hakimm
02-27-2009, 07:28 AM
يستحيل على المنطق تصنيف ما يفعله الإسرائيليون في فلسطين في خانة الأفعال السلبية أو الإجرامية الإنسانية. إنها ليست جرائم ضد الإنسانية بل أفعال غير إنسانية. وقد خطر لي وصف ما يحدث في فلسطين بأنه أشبه بعصيان سجناء محكومين بالإعدام، اختطفوا حارساً من حراسهم، والسلطات تعمل على قمع عصيانهم، وتخليص الحارس، ثم المضي بعد ذلك في تنفيذ أحكام إعدامهم، وأن ما يسمى بالمجتمع الدولي يساعد السجانين على قمع عصيان السجناء، مسلماً بداهة بإعدامهم بعد ذلك! غير أنني وجدت فيما كتبه الدكتور غسان الرفاعي في أسبوعياته تحت عنوان (أبالسة الشر) ما ينطبق أكثر على ما يحدث في فلسطين، حيث قال: "إن جرذان الطاعون الإسرائيلي تزحف على المراعي الخضراء، حاملة نوافير الدم إلى الأطفال والنساء، ناشرة مسحوق الفناء في ينابيع المياه ومولدات الضياء"!
حقاً إنه الطاعون الصهيوني، ولا يمكن وصف ما يحدث في فلسطين بأدق من ذلك، أما عن موقف ما يسمى بالأسرة الدولية فقد أورد الأستاذ سعد القاسم في افتتاحيته لمجلة "فنون" معلومات من مونديال ألمانيا الرياضي تضمنت موقف الدول الاستعمارية من العرب والمسلمين، وكيف غيبتهم تماماً في الإعلام الألماني، فاستثنت من الذكر والصورة أي إنسان يشير شكله إلى أنه عربي أو مسلم رغم وجود مئتي ألف مسلم في برلين وحدها! وأن دليل مطار فرانكفورت احتوى على شعارات شركات الطيران في العالم جميعها بما فيها الإسرائيلية طبعاً، لكنه خلا من أي شعار لأية شركة عربية! وأن المركز الصحفي في ميونخ وزع حقيبة تضم أوراق وبيانات المركز حاملة عبارات الترحيب بجميع اللغات، بما فيها العبرية طبعاً، بينما أغفلت اللغة العربية تماماً، مع أن فريقين عربيين يلعبان في المونديال!
هل هم يتجنبوننا خوفاً من العدوى لأننا مصابون بالطاعون؟ أم خوفاً من انتقام الطاعون الإسرائيلي؟ حيث الطاعون في حد ذاته يمكن- حسب سينما هوليوود- أن يمتلك العقل والإرادة والتمييز سواء أكان جرثومياً أم هلامياً!
***
ولكن إذا كان هذا حال الطاعون الصهيوني، وحال الأسرة الدولية المتواطئة معه أو الخائفة منه، فإن النظام العربي الرسمي بدوره لا يهب لنجدة الشعب الفلسطيني، بل هو يحكم الحصار حوله ويحثه على الاستسلام للموت بهدوء ومن دون أدنى مقاومة! وبعيداً عن المجاز والتشبيهات فإن الأنظمة العربية تبدي من الاستعداد المروّع للتفريط بفلسطين وغيرها وبالعراقيين وغيرهم ما لا مثيل له حقاً، حتى ليبدو تفريطها في أغلب الأحيان مجانياً لا مقابل له، وعبثياً لا مبرر له، مع أن إفناء الشعب الفلسطيني ليس هدفاً في حد ذاته بل مدخلاً لإفناء الأمة العربية والإسلامية كما تبرهن الوقائع المعاشة في العراق والسودان والصومال وأفغانستان، حيث الحروب الطاحنة تدور على أشدها، وأيضاً في سورية ولبنان حيث التوجه الأميركي الصهيوني لتوسيع نطاق الحرب، فكيف والحال كذلك حقاً لا ينهض النظام العربي الرسمي لدرء الأخطار في مكامنها، وللحيلولة دون انتشارها، بدءاً بفلسطين أولاً، أللهم إلا إذا كان متواطئاً؟
إن النظام الرسمي العربي يلوذ بالصمت المطبق والجمود التام إزاء ما يحدث في ميادين الحرب العربية والإسلامية، وإذا تكلم أو تحرك فإن كلامه أو تحركه يأتي متناغماً مع سياسات المعتدين، فترى همه اليوم ينحصر في إقناع الشعب العراقي بالتوقف عن المقاومة والدخول في حوار مع المحتلين، وبإقناع الفلسطينيين بإطلاق الجندي الإسرائيلي الأسير والدخول في حوار مع المستوطنين الصهاينة، بينما هو يعلم حق العلم أن المعتدين ماضون في تحقيق مشاريعهم الاستعمارية في جميع الأحوال، وأن هذه المشاريع لا تتحقق إلا على أنقاض الأمة وأجداثها!
***
هل وصلت أية أنظمة أخرى في هذا العالم إلى ما وصلت إليه أنظمتنا؟ لقد غادر نلسون مانديلا السجن بعد أكثر من عشرين عاماً ليعلن على الفور، أمام باب السجن، أن شعبه سيواصل الكفاح المسلح حتى تحقيق كامل أمانيه الوطنية وأهدافه المشروعة. وفي الزيارات التي قام بها لبعض عواصم العالم عقب إطلاق سراحه ظل ثابتاً عند موقفه أمام جميع الحكام في كل بلد زاره، سواء أكان الحاكم عدواً أو صديقاً. وقد طالبه الرئيس الأميركي جورج بوش الأب (عام 1990 ) بالتخلي عن العنف! فكان جوابه الحازم البسيط ما يلي: "إن لجوءنا إلى العنف هو بسبب عدم وجود خيار آخر"! لقد عنى مانديلا أن الكفاح المسلح هو الخيار الوحيد لشعب جنوب أفريقيا، وهكذا فإن المشكلة ليست أن مانديلا قابل تاتشر البريطانية وبوش الأميركي وأمثالهما، وأنه زار العواصم الاستعمارية، لكنها كانت مشكلة كبير ة لو أن مانديلا فعل ذلك متسوّلاً تلك الزيارات والمقابلات ومبدياً استعداداً لتقديم التنازلات عن الثوابت الوطنية، فالتاريخ مليء بأخبار لقاءات بين خصوم لا يجمعهم شيء، غير أنها عموماً لقاءات لم يتزحزح فيها صاحب الحق والمباديء عن حقه ومبادئه، وعندما راح الرئيس الأميركي يعرض أمام ضيفه الأفريقي أوضاع جنوب أفريقيا، بتلك العبارات التي تنضح عنجهية وصلفاً، رد عليه مانديلا ببساطة إنما بحزم قائلاً: "إن الرئيس الأميركي ليس مطلعاً تماماً على الوضع في جنوب أفريقيا"! أما في بلادنا فإن الرئيس الأميركي يأمر بإيقاف المقاومة، ناعتاً إياها بالإرهاب، فيستجاب طلبه بناء على وعود غامضة بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وهي عودة غير مؤكدة، وإن حدثت فإن جدول أعمالها لا يقود إلى أي نتيجة لصالح حقوق المظلومين، بل إلى ما يزيد هذه الحقوق تبديداً وضياعاً!
ليست المشكلة في أن يحضر المسؤولون هذا الاجتماع أو ذاك، وفي زياراتهم لهذه العاصمة أو تلك، أو في مقابلتهم لهذا الصديق أو ذاك العدو، بل المشكلة أن تعقد الاجتماعات وتنظم الزيارات والمقابلات من أجل الاعتراف بهم، لا بشعوبهم وأمتهم، ومن أجل الترويج لقضيتهم الخاصة، لا لقضية شعوبهم وأمتهم، ومن أجل الاطمئنان على مصالحهم الخاصة، لا على مصالح شعوبهم وأمتهم، وعندما يفعلون ذلك يخسرون مصالحهم وأنفسهم، وينالون مقت وغضب أمتهم الصابرة الصامدة المنتصرة في نهاية المطاف
حقاً إنه الطاعون الصهيوني، ولا يمكن وصف ما يحدث في فلسطين بأدق من ذلك، أما عن موقف ما يسمى بالأسرة الدولية فقد أورد الأستاذ سعد القاسم في افتتاحيته لمجلة "فنون" معلومات من مونديال ألمانيا الرياضي تضمنت موقف الدول الاستعمارية من العرب والمسلمين، وكيف غيبتهم تماماً في الإعلام الألماني، فاستثنت من الذكر والصورة أي إنسان يشير شكله إلى أنه عربي أو مسلم رغم وجود مئتي ألف مسلم في برلين وحدها! وأن دليل مطار فرانكفورت احتوى على شعارات شركات الطيران في العالم جميعها بما فيها الإسرائيلية طبعاً، لكنه خلا من أي شعار لأية شركة عربية! وأن المركز الصحفي في ميونخ وزع حقيبة تضم أوراق وبيانات المركز حاملة عبارات الترحيب بجميع اللغات، بما فيها العبرية طبعاً، بينما أغفلت اللغة العربية تماماً، مع أن فريقين عربيين يلعبان في المونديال!
هل هم يتجنبوننا خوفاً من العدوى لأننا مصابون بالطاعون؟ أم خوفاً من انتقام الطاعون الإسرائيلي؟ حيث الطاعون في حد ذاته يمكن- حسب سينما هوليوود- أن يمتلك العقل والإرادة والتمييز سواء أكان جرثومياً أم هلامياً!
***
ولكن إذا كان هذا حال الطاعون الصهيوني، وحال الأسرة الدولية المتواطئة معه أو الخائفة منه، فإن النظام العربي الرسمي بدوره لا يهب لنجدة الشعب الفلسطيني، بل هو يحكم الحصار حوله ويحثه على الاستسلام للموت بهدوء ومن دون أدنى مقاومة! وبعيداً عن المجاز والتشبيهات فإن الأنظمة العربية تبدي من الاستعداد المروّع للتفريط بفلسطين وغيرها وبالعراقيين وغيرهم ما لا مثيل له حقاً، حتى ليبدو تفريطها في أغلب الأحيان مجانياً لا مقابل له، وعبثياً لا مبرر له، مع أن إفناء الشعب الفلسطيني ليس هدفاً في حد ذاته بل مدخلاً لإفناء الأمة العربية والإسلامية كما تبرهن الوقائع المعاشة في العراق والسودان والصومال وأفغانستان، حيث الحروب الطاحنة تدور على أشدها، وأيضاً في سورية ولبنان حيث التوجه الأميركي الصهيوني لتوسيع نطاق الحرب، فكيف والحال كذلك حقاً لا ينهض النظام العربي الرسمي لدرء الأخطار في مكامنها، وللحيلولة دون انتشارها، بدءاً بفلسطين أولاً، أللهم إلا إذا كان متواطئاً؟
إن النظام الرسمي العربي يلوذ بالصمت المطبق والجمود التام إزاء ما يحدث في ميادين الحرب العربية والإسلامية، وإذا تكلم أو تحرك فإن كلامه أو تحركه يأتي متناغماً مع سياسات المعتدين، فترى همه اليوم ينحصر في إقناع الشعب العراقي بالتوقف عن المقاومة والدخول في حوار مع المحتلين، وبإقناع الفلسطينيين بإطلاق الجندي الإسرائيلي الأسير والدخول في حوار مع المستوطنين الصهاينة، بينما هو يعلم حق العلم أن المعتدين ماضون في تحقيق مشاريعهم الاستعمارية في جميع الأحوال، وأن هذه المشاريع لا تتحقق إلا على أنقاض الأمة وأجداثها!
***
هل وصلت أية أنظمة أخرى في هذا العالم إلى ما وصلت إليه أنظمتنا؟ لقد غادر نلسون مانديلا السجن بعد أكثر من عشرين عاماً ليعلن على الفور، أمام باب السجن، أن شعبه سيواصل الكفاح المسلح حتى تحقيق كامل أمانيه الوطنية وأهدافه المشروعة. وفي الزيارات التي قام بها لبعض عواصم العالم عقب إطلاق سراحه ظل ثابتاً عند موقفه أمام جميع الحكام في كل بلد زاره، سواء أكان الحاكم عدواً أو صديقاً. وقد طالبه الرئيس الأميركي جورج بوش الأب (عام 1990 ) بالتخلي عن العنف! فكان جوابه الحازم البسيط ما يلي: "إن لجوءنا إلى العنف هو بسبب عدم وجود خيار آخر"! لقد عنى مانديلا أن الكفاح المسلح هو الخيار الوحيد لشعب جنوب أفريقيا، وهكذا فإن المشكلة ليست أن مانديلا قابل تاتشر البريطانية وبوش الأميركي وأمثالهما، وأنه زار العواصم الاستعمارية، لكنها كانت مشكلة كبير ة لو أن مانديلا فعل ذلك متسوّلاً تلك الزيارات والمقابلات ومبدياً استعداداً لتقديم التنازلات عن الثوابت الوطنية، فالتاريخ مليء بأخبار لقاءات بين خصوم لا يجمعهم شيء، غير أنها عموماً لقاءات لم يتزحزح فيها صاحب الحق والمباديء عن حقه ومبادئه، وعندما راح الرئيس الأميركي يعرض أمام ضيفه الأفريقي أوضاع جنوب أفريقيا، بتلك العبارات التي تنضح عنجهية وصلفاً، رد عليه مانديلا ببساطة إنما بحزم قائلاً: "إن الرئيس الأميركي ليس مطلعاً تماماً على الوضع في جنوب أفريقيا"! أما في بلادنا فإن الرئيس الأميركي يأمر بإيقاف المقاومة، ناعتاً إياها بالإرهاب، فيستجاب طلبه بناء على وعود غامضة بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وهي عودة غير مؤكدة، وإن حدثت فإن جدول أعمالها لا يقود إلى أي نتيجة لصالح حقوق المظلومين، بل إلى ما يزيد هذه الحقوق تبديداً وضياعاً!
ليست المشكلة في أن يحضر المسؤولون هذا الاجتماع أو ذاك، وفي زياراتهم لهذه العاصمة أو تلك، أو في مقابلتهم لهذا الصديق أو ذاك العدو، بل المشكلة أن تعقد الاجتماعات وتنظم الزيارات والمقابلات من أجل الاعتراف بهم، لا بشعوبهم وأمتهم، ومن أجل الترويج لقضيتهم الخاصة، لا لقضية شعوبهم وأمتهم، ومن أجل الاطمئنان على مصالحهم الخاصة، لا على مصالح شعوبهم وأمتهم، وعندما يفعلون ذلك يخسرون مصالحهم وأنفسهم، وينالون مقت وغضب أمتهم الصابرة الصامدة المنتصرة في نهاية المطاف