المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كن ذاتك



memo
05-02-2009, 01:12 AM
كن ذاتك







يظن البعض أن قوة الشخصية يمكن تحصيلها من خلال القيام بعملية تمثيلية, ولذلك فإنهم يتمرنون على بعض الأساليب الخاصة, مثل كيفية المصافحة, وأخذ زمام المبادرة في اللقاءات, والتحديق بقوة في عين الشخص الآخر كما لو كان منومناً مغناطيسيا.

غير أن تلك الأساليب قد تكون لها تأثيرات جانبية فقط, لأنها تمس المظهر وليس الجوهر.

فالجوهر في قوة الشخصية أن تكون أنت دائماً نفسك في أفضل حالاتها , لذلك فإن أكثر الناس تأثيراً لا يغيرون شخصياتهم بين ظرف وآخر. إنهم هم ذاتهم, لا فرق إذا كانوا في محادثة حميمة أو يخطبون في مناسبة, أو يجرون مقابلة طلباً لوظيفة .

إنهم يتصلون بكامل ذواتهم, قلباً وقالباً وتكون نبرة أصواتهم وإيماءات أيديهم متناسقة تماماً مع كلامهم وما يدور في خواطرهم.

إن لك شخصيتك الخاصة بك, فإذا كنت كما أنت فسوف يكون لك عطرك الخاص بك, وسحرك الخاص بك, بشرط أن تكون صادقاً مع نفسك, ومنسجماً مع مشاعرك .

قد تقول: إذن إذا كنت غير مسرور بلقاء شخص فهل عليّ أن أصرح له بذلك منذ البداية.

والجواب هو بالنفي بالطبع, ولكن عندما لا تكون مسروراً به, فلا تحاول أن تكذب عليه أنك تسر بلقائه.

ألا ترى أن الخطيب الذي يقف أمام الناس ليقول لهم: أنني سعيد جداً بلقائكم, بينما تدل كل ملاحمه على أنه ليس سعيداً, فأن نظرته المربكة, وملامح وجهه المنقبضة تكشف عن كآبته بذلك اللقاء؟ والمستمعون سوف يقولون في أعماقهم: أنه يقول لنا: أنه مسرور, ولكنه ليس كذلك, أنه ليس صادقاً ..

إنك حينما تكون منسجماً مع ذاتك, فإن ملامحك سوف تصدق كلامك, وأما عندما تكون غير ذلك فسوف تكذبك تلك الملامح, مهما حاولت إخفاءها..

يقول الإمام على (ع) : " ما أضمر امرؤ شيئاً إلا وظهر في قسمات وجهه, وفلتات لسانه ".

إن " لغة الجسد " تكون أحياناً أكثر تعبيراً عن الشخص من " لغة اللسان ".

فالصدق مع النفس يعطيك الحقيقة , التي تقوم هي بعرض نفسها في المواقف..

قد يتساءل البعض هنا قائلاً: أفلا أتعلم من الآخرين كيف أتصرف؟ أفلا أسترشد ممن هو أفضل مني وأعلم؟.

والجواب هو بلى فمن دون أن تتعلم من غيرك لا تستطيع أن تحسن أدائك للأعمال, ولكن المطلوب دائماَ أن تحاول أن تقتدي بالآخرين, وليس أن تتقمص شخصياتهم. فأنت ولدت بإرادة خاصة من الله تعالى. وقد أرادك شخصاً فريداً, لا نسخة مكررة عن الآخرين ..

ولذلك لا نجد ثمة شخصين متشابهين في الحياة .. حتى التوائم ..

فالناس تختلف بعضها عن بعض من قمة الرأس إلى أخمص القدم. ذلك أن " الجينات " و " الكروموزومات " - وهي الخلايا الضئيلة التي تحمل عوامل الوراثة من الآباء إلى الأبناء, يسعها أن تكون تشكيلات لا حصر لها فحتى الأبناء الذين نشأوا في بيئة واحدة, وذهبوا إلى مدرسة واحدة, وتأثروا بعقائد وعادات ومثل عليا واحدة, لن تجدهم قط يشبهون أحدهم الآخر تمام الشبه.

إنه اختلاف واضح ذلك الذي يسود البشر, ولعل الفضل إليه فيما تنطوي عليه الحياة من بهجة ومتعة, هب مثلاً تتفقد " ورشة نجارة " و وقفت تتأمل سبعة نجارين يعملون عملاً واحداً وقد انتظمتهم مائدة طويلة واحدة. ثم فجأة وهم يدقون بمطارقهم, هوت المطارق على سبّاباتهم, فكيف تراهم يستجيبون للألم ؟ أيستجيبون استجابة واحدة لا تختلف؟.

والجواب: كلا .... فقد ترى الأول يكتم شهقة ألم بين أسنانه وترى الثاني يسب ويلعن في قلة مبالاة .. والثالث ينفخ سبابته بحدة .. والرابع ينط على الأرض متوجعاً .. والخامس يطوّح أصبعه في الهواء ... والسادس يطلق بفمه صفيراً في استخفاف .. والسابع قد تغرورق عيناه بالدموع إذ يرى سبابته تحمر و تتورم !.

وهكذا فهم جميعاً يبدون ردة فعل, ولكنك لن تجد أبداً أثنين منهم يستجيبان استجابة واحدة.

وهذا يعني أن لكل واحد من الناس " ذاته " التي يجب أن تبرز بشكلها الذي يختلف عن الآخرين لأن ذلك من متطلبات خلقته.

فما من رجلين متشابهين تماماً, فكل حياة جديدة هي شيء جديد تحت الشمس, ليس هناك ما يماثلها من قبل, ولن يولد مثلها أيضاً ثانية, فعلى المرء أن يدرك مثل هذه الفكرة عن ذاته, ويجب أن يتطلع إلى الشرارة الوحيدة في شخصيته التي تميزت عن سائر القوم, وينمّي تلك الشرارة إلى المدى الذي تستحقه.

ربما تحاول المدارس والمعاهد والمجتمع أن تنميها له, لكنها تضعنا جميعاً في قالب واحد.

فلا تدع هذه الشرارة تضيع, فهي سبيلك الحقيقي الوحيد إلى اكتساب القوة.

فليس هناك أي إنسان مثلك في العالم.

مئات الملايين من الناس تمتلك العيون والآذان, ولكن ما من أحد يشبهك تماماً, ومن أحد لديه ميزاتك وطريقتك وتفكيرك, فالقليل منهم يتكلمون ويعبرون عن أنفسهم مثلك عندما تتكلم بأسلوب طبيعي, وبمعنى آخر, لديك شخصيتك الفردية, وكإنسان, تمتلك أثمن هبة إلهية فتعلق بها وطوّرها فهي الشرارة التي ستضع القوة والإخلاص في خطابك, وهي السبيل الحقيقي الوحيد إلى اكتساب القوة .

وهكذا فإنه ليس من العيب أن يكون المرء مختلفاً عن سواه, والحق أن كلاً منا مختلف عن الآخر, وهكذا يجب أن يكون فكل منا كائن منفرد يواجه العالم والآخرين بطريقته الفذة, لهذا ابحث عن أعمق قناعاتك وكّن أميناً لها ومهتدياً بنورها.

ثم يجب أن لا تنسى أن من يكبت ذاته الأصلية, ويحاول تبديل ذلك أن يكون غيره سيكون تعباً جداً, فقد ثبت أن التعب ظاهرة عمومية لدى أولئك الذين ذواتهم الأصلية.

والواقع أنهم ليسوا متعبين بمقدار ما أن الآخرين يتعبون منهم , لقد وصفت عالمة النفس الدكتورة جاكسون في كتابها " خدعة الأعصاب " عدداً من المرضى الذين بلغ بهم الإرهاق جداً حداً منعهم من الوقوف على أقدامهم, وهي تلخص حالهم بالآتي : " إن شعورهم بخسارة الطاقة الجسدية في الحقيقة هو إحساس بخسارة الطاقة الروحية ".

والواقع أن تعبنا, معظم الأحيان, لا يأتي من فقد القوة العضلية بمقدار ما يأتي من الجهد الذي نبذله لتحقيق ذواتنا, فنحن ممثلون نحاول التأثير في سوانا, وهذا عمل شاق.

غير أن الأصيل حقاً لا يبدد طاقته في حل التناقضات, ذلك أن الصدق الذي يتحلى به يحل الصراعات الداخلية ويملؤه حيوية وفرحاً, وهو لا يبدل طاقته إلا لفعل ما يريد وما يعتبره مهماً.

وهنا ملاحظة أساسية, وهي أن الانسجام مع الذات والذي يعني أن تكون كما أنت, لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان تقديرك لذاتك عالياً. فالشخص الذي لا يحترم ذاته لا يمكن أن يحترم الآخرين, والعكس أيضاً صحيح, فمن يحترم ذاته ويقدّرها خليق أكثر من سواء بمعاملة الآخرين بمثل ما يعامل به نفسه.

فأنت لا تستطيع أن تحب الآخرين ما لم تحب نفسك أيضاً فإذا كان رأيك في نفسك ضعيفاً, وكنت تظن أن من النقص أن تكون ذاتك, العكس ذلك على موقفك من المحيطين بك .

وإذا كنت نافعاً على نفسك, شاعراً بالنقص فيها فسوف تنعكس نقمتك على الناس.

إذن لا راحة لنا إذا كنّا نجهل ذواتنا ونحتقرها, ولا قوة خيّرة ستنبع من داخلنا إذا كان رأينا في أنفسنا ضعيفاً ..

لقد سئلت ذات مرة: إذا كان حب الذات, بمعنى أن يكون الواحد متيماً بها, غير مطلوب, وكرهها غير مطلوب فما هو المطلوب إذن ؟.

فقلت: المطلوب إنما هو احترام الذات, وهذا ما يجب كسبه دائما..

وخلاصة القول فإن أقوياء الشخصية يحترمون أنفسهم, ويحترمون الناس , وهم يقولون ما يعتقدون أنه الصواب , ويتصرفون بما تمليه عليهم ضمائرهم, فلا يبحثون عن التظاهر إرضاءً للآخرين, ولا يرون أنفسهم ملتزمين بشيء لا يؤمنون به .

ولذلك فإن قوة الشخصية تعتمد كثيراً على قوة الإرادة, حتى يتصرف المرء بسجيته وحسب رؤيته للحياة.