المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لغتنا الجميله



ORED_ELGANA
04-23-2008, 04:24 PM
http://www.banias.net/wraiters/150px-Taha_husayn.jpg

الأعمى الذي تحدَّى المبصرين

طه حسين – عميد الأدب العربي –

1889 – 1973


إعداد: يوسف السيِّد أحمد
ذكر الدكتور صلاح الدين المنجِّد كلاماً صريحاً يصف شخصيَّة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين فقال:
"عملاق فذٌّ، ملأ عصره بوجوده، وهزَّه بنزواته وآرائه وخصوماته. كان عجيباً في كلِّ شيء، لأنَّه كان يكره الاعتدال، عجيبٌ في عماه الذي أعطاه الذكاء المتوقِّد.
وفي سخريته من القديم وحبِّه الخروج عليه.
وفي جرأته المتهورة، أيَّام شبابه، التي قادته إلى الهجوم على التوراة وإبراهيم.
وفي خصامه العنيف مع جميع ذوي الشأن من أدباء مصر، من المنفلوطي وشوقي إلى توفيق الحكيم، مروراً بالمازني والعقاد، والرافعي والزيَّات، وزكي مبارك وأحمد أمين.
نعم كان عجيباً في كلِّ شيء، وعبقرياً أيضاً، ولا بدَّ للعبقري من هذه الشخصية المتناقضة، المعقَّدة، وإلاَّ لكان شأنُه شأنَ العامة من الناس".
ولد هذا الطفل في إحدى قرى صعيد مصر في أسرة كثيرة الأولاد، كان هو السابع بينهم، وقد أصاب الرمد عينيه وهو في الثانية من عمره، فأفقده بصره وهو في الثالثة، وأورثه علَّة من علل الجسم ولكنه أكسبه غير صفة من صفات النفس، فقد عُوِّض عن بصره ذكاء حاداً وذاكرة قويَّة، وحدد فقده لبصره الطريق الذي يختاره لنفسه في حياته، وهو طريق التعليم، وحبَّب إليه الصمت وعلَّمه حسن الاستماع، فانصرف إلى الاستماع إلى القصص والأحاديث وانضمَّ إلى رفاق أبيه في ندوة العصر في فناء البيت يستمع إلى آيات القرآن وقصص الغزوات والفتوح وأخبار عنترة والظاهر بيبرس، وأخبار الأنبياء والنسَّاك الصالحين، والتحق بكتَّاب القرية، فحفظ فيه القرآن الكريم، ولمَّا أتمَّ حفظه أخذ في حفظ "مجموع المتون" وقراءة بعض الكتب والأشعار القديمة، بحيث أصبح شيخاً صغيراً، فأتقن التجويد، كلّ ذلك استعداداً لدخول الأزهر، وكان قد سبقه إليه أخ أكبر منه، فصحبه معه وهو في الثالثة عشرة.
يتوسع الدكتور طه حسين في وصفه لتلك المرحلة التي سبقت الأزهر، وكيف كان يعيش في أسرته وذلك في السيرة الذاتية التي كتبها في ثلاثة أجزاء وهي (الأيام) التي رأى فيها النقاد في الشرق والغرب أن هذه القصة أو السيرة الذاتية أروع ما كتبه طه حسين، وهي اعترافات لا تقلّ روعة وجمالاً عمَّا كتبه أدباء الغرب المشهورون من أمثال جوته وروسو وشاتوبريان، إذ يعرض طه ذكرياته عن طفولته وشبابه برقَّة وصراحة منقطعة النظير.
يقصُّ في الجزء الأول من الكتاب كيف نما هذا الطفل الضرير وسط بيئته المتوسِّطة،وكيف أخذ يسيطر تدريجاً على صورة العالم الخارجي من حوله يرعاه حنان أبويه وسط دائرة كبيرة من الأخوة والأخوات. وعندما ينتقل إلى الكتَّاب الذي حفظ فيه القرآن عارضاً صورته دون أن يسترها عيب، واصفاً عيوب التعليم في الكتَّاب، من حالة طلاّبه وشيخه الزريَّة، وكيف يجلس هذا الشيخ على دُكَّةٍ من الخشب صغيرة، ليست بالعالية ولا بالمنخفضة، قد وضعت على يمين الكتَّاب بحيث يمرُّ كلّ داخلٍ بالشيخ، وواصفاً آلامه في ذلك البيت الصعيدي الذي نشأ فيه، والسياج الذي كان يحول دون انطلاقه، والمزرعة التي كانت تنبسط من ورائه، والقناة التي كانت تنتهي إليها دنياه، وإحساسه بأن إخوته يستطيعون ما لا يستطيع، وأن أمّه تأذن لهم في أشياء تحظرها عليه، وكان ذلك يغضبه، حتى تحوَّل ذلك إلى حزن صامت عميقٍ في نفسه، وتوغَّل طه حسين في أعماق نفسه مُظهراً أثر العمى فيها وفي شتَّى تصرُّفاته وأحواله الحياتية، كما أسرف في وصف حاله مع المجتمع الذي يعيش فيه؛ ومن طريف ذلك قوله: "والنِّساء في قرى مصر لا يُحبِبن الصمت ولا يملن إليه، فإذا خلت إحداهنَّ إلى نفسها ولم تجد من تتحدَّث إليه، تحدَّثت إلى نفسها ألواناً من الأحاديث، فغنَّت إن كانت فرحةً، وعدَّدت إن كانت محزونة، وكلُّ امرأة في مصر محزونة حين تريد."
لقد حفظ طه حسين القرآن وهو في التاسعة من عمره، وقد اعتبر نفسه ضعيف الذاكرة، كثير النسيان، لأنَّه كان يجب أن يحفظه قبل ذلك، ويذكر كم كانت فرحته عندما قدَّم له أخوه "ألفية ابن مالك" وهي كتاب كبير من جزأين يشتمل على جميع قواعد اللغة العربية منظومةً شعراً مع شروحها، ومجموع "المتون" وهو عبارة عن مجموعة كبيرة من النصوص الدينية التي حفظها جميعاً مع الألفيَّة استعداداً للذهاب إلى الأزهر.
في الجزء الثاني من كتاب الأيام يخصص طه حسين مساحة واسعة لوصف الأوضاع في الأزهر الذي انتقل إليه برفقة أخيه الذي أهمله، وبقي هو يعاني الأمرين من عدم قدرته على التجول لوحده، إلا في رحاب الأزهر نفسه وأدراجه وزواياه، فينتقل من حلقة اللغة إلى حلقة الفقه ثم إلى الشعر وبعدها إلى النثر وهكذا دواليك.
وكان الأزهر وقتها في آخر أيامه السعيدة التي لم يكن النظام مسيطراً فيه، فالأساتذة أحرار يبدأون متى أرادوا أو متى استطاعوا، والطلاب أحرار يُقبلون على الدروس متى أحبُّوا أو متى أتاحت لهم ظروفهم أن يُقبلوا عليها. وبعد أن ألفَ طه حسين البيئة الأزهرية واختبرها، ضاق ذرعاً بهذه الطريقة وهذا النظام، فيكتب عن هذا الوضع بالنقد اللاذع عن الأزهر وإدارته، ويأخذ على شيوخ الأزهر تمسكهم الأعمى بكلِّ قديم، واحتقارهم العدائي لكلِّ جديد أو تجديد، وعندما كان يضيق بهم، يشعر بالحاجة إلى الحريِّة، وفي أحد الأيام كتب مقالاً عنيفاً يهاجم فيه الأزهر كلّه وشيخ الأزهر خاصة، ويطالب فيه بحريَّة الرأي، ولكن صاحب الجريدة الذي دفع إليه الشابُّ مقاله لم يجرؤ آنذاك أن ينشره، ولكن عن طريقه استطاع أن يتعرَّف على كبار المفكرين المصريين وكان يُطلق عليهم (بيئة الطرابيش) وهم العلمانيون ذوي الفكر المنير في مصر، ثقافتهم حديثة أوروبية، في المقابل كانت (بيئة العمائم) أي علماء الأزهر.
وما لبثت أن أُنشئت الجامعة المصرية الحديثة، فانتسب إليها، وأخذ يحضر دروس الأزهر في الصباح، ويحضر دروس الجامعة في المساء، فوجد في الجامعة حياة جديدة، وطعم مختلف، حيث الأساتذة لا سبيل لمقارنتهم بأساتذة الأزهر، فقد أمضى مدة من الزمن يهاجم الأزهر ومشايخه، بتفكيرهم القديم، ونظرتهم الرجعية للأمور.
اشتد الصراع بين طه حسين والأزهريين، فأمطرهم بوابل من المقالات النقدية الهجومية مشيداً بحياة الجامعة، والأفكار النيرة التي تصدر عن أساتذتها، واستطاع أن ينال درجة الدكتوراه منها، في موضوع يهمه كثيراً وكان بعنوان: (تجديد ذكرى أبي العلاء) بعدها خصصت له الجامعة منحة دراسية في فرنسا، وبرغم الصعوبات الكثيرة التي واجهته في بلاد الغربة (فرنسا) لكنه استطاع أن يتغلَّب عليها جميعاً بعد أن وفَّقه الله بملاقاة الفتاة التي عطفت عليه وكانت له في حياته العين المبصرة، وكانت له الزوجة الرفيقة والمخلصة (سوزان) حيث عاد إلى القاهرة بعد نيله دكتوراه ثانية بالإضافة إلى شهادة في الدراسات العليا في علم التاريخ من جامعة السوربون في باريس.
التحق طه حسين بالجامعة المصرية كمدرِّس، ليصبح واحداً من أركانها، ثم تسلَّم عمدتها، ثم رئيساً للجامعة كلها، ثم فيما بعد أصبح وزيراً للمعارف. كما وخاض غمار السياسة وقد عانى الكثير من الصراعات والأزمات فقد كان من أنصار عدلي باشا، ليواجه سخط أعضاء حزب الوفد والملك وأتباعه عليه.
لقد كتب طه حسين سيرته الذاتية في هذا الكتاب (الأيام) بأسلوب ممتع، وبصراحة شبه تامة، يتتبع الأحداث في ذاكرته وفي نفسه وقلبه وفي مجتمعه، فيثير في القارئ الشفقة والاهتمام، والانتصار لما يقول ويفعل، فتبتئس لابتئاسه، وتسخط لسخطه، كل ذلك بشفافية نفسية تتراءى من خلالها النفس الطيبة، اللينة التي تذوب ليناً في المواقف الإنسانية، ولا تلبث أن تتحوَّل بلينها إلى صمود في نصرة الحق والعدل، فما ثورته على الأزهر وأركان تعليمه إلاَّ غيرةً على الحقيقة الدينية، وعلى مستقبل الأمة المصرية التي كانت عقول أبنائها مقيَّدة بسبب التزمُّت والجمود، فيبعدهم عن جادة الحضارة والرقي. قال في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) : "لا بدَّ من أن يجاري الأزهر هذا التطوُّر ليكون اتصاله بالأجيال الناشئة والأجيال المقبلة أجدى وأقوى من اتصاله بالأجيال الماضية والأجيال الحاضرة... الشرُّ كلّ الشرّ أن يتحدّث رجل الدين إلى الناس فلا يفهمون عنه لأنَّه قديم وهم محدثون، وأن يتحدَّث الناس إلى رجل الدين فلا يفهم لأنَّهم محدثون وهو قديم... إنَّ مهمة الأزهر أخطر جدَّاً مما يظن الأزهريون. وإذن فلا بدَّ من أن تكون سيرة الأزهر ونظم التعليم فيه ملائمة لهذه المهمة الخيِّرة".
تتضمن كتاباته اعترافات كثيرة صريحة لا يخجل من ذكرها، إلا إذا كانت قبيحة فتجده يلطفها بعبارة ملائمة، أو بكلمة مستساغة، وقد تلمس في اعترافاته أحياناً تهكماً بريئاً خالياً من اللؤم الذي نجده عند كثير من الناس.
لقد كتب طه حسين الكثير من الكتب في نقد الأدب العربي شعراً ونثراً، فقد ذكر رأيه في المثل الأعلى للشعر فقال: "إنَّه الكلام الموسيقي الذي يحقق الجمال الخالد في شكل يلائم ذوق العصر الذي يقال فيه ويتصل بنفوس الناس الذين يُنشد بينهم، ويمكنهم من أن يذوقوا هذا الجمال حقاً، فيأخذوا بنصيبهم النفسي من الخلود". وهو يُعجب بشعر خليل مطران، ويُعجب أيضاً بشعراء فرنسا، وينقل قطعاً من (بودلير) وغيره، ويردد أن الشعر الجيد يمتاز قبل كل شيء بأنَّه مرآة لما في نفس الشاعر من عاطفة، مرآة تمثل هذه العاطفة تمثيلاً فطرياً بريئاً من التكلُّف والمحاولة، فإذا خلت نفس الشاعر من عاطفة، أو عجزت هذه العاطفة عن أن تنطق لسان الشاعر بما يمثلها فليس هناك شعر، وإنَّما هناك نظم لا غناء فيه".
يتهكَّم عميد الأدب العربي على شعر المناسبات، ويشبِّهُه بالكراسي الجميلة المزخرفة التي تُتخذ في الحفلات والمآتم، لأنها مصطنعة لا تعبر عن شعور الشاعر الحقيقي، وقد أفادت حملته هذه بأن أقلع عدد من الشعراء عن قول هذا النوع من الشعر.
والدكتور طه ممن عني بدراسة الأدب القديم بجانب دراسته للأدب الحديث، بل لقد اهتمَّ بالقديم اهتماماً كبيراً ورأى فيه جمالاً فنياً، وأن العرب أحدثوا هذا الجمال فيه وفهموه وقدَّروه،وليس الأمر كما يزعم بعضهم من أنه خلو من هذا الجمال الشعري الذي يكسو الآداب الأفرنجية في زعمهم. وقد دافع عن الشعر القديم بقوله: "لا بد أن تنقده بذوق عصره لا بذوق العصر الذي يعيش فيه الناقد وإلا لما أنصفناه".
لم يهدأ الدكتور طه حسين عن إثارة الفتن والثورات إذا صح القول في هجوماته المتكررة على علماء الأزهر ونعتهم بالتحجر والتقوقع والتمسك بالقديم، مفضِّلاً كل جديد وبالتحديد كل ما يمت إلى الحضارة الغربية. أو بهجومه على كل الأدباء الذين يميلون إلى الأدب العربي الملتزم بالقومية العربية وبالوحدة العربية، محرّضاً بخجل لما يسمى النزعة الفرعونية، بحجة أن الشعب المصري يعود أصله إلى الفراعنة، ولا دخل له بالأمة العربية، وهذه الفكرة تبناها عدد من الأدباء المصريين. ولكن الأمر الأهم إثارة، هو الثورة التي زعزعت البناء الأدبي في العالم العربي، ألا وهو تشكيكه بصحة الشعر أو الأدب الجاهلي، وذلك في كتابه المشهور (في الأدب الجاهلي) بحجة أن هذا الشعر لم يُدوَّن وقتها لعدم وجود الكتَّاب وأدوات الكتابة، وبقي حتى العصر الأموي إلى أن دوَّنه وجمعه (حمَّاد الراوية وخلف الأحمر) أي بعد حوالي ال200 سنة وهذا يعني ولا شك أن أكثره نُسي وأغلبه نُحل (أي نُسب لغير صاحبه) وبالتالي فهو ليس دقيقاً، وهذا طبعاً ينطبق على القرآن الكريم برأي طه حسين، فالقرآن لم يُدوَّن كما هو معروف لدى الجميع، بل كُتبت آياته وسُوره على رقاع، ولم يُكتب ويُجمع إلا في أيام الخليفة الراشدي معاوية بن أبي سفيان، ولا شكَّ برأي طه حسين أن كثيراً من الآيات قد نُسي أو حُرِّفَ، والدليل أن هناك العديد من آيات القرآن تُروى على شكلين، ثمَّ تُكتب بشكل ما ويقال عنها أنها (مُتَّفق عليها) وامتد تشكيك طه حسين إلى الوحي والنبوة، فيقول: "ظهر تناقض كبير بين نصوص الكتب الدينية، وبين ما وصل إليه العلم" وقوله: "إن الدين لم ينزل من السماء، وإنما خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها" وقوله: " إن الفرعونية متأصلة في نفوس المصريين". وقوله أيضاً: " ليس القرآن إلا كتاباً ككل الكتب الخاضعة للنقد، فيجب أن يجري عليه ما يجري عليها، والعلم يحتِّم عليكم أن تصرفوا النظر نهائياً عن قداسته التي تتصورونها، وأن تعتبروه كتاباً عادياً فتقولوا فيه كلمتكم، ويجب أن يختصَّ كل واحد منكم بنقد شيء من هذا الكتاب، ويبين ما يأخذه عليه".
هذه بعض الأقوال التي وردت على لسان طه حسين وغيرها كثير، فمن الطبيعي أن تقوم الأرض وتقعد على هذا الكفر والإلحاد، فشُنَّت عليه الهجمات من كل ناحية، وطَالبَ الأزهرُ وعلماؤه بمحاكمته، وفعلاً قُدِّم للمحاكمة، وبعد مناقشات حادة، ودفاع جريء، حكمت عليه المحكمة العليا بعقوبة كبيرة، وبحذف إحدى عشرة صفحة من كتاب (في الشعر الجاهلي) وقد نَعَتَهُ الكثيرون من معاصريه بنعوت قاسية، مثل: الكافر ، الملحد، الزنديق، المجوسي، الماجن، الفاسق إلخ..
هذه لمحة بسيطة عن عميد الأدب العربي وما واجه من أخطار ومشاكل، وكيف عاش حياته ناقماً حاقداً ثائراً على كل قديم

yasser_3000
05-08-2008, 01:38 AM
http://www.tftesh.com/uploads1/a/20071018583703903.gif