Warning: Function get_magic_quotes_gpc() is deprecated in /home/forumbs/public_html/includes/class_core.php on line 1960
أبي العلاء المعري [الأرشيف] - منتديات بانى ستار

المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبي العلاء المعري



BaRa2eT 2aLb
02-07-2009, 12:04 PM
في شعر أبي العلاء المعري:
ليس من المبالغة بحال ان نقرر ان شخصية اديب المعرة ورهين المحبسين ابي العلاء المعري من اكثر الشخصيات الادبية في تاريخ الادب العربي اثارة وثراءً وعمقاً في اللفظ والمعنى، ولقد اتاحت له سعة اطلاعه وحدة ذكائه وصفاء ذهنه ورحلاته العلمية ان ينفرد بصور ادبية )شعرية ونثرية( لم تكن مألوفة أو معروفة بين ادباء زمانه وتمثلت تلك الصور في انتاجه الادبي الغزير ك دواوينه )اللزوميات سقط الزند( ورسائله النثرية ك )رسالة الغفران رسالة الملائكة الفصول والغايات .. الخ( هذا الى جانب ما تميزت به هذه الشخصية الادبية الفريدة من غرابة الاطوار وتنكب المألوف من حياة الناس كإعراضه عن الزواج وامتناعه عن اكل الحيوان المباح وما يخرج منه، اعتمادا على نظرة فلسفية قحة قد لا تتواءم وواقع الحياة الانسانية وما فطر الله سبحانه وتعالى خلقه عليه من فطرة. على ان ابا العلاء المعري وان هبت الفلسفة برياحها على رواسي ادبه لم يكن بمعزل عن الحياة وشؤونها من حوله بل على النقيض من ذلك فلقد حاول ابو العلاء المعري في بدايات حياته وشبابه ان يندمج في تيار الحياة برغم فقدانه لنعمة البصر منذ طفولته المبكرة وان يكون فاعلاً ومتفاعلاً في زحام الحياة إلا أن حساسيته المفرطة ووحشية غريزته وتفكيره العميق المتصل بالاضافة الى آفته الطبيعية قد شكلت سداً منيعاً بينه وبين المجتمع وجعلته وهو الاديب المشهور ينادي من وراء جدران بيته بابياته الشهيرة:
أراني في الثلاثة من سجونيى فلا تسأل عن الخبر النبيث
لفقدي ناظري ولزوم بيتي وكون الروح في الجد الحنيث

إلا أن اعتزاله لمجتمعهم وابتعاده عن الاختلاط بالناس لم يكن مانعا له من ان يشمل المجتمع بنظرات عميقة نافذة تسلط على عيوب ومثالب هذا المجتمع وتكشف عما كان خافياً من امراضه وادوائه، وعما يتردى فيه الكثير من الفئات الاجتماعية من علل وامراض اجتماعية لا تزال مثار الشكوى في كل زمان ومكان، ولعل من المناسب ان نعرض لحياة ابي العلاء المعري والعصر الذي عاش فيه قبل التعرض لصور الفساد الاجتماعي التي برزت في ادبيات ابي العلاء المعري.

نشأته وحياته:
هو: أحمد بن عبدالله بن سليمان التنوخي نسبة الى تنوخ احدى قبائل اليمن ولد بالمعرة من أعمال حلب سنة 363ه لابوين فاضلين فقد كان ابوه من افاضل العلماء وجده قاضيا للمعرة، فلما بلغ الرابعة من عمره ذهب الجدري ببصره، ولما بلغ سن التعليم اخذ ابوه يلقنه علوم اللغة واللسان وتتلمذ بعد ذلك الى بعض علماء بلدته وفي سنة 392ه غادر المعرة الى بلاد الشام فزار مكتبة طرابلس واللاذقية ولما طوف ببلاد الشام عزم على الرحلة الى بغداد مقر العلم والعلماء ليدرس الحكمة والفلسفة، ولبث في بغداد زمنا بين اخذ وعطاء علمي ووجد في بغداد بيئة علمية صالحة فاخذت اراؤه تظهر وتذيع، وهناك اتصل ولاول مرة بجماعة «اخوان الصفا» وكانوا يلتقون كل يوم جمعة في دار احدهم فأثر اختلاطه بهم في ادبه وعقله، ولم تكد علاقاته تتوثق بالبغداديين حتى فوجئ بنعي امه وكان والده قد توفي قبلها، فأصيب بصدمة شديدة من هذا الحدث، ورجع الى المعرة سنة 400ه حيث اعتزل الناس إلا تلاميذه وقنع من الطعام بالنبات دون الحيوان ولم يتزوج وظل ذلك حاله حتى توفي سنة 449ه.

عصر أبي العلاء:
عايش ابو العلاء عصور التفكك والاضطراب في جسد الدولة الاسلامية الموحدة فلقد تفككت عرى الدولة العباسية وانقسم العالم الاسلامي الى دويلات صغيرة وان ظلت مرتبطة بالخلافة العباسية اسميا وروحيا على الأمل.
وقد كانت امارة حلب التي تتبعها المعرة عرضة للصراع بين الحمدانيين والفاطميين تارة وبين قبائل البدو والروم تارة اخرى.
ومن البداهة والاحوال السياسية في العالم الاسلامي انذاك على ما هي عليه من الاضطراب وافتراق الشمل أن يشيع في المجتمع الكثير من ضروب الفساد الاجتماعي كانتشار الظلم والحيل والنفاق والرياء وانتهاك المحرمات وضياع معالم الدين الاسلامي الحنيف، وسواها من المفاسد والرذائل التي لا تقرها نفس حرة وابية تواقة الى معاني العدل والاحسان والتهذيب والرقي الاجتماعي كنفس هذا الشاعر الفيلسوف وعقله، ولقد كان ابو العلاء واضحاً وصريحاً وجريئاً في الكشف عن هذه المفاسد والافات، حيث حوت قصائده

اشارات واضحة الالفاظ والمعاني الى عدد من العيوب الاجتماعية نجتزئ امنها ما يلي:
«الظلم»
الظلم انحراف في السلوك النفسي للانفس حينما تستشعر شيئاً من القوة يجعلها بمعزلٍ عن المؤاخذة والمحاسبة وحينما تفقد تلك الانفس القليلة الشعور بعظمة الخالق عز وجل وقدرته على العقاب والثواب
سبحانه والى ذلك اشار ابو العلاء بقوله:

الظلمُ في الطبعِ فالجارات مرهقة والعرف يستر والميزان مبخوس
والطرفُ يضربُ والأنعامُ مأكلةٌ والعيرُ حاملُ ثقلٍ وهو منخوس
وبقوله:
الظلمُ أكثرُ ما يعيشُ به الفتى وأقلُ شيءٍ عنده الإنصافُ
مُنِعتْ من القسمِ الحقوقُ كأنها رجزٌ تهافت ماله انصاف

انتشار الجهل والفقر:
برغم بلوغ الحضارة الاسلامية قمة ازدهارها العلمي والادبي في عصر ابي العلاء الا ان معالم التراجع في انتشار التعليم وشيوعه قد وضحت للعيان وكان ذلك التراجع محصلة للقلاقل والفتن والاضطرابات التي يموج بها العلم الاسلامي، هذا بالاضافة الى ان الطابع الفردي البحت للتعليم انذاك، وقل مثل ذلك في الضمانات الصحية والاجتماعية مما يجعل الجهل والفقر من ثوابت ذلك العصر الغابر، والغلبة للقوة فلا عجب وان ينشد ابو العلاء:

ولما رأيتُ الجهلَ في الناس فاشياً تجاهلتُ حتى ظُنَ أني جاَهِلُ
فوا عجباً كم يدعي الفضل نَاقِصٌ ووأسفاً كم يُظهرُ النقصَ فاضل

ويعلق ابوالعلاء على انتشار الفقر وتحامل المجتمع على الفقير:

كنت الفقيرَ فخُطئتْ لك صبب ورزقت إثراء فقيل مُوَطِسُ

وقال:

الفقرُ موتٌ غير ان حليفه يرُجىَ لهُ بتحولٍ انتشارُ

شرب الخمور:
حرم الاسلام بصورة قاطعة ونهائية شرب كل مسكر ومخدر بكثيره وقليله، وانطلقت حكمة التشريع الاسلامي من اضرارها الاجتماعية والصحية والمادية والروحية، الا ان دواعي الضلال وتزيين الشيطان حدا بضعاف النفوس الى معاقرة بنت الحان، ولقد سجل ابو العلاء نقده للخمر وشاربيها في اكثر من موقف وبشدة حيث قال:

إياكَ والخمر فهي خالبةٌ غالبةٌ خاب ذلك الغُلبُ
خابيةٌ الراح ناقةٌ حَفُلت ليس لها غير باطل حلب
أشأمُ من ناقة البسوس على الناس وان نيلَ عِندها الطلبْ
افضلُ مما تضُمه كؤوسها ما ضمنته العساس والقلبْ

ومن ذلك قوله:
لا اشرب الراح ولو ضمنتُ ذهاب لوعاتي واحزاني
مخففا ميزان حلمي به كأنني ما خف ميزاني

توخ بهجرام ليلى فإنها عجوزٌ اظلت حي طسمٍ ومأربِ
دبيبُ نمالٍ عن عقارٍ تخالها بجسمك شرٌ من دبيب العقارب
عدوة لبٍ سلت السيف واعتلتْ به القوم إلا انها لم تُضارب
تعري الفتى من ثوبه وهو غافلُ وتوقع حرب الدهر بين الأقارب