المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرغبة في الآخرة تقتضي الزهد بالدنيا



maghfera
04-04-2009, 08:46 PM
لا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا، ولا يستقيم الزهد في الدنيا إلا بعد نظرين صحيحين‏:‏ نظر في الدنيا وسرعة زوالها، وفنائها، واضمحلالها، ونقصها، وخستها، وألم المزاحمة عليها والحرص عليها، وما في ذلك من الغصص والنغص والأنكاد، وآخر ذلك الزوال والانقطاع مع ما يعقب من الحسرة والأسف، فطالبها لا ينفك من هم قبل حصولها وهم في حال الظفر بها، وغم الحزن بعد فواتها فهذا أحد النظرين‏.‏
النظر الثاني‏:‏ النظر في الآخرة وإقبالها ومجيئها ولا بد، ودوامها وبقائها وشرف ما فيها من الخيرات والمسرات، والتفاوت الذي بينه وبين ما ههنا‏.‏ فهي كما قال الله سبحانه‏:‏ ‏{‏والآخرة خير وأبقى‏}‏ (**********:openquran(86,17,17))‏(‏الآية‏:‏ 17 من سورة الأعلى‏.‏‏)‏ فهي خيرات كاملة دائمة‏.‏ وهذه خيالات ناقصة متقطعة مضمحلة‏.‏ فإذا تم له هذان النظران آثر ما يقتضي العقل إيثاره، وزهد فيما يقتضي الزهد فيه، فكل أحد مطبوع على أن يترك النفع العاجل واللذة الحاضرة إلى النفع الآجل واللذة الغائبة المنتظرة إلا إذا تبين له فضل الآجل على العاجل وقويت رغبته في الأعلى الأفضل، فإذا آثر الفاني الناقص كان ذلك إما لعدم تبين الفضل له، وإما لعدم رغبته في الأفضل، وكل واحد من الأمرين يدل على ضعف الإيمان وضعف العقل والبصيرة، فإن الراغب في الدنيا الحريص عليها المؤثر لها‏:‏ إما أن يصدق بأن ما هناك أشرف وأفضل وأبقى وإما ألا يصدق، فإن لم يصدق ذلك كان عادماً للإيمان رأساً، وإن صدق بذلك ولم يؤثره كان فاسد العقل سيئ الاختيار لنفسه‏.‏
وهذا تقسيم حاضر لا ينفك العبد من أحد القسمين منه، فإيثار الدنيا على الآخرة إما فساد في الإيمان وإما من فساد في العقل‏.‏ وما أكثر ما يكون منهما؛ ولهذا نبذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهره هو وأصحابه وصرفوا عنها قلوبهم واطرحوها ولم يألفوها، وهجروها ولو يميلوا إليها، وعدوها سجناً لا جنة؛ فزهدوا فيها حقيقة الزهد، ولو أرادوها لنالوا منها كل محبوب، ولوصلوا منها إلى كل مرغوب، فقد عرضت عليه مفاتيح كنورها فردوها، وفاضت على أصحابه فآثروا بها ولم يبيعوا حظهم من الآخرة بها‏.‏ وعلموا أنها معبر وممر لا دار مقام ومستقر، وأنها دار سرور‏.‏ وأنها سحابة صيف تنقشع عن قليل، وخيال طيف ما استتم الزيارة حتى أذن بالرحيل‏.‏
قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ما لي وللدنيا إنما أنا كراكب قال (3) (**********:opencomment('%E2%80%8F%E2%80%8F(%E2%80 %8F%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%84%D 9%88%D9%84%D8%A9%D8%8C%20%D9%88%D9%87%D9%88%20%D8% A7%D9%84%D9%86%D9%88%D9%85%20%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8 %B8%D9%87%D9%8A%D8%B1%D8%A9%E2%80%8F.%E2%80%8F%E2% 80%8F)%20%E2%80%8F')) "‏ في ظل شجرة ثم راح وتركها‏"‏‏(‏رواه البخاري ومسلم‏.‏‏)‏ وقال‏:‏ ‏"‏ ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما رجع‏"‏‏.‏
وقال خالقهما سبحانه‏:‏ ‏{‏إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون‏.‏ والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‏}‏‏ (**********:openquran(9,24,25))(‏الآيتان 24، 25 من سورة يونس‏.‏‏)‏ فأخبر عن خسة الدنيا وزهَّد فيها وأخبر عن دار السلام ودعا إليها‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا‏}‏‏ (**********:openquran(17,45,46))(‏الآيتان 45،46 من سورة الكهف‏.‏‏)‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرًّا ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور‏}‏‏ (**********:openquran(56,20,20))(‏الآية 20 من سورة الحديد‏.‏‏)‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب‏.‏ قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد‏} (**********:openquran(2,14,15))‏‏(‏الآيتان 14،15 من سورة آل عمران‏.‏‏)‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع‏} (**********:openquran(12,26,26))‏‏(‏الآية 26 من سورة الرعد‏.‏‏)‏‏.‏
وقد توعد سبحانه أعظم الوعيد لمن رضي بالحياة الدنيا واطمأن بها وغفل عن آياته ولم يرج لقاءه فقال‏:‏ ‏{‏إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون‏} (**********:openquran(25,7,8))‏‏(‏الآيتان 7،8 من سورة الشعراء‏.‏‏)‏‏.‏
وعير سبحانه من رضي بالحياة الدنيا من المؤمنين فقال‏:‏ ‏{‏ يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل‏}‏ (**********:openquran(8,38,38))‏(‏الآية 38 من سورة التوبة‏.‏‏)‏‏.‏
وعلى قدر رغبة في الدنيا ورضاه بها يكون تثاقله عن طاعة الله وطلب الآخرة‏.‏
ويكفي في الزهد في الدنيا قوله تعالى ‏{‏ أفرأيت إن متعناهم سنين‏.‏ ثم جاءهم ما كانوا يوعدون‏.‏ ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون‏} (**********:openquran(25,205,207))‏‏)‏‏(‏الآيتان 205-207 من سورة الشعراء‏.‏‏)‏‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏ ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم‏}‏‏ (**********:openquran(9,45,45))(‏الآية 45 من سورة يونس‏.‏‏)‏‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏ كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون‏}‏ (**********:openquran(45,35,35))‏(‏الآية 35 من سورة الأحقاف‏.‏‏)‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ يسألونك عن الساعة أيان مرساها‏.‏ فيم أنت من ذكراها‏.‏ إلى ربك منتهاها‏.‏ إنما أنت منذر من يخشاها‏.‏ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها‏}‏‏ (**********:openquran(78,42,46))(‏الآيات 42-46 من سورة النازعات‏.‏‏)‏‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة‏} (**********:openquran(29,35,35))‏‏(‏الآية 35 من سورة الروم‏.‏‏)‏‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين‏.‏ قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادِّين‏.‏ قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون‏} (**********:openquran(22,112,114))‏‏(‏الآيتان 112-114 من سورة المؤمنون‏.‏‏)‏‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً‏.‏ يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشراً‏.‏ نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوماً‏}‏‏ (**********:openquran(19,103,104))(‏الآيتان 103 ، 104 من سورة طه‏.‏‏)‏‏.‏
والله المستعان وعليه التكلان‏.‏