Bakenam
02-16-2009, 03:54 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
**** إذا كانت الوقاية خير من العلاج ....
فإن .....
نشر الوعي القانوني ....
لدي الأطباء يقيهم ......
شر الوقوع في الأخطاء الطبية .
الباحث
• الطب مهنة إنسانية :
لا مراء في أن مهنة الطب مهنة إنسانية وأخلاقية وعلمية ؛ وهي مهنة تمتد جذورها إلى أعمق أعماق التاريخ ؛ فهي قديمة قدم الإنسان ذاته ؛ وهذا القدم جعلها تكتسب – عبر الحقب التاريخية المختلفة – تقاليد ومواصفات توجب على مَنْ يمارسها أن يخدم شخصية الإنسان في كافة الظروف والأحوال ؛ علاوة على أنه يتعين على الطبيب أن يكون قدوة حسنة في سلوكه ؛ ومعاملته ؛ مستقيماً في عمله ؛ مستهدفاً المحافظة على أرواح الناس وأعراضهم ؛ متحلياً بالرحمة بهم ؛ وباذلاً قصارى جهده في خدمتهم . ( )
• الصفة الإنسانية للطبيب والسلوك الخاطئ :
غير أن الطبيب – في النهاية – إنسان ؛ والإنسان – كل إنسان- له نزواته وشهواته ونواقصه ومسالبه ؛ ومن هنا يمكن أن ينزلق بعض – وليس كل – الأطباء في منزلق السلوك الخاطئ الذي لا يتفق وصحيح القانون .
ومن هنا فإن مساءلة هؤلاء يجب أن يسعي إليها الأطباء ذاتهم ؛ قبل غيرهم ؛ حتي يظل الثوب الأبيض خالياً من الدنس ؛ ونقياً وناصعاً .
وفي الحقيقة إذا كانت نجاحات الأطباء تسطع سطوع الشمس في وسط النهار ؛ إلا أن أخطائهم تتواري كما تتواري القطة السوداء في ظلمات الليل البهـيم .
• صور السلوك الخاطئ للأطباء :
هذا ؛ وتتعدد صور السلوك الخاطئ للأطباء بتعدد أوجه النشاط الطبي ومن هذه الصور :
• مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص .
• تقديم بيانات غير صحيحة للحصول على الترخيص بمزاولة مهنة الطب .
• استعمال وسيلة دعاية أو انتحال لقب طبيب .
• الإجهاض في غير حالة الضرورة الطبية .
• امتناع الطبيب عن تقديم المساعدة .
• الخطأ الطبي في : الفحص الطبي، والتشخيص، العلاج ، وتنفيذ العلاج والإشراف عليه؛ وتحرير التذكرة الطبية .
• القيام بتحرير تقارير طبية كاذبة .
وسنعالج في هذه الدراسة هذا السلوك الأخير .
• التقارير الطبية بين الصدق والكذب :
هي – في جوهرها – شهادة تعكس الحالة المرضية لمريض معين والإجراءات الطبية والتشخيص والمعالجة التي تتعلق به ؛ كما قد تتعلق بالحالة الصحية أو العمرية لشخص ما ؛ كما قد تتصل ببيان أسباب وفاة شخص بعينه .
1- وبعبارة أكثر تفصيلا ؛ التقارير الطبية هي إقرارات تصدر من طبيب – أو أكثر – تتعلق بغيره ؛ وهي تبين الحالة المرضية والإجراءات الطبية والتشخيص والمعالجة وبيان العاهة ونسبة العطل وتحديد الأجازات المرضية ؛ أو بيان أسباب الوفاة أو تقدير السن أو تقدير سن الفتاة لغايات الزواج ؛ أو بيان لياقة الشخص الصحية للعمل أو شهادة خلو من الأمراض أو شهادة ولادة أو بيان قوة الإبصار أو قوة العقل أو تقرير طبي شرعي عن الإصابات والمسببات ( ) ؛ أو بيان غير ذلك من الأمور الطبية والصحية المتعلقة بشخص معين .
وإذا كانت هذه التقارير صادقة فإنها تؤدي دورها الحقيقي في حركة الحياة ؛ أما إذا كانت كاذبة فإنها تسئ للمجتمع ؛ وتضر بمصالحه ؛ إذ تجعل الوقائع المزيفة ترتدي ثوب الوقائع الحقيقية ؛ فيُعطي الحق إلى غير مستحقيه ؛ وتُنزع الحقوق من أصحابها بدون وجه حق , فتضل العدالة طريقها ؛ ويختل ميزان العدل في يد القاضي .
• المسئولية القانونية عن التقارير الطبية الكاذبة :
لذا لم يكن غريباً أن تسعي التشريعات نحو مجازة كل مَنْ تسول له نفسه تحرير تقارير طبية كاذبة ؛ كما أن هذا السلوك تقف له بالمرصاد تقاليد المهن الطبية العريقة ؛ إذ تساءل مقترف السلوك مهنيا وتأديبيا ( )؛ كما أن المسئولية المدنية يمكن أن تترتب على هذا الفعل متى توافرت الشرائط المتطلبة لقيام هذه المسئولية من : خطأ وضرر ورابطة سببية تصل بينهما . ( )
• خطة البحث :
ويهمنا في هذا المقام أن ندرس المسئولية الجنائية عن التقارير الطبية الكاذبة ؛ وسيكون ذلك من خلال فصلين :
الفصل الأولــ : في تزوير التقارير الطبية .
الفصل الثاني: في التقارير الطبية الكاذبة وجريمتى الشهادة الزور والرشوة .
وستُختتم الدراسة - بإذن الله تعالي- بخاتمة تنطوي على نتائج الدراسة وتوصياتها .
وجدير بالذكر بأن هذه الدراسة ستتخذ المنهج التحليلي الاستقرائي أساساً لها .
الفصل الأول
التزوير في التقارير الطبية
Faux in determinations medical
Faux en rapports médecine
• النصوص القانونية :
تكاد تجمع التشريعات الوضعية المختلفة على التفرقة بين تزوير التقارير الطبية من قبل الأفراد العاديين ؛ وتزويرها من قبل الأطباء أو بوجه عام من قبل المنتمين إلى مهنة طبية أو صحية .
• أولاً : الوضع في القانون العُماني :
ولقد سار على هذا النهج المشرع العُماني ؛ إذ تنص المادة 208 من قانون الجزاء العُماني – الصادر المرسوم السلطاني رقم 7/74 - على أنه :
" يعاقب بعقوبة التزوير في الأوراق الخاصة المنصوص عليها في المادة (205) ( ) من هذا القانون :
1. كل مَنْ أعطى بياناً كاذباً أو إفادة كاذبة خلال ممارسته وظيفة عامة أو خدمة عامة او مهنة طبية أو صحية ، لكي تقدم إلى السلطات الرسمية ، وكان مِنَ شأنها أن تؤدي إلى منفعة غير مشروعة أو أن تلحق الضرر بمصالح أحد الناس .
2. كل مَنْ ارتكب التزوير في مثل هذه البيانات أو الإفادات.
3. كل مَنْ استعمل هذه البيانات أو الإفادات الكاذبة أو المزورة مع علمه بالأمر ".
وتنص المادة 205 من نفس القانون على أنه : " يعاقب بالسجن من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من عشرين ريالا إلى خمسمائة كل من أرتكب التزوير في الأوراق الخاصة ".
كما تنص المادة 187 من ذات القانون على أنه : " تطبق عقوبات المادتين السابقتين على الخبير المعين من قبل القضاء ، أو من قبل الجهات غير القضائية التي يدخل في اختصاصها التحقيق بالجرائم الجزائية ، إذا جزم هذا الخبير بأمر مناف للحقيقة ، أو أوله تأويلا غير صحيح مع علمه بحقيقته ".
• ثانياً : الوضع في القانون المصري :
وفي القانون المصري تنص المواد 221 و 222 و 223 ع على التزوير الذي يقع في الشهادات الطبية :
إذ تنص المادة 221 على أن : " كل شخص صنع بنفسه أو بواسطة شخص آخر شهادة مزورة على ثبوت عاهة لنفسه أو لغيره باسم طبيب أو جراح بقصد أنه يخلص نفسه أو غيره من أي خدمة عمومية يعاقب بالحبس " . ( )
في حين تنص المادة 222 ( ) على أن : " كل طبيب أو جراح أو قابلة أعطى بطريق المجاملة شهادة أو بيانا مزورا بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة مع علمه بتزوير يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه مصري فإذا طلب لنفسه أو لغيره أو اخذ وعداً أو عطية للقيام بشئ من ذلك أو وقع منه الفعل نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعاقب بالعقوبات المقررة في باب الرشوة .
ويعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي أيضا ". ( )
أما المادة 223 فجاء نصها على النحو التالي : " العقوبات المبينة بالمادتين السابقتين يحكم بها أيضا إذا كانت تلك الشهادة معدة لأن تقدم إلى المحاكم ". ( )
• ثالثاً : الوضع في القانون اللبناني :
أما في القانون اللبناني فقد نصت المادة 466 من قانون العقوبات – الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 340 ؛ في 1 آذار ( مارس ) سنة 1943 ؛ وتعدلت هذه المادة بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 112 الصادر في 16/9/1983 م- على أنه : " مَنْ أقدم حال ممارسته وظيفة عامة أو خدمة عامة أو مهنة طبية أو صحية على إعطاء شهادة كاذبة معدة لكي تقدم إلى السلطة العامة أو مِنْ شأنها أن تجر على الغير منفعة غير مشروعة أو أن تلحق الضرر لصالح أحد الناس عوقب بالحبس من شهرين إلى سنتين .
وإذا كانت الشهادة الكاذبة قد أعدت لكي تبرز أمام القضاء أو لتبرر الإعفاء من خدمة عامة فلا ينقص الحبس عن ستة أشهر ".
بينما تنص المادة 471 – المعدلة بموجب القانون رقم 239 الصادر في 27/5/1993م - من نفس القانون على أن : " من ارتكب التزوير في أوراق خاصة بإحدى الوسائل المحددة في المادتين الــ 456 و 457 عوقب بالحبس من سنة إلي ثلاث سنوات وبغرامة أقلها مئة ألف ليرة ".
• رابعاً : الوضع في القانون الإماراتي :
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة نجد أن المادة (219) من قانون العقوبات الاتحادي تنص على أنه : " يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل طبيب أو قابلة أصدر شهادة أو بياناً مزوراً في شأن حمل أو ولادة أو مرض أو عاهة أو وفاة أو غير ذلك مما يتصل بمهنته مع علمه بذلك ولو وقع الفعل نتيجة رجاء أو توصية أو وساطة ".
• خامساً : الوضع في القانون الفرنسي :
هذا ؛ ولا يخرج مضمون المادتين (441/7 ) و( 441/8 ) عقوبات فرنسي عن المعني المتقدم في تجريم تزوير التقارير الطبية .
• حكمة تجريم التزوير في التقارير الطبية :
لا تخفى علة تجريم التزوير في المحررات بوجه عام . فالمجتمعات الحديثة تعتمد على المحررات الرسمية والعرفية في كثير من شئون الحياة . وهذا الاعتماد يرتكز على الثقة في هذه المحررات . الثقة في أنها تعبر عن حقيقة معينة . وعليه فإن المساس بهذه الحقيقة مؤداه فقدان هذه المحررات لوظيفتها الاجتماعية والقانونية معا . وظيفتها الاجتماعية المتمثلة في بث الثقة في نفوس الأفراد من أن حقوقهم وعلاقاتهم محمية ومستقرة طالما دونت في محررات مكتوبة . ووظيفتها القانونية المتجسدة في أن المحررات يعتمد عليها – بضوابط معينة – في القضاء في حسم المنازعات ؛ نظرا لما توفره من أدلة إثبات يقرر لها القانون حجية خاصة . ( )
لذا كان من البديهي ؛ أن يهرع المشرعون إلى حماية الثقة العامة في المحررات ؛ وذلك بإدخال صور السلوك المختلفة التي تمس هذه الثقة في دائرة التجريم ؛ وترتيب جزاءات مشددة لهذا المساس .
وهذه الحكمة تنطبق – بالضرورة – على التزوير في التقارير الطبية باعتبارها ذات دور هام في حياتنا الاجتماعية ؛ فجانب منها يبين مدى وقوع جريمة من عدمه كما هو الحال بالنسبة للتقارير الطبية المتصلة ببيان أسباب الوفاة ؛ وجانب آخر يحدد مقدار حجم النتيجة الإجرامية التي حدثت ؛ كما هو الشأن في التقارير الطبية المتعلقة بجرائم الإيذاء ... إلخ .
• ماهية التزوير :
يمكننا تعريف التزوير بأنه : كل تغيير للحقيقة يحدث بسلوك – إيجابي أو سلبي - بإحدى الطرق التى حددها المشرع ؛ في بيان جوهري في محرر له حجية في الإثبات ؛ مما يؤدى إلى المساس بحق للغير أو مصلحته المشمولة بحماية القانون ( ) .
هذا ولقد عرفه المشرع العُماني بقوله : التزوير هو تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد إثباتها بصك أو بأي مخطوط آخر يشكل مستنداً ، قد ينجم عنه منفعة للنفس أو ضرر للغير مادي أو معنوي أو اجتماعي. ( م 199 من قانون الجزاء العُماني ) .
ويقرب من هذا التعريف تعريف المشرع اللبناني للتزوير بأنه : " تحريف متعمد للحقيقة ، في الوقائع أو البيانات التي يثبتها صك أو مخطوط يشكل مستنداً ، بدافع إحداث ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي " ( م 453 من قانون العقوبات اللبناني ؛ المعدلة بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 112 في 16/9/ 1983 م ) .
ويبين من هذه التعريفات أن للتزوير بوجه عام – وهو ما ينطبق بالضرورة على التزوير في التقارير الطبية - ركنين ؛ هما : الركن المادي والركن المعنوي . ويضاف إلى ذلك ركنا مفترضا يتمثل فى : التقارير الطبية بحسبانها المحل الذي يقع عليه التزوير .
• وسنخصص لكل ركن من هذه الأركان الثلاثة مبحثاً مستقلاً .
______________
**** إذا كانت الوقاية خير من العلاج ....
فإن .....
نشر الوعي القانوني ....
لدي الأطباء يقيهم ......
شر الوقوع في الأخطاء الطبية .
الباحث
• الطب مهنة إنسانية :
لا مراء في أن مهنة الطب مهنة إنسانية وأخلاقية وعلمية ؛ وهي مهنة تمتد جذورها إلى أعمق أعماق التاريخ ؛ فهي قديمة قدم الإنسان ذاته ؛ وهذا القدم جعلها تكتسب – عبر الحقب التاريخية المختلفة – تقاليد ومواصفات توجب على مَنْ يمارسها أن يخدم شخصية الإنسان في كافة الظروف والأحوال ؛ علاوة على أنه يتعين على الطبيب أن يكون قدوة حسنة في سلوكه ؛ ومعاملته ؛ مستقيماً في عمله ؛ مستهدفاً المحافظة على أرواح الناس وأعراضهم ؛ متحلياً بالرحمة بهم ؛ وباذلاً قصارى جهده في خدمتهم . ( )
• الصفة الإنسانية للطبيب والسلوك الخاطئ :
غير أن الطبيب – في النهاية – إنسان ؛ والإنسان – كل إنسان- له نزواته وشهواته ونواقصه ومسالبه ؛ ومن هنا يمكن أن ينزلق بعض – وليس كل – الأطباء في منزلق السلوك الخاطئ الذي لا يتفق وصحيح القانون .
ومن هنا فإن مساءلة هؤلاء يجب أن يسعي إليها الأطباء ذاتهم ؛ قبل غيرهم ؛ حتي يظل الثوب الأبيض خالياً من الدنس ؛ ونقياً وناصعاً .
وفي الحقيقة إذا كانت نجاحات الأطباء تسطع سطوع الشمس في وسط النهار ؛ إلا أن أخطائهم تتواري كما تتواري القطة السوداء في ظلمات الليل البهـيم .
• صور السلوك الخاطئ للأطباء :
هذا ؛ وتتعدد صور السلوك الخاطئ للأطباء بتعدد أوجه النشاط الطبي ومن هذه الصور :
• مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص .
• تقديم بيانات غير صحيحة للحصول على الترخيص بمزاولة مهنة الطب .
• استعمال وسيلة دعاية أو انتحال لقب طبيب .
• الإجهاض في غير حالة الضرورة الطبية .
• امتناع الطبيب عن تقديم المساعدة .
• الخطأ الطبي في : الفحص الطبي، والتشخيص، العلاج ، وتنفيذ العلاج والإشراف عليه؛ وتحرير التذكرة الطبية .
• القيام بتحرير تقارير طبية كاذبة .
وسنعالج في هذه الدراسة هذا السلوك الأخير .
• التقارير الطبية بين الصدق والكذب :
هي – في جوهرها – شهادة تعكس الحالة المرضية لمريض معين والإجراءات الطبية والتشخيص والمعالجة التي تتعلق به ؛ كما قد تتعلق بالحالة الصحية أو العمرية لشخص ما ؛ كما قد تتصل ببيان أسباب وفاة شخص بعينه .
1- وبعبارة أكثر تفصيلا ؛ التقارير الطبية هي إقرارات تصدر من طبيب – أو أكثر – تتعلق بغيره ؛ وهي تبين الحالة المرضية والإجراءات الطبية والتشخيص والمعالجة وبيان العاهة ونسبة العطل وتحديد الأجازات المرضية ؛ أو بيان أسباب الوفاة أو تقدير السن أو تقدير سن الفتاة لغايات الزواج ؛ أو بيان لياقة الشخص الصحية للعمل أو شهادة خلو من الأمراض أو شهادة ولادة أو بيان قوة الإبصار أو قوة العقل أو تقرير طبي شرعي عن الإصابات والمسببات ( ) ؛ أو بيان غير ذلك من الأمور الطبية والصحية المتعلقة بشخص معين .
وإذا كانت هذه التقارير صادقة فإنها تؤدي دورها الحقيقي في حركة الحياة ؛ أما إذا كانت كاذبة فإنها تسئ للمجتمع ؛ وتضر بمصالحه ؛ إذ تجعل الوقائع المزيفة ترتدي ثوب الوقائع الحقيقية ؛ فيُعطي الحق إلى غير مستحقيه ؛ وتُنزع الحقوق من أصحابها بدون وجه حق , فتضل العدالة طريقها ؛ ويختل ميزان العدل في يد القاضي .
• المسئولية القانونية عن التقارير الطبية الكاذبة :
لذا لم يكن غريباً أن تسعي التشريعات نحو مجازة كل مَنْ تسول له نفسه تحرير تقارير طبية كاذبة ؛ كما أن هذا السلوك تقف له بالمرصاد تقاليد المهن الطبية العريقة ؛ إذ تساءل مقترف السلوك مهنيا وتأديبيا ( )؛ كما أن المسئولية المدنية يمكن أن تترتب على هذا الفعل متى توافرت الشرائط المتطلبة لقيام هذه المسئولية من : خطأ وضرر ورابطة سببية تصل بينهما . ( )
• خطة البحث :
ويهمنا في هذا المقام أن ندرس المسئولية الجنائية عن التقارير الطبية الكاذبة ؛ وسيكون ذلك من خلال فصلين :
الفصل الأولــ : في تزوير التقارير الطبية .
الفصل الثاني: في التقارير الطبية الكاذبة وجريمتى الشهادة الزور والرشوة .
وستُختتم الدراسة - بإذن الله تعالي- بخاتمة تنطوي على نتائج الدراسة وتوصياتها .
وجدير بالذكر بأن هذه الدراسة ستتخذ المنهج التحليلي الاستقرائي أساساً لها .
الفصل الأول
التزوير في التقارير الطبية
Faux in determinations medical
Faux en rapports médecine
• النصوص القانونية :
تكاد تجمع التشريعات الوضعية المختلفة على التفرقة بين تزوير التقارير الطبية من قبل الأفراد العاديين ؛ وتزويرها من قبل الأطباء أو بوجه عام من قبل المنتمين إلى مهنة طبية أو صحية .
• أولاً : الوضع في القانون العُماني :
ولقد سار على هذا النهج المشرع العُماني ؛ إذ تنص المادة 208 من قانون الجزاء العُماني – الصادر المرسوم السلطاني رقم 7/74 - على أنه :
" يعاقب بعقوبة التزوير في الأوراق الخاصة المنصوص عليها في المادة (205) ( ) من هذا القانون :
1. كل مَنْ أعطى بياناً كاذباً أو إفادة كاذبة خلال ممارسته وظيفة عامة أو خدمة عامة او مهنة طبية أو صحية ، لكي تقدم إلى السلطات الرسمية ، وكان مِنَ شأنها أن تؤدي إلى منفعة غير مشروعة أو أن تلحق الضرر بمصالح أحد الناس .
2. كل مَنْ ارتكب التزوير في مثل هذه البيانات أو الإفادات.
3. كل مَنْ استعمل هذه البيانات أو الإفادات الكاذبة أو المزورة مع علمه بالأمر ".
وتنص المادة 205 من نفس القانون على أنه : " يعاقب بالسجن من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من عشرين ريالا إلى خمسمائة كل من أرتكب التزوير في الأوراق الخاصة ".
كما تنص المادة 187 من ذات القانون على أنه : " تطبق عقوبات المادتين السابقتين على الخبير المعين من قبل القضاء ، أو من قبل الجهات غير القضائية التي يدخل في اختصاصها التحقيق بالجرائم الجزائية ، إذا جزم هذا الخبير بأمر مناف للحقيقة ، أو أوله تأويلا غير صحيح مع علمه بحقيقته ".
• ثانياً : الوضع في القانون المصري :
وفي القانون المصري تنص المواد 221 و 222 و 223 ع على التزوير الذي يقع في الشهادات الطبية :
إذ تنص المادة 221 على أن : " كل شخص صنع بنفسه أو بواسطة شخص آخر شهادة مزورة على ثبوت عاهة لنفسه أو لغيره باسم طبيب أو جراح بقصد أنه يخلص نفسه أو غيره من أي خدمة عمومية يعاقب بالحبس " . ( )
في حين تنص المادة 222 ( ) على أن : " كل طبيب أو جراح أو قابلة أعطى بطريق المجاملة شهادة أو بيانا مزورا بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة مع علمه بتزوير يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه مصري فإذا طلب لنفسه أو لغيره أو اخذ وعداً أو عطية للقيام بشئ من ذلك أو وقع منه الفعل نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعاقب بالعقوبات المقررة في باب الرشوة .
ويعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي أيضا ". ( )
أما المادة 223 فجاء نصها على النحو التالي : " العقوبات المبينة بالمادتين السابقتين يحكم بها أيضا إذا كانت تلك الشهادة معدة لأن تقدم إلى المحاكم ". ( )
• ثالثاً : الوضع في القانون اللبناني :
أما في القانون اللبناني فقد نصت المادة 466 من قانون العقوبات – الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 340 ؛ في 1 آذار ( مارس ) سنة 1943 ؛ وتعدلت هذه المادة بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 112 الصادر في 16/9/1983 م- على أنه : " مَنْ أقدم حال ممارسته وظيفة عامة أو خدمة عامة أو مهنة طبية أو صحية على إعطاء شهادة كاذبة معدة لكي تقدم إلى السلطة العامة أو مِنْ شأنها أن تجر على الغير منفعة غير مشروعة أو أن تلحق الضرر لصالح أحد الناس عوقب بالحبس من شهرين إلى سنتين .
وإذا كانت الشهادة الكاذبة قد أعدت لكي تبرز أمام القضاء أو لتبرر الإعفاء من خدمة عامة فلا ينقص الحبس عن ستة أشهر ".
بينما تنص المادة 471 – المعدلة بموجب القانون رقم 239 الصادر في 27/5/1993م - من نفس القانون على أن : " من ارتكب التزوير في أوراق خاصة بإحدى الوسائل المحددة في المادتين الــ 456 و 457 عوقب بالحبس من سنة إلي ثلاث سنوات وبغرامة أقلها مئة ألف ليرة ".
• رابعاً : الوضع في القانون الإماراتي :
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة نجد أن المادة (219) من قانون العقوبات الاتحادي تنص على أنه : " يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل طبيب أو قابلة أصدر شهادة أو بياناً مزوراً في شأن حمل أو ولادة أو مرض أو عاهة أو وفاة أو غير ذلك مما يتصل بمهنته مع علمه بذلك ولو وقع الفعل نتيجة رجاء أو توصية أو وساطة ".
• خامساً : الوضع في القانون الفرنسي :
هذا ؛ ولا يخرج مضمون المادتين (441/7 ) و( 441/8 ) عقوبات فرنسي عن المعني المتقدم في تجريم تزوير التقارير الطبية .
• حكمة تجريم التزوير في التقارير الطبية :
لا تخفى علة تجريم التزوير في المحررات بوجه عام . فالمجتمعات الحديثة تعتمد على المحررات الرسمية والعرفية في كثير من شئون الحياة . وهذا الاعتماد يرتكز على الثقة في هذه المحررات . الثقة في أنها تعبر عن حقيقة معينة . وعليه فإن المساس بهذه الحقيقة مؤداه فقدان هذه المحررات لوظيفتها الاجتماعية والقانونية معا . وظيفتها الاجتماعية المتمثلة في بث الثقة في نفوس الأفراد من أن حقوقهم وعلاقاتهم محمية ومستقرة طالما دونت في محررات مكتوبة . ووظيفتها القانونية المتجسدة في أن المحررات يعتمد عليها – بضوابط معينة – في القضاء في حسم المنازعات ؛ نظرا لما توفره من أدلة إثبات يقرر لها القانون حجية خاصة . ( )
لذا كان من البديهي ؛ أن يهرع المشرعون إلى حماية الثقة العامة في المحررات ؛ وذلك بإدخال صور السلوك المختلفة التي تمس هذه الثقة في دائرة التجريم ؛ وترتيب جزاءات مشددة لهذا المساس .
وهذه الحكمة تنطبق – بالضرورة – على التزوير في التقارير الطبية باعتبارها ذات دور هام في حياتنا الاجتماعية ؛ فجانب منها يبين مدى وقوع جريمة من عدمه كما هو الحال بالنسبة للتقارير الطبية المتصلة ببيان أسباب الوفاة ؛ وجانب آخر يحدد مقدار حجم النتيجة الإجرامية التي حدثت ؛ كما هو الشأن في التقارير الطبية المتعلقة بجرائم الإيذاء ... إلخ .
• ماهية التزوير :
يمكننا تعريف التزوير بأنه : كل تغيير للحقيقة يحدث بسلوك – إيجابي أو سلبي - بإحدى الطرق التى حددها المشرع ؛ في بيان جوهري في محرر له حجية في الإثبات ؛ مما يؤدى إلى المساس بحق للغير أو مصلحته المشمولة بحماية القانون ( ) .
هذا ولقد عرفه المشرع العُماني بقوله : التزوير هو تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد إثباتها بصك أو بأي مخطوط آخر يشكل مستنداً ، قد ينجم عنه منفعة للنفس أو ضرر للغير مادي أو معنوي أو اجتماعي. ( م 199 من قانون الجزاء العُماني ) .
ويقرب من هذا التعريف تعريف المشرع اللبناني للتزوير بأنه : " تحريف متعمد للحقيقة ، في الوقائع أو البيانات التي يثبتها صك أو مخطوط يشكل مستنداً ، بدافع إحداث ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي " ( م 453 من قانون العقوبات اللبناني ؛ المعدلة بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 112 في 16/9/ 1983 م ) .
ويبين من هذه التعريفات أن للتزوير بوجه عام – وهو ما ينطبق بالضرورة على التزوير في التقارير الطبية - ركنين ؛ هما : الركن المادي والركن المعنوي . ويضاف إلى ذلك ركنا مفترضا يتمثل فى : التقارير الطبية بحسبانها المحل الذي يقع عليه التزوير .
• وسنخصص لكل ركن من هذه الأركان الثلاثة مبحثاً مستقلاً .
______________