المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : توماس مان



ORED_ELGANA
04-22-2008, 07:57 AM
توماس مان
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/9/92/Thomas_Mann_1937.jpg/180px-Thomas_Mann_1937.jpg
ولد توماس مان عام 6/6/1875 في مدينة لوبيك شمالي ألمانيا من أب تاجر أصبح قنصلاً ثم عضواً في مجلس الرايخ الألماني، نائباً عن دولة المدينة لوبيك(كانت بعض المدن الألمانية وما زالت تعتبر دولة أو ولاية مستقلة داخل الاتحاد). ظهرت أولى كتابات توماس مان عام 1889، وكان مازال تلميذاً في المدرسة الإعدادية، ومنها بعض القصص القصيرة مثل "آيشا"، و"لن تستطيعوا قتلي بالسم"، و"الكهنة"، التي ظهرت فيها معارضته لسلطة الكنيسة، وربما استوحاها آنذاك من مسرحية الشاعر شيللر الشهيرة "دون كارلوس"، بالإضافة إلى أنه نظم بعض القصائد الغرامية وجهها إلى زميلته في دورة التدريب على الرقص في المدرسة، ما جلب له شهرة سلبية أضرت بسمعته باعتباره ابن عائلة أرستقراطية ثرية. حتى أنه توقف عن الكتابة وتركها لأخيه الأكبر هاينريش مان الرصين المحافظ.‏
وبعد وفاة الأب، الذي وصفه توماس إنه "المحبوب برقة يشوبها الخوف" استأنف محاولاته الكتابية وقد تحرر من "أثقال الإرث العائلي والتجاري الثقيل"، كما وصفه فيما بعد وأضاف أنه عاش بعد وفاة أبيه سنة حافلة "بالحوافز والنشاطات"، ولم يكن يحفل كثيراً بتقاليد العائلة وسمعتها ولم يحزن لبيع قصرها القديم والسكن في شقة عادية وظروف متواضعة. أما أمه فقد أخذت ابنتيها الصغيرتين وغادرت المدينة كلها إلى ميونيخ عام 1893 وتركت ابنيها الكبيرين هاينريش وتوماس اللذين أصرا على الانصراف للكتابة بدلاً من التجارة أو السياسة. وقضى توماس ذلك العام في مدرسة داخلية ثم لحق بأمه وإخوته إلى مدينة ميونيخ عاصمة الأدب والثقافة والفن... كان عليه أن يعود إلى لوبيك لامتحان ونيل الشهادة الثانوية لكنه قال عن نفسه إنه كان في تلك الفترة "عنيداً وكسولاً ومملوءاً بالسخرية والانحلال مما يرى حوله"، ولم يمكث في المدرسة سوى فترة قصيرة حصل بعدها على شهادة تخوله الالتحاق بالخدمة العسكرية عاماً واحداً وظهر أمام الآخرين متمرداً ومنحرفاً عن الطريق القويم بعد موت أبيه. لكن هذه الصفات لم تمنع توماس من المشاركة الفعالة في النشاط الأدبي والفني المدرسي ومن كونه زميلاً محبوباً لدى التلاميذ والمعلمين نظراً لسرعة بديهته وخفة ظله في التمثيل والإيماء الهزلي.‏
وتصادق مع ابن أحد التجار المفلسين وكان اسمه "اوتوغرا وتوف" وجمعتهما النظرة الساخرة للمدرسة والتعليم ونظامه، فأصدرا معاً مجلة شهرية بعنوان "عاصفة الربيع" تضمنت إنتاجات الشباب في الفن والأدب والفلسفة. وكان توماس يكتب الافتتاحية ويملؤها بروح معارضة أساليب التعليم التقليدية والنظام الاجتماعي البورجوازي واستعار اسماً صحفياً هو باول توماس وكتب تحت هذا الاسم المستعار أيضاً مجموعة من القصائد والمسرحيات الشعرية استمد روحها وأسلوبها من الشاعر الشهير هاينريش هاينه ولاسيما ما يتعلق بالنقد الساخر بين السطور الذي ظل ملازماً لأدب توماس مان طيلة حياته. ويتضح تأثره بهاينه في كتابه: "صورة غوته" الذي يعده النقاد امتداداً لكتاب هاينه "تاريخ الدين والفلسفة في ألمانيا". والمعروف عن هاينه أنه ابن عائلة يهودية تركها واعتنق المسيحية وكان معجباً بمارتين لوثر والمذهب البروتستانتي الإصلاحي للكنيسة. وهذا ما ترك أثره الواضح أيضاً على معظم أعمال توماس مان ولاسيما في روايته "القانون" وروايته الكبرى الرائعة الشهيرة "جبل السحر"، وكذلك في آخر رواياته التي صدرت عام 1953 وهي رواية "المخدوعة".‏
وعلى الرغم من ذلك فلم يكتب توماس مان أي مقالة مطولة عن أستاذه هاينريش هاينه بل اكتفى بشهادات نقدية متفرقة كان آخرها: "ملاحظة حول هاينه" نشرها عام 1908 ووصفه فيها بأنه "أعظم كتاب ألمانيا العباقرة قبل نيتشه. وبأنه في شعره ونثره مؤسس اللامدرسية في الرواية والقصيدة. وقد ابتعد توماس مان بدوره عن التقليد والمصطلحات الأدبية ورفض التقيد بها واستبدلها بالتحليل النفساني لشخوصه وتطورات صراعاتها ورصد خصوصياتها الرقيقة الشفافة وانفعالاتها العصبية. وربما يعود الفضل في ذلك إلى نشأته وفترة طفولته ومراهقته في بيئة كانت تكن لعائلته ولأبيه خصوصاً الكثير من الاحترام والإعجاب، ما ولد لديه الثقة بالنفس والاعتزاز وعدم قبول أية أفكار أو أساليب من الآخرين قبله وحوله إلا بعد دراسة وتمحيص شديدين، أخذهما عن أبويه وأخذ معهما الذوق الثقافي الرفيع وما اكتسبه من دروس في الفن والموسيقى والأدب تلقنها مباشرة على يد أمه في البيت وظلت أسسها ملتصقة به على الدوام.‏
وخلاصة القول إن نقاء نفس توماس مان من شوائب التعليم القسري و حفظ المواد والدروس عن ظهر قلب وانفتاحه المبكر على العالم حوله بثقة وثبات وفضول إلى جانب بيئته البورجوازية الراقية التي تواضعت بعد وفاة أبيه، كل ذلك ترك آثاره على حياته وأعماله، بالإضافة إلى ما اتصف به شخصياً من اجتهاد وطموح واندفاع لنصرة الحق والوقوف إلى جانب المظلومين والمقهورين ولو أنه اضطر مراراً إلى مهاجمة وانتقاد الطبعة الاجتماعية التي ينتمي بالأصل إليها في مدينة لوبيك المستقلة.‏
وصل توماس مان في خريف عام 1893 إلى دار عائلته في ميونيخ وكان قد بلغ الثامنة عشرة من عمره، أي أنه لم يبلغ بعد سن الرشد وهي الحادية والعشرون وقال عن نفسه وقتها: "وبما أنني لم أكن قادراً على عصيان والدتي ولية أمري، فقد بحثت مؤقتاً عن عمل أعيش منه، وبما أنني كنت أكره الخنوع وتنفيذ الأوامر الفوريّة، فقد اشتغلت كاتباً في إحدى شركات التأمين على الحريق وعشت مرحلة كانت فريدة من نوعها. كنت أنسخ القوائم بأسماء الناس المؤمنين ضد الحريق وبيوتهم وأشيائهم وأوصافها بالتفصيل ولا شيء أكثر للحديث عن هذه المرحلة".‏
ولعل من الطريف القول إن توماس مان كان يخفي في دروج طاولة مكتب التأمين على الحريق أوائل قصصه الشهيرة مثل "السقوط" (والتي صدرت ترجمتها عن دار السوسن في مجموعة "لحظة سعادة"عام 2003)، وقد نشرتها في أكتوبر عام 1894مجلة "المجتمع" الأدبية"السياسية المعروفة جداً آنذاك ووضعت لأول مرة اسمه الحقيقي توماس مان تحت عنوانها بعد أن كانت قد نشرت له أيضاً قصيدة بعنوان "وداعاً مرتين"، تحت اسمه المستعار من أيام المدرسة في لوبيك وهو "باول توماس".‏
وأثارت قصة "السقوط" ضجة كبرى وقيل إنه بدأ كتابتها في المدرسة وأكملها على طاولة مكتب شركة التأمين. وأبدى الناقد الشهير آنذاك "ريشارد ديميلز" إعجاباً شديداً بالقصة وبعث برسالة مطولة إلى المجلة المذكورة يعترف فيها بموهبة توماس مان الروائية الفذة، والطريف أن "ديميليز" كان يعمل في المهنة نفسها التي انضم إليها توماس مان. وهي التأمينات ضد الحريق بل كان يشغل منصب سكرتير اتحاد شركات التأمين على الحريق الألمانية وقد حقق في تلك الفترة أيضاً شهرته كأديب وشاعر من خلال ديوانه المسمى "ولكن الحب..."، ويعود إليه بعض الفضل في تشجيع توماس مان على الاستمرار في كتابة القصة والرواية بل وترك شغله الروتيني من أجل التفرغ للكتابة بموافقة أمه ومباركتها.‏
وعلى الرغم من ذلك فلم يرض توماس بإعادة نشر قصة "السقوط" في أي من مجموعاته القصصية اللاحقة ووصفها بأنها "لم تكن قصة ناضجة كما يجب على الرغم من أنها ربما اتصفت بالسلاسة الموسيقية" وقال إنها أحد آثار الرومانسية الفرنسية. لكن كتاب القصة في ميونيخ اقتبسوا موضوع "السقوط" وعالجوه في روايات عديدة وأشاروا إلى توماس مان كمصدر لأفكارهم وشخوصهم الروائية الدرامية. وتحدثوا عن مرحلة الانتقال من تقنية السرد الموضوعي إلى التحليل النفساني الأعمق للذات الإنسانية. وقد أثارت هذه القصة أيضاً ضجة اجتماعية تمثلت في الدعوة إلى تحقيق العدالة بين الرجل والمرأة وطرحت السؤال الأساسي وهو لماذا تسقط المرأة إذا سلمت نفسها للرجل ولا يسقط الرجل إذا استولى على المرأة بوسيلة ما؟.. وعاد السؤال نفسه عام 1953 بعد صدور رواية "المخدوعة" وأضيف إليه سؤال آخر هو: "لماذا يحق للرجل أن يختار المرأة التي ترضي رغباته وشهوته ولا تملك المرأة مثل هذا الحق ولاسيما إذا تقدمت في السن...؟"..‏
عمل توماس مان في ميونيخ كاتباً وصحفياً في مجلة حملت اسم "القرن العشرين"، وكانت ذات نزعة قومية ألمانية ومعادية للسامية لكن ما نشره فيها لم يحمل أي دليل على تبنيه لهذا الاتجاه العنصري وأكد بعد ذلك بسنوات أنه كان يحس بعدم الارتياح للعمل في هذه الصحيفة لولا أن حافظ على لونه الخاص وفكره المستقل وموسيقاه المفضلة، وكان يعني بذلك كتاباته الأدبية في الشعر والقصة والنقد قبل أن تجتذبه السياسة التي قال إنها إحساس بالانتماء إلى الوطن لا يمكن لأي كاتب أن يتخلص منه أو يتخلى عنه في كتاباته مهما كان نوعها. وكان على كل حال سعيداً بعمله الصحفي بعيداً عن قوائم المشتركين في التأمين ضد الحريق لمدة عامين كاملين هما 1895 و1896، تخللتهما فترات قصيرة من الإقامة في روما مع أخيه الأكبر هاينريش. وظهرت في آب عام 1896 قصة توماس مان الشهيرة "الإرادة" و(عنوانها الأصلي إرادة السعادة وقد ترجمت إلى العربية مع قصص أخرى في مجموعة بعنوان "الطريق إلى المقبرة" الصادرة عن دار السوسن عام 2002). وبعد فترة وجيزة صدرت له رواية أخرى هي "السيد فريدمان الصغير" وحصل توماس عن قصة "الإرادة" على ثلاثين ماركاً ذهبياً بينما قبض لقاء "السيد فريدمان الصغير" مبلغ مائة وثمانين ماركاً ذهبياً وهكذا ترك الصحافة وتفرغ لكتابة الدراما الروائية. وكان أخوه الكبير هاينريش يسكن في روما فاستدعاه إليه ولبى توماس الدعوة وكتب عن ذلك، يقول: "بدأت الرحلة في أكتوبر عام 1896 وقادتني إلى البندقية وبوساطة سفينة منها إلى "الكونا" ومن ثم إلى روما وإلى نابولي. وانقلبت الرحلة إلى فترة إقامة استأجر فيها الأخوان شقة في روما ذات أرضية حجرية وكراسٍ من القش تملكها سيدة إيطالية لطيفة وكنا نتناول الطعام كمشتركين في مطعم يدعى غينشانو. ونلعب مساءً الدومينو في مقهى شعبي ونشرب البونش(شاي مع الكونياك والسكر)، وقال توماس مان عن إقامته في روما مع أخيه: "كنا لا نفعل شيئاً سوى الكتابة والانتظار...".‏
وبعد رسالة وصلته من الناشر سامويل فيشر تطالبه برواية جديدة طويلة بدأ توماس مان كتابة روايته الشهيرة "بودن بروك" أو "سقوط عائلة" في مجلدين وكانت ما يشبه السيرة الذاتية عن نشأته في لوبيك ونقده الساخر للطبقة البورجوازية التجارية التي قال عنها إنها ذكية في إبرام الصفقات وغبية في فهم جوهر الحياة وهدفها وتضمنت الدعوة للتجديد على يد الشباب المتحرر من التقاليد البالية.‏
كان على توماس أني عود إلى ميونيخ للالتحاق بالخدمة العسكرية. لكن أمه استطاعت تخليصه من هذا العبء الثقيل آنذاك وعمل محرراً في إحدى دور النشر البافارية براتب قدره مائة مارك شهرياً واستطاع في هذه الفترة بين عامي 1898 و1899 أن يقيم مع عدد كبير من شعراء بافاريا وأدبائها علاقات صداقة وطيدة ويتبادل معهم الآراء حول الإنتاجات القصصية والشعرية والفلسفية المعاصرة (غوته وشيللر ونيتشه على سبيل المثال لا الحصر) لكن اهتمام توماس مان انصب على عمله في كتابة روايته "بودن بروك" أو "سقوط عائلة" بهدوء ومتعة وتركيز على استعادة ذكرياته وشخوصها وأحداثها. وبدأها بطرح مبادئ الإصلاح الديني اللوثري وتداخلها مع المشاعر الوطنية والإنسانية ومما جاء في مقدمة الرواية قوله: "إن الألمان اليوم أكثر شعوب أوروبا ثقافة شبابية وصحية وهم يحملون في أعماقهم حب الوطن والعقيدة وجوهر العائلة"، وفي الوقت نفسه، كان نيتشه يصف الدين بأنه مخدّر للشعوب وأنه مرض يسمم الحضارة الألمانية القومية ويضعفها. لكن علاقة توماس مان كانت وثيقة ومتعددة الجوانب بالفيلسوف شوبنهاور وبالتالي بالميتافيزيقية والموت باعتباره وسيلة مبدئية لاستمرار الحياة والوجود. وقد ظهر هذا التأثر أيضاً في رواية المخدوعة ولاسيما في مقولة بطلتها روزالي عبر كلماتها الأخيرة لابنتها:‏
-"لا تنعتي الطبيعة بالخداع والقسوة. سأذهب الآن رغماً عني بعيداً عنكم وعن الحياة وربيعها. ولكن كيف سيكون الربيع بلا الموت؟.. إن الموت سبب عظيم للحياة..".‏
أما رواية "بودن بروك" أو "سقوط عائلة" فقد قرأها قبل النشر كتاب ونقاد كثيرون على فترة عام كامل ولم يدخل أحد منهم عليها أي ملاحظة أو طلب تعديل وصدرت عن دار فيشر العريقة في آب 1901 إلى المكتبات وحصل توماس مباشرة على شهرة أدبية واسعة وتناقلت وسائل الإعلام الحديث بإعجاب عن الشاب المبدع والروائي الفذ الذي استطاع في روايته الرائعة تحرير مشاعره العميقة ومعاناة نشأته وحياة أسرته وطبقته بروح النقد الساخر المتفائل الذي امتلأ بحب الوطن والإنسان.‏
ومن هنا بدأ تأثر توماس مان بتولوستوي الذي وجد توماس في رواياته وتقنياته الكتابية ما أراد الاستفادة منه في أعماله القادمة وتطويره. ومن هذه التقنيات استمرار ربط أحداث الرواية بالموضوع الأساس الذي تطرحه وهو ما أسماه النقاد الشكل التلقائي –الذاتي "آوتوريتي" الذي يجمع بين أقصى درجات الوضوح وأقصى درجات الأهمية من غير أي خوف جراء تكرار التفاصيل، إذا توجب هذا التكرار في مكانه المناسب. وهكذا يمكن القول إن الفرنسي "بورجيه" في البداية ثم نيتشه وشوبنهاور قد أعطوا توماس مان تأكيداً لآرائه وتشجيعاً على متابعتها بينما كان تولوستوي مثله الأعلى وأستاذه من النواحي التقنية والإبداعية. ودفعه لمزيد من الاطلاع على الأدب الروسي المزدهر في تلك الفترة وتوالت أعمال توماس مان بالصدور ببطء، وأشهرها "تونيو كروغر" و"السمو الملكي" ثم "الموت في البندقية" ويقول بعض النقاد إنها لم تكن كلها في مستوى "سقوط عائلة" التي ألفها في شبابه والتي طبعت للمرة الخمسين عام 1910 وحصل بوساطتها على جائزة نوبل للآداب عام 1929.‏
تزوج توماس مان في شباط 1905 طالبة البكالوريا وابنة الأستاذ الجامعي للرياضيات "كاتيا برينغسهايم"، ووضع بذلك حداً لإشاعة حامت في الأفق حول عدم رغبته في النساء وربما حبه للرجال انطلاقاً من وصف بعض شخوصه الذي بالغ فيه قليلاً من النواحي الجسدية مثل "تونيو كرواغر" و"كين كياتون" في المخدوعة، وكذلك يوسف في يوسف وإخوته وبربيسلان هيبز في رواية "جبل السحر" وقد رد توماس مان عام 1950 على تلك الإشاعة بالقول:"إن افتتاني بالجمال الإلهي الذي منحه الله للرجل ينبع دون شك من حبي لهذا الجمال الذي يتفوق في رأيي على جمال النساء".‏
وكان بيت أستاذ الرياضيات الجامعي عم توماس يعج دائماً بكبار العلماء ورجال الفكر والمؤلفين والموسيقيين والفنانين الذين التقوا بصهر العائلة توماس مان وعبروا عن إعجابهم بأدبه وشخصه ولم يكتب توماس مان شيئاً مهماً عن زوجته كاتيا إلا بعد مرور خمسة وعشرين عاماً على زواجهما فقال: "هذه المرأة التي تقاسمني حياتي الصعبة القاسية بصبر وعناء وشجاعة ولا أدري كيف كنت سأجتاز هذه السنوات لولا وقوفها إلى جانبي برقتها وحيويتها المتدفقة"، وقد تسلمت "كاتيا مان" إدارة شؤون زوجها المالية المتعلقة با لنشر وبوسائل الإعلام المرافقة له وأنجبت له ستة أطفال نصفهم صبيان.. وازداد تألق توماس في مجتمع ميونيخ المخملي والثقافي إلى يوم 3 آب سنة 1914 حيث أعلنت ألمانيا الحرب على فرنسا وحظي هذا الإعلان على تأييد جماهيري صاخب رافقه استنكار عدد قليل من المثقفين والشعراء والصحفيين كان في مقدمتهم توماس مان الذي انطلق صوته المناهض للحرب مرتفعاً وقوياً. وكتب مقالات عديدة يطالب بالديمقراطية وحق الشعوب في العيش بحرية وسلام، بينما كان أنصار الحرب ينادون "بتفوق العرق الألماني وحضارته العريقة وضرورة حمايتها من التأثيرات الغربية الهجينة".‏
وفي عام 1916 صدرت مع نهاية الحرب وبأمر من القصر الملكي البريطاني ترجمات أعمال توماس مان إلى اللغة الإنكليزية ما أكسبه شهرة عالمية رافقها ظهور فكرة الجمهورية الألمانية التي دعا إليها توماس بحماسة ونشاط سياسي واضح المعالم، ووصفه في أكتوبر عام 1922 بأنه نشاط اجتماعي وإنساني في جوهره وضّمنه بحثاً بعنوان "الشذرات الأولى للقضية الإنسانية".‏
وتعاقبت الأحداث السياسية في ألمانيا حتى فاز القوميون الاشتراكيون (النازيون) بعدد هائل من المقاعد في انتخابات أيلول عام 1930 وكان توماس مان يعارض أهداف هذا الحزب ويتهمه بالعنصرية وكان يدعو إلى الاشتراكية الوطنية الاجتماعية المتحالفة مع قوى الشعب العامل وكتب في هذه الفترة قصصاً وروايات ذات طابع سياسي مثل "ماريو والساحر" و"السيد والكلب" لانظام وباكورة آلام" وغيرها. وكان يحذر من الديكتاتورية النازية وحكم الحزب الواحد. ووصلت إليه في منزله في ميونيخ ألوف الرسائل المؤيدة لآرائه المتحررة الديمقراطية وثقته بالشعب الألماني. وهي الآراء التي كان يلقيها في خطابات ولقاءات أدبية على جمهوره الواسع من الناس ولاسيما بعد أن نجح "آدولف هتلر" في الوصول إلى منصب المستشار في 30 كانون الثاني عام 1933، وبدأ توماس مان يفكر في الهجرة وتنقل بالفعل بين عدد من المدن الأوروبية ثم ألقى عصا الترحال في أميركا وفي مدينة لوس أنجلوس التي سبقه إليها عدد من الشعراء والأدباء المناهضين للنازية الهتلرية" لأنها كانت تحتقر الفكر والفن وتسعى إلى السلطة والسيطرة بقوة العنف واستغلال طيبة الجماهير وحماستهم العفوية" وقرر توماس مان البقاء في الولايات المتحدة بعد أن منحته جامعة هاوارد الأميريكية درجة الدكتوراة الفخرية في الآداب، مع زميله القديم وجاره في الغربة "ألبرت آينشتاين"، واستقبله الرئيس الأميركي روزفلت مع زوجته في البيت الأبيض باعتباره ضيفاً عزيزاً وعرض عليه الجنسية الأميركية لكن توماس مان رفضها بلطف وإصرار‏
وفي أمريكا أكمل توماس مان روايته الشهيرة "يوسف وأخوته" التي كان قد بدأها في ألمانيا عام 1926 وكتب في مقدمتها يقول: "لن أنساق إلى الانفعال والحماسة الدينية، فقد استقيت موضوع كتابي هذا من الإنجيل نفسه، إنها بركة يعقوب على يوسف وهي بركة السماء العليا وبركة الأرض العميقة في وقت واحد. وهذه هي نقطة انطلاقي في كتابة هذه الرواية".‏
بعد عام واحد من إقامته في كاليفورنيا نشبت الحرب العالمية الثانية عام 1939 وكان توماس مان قد كتب "لوته في فايمار" وأرسلها للطباعة في استوكهولم وعكف على إكمال المجلد الرابع والأكثر شفافية ومرحاً من رواية "يوسف وإخوته" وبدأ مباشرة برواية "دوكتور فاوست" وانتهى منها في شباط 1942. وخطط لروايتي "المختار" و"المخدوعة" لكنه لم يكملهما إلا بعد عودته إلى أوروبا وإقامته في مدينة زيوريخ السويسرية حتى وفاته في 12/8/1955.‏
وصف توماس مان نهاية الحرب بهزيمة ألمانيا النازية واستيلاء قوات الحلفاء عليها بأنه "تهديد آخر للسلام والحرية وحق الشعب الألماني في تقرير مصيره من الداخل وليس من الخارج". واستقبلته ألمانيا المحتلة بعد الحرب بحفاوة وتكريم نا درين لكنه فضل الإقامة في سويسرا قريباً من وطنه وبعيداً عن المحتلين على الرغم من زياراته المتعددة ومشاركاته في المؤتمرات واللقاءات الأدبية والسياسية الألمانية. ورفض عرض برتولت بريخت القدوم للعيش في جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة والتي يحكمها الشيوعيون وقال في رده وفي أحد خطاباته: "أنا لا أعترف بهذه المناطق المبعثرة هنا وهناك وطناً لي. ولن أقيم إلا في وطني الألماني الواحد الكبير الحر الذي لم أكتب في حياتي إلا عنه وعن أهله وبلغته، التي لم تخضع ولن تخضع لعبث الاحتلال والمحتلين، وإذا كنت قد عشت مغترباً خارج وطني فلن أستطيع العيش مغترباً داخله".‏
قال توماس مان بعد رحلة قام بها عام 1930 إلى مصر وفلسطين: "لم يخترع شعراء أوروبا وأميريكا الكبار أي شيء جديد. وكل ما فعلوه طوال حياتهم هو أنهم قرؤوا بتمعن وعمق ما وصلهم من حضارات الشرق وآدابه وملؤوا به أرواحهم ثم أعادوا صياغته بقوالب جديدة.‏
"المخدوعة" آخر روايات توماس مان التي عالج فيها بأسلوبه الدرامي الساخر الشيق موضوع العلاقة بين الروح والجسد والصراع بينهما وحولهما بين البشر.‏

yasser_3000
05-08-2008, 07:22 AM
http://www.tftesh.com/uploads1/a/20071018583703903.gif