soltan
03-26-2009, 12:24 PM
قام الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية بالرد على الاستجوابات التى تشكك فى سياسة مصر الخارجية بشأن القضية الفلسطينية فى جلسة مجلس الشعب التى خصصت لهذا الموضوع .
وفيما يلى نص رد الحكومة على الاستجوابات :
1) يدرك القاصي والداني أن مصر بدورها الحضاري وموقعها الجغرافي ومبادئها الراسخة، كانت ومازالت - رغم كيد المغرضين - القوة الرئيسية فى إقليمها، وقبلة العمل العربي ودفته الرئيسية، ويشكل دورها المحورى دعامة الاستقرار والأمن والسلام والتنمية فى المنطقة. وانطلاقا من هذه الحقيقة الراسخة، تحملت مصر عبر مراحل التاريخ المختلفة مسئولياتها الجسام في الدفاع عن الأمة العربية، ودعم قضاياها، والحفاظ على حقوقها، وفقا لرؤية موضوعية مستقبلية ثاقبة، يصعب على الكثيرين من قصار النظر رؤيتها أو تلمسها. ومن بين هذه المسئوليات جاء الدور المصري في دعم عمليات التحرر في العالم العربي، خلال حقبتي الخمسينيات والستينيات. وقد أدى انتهاج مصر لهذه السياسة الرائدة التحريرية التى هدفت إلى تخليص الدول والشعوب العربية من نير الاستعمار الأجنبى، إلى تكالب الدول الاستعمارية على مصر خلال عدوان عام 1956، إلا أن ذلك لم ينل من إرادة مصر، ومن عزمها على الاستمرار فى سياستها.
2) أما ارتباط مصر بقضية فلسطين فهو ارتباط دائم ثابت، تمليه اعتبارات الأمن القومي المصري، وروابط الجغرافيا والتاريخ والدم والقومية، مع شعب فلسطين. وعليه فإن الموقف المصري من قضية فلسطين لم يخضع في أي مرحلة لحسابات مصالح آنـية أو أغراض قطرية ضيقة، ولم يكن ورقة لمساومات إقليمية أو دولية، على غرار ما فعلته وتفعله بعض الدول. وهذا ما يفسر ثبات الارتباط العضوي المصرى بقضية فلسطين، على مدار أكثر من ثمانية عقود.
3) قبل ثورة 23 يوليو 1952 كان ما يجرى في فلسطين موضع اهتمام الحركة الوطنية المصرية، وكانت مصر طرفاً أساسياً في الأحداث التي سبقت حرب عام 1948، ثم في الحرب ذاتها، التي كان الجيش المصري في مقدمتها. كما ساعدت مصر في إنشاء حركة فتح ثم منظمة التحرير الفلسطينيـة (مشروع القائد الفلسطيني أحمد الشقيري الذي تقدم به إلى قمة الإسكندرية في سبتمبر 1964، حيث تمت الموافقة على قيام المنظمة واعتمادها كممثل للشعب الفلسطيني، بدعم قوى من مصر).
4) لقد جنـدت مصر إمكانياتها وقدراتها الكاملة في كل مرحلة من مراحل الصراع من أجل فلسطين: ففي مرحلة الصدام العسكري (1948ـ 1974) كانت مصر المقاتل الأول، وسخرت مواردها، وفقـدت عشـرات الآلاف من خيرة شبابها في خمسة حروب : حرب 1948، وعدوان 1956، وعدوان 1967، وحرب الاستنزاف ثم حرب التحرير في أكتوبر 1973.
5) ثم اقتحمت مصر بعد انتصار أكتوبر 73 غمار التسوية السلمية على أساس قرارات الأمم المتحدة، ولم تكن المعركة السلمية أقل ضراوة، وفى كل مراحلها كانت التسوية الشاملة هدف مصر، وكان الحل العادل لقضية فلسطين، هو جوهر أي بحث في الحل الشامل، حيث دعت الأطراف العربية بما فيها الطرف الفلسطيني إلى مفاوضات "مينا هاوس"، وجاء نص كامل عن مراحل التسوية للقضية الفلسطينية في إطار مبادئ كامب ديفيد للسلام في الشرق الأوسط.
6) وفى عهد الرئيس مبارك كان التزام مصر ثابتاً في مساندة قضية فلسطين، خاصة بعد أن تم تحرير الأرض المصرية، وتوجه معظم الجهد الدبلوماسي المصري إلى مساندة الموقف الفلسطيني. فلقد ساعدت مصر في إجلاء القيـادة الفلسطينية عقب محنتها في لبنان (1982)، كما دعمت النضال الفلسطينى خلال الانتفاضة الأولى (1987)، ودعمت إعلان الدولة الفلسطينية (1988)، وساعدت الجانب الفلسطينى فى مؤتمر مدريد للسلام (1991)، ثم أيدت مصر اتفاق أوسلو الذي ارتضاه الفلسطينيون عام 1993، بالإضافة إلى العديد من الاتفاقات المكملة له. كذلك رعت مصر محادثات " طابا " التى توصل فيها الطرفان سنة2000 إلى أقرب صيغة للحل النهائى. كذلك ساندت مصر الموقف الفلسطيني دولياً وإقليميا، وبـذلت كل جهد من أجل تحرير الأراضي الفلسطينية، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
7) ومن الثابت أن شبكة علاقات مصر الدولية تقوم على عدة أسس، يأتى فى مقدمتها المواقف الدولية من قضية فلسطين، بحيث أصبحت هذه العلاقات تتحدد إيجاباً وسلباً وفق مواقف المجموعات والقوى الدولية تجاه قضية فلسطين. وفي هذا الإطار يأتي النشاط الواسع والمكثف للرئيس مبارك والدبلوماسية المصرية في مختلف التجمعات الدولية، دفاعاً عن حقوق الشعب الفلسطينى.
السيد رئيس المجلس الأخوة والأخوات أعضاء المجلس الموقر
1) إذا انتقلنا الآن إلى الجهد المصرى فى أعقاب العدوان الاسرائيلى البربرى على قطاع غزة يوم 27 ديسمبر الماضى، فإن المُشككين فى الدور المصرى وفاعليته يتناسون أن مصر هى من لعبت الدور الأكبر فى هذه الأزمة، بل وحذرت من تداعياتها قبل وقوعها. وأعلنت قبل العدوان عن حساسية الأوضاع، وطالبت بضبط النفس، وأنه يجب التمسك بالتهدئة، وأعلنت فى حينه أن الهدف المصرى هو حماية الشعب الفلسطيني، وإتاحة الفرصة للمصالحة الفلسطينية. وقد أكدت الأيام صدق التوجه المصرى، وهانحن اليوم نسعى من جديد للتوصل إلى تهدئة بشروط، كان من الممكن التوصل إليها دون إراقة كل هذه الدماء الزكية وتجنب كل هذا الدمار.
2) كما نسى المشـككون أن القـاهرة وبتعليمات من الســيد رئيس الجمهورية قامت فور بـدء العمليات العسكرية بالتحرك على عدة محاور، أولها المحور الإنسانى، حيث اضطلعت بأكبر عملية إغاثة فى تاريخ القطاع، بفتح معبر رفح للأغراض الإنسانية لإدخال المساعدات، وكذا لإجلاء الجرحى الفلسطينيين. كما تم تشغيل مطار وميناء العريش لاستقبال المعونات الإنسانية من مختلف دول العالم، حيث تم تجنيد كافة الطاقات والوزارات (الدفاع، الداخلية، الخارجية، الصحة، الهلال الأحمر المصرى، محافظة شمال سيناء،...) لهذا الغرض. ومنذ اليوم الأول للعدوان تم من خلال معبر رفح فقط – دون المعابر الأخرى – إدخال أكثر من 5000 طن من المواد الطبية، كما تم نقل1000جريح ومريض فلسطينى إلى المستشفيات المصرية فى العريش والإسماعيلية والقاهرة، تحملت الخزانة المصرية نفقات نقلهم وإقامتهم وعلاجهم، من منطلق التزامنا بمآزرة أخوة يعانون محنة إنسانية.
3) ورغم ذلك تأتى المغالطات التى يرددها البعض - إما عن قصد أو عن غير قصد - بشأن معبر رفح، تكشف إما عن مخطط يستهدف مصر يشاركون فيه، أو تنم عن عدم علم بالقواعد القانونية التنظيمية لعمل المعابر فى قطاع غزة، ذلك أن غزة – قانوناً – مازالت أرضاً محتلة، وتسيطر إسرائيل – كقوة احتلال – على مخارجها، وتتحكم فى حركة الدخول إليها والخروج منها. كما أن تأمين حدود غزة مسئولية إسرئيلية تتحملها بمقتضى التزاماتها وفق اتفاقيات جنيف لعام 1949.
أما فيما يتعلق بمعبر رفح - شأنه شأن أى منفذ حدودى - فله بوابتان: إحداهما فى الأرض المصرية، والأخرى فى أرض فلسطين. وتشغيل البوابة الفلسطينية وغيرها من معابر القطاع يتم وفق ترتيبات دولية تقررت فى عام 2005، تقضى بتواجد أفراد من السلطة الفلسطينية، ومندوبين عن الاتحاد الأوروبى، وبمراقبة من إسرائيل. وكانت عمليات الخروج والدخول تتم وفق هذه الترتيبات، إلى أن تم تجميد العمل فى البوابة الفلسطينية بعد استيلاء حماس على القطاع، مما أدى إلى صعوبة أن تتم هذه العمليات بأمنٍ وسلامة بالنسبة للأفراد وأن يتحقق أصولها فعلاً إذا تعلق الأمر ببضائع. هذا فضلاً عن أن محاولة تشغيل أى معبر من معابر القطاع بطرق مغايرة لهذه الترتيبات يخدم المخطط الإسرائيلى الهادف لفصل قطاع غزة عن الضفة، وإنهاء القضية الفلسطينية كقضية شعب فلسطينى واحد فى كل الأراضى الفلسطينية، ويناضل من أجل أن تقوم عليها دولة فلسطينية واحدة، عاصمتها القدس الشريف.
ويحضرنى هنا ما جاء فى كلمة الرئيس مبارك أمام القمة العربية بالكويت، محذراً فيها من محاولات البعض اختزال القضية الفلسطينية فى غزة، واختزال غزة فى المعابر، واختزال المعابر السبعة فى معبر رفح. إن هذه الأفكار تندرج تحت مخطط قُوى من خارج المنطقة تحاول التدخل فى شئونها والمساس بأمنها، والإساءة لدور مصر: القوة العربية والدولة المحورية، ويتفق فى نفس الوقت مع المخطط الإسرائيلى الذى يهدف إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وتصديره إلى مصر، بل ويتماشى مع مخطط إسرائيلى أخطر يسعى لتوسيع القطاع على حساب أراضى شمال سيناء، وتحويل القضية الفلسطينية من قضية شعب ودولة، إلى قضية مأوى ولاجئين.
السيد رئيس المجلس الأخوة والأخوات أعضاء المجلس الموقر
1) لم يقتصر الدور المصرى الفاعل والمؤثر على المنحى الإنسانى والإغاثى، بل لعبت القاهرة الدور الأكثر تأثيراً على المنحى السياسى، فتحركنا وقمنا بالعديد من الاتصالات الدولية والإقليمية، التى إذا استعرضناها لاستهلكنا وقت الجلسة.
2) لقد شعرت مصر بنذر العدوان الإسرائيلى القادم على قطاع غزة، فقامت بحث الفصائل الفلسطينية وخاصة حركة حماس، على تجديد التهدئة التى كانت قد انتهت فى 19/12/2008. شرحت لهم المخاطر المحدقة بهم نتيجة لحسابات الانتخابات الإسرائيلية، إلا أنهم للأسف لم يستجيبوا نظرا لحسابات خاطئة، وضغوط خارجية لا تراعى مصالح الشعب الفلسطينى وسلامته.
3) كما قامت مصر بالاتصال بدوائر عديدة فى الحكومة الإسرائيلية منها وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى، للتحذير من مغبة أى عدوان على قطاع غزة، كما قامت مصر بالاتصال بالدول الفاعلة على المستوى الدولى للتدخل لدى إسرائيل، إلا أن تدهور الموقف على الأرض، ودخول الأزمة إلى مرحلة التصعيد المتبادل، أدى إلى توفير الذريعة لإسرائيل لشن عدوانها الغاشم على القطاع. ويثور التساؤل، على نحو ما ذكر الرئيس مبارك خلال خطابه فى عيد الشرطة يوم 4 فبراير،: " لماذا رفضت فصائل المقاومة محاولاتنا لتمديد التهدئة؟ ولماذا لم تستمع لتحذيرنا من أن مواقفها تمثل دعوة مفتوحة لإسرائيل بالعدوان؟ هل كان ذلك مخططا ومقصودا؟ ولصالح من؟".
بل ولقد اعترف خالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحماس أثناء العدوان على غزة بخطأ حساباته، وبأنه كان يعتقد إن الأمر لن يتعد الضربات الجوية فقط !! وكما قال الرئيس مبارك فى الخطاب المذكور:" وإلى متى يراق الدم العربى ثم نستمع لمن يعترف بالخطأ فى حساب ردود الأفعال الإسرائيلية ومداها ونطاقها؟ ولمن يرفع شعارات المقاومة فوق أشلاء الشهداء وأنقاض التدمير والخراب ؟".
4) لقد دعونا منذ البداية إلى الوقف الفورى لإطلاق النار. وفى إطار التحرك العربى والدولى بذلنا جهوداً حثيثة لتأمين صياغة قرار مجلس الأمن 1860 الذى صدر يوم 8/1/2009 بهدف حقن الدم الفلسطينى، وإنهاء العدوان. ومن منطلق إدراكنا أن قرار مجلس الأمن سيحتاج إلى آلية لتنفيذ وقف إطلاق النار، استبقت القاهرة الأحداث وامتلكت زمام المبادرة، حيث كان السيد الرئيس قد أعلن عن المبادرة المصرية فى 6/1/2009، والتى تضمنت بنودها إستراتيجية متكاملة لحل الأزمة، تشمل إلى جانب وقف إطلاق النار وتثبيت التهدئة، عملية المصالحة الفلسطينية وإعادة الإعمار، وذلك من مطلق ما أكده أمام القمة العربية بالكويت: " لقد رأينا منذ اليوم الأول للعدوان أن غزة لا تحتاج لبيانات الشجب والإدانة قدر احتياجها لتحرك عملى عاجل يوقف الاعتداءات الإسرائيلية ويحقن الدماء، وطرحت مصر المبادرة الوحيدة للخروج من الأزمة فى غياب أية مبادرات أخرى". ونجحت مصر فيما فشل فيه الآخرون وتم وقف إطلاق النار يوم 20/1/2009.
5) نعم لقد عملت مصر لصالح الشعب الفلسطينى الذى يعانى من جراء العدوان من ناحية، ومن جراء الانقسام من ناحية أخرى، بينما عمل أخرون لأطراف علت أصواتها، وانعدمت أفعالها، فها هى إيران والقوى الموالية لها فى المنطقة، يؤكدون لإسرائيل عبر أطراف أوروبية أنهم لن ينخرطوا فى القتال، فى الوقت الذى يتآمرون فيه على مساعى التهدئة والمصالحة قبل العدوان، دون اعتداد بحياة الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين. وهاهم أتباعهم الذين يكيلون الاتهامات لمصر دون وعى أو إلمام بأساسيات الفكر السياسى، أو طبيعة التهديدات التى يجسدها الاحتلال الإسرائيلى. لقد ابتلع الكثيرون الطُعم الذى ألقته إسرائيل، فظنوا أن القطاع محرر، غير مدركين خطورة ذلك على مستقبل القضية الفلسطينية ووحدة الأراضى الفلسطينية.
6) وتواصل مصر جهودها حاليا لإعلان التهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، كما تعمل جاهدة للتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى تضمن الإفراج عن مئات من الأسرى الفلسطينيين، وذلك رغم التعنت الإسرائيلى ومحاولاتها ربط إتفاق التهدئة بالإفراج عن الجندى الإسرائيلى، الأمر الذى ترفضه مصر وتعتبره تعنتاً لا يمكن قبوله.
7) كما تسعى مصر لاستئناف عملية المصالحة الفلسطينية تحت رعايتها، ولذا قامت بالدعوة إلى عقد اجتماع للمصالحة الفلسطينية بين مختلف الفصائل، وفى مقدمتها فتح وحماس. ولا نملك إلا أن نستبشر خيراً بهذا اللقاء الذى تبدأ جلساته اليوم بالقاهرة.
8) وفى إطار جهودها لدعم قطاع غزة وإعادة الحياة الطبيعية له، فقد دعت مصر لعقد مؤتمر دولى لإعادة الإعمار ينعقد بالقاهرة فى 2 مارس المقبل، حيث من المنتظر أن تقوم الدول والمؤسسات المانحة بتوفير التمويل اللازم لمشروعات إعادة البنية التحتية والمرافق والمنشأت.
9) لقد لاقى هذا الدور المصرى الكبير والمتميز ارتياحاً لدى الرأى العام المصرى والعربى، فضلاً عن التقدير والترحيب من كافة الدول والمنظمات المنصفة والموضوعية، الساعية إلى السلام واستقرار المنطقة. وسيظل خطابا الرئيس أمام القمة العربية فى الكويت وفى يوم عيد الشرطة وثيقتين تاريخيتين عظيمتين، لما تضمناه من ثوابت وحقائق وبيانات دامغة، حول القضية الفلسطينية، وظروف العدوان الإسرائيلى الأخير، وسنظل نحن المصريون نعتز ونفتخر بما جاء فيهما من معان ودلالات، نواجه بها كل قوى التضليل والمغالطة.
10) ثم يأتى من يدعى أننا ننحاز لطرف على حساب طرف ! كيف ؟ وقد حذرنا الإخوة فى غزة من مغبة عدم تجديد التهدئة. أليس من حقنا الآن أن نشير إلى سابق تحذيراتنا وما أدى إليه تجاهلها من دمار ودماء، لا لشئ إلا لكى نعود إلى المربع الأول! كيف لعاقل أو متابع منصف أن يتهم مصر بالانحياز، وقد استجابت - خلال جهودها للمصالحة الفلسطينية - فى نوفمبر الماضى إلى كافة ملاحظات حماس، للدرجة التى طرحت معها القاهرة ورقة جديدة كلية، استجابةً لمتطلبات الحركة، لنجد أنهم يتراجعون فى اللحظات الأخيرة، بعد أن كانوا قد أعلنوا تأكيدهم الحضور للقاهرة. لم يوضحوا لنا لماذا تخلفوا؟ لم يوضحوا للشعب الفلسطينى ذلك، وكل ما أوضحوه فى حينها من مبررات غير واقعية لم تكن لتمنع حريصاً على المصلحة الوطنية الفلسطينية من الحضور للقاهرة، لرأب الصدع الفلسطينى وإصلاح ما أفسده الانقسام.
إذا انتقلنا الآن إلى ما أثير فى أحد الاستجوابات – التى نظرها مجلس الشعب منذ يومين - عن الاتفاق الإطارى للحكم الذاتى فى كامب ديفيد:
1) كان يكفينا للرد على هذه المسألة أن نورد ما جرت عليه التقاليد البرلمانية، من أنه لا يقدم استجواب لوزارة قائمة عن عمل تم فى عهد وزارة سابقة، لأن الاستجواب قد يقتضى طرح الثقة بالوزارة، فلا تُسأل الوزارة القائمة عن أعمال وزارات سابقة، ولو كانت امتدادا لها. ورغم ذلك نرد فنقول أننا لسنا فى حاجة لأن نؤكد أن مصر كانت قد أوضحت فى أكثر من موقف، ومنذ بدايات عملية التسوية السلمية، أن ما ورد بخصوص الحكم الذاتى الفلسطينى فى إطار إعلان مبادئ فى الشرق الأوسط عام 1978، هو اجتهاد مصرى لما ترى فيه صالح الفلسطينيين، وأن القبول به من عدمه شأن فلسطينى صرف. مما يَعنى بكل وضوح أن القاهرة لا تسعى إلى فرض اجتهادها على الطرف الفلسطينى، لأنها فى كل مراحل القضية لم تقدم نفسها بديلاً عن الفلسطينيين، ولم تتحدث باسمهم، بل حرصت على أن يكون القرار فلسطينياً، فى كل ما يتعلق بمصير شعب فلسطين وأرضه، ثم تقوم بدعم الحل الذى يختاره الفلسطينيون لأنفسهم. كان هذا خطنا الثابت، وسيظل كذلك.
2) والمُراجع المنصف لنصوص إطار السلام المشار إليه يجد أنه قد أسس التسوية السلمية والشاملة لصراع الشرق الأوسط على " إبرام معاهدات سلام تقوم على قرارى مجلس الأمن رقم 242، 338 بكل فقراتهما "، وهو ذات الأساس الذى تسعى كل الأطراف العربية عامة والفلسطينيين خاصة لتحقيقه الآن. كما أنه هو نفس الأساس الذى أجمعت عليه الدول العربية فى بيروت عام 2002، من خلال " المبادرة العربية للسلام ".
أما الادعاء بأن مصر قد سعت من خلال هذا الاتفاق الإطارى إلى اختزال حل القضية الفلسطينية فى إقامة حكم ذاتى، فهذه مغالطة مرفوضة، ذلك أن الحديث عن هذا الحكم الذاتى كان فى إطار فترة انتقالية ولمدة خمس سنوات، كان من المفترض أن تجرى خلالها مفاوضات بين الأطراف المعنية تؤدى إلى التوصل إلى اتفاقات " حول الوضع النهائى للضفة الغربية وغزة وعلاقتها مع جيرانها بحلول نهاية الفترة الانتقالية". ولا تخرج هذه الأحكام عما ارتضاه الفلسطينيون أنفسهم بكافة فئاتهم وفصائلهم، منذ اتفاقية أوسلو عام 1993، ومازالوا يسعون جاهدين لتحقيقه.
3) وفى ضوء ذلك أليس من الإنصاف أن نقرر أن ما توصلت إليه مصر فى عامى 78، 1979، كان من شأنه أن يفتح الباب أمام الفلسطينيين لبلوغ أضعاف ما يأملون الحصول عليه حالياً؟ وللأسف لقد رفضه الجانب الفلسطينى فى حينه، فأضاع فرصة تاريخية، لو كان قد استغلها لكانت هناك اليوم - ومنذ سنوات - الدولة الفلسطينية المستقلة، ولأصبحنا الآن نتحدث عن علاقات دولتين: تعاون بين مصر وفلسطين، ومعابر بينهما، لا تخضع على الجانبين إلا لسيطرة من الدولتين، ولا يقوم على تشغيلها إلا المصريون والفلسطينيون.
4) أما عندما يبلغ الشطط مداه بآخرين فيطالبون بإلغاء اتفاقية السلام لعام 1979، فنقول لهم: أن هذه الاتفاقية لم تِأت من فراغ، أنما جاءت تتويجاً لانتصار أكتوبر المجيد. فما قبلت إسرائيل أن تدخل فى مفاوضات للانسحاب من أراضينا المحتلة إلا بعد نصرنا العظيم، ونجاحنا فى العبور، وتحطيم خط بارليف، ودخول قواتنا الجوية والبرية والبحرية أراضى ومياه وأجواء سيناء المحتلة. كان عبوراً من الهزيمة إلى النصر، ومن الانكسار إلى الاعتزاز والفخر، تعبيراً عن إرادة شعب وتصميمه على تحرير أرضه مهما كانت التضحيات، وكان فى نفس الوقت تأكيداً على قدرة جيشنا على استعادة السيادة على كامل التراب المصرى.
5) واستناداً إلى هذا النصر واعتماداً على دلالاته، وما ترتب عليه من نتائج فى مواجهة إسرائيل والعالم، كانت المعركة السياسية التى انتهت بنصرٍ جديد سجلته اتفاقية السلام لعام 1979، والتى بمقتضاها أُجْبرت إسرائيل على الانسحاب من كافة الأراضى المصرية.
6) أما زعم البعض بأن اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية قد تضمنت نصوصاً تمنح إسرائيل ميزة تفضيلية عند استيرادها للبترول والغاز الطبيعى من مصر، فهذا أيضاً محض ادعاء وافتراء على الحقيقة. فالمُراجع المنصف لنصوص الاتفاقية وملحقاتها – والتى صادق عليها مجلس الشعب يوم 10 أبريل 1979 بأغلبية 329 صوت ضد 15، وامتناع عضو واحد عن التصويت، والتى أجريت بشأنها استفتاء شعبى فى 19 أبريل من نفس العام – يتضح له عدم وجود أى نص بمنح أية مزايا تفضيلية. والملحق الثالث من الاتفاقية صريح حين يقرر أن العلاقات الاقتصادية " سوف تشمل مبيعات تجارية عادية من البترول من مصر إلى إسرائيل – وأن يكون من حق إسرائيل الكامل التقدم بعطاءات لشراء البترول المصرى الأصل والذى لا تحتاجه مصر لاستهلاكها المحلى – وأن تنظر مصر والشركات التى لها حق استثمار بترولها فى العطاءات المقدمة من إسرائيل على نفس الأسس والشروط المطبقة على مقدمى العطاءات الآخرين لهذا البترول "، وهو ما ينسحب بالتبعية والضرورة على صادرات الغاز المصرية.
أن مصر ستواصل جهودها لإحلال السلام، واستقرار المنطقة، وعودة الحقوق الفلسطينية المشروعة، وستواصل جهودها لاستئناف المصالحة الفلسطينية توحيداً للصف الفلسطينى، وإنهاء لانقسام بغيض يهدد مستقبل حقوق الشعب الفلسطينى.
وقد أوضحت أزمة العدوان الأخير على غزة، بما لا يدع مجالاً للشك، بأن مصر كانت مستهدفة كقوة إقليمية، تحافظ على الاستقرار والسلام والتنمية فى المنطقة، وأن هناك قوى خارجية يهمها ضرب الدور المصرى، وتعريض الأمن القومى المصرى للخطر، ولكن مصر ستظل دائما على ثوابتها ومبادئها، ولن تخضع للابتزاز كما قالها بحق الرئيس مبارك، الذى أكد فى نفس الوقت أن " الاحتلال مصيره إلى زوال .... والقضية الفلسطينية أبداً لن تموت".
وفيما يلى نص رد الحكومة على الاستجوابات :
1) يدرك القاصي والداني أن مصر بدورها الحضاري وموقعها الجغرافي ومبادئها الراسخة، كانت ومازالت - رغم كيد المغرضين - القوة الرئيسية فى إقليمها، وقبلة العمل العربي ودفته الرئيسية، ويشكل دورها المحورى دعامة الاستقرار والأمن والسلام والتنمية فى المنطقة. وانطلاقا من هذه الحقيقة الراسخة، تحملت مصر عبر مراحل التاريخ المختلفة مسئولياتها الجسام في الدفاع عن الأمة العربية، ودعم قضاياها، والحفاظ على حقوقها، وفقا لرؤية موضوعية مستقبلية ثاقبة، يصعب على الكثيرين من قصار النظر رؤيتها أو تلمسها. ومن بين هذه المسئوليات جاء الدور المصري في دعم عمليات التحرر في العالم العربي، خلال حقبتي الخمسينيات والستينيات. وقد أدى انتهاج مصر لهذه السياسة الرائدة التحريرية التى هدفت إلى تخليص الدول والشعوب العربية من نير الاستعمار الأجنبى، إلى تكالب الدول الاستعمارية على مصر خلال عدوان عام 1956، إلا أن ذلك لم ينل من إرادة مصر، ومن عزمها على الاستمرار فى سياستها.
2) أما ارتباط مصر بقضية فلسطين فهو ارتباط دائم ثابت، تمليه اعتبارات الأمن القومي المصري، وروابط الجغرافيا والتاريخ والدم والقومية، مع شعب فلسطين. وعليه فإن الموقف المصري من قضية فلسطين لم يخضع في أي مرحلة لحسابات مصالح آنـية أو أغراض قطرية ضيقة، ولم يكن ورقة لمساومات إقليمية أو دولية، على غرار ما فعلته وتفعله بعض الدول. وهذا ما يفسر ثبات الارتباط العضوي المصرى بقضية فلسطين، على مدار أكثر من ثمانية عقود.
3) قبل ثورة 23 يوليو 1952 كان ما يجرى في فلسطين موضع اهتمام الحركة الوطنية المصرية، وكانت مصر طرفاً أساسياً في الأحداث التي سبقت حرب عام 1948، ثم في الحرب ذاتها، التي كان الجيش المصري في مقدمتها. كما ساعدت مصر في إنشاء حركة فتح ثم منظمة التحرير الفلسطينيـة (مشروع القائد الفلسطيني أحمد الشقيري الذي تقدم به إلى قمة الإسكندرية في سبتمبر 1964، حيث تمت الموافقة على قيام المنظمة واعتمادها كممثل للشعب الفلسطيني، بدعم قوى من مصر).
4) لقد جنـدت مصر إمكانياتها وقدراتها الكاملة في كل مرحلة من مراحل الصراع من أجل فلسطين: ففي مرحلة الصدام العسكري (1948ـ 1974) كانت مصر المقاتل الأول، وسخرت مواردها، وفقـدت عشـرات الآلاف من خيرة شبابها في خمسة حروب : حرب 1948، وعدوان 1956، وعدوان 1967، وحرب الاستنزاف ثم حرب التحرير في أكتوبر 1973.
5) ثم اقتحمت مصر بعد انتصار أكتوبر 73 غمار التسوية السلمية على أساس قرارات الأمم المتحدة، ولم تكن المعركة السلمية أقل ضراوة، وفى كل مراحلها كانت التسوية الشاملة هدف مصر، وكان الحل العادل لقضية فلسطين، هو جوهر أي بحث في الحل الشامل، حيث دعت الأطراف العربية بما فيها الطرف الفلسطيني إلى مفاوضات "مينا هاوس"، وجاء نص كامل عن مراحل التسوية للقضية الفلسطينية في إطار مبادئ كامب ديفيد للسلام في الشرق الأوسط.
6) وفى عهد الرئيس مبارك كان التزام مصر ثابتاً في مساندة قضية فلسطين، خاصة بعد أن تم تحرير الأرض المصرية، وتوجه معظم الجهد الدبلوماسي المصري إلى مساندة الموقف الفلسطيني. فلقد ساعدت مصر في إجلاء القيـادة الفلسطينية عقب محنتها في لبنان (1982)، كما دعمت النضال الفلسطينى خلال الانتفاضة الأولى (1987)، ودعمت إعلان الدولة الفلسطينية (1988)، وساعدت الجانب الفلسطينى فى مؤتمر مدريد للسلام (1991)، ثم أيدت مصر اتفاق أوسلو الذي ارتضاه الفلسطينيون عام 1993، بالإضافة إلى العديد من الاتفاقات المكملة له. كذلك رعت مصر محادثات " طابا " التى توصل فيها الطرفان سنة2000 إلى أقرب صيغة للحل النهائى. كذلك ساندت مصر الموقف الفلسطيني دولياً وإقليميا، وبـذلت كل جهد من أجل تحرير الأراضي الفلسطينية، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
7) ومن الثابت أن شبكة علاقات مصر الدولية تقوم على عدة أسس، يأتى فى مقدمتها المواقف الدولية من قضية فلسطين، بحيث أصبحت هذه العلاقات تتحدد إيجاباً وسلباً وفق مواقف المجموعات والقوى الدولية تجاه قضية فلسطين. وفي هذا الإطار يأتي النشاط الواسع والمكثف للرئيس مبارك والدبلوماسية المصرية في مختلف التجمعات الدولية، دفاعاً عن حقوق الشعب الفلسطينى.
السيد رئيس المجلس الأخوة والأخوات أعضاء المجلس الموقر
1) إذا انتقلنا الآن إلى الجهد المصرى فى أعقاب العدوان الاسرائيلى البربرى على قطاع غزة يوم 27 ديسمبر الماضى، فإن المُشككين فى الدور المصرى وفاعليته يتناسون أن مصر هى من لعبت الدور الأكبر فى هذه الأزمة، بل وحذرت من تداعياتها قبل وقوعها. وأعلنت قبل العدوان عن حساسية الأوضاع، وطالبت بضبط النفس، وأنه يجب التمسك بالتهدئة، وأعلنت فى حينه أن الهدف المصرى هو حماية الشعب الفلسطيني، وإتاحة الفرصة للمصالحة الفلسطينية. وقد أكدت الأيام صدق التوجه المصرى، وهانحن اليوم نسعى من جديد للتوصل إلى تهدئة بشروط، كان من الممكن التوصل إليها دون إراقة كل هذه الدماء الزكية وتجنب كل هذا الدمار.
2) كما نسى المشـككون أن القـاهرة وبتعليمات من الســيد رئيس الجمهورية قامت فور بـدء العمليات العسكرية بالتحرك على عدة محاور، أولها المحور الإنسانى، حيث اضطلعت بأكبر عملية إغاثة فى تاريخ القطاع، بفتح معبر رفح للأغراض الإنسانية لإدخال المساعدات، وكذا لإجلاء الجرحى الفلسطينيين. كما تم تشغيل مطار وميناء العريش لاستقبال المعونات الإنسانية من مختلف دول العالم، حيث تم تجنيد كافة الطاقات والوزارات (الدفاع، الداخلية، الخارجية، الصحة، الهلال الأحمر المصرى، محافظة شمال سيناء،...) لهذا الغرض. ومنذ اليوم الأول للعدوان تم من خلال معبر رفح فقط – دون المعابر الأخرى – إدخال أكثر من 5000 طن من المواد الطبية، كما تم نقل1000جريح ومريض فلسطينى إلى المستشفيات المصرية فى العريش والإسماعيلية والقاهرة، تحملت الخزانة المصرية نفقات نقلهم وإقامتهم وعلاجهم، من منطلق التزامنا بمآزرة أخوة يعانون محنة إنسانية.
3) ورغم ذلك تأتى المغالطات التى يرددها البعض - إما عن قصد أو عن غير قصد - بشأن معبر رفح، تكشف إما عن مخطط يستهدف مصر يشاركون فيه، أو تنم عن عدم علم بالقواعد القانونية التنظيمية لعمل المعابر فى قطاع غزة، ذلك أن غزة – قانوناً – مازالت أرضاً محتلة، وتسيطر إسرائيل – كقوة احتلال – على مخارجها، وتتحكم فى حركة الدخول إليها والخروج منها. كما أن تأمين حدود غزة مسئولية إسرئيلية تتحملها بمقتضى التزاماتها وفق اتفاقيات جنيف لعام 1949.
أما فيما يتعلق بمعبر رفح - شأنه شأن أى منفذ حدودى - فله بوابتان: إحداهما فى الأرض المصرية، والأخرى فى أرض فلسطين. وتشغيل البوابة الفلسطينية وغيرها من معابر القطاع يتم وفق ترتيبات دولية تقررت فى عام 2005، تقضى بتواجد أفراد من السلطة الفلسطينية، ومندوبين عن الاتحاد الأوروبى، وبمراقبة من إسرائيل. وكانت عمليات الخروج والدخول تتم وفق هذه الترتيبات، إلى أن تم تجميد العمل فى البوابة الفلسطينية بعد استيلاء حماس على القطاع، مما أدى إلى صعوبة أن تتم هذه العمليات بأمنٍ وسلامة بالنسبة للأفراد وأن يتحقق أصولها فعلاً إذا تعلق الأمر ببضائع. هذا فضلاً عن أن محاولة تشغيل أى معبر من معابر القطاع بطرق مغايرة لهذه الترتيبات يخدم المخطط الإسرائيلى الهادف لفصل قطاع غزة عن الضفة، وإنهاء القضية الفلسطينية كقضية شعب فلسطينى واحد فى كل الأراضى الفلسطينية، ويناضل من أجل أن تقوم عليها دولة فلسطينية واحدة، عاصمتها القدس الشريف.
ويحضرنى هنا ما جاء فى كلمة الرئيس مبارك أمام القمة العربية بالكويت، محذراً فيها من محاولات البعض اختزال القضية الفلسطينية فى غزة، واختزال غزة فى المعابر، واختزال المعابر السبعة فى معبر رفح. إن هذه الأفكار تندرج تحت مخطط قُوى من خارج المنطقة تحاول التدخل فى شئونها والمساس بأمنها، والإساءة لدور مصر: القوة العربية والدولة المحورية، ويتفق فى نفس الوقت مع المخطط الإسرائيلى الذى يهدف إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وتصديره إلى مصر، بل ويتماشى مع مخطط إسرائيلى أخطر يسعى لتوسيع القطاع على حساب أراضى شمال سيناء، وتحويل القضية الفلسطينية من قضية شعب ودولة، إلى قضية مأوى ولاجئين.
السيد رئيس المجلس الأخوة والأخوات أعضاء المجلس الموقر
1) لم يقتصر الدور المصرى الفاعل والمؤثر على المنحى الإنسانى والإغاثى، بل لعبت القاهرة الدور الأكثر تأثيراً على المنحى السياسى، فتحركنا وقمنا بالعديد من الاتصالات الدولية والإقليمية، التى إذا استعرضناها لاستهلكنا وقت الجلسة.
2) لقد شعرت مصر بنذر العدوان الإسرائيلى القادم على قطاع غزة، فقامت بحث الفصائل الفلسطينية وخاصة حركة حماس، على تجديد التهدئة التى كانت قد انتهت فى 19/12/2008. شرحت لهم المخاطر المحدقة بهم نتيجة لحسابات الانتخابات الإسرائيلية، إلا أنهم للأسف لم يستجيبوا نظرا لحسابات خاطئة، وضغوط خارجية لا تراعى مصالح الشعب الفلسطينى وسلامته.
3) كما قامت مصر بالاتصال بدوائر عديدة فى الحكومة الإسرائيلية منها وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى، للتحذير من مغبة أى عدوان على قطاع غزة، كما قامت مصر بالاتصال بالدول الفاعلة على المستوى الدولى للتدخل لدى إسرائيل، إلا أن تدهور الموقف على الأرض، ودخول الأزمة إلى مرحلة التصعيد المتبادل، أدى إلى توفير الذريعة لإسرائيل لشن عدوانها الغاشم على القطاع. ويثور التساؤل، على نحو ما ذكر الرئيس مبارك خلال خطابه فى عيد الشرطة يوم 4 فبراير،: " لماذا رفضت فصائل المقاومة محاولاتنا لتمديد التهدئة؟ ولماذا لم تستمع لتحذيرنا من أن مواقفها تمثل دعوة مفتوحة لإسرائيل بالعدوان؟ هل كان ذلك مخططا ومقصودا؟ ولصالح من؟".
بل ولقد اعترف خالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحماس أثناء العدوان على غزة بخطأ حساباته، وبأنه كان يعتقد إن الأمر لن يتعد الضربات الجوية فقط !! وكما قال الرئيس مبارك فى الخطاب المذكور:" وإلى متى يراق الدم العربى ثم نستمع لمن يعترف بالخطأ فى حساب ردود الأفعال الإسرائيلية ومداها ونطاقها؟ ولمن يرفع شعارات المقاومة فوق أشلاء الشهداء وأنقاض التدمير والخراب ؟".
4) لقد دعونا منذ البداية إلى الوقف الفورى لإطلاق النار. وفى إطار التحرك العربى والدولى بذلنا جهوداً حثيثة لتأمين صياغة قرار مجلس الأمن 1860 الذى صدر يوم 8/1/2009 بهدف حقن الدم الفلسطينى، وإنهاء العدوان. ومن منطلق إدراكنا أن قرار مجلس الأمن سيحتاج إلى آلية لتنفيذ وقف إطلاق النار، استبقت القاهرة الأحداث وامتلكت زمام المبادرة، حيث كان السيد الرئيس قد أعلن عن المبادرة المصرية فى 6/1/2009، والتى تضمنت بنودها إستراتيجية متكاملة لحل الأزمة، تشمل إلى جانب وقف إطلاق النار وتثبيت التهدئة، عملية المصالحة الفلسطينية وإعادة الإعمار، وذلك من مطلق ما أكده أمام القمة العربية بالكويت: " لقد رأينا منذ اليوم الأول للعدوان أن غزة لا تحتاج لبيانات الشجب والإدانة قدر احتياجها لتحرك عملى عاجل يوقف الاعتداءات الإسرائيلية ويحقن الدماء، وطرحت مصر المبادرة الوحيدة للخروج من الأزمة فى غياب أية مبادرات أخرى". ونجحت مصر فيما فشل فيه الآخرون وتم وقف إطلاق النار يوم 20/1/2009.
5) نعم لقد عملت مصر لصالح الشعب الفلسطينى الذى يعانى من جراء العدوان من ناحية، ومن جراء الانقسام من ناحية أخرى، بينما عمل أخرون لأطراف علت أصواتها، وانعدمت أفعالها، فها هى إيران والقوى الموالية لها فى المنطقة، يؤكدون لإسرائيل عبر أطراف أوروبية أنهم لن ينخرطوا فى القتال، فى الوقت الذى يتآمرون فيه على مساعى التهدئة والمصالحة قبل العدوان، دون اعتداد بحياة الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين. وهاهم أتباعهم الذين يكيلون الاتهامات لمصر دون وعى أو إلمام بأساسيات الفكر السياسى، أو طبيعة التهديدات التى يجسدها الاحتلال الإسرائيلى. لقد ابتلع الكثيرون الطُعم الذى ألقته إسرائيل، فظنوا أن القطاع محرر، غير مدركين خطورة ذلك على مستقبل القضية الفلسطينية ووحدة الأراضى الفلسطينية.
6) وتواصل مصر جهودها حاليا لإعلان التهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، كما تعمل جاهدة للتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى تضمن الإفراج عن مئات من الأسرى الفلسطينيين، وذلك رغم التعنت الإسرائيلى ومحاولاتها ربط إتفاق التهدئة بالإفراج عن الجندى الإسرائيلى، الأمر الذى ترفضه مصر وتعتبره تعنتاً لا يمكن قبوله.
7) كما تسعى مصر لاستئناف عملية المصالحة الفلسطينية تحت رعايتها، ولذا قامت بالدعوة إلى عقد اجتماع للمصالحة الفلسطينية بين مختلف الفصائل، وفى مقدمتها فتح وحماس. ولا نملك إلا أن نستبشر خيراً بهذا اللقاء الذى تبدأ جلساته اليوم بالقاهرة.
8) وفى إطار جهودها لدعم قطاع غزة وإعادة الحياة الطبيعية له، فقد دعت مصر لعقد مؤتمر دولى لإعادة الإعمار ينعقد بالقاهرة فى 2 مارس المقبل، حيث من المنتظر أن تقوم الدول والمؤسسات المانحة بتوفير التمويل اللازم لمشروعات إعادة البنية التحتية والمرافق والمنشأت.
9) لقد لاقى هذا الدور المصرى الكبير والمتميز ارتياحاً لدى الرأى العام المصرى والعربى، فضلاً عن التقدير والترحيب من كافة الدول والمنظمات المنصفة والموضوعية، الساعية إلى السلام واستقرار المنطقة. وسيظل خطابا الرئيس أمام القمة العربية فى الكويت وفى يوم عيد الشرطة وثيقتين تاريخيتين عظيمتين، لما تضمناه من ثوابت وحقائق وبيانات دامغة، حول القضية الفلسطينية، وظروف العدوان الإسرائيلى الأخير، وسنظل نحن المصريون نعتز ونفتخر بما جاء فيهما من معان ودلالات، نواجه بها كل قوى التضليل والمغالطة.
10) ثم يأتى من يدعى أننا ننحاز لطرف على حساب طرف ! كيف ؟ وقد حذرنا الإخوة فى غزة من مغبة عدم تجديد التهدئة. أليس من حقنا الآن أن نشير إلى سابق تحذيراتنا وما أدى إليه تجاهلها من دمار ودماء، لا لشئ إلا لكى نعود إلى المربع الأول! كيف لعاقل أو متابع منصف أن يتهم مصر بالانحياز، وقد استجابت - خلال جهودها للمصالحة الفلسطينية - فى نوفمبر الماضى إلى كافة ملاحظات حماس، للدرجة التى طرحت معها القاهرة ورقة جديدة كلية، استجابةً لمتطلبات الحركة، لنجد أنهم يتراجعون فى اللحظات الأخيرة، بعد أن كانوا قد أعلنوا تأكيدهم الحضور للقاهرة. لم يوضحوا لنا لماذا تخلفوا؟ لم يوضحوا للشعب الفلسطينى ذلك، وكل ما أوضحوه فى حينها من مبررات غير واقعية لم تكن لتمنع حريصاً على المصلحة الوطنية الفلسطينية من الحضور للقاهرة، لرأب الصدع الفلسطينى وإصلاح ما أفسده الانقسام.
إذا انتقلنا الآن إلى ما أثير فى أحد الاستجوابات – التى نظرها مجلس الشعب منذ يومين - عن الاتفاق الإطارى للحكم الذاتى فى كامب ديفيد:
1) كان يكفينا للرد على هذه المسألة أن نورد ما جرت عليه التقاليد البرلمانية، من أنه لا يقدم استجواب لوزارة قائمة عن عمل تم فى عهد وزارة سابقة، لأن الاستجواب قد يقتضى طرح الثقة بالوزارة، فلا تُسأل الوزارة القائمة عن أعمال وزارات سابقة، ولو كانت امتدادا لها. ورغم ذلك نرد فنقول أننا لسنا فى حاجة لأن نؤكد أن مصر كانت قد أوضحت فى أكثر من موقف، ومنذ بدايات عملية التسوية السلمية، أن ما ورد بخصوص الحكم الذاتى الفلسطينى فى إطار إعلان مبادئ فى الشرق الأوسط عام 1978، هو اجتهاد مصرى لما ترى فيه صالح الفلسطينيين، وأن القبول به من عدمه شأن فلسطينى صرف. مما يَعنى بكل وضوح أن القاهرة لا تسعى إلى فرض اجتهادها على الطرف الفلسطينى، لأنها فى كل مراحل القضية لم تقدم نفسها بديلاً عن الفلسطينيين، ولم تتحدث باسمهم، بل حرصت على أن يكون القرار فلسطينياً، فى كل ما يتعلق بمصير شعب فلسطين وأرضه، ثم تقوم بدعم الحل الذى يختاره الفلسطينيون لأنفسهم. كان هذا خطنا الثابت، وسيظل كذلك.
2) والمُراجع المنصف لنصوص إطار السلام المشار إليه يجد أنه قد أسس التسوية السلمية والشاملة لصراع الشرق الأوسط على " إبرام معاهدات سلام تقوم على قرارى مجلس الأمن رقم 242، 338 بكل فقراتهما "، وهو ذات الأساس الذى تسعى كل الأطراف العربية عامة والفلسطينيين خاصة لتحقيقه الآن. كما أنه هو نفس الأساس الذى أجمعت عليه الدول العربية فى بيروت عام 2002، من خلال " المبادرة العربية للسلام ".
أما الادعاء بأن مصر قد سعت من خلال هذا الاتفاق الإطارى إلى اختزال حل القضية الفلسطينية فى إقامة حكم ذاتى، فهذه مغالطة مرفوضة، ذلك أن الحديث عن هذا الحكم الذاتى كان فى إطار فترة انتقالية ولمدة خمس سنوات، كان من المفترض أن تجرى خلالها مفاوضات بين الأطراف المعنية تؤدى إلى التوصل إلى اتفاقات " حول الوضع النهائى للضفة الغربية وغزة وعلاقتها مع جيرانها بحلول نهاية الفترة الانتقالية". ولا تخرج هذه الأحكام عما ارتضاه الفلسطينيون أنفسهم بكافة فئاتهم وفصائلهم، منذ اتفاقية أوسلو عام 1993، ومازالوا يسعون جاهدين لتحقيقه.
3) وفى ضوء ذلك أليس من الإنصاف أن نقرر أن ما توصلت إليه مصر فى عامى 78، 1979، كان من شأنه أن يفتح الباب أمام الفلسطينيين لبلوغ أضعاف ما يأملون الحصول عليه حالياً؟ وللأسف لقد رفضه الجانب الفلسطينى فى حينه، فأضاع فرصة تاريخية، لو كان قد استغلها لكانت هناك اليوم - ومنذ سنوات - الدولة الفلسطينية المستقلة، ولأصبحنا الآن نتحدث عن علاقات دولتين: تعاون بين مصر وفلسطين، ومعابر بينهما، لا تخضع على الجانبين إلا لسيطرة من الدولتين، ولا يقوم على تشغيلها إلا المصريون والفلسطينيون.
4) أما عندما يبلغ الشطط مداه بآخرين فيطالبون بإلغاء اتفاقية السلام لعام 1979، فنقول لهم: أن هذه الاتفاقية لم تِأت من فراغ، أنما جاءت تتويجاً لانتصار أكتوبر المجيد. فما قبلت إسرائيل أن تدخل فى مفاوضات للانسحاب من أراضينا المحتلة إلا بعد نصرنا العظيم، ونجاحنا فى العبور، وتحطيم خط بارليف، ودخول قواتنا الجوية والبرية والبحرية أراضى ومياه وأجواء سيناء المحتلة. كان عبوراً من الهزيمة إلى النصر، ومن الانكسار إلى الاعتزاز والفخر، تعبيراً عن إرادة شعب وتصميمه على تحرير أرضه مهما كانت التضحيات، وكان فى نفس الوقت تأكيداً على قدرة جيشنا على استعادة السيادة على كامل التراب المصرى.
5) واستناداً إلى هذا النصر واعتماداً على دلالاته، وما ترتب عليه من نتائج فى مواجهة إسرائيل والعالم، كانت المعركة السياسية التى انتهت بنصرٍ جديد سجلته اتفاقية السلام لعام 1979، والتى بمقتضاها أُجْبرت إسرائيل على الانسحاب من كافة الأراضى المصرية.
6) أما زعم البعض بأن اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية قد تضمنت نصوصاً تمنح إسرائيل ميزة تفضيلية عند استيرادها للبترول والغاز الطبيعى من مصر، فهذا أيضاً محض ادعاء وافتراء على الحقيقة. فالمُراجع المنصف لنصوص الاتفاقية وملحقاتها – والتى صادق عليها مجلس الشعب يوم 10 أبريل 1979 بأغلبية 329 صوت ضد 15، وامتناع عضو واحد عن التصويت، والتى أجريت بشأنها استفتاء شعبى فى 19 أبريل من نفس العام – يتضح له عدم وجود أى نص بمنح أية مزايا تفضيلية. والملحق الثالث من الاتفاقية صريح حين يقرر أن العلاقات الاقتصادية " سوف تشمل مبيعات تجارية عادية من البترول من مصر إلى إسرائيل – وأن يكون من حق إسرائيل الكامل التقدم بعطاءات لشراء البترول المصرى الأصل والذى لا تحتاجه مصر لاستهلاكها المحلى – وأن تنظر مصر والشركات التى لها حق استثمار بترولها فى العطاءات المقدمة من إسرائيل على نفس الأسس والشروط المطبقة على مقدمى العطاءات الآخرين لهذا البترول "، وهو ما ينسحب بالتبعية والضرورة على صادرات الغاز المصرية.
أن مصر ستواصل جهودها لإحلال السلام، واستقرار المنطقة، وعودة الحقوق الفلسطينية المشروعة، وستواصل جهودها لاستئناف المصالحة الفلسطينية توحيداً للصف الفلسطينى، وإنهاء لانقسام بغيض يهدد مستقبل حقوق الشعب الفلسطينى.
وقد أوضحت أزمة العدوان الأخير على غزة، بما لا يدع مجالاً للشك، بأن مصر كانت مستهدفة كقوة إقليمية، تحافظ على الاستقرار والسلام والتنمية فى المنطقة، وأن هناك قوى خارجية يهمها ضرب الدور المصرى، وتعريض الأمن القومى المصرى للخطر، ولكن مصر ستظل دائما على ثوابتها ومبادئها، ولن تخضع للابتزاز كما قالها بحق الرئيس مبارك، الذى أكد فى نفس الوقت أن " الاحتلال مصيره إلى زوال .... والقضية الفلسطينية أبداً لن تموت".