maghfera
04-14-2009, 11:27 AM
باب ذكر عبيده عليه الصلاة والسلام وإمائه، وخدمه، وكتَّابه، وأمنائه.
ولنذكر ما أورده مع الزيادة والنقصان، وبالله المستعان.
فمنهم أسامة بن زيد بن حارثة أبو زيد الكلبي، ويقال: أبو يزيد، ويقال: أبو محمد مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وابن مولاه وحبه وابن حبه، وأمه أم أيمن، واسمها بركة كانت حاضنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في صغره، وممن آمن به قديماً بعد بعثته، وقد أمَّره رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في آخر أيام حياته وكان عمره إذ ذاك ثماني عشرة أو تسع عشرة، وتوفي وهو أمير على جيش كثيف منهم عمر بن الخطاب، ويقال: وأبو بكر الصديق، وهو ضعيف، لأن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نصبه للإمامة، فلما توفي عليه السلام وجيش أسامة مخيم بالجرف كما قدمناه استطلق أبو بكر من أسامة عمر بن الخطاب في الإقامة عنده ليستضيء برأيه فأطلقه له، وأنفذ أبو بكر جيش أسامة بعد مراجعة كثيرة من الصحابة له في ذلك، وكل ذلك يأبى عليهم ويقول: والله لا أحل راية عقدها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فساروا حتَّى بلغوا تخوم البلقاء من أرض الشام حيث قتل أبوه زيد، وجعفر ابن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، فأغار على تلك البلاد وغنم وسبى وكرَّ راجعاً سالماً مؤيداً كما سيأتي.
فلهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يلقى أسامة إلا قال له: السلام عليك أيها الأمير، ولما عقد له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم راية الإمرة طعن بعض النَّاس في إمارته، فخطب رسول الله فقال فيها: ((إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقاً للإمارة، وإن كان لمن أحب الخلق إلي بعده)).
وهو في الصحيح من حديث موسى بن عقبة عن سالم، عن أبيه.
وثبت في صحيح البخاري عن أسامة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يأخذني والحسن فيقول: ((اللهم إني أحبهما، فأحبهما)).
وروى عن الشعبي، عن عائشة، سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((من أحبَّ الله ورسوله فليحب أسامة بن زيد)).
ولهذا لما فرض عمر بن الخطاب للناس في الديوان فرض لأسامة في خمسة آلاف، وأعطى ابنه عبد الله بن عمر في أربعة آلاف، فقيل له في ذلك، فقال: إنه كان أحب إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم منك، وأبوه كان أحب إلى رسول الله من أبيك.
وقد روى عبد الرزاق عن معمر، عن الزُّهري، عن عروة، عن أسامة أن رسول الله أردفه خلفه على حمار عليه قطيفة حين ذهب يعود سعد بن عبادة قبل وقعة بدر.
قلت: وهكذا أردفه وراءه على ناقته حين دفع من عرفات إلى المزدلفة كما قدمنا في حجة الوداع، وقد ذكر غير واحد أنه رضي الله عنه لم يشهد مع علي شيئاً من مشاهده، واعتذر إليه بما قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين قتل ذلك الرجل، وقد قال لا إله إلا الله فقال: ((من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة)) الحديث.
وذكر فضائله كثيرة رضي الله عنه، وقد كان أسود كالليل أفطس حلواً حسناً كبيراً، فصيحاً، عالماً، ربانياً رضي الله عنه وكان أبوه كذلك، إلا أنه كان أبيض شديد البياض، ولهذا طعن بعض من لا يعلم في نسبه منه، ولما مرَّ مجزز المدلجي عليهما وهما نائمان في قطيفة وقد بدت أقدامهما أسامة بسواده، وأبوه زيد ببياضه قال: سبحان الله إن بعض هذه الأقدام لمن بعض، أعجب بذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ودخل على عائشة مسروراً تبرق أسارير وجهه فقال: ((ألم تر أن مجززاً نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض)). (ج/ص:5 /334)
ولهذا أخذ فقهاء الحديث كالشافعي، وأحمد من هذا الحديث من حيث التقرير عليه والاستبشار به، العمل بقول القافة في اختلاط الأنساب واشتباهها، كما هو مقرر في موضعه.
والمقصود أنه رضي الله عنه توفي سنة أربع وخمسين مما صححه أبو عمر، وقال غيره: سنة ثمان، أو تسع وخمسين، وقيل: مات بعد مقتل عثمان، فالله أعلم، وروى له جماعة في كتبهم الستة.
ومنهم أسلم، وقيل: إبراهيم، وقيل: ثابت، وقيل: هرمز أبو رافع القبطي أسلم قبل بدر، ولم يشهدها لأنه كان بمكة مع سادته آل العبَّاس، وكان ينحت القداح، وقصته مع الخبيث أبي لهب حين جاء خبر وقعة بدر تقدمت، ولله الحمد، ثم هاجر وشهد أحداً وما بعدها، وكان كاتباً، وقد كتب بين يدي علي ابن أبي طالب بالكوفة، قاله المفضل بن غسان الغلابي، وشهد فتح مصر في أيام عمر، وقد كان أولاً للعبَّاس بن عبد المطلب فوهبه للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعتقه، وزوَّجه مولاته سلمى، فولدت له أولاداً، وكان يكون على ثقل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقال الإمام أحمد: ثنا محمد بن جعفر وبهز قالا: ثنا شعبة عن الحكم، عن ابن أبي رافع، عن أبي رافع أن رسول الله بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع: أصحبني كيما نصيب منها.
فقال: لا، حتَّى آتي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأسأله.
فأتى رسول الله فسأله فقال: ((الصدقة لا تحل لنا وإن مولى القوم منهم)).
وقد رواه الثوري عن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن الحكم به.
وروى أبو يعلى في مسنده: عنه أنه أصابهم برد شديد وهم بخيبر فقال رسول الله: ((من كان له لحاف فليلحف من لا لحاف له)).
قال أبو رافع: فلم أجد من يلحفني معه، فأتيت رسول الله فألقى علي لحافه، فنمنا حتَّى أصبحنا، فوجد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عند رجليه حية، فقال: ((يا أبا رافع إقتلها إقتلها)).
وروى له الجماعة في كتبهم، ومات في أيام علي رضي الله عنه.
ومنهم أنسة بن زيادة بن مشرح، ويقال: أبو مسرح من مولدي السراة مهاجري، شهد بدراً فيما ذكره عروة، والزُّهري، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، والبخاري، وغير واحد قالوا: وكان ممن يأذن على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا جلس.
وذكر خليفة بن خياط في كتابه قال: قال علي بن محمد، عن عبد العزيز ابن أبي ثابت، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال: استشهد يوم بدر أنسة مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال الواقدي: وليس هذا بثبت عندنا، ورأيت أهل العلم يثبتون أنه شهد أُحداً أيضاً وبقي زماناً، وأنه توفي في حياة أبي بكر رضي الله عنه أو خلافته. (ج/ص:5/335)
ومنهم أيمن بن عبيد بن زيد الحبشي، ونسبه ابن منده إلى عوف بن الخزرج وفيه نظر، وهو ابن أم أيمن بركة أخو أسامة لأمه.
قال ابن إسحاق: وكان على مطهرة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان ممن ثبت يوم حنين ويقال: إن فيه وفي أصحابه نزل قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}. [الكهف: 110]
قال الشافعي: قتل أيمن مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوم حنين قال: فرواية مجاهد عنه منقطعة - يعني بذلك ما رواه الثوري عن منصور، عن مجاهد، عن عطاء، عن أيمن الحبشي - قال: لم يقطع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم السارق إلا في المجن، وكان ثمن المجن يومئذ دينار.
وقد رواه أبو القاسم البغوي في (معجم الصحابة) عن هارون بن عبد الله، عن أسود بن عامر، عن الحسن بن صالح، عن منصور، عن الحكم، عن مجاهد وعطاء، عن أيمن، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم نحوه.
وهذا يقتضي تأخَّر موته عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إن لم يكن الحديث مدلساً عنه، ويحتمل أن يكون أريد غيره، والجمهور كابن إسحاق وغيره ذكروه فيمن قتل من الصحابة يوم حنين، فالله أعلم، ولابنه الحجاج بن أيمن مع عبد الله بن عمر قصة.
ومنهم باذام، وسيأتي ذكره في ترجمة طهمان.
ومنهم ثوبان بن بحدد ويقال: ابن جحدر أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الكريم، ويقال: أبو عبد الرحمن أصله من أهل السراة مكان بين مكة واليمن، وقيل: من حمْير من أهل اليمن، وقيل: من الهان، وقيل: من حكم بن سعد العشيرة من مذحج أصابه سبي في الجاهلية، فاشتراه رسول الله فأعتقه، وخيَّره إن شاء أن يرجع إلى قومه وإن شاء يثبت فإنَّه منهم أهل البيت، فأقام على ولاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يفارقه حضراً ولا سفراً، حتَّى توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وشهد فتح مصر أيام عمر، ونزل حمص بعد ذلك، وابتنى بها داراً وأقام بها إلى أن مات سنة أربع وخمسين، وقيل: سنة أربع وأربعين - وهو خطأ - وقيل إنه مات بمصر، والصحيح بحمص كما قدمنا، والله أعلم، روى له البخاري في كتاب الأدب، ومسلم في صحيحه، وأهل السنن الأربعة.
ومنهم حنين مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو جد إبراهيم بن عبد الله بن حنين، وروينا أنه كان يخدم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ويوضئه، فإذا فرغ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم خرج بفضله الوضوء إلى أصحابه، فمنهم من يشرب منه، ومنهم من يتمسَّح به، فاحتبسه حنين فخبأه عنده في جرة، حتَّى شكوه إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال له: ((ما تصنع به؟))
فقال: أدخره عندي أشربه يا رسول الله.
فقال عليه السلام: ((هل رأيتم غلاماً أحصى ما أحصى هذا)).
ثم إن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهبه لعمه العبَّاس، فأعتقه رضي الله عنهما.
ومنهم ذكوان يأتي ذكره في ترجمة طهمان. (ج/ص:5/336)
ومنهم رافع أو أبو رافع، ويقال له: أبو البهي، قال أبو بكر ابن أبي خيثمة: كان لأبي أحيحة سعيد بن العاص الأكبر، فورثه بنوه وأعتق ثلاثة منهم أنصباءهم، وشهد معهم يوم بدر فقتلوا ثلاثتهم، ثم اشترى أبو رافع بقية أنصباء بني سعيد مولاه إلا نصيب خالد بن سعيد، فوهب خالد نصيبه لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقبله وأعتقه، فكان يقول: أنا مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكذلك كان بنوه يقولون من بعده.
ومنهم رباح الأسود، وكان يأذن على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو الذي أخذ الإذن لعمر بن الخطاب حتَّى دخل على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في تلك المشربة يوم آلى من نسائه، واعتزلهن في تلك المشربة وحده عليه السلام، هكذا جاء مصرحاً باسمه في حديث عكرمة بن عمار عن سماك بن الوليد، عن ابن عبَّاس، عن عمر.
وقال الإمام أحمد: ثنا وكيع، ثنا عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال: كان للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم غلام يسمى رباح.
ومنهم رويفع مولاه عليه الصلاة والسلام، هكذا عده في الموالي مصعب بن عبد الله الزبيري، وأبو بكر ابن أبي خيثمة قالا: وقد وفد ابنه على عمر بن عبد العزيز في أيام خلافته ففرض له.
قالا: ولا عقب له.
قلت: وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله شديد الاعتناء بموالي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، يحب أن يعرفهم ويحسن إليهم، وقد كتب في أيام خلافته إلى أبي بكر ابن حزم عالم أهل المدينة في زمانه أن يفحص له عن موالي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الرجال، والنساء، وخدامه.
رواه الواقدي، وقد ذكره أبو عمر مختصراً وقال: لا أعلم له رواية، حكاه ابن الأثير في (أُسد الغابة).
ومنهم زيد بن حارثة الكلبي، وقد قدمنا طرفاً من ذكره عند ذكر مقتله بغزوة مؤتة رضي الله عنه، وذلك في جمادى من سنة ثمان قبل الفتح بأشهر، وقد كان هو الأمير المقدم، ثم بعده جعفر، ثم بعدهما عبد الله بن رواحة.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما بعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم زيد بن حارثة في سرية إلا أمَّره عليهم، ولو بقي بعده لاستخلفه، رواه أحمد. (ج/ص:5/337)
ومنهم زيد أبو يسار قال أبو القاسم البغوي في (معجم الصحابة): سكن المدينة روى حديثاً واحداً لا أعلم له غيره، حدثنا محمد بن علي الجوزجاني، ثنا أبو سلمة - هو: التبوذكي -، ثنا حفص بن عمر الطائي، ثنا أبو عمر ابن مرة، سمعت بلال بن يسار بن زيد مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم سمعت أبي حدثني عن جدي أنه سمع رسول الله يقول: ((من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فرَّ من الزحف)).
وهكذا رواه أبو داود عن أبي سلمة.
وأخرجه التِّرمذي عن محمد ابن إسماعيل البخاري، عن أبي سلمة موسى بن إسماعيل به.
وقال التِّرمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
ومنهم سفينة أبو عبد الرحمن ويقال: أبو البختري، كان اسمه مهران، وقيل: عبس، وقيل: أحمر، وقيل: رومان، فلقَّبه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لسبب سنذكره فغلب عليه، وكان مولى لأم سلمة فأعتقته، واشترطت عليه أن يخدم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى يموت، فقبل ذلك وقال: لو لم تشترطي علي ما فارقته.
وهذا الحديث في السنن، وهو من مولدي العرب، وأصله من أبناء فارس، وهو سفينة بن مافنة.
وقال الإمام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا حشرج بن نباتة العبسي كوفي، حدثنا سعيد بن جمهان، حدثني سفينة قال: قال رسول الله: ((الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم ملكاً بعد ذلك)).
ثم قال لي سفينة: أمسك خلافة أبي بكر، وخلافة عمر، وخلافة عثمان، وأمسك خلافة علي ثم قال: فوجدناها ثلاثين سنة، ثم نظرت بعد ذلك في الخلفاء فلم أجده يتفق لهم ثلاثون.
قلت لسعيد: أين لقيت سفينة؟
قال: ببطن نخلة في زمن الحجاج، فأقمت عنده ثلاث ليال أسأله عن أحاديث رسول الله.
قلت له: ما اسمك؟
قال: ما أنا بمخبرك، سماني رسول الله سفينة.
قلت: ولم سمَّاك سفينة؟
قال: خرج رسول الله ومعه أصحابه فثقل عليهم متاعهم فقال لي: ((إبسط كساك)) فبسطته، فجعلوا فيه متاعهم ثمَّ حملوه علي فقال لي رسول الله: ((إحمل فإنما أنت سفينة)) فلو حملت يومئذ وقر بعير، أو بعيرين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة، أو ستة، أو سبعة ما ثقل علي إلا أن يحفوا.
وهذا الحديث عن أبي داود، والتِّرمذي، والنسائي، ولفظه عندهم: ((خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً)).
وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز، ثنا حماد بن سلمة عن سعيد بن جمهان، عن سفينة قال: كنا في سفر فكان كلما أعيا رجل ألقى علي ثيابه ترساً أو سيفاً، حتَّى حملت من ذلك شيئاً كثيراً فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أنت سفينة)) هذا هو المشهور في تسميته سفينة.
وقد قال أبو القاسم البغوي: ثنا أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني، ومحمد بن جعفر الوركاني قالا: ثنا شريك بن عبد الله النخعي عن عمران البجلي، عن مولى لأم سلمة قال: كنا مع رسول الله فمررنا بواد - أو نهر - فكنت أعبِّر النَّاس فقال لي رسول الله: ((ما كنت منذ اليوم إلا سفينة)). (ج/ص:5 /338)
وهكذا رواه الإمام أحمد عن أسود بن عامر، عن شريك وقال أبو عبد الله بن منده: ثنا الحسن بن مكرم، ثنا عثمان بن عمر، ثنا أسامة بن زيد عن محمد بن المنكدر، عن سفينة قال: ركبت البحر في سفينة فكسرت بنا، فركبت لوحاً منها، فطرحني في جزيرة فيها أسد فلم يرعني إلا به فقلت: يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فجعل يغمزني بمنكبه حتَّى أقامني على الطريق، ثم همهم فظننت أنه السلام.
وقد رواه أبو القاسم البغوي عن إبراهيم بن هانئ، عن عبيد الله بن موسى، عن رجل، عن محمد بن المنكدر عنه.
ورواه أيضاً عن محمد بن عبد الله المخرمي، عن حسين بن محمد قال: قال عبد العزيز بن عبد الله ابن أبي سلمة، عن محمد بن المنكدر، عن سفينة فذكره.
ورواه أيضاً: حدثنا هارون بن عبد الله، ثنا علي بن عاصم، حدثني أبو ريحانة عن سفينة مولى رسول الله قال: لقيني الأسد فقلت: أنا سفينة مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال: فضرب بذنبه الأرض وقعد.
وروى له مسلم، وأهل السنن، وقد تقدم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: أنه كان يسكن بطن نخلة، وأنه تأخَّر إلى أيام الحجاج.
ومنهم سلمان الفارسي أبو عبد الله مولى الإسلام أصله من فارس، وتنقلت به الأحوال إلى أن صار لرجل من يهود المدينة، فلما هاجر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المدينة أسلم سلمان وأمره رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فكاتب سيده اليهودي، وأعانه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على أداء ما عليه فنسب إليه وقال: ((سلمان منا أهل البيت)).
وقد قدمنا صفة هجرته من بلده، وصحبته لأولئك الرهبان واحداً بعد واحد، حتَّى آل به الحال إلى المدينة النبوية، وذكر صفة إسلامه رضي الله عنه في أوائل الهجرة النبوية إلى المدينة، وكانت وفاته في سنة خمس وثلاثين في آخر أيام عثمان - أو في أول سنة ست وثلاثين - وقيل: إنَّه توفي في أيام عمر بن الخطاب، والأول أكثر.
قال العبَّاس بن يزيد البحراني: وكان أهل العلم لا يشكون أنه عاش مائتين وخمسين سنة، واختلفوا فيما زاد على ذلك إلى ثلاثمائة وخمسين، وقد ادعى بعض الحفاظ المتأخِّرين أنه لم يجاوز المائة، فالله أعلم بالصواب.
ومنهم شقران الحبشي، واسمه صالح بن عدي ورثه عليه السلام من أبيه، وقال مصعب الزبيري، ومحمد بن سعد: كان لعبد الرحمن بن عوف فوهبه للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقد روى أحمد بن حنبل عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر أنه ذكره فيمن شهد بدراً قال: ولم يقسم له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وهكذا ذكره محمد بن سعد فيمن شهد بدراً وهو مملوك، فلهذا لم يسهم له بل استعمله على الأسرى، فحذاه كل رجل له أسير شيئاً، فحصل له أكثر من نصيب كامل. (ج/ص:5/339)
قال: وقد كان ببدر ثلاثة غلمان غيره، غلام لعبد الرحمن بن عوف، وغلام لحاطب ابن أبي بلتعة، وغلام لسعيد بن معاذ فرضخ لهم ولم يقسم.
قال أبو القاسم البغوي: وليس له ذكر فيمن شهد بدراً في كتاب الزُّهري، ولا في كتاب ابن إسحاق، وذكر الواقدي عن أبي بكر ابن عبد الله ابن أبي سبرة، عن أبي بكر ابن عبد الله ابن أبي جهم قال: استعمل رسول الله شقران مولاه على جميع ما وجد في رحال المريسيع، من رثة المتاع والسلاح، والنعم والشاء، وجمع الذرية ناحية.
وقال الإمام أحمد: ثنا أسود بن عامر، ثنا مسلم بن خالد عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، عن شقران مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: رأيته - يعني: النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم متوجهاً إلى خيبر على حمار يصلي عليه يومئ إيماء، وفي هذه الأحاديث شواهد أنه رضي الله عنه شهد هذه المشاهد.
وروى التِّرمذي عن زيد بن أخزم، عن عثمان بن فرقد، عن جعفر بن محمد، أخبرني ابن أبي رافع قال: سمعت شقران يقول: أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في القبر.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: الذي اتخذ قبر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أبو طلحة، والذي ألقى القطيفة شقران.
ثم قال التِّرمذي: حسن غريب، وقد تقدم أنه شهد غسل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ونزل في قبره، وأنه وضع تحته القطيفة التي كان يصلي عليها وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك.
وذكر الحافظ أبو الحسن ابن الأثير في (أُسد الغابة) أنه انقرض نسله، فكان آخرهم موتاً بالمدينة في أيام الرشيد.
ومنهم ضميرة ابن أبي ضميرة الحميري: أصابه سبي في الجاهلية فاشتراه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فأعتقه، ذكره مصعب الزبيري قال: وكانت له دار بالبقيع وولد.
قال عبد الله بن وهب عن ابن أبي ذئب، عن حسين بن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه، عن جده ضميرة أن رسول الله مر بأم ضميرة وهي تبكي فقال لها: ((ما يبكيك، أجائعة أنت، أعارية أنت)) قالت: يا رسول الله فرِّق بيني وبين ابني.
فقال رسول الله: ((لا يفرَّق بين الوالدة وولدها)).
ثم أرسل إلى الذي عنده ضميرة فدعاه، فابتاعه منه ببكر.
قال ابن أبي ذئب: ثم أقرأني كتاباً عنده: ((بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله لأبي ضميرة وأهل بيته، أن رسول الله أعتقهم، وأنهم أهل بيت من العرب، إن أحبوا أقاموا عند رسول الله وإن أحبوا رجعوا إلى قومهم، فلا يعرض لهم إلا بحق، ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيراً)) وكتب أُبي بن كعب. (ج/ص:5/340)
ومنهم طهمان، ويقال: ذكوان، ويقال: مهران، ويقال: ميمون، وقيل: كيسان، وقيل: باذام.
روى عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إنَّ الصدقة لا تحل لي، ولا لأهل بيتي، وإن مولى القوم من أنفسهم)).
رواه البغوي عن منجاب بن الحارث وغيره، عن شريك، عن عطاء بن السائب، عن إحدى بنات علي ابن أبي طالب - وهي أم كلثوم بنت علي - قالت: حدثني مولى للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقال له: طهمان، أو ذكوان قال: قال رسول الله: فذكره.
ومنهم عبيد مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال أبو داود الطيالسي عن شعبة، عن سليمان التيمي، عن شيخ، عن عبيد مولى للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: قلت هل كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يأمر بصلاة سوى المكتوبة؟
قال: صلاة بين المغرب والعشاء.
قال أبو القاسم البغوي: لا أعلم روى غيره.
قال ابن عساكر: وليس كما قال، ثم ساق من طريق أبي يعلى الموصلي: حدثنا عبد الأعلى بن حماد، ثنا حماد بن سلمة عن سليمان التيمي، عن عبيد مولى رسول الله أن امرأتين كانتا صائمتين وكانتا تغتابان النَّاس، فدعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقدح فقال لهما: ((قيئا)).
فقاءا قيحاً، ودماً، ولحماً عبيطاً.
ثم قال: ((إن هاتين الصائمتان عن الحلال، وأفطرتا على الحرام)).
وقد رواه الأمام أحمد عن يزيد بن هارون وابن أبي عدي، عن سليمان التيمي، عن رجل حدثهم في مجلس أبي عثمان، عن عبيد مولى رسول الله فذكره.
ورواه أحمد أيضاً عن غندر، عن عثمان بن غياث قال: كنت مع أبي عثمان فقال رجل: حدثني سعيد - أو عبيد - عثمان يشك مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فذكره.
ومنهم فضالة: مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال محمد بن سعيد: أنبأنا الواقدي، حدثني عتبة بن خيرة الأشهلي قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم أن افحص لي عن خدم رسول الله من الرجال، والنساء، ومواليه، فكتب إليه قال: وكان فضالة مولى له يماني نزل الشام بعد.
وكان أبو مويهبة مولداً من مولدي مزينة فأعتقه.
قال ابن عساكر: لم أجد لفضالة ذكراً في الموالي إلا من هذا الوجه.
ومنهم قفيز - أوله قاف وآخره زاي - قال أبو عبد الله بن منده: أنبأنا سهل بن السري، ثنا أحمد بن محمد بن المنكدر، ثنا محمد بن يحيى عن محمد بن سليمان الحراني، عن زهير بن محمد، عن أبي بكر بن عبد الله بن أنيس قال: كان لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم غلاماً يقال له: قفيز.
تفرَّد به محمد بن سليمان. (ج/ص:5/341)
ومنهم كركرة: كان على ثقل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في بعض غزواته، وقد ذكره أبو بكر ابن حزم فيما كتب به إلى عمر بن عبد العزيز.
قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن عمرو، عن سالم ابن أبي الجعد، عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم رجل يقال له: كركرة فمات.
فقال: ((هو في النار)) فنظروا فإذا عليه عباءة قد غلَّها، أو كساء قد غلَّه، رواه البخاري عن علي بن المديني عن سفيان.
قلت: وقصته شبيهة بقصة مدعم الذي أهداه رفاعة من بني النصيب كما سيأتي.
ومنهم كيسان: قال البغوي: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب قال: أتيت أم كلثوم بنت علي فقالت: حدثني مولى للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقال له: كيسان قال له النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في شيء من أمر الصدقة: ((إنا أهل بيت نهينا أن نأكل الصدقة، وإن مولانا من أنفسنا فلا تأكل الصدقة)).
ومنهم مابور القبطي الخصي: أهداه له صاحب الإسكندرية مع مارية وشيرين، والبغلة، وقد قدمنا من خبره في ترجمة مارية رضي الله عنهما ما فيه كفاية.
ومنهم مدعم: وكان أسود من مولدي حسمى، أهداه رفاعة بن زيد الجذامي، قتل في حياة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وذلك مرجعهم من خيبر، فلما وصلوا إلى وادي القرى فبينما مدعم يحط عن ناقة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رحلها، إذ جاءه سهم عائر فقلته.
فقال النَّاس: هنيئاً له الشهادة.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً))
فلما سمعوا ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((شراك من نار، أو شراكان من نار)).
أخرجاه من حديث مالك عن ثور بن يزيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة.
ومنهم مهران: ويقال: طهمان، وهو الذي روت عنه أم كلثوم بنت علي في تحريم الصدقة على بني هاشم، ومواليهم، كما تقدم.
ومنهم ميمون: وهو الذي قبله.
ومنهم نافع: مولاه، قال الحافظ ابن عساكر: أنبأنا أبو الفتح الماهاني، أنبأنا شجاع الصوفي، أنبأنا محمد بن إسحاق، أنبأنا أحمد بن محمد بن زياد، حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا أبو مالك الأشجعي عن يوسف بن ميمون، عن نافع مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((لا يدخل الجنة شيخ زان، ولا مسكين متكبر، ولا منَّان بعمله على الله عز وجل)). (ج/ص:5 /342)
ومنهم نفيع: ويقال: مسروح، ويقال: نافع بن مسروح، والصَّحيح: نافع بن الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج بن سلمة بن عبد العزَّى بن غيرة بن عوف بن قيس، وهو ثقيف أبو بكرة الثَّقفيّ، وأمُّه سميَّة أم زياد، تدلى هو وجماعة من العبيد من سور الطَّائف فأعتقهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان نزوله في بكرة فسماه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أبا بكرة.
قال أبو نعيم: وكان رجلاً صالحاً آخى رسول الله بينه وبين أبي برزة الأسلميّ.
قلت: وهو الذي صلَّى عليه بوصيته إليه، ولم يشهد أبو بكرة وقعة الجَّمل ولا أيَّام صفّين، وكانت وفاته في سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة اثنتين وخمسين.
ومنهم واقد أو أبو واقد: مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال الحافظ أبو نعيم الأصبهانيّ: حدثنا أبو عمرو ابن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا محمد بن يحيى بن عبد الكريم، حدثنا الحسين بن محمد، ثنا الهيثم بن حماد عن الحارث بن غسَّان، عن رجل من قريش من أهل المدينة، عن زاذان عن واقد مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((من أطاع الله فقد ذكر الله، وإن قلَّت صلاته وصيامه، وتلاوته القرآن، ومن عصى الله فلم يذكره، وإن كثرت صلاته وصيامه، وتلاوته القرآن)).
ومنهم هرمز أبو كيسان: ويقال: هرمز أو كيسان، هو الذي يقال فيه: طهمان كما تقدَّم.
وقد قال ابن وهب: ثنا علي بن عبَّاس عن عطاء بن السائب، عن فاطمة بنت علي، أو أم كلثوم بنت علي قالت: سمعت مولى لنا يقال له: هرمز يكنى أبا كيسان قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إنا أهل بيت لا تحلُّ لنا الصدقة، وإن موالينا من أنفسنا فلا تأكلوا الصدقة)).
وقد رواه الربيع بن سليمان عن أسد بن موسى، عن ورقاء، عن عطاء بن السائب قال: دخلت على أم كلثوم فقالت: إن هرمز أو كيسان حدَّثنا أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إنَّا لا نأكل الصدقة)).
وقال أبو القاسم البغوي: ثنا منصور بن أبي مزاحم، ثنا أبو حفص الأبار عن ابن أبي زياد، عن معاوية قال: شهد بدراً عشرون مملوكاً، منهم مملوك للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقال له: هرمز، فأعتقه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقال: ((إن الله قد أعتقك، وإنَّ مولى القوم من أنفسهم، وإنا أهل بيت لا نأكل الصدقة فلا تأكلها)).
ومنهم هشام: مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال محمد بن سعد: أنبأنا سليمان بن عبيد الله الرقي، أنبأنا محمد بن أيوب الرقي عن سفيان، عن عبد الكريم، عن أبي الزبير، عن هشام مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله إنَّ امرأتي لا تدفع يد لامس.
قال: ((طلقها))
قال: إنها تعجبني.
قال: ((فتمتع بها)).
قال ابن منده: وقد رواه جماعة عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن مولى بني هاشم، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يسمِّه.
ورواه عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم، عن أبي الزبير، عن جابر. (ج/ص:5/343)
ومنهم يسار: ويقال: إنه الذي قتله العرنيون وقد مثَّلوا به.
وقد ذكر الواقدي بسنده عن يعقوب بن عتبة: أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أخذه يوم قرقرة الكدر مع نعم بني غطفان وسليم، فوهبه النَّاس لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقبله منهم، ولأنه رآه يحسن الصلاة فأعتقه، ثم قسم في النَّاس النعم فأصاب كل إنسان منهم سبعة أبعرة، وكانوا مائتين.
ومنهم أبو الحمراء: مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وخادمه، وهو الذي يقال: إن اسمه هلال بن الحارث، وقيل: ابن مظفر، وقيل: هلال بن الحارث بن ظفر السلمي، أصابه سبي في الجاهلية.
وقال أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم: ثنا أحمد بن حازم، أنبأنا عبد الله بن موسى والفضل بن دكين عن يونس ابن أبي إسحاق، عن أبي داود القاص، عن أبي الحمراء قال: رابطت المدينة سبعة أشهر كيوم، فكان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يأتي باب علي وفاطمة كل غداة فيقول: ((الصلاة، الصلاة، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرَّجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً)).
قال أحمد بن حازم: وأنبأنا عبيد الله بن موسى، والفضل بن دكين - واللفظ له - عن يونس ابن أبي إسحاق، عن أبي داود، عن أبي الحمراء قال: مرَّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم برجل عنده طعام في وعاء فأدخله يده فقال: ((غشَشته!من غشَّنا فليس منا)).
وقد رواه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن أبي نعيم به، وليس عنده سواه، وأبو داود هذا هو نفيع بن الحارث الأعمى أحد المتروكين الضعفاء.
قال عبَّاس الدوري عن ابن معين أبو الحمراء صاحب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم اسمه هلال بن الحارث، كان يكون بحمص، وقد رأيت بها غلاماً من ولده، وقال غيره: كان منزله خارج باب حمص وقال أبو الوازع عن سمرة: كان أبو الحمراء في الموالي.
ومنهم أبو سلمى: راعي النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويقال: أبو سلام واسمه حريث.
قال أبو القاسم البغوي: ثنا كامل بن طلحة، ثنا عباد بن عبد الصمد، حدثني أبو سلمة راعي النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((من لقي الله يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وآمن بالبعث والحساب؛ دخل الجنة))
قلنا: أنت سمعت هذا من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟
فأدخل أصبعيه في أذنيه ثم قال: أنا سمعت هذا منه غير مرة، ولا مرتين، ولا ثلاث، ولا أربع، لم يورد له ابن عساكر سوى هذا الحديث.
وقد روى له النسائي في (اليوم والليلة) آخر، وأخرج له ابن ماجه ثالثاً.
ومنهم أبو صفية: مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال أبو القاسم البغوي: ثنا أحمد بن المقدام، ثنا معتمر، ثنا أبو كعب عن جده بقية، عن أبي صفية مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أنه كان يوضع له نطع ويجاء بزبيل فيه حصى فيسبِّح به إلى نصف النهار، ثم يرفع فإذا صلى الأولى سبَّح حتَّى يمسي.
ومنهم أبو ضميرة: مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والد ضميرة المتقدم، وزوج أم ضميرة، وقد تقدم في ترجمة ابنه طرف من ذكرهم، وخبرهم في كتابهم.
وقال محمد بن سعد في (الطبقات): أنبأنا إسماعيل بن عبد الله بن أويس المدني، حدثني حسين بن عبد الله ابن أبي ضميرة أن الكتاب الذي كتبه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لأبي ضميرة: ((بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب من محمد رسول الله لأبي ضميرة وأهل بيته، إنهم كانوا أهل بيت من العرب، وكانوا ممن أفاء الله على رسوله فأعتقهم، ثم خُيِّر أبا ضميرة إن أحب أن يلحق بقومه فقد أُذن له، وإن أحب أن يمكث مع رسول الله فيكونوا من أهل بيته، فاختار الله ورسوله، ودخل في الإسلام، فلا يعرض لهم أحد إلا بخير، ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيراً)). (ج/ص:5/344)
وكتب أُبي بن كعب قال: إسماعيل ابن أبي أويس، فهو مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو أحد حمير.
وخرج قوم منهم في سفر ومعهم هذا الكتاب، فعرض لهم اللُّصوص فأخذوا ما معهم، فأخرجوا هذا الكتاب إليهم فأعلموهم بما فيه، فقرؤه فردُّوا عليهم ما أخذوا منهم، ولم يعرضوا لهم.
قال: ووفد حسين بن عبد الله ابن أبي ضميرة إلى المهدي أمير المؤمنين، وجاء معه بكتابهم هذا فأخذه المهدي فوضعه على بصره، وأعطى حسيناً ثلاثمائة دينار.
ومنهم أبو عبيد: مولاه عليه الصلاة والسلام.
قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، ثنا أبان العطار، ثنا قتادة عن شهر بن حوشب، عن أبي عبيد أنه طبخ لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قدراً فيها لحم.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ناولني ذراعها))
فناولته فقال: ((ناولني ذراعها)).
فناولته فقال: ((ناولني ذراعها))
فقلت: يا نبي الله كم للشاة من ذراع؟
قال: ((والذي نفسي بيده، لو سكت لأعطيتني ذراعها ما دعوت به)).
ورواه التِّرمذي في (الشمائل) عن بندار، عن مسلم بن إبراهيم، عن أبان بن يزيد العطار به.
ومنهم أبو عشيب: ومنهم من يقول: أبو عسيب، والصحيح الأول، ومن النَّاس من فرَّق بينهما، وقد تقدم أنه شهد الصلاة على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وحضر دفنه، وروى قصة المغيرة بن شعبة.
وقال الحارث ابن أبي أسامة: ثنا يزيد بن هارون، ثنا مسلم بن عبيد أبو نصيرة قال: سمعت أبا عسيب مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: إن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((أتاني جبريل بالحمى والطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة، وأرسلت الطاعون إلى الشام، فالطاعون شهادة، لأمتي ورحمة لهم، ورجس على الكافر)).
وكذا رواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون.
وقال أبو عبد الله بن منده: أنبأنا محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصاغاني، ثنا يونس بن محمد، ثنا حشرج بن نباتة، حدثني أبو نصيرة البصري عن أبي عسيب مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ليلاً فمرَّ بي فدعاني، ثم مرَّ بأبي بكر فدعاه فخرج إليه، ثم مرَّ بعمر فدعاه فخرج إليه، ثم انطلق يمشي حتَّى دخل حائطاً لبعض الأنصار فقال رسول الله لصاحب الحائط: ((أطعمنا بسرام)) فجاء به فوضعه، فأكل رسول الله وأكلوا جميعاً، ثم دعا بماء فشرب منه ثم قال: ((إنَّ هذا النعيم لتسألن يوم القيامة عن هذا))
فأخذ عمر العذق فضرب به الأرض حتَّى تناثر البسر ثم قال: يا نبي الله إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة؟
قال: ((نعم إلا من ثلاثة؛ خرقة يستر بها الرجل عورته، أو كسرة يسدُّ بها جوعته، أو حجر يدخل فيه - يعني: من الحر والقر -)).
ورواه الإمام أحمد عن شريح، عن حشرج.
وروى محمد بن سعد في (الطبقات) عن موسى بن إسماعيل، حدثتنا سلمة بنت أبان الفريعية قالت: سمعت ميمونة بنت أبي عسيب قالت: كان أبو عسيب يواصل بين ثلاث في الصيام، وكان يصلي الضحى قائماً وعجز، وكان يصوم أيام البيض قالت: وكان في سريره جلجل فيعجز صوته حين يناديها به، فإذا حرَّكه جاءت. (ج/ص:5 /345)
ومنهم أبو كبشة الأنماري من أنمار مذحج على المشهور: مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، في اسمه أقوال: أشهرها أن اسمه سليم، وقيل: عمرو بن سعد، وقيل: عكسه، وأصله من مولدي أرض دوس، وكان ممن شهد بدراً قاله موسى بن عقبة عن الزُّهري.
وذكره ابن إسحاق، والبخاري، والواقدي، ومصعب الزبيري، وأبو بكر ابن أبي خيثمة.
زاد الواقدي: وشهد أُحداً وما بعدها من المشاهد، وتوفي يوم استخلف عمر بن الخطاب، وذلك في يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة.
وقال خليفة بن خياط: وفي سنة ثلاث وعشرين توفي أبو كبشة مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقد تقدم عن أبي كبشة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لما مرَّ في ذهابه إلى تبوك بالحجر جعل النَّاس يدخلون بيوتهم، فنودي أن الصلاة جامعة فاجتمع النَّاس فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما يدخلكم على هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم؟))
فقال رجل: نعجب منهم يا رسول الله.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ألا أنبِّئكم بأعجب من ذلك، رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم)) الحديث.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح، عن أزهر بن سعيد الحرازي، سمعت أبا كبشة الأنماري قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جالساً في أصحابه، فدخل ثم خرج وقد اغتسل فقلنا: يا رسول الله قد كان شيء؟
قال: ((أجل مرت بي فلانة، فوقع في نفسي شهوة النساء، فأتيت بعض أزواجي فأصبتها، فكذلك فافعلوا، فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال))
وقال أحمد: حدثنا وكيع، ثنا الأعمش عن سالم ابن أبي الجعد، عن أبي كبشة الأنماري قال: قال رسول الله: ((مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر: رجل أتاه الله مالاً وعلماً فهو يعمل به في ماله وينفقه في حقه، ورجل أتاه الله علماً ولم يؤته مالاً فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)) قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فهما في الأجر سواء، ورجل أتاه الله مالاً ولم يؤته علماً فهو يحبط فيه ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)) قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فهما في الوزر سواء)).
وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، وعلي بن محمد، كلاهما عن وكيع.
ورواه ابن ماجه أيضاً من وجه آخر من حديث منصور عن سالم ابن أبي الجعد، عن ابن أبي كبشة، عن أبيه.
وسماه بعضهم: عبد الله ابن أبي كبشة.
وقال أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، ثنا محمد بن حرب، ثنا الزبيدي عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهورني، عن أبي كبشة الأنماري أنه أتاه فقال: أطرقني من فرسك، فإني سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((من أطرق مسلماً فعقب له الفرس، كان كأجر سبعين حمل عليه في سبيل الله عز وجل)). (ج/ص:5/346)
وقد روى التِّرمذي عن محمد بن إسماعيل، عن أبي نعيم، عن عبادة بن مسلم، عن يونس بن خباب، عن سعيد أبي البختري الطائي، حدثني أبو كبشة أنه قال: ثلاث أقسم عليهن وأحدِّثكم حديثاً فاحفظوه؛ ما نقص مال عبد صدقة، وما ظلم عبد بمظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزاً، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، الحديث.
وقال: حسن صحيح، وقد رواه أحمد عن غندر، عن شعبة، عن الأعمش، عن سالم ابن أبي الجعد عنه.
وروى أبو داود، وابن ماجه من حديث الوليد بن مسلم عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن أبي كبشة الأنماري أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يحتجم على هامته وبين كتفيه.
وروى التِّرمذي: حدَّثنا حميد بن مسعدة، ثنا محمد بن حمران عن أبي سعيد - وهو: عبد الله بن بسر قال: سمعت أبا كبشة الأنماري يقول: كانت كمام أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بطحاً.
ومنهم أبو مويهبة: مولاه عليه السلام وكان من مولدي مزينة، اشتراه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأعتقه، ولا يعرف اسمه رضي الله عنه.
وقال أبو مصعب الزبيري: شهد أبو مويهبة المريسيع، وهو الذي كان يقود لعائشة رضي الله عنها بعيرها.
وقد تقدم ما رواه الإمام أحمد وبسنده عنه، في ذهابه مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الليل إلى البقيع، فوقف عليه السلام فدعا لهم واستغفر لهم ثم قال: ((ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه بعض النَّاس، أتت الفتن كقطع الليل المظلم، يركب بعضها بعضاً، الآخرة أشد من الأولى، فليهنكم أنتم فيه)) ثم رجع فقال: ((يا أبا مويهبة إني خيِّرت مفاتيح ما يفتح على أمتي من بعدي والجنة أو لقاء ربي، فاخترت لقاء ربي)).
قال: فما لبث بعد ذلك إلا سبعاً - أو ثمانياً - حتَّى قبض.
فهؤلاء عبيده عليه السلام.
ولنذكر ما أورده مع الزيادة والنقصان، وبالله المستعان.
فمنهم أسامة بن زيد بن حارثة أبو زيد الكلبي، ويقال: أبو يزيد، ويقال: أبو محمد مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وابن مولاه وحبه وابن حبه، وأمه أم أيمن، واسمها بركة كانت حاضنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في صغره، وممن آمن به قديماً بعد بعثته، وقد أمَّره رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في آخر أيام حياته وكان عمره إذ ذاك ثماني عشرة أو تسع عشرة، وتوفي وهو أمير على جيش كثيف منهم عمر بن الخطاب، ويقال: وأبو بكر الصديق، وهو ضعيف، لأن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نصبه للإمامة، فلما توفي عليه السلام وجيش أسامة مخيم بالجرف كما قدمناه استطلق أبو بكر من أسامة عمر بن الخطاب في الإقامة عنده ليستضيء برأيه فأطلقه له، وأنفذ أبو بكر جيش أسامة بعد مراجعة كثيرة من الصحابة له في ذلك، وكل ذلك يأبى عليهم ويقول: والله لا أحل راية عقدها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فساروا حتَّى بلغوا تخوم البلقاء من أرض الشام حيث قتل أبوه زيد، وجعفر ابن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، فأغار على تلك البلاد وغنم وسبى وكرَّ راجعاً سالماً مؤيداً كما سيأتي.
فلهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يلقى أسامة إلا قال له: السلام عليك أيها الأمير، ولما عقد له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم راية الإمرة طعن بعض النَّاس في إمارته، فخطب رسول الله فقال فيها: ((إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقاً للإمارة، وإن كان لمن أحب الخلق إلي بعده)).
وهو في الصحيح من حديث موسى بن عقبة عن سالم، عن أبيه.
وثبت في صحيح البخاري عن أسامة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يأخذني والحسن فيقول: ((اللهم إني أحبهما، فأحبهما)).
وروى عن الشعبي، عن عائشة، سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((من أحبَّ الله ورسوله فليحب أسامة بن زيد)).
ولهذا لما فرض عمر بن الخطاب للناس في الديوان فرض لأسامة في خمسة آلاف، وأعطى ابنه عبد الله بن عمر في أربعة آلاف، فقيل له في ذلك، فقال: إنه كان أحب إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم منك، وأبوه كان أحب إلى رسول الله من أبيك.
وقد روى عبد الرزاق عن معمر، عن الزُّهري، عن عروة، عن أسامة أن رسول الله أردفه خلفه على حمار عليه قطيفة حين ذهب يعود سعد بن عبادة قبل وقعة بدر.
قلت: وهكذا أردفه وراءه على ناقته حين دفع من عرفات إلى المزدلفة كما قدمنا في حجة الوداع، وقد ذكر غير واحد أنه رضي الله عنه لم يشهد مع علي شيئاً من مشاهده، واعتذر إليه بما قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين قتل ذلك الرجل، وقد قال لا إله إلا الله فقال: ((من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة)) الحديث.
وذكر فضائله كثيرة رضي الله عنه، وقد كان أسود كالليل أفطس حلواً حسناً كبيراً، فصيحاً، عالماً، ربانياً رضي الله عنه وكان أبوه كذلك، إلا أنه كان أبيض شديد البياض، ولهذا طعن بعض من لا يعلم في نسبه منه، ولما مرَّ مجزز المدلجي عليهما وهما نائمان في قطيفة وقد بدت أقدامهما أسامة بسواده، وأبوه زيد ببياضه قال: سبحان الله إن بعض هذه الأقدام لمن بعض، أعجب بذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ودخل على عائشة مسروراً تبرق أسارير وجهه فقال: ((ألم تر أن مجززاً نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض)). (ج/ص:5 /334)
ولهذا أخذ فقهاء الحديث كالشافعي، وأحمد من هذا الحديث من حيث التقرير عليه والاستبشار به، العمل بقول القافة في اختلاط الأنساب واشتباهها، كما هو مقرر في موضعه.
والمقصود أنه رضي الله عنه توفي سنة أربع وخمسين مما صححه أبو عمر، وقال غيره: سنة ثمان، أو تسع وخمسين، وقيل: مات بعد مقتل عثمان، فالله أعلم، وروى له جماعة في كتبهم الستة.
ومنهم أسلم، وقيل: إبراهيم، وقيل: ثابت، وقيل: هرمز أبو رافع القبطي أسلم قبل بدر، ولم يشهدها لأنه كان بمكة مع سادته آل العبَّاس، وكان ينحت القداح، وقصته مع الخبيث أبي لهب حين جاء خبر وقعة بدر تقدمت، ولله الحمد، ثم هاجر وشهد أحداً وما بعدها، وكان كاتباً، وقد كتب بين يدي علي ابن أبي طالب بالكوفة، قاله المفضل بن غسان الغلابي، وشهد فتح مصر في أيام عمر، وقد كان أولاً للعبَّاس بن عبد المطلب فوهبه للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعتقه، وزوَّجه مولاته سلمى، فولدت له أولاداً، وكان يكون على ثقل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقال الإمام أحمد: ثنا محمد بن جعفر وبهز قالا: ثنا شعبة عن الحكم، عن ابن أبي رافع، عن أبي رافع أن رسول الله بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع: أصحبني كيما نصيب منها.
فقال: لا، حتَّى آتي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأسأله.
فأتى رسول الله فسأله فقال: ((الصدقة لا تحل لنا وإن مولى القوم منهم)).
وقد رواه الثوري عن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن الحكم به.
وروى أبو يعلى في مسنده: عنه أنه أصابهم برد شديد وهم بخيبر فقال رسول الله: ((من كان له لحاف فليلحف من لا لحاف له)).
قال أبو رافع: فلم أجد من يلحفني معه، فأتيت رسول الله فألقى علي لحافه، فنمنا حتَّى أصبحنا، فوجد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عند رجليه حية، فقال: ((يا أبا رافع إقتلها إقتلها)).
وروى له الجماعة في كتبهم، ومات في أيام علي رضي الله عنه.
ومنهم أنسة بن زيادة بن مشرح، ويقال: أبو مسرح من مولدي السراة مهاجري، شهد بدراً فيما ذكره عروة، والزُّهري، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، والبخاري، وغير واحد قالوا: وكان ممن يأذن على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا جلس.
وذكر خليفة بن خياط في كتابه قال: قال علي بن محمد، عن عبد العزيز ابن أبي ثابت، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال: استشهد يوم بدر أنسة مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال الواقدي: وليس هذا بثبت عندنا، ورأيت أهل العلم يثبتون أنه شهد أُحداً أيضاً وبقي زماناً، وأنه توفي في حياة أبي بكر رضي الله عنه أو خلافته. (ج/ص:5/335)
ومنهم أيمن بن عبيد بن زيد الحبشي، ونسبه ابن منده إلى عوف بن الخزرج وفيه نظر، وهو ابن أم أيمن بركة أخو أسامة لأمه.
قال ابن إسحاق: وكان على مطهرة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان ممن ثبت يوم حنين ويقال: إن فيه وفي أصحابه نزل قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}. [الكهف: 110]
قال الشافعي: قتل أيمن مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوم حنين قال: فرواية مجاهد عنه منقطعة - يعني بذلك ما رواه الثوري عن منصور، عن مجاهد، عن عطاء، عن أيمن الحبشي - قال: لم يقطع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم السارق إلا في المجن، وكان ثمن المجن يومئذ دينار.
وقد رواه أبو القاسم البغوي في (معجم الصحابة) عن هارون بن عبد الله، عن أسود بن عامر، عن الحسن بن صالح، عن منصور، عن الحكم، عن مجاهد وعطاء، عن أيمن، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم نحوه.
وهذا يقتضي تأخَّر موته عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إن لم يكن الحديث مدلساً عنه، ويحتمل أن يكون أريد غيره، والجمهور كابن إسحاق وغيره ذكروه فيمن قتل من الصحابة يوم حنين، فالله أعلم، ولابنه الحجاج بن أيمن مع عبد الله بن عمر قصة.
ومنهم باذام، وسيأتي ذكره في ترجمة طهمان.
ومنهم ثوبان بن بحدد ويقال: ابن جحدر أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الكريم، ويقال: أبو عبد الرحمن أصله من أهل السراة مكان بين مكة واليمن، وقيل: من حمْير من أهل اليمن، وقيل: من الهان، وقيل: من حكم بن سعد العشيرة من مذحج أصابه سبي في الجاهلية، فاشتراه رسول الله فأعتقه، وخيَّره إن شاء أن يرجع إلى قومه وإن شاء يثبت فإنَّه منهم أهل البيت، فأقام على ولاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يفارقه حضراً ولا سفراً، حتَّى توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وشهد فتح مصر أيام عمر، ونزل حمص بعد ذلك، وابتنى بها داراً وأقام بها إلى أن مات سنة أربع وخمسين، وقيل: سنة أربع وأربعين - وهو خطأ - وقيل إنه مات بمصر، والصحيح بحمص كما قدمنا، والله أعلم، روى له البخاري في كتاب الأدب، ومسلم في صحيحه، وأهل السنن الأربعة.
ومنهم حنين مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو جد إبراهيم بن عبد الله بن حنين، وروينا أنه كان يخدم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ويوضئه، فإذا فرغ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم خرج بفضله الوضوء إلى أصحابه، فمنهم من يشرب منه، ومنهم من يتمسَّح به، فاحتبسه حنين فخبأه عنده في جرة، حتَّى شكوه إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال له: ((ما تصنع به؟))
فقال: أدخره عندي أشربه يا رسول الله.
فقال عليه السلام: ((هل رأيتم غلاماً أحصى ما أحصى هذا)).
ثم إن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهبه لعمه العبَّاس، فأعتقه رضي الله عنهما.
ومنهم ذكوان يأتي ذكره في ترجمة طهمان. (ج/ص:5/336)
ومنهم رافع أو أبو رافع، ويقال له: أبو البهي، قال أبو بكر ابن أبي خيثمة: كان لأبي أحيحة سعيد بن العاص الأكبر، فورثه بنوه وأعتق ثلاثة منهم أنصباءهم، وشهد معهم يوم بدر فقتلوا ثلاثتهم، ثم اشترى أبو رافع بقية أنصباء بني سعيد مولاه إلا نصيب خالد بن سعيد، فوهب خالد نصيبه لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقبله وأعتقه، فكان يقول: أنا مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكذلك كان بنوه يقولون من بعده.
ومنهم رباح الأسود، وكان يأذن على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو الذي أخذ الإذن لعمر بن الخطاب حتَّى دخل على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في تلك المشربة يوم آلى من نسائه، واعتزلهن في تلك المشربة وحده عليه السلام، هكذا جاء مصرحاً باسمه في حديث عكرمة بن عمار عن سماك بن الوليد، عن ابن عبَّاس، عن عمر.
وقال الإمام أحمد: ثنا وكيع، ثنا عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال: كان للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم غلام يسمى رباح.
ومنهم رويفع مولاه عليه الصلاة والسلام، هكذا عده في الموالي مصعب بن عبد الله الزبيري، وأبو بكر ابن أبي خيثمة قالا: وقد وفد ابنه على عمر بن عبد العزيز في أيام خلافته ففرض له.
قالا: ولا عقب له.
قلت: وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله شديد الاعتناء بموالي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، يحب أن يعرفهم ويحسن إليهم، وقد كتب في أيام خلافته إلى أبي بكر ابن حزم عالم أهل المدينة في زمانه أن يفحص له عن موالي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الرجال، والنساء، وخدامه.
رواه الواقدي، وقد ذكره أبو عمر مختصراً وقال: لا أعلم له رواية، حكاه ابن الأثير في (أُسد الغابة).
ومنهم زيد بن حارثة الكلبي، وقد قدمنا طرفاً من ذكره عند ذكر مقتله بغزوة مؤتة رضي الله عنه، وذلك في جمادى من سنة ثمان قبل الفتح بأشهر، وقد كان هو الأمير المقدم، ثم بعده جعفر، ثم بعدهما عبد الله بن رواحة.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما بعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم زيد بن حارثة في سرية إلا أمَّره عليهم، ولو بقي بعده لاستخلفه، رواه أحمد. (ج/ص:5/337)
ومنهم زيد أبو يسار قال أبو القاسم البغوي في (معجم الصحابة): سكن المدينة روى حديثاً واحداً لا أعلم له غيره، حدثنا محمد بن علي الجوزجاني، ثنا أبو سلمة - هو: التبوذكي -، ثنا حفص بن عمر الطائي، ثنا أبو عمر ابن مرة، سمعت بلال بن يسار بن زيد مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم سمعت أبي حدثني عن جدي أنه سمع رسول الله يقول: ((من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فرَّ من الزحف)).
وهكذا رواه أبو داود عن أبي سلمة.
وأخرجه التِّرمذي عن محمد ابن إسماعيل البخاري، عن أبي سلمة موسى بن إسماعيل به.
وقال التِّرمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
ومنهم سفينة أبو عبد الرحمن ويقال: أبو البختري، كان اسمه مهران، وقيل: عبس، وقيل: أحمر، وقيل: رومان، فلقَّبه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لسبب سنذكره فغلب عليه، وكان مولى لأم سلمة فأعتقته، واشترطت عليه أن يخدم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى يموت، فقبل ذلك وقال: لو لم تشترطي علي ما فارقته.
وهذا الحديث في السنن، وهو من مولدي العرب، وأصله من أبناء فارس، وهو سفينة بن مافنة.
وقال الإمام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا حشرج بن نباتة العبسي كوفي، حدثنا سعيد بن جمهان، حدثني سفينة قال: قال رسول الله: ((الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم ملكاً بعد ذلك)).
ثم قال لي سفينة: أمسك خلافة أبي بكر، وخلافة عمر، وخلافة عثمان، وأمسك خلافة علي ثم قال: فوجدناها ثلاثين سنة، ثم نظرت بعد ذلك في الخلفاء فلم أجده يتفق لهم ثلاثون.
قلت لسعيد: أين لقيت سفينة؟
قال: ببطن نخلة في زمن الحجاج، فأقمت عنده ثلاث ليال أسأله عن أحاديث رسول الله.
قلت له: ما اسمك؟
قال: ما أنا بمخبرك، سماني رسول الله سفينة.
قلت: ولم سمَّاك سفينة؟
قال: خرج رسول الله ومعه أصحابه فثقل عليهم متاعهم فقال لي: ((إبسط كساك)) فبسطته، فجعلوا فيه متاعهم ثمَّ حملوه علي فقال لي رسول الله: ((إحمل فإنما أنت سفينة)) فلو حملت يومئذ وقر بعير، أو بعيرين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة، أو ستة، أو سبعة ما ثقل علي إلا أن يحفوا.
وهذا الحديث عن أبي داود، والتِّرمذي، والنسائي، ولفظه عندهم: ((خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً)).
وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز، ثنا حماد بن سلمة عن سعيد بن جمهان، عن سفينة قال: كنا في سفر فكان كلما أعيا رجل ألقى علي ثيابه ترساً أو سيفاً، حتَّى حملت من ذلك شيئاً كثيراً فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أنت سفينة)) هذا هو المشهور في تسميته سفينة.
وقد قال أبو القاسم البغوي: ثنا أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني، ومحمد بن جعفر الوركاني قالا: ثنا شريك بن عبد الله النخعي عن عمران البجلي، عن مولى لأم سلمة قال: كنا مع رسول الله فمررنا بواد - أو نهر - فكنت أعبِّر النَّاس فقال لي رسول الله: ((ما كنت منذ اليوم إلا سفينة)). (ج/ص:5 /338)
وهكذا رواه الإمام أحمد عن أسود بن عامر، عن شريك وقال أبو عبد الله بن منده: ثنا الحسن بن مكرم، ثنا عثمان بن عمر، ثنا أسامة بن زيد عن محمد بن المنكدر، عن سفينة قال: ركبت البحر في سفينة فكسرت بنا، فركبت لوحاً منها، فطرحني في جزيرة فيها أسد فلم يرعني إلا به فقلت: يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فجعل يغمزني بمنكبه حتَّى أقامني على الطريق، ثم همهم فظننت أنه السلام.
وقد رواه أبو القاسم البغوي عن إبراهيم بن هانئ، عن عبيد الله بن موسى، عن رجل، عن محمد بن المنكدر عنه.
ورواه أيضاً عن محمد بن عبد الله المخرمي، عن حسين بن محمد قال: قال عبد العزيز بن عبد الله ابن أبي سلمة، عن محمد بن المنكدر، عن سفينة فذكره.
ورواه أيضاً: حدثنا هارون بن عبد الله، ثنا علي بن عاصم، حدثني أبو ريحانة عن سفينة مولى رسول الله قال: لقيني الأسد فقلت: أنا سفينة مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال: فضرب بذنبه الأرض وقعد.
وروى له مسلم، وأهل السنن، وقد تقدم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: أنه كان يسكن بطن نخلة، وأنه تأخَّر إلى أيام الحجاج.
ومنهم سلمان الفارسي أبو عبد الله مولى الإسلام أصله من فارس، وتنقلت به الأحوال إلى أن صار لرجل من يهود المدينة، فلما هاجر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المدينة أسلم سلمان وأمره رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فكاتب سيده اليهودي، وأعانه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على أداء ما عليه فنسب إليه وقال: ((سلمان منا أهل البيت)).
وقد قدمنا صفة هجرته من بلده، وصحبته لأولئك الرهبان واحداً بعد واحد، حتَّى آل به الحال إلى المدينة النبوية، وذكر صفة إسلامه رضي الله عنه في أوائل الهجرة النبوية إلى المدينة، وكانت وفاته في سنة خمس وثلاثين في آخر أيام عثمان - أو في أول سنة ست وثلاثين - وقيل: إنَّه توفي في أيام عمر بن الخطاب، والأول أكثر.
قال العبَّاس بن يزيد البحراني: وكان أهل العلم لا يشكون أنه عاش مائتين وخمسين سنة، واختلفوا فيما زاد على ذلك إلى ثلاثمائة وخمسين، وقد ادعى بعض الحفاظ المتأخِّرين أنه لم يجاوز المائة، فالله أعلم بالصواب.
ومنهم شقران الحبشي، واسمه صالح بن عدي ورثه عليه السلام من أبيه، وقال مصعب الزبيري، ومحمد بن سعد: كان لعبد الرحمن بن عوف فوهبه للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقد روى أحمد بن حنبل عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر أنه ذكره فيمن شهد بدراً قال: ولم يقسم له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وهكذا ذكره محمد بن سعد فيمن شهد بدراً وهو مملوك، فلهذا لم يسهم له بل استعمله على الأسرى، فحذاه كل رجل له أسير شيئاً، فحصل له أكثر من نصيب كامل. (ج/ص:5/339)
قال: وقد كان ببدر ثلاثة غلمان غيره، غلام لعبد الرحمن بن عوف، وغلام لحاطب ابن أبي بلتعة، وغلام لسعيد بن معاذ فرضخ لهم ولم يقسم.
قال أبو القاسم البغوي: وليس له ذكر فيمن شهد بدراً في كتاب الزُّهري، ولا في كتاب ابن إسحاق، وذكر الواقدي عن أبي بكر ابن عبد الله ابن أبي سبرة، عن أبي بكر ابن عبد الله ابن أبي جهم قال: استعمل رسول الله شقران مولاه على جميع ما وجد في رحال المريسيع، من رثة المتاع والسلاح، والنعم والشاء، وجمع الذرية ناحية.
وقال الإمام أحمد: ثنا أسود بن عامر، ثنا مسلم بن خالد عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، عن شقران مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: رأيته - يعني: النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم متوجهاً إلى خيبر على حمار يصلي عليه يومئ إيماء، وفي هذه الأحاديث شواهد أنه رضي الله عنه شهد هذه المشاهد.
وروى التِّرمذي عن زيد بن أخزم، عن عثمان بن فرقد، عن جعفر بن محمد، أخبرني ابن أبي رافع قال: سمعت شقران يقول: أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في القبر.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: الذي اتخذ قبر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أبو طلحة، والذي ألقى القطيفة شقران.
ثم قال التِّرمذي: حسن غريب، وقد تقدم أنه شهد غسل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ونزل في قبره، وأنه وضع تحته القطيفة التي كان يصلي عليها وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك.
وذكر الحافظ أبو الحسن ابن الأثير في (أُسد الغابة) أنه انقرض نسله، فكان آخرهم موتاً بالمدينة في أيام الرشيد.
ومنهم ضميرة ابن أبي ضميرة الحميري: أصابه سبي في الجاهلية فاشتراه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فأعتقه، ذكره مصعب الزبيري قال: وكانت له دار بالبقيع وولد.
قال عبد الله بن وهب عن ابن أبي ذئب، عن حسين بن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه، عن جده ضميرة أن رسول الله مر بأم ضميرة وهي تبكي فقال لها: ((ما يبكيك، أجائعة أنت، أعارية أنت)) قالت: يا رسول الله فرِّق بيني وبين ابني.
فقال رسول الله: ((لا يفرَّق بين الوالدة وولدها)).
ثم أرسل إلى الذي عنده ضميرة فدعاه، فابتاعه منه ببكر.
قال ابن أبي ذئب: ثم أقرأني كتاباً عنده: ((بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله لأبي ضميرة وأهل بيته، أن رسول الله أعتقهم، وأنهم أهل بيت من العرب، إن أحبوا أقاموا عند رسول الله وإن أحبوا رجعوا إلى قومهم، فلا يعرض لهم إلا بحق، ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيراً)) وكتب أُبي بن كعب. (ج/ص:5/340)
ومنهم طهمان، ويقال: ذكوان، ويقال: مهران، ويقال: ميمون، وقيل: كيسان، وقيل: باذام.
روى عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إنَّ الصدقة لا تحل لي، ولا لأهل بيتي، وإن مولى القوم من أنفسهم)).
رواه البغوي عن منجاب بن الحارث وغيره، عن شريك، عن عطاء بن السائب، عن إحدى بنات علي ابن أبي طالب - وهي أم كلثوم بنت علي - قالت: حدثني مولى للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقال له: طهمان، أو ذكوان قال: قال رسول الله: فذكره.
ومنهم عبيد مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال أبو داود الطيالسي عن شعبة، عن سليمان التيمي، عن شيخ، عن عبيد مولى للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: قلت هل كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يأمر بصلاة سوى المكتوبة؟
قال: صلاة بين المغرب والعشاء.
قال أبو القاسم البغوي: لا أعلم روى غيره.
قال ابن عساكر: وليس كما قال، ثم ساق من طريق أبي يعلى الموصلي: حدثنا عبد الأعلى بن حماد، ثنا حماد بن سلمة عن سليمان التيمي، عن عبيد مولى رسول الله أن امرأتين كانتا صائمتين وكانتا تغتابان النَّاس، فدعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقدح فقال لهما: ((قيئا)).
فقاءا قيحاً، ودماً، ولحماً عبيطاً.
ثم قال: ((إن هاتين الصائمتان عن الحلال، وأفطرتا على الحرام)).
وقد رواه الأمام أحمد عن يزيد بن هارون وابن أبي عدي، عن سليمان التيمي، عن رجل حدثهم في مجلس أبي عثمان، عن عبيد مولى رسول الله فذكره.
ورواه أحمد أيضاً عن غندر، عن عثمان بن غياث قال: كنت مع أبي عثمان فقال رجل: حدثني سعيد - أو عبيد - عثمان يشك مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فذكره.
ومنهم فضالة: مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال محمد بن سعيد: أنبأنا الواقدي، حدثني عتبة بن خيرة الأشهلي قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم أن افحص لي عن خدم رسول الله من الرجال، والنساء، ومواليه، فكتب إليه قال: وكان فضالة مولى له يماني نزل الشام بعد.
وكان أبو مويهبة مولداً من مولدي مزينة فأعتقه.
قال ابن عساكر: لم أجد لفضالة ذكراً في الموالي إلا من هذا الوجه.
ومنهم قفيز - أوله قاف وآخره زاي - قال أبو عبد الله بن منده: أنبأنا سهل بن السري، ثنا أحمد بن محمد بن المنكدر، ثنا محمد بن يحيى عن محمد بن سليمان الحراني، عن زهير بن محمد، عن أبي بكر بن عبد الله بن أنيس قال: كان لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم غلاماً يقال له: قفيز.
تفرَّد به محمد بن سليمان. (ج/ص:5/341)
ومنهم كركرة: كان على ثقل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في بعض غزواته، وقد ذكره أبو بكر ابن حزم فيما كتب به إلى عمر بن عبد العزيز.
قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن عمرو، عن سالم ابن أبي الجعد، عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثقل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم رجل يقال له: كركرة فمات.
فقال: ((هو في النار)) فنظروا فإذا عليه عباءة قد غلَّها، أو كساء قد غلَّه، رواه البخاري عن علي بن المديني عن سفيان.
قلت: وقصته شبيهة بقصة مدعم الذي أهداه رفاعة من بني النصيب كما سيأتي.
ومنهم كيسان: قال البغوي: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب قال: أتيت أم كلثوم بنت علي فقالت: حدثني مولى للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقال له: كيسان قال له النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في شيء من أمر الصدقة: ((إنا أهل بيت نهينا أن نأكل الصدقة، وإن مولانا من أنفسنا فلا تأكل الصدقة)).
ومنهم مابور القبطي الخصي: أهداه له صاحب الإسكندرية مع مارية وشيرين، والبغلة، وقد قدمنا من خبره في ترجمة مارية رضي الله عنهما ما فيه كفاية.
ومنهم مدعم: وكان أسود من مولدي حسمى، أهداه رفاعة بن زيد الجذامي، قتل في حياة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وذلك مرجعهم من خيبر، فلما وصلوا إلى وادي القرى فبينما مدعم يحط عن ناقة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رحلها، إذ جاءه سهم عائر فقلته.
فقال النَّاس: هنيئاً له الشهادة.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً))
فلما سمعوا ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((شراك من نار، أو شراكان من نار)).
أخرجاه من حديث مالك عن ثور بن يزيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة.
ومنهم مهران: ويقال: طهمان، وهو الذي روت عنه أم كلثوم بنت علي في تحريم الصدقة على بني هاشم، ومواليهم، كما تقدم.
ومنهم ميمون: وهو الذي قبله.
ومنهم نافع: مولاه، قال الحافظ ابن عساكر: أنبأنا أبو الفتح الماهاني، أنبأنا شجاع الصوفي، أنبأنا محمد بن إسحاق، أنبأنا أحمد بن محمد بن زياد، حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا أبو مالك الأشجعي عن يوسف بن ميمون، عن نافع مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((لا يدخل الجنة شيخ زان، ولا مسكين متكبر، ولا منَّان بعمله على الله عز وجل)). (ج/ص:5 /342)
ومنهم نفيع: ويقال: مسروح، ويقال: نافع بن مسروح، والصَّحيح: نافع بن الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج بن سلمة بن عبد العزَّى بن غيرة بن عوف بن قيس، وهو ثقيف أبو بكرة الثَّقفيّ، وأمُّه سميَّة أم زياد، تدلى هو وجماعة من العبيد من سور الطَّائف فأعتقهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان نزوله في بكرة فسماه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أبا بكرة.
قال أبو نعيم: وكان رجلاً صالحاً آخى رسول الله بينه وبين أبي برزة الأسلميّ.
قلت: وهو الذي صلَّى عليه بوصيته إليه، ولم يشهد أبو بكرة وقعة الجَّمل ولا أيَّام صفّين، وكانت وفاته في سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة اثنتين وخمسين.
ومنهم واقد أو أبو واقد: مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال الحافظ أبو نعيم الأصبهانيّ: حدثنا أبو عمرو ابن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا محمد بن يحيى بن عبد الكريم، حدثنا الحسين بن محمد، ثنا الهيثم بن حماد عن الحارث بن غسَّان، عن رجل من قريش من أهل المدينة، عن زاذان عن واقد مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((من أطاع الله فقد ذكر الله، وإن قلَّت صلاته وصيامه، وتلاوته القرآن، ومن عصى الله فلم يذكره، وإن كثرت صلاته وصيامه، وتلاوته القرآن)).
ومنهم هرمز أبو كيسان: ويقال: هرمز أو كيسان، هو الذي يقال فيه: طهمان كما تقدَّم.
وقد قال ابن وهب: ثنا علي بن عبَّاس عن عطاء بن السائب، عن فاطمة بنت علي، أو أم كلثوم بنت علي قالت: سمعت مولى لنا يقال له: هرمز يكنى أبا كيسان قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إنا أهل بيت لا تحلُّ لنا الصدقة، وإن موالينا من أنفسنا فلا تأكلوا الصدقة)).
وقد رواه الربيع بن سليمان عن أسد بن موسى، عن ورقاء، عن عطاء بن السائب قال: دخلت على أم كلثوم فقالت: إن هرمز أو كيسان حدَّثنا أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إنَّا لا نأكل الصدقة)).
وقال أبو القاسم البغوي: ثنا منصور بن أبي مزاحم، ثنا أبو حفص الأبار عن ابن أبي زياد، عن معاوية قال: شهد بدراً عشرون مملوكاً، منهم مملوك للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقال له: هرمز، فأعتقه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقال: ((إن الله قد أعتقك، وإنَّ مولى القوم من أنفسهم، وإنا أهل بيت لا نأكل الصدقة فلا تأكلها)).
ومنهم هشام: مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال محمد بن سعد: أنبأنا سليمان بن عبيد الله الرقي، أنبأنا محمد بن أيوب الرقي عن سفيان، عن عبد الكريم، عن أبي الزبير، عن هشام مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله إنَّ امرأتي لا تدفع يد لامس.
قال: ((طلقها))
قال: إنها تعجبني.
قال: ((فتمتع بها)).
قال ابن منده: وقد رواه جماعة عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن مولى بني هاشم، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يسمِّه.
ورواه عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم، عن أبي الزبير، عن جابر. (ج/ص:5/343)
ومنهم يسار: ويقال: إنه الذي قتله العرنيون وقد مثَّلوا به.
وقد ذكر الواقدي بسنده عن يعقوب بن عتبة: أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أخذه يوم قرقرة الكدر مع نعم بني غطفان وسليم، فوهبه النَّاس لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقبله منهم، ولأنه رآه يحسن الصلاة فأعتقه، ثم قسم في النَّاس النعم فأصاب كل إنسان منهم سبعة أبعرة، وكانوا مائتين.
ومنهم أبو الحمراء: مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وخادمه، وهو الذي يقال: إن اسمه هلال بن الحارث، وقيل: ابن مظفر، وقيل: هلال بن الحارث بن ظفر السلمي، أصابه سبي في الجاهلية.
وقال أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم: ثنا أحمد بن حازم، أنبأنا عبد الله بن موسى والفضل بن دكين عن يونس ابن أبي إسحاق، عن أبي داود القاص، عن أبي الحمراء قال: رابطت المدينة سبعة أشهر كيوم، فكان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يأتي باب علي وفاطمة كل غداة فيقول: ((الصلاة، الصلاة، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرَّجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً)).
قال أحمد بن حازم: وأنبأنا عبيد الله بن موسى، والفضل بن دكين - واللفظ له - عن يونس ابن أبي إسحاق، عن أبي داود، عن أبي الحمراء قال: مرَّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم برجل عنده طعام في وعاء فأدخله يده فقال: ((غشَشته!من غشَّنا فليس منا)).
وقد رواه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن أبي نعيم به، وليس عنده سواه، وأبو داود هذا هو نفيع بن الحارث الأعمى أحد المتروكين الضعفاء.
قال عبَّاس الدوري عن ابن معين أبو الحمراء صاحب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم اسمه هلال بن الحارث، كان يكون بحمص، وقد رأيت بها غلاماً من ولده، وقال غيره: كان منزله خارج باب حمص وقال أبو الوازع عن سمرة: كان أبو الحمراء في الموالي.
ومنهم أبو سلمى: راعي النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويقال: أبو سلام واسمه حريث.
قال أبو القاسم البغوي: ثنا كامل بن طلحة، ثنا عباد بن عبد الصمد، حدثني أبو سلمة راعي النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((من لقي الله يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وآمن بالبعث والحساب؛ دخل الجنة))
قلنا: أنت سمعت هذا من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟
فأدخل أصبعيه في أذنيه ثم قال: أنا سمعت هذا منه غير مرة، ولا مرتين، ولا ثلاث، ولا أربع، لم يورد له ابن عساكر سوى هذا الحديث.
وقد روى له النسائي في (اليوم والليلة) آخر، وأخرج له ابن ماجه ثالثاً.
ومنهم أبو صفية: مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال أبو القاسم البغوي: ثنا أحمد بن المقدام، ثنا معتمر، ثنا أبو كعب عن جده بقية، عن أبي صفية مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أنه كان يوضع له نطع ويجاء بزبيل فيه حصى فيسبِّح به إلى نصف النهار، ثم يرفع فإذا صلى الأولى سبَّح حتَّى يمسي.
ومنهم أبو ضميرة: مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والد ضميرة المتقدم، وزوج أم ضميرة، وقد تقدم في ترجمة ابنه طرف من ذكرهم، وخبرهم في كتابهم.
وقال محمد بن سعد في (الطبقات): أنبأنا إسماعيل بن عبد الله بن أويس المدني، حدثني حسين بن عبد الله ابن أبي ضميرة أن الكتاب الذي كتبه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لأبي ضميرة: ((بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب من محمد رسول الله لأبي ضميرة وأهل بيته، إنهم كانوا أهل بيت من العرب، وكانوا ممن أفاء الله على رسوله فأعتقهم، ثم خُيِّر أبا ضميرة إن أحب أن يلحق بقومه فقد أُذن له، وإن أحب أن يمكث مع رسول الله فيكونوا من أهل بيته، فاختار الله ورسوله، ودخل في الإسلام، فلا يعرض لهم أحد إلا بخير، ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيراً)). (ج/ص:5/344)
وكتب أُبي بن كعب قال: إسماعيل ابن أبي أويس، فهو مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو أحد حمير.
وخرج قوم منهم في سفر ومعهم هذا الكتاب، فعرض لهم اللُّصوص فأخذوا ما معهم، فأخرجوا هذا الكتاب إليهم فأعلموهم بما فيه، فقرؤه فردُّوا عليهم ما أخذوا منهم، ولم يعرضوا لهم.
قال: ووفد حسين بن عبد الله ابن أبي ضميرة إلى المهدي أمير المؤمنين، وجاء معه بكتابهم هذا فأخذه المهدي فوضعه على بصره، وأعطى حسيناً ثلاثمائة دينار.
ومنهم أبو عبيد: مولاه عليه الصلاة والسلام.
قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، ثنا أبان العطار، ثنا قتادة عن شهر بن حوشب، عن أبي عبيد أنه طبخ لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قدراً فيها لحم.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ناولني ذراعها))
فناولته فقال: ((ناولني ذراعها)).
فناولته فقال: ((ناولني ذراعها))
فقلت: يا نبي الله كم للشاة من ذراع؟
قال: ((والذي نفسي بيده، لو سكت لأعطيتني ذراعها ما دعوت به)).
ورواه التِّرمذي في (الشمائل) عن بندار، عن مسلم بن إبراهيم، عن أبان بن يزيد العطار به.
ومنهم أبو عشيب: ومنهم من يقول: أبو عسيب، والصحيح الأول، ومن النَّاس من فرَّق بينهما، وقد تقدم أنه شهد الصلاة على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وحضر دفنه، وروى قصة المغيرة بن شعبة.
وقال الحارث ابن أبي أسامة: ثنا يزيد بن هارون، ثنا مسلم بن عبيد أبو نصيرة قال: سمعت أبا عسيب مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: إن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((أتاني جبريل بالحمى والطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة، وأرسلت الطاعون إلى الشام، فالطاعون شهادة، لأمتي ورحمة لهم، ورجس على الكافر)).
وكذا رواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون.
وقال أبو عبد الله بن منده: أنبأنا محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصاغاني، ثنا يونس بن محمد، ثنا حشرج بن نباتة، حدثني أبو نصيرة البصري عن أبي عسيب مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ليلاً فمرَّ بي فدعاني، ثم مرَّ بأبي بكر فدعاه فخرج إليه، ثم مرَّ بعمر فدعاه فخرج إليه، ثم انطلق يمشي حتَّى دخل حائطاً لبعض الأنصار فقال رسول الله لصاحب الحائط: ((أطعمنا بسرام)) فجاء به فوضعه، فأكل رسول الله وأكلوا جميعاً، ثم دعا بماء فشرب منه ثم قال: ((إنَّ هذا النعيم لتسألن يوم القيامة عن هذا))
فأخذ عمر العذق فضرب به الأرض حتَّى تناثر البسر ثم قال: يا نبي الله إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة؟
قال: ((نعم إلا من ثلاثة؛ خرقة يستر بها الرجل عورته، أو كسرة يسدُّ بها جوعته، أو حجر يدخل فيه - يعني: من الحر والقر -)).
ورواه الإمام أحمد عن شريح، عن حشرج.
وروى محمد بن سعد في (الطبقات) عن موسى بن إسماعيل، حدثتنا سلمة بنت أبان الفريعية قالت: سمعت ميمونة بنت أبي عسيب قالت: كان أبو عسيب يواصل بين ثلاث في الصيام، وكان يصلي الضحى قائماً وعجز، وكان يصوم أيام البيض قالت: وكان في سريره جلجل فيعجز صوته حين يناديها به، فإذا حرَّكه جاءت. (ج/ص:5 /345)
ومنهم أبو كبشة الأنماري من أنمار مذحج على المشهور: مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، في اسمه أقوال: أشهرها أن اسمه سليم، وقيل: عمرو بن سعد، وقيل: عكسه، وأصله من مولدي أرض دوس، وكان ممن شهد بدراً قاله موسى بن عقبة عن الزُّهري.
وذكره ابن إسحاق، والبخاري، والواقدي، ومصعب الزبيري، وأبو بكر ابن أبي خيثمة.
زاد الواقدي: وشهد أُحداً وما بعدها من المشاهد، وتوفي يوم استخلف عمر بن الخطاب، وذلك في يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة.
وقال خليفة بن خياط: وفي سنة ثلاث وعشرين توفي أبو كبشة مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقد تقدم عن أبي كبشة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لما مرَّ في ذهابه إلى تبوك بالحجر جعل النَّاس يدخلون بيوتهم، فنودي أن الصلاة جامعة فاجتمع النَّاس فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما يدخلكم على هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم؟))
فقال رجل: نعجب منهم يا رسول الله.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ألا أنبِّئكم بأعجب من ذلك، رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم)) الحديث.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح، عن أزهر بن سعيد الحرازي، سمعت أبا كبشة الأنماري قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جالساً في أصحابه، فدخل ثم خرج وقد اغتسل فقلنا: يا رسول الله قد كان شيء؟
قال: ((أجل مرت بي فلانة، فوقع في نفسي شهوة النساء، فأتيت بعض أزواجي فأصبتها، فكذلك فافعلوا، فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال))
وقال أحمد: حدثنا وكيع، ثنا الأعمش عن سالم ابن أبي الجعد، عن أبي كبشة الأنماري قال: قال رسول الله: ((مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر: رجل أتاه الله مالاً وعلماً فهو يعمل به في ماله وينفقه في حقه، ورجل أتاه الله علماً ولم يؤته مالاً فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)) قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فهما في الأجر سواء، ورجل أتاه الله مالاً ولم يؤته علماً فهو يحبط فيه ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)) قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فهما في الوزر سواء)).
وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، وعلي بن محمد، كلاهما عن وكيع.
ورواه ابن ماجه أيضاً من وجه آخر من حديث منصور عن سالم ابن أبي الجعد، عن ابن أبي كبشة، عن أبيه.
وسماه بعضهم: عبد الله ابن أبي كبشة.
وقال أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، ثنا محمد بن حرب، ثنا الزبيدي عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهورني، عن أبي كبشة الأنماري أنه أتاه فقال: أطرقني من فرسك، فإني سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((من أطرق مسلماً فعقب له الفرس، كان كأجر سبعين حمل عليه في سبيل الله عز وجل)). (ج/ص:5/346)
وقد روى التِّرمذي عن محمد بن إسماعيل، عن أبي نعيم، عن عبادة بن مسلم، عن يونس بن خباب، عن سعيد أبي البختري الطائي، حدثني أبو كبشة أنه قال: ثلاث أقسم عليهن وأحدِّثكم حديثاً فاحفظوه؛ ما نقص مال عبد صدقة، وما ظلم عبد بمظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزاً، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، الحديث.
وقال: حسن صحيح، وقد رواه أحمد عن غندر، عن شعبة، عن الأعمش، عن سالم ابن أبي الجعد عنه.
وروى أبو داود، وابن ماجه من حديث الوليد بن مسلم عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن أبي كبشة الأنماري أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يحتجم على هامته وبين كتفيه.
وروى التِّرمذي: حدَّثنا حميد بن مسعدة، ثنا محمد بن حمران عن أبي سعيد - وهو: عبد الله بن بسر قال: سمعت أبا كبشة الأنماري يقول: كانت كمام أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بطحاً.
ومنهم أبو مويهبة: مولاه عليه السلام وكان من مولدي مزينة، اشتراه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأعتقه، ولا يعرف اسمه رضي الله عنه.
وقال أبو مصعب الزبيري: شهد أبو مويهبة المريسيع، وهو الذي كان يقود لعائشة رضي الله عنها بعيرها.
وقد تقدم ما رواه الإمام أحمد وبسنده عنه، في ذهابه مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الليل إلى البقيع، فوقف عليه السلام فدعا لهم واستغفر لهم ثم قال: ((ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه بعض النَّاس، أتت الفتن كقطع الليل المظلم، يركب بعضها بعضاً، الآخرة أشد من الأولى، فليهنكم أنتم فيه)) ثم رجع فقال: ((يا أبا مويهبة إني خيِّرت مفاتيح ما يفتح على أمتي من بعدي والجنة أو لقاء ربي، فاخترت لقاء ربي)).
قال: فما لبث بعد ذلك إلا سبعاً - أو ثمانياً - حتَّى قبض.
فهؤلاء عبيده عليه السلام.