لك: القمح مثلا وجد في الأهرامات من ستة آلاف عام.. فلما زرع نبت، وبالقمح في رشيم.. رشيم كائن حي معنى هذا الكائن الحي عاش ستة آلاف عام في أشياء يمد لها في العمر.. في أشياء عمرها سريع..
جسمك أقصى خلية عمرها 48 ساعة.. خلايا زغابات.. الأمعاء تتجدد كل 48 ساعة، وأطول خلية بالإنسان عمرها 5 سنوات.. الخلية العضلية يعني أنت أيها الإنسان تتجدد كليا كل خمس سنوات عدا خلايا الدماغ، وخلايا القلب.. كل المعلومات، والأفكار، والخبرات، والمهارات، والذواكر بالدماغ لو أنها تبدلت يفقد الإنسان كل اختصاصه.. أنا كنت طبيب فالدماغ ثابت، وجميع المشاعر، والأذواق في القلب، وتبديل القلب في مشكلة كبيرة جدا مشاعر القلب صاحب القلب الأول تتأتى للذي زرع هذا القلب له.. فأول وجه من وجوه الحفظ إدامة وجود الموجودات، وإبقائها، وهذا يعاكسه الإعدام.
والله تعالى هو الحافظ للسماوات، والأرض، والملائكة، والموجودات التي يطول أمد بقائها، والتي لا يطول.
الوجه الثاني للحفظ: أن الحفظ صيانة للمتقابلات، والمتضادات بعضها عن بعض.. الماء يطفئ النار.. فالماء والنار متضادان، والنار تحيل الماء بخار، والماء والنار أيضا متضادان.. ما الذي يحفظ للماء وجوده، وللنار وجودها؟ هو الله -عز وجل- هما يتعاديان، ويتناقضان.
أيها الإخوة وقد جمع الله -عز وجل- بين هذه المتضادات المتنازعة في سائر العناصر، والمركبات، وسائر الأحياء كالإنسان، والحيوان، والنبات.. الآن ارتباط العلل بمعلولاته.. يعني الأسباب بنتائجها.. ارتباط من خلق الله -عز وجل- لولا هذا الارتباط لتنافرت، وتباعدت، وبطل امتزاجها، ومحل تركيبها..
الآن لو دخلنا في موضوع يمسنا كثيرا كل إنسان وصل لمنصب يحافظ عليه.. بل إن أربعة أخماس وقته، وجهده للحفاظ على هذا المنصب.. كل إنسان وصل إلى مكتسب يحافظ عليه وصل إلى سرة يحافظ عليها.. وصل إلى مركز يحافظ عليه.. فالحفاظ على الشيء من طباع الإنسان.. لكن الحفظ الحقيقي الذي تسعى إليه جاهد لا يكون بجهدك، ولكن يكون بحفظ الله لك.. لا يكون بجهدك بل يكون بحفظ الله لك، والله -عز وجل- قال: { فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} يعني جميع الأسباب التي تتخذها للحفاظ على مالك قد لا تفلح.. لما يفلح في حفظ المال أن تؤدي زكاته.. ما تلف مال في بر أو بحر إلا بحبس الزكاة.
فالآن البطولة لا أن تتخذ الأسباب المادية لحفظ ما أنت فيها اتخذ الأسباب التشريعية لحفظ ما أنت فيها.. يعني ولا ينفع ذا الجد منك الجد، ويؤتي الحذر من مأمنه، والله -عز وجل- له أفعال عجيبة حتى أن بعضهم قال: عرفت الله من نقض العزائم.. جميع الجهود الجبارة التي تبذل من أجل الحفاظ على الشيء قد لا تجدي.. لا يجدي إلا أن يحفظك الله.. { فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
أنا لا أرفض أن أأخذ بالأسباب.. خذ بالأسباب.. لكن البطولة أن تأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله، وكأنها ليست بشيء.. هذه البطولة يعني البطولة أن أراجع مركبتي مراجعة تامة قبل السفر.. أراجع كل شيء فيها، وبعد هذه المراجعة التامة أوجه إلى الله -عز وجل- وأقول له: يا رب أنت الحافظ.. أنت الموفق.. أنت المسلم.. أدرس دراسة متقنة جدا، وقبل الامتحان يقول له: يا رب أنت الموفق.. أنت المعين على النجاح.. من السهولة بمكان أن تأخذ بالأسباب، وأن تنسى الله -عز وجل-.
ومن السهولة أيضا أن تكون كسائر المسلمين لا يأخذون بالأسباب إطلاقا هذا موقف غير صحيح، وغير علمي.. ينبغي أن تأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله، وكأنها ليست بشيء.. بل إن السلوك الصحيح طريق عن يمينه واد سحيق، وعن يساره واد سحيق إن أخذت بالأسباب، واعتمدت عليها، ونسيت الله -عز وجل- أو ألهتها كالغرب وقعت في واد الشرك، وإن لم تأخذ بها الشرقيين، وتواكلت على الله تواكل ساذج وقعت في وادي المعصية.
الصواب أن تأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله، وكأنها ليست بشيء.
هذا الدرس البليغ يحتاجه المسلمون.. إن الله يلوم على العجز تستسلم تقول: ما بيدنا شيء.. انتهينا.. المصير بيد الله -عز وجل- وأنت لا تعمل هذا موقف انهزامي.. موقف بعيد عن الموقف الصحيح.. اعتقادا أن تأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء.. إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل.. أنت تأخذ بالأسباب.. أما حينما يحال بينك، وبين النتائج عندئذ لك أن تقول: حسبي الله ونعم الوكيل.
إذن الحفاظ على الشيء لا يقل عن تحصيله، والحفظ الحقيقي يكون بأخذ الأسباب، والتوكل على رب الأرباب، ولا ينفع ذا الجد منك الجد مع الله.. ما في زكا في مستقيم.. المستقيم يحفظه الله -عز وجل- أما الذكي يؤتي من مأمنه.. يؤتي من جهة ليست متوقعة.
كما تعلمون أيها الإخوة الإنسان معرض لأخطار لا تنتهي مهما أخذ الإنسان بأسباب الحفظ فقد يؤتي الحذر من مأمنه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- علمنا أن نأخذ بالأسباب اعقل، وتوكل.. يعني في طبيب بأمريكا رفع راية الجري، والجري مفيد جدا للقلب.. لكنه قال: إن الذي يجري لا يصاب بآفة قلبية إطلاقا، وله مقالات، وندوات، وكتب وهو يجري في اليوم عشرين كيلو متر.. عمره بين الأربعين، والخمسين مات وهو يجري لا؛ لأن الجري خطأ.. الجري صواب.. لكن؛ لأنه آلة الجري، ونسي الله -عز وجل- يؤتي الحذر من مأمنه.. يعني في ألف القصص حول ذلك ورد في الأثر القدسي أن الله -عز وجل- يخاطب بعض عباده يوم القيامة يقول: "عبدي أعطيتك مال فماذا صنعت فيه؟ يقول: يا رب لم أنفق منه شيء مخافة الفقر على أولادي من بعدي.. يقول الله له: ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين.. إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم.. يقول لعبد آخر: عبدي أعطيتك مال فماذا صنعت فيه؟ يقول: يا ربي أنفقته على كل محتاج، ومسكين لثقتي بأنك خير حافظ، وأنت أرحم الأرحمين.. فيقول الله له: أنا الحافظ لأولادك من بعدك".
أيها الإخوة قضية الحفظ شيء يهم كل مؤمن حفظ الله هو المنجي هو الحقيقي.. أما إذا أخذت الأسباب للحفظ ما في مانع.. بل لابد من أن تأخذها.. لكن إياك أن تنسى الله -عز وجل- إن نسيت الله -عز وجل- يؤتي الحذر من مأمنه، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، واسم الحفيظ من أقرب الأسماء للإنسان.. الله -عز وجل- يحفظ له صحته.. يحفظ له ماله.. يحفظ له أهله.. يحفظ له إيمانه، وهذا الحفظ له ثمن هو طاعة الله -عز وجل-.
والحمد لله رب العالمين .
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين..
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنور المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات..
أيها الإخوة الكرام مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم الحفيظ، وقد ورد هذا الحفظ في قوله تعالى: { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ }.. { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } وفي قوله تعالى عن هود -عليه السلام- { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } وقد ورد أيضا هذا الاسم مقيد الاسم كما تعلمون يرد مطلق أو مقيد ورد مقيد في قوله تعالى: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } لم يرد هذا الاسم في السنة.
أما من حيث اللغة فالحفيظ في اللغة صيغة مبالغة من اسم الفاعل.. الحافظ.. الحافظ اسم فاعل صيغة المبالغة منه الحفيظ.. الفعل حفظ يحفظ حفظا.. الآن حفظ الشيء صيانته من التلف، والضياع، ويستعمل الحفظ في العلم على معنى الضبط، وعدم النسيان أو تعهد الشيء، وقلة الغفلة عنه رجل حافظ، وقوم حفاظ هم الذين رزقوا حفظ ما سمعوا، وقلما ينسون شيء بالمناسبة الذكاء شيء، والذاكرة القوية شيء آخر.. لكن بينهم منطقة مشتركة.. يعني كل زكي لابد من ذاكرة تعينه في استرجاع الحقائق، وكل من يملك ذاكرة قوية على شيء من الذكاء.. أما الذكاء شيء، وصاحب الذاكرة القوية شيء آخر، والحافظ، والحفيظ أيضا هو الموكل بالشيء يحفظه، ومن ذلك الحفظة من الملائكة كما في قوله تعالى: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ}.
المؤمن { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ} يحفظونه وقف من أمر الله.. يعني الله -عز وجل- كرم المؤمن بأنه وكل ملائكة يحفظونه من أمر الله.. المؤمن محفوظ.. الملائكة الحفظة الذين يحصون الأعمال، ويكتبونها على بني آدم كما قال تعالى: { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ{10} كِرَاماً كَاتِبِينَ{11} يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}، ويقال حفظ المال، والسر حفظا رعاه، وصانه، واحتفظ بالشيء لنفسه.. يعني خصه به، والتحفظ قلة الغفلة في الأمور، والكلام هذا ما يتعلق بمصدر الحفظ في اللغة.
أما أن الله -سبحانه وتعالى- هو الحفيظ.
أيها الإخوة هذا الاسم من أقرب الأسماء للمؤمن.. أما الحفيظ -سبحانه وتعالى- هو العليم المهيمن لن تكون مهيمن إلا إذا كنت عليم العليم المهيمن لا تغيب عنه شاردة، ولا واردة { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ }، لا تخفى عليه خافية الحفيظ هو العليم، والمهيمن هو الرقيب على خلقه..
إن الله كان عليكم رقيبا { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } من لوازم أنه حفيظ يعلم كل شيء لا يغيب عنه شيء.. العليم.. المهيمن.. الرقيب على خلقه { لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} في ملكه الآن، والحفيظ هو الذي يحفظ أعمال المكلفين..
أعمالك محفوظة عنده حركاتك، وسكناتك محفوظة عنده، والذي شرف بحفظها الكرام الكاتبين { يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } يدونون على العباد القول أقوالهم، وخطراتهم، وحركاتهم، وسكناتهم.
الآية الكريمة { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ{214} وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{215} فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ{216} وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ{217} الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} حركاتك، وسكناتك، وخطراتك، وكل جزئيات حياتك محفوظة عند الله -عز وجل- والحفيظ بمعنى ثالث يحفظ على عباده أسماعهم، وأبصارهم، وجلودهم.. يحفظ لهم أسماعهم، وأبصارهم، وجلودهم لماذا؟
قال: لتشهد عليهم يوم اللقاء.. يوم تشهد عليهم أسماعهم، وأبصارهم، وجلودهم. أيها الإخوة والحفيظ بمعنى رابع هو يحفظ من يشاء من الشر، والأذى، والبلاء.. أرأيت إلى هذا الاسم يتصل بحياتنا اتصال وثيق.
والحفيظ هو الذي يحفظ أهل الإيمان، والتوحيد، ويعصمهم من الهوى، وشبهات الشيطان، ويحول بين المرأ وقلبه من الوقوع في العصيان { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } لا حول ولا قوة إلا بالله.. لا حول عن معصيته إلا به، ولا قوة على طاعته إلا به.. يحفظ أهل التوحيد، والإيمان، ويعصمهم من الهوى، وشبهات الشيطان، ويحول بين المرأ وقلبه من الوقوع في العصيان الآن.
والحفيظ هو الذي يهيئ الأسباب إلى الطاعة، والإيمان.. يحفظك من الوقوع في العصيان، ويمدك بالأسباب التي تعينك على الطاعة، والإيمان.. ثبت عن حديث ابن مسعود (رضي الله عنه) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو ويقول: "اللهم أحفظني بالإسلام قائم واحفظني بالإسلام قاعد واحفظني بالإسلام راقد قائم قاعد راقد ولا تشمت بي عدو ولا حاسد اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك" لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "والشر ليس إليك" كلام دقيق.. يعني الشر نسبي.. ليس هناك شر مطلق.
الشر المطلق يتناقض مع وجود الله في خير مطلق، وفي شر نسبي.. يعني هذه المصيبة بالنسبية إليك تعد شر.. لكنها بالنسبة لمآلك، ومستقبل حياتك تعد خيرا؛ لذلك الله -عز وجل- يوظف الشر النسبي للخير المطلق، "والشر ليس إليك" للتوضيح مركبة من أحدث المركبات ساقها صاحبها وهو ثمل شرب الخمر، وساقها إذا دخل في الوادي تحطمت هذا المنظر المشوه للمركبة.. هل يحتاج إلى صانع؟ لا.. الصانع أخرجها من معمله.. أما حين أسيء استخدامها، وتحطمت نقول هذا الشر ناتج عن مخالفة التعليمات، "والشر ليس إليك" الشر سلبي.. الشر ناتج عن إنسان أعطاه الله حرية الإرادة، وأعطاه الشهوات، ولم يتحرك وفق منهج الله.. لو تحرك وفق منهج الله لما كان شر إطلاقا.
فالشر ناتج من كائن أودع الله فيه الشهوات، ومعه حرية الاختيار، وتحرك من غير ضابط من منهج الله؛ لذلك قال تعالى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} إذا الشر نسبي، "والشر ليس إليك" بينما الشر المطلق لا وجود له في الكون.. بل الشر المطلق يتناقض مع وجود الله.. الشر ناتج عن سوء الاستعمال. الملح مادة مهمة جدا إذا وضعت في الحلويات لا تأكلها صار حلويات لا تؤكل.. الأصل الملح مادة مفيدة، والسكر مادة مفيدة، والمواد التي صنعت منها الحلويات مواد مفيدة.. أما حينما أسيء استخدام الملح وضع في الحلويات هذا شر نسبي من سوء الاستعمال، والسكر مادة مفيدة، والمسحوق الأبيض للتنظيف مادة مفيدة إن وضعت في الطعام.. الطعام لا يؤكل..
الشر سلبي لا يحتاج إلى صانع.. يحتاج إلى إنسان مخير.. تحرك بقوة شهوته من دون ضابط من شرع، والدليل الواضح { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} معنى ذلك الذي يتبع هواه وفق هدى الله -عز وجل- لا شيء عليه.
الآن والحفيظ أيضا هو الذي حفظ السماوات والأرض بقدرته قال تعالى: { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } فالله حفيظ لمخلوقاته أي أنه يبقيها على حالها لغاياتها، وينظم ترابط العلل بالمعلولات هذه القوانين في علة، وفي معلول.. يعني في سبب، وفي نتيجة من نظم علاقة الأسباب بالنتائج هو الله -عز وجل- يعني الله -عز وجل- فضل علينا بمليارات القوانين قوانين ثابتة.. هذه القوانين الثابتة تنظم الحياة..
أنت أمام قوانين، والقانون يعطيك قدرة على التنبؤ في فواصل تمدد.. التمدد قانون أثناء البناء تراعي هذا القانون.. فالبناء لا يتصدع.. لو ما في قوانين الحياة لا تعايش تصبح الحياة شاقة جدا.. كل شيء له قانون.
إذا الحفيظ يبقي مخلوقاته على حالها لغايتها، وينظم ترابط العلل بمعلولاته وهو -سبحانه وتعالى- يحفظ الأشياء بذواتها، وصفاتها.
الإمام الغزالي (رحمه الله تعالى) ذكر أن الحافظ على وجهين يعني الحفظ الإلهي على وجهين..
الوجه الأول: إدامة وجود الموجودات، وإبقائها، ومضاد له الإعدام الشيء الموجود.. يعني المحفوظ.. الحفظ يعني البقاء.. الله -عز وجل- أبقى الشمس شمس، والقمر قمر، والنجوم نجوم.. أبقى الماء ماء، والهواء هواء.. أبقى المعادن معادن أعطاها الخواص.. خواص ثابتة، والله تعالى هو الحافظ للسماوات والأرض والملائكة والموجودات التي يطول أمدها، والتي لا يطول في شيء. بيقول لك: القمح مثلا وجد في الأهرامات من ستة آلاف عام.. فلما زرع نبت، وبالقمح في رشيم.. رشيم كائن حي معنى هذا الكائن الحي عاش ستة آلاف عام في أشياء يمد لها في العمر.. في أشياء عمرها سريع..
جسمك أقصى خلية عمرها 48 ساعة.. خلايا زغابات.. الأمعاء تتجدد كل 48 ساعة، وأطول خلية بالإنسان عمرها 5 سنوات.. الخلية العضلية يعني أنت أيها الإنسان تتجدد كليا كل خمس سنوات عدا خلايا الدماغ، وخلايا القلب.. كل المعلومات، والأفكار، والخبرات، والمهارات، والذواكر بالدماغ لو أنها تبدلت يفقد الإنسان كل اختصاصه.. أنا كنت طبيب فالدماغ ثابت، وجميع المشاعر، والأذواق في القلب، وتبديل القلب في مشكلة كبيرة جدا مشاعر القلب صاحب القلب الأول تتأتى للذي زرع هذا القلب له.. فأول وجه من وجوه الحفظ إدامة وجود الموجودات، وإبقائها، وهذا يعاكسه الإعدام.
والله تعالى هو الحافظ للسماوات، والأرض، والملائكة، والموجودات التي يطول أمد بقائها، والتي لا يطول.
الوجه الثاني للحفظ: أن الحفظ صيانة للمتقابلات، والمتضادات بعضها عن بعض.. الماء يطفئ النار.. فالماء والنار متضادان، والنار تحيل الماء بخار، والماء والنار أيضا متضادان.. ما الذي يحفظ للماء وجوده، وللنار وجودها؟ هو الله -عز وجل- هما يتعاديان، ويتناقضان.
أيها الإخوة وقد جمع الله -عز وجل- بين هذه المتضادات المتنازعة في سائر العناصر، والمركبات، وسائر الأحياء كالإنسان، والحيوان، والنبات.. الآن ارتباط العلل بمعلولاته.. يعني الأسباب بنتائجها.. ارتباط من خلق الله -عز وجل- لولا هذا الارتباط لتنافرت، وتباعدت، وبطل امتزاجها، ومحل تركيبها..
الآن لو دخلنا في موضوع يمسنا كثيرا كل إنسان وصل لمنصب يحافظ عليه.. بل إن أربعة أخماس وقته، وجهده للحفاظ على هذا المنصب.. كل إنسان وصل إلى مكتسب يحافظ عليه وصل إلى سرة يحافظ عليها.. وصل إلى مركز يحافظ عليه.. فالحفاظ على الشيء من طباع الإنسان.. لكن الحفظ الحقيقي الذي تسعى إليه جاهد لا يكون بجهدك، ولكن يكون بحفظ الله لك.. لا يكون بجهدك بل يكون بحفظ الله لك، والله -عز وجل- قال: { فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} يعني جميع الأسباب التي تتخذها للحفاظ على مالك قد لا تفلح.. لما يفلح في حفظ المال أن تؤدي زكاته.. ما تلف مال في بر أو بحر إلا بحبس الزكاة.
فالآن البطولة لا أن تتخذ الأسباب المادية لحفظ ما أنت فيها اتخذ الأسباب التشريعية لحفظ ما أنت فيها.. يعني ولا ينفع ذا الجد منك الجد، ويؤتي الحذر من مأمنه، والله -عز وجل- له أفعال عجيبة حتى أن بعضهم قال: عرفت الله من نقض العزائم.. جميع الجهود الجبارة التي تبذل من أجل الحفاظ على الشيء قد لا تجدي.. لا يجدي إلا أن يحفظك الله.. { فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
أنا لا أرفض أن أأخذ بالأسباب.. خذ بالأسباب.. لكن البطولة أن تأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله، وكأنها ليست بشيء.. هذه البطولة يعني البطولة أن أراجع مركبتي مراجعة تامة قبل السفر.. أراجع كل شيء فيها، وبعد هذه المراجعة التامة أوجه إلى الله -عز وجل- وأقول له: يا رب أنت الحافظ.. أنت الموفق.. أنت المسلم.. أدرس دراسة متقنة جدا، وقبل الامتحان يقول له: يا رب أنت الموفق.. أنت المعين على النجاح.. من السهولة بمكان أن تأخذ بالأسباب، وأن تنسى الله -عز وجل-.
ومن السهولة أيضا أن تكون كسائر المسلمين لا يأخذون بالأسباب إطلاقا هذا موقف غير صحيح، وغير علمي.. ينبغي أن تأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله، وكأنها ليست بشيء.. بل إن السلوك الصحيح طريق عن يمينه واد سحيق، وعن يساره واد سحيق إن أخذت بالأسباب، واعتمدت عليها، ونسيت الله -عز وجل- أو ألهتها كالغرب وقعت في واد الشرك، وإن لم تأخذ بها الشرقيين، وتواكلت على الله تواكل ساذج وقعت في وادي المعصية.
الصواب أن تأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله، وكأنها ليست بشيء.
هذا الدرس البليغ يحتاجه المسلمون.. إن الله يلوم على العجز تستسلم تقول: ما بيدنا شيء.. انتهينا.. المصير بيد الله -عز وجل- وأنت لا تعمل هذا موقف انهزامي.. موقف بعيد عن الموقف الصحيح.. اعتقادا أن تأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء.. إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل.. أنت تأخذ بالأسباب.. أما حينما يحال بينك، وبين النتائج عندئذ لك أن تقول: حسبي الله ونعم الوكيل.
إذن الحفاظ على الشيء لا يقل عن تحصيله، والحفظ الحقيقي يكون بأخذ الأسباب، والتوكل على رب الأرباب، ولا ينفع ذا الجد منك الجد مع الله.. ما في زكا في مستقيم.. المستقيم يحفظه الله -عز وجل- أما الذكي يؤتي من مأمنه.. يؤتي من جهة ليست متوقعة.
كما تعلمون أيها الإخوة الإنسان معرض لأخطار لا تنتهي مهما أخذ الإنسان بأسباب الحفظ فقد يؤتي الحذر من مأمنه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- علمنا أن نأخذ بالأسباب اعقل، وتوكل.. يعني في طبيب بأمريكا رفع راية الجري، والجري مفيد جدا للقلب.. لكنه قال: إن الذي يجري لا يصاب بآفة قلبية إطلاقا، وله مقالات، وندوات، وكتب وهو يجري في اليوم عشرين كيلو متر.. عمره بين الأربعين، والخمسين مات وهو يجري لا؛ لأن الجري خطأ.. الجري صواب.. لكن؛ لأنه آلة الجري، ونسي الله -عز وجل- يؤتي الحذر من مأمنه.. يعني في ألف القصص حول ذلك ورد في الأثر القدسي أن الله -عز وجل- يخاطب بعض عباده يوم القيامة يقول: "عبدي أعطيتك مال فماذا صنعت فيه؟ يقول: يا رب لم أنفق منه شيء مخافة الفقر على أولادي من بعدي.. يقول الله له: ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين.. إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم.. يقول لعبد آخر: عبدي أعطيتك مال فماذا صنعت فيه؟ يقول: يا ربي أنفقته على كل محتاج، ومسكين لثقتي بأنك خير حافظ، وأنت أرحم الأرحمين.. فيقول الله له: أنا الحافظ لأولادك من بعدك".
أيها الإخوة قضية الحفظ شيء يهم كل مؤمن حفظ الله هو المنجي هو الحقيقي.. أما إذا أخذت الأسباب للحفظ ما في مانع.. بل لابد من أن تأخذها.. لكن إياك أن تنسى الله -عز وجل- إن نسيت الله -عز وجل- يؤتي الحذر من مأمنه، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، واسم الحفيظ من أقرب الأسماء للإنسان.. الله -عز وجل- يحفظ له صحته.. يحفظ له ماله.. يحفظ له أهله.. يحفظ له إيمانه، وهذا الحفظ له ثمن هو طاعة الله -عز وجل-.
والحمد لله رب العالمين .