المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حق العودة والقانون الدولي ـــ د.غازي حسين



Bakenam
02-14-2009, 03:43 PM
حق العودة والقانون الدولي ـــ د.غازي حسين

أقر المؤتمر الصهيوني الأول أن استعمار فلسطين العربية وتهويدها الهدف الاستراتيجي للحركة الصهيونية. وزعم القادة المؤسسون الصهاينة أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وإنها وطن جميع اليهود في العالم.‏

وقررت الحركة الصهيونية ترحيل الشعب العربي الفلسطيني. وشكلت الوكالة اليهودية بفلسطين أو لجنة للترحيل عام 1937. ووضعت الهاغاناه خطة أدت في الأربعينات من القرن العشرين لترحيل أصحاب البلاد الأصليين وسكانها الشرعيين من مدنهم وقرانهم من منطقة الدولة اليهودية إلى البلدان العربية المجاورة لفلسطين.‏

نشأت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي حق العودة بسبب الأطماع والمخططات الصهيونية في الأرض والثروات العربية، وبسبب المخططات العدوانية والتوسعية للصهيونية العالمية، وبسبب قرار التقسيم رقم 181 غير الشرعي، وإقامة "إسرائيل" بموجبه، وبسبب الحرب العدوانية التي أشعلتها إسرائيل عام 1948 والمجازر الجماعية التي ارتكبتها وترحيلها (900) ألف من مدنهم وقراهم.‏

حق العودة من الحقوق الطبيعية للفرد والجماعة‏

إن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي رحلوا منها حق شرعي وعادل ومقدس، وحق أساسي من حقوق الإنسان كرسته العهود والمواثيق والقرارات الدولية، ومنها القرار 194 والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، والعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 وعشرات القرارات أكدت فيها الأمم المتحدة على القرار 194.‏

وينبع حق أيضاً العودة من حق تقرير المصير وقدسية الملكية الخاصة وعدم زوالها بالاحتلال أو بتغيير السيادة، وهو حق طبيعي، لا تجوز فيه النيابة أو التمثيل، ولا تلغيه اتفاقات الإذعان، لذلك لا يجوز للمنظمات أو الحكومات أو حتى مؤتمرات القمم العربية والدولية التنازل عنه، لأنه يتعلق بقاعدة آمرة في القانون الدولي.‏

وانطلاقاً من قواعد القانون الدولي يتصف هذا الحق بأنه حق فردي يملكه اللاجئ نفسه أولاً، وبأنه حق جماعي في الوقت نفسه انطلاقاً من حق الشعوب والأمم في تقرير المصير الوارد في ديباجة الميثاق. ويتضمن قرار الأمم المتحدة رقم 194 حق العودة والتعويض عما أصاب ولحق باللاجئين من خسائر بشرية ومادية ونفسية ومعنوية وتعليمية واجتماعية بفعل حروب ومجازر "إسرائيل" الجماعية واستغلالها أراضيهم وأملاكهم وثرواتهم. ويكمّل استعادة الأملاك والتعويض حق العودة ويرتبط به ارتباطاً وثيقاً انطلاقاً من العديد من العهود والاتفاقيات الدولية التي تكرست ومنها اتفاقية بوتسدام التي وقعها الحلفاء عام 1945 حول ألمانيا واتفاقية التعويضات الألمانية ـ الإسرائيلية لعام 1952 وملحقاتها حتى سقوط جدار برلين واستعادة اليهود لأملاكهم في القسم الشرقي من ألمانيا على الرغم من التعويضات التي قبضوها ثلاث مرات، مرة من ألمانيا النازية بموجب اتفاقية هافارا، وأخرى من اتفاقية التعويضات عام 1952 وحتى 1966 وقبضت "إسرائيل" والمؤتمر اليهودي العالمي واليهود تعويضات ألمانية زادت عن (350) مليار مارك، والمرة الثالثة عندما استعادوا أملاكهم في برلين الشرقية بعد انهيار ألمانيا الشرقية.‏

جرت الأعراف والتقاليد حتى قبل تأسيس الأمم المتحدة وقبل الموافقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن حق كل شخص في العودة إلى منزله في وطنه واحد من حقوق الإنسان الأساسية. وكان فقهاء القانون الدولي يولون تأمين حق أي شخص في مغادرة بلده بحرية اهتماماً خاصاً واعتبار أن الحق في العودة إلى منزله نتيجة طبيعية لحق المواطن الأساسي في حرية التنقل والعودة. واعتبر الفقهاء أن العودة للأفراد الذين يرغمون على مغادرة وطنهم بسبب قوة قاهرة كالحرب ملزمة، ولا مجال للطعن في حقهم في العودة إلى منازلهم. وكان هذا المبدأ من المبادئ الطبيعية للإنسان ولحقه الأساسي في الحياة. ويعتبر هذا الحق من الحقوق الشخصية للفرد، ولكنه يصبح جماعياً إذا ما تعرضت مجموعة كبيرة من شعب من الشعوب للترحيل من ديارها ومحاولة إجبارها على التوطين خارج وطنها وإحلال غرباء عن المنطقة دخلاء عليها محلهم.‏

نتجت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عن مخطط الترحيل الصهيوني الذي وافق عليه المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرون في مدينة زوريخ وشكلت الوكالة اليهودية في نفس العام أول لجنة للترحيل، لترحيل الفلسطينيين من وطنهم وإحلال المهاجرين اليهود محلهم، وإقامة إسرائيل على أساس عنصري استعماري، كدولة لجميع اليهود في العام وكمركز لليهودية العالمية.‏

حق العودة في قرار التقسيم رقم 181‏

تضمن قرار التقسيم أحكاماً لتأمين حقوق الأقليات التي كان يتوقع أن يسفر عنها تقسيم فلسطين، إذ كان من المتوقع أن يكون عدد اليهود في الدولة اليهودية مساوياً لعدد العرب فيها 498 ألف يهودي مقابل 497 ألف عربي. وبما أن إسرائيل أقيمت بموجب قرار التقسيم فإنها ملزمة بتطبيق الأحكام والمسؤوليات تجاه العرب فيها بموجب الحدود التي رسمها القرار. وبالتالي فإن ترحيل أو تهجير هؤلاء لا يمكن أن يعفي إسرائيل من مسؤولياتها بصورة آلية من تمكين اللاجئين الفلسطينيين من ممارسة حقهم في العودة ودفع التعويضات لهم بموجب القانون الدولي.‏

ينص الفصل الثاني من قرار التقسيم تحت عنوان "الحقوق الدينية وحقوق الأقلية" على ما يلي:‏

"2 ـ لا تمييز بين السكان من أي نوع، على أساس العرق أو الدين أو اللغة أو الجنس.‏

3 ـ يكون لجميع الأشخاص الخاضعين لولاية الدولة الحق في حماية القانون بالتساوي.‏

8 ـ لا يسمح بمصادرة أي أرض تخص عربياً في الدولة اليهودية، أو يهودياً في الدولة العربية، إلاّ للمنفعة العامة، وفي جميع الحالات المصادرة يدفع تعويض كامل عنها قبل نزع الملكية، كما تحدده ذلك المحكمة العليا".‏

كان من المقرر أن تورد هذه الأحكام الأساسية حول حقوق الأقليات وعدم التمييز على أساس العنصر أو الدين أو اللغة أو الجنس والمساواة أمام القانون وعدم مصادرة الأراضي إلاّ للمنفعة العامة ودفع التعويضات الكاملة عما تتم مصادرته قبل نزع الملكية في القوانين الأساسية للدولتين العربية واليهودية، بحيث لا يجوز لأي قانون أو مرسوم أو إجراء رسمي يتعارض مع هذه الأحكام الأساسية، كما لا يجوز لأي قانون أو إجراء رسمي داخلي أن يعلو عليها.‏

ولكن إسرائيل ضربت بهذه الأحكام الأساسية بعرض الحائط وتمارس العنصرية والتمييز العنصري في قوانينها وممارساتها ومصادرة الأراضي في الأراضي الفلسطينية المحتلة في عامي 1948 و1967.‏

لقد نتج عن الحرب العالمية الثانية نشوء قضية اللاجئين، لذلك بذلت الأمم المتحدة الجهود لإقرار مبدأ حق العودة للاجئ (المشرد) إلى وطنه، حيث أقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة في 21 حزيران 1946 في ديباجة ميثاق المنظمة الدولية للاجئين ما يلي:‏

"فيما يتعلق بالمشردين، تتمثل المهمة الرئيسية الواجب تنفيذها في التشجيع على عودتهم المبكرة إلى بلدهم الأصلي والمساعدة على ذلك بكل طريقة ممكنة".‏

وجاءت المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 تنص على أنه "يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه".‏

حق العودة والأمم المتحدة‏

نص قرار التقسيم رقم 181 على إقامة دولة عربية وأخرى يهودية في فلسطين. وكان عدد الفلسطينيين في الدولة اليهودية يعادل عدد اليهود فيها. قررت "إسرائيل" طردهم من مدنهم وقراهم داخل حدود الدولة اليهودية لجعلها دولة يهودية عنصرية خالصة.‏

فارتكبت حوالي (80) مجزرة جماعية وأشعلت حرب عام 1948 وحققت التطهير العرقي جراء الحرب العدوانية التي أشعلتها وقات بترحيل (900) ألف من ديارهم لإحلال مهاجرين يهود محلهم.‏

إذاً نشأت قضية اللاجئين من قرار التقسيم غير الشرعي وغير العادل الذي تم على حساب الحقوق الوطنية والقومية والدينية للشعب الفلسطيني، وجراء عدم لالتزام بنصوص قرار التقسيم، وجراء المجازر والحرب العدوانية التي قادت إلى تأسيس الكيان الصهيوني كمحطة أولى على طريق تحقيق المشروع الصهيوني.‏

كان تقسيم فلسطين العربية مجحفاً وغير قانوني، حيث جاء المهاجر اليهودي وأخذ من الفلسطيني بالقوة منزلـه وأرضه ووطنه وممتلكاته ورحّله خارجه لاستقبال المزيد من المهاجرين اليهود وزرعهم في فلسطين. واستغلت الصهيونية جرائم النازية ضد اليهود غير الصهاينة لتبرير اغتصاب 78% من فلسطين وترحيل شعبها والسعي لإجبار البلدان العربية على توطينهم فيها.‏

وجاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 في دورتها الثالثة بتاريخ 11 كانون الأول 1948 ليصحح الظلم الذي سببته الأمم المتحدة في قرار التقسيم ونص على حق اللاجئين في العودة والتعويض.‏

إن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم حق أساسي من حقوق الإنسان، نابع من حرمة الملكية الخاصة، وحق غير قابل للتصرف ولا يسقط بالتقادم، وهو حق شخصي لا تجوز فيه النيابة أو التنازل، وحق جماعي أيضاً انطلاقاً من حق الشعوب والأمم في تقرير المصير.‏

وعندما تقدمت إسرائيل بطلب للانضمام إلى عضوية المنظمة الدولية رفض الطلب في المرة الأولى، لأن بعض الدول الأعضاء ومنها كندا اشترطت على إسرائيل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين بما فيها القرار 194 الذي ينص على حق العودة والتعويض.‏

وكعادة "إسرائيل" في التضليل وعدم الصدقية في تنفيذ الاتفاقات الموقعة وقعت بروتوكول لوزان وتعهدت بموجبه بتنفيذ القرار 194 بالسماح للاجئين في العودة إلى ديارهم. وتقدمت بطلبها الثاني لقبولها في عضوية الأمم المتحدة، ووافقت الجمعية العامة بالقرار 273 في 11 أيار 1949 على قبول "إسرائيل" في عضويتها شريطة تنفيذ القرارين 181 و194 وجاء فيه:‏

"إن الجمعية العامة إذ تشير إلى قراريها الصادرين في 29 تشرين الثاني رقم 181 وفي 11كانون الأول رقم 194، وإذ تحيط علماً بالتصريحات والإيضاحات التي صدرت عن ممثل حكومة إسرائيل أمام اللجنة السياسية المؤقتة فيما يتعلق بتطبيق القرارات المذكورة فإن الجمعية العامة تقرران تقبل إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة".‏

ولكن بعد أن دخلت في عضوية الأمم المتحدة تنكرت على الفور للتعهدات والالتزامات التي قطعتها على نفسها أمام المنظمة الدولية ورفضت العودة إلى حدود التقسيم والسماح للاجئين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم.‏

حق العودة والوسيط الدولي الكونت برنادوت‏

عينت الأمم المتحدة بموجب قرار الجمعية العامة رقم 186 بتاريخ 14 أيار 1948 الكونت برنادوت وسيطاً دولياً لفلسطين بعد أن سمته لجنة مكّونة من مندوبي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.‏

وخوّلته القيام بالخدمات العامة الضرورية لسلامة سكان فلسطين ورفاهيتهم وتأمين حماية الأماكن المقدسة وتشجيع إيجاد تعديل سلمي على مستقبل الوضع في فلسطين.‏

جاء في التقرير الذي وضعه برنادوت للأمم المتحدة عن وضع اللاجئين الفلسطينيين جراء الحرب التي أشعلتها إسرائيل ما يلي:‏

"كانت من نتيجة أعمال القتال في فلسطين تشريد عدد هائل من الأشخاص عن ديارهم.... وقد جاء معظم هؤلاء اللاجئين من أرض كان من المقرر، بمقتضى (القرار 181) أن تشملها الدولة اليهودية.‏

وكان نزوح العرب الفلسطينيين نتيجة للفزع الذي أثاره نشوب القتال في مدنهم وقراهم، وعن إشاعات تتصل بادعاءات حقيقية أو مزعومة عن قيام أعمال إرهابية أو عمليات طرد".‏

انطلاقاً من الوثائق الصهيونية قررت الوكالة اليهودية وبعدها إسرائيل طرد جميع الفلسطينيين من أراضي الدولة اليهودية لاقامة غيتو يهودي عنصري خالص من أهم المناطق الاستراتيجية والمدن والقرى الفلسطينية الأساسية كمدينة يافا واللد والرملة وغيرها من البلدان والقرى الفلسطينية.‏

ويستنتج من هذه العبارة الواردة في تقرير برنادوت أن المجازر الجماعية كمجزرة دير ياسين لعبت دوراً بل دوراً أساسياً في عملية الترحيل وتهجير الفلسطينيين إلى الأردن وسورية ولبنان.‏

وجاء في تقريره أنه "منذ البداية، تمسكت برأي ثابت مفاده أنه ينبغي تثبيت حق هؤلاء اللاجئين في العودة إلى ديارهم في أبكر تاريخ ممكن عملياً. قدمتُ إلى وزير خارجية حكومة إسرائيل المؤقتة في 26 تموز 1948 اقتراحاً جاء فيه "دون مساس بمسألة الحق النهائي في عودة جميع اللاجئين العرب إلى ديارهم في فلسطين الواقعة تحت السيطرة اليهودية إذا رغبوا بذلك، أن يتم القبول بمبدأ السماح لعدد محدود من بين من قد يرغبون في العودة، وهو عدد يحدد بالتشاور مع الوسيط، بالعودة إلى ديارهم اعتباراً من 15 آب 1948".‏

رفضت إسرائيل النظر في توصيات الوسيط الدولي حول تطبيق حق العودة ويورد تقرير برنادوت سبب الرفض الإسرائيلي ويقول أن الحكومة الإسرائيلية رفضت مقترحاته وأشارت أنه "لا يمكن للحكومة أن تنظر في هذه المشكلة إلا حين تكون الدول العربية مستعدة لعقد معاهدة صلح مع دولة إسرائيل". وبالتالي لجأت "إسرائيل" كعادتها في الكذب والتضليل والخداع وكسب الوقت وربطت بين تنفيذها لحق العودة بعقد الدول العربية معاهدات صلح معها، وذلك لكسب الوقت وتخليد الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والأمر الواقع بمرور الزمن. ولكن الوسيط الدولي السويدي الجنسية أصر على وجوب تثبُّت الأمم المتحدة بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، وجاء في تقريره الذي وافقت عليه الأمم المتحدة بعد اغتياله ما يلي: "بالرغم مما أعربتْ عنه حكومة إسرائيل المؤقتة من آراء، فإن رأيي الثابت هو وجوب تأكيد حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم في أبكر تاريخ ممكن عملياً".‏

ومضى الوسيط الدولي يقول: "بيد أن مما لا يمكن نكرانه أن أي تسوية لا يمكن أن تكون عادلة وكاملة إذا لم يتم الاعتراف بحق اللاجئ العربي في العودة إلى الدار التي أخرجته منها مخاطر واستراتيجية النزاع بين العرب واليهود في فلسطين". وتابع برنادوت يقول:‏

"وإنها ستكون إساءة إلى مبادئ العدالة الأساسية إذا ما أنكر على هذه الضحايا البريئة للنزاع حق العودة إلى ديارها في حين يتدفق المهاجرون اليهود على فلسطين، بل الواقع أنه يهدد بالتشريد الدائم للاجئين العرب الذين استقرت جذورهم في هذه الأرض طيلة قرون".‏

وتجلى صدق وعدالة وإيمان برنادوت بمبادئ الأمم المتحدة بتأكيده في التقرير حقيقة المعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني و حمّل "إسرائيل" المسؤولية التاريخية عن مشكلة اللاجئين وقال:‏

"لقد وصلت تقارير عديدة من مصادر موثوق بها عن وقوع عمليات سلب ونهب واختلاس واسعة النطاق، وحالات كانت تدمر فيها القرى دون ضرورة عسكرية ظاهرة. ومسؤولية حكومة "إسرائيل" المؤقتة عن إعادة الممتلكات الخاصة إلى أصحابها العرب وعن التعويض على هؤلاء المالكين عن ممتلكاتهم التي دمرت باستهتار مسؤولية واضحة. "وبالتالي حمّل الوسيط الدولي "إسرائيل" المسؤولية عن الإضرار وطالب بإلزامها بدفع التعويضات.‏

وأكّد الوسيط الدولي مسؤولية الأمم المتحدة في التأكيد على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وجاء في توصياته للمنظمة الدولية:‏

"وينبغي للأمم المتحدة أن تؤكد حق اللاجئين العرب في العودة إلى ديارهم في الأراضي الواقعة تحت السيطرة اليهودية في أبكر تاريخ ممكن عملياً، كما ينبغي للجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة أن تقوم بالإشراف والمساعدة في إعادتهم إلى وطنهم، وإعادة تأهيلهم وتوطينهم وتأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً، ودفع تعويض كاف عن ممتلكات من يختارون عدم العودة".‏

دفع الوسيط الدولي حياته ثمناً لتأكيده وجوب قيام الأمم المتحدة بحمل "إسرائيل" على تنفيذ حق العودة اللاجئين الفلسطينيين والتعويض عن الخسائر التي سببتها. ووافقت على موقفه من حق العودة وثبتته رسمياً بعد اغتياله في قرار الجمعية العامة رقم 194.‏

إسرائيل واغتيال برنادوت بسبب موقفه من حق العودة‏

قدم الوسيط الدولي مقترحاته حول الوضع في فلسطين إلى الأمم المتحدة في 27 حزيران 1948 ونصت النقطة التاسعة من التقرير على حق اللاجئين في العودة واسترجاع ممتلكاتهم وجاءت حرفياً على الشكل التالي:‏

"لسكان فلسطين إذا غادروها بسبب الظروف المترتبة على النزاع القائم الحق في العودة إلى بلادهم دون قيد واسترجاع ممتلكاتهم". وتضمنت مقترحاته ضم القدس والنقب للدولة الفلسطينية.‏

رفضت إسرائيل مقترحات الوسيط الدولي وأيدتها بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية.‏

وأنجز برنادوت صيغة معدلة عرفت باسم "مشروع برنادوت" وبعثه قبل اغتياله بأيام إلى الأمين العام للأمم المتحدة. غضبت إسرائيل مجدداً من مشروعه وزعمت أنه فعل ذلك خدمة لبريطانيا وهو عميل لها. وشن الصهاينة حرباً إعلامية شرسة عليه. وأرسل برنادوت مشروعه إلى الأمم المتحدة وتوجه في 17 أيلول من مطار بيروت إلى مطار قلندية العربي في القدس. ثم إلى رام الله. واجتمع مع قائد القوات الأردنية، الذي أمر بتأمين حراسة مصفحة له إلى القدس حتى الشطر الغربي الذي احتلته إسرائيل. وتسلمت حراسته مجموعة إسرائيلية ورافقه ضابط الاتصال الإسرائيلي الكابتن هيلمان الذي جلس في السيارة الأولى من الموكب المؤلف من ثلاث سيارات وجلس الكولونيل الفرنسي سيرو، رئيس المراقبين الدوليين في القدس بجانب برنادوت في السيارة الثالثة. مرت القافلة من نقطتين إسرائيليتين للتفتيش داخل الشطر الغربي من القدس المحتلة ولم تتوقف، لأن الإسرائيلي هيلمان كان يطل من السيارة الأولى ليتعرّف الحرس الإسرائيلي عليه.‏

فوجئ الموكب بسيارة جيب إسرائيلية تقف في عرض الطريق. وتحدث هيلمان مع المسلحين وأخبرهم‏

بأنها قافلة الوسيط الدولي برنادوت. طلب المسلحون الإسرائيليون هويات الركاب في القافلة.‏

وعندما عرفوا شخصية برنادوت أطلقوا عليه الرصاص فمات على الفور، وأصيب الكولونيل سيرو بجراح خطيرة توفي على أثرها.‏

ثبت فيما بعد أن المجرمين هم من عصابة شتيرن الإرهابية التي كان يرأسها السفاح اسحق شامير، رئيس الوزراء الإسرائيلي فيما بعد.‏

سادت موجة غضب واستنكار شديدين في أوساط أعضاء مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، ولكن اليهود كعادتهم في الكذب والتضليل أعلن بن غوريون، رئيس الوزراء الإسرائيلي "إن العملية الإجرامية التي قامت بها عصابة شتيرن المتمردة والخارجة عن القيادة الإسرائيلية باغتيال برنادوت لاقت أشد الألم والاستنكار لدى الحكومة وأنها ستعاقب القتلة".‏

ألقت إسرائيل القبض على القتلة، وأعلن بن غوريون أن المحكمة الإسرائيلية حكمت على القتلة بالسجن المؤبد وسيقضي هؤلاء المجرمون حياتهم بين قضبان الزنازين.‏

أمضى الإرهابيون اليهود عدة أشهر بالسجن ثم أصدرت حكومة بن غوريون قراراً بالعفو عنهم.‏

وكافأهم الشعب الإسرائيلي على جريمتهم باغتيال الوسيط الدولي بانتخاب ناتان فريدمان قائد المجموعة الإرهابية عضواً في الكنيست في أول انتخابات جرت عام 1949.‏

وهكذا انتهت مقترحات برنادوت حول حق العودة والقدس والنقب بمقتله.‏

على إثر جريمة الاغتيال عقد مجلس الأمن الدولي في 18 أيلول 1948 جلسة خاصة واتخذ القرار 57 الذي يعرب عن الصدمة العنيفة التي أصيب بها مجلس الأمن جراء اغتيال برنادوت وطالبها الإسراع بتقديم التقرير.‏
__________________