expresso222
04-20-2008, 11:31 PM
يقول تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى (6) إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّـهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى (13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [سورة الأعلى].
بين يدي السورة
سورةٌ مكيةٌ، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في إحدى ركعتي العيد والجمعة، وإذا اجتمعا في يوم واحدٍ قرأ بها أيضًا في إحدى الركعيتن. [حديث صحيح].
وقد استُفْتِحتْ بالأمرِ بتسبيح الله العلي الأعلى، ثم ذكرتْ بعضَ مظاهر قدرته الدالة على استحقاقه للتسبيح بحمده، ثم ذكرت الوحي وصفة تلقي النبي صلى الله عليه وسلم له، وكيف كان يتعجل بالقراءة، فنهاه الله وقال له: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFسَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF.
وأمره أن يذكِّر بالقرآن متى رجا أن تنفع الذكرى، وبين سبحانه من ينتفعُ ومن لا ينتفعُ من الخلق، ثم خُتمت السورة بالإشارة إلى أنّ الفلاحَ والنجاحَ في الدنيا والآخرة سببُه تزكية النفس، والمحافظة على الصلاة التي هي عمودُ الدين، ولكن أكثر الناس عن هذا غافلون، لأنهم يُؤثرون الحياة الدنيا، والآخرةُ خير لهم لو كانوا يعلمون. وهذه الحقائق التي تضمنتها السورةُ قد تضمنتها مِنْ قبلُ صحفُ إبراهيم وموسى.
تفسير الآيات
قولُه تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF التسبيح معناه التنزيه عن النقائص والمعايب. وقد اختلف العلماءُ: هل المرادُ تسبيحُ الاسمِ أم تسبيحُ الربّ؟ وأصحّ الأقوال: أنّ الله تعالى أمر هنا بتسبيح اسْمه الأعلى، وأمر في مواضع أخرى بتسبيح ذاته سبحانه وتعالى، فقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الطور: 49].
وتسبيحُه تعالى معناه تنزيههُ عن كلّ ما لا يليقُ بجلاله، لأنّ له سبحانه الكمالَ المطلق.
وأما تسبيحُ اسمه تعالى فيكونُ بأمور:
منها: تنزيُه أسمائه تعالى عن تسمية غيره، فقد سمّى المشركون بعض آلهتهم ببعض أسماءِ الله، فقالوا: اللات، والعزّى، ومناة، وهي مأخوذة من أسماء الله: الله، العزيز، المنّان. وكذلك مُسَيْلَمة الكذّاب تجرأ على الله، وسمّى نفسه: رحمن اليمامة، فدمغه اللهُ بالكذبِ، فلا يُقال إلا مسيلمة الكذاب. وهذا كلّه إلحادٌ في أسماء الله، واللهُ يقول: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF
[الأعراف: 180].
ومنها: تنزيه أسمائه تعالى عن النطق بها في حال اللهو والعبث، فإنّ الواجب أن ينطق بها في حال الخشوع والخضوع.
ومنها: تنزيه أسمائه سبحانه عن الأماكن الخبيثة، فمن دخل الخلاء- مثلاً- فلا يدخل بشيء فيه اسم الله.
ومنها: تنزيه الأوراق المكتوبة عن الامتهان، لأنها لا تخلو- غالبًا- من أسماء الله، فلا يجوز الاستنجاءُ بالأوراق المكتوبة، ولا يجوزُ أن تُتخذ سُفْرةً، كما يَفْعَلُ بعضُ الناس اليوم، يَفْرِشُون أوراق الجرائد تحت الطعام، ولا يجوزُ إلقاء الأوراق المكتوبة والجرائد في الطرقات ولا في القُمامة، لأنَّها لا تخلو من أسماء الله، فيكونُ في إلقائها امتهانٌ للأسماء الحسنى.
فهذه الأمور كلها من معاني التسبيح باسم الله.
وفي اسمه تعالى (الأعلى) إشارة إلى علّوه سبحانه فوق خلقه، كما أَنَّ من أسمائه تعالى (العليّ) قال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF
[البقرة: 255]،
وقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFإِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الشورى: 51]، فهذان الاسمان (الْعَليّ، الأَعْلَى)، يدلاّن على عُلُوه سبحانه فوق خلقه، والأدلة على ذلك كثيرة:
منها تصريحُه سبحانه بأنّه فوق عباده، كما قال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الأنعام: 61]، وقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلاَئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF
[النحل: 49، 50].
ومنها: تصريحُه سبحانه بأنه على العرش استوى، في سبع مواضع من القرآن الكريم: في الأعراف، يونس، الرعد، طه، السجدة، الفرقان، الحديد.
ومنها: تصريحُه سبحانه أنّه في السماء، كقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFأَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الملك: 16، 17].
ومنها: تصريحُه سبحانه بنزُول الأشياء من عنده، وعروجها إليه، كقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFتَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [القدر: 4]، وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFإِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [فاطر: 10]، وغير ذلك من الآيات.
وأما الأدلة من السنة فهي أشهرُ من أن تُذكر، وأكثُر من أن تُحصر، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: «أين الله؟» قالت: في السماء. قال: «مَن أنا؟» قالت: أنت رسولُ الله. قال: «اعْتِقْها فإنَّها مؤمنة».
كما أن الفطرة ناطقةٌ بعلوّ الله، وشاهدةٌ بفوقيته، ولذلك إذا أراد أي إنسان ممن يقرّ بالفوقية أو ينكرُها- أن يَدْعو الله، رفع يديه إلى السماء ووجد من قلبه التفاتة نحو السماء، لا يلتفت يَمنة ولا يَسْرةً، ولا إلى أي جهة وهذه http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFفِطْرَةَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَاhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF.
وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFالَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF أي: خلق كل شيءٍ فسوّاه وحَسَّنَهُ وجمله، كما قال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFالَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF، وقال: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFصُنْعَ اللَّـهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF، وقال: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFمَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF. وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF أي: قدّر مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، ثم هدى كلّ مخلوقٍ إلى ما قدر له. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَولُ ما خَلَقَ اللهُ القَلمُ، فقال له: اكتب، قال: ما أكتبُ؟ قال: اكتب كلَّ ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة». وقال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الله تعالى كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألفَ سنةً، وكان عرشه على الماء». [الترمذي: 2245].
وهذه الآية كقوله تعالى إخبارًا عن موسى عليه السلام أنه قال لفرعون: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFرَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [طه: 50]، أي: قدّر مقادير الخلائق، وهداهم إلى ما قدرّ لهم. وهذه هي الهداية العامة، وهي هدايةُ الله لجميع الخلائق لما قدّر لهم من مقادير.
وهناك أنواع من الهداية غيرُ هذه الهداية، سبق الكلامُ عنها في سورتي البلد والإنسان، عند قوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [البلد: 10]، وقوله: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFإِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF، وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF المرعَى معروف، وهو ما ترعاهُ النعمُ وغيرُها من الدواب، وهو يكونُ أخضر يانعًا، ثم يجعله الله غثاءً أحوى، أي يابسًا أسود، هشيمًا متغيرًا، وفي هذا إشارةٌ إلى أن كل نباتٍ إلى حصاد، وكلّ حي إلى مَوْت، وهي إشارةٌ ضمنية، قد جعلها الله مثلاً للدنيا، حتى لا يغتّر الناس بها، قال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFأَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الزمر: 21].
وقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFإِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [يونس: 24]. والآيات في هذا كثيرة.
وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFسَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى (6) إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّـهُhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF إخبارٌ من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ووَعدٌ منه له بأنه سيقرئه قراءةً لا ينسى منها إلا ما شاء الله. وكان صلى الله عليه وسلم إذا جاءه جبريل يُعلمه القرآن يتعجل بالقراءة معه حتى لا ينسى، فنهاه الله عن ذلك، فقال: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [طه: 114].
ووَعَدَهُ أن يجمعه في صدره، فلا يضيع منه شيءٌ، وأن يقرأه كما سمعه من غير تغيير.
وأن يبينه له أحسن بيان، فقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFلاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [القيامة: 16-19].
وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFإِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF أي: إنه سبحانه يعلم ما يكون من عباده في كلّ حال، ولا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء.
وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF، وعدٌ من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن ييسره لليسرى في أموره كلها، في دينه، ودنياه، وقد صدق الله وعده، ويسر نبيه لليسرى، وله الحمد والمنة، وهذا الوعد من الله لنبيه قد وَعَد به من أدّى شرطه من العباد، قال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFفَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الليل: 5، 6].
بين يدي السورة
سورةٌ مكيةٌ، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في إحدى ركعتي العيد والجمعة، وإذا اجتمعا في يوم واحدٍ قرأ بها أيضًا في إحدى الركعيتن. [حديث صحيح].
وقد استُفْتِحتْ بالأمرِ بتسبيح الله العلي الأعلى، ثم ذكرتْ بعضَ مظاهر قدرته الدالة على استحقاقه للتسبيح بحمده، ثم ذكرت الوحي وصفة تلقي النبي صلى الله عليه وسلم له، وكيف كان يتعجل بالقراءة، فنهاه الله وقال له: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFسَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF.
وأمره أن يذكِّر بالقرآن متى رجا أن تنفع الذكرى، وبين سبحانه من ينتفعُ ومن لا ينتفعُ من الخلق، ثم خُتمت السورة بالإشارة إلى أنّ الفلاحَ والنجاحَ في الدنيا والآخرة سببُه تزكية النفس، والمحافظة على الصلاة التي هي عمودُ الدين، ولكن أكثر الناس عن هذا غافلون، لأنهم يُؤثرون الحياة الدنيا، والآخرةُ خير لهم لو كانوا يعلمون. وهذه الحقائق التي تضمنتها السورةُ قد تضمنتها مِنْ قبلُ صحفُ إبراهيم وموسى.
تفسير الآيات
قولُه تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF التسبيح معناه التنزيه عن النقائص والمعايب. وقد اختلف العلماءُ: هل المرادُ تسبيحُ الاسمِ أم تسبيحُ الربّ؟ وأصحّ الأقوال: أنّ الله تعالى أمر هنا بتسبيح اسْمه الأعلى، وأمر في مواضع أخرى بتسبيح ذاته سبحانه وتعالى، فقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الطور: 49].
وتسبيحُه تعالى معناه تنزيههُ عن كلّ ما لا يليقُ بجلاله، لأنّ له سبحانه الكمالَ المطلق.
وأما تسبيحُ اسمه تعالى فيكونُ بأمور:
منها: تنزيُه أسمائه تعالى عن تسمية غيره، فقد سمّى المشركون بعض آلهتهم ببعض أسماءِ الله، فقالوا: اللات، والعزّى، ومناة، وهي مأخوذة من أسماء الله: الله، العزيز، المنّان. وكذلك مُسَيْلَمة الكذّاب تجرأ على الله، وسمّى نفسه: رحمن اليمامة، فدمغه اللهُ بالكذبِ، فلا يُقال إلا مسيلمة الكذاب. وهذا كلّه إلحادٌ في أسماء الله، واللهُ يقول: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF
[الأعراف: 180].
ومنها: تنزيه أسمائه تعالى عن النطق بها في حال اللهو والعبث، فإنّ الواجب أن ينطق بها في حال الخشوع والخضوع.
ومنها: تنزيه أسمائه سبحانه عن الأماكن الخبيثة، فمن دخل الخلاء- مثلاً- فلا يدخل بشيء فيه اسم الله.
ومنها: تنزيه الأوراق المكتوبة عن الامتهان، لأنها لا تخلو- غالبًا- من أسماء الله، فلا يجوز الاستنجاءُ بالأوراق المكتوبة، ولا يجوزُ أن تُتخذ سُفْرةً، كما يَفْعَلُ بعضُ الناس اليوم، يَفْرِشُون أوراق الجرائد تحت الطعام، ولا يجوزُ إلقاء الأوراق المكتوبة والجرائد في الطرقات ولا في القُمامة، لأنَّها لا تخلو من أسماء الله، فيكونُ في إلقائها امتهانٌ للأسماء الحسنى.
فهذه الأمور كلها من معاني التسبيح باسم الله.
وفي اسمه تعالى (الأعلى) إشارة إلى علّوه سبحانه فوق خلقه، كما أَنَّ من أسمائه تعالى (العليّ) قال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF
[البقرة: 255]،
وقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFإِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الشورى: 51]، فهذان الاسمان (الْعَليّ، الأَعْلَى)، يدلاّن على عُلُوه سبحانه فوق خلقه، والأدلة على ذلك كثيرة:
منها تصريحُه سبحانه بأنّه فوق عباده، كما قال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الأنعام: 61]، وقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلاَئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF
[النحل: 49، 50].
ومنها: تصريحُه سبحانه بأنه على العرش استوى، في سبع مواضع من القرآن الكريم: في الأعراف، يونس، الرعد، طه، السجدة، الفرقان، الحديد.
ومنها: تصريحُه سبحانه أنّه في السماء، كقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFأَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الملك: 16، 17].
ومنها: تصريحُه سبحانه بنزُول الأشياء من عنده، وعروجها إليه، كقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFتَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [القدر: 4]، وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFإِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [فاطر: 10]، وغير ذلك من الآيات.
وأما الأدلة من السنة فهي أشهرُ من أن تُذكر، وأكثُر من أن تُحصر، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: «أين الله؟» قالت: في السماء. قال: «مَن أنا؟» قالت: أنت رسولُ الله. قال: «اعْتِقْها فإنَّها مؤمنة».
كما أن الفطرة ناطقةٌ بعلوّ الله، وشاهدةٌ بفوقيته، ولذلك إذا أراد أي إنسان ممن يقرّ بالفوقية أو ينكرُها- أن يَدْعو الله، رفع يديه إلى السماء ووجد من قلبه التفاتة نحو السماء، لا يلتفت يَمنة ولا يَسْرةً، ولا إلى أي جهة وهذه http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFفِطْرَةَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَاhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF.
وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFالَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF أي: خلق كل شيءٍ فسوّاه وحَسَّنَهُ وجمله، كما قال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFالَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF، وقال: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFصُنْعَ اللَّـهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF، وقال: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFمَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF. وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF أي: قدّر مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، ثم هدى كلّ مخلوقٍ إلى ما قدر له. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَولُ ما خَلَقَ اللهُ القَلمُ، فقال له: اكتب، قال: ما أكتبُ؟ قال: اكتب كلَّ ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة». وقال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الله تعالى كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألفَ سنةً، وكان عرشه على الماء». [الترمذي: 2245].
وهذه الآية كقوله تعالى إخبارًا عن موسى عليه السلام أنه قال لفرعون: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFرَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [طه: 50]، أي: قدّر مقادير الخلائق، وهداهم إلى ما قدرّ لهم. وهذه هي الهداية العامة، وهي هدايةُ الله لجميع الخلائق لما قدّر لهم من مقادير.
وهناك أنواع من الهداية غيرُ هذه الهداية، سبق الكلامُ عنها في سورتي البلد والإنسان، عند قوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [البلد: 10]، وقوله: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFإِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF، وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF المرعَى معروف، وهو ما ترعاهُ النعمُ وغيرُها من الدواب، وهو يكونُ أخضر يانعًا، ثم يجعله الله غثاءً أحوى، أي يابسًا أسود، هشيمًا متغيرًا، وفي هذا إشارةٌ إلى أن كل نباتٍ إلى حصاد، وكلّ حي إلى مَوْت، وهي إشارةٌ ضمنية، قد جعلها الله مثلاً للدنيا، حتى لا يغتّر الناس بها، قال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFأَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الزمر: 21].
وقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFإِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [يونس: 24]. والآيات في هذا كثيرة.
وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFسَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى (6) إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّـهُhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF إخبارٌ من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ووَعدٌ منه له بأنه سيقرئه قراءةً لا ينسى منها إلا ما شاء الله. وكان صلى الله عليه وسلم إذا جاءه جبريل يُعلمه القرآن يتعجل بالقراءة معه حتى لا ينسى، فنهاه الله عن ذلك، فقال: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [طه: 114].
ووَعَدَهُ أن يجمعه في صدره، فلا يضيع منه شيءٌ، وأن يقرأه كما سمعه من غير تغيير.
وأن يبينه له أحسن بيان، فقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFلاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [القيامة: 16-19].
وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFإِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF أي: إنه سبحانه يعلم ما يكون من عباده في كلّ حال، ولا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء.
وقوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF، وعدٌ من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن ييسره لليسرى في أموره كلها، في دينه، ودنياه، وقد صدق الله وعده، ويسر نبيه لليسرى، وله الحمد والمنة، وهذا الوعد من الله لنبيه قد وَعَد به من أدّى شرطه من العباد، قال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFفَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الليل: 5، 6].