Bakenam
01-31-2009, 07:07 AM
نزاعات الأوراق التجارية
إعداد الطالبتين:
مساوي رشيدة
رجاء لكريم
مقدمة
تعتبر الأوراق التجارية من أهم ما ابتدعه الفكر البشري بعد النقود لتيسير التعامل بين الأشخاص على الصعيد الوطني و الدولي، .فقد لعبت دورا مهما في الحياة التجارية قديما وحديثا، لذلك أولتها مختلف التشريعات و المعاهدات عناية فائقة باعتبارها دولبا من دواليب الاقتصاد.
والأوراق التجارية تعرف تطورا مطردا و متزايدا سواء من حيث شكلها أو من مضمونها، وذلك لأنها أساس المعاملات المصرفية والمالية ، وبالرجوع إلى مدونة التجارة لسنة 1996 نجدها قد نظمت التعامل بالأوراق التجارية في الكتاب الثالث المواد من 159 إلى 328 من مدونة التجارة ، فهذه تطرقت إلى تعداد الأوراق التجارية في كل من الكمبيالة والشيك و السند لأمر ،إلا أنها لم تعرف المقصود بالأوراق التجارية وكتعريف لهذه الآخرة يمكن القول أنها سندات يتعامل بها بسهوله للوفاء في المعاملات التجارية عوض النقود دون أن تكون لها خصائص النقود .
ورغم ما يحققه التعامل بالأوراق التجارية من إيجابيات تتمثل أساسا في تكريس طابع السرعة والائتمان بالإضافة إلى حماية المتعاملين بها من مخاطر التعامل بالنقود فإن استعمال هذه الأوراق التجارية لا يخلو من مشاكل ومنازعات تتعلق أساسا بالشكليات والبيانات الأساسية التي يجب أن تتضمنها هذه السندات ،وكذا بالمنازعات المتعلقة بوفاء مقابلها .
فنظرا الأهمية الأوراق التجارية والدور الذي تلعبه في النسيج الاقتصادي فإن الأمر يستدعي تدخل القضاء كلما عرض عليه نزاع لحل الإشكالات الناجمة عن تداول هذه السندات التجارية
أما عن تدخل القضاء فقد يتعلق الأمر بالنزاع الذي قد ينشأ بين المتعاملين بالورقة التجارية والمتعلقة بتخلف شرط من شروط صحة الورقة التجارية أو باللجوء إلى القضاء قصد استصدار أمر قضائي باستخلاص قيمة الوراقة التجارية جبرا في حالة عدم إقدام المدين على وفاتها طواعية.
وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن أهم النزاعات التي يمكن أن تنشأ عن التعامل بهذه الأوراق التجارية ؟
للإجابة على هذا السؤال ارتأينا تقسيم الموضوع إلى مبحثين:
نتناول في المبحث الأول: المنازعات المرتبطة بالبيانات الإلزامية المتطلبة في الأوراق التجارية
ثم في المبحث الثاني مسطرة الأمر بالأداء كضمانة قانونية وضعها المشرع لاستخلاص قيمة الورقة التجارية.
المبحث الأول: المنازعات المرتبطة بالبيانات الإلزامية المتطلبة في الأوراق التجارية
تنص المادة 9 من مدونة التجارة على أنه:
"يعد عملا تجاريا بصرف النظر عن المادتين 6 و7:
- الكمبيالة؛
- السند لأمر الموقع ولو من غير تاجر، إذا ترتب في هذه الحالة عن معاملة تجارية."
من خلال المادة المذكورة أعلاه، فإن الكمبيالة تعد عملا تجاريا بحسب الشكل بغض النظر عن صفة الأطراف المعنية بأمر التوقيع على هذه الورقة التجارية، وعن الغرض الذي من أجله تعاملوا بها، ويتبين أيضا أن السند لأمر يعتبر عملا تجاريا بحسب شكله من دون أي قيد أو شرط آخر بالنسبة للطرف التاجر، وأنه لا يعتبر تجاريا بالنسبة للموقع عليه غير التاجر إلا إذا كان توقيع هذا الأخير على السند مترتبا على معاملة تجارية.
أما بالنسبة للشيك، فإنه لا يكون تجاريا إلا إذا تم سحبه، أو تظهيره من أجل التداول، أو التوقيع عليه من أجل الضمان الاحتياطي، من طرف تاجر لأغراضه التجارية [1]، لذلك فلا يصح إطلاق وصف الورقة التجارية إلا بالنسبة للأوراق المنظمة بمقتضى مدونة التجارة، وهو ما قررته محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في القرار الصادر عنها بتاريخ 01-12-98 والذي جاء فيه:
" حيث إن الفقرة الثالثة من المادة الخامسة من القانون المحدث للمحاكم التجارية يعطى لها الاختصاص فيما يخص الأوراق التجارية، والمقصود بها ما نظمته مدونة التجارة في الباب الثالث، إذ نصت على الأوراق التجارية وهي الكمبيالة والسند لأمر والشيك، ونظمت النصوص الواجبة التطبيق بشأنها، وبالتالي فإن الفواتير المتمسك بها لا تدخل ضمن نطاق الأوراق التجارية المذكورة أعلاه، مما يكون معه الدفع غير مرتكز على أساس، ويتعين رده" [2].
هذا وينبغي التأكيد على أن الاختصاص ينعقد للمحكمة التجارية إذا تعدت قيمة الورقة التجارية 20.000 درهم، بموجب التعديل المدخل على قانون المحاكم التجارية، وبالتالي إذا قلت قيمة الورقة التجارية عن المبلغ المذكور، فالاختصاص يبقى للمحكمة الابتدائية ذات الولاية العامة.
إن المحكمة التجارية لا تكون مختصة نوعيا للبت في النزاع المتعلق بالأوراق التجارية، إلا إذا توفرت الشروط والبيانات الإلزامية والتي حددها المشرع في مدونة التجارة ليتم وصفها أوراقا تجارية [3] .
لذلك، ومن أجل التفصيل في موضوع البيانات الشكلية المتطلبة في الأوراق التجارية، سنقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب، نخصص الأول للمنازعات المرتبطة بشكليات الكمبيالة، ونتطرق في الثاني للمنازعات المرتبطة بالسند لأمر على أن نتحدث في المطلب الثالث للمنازعات المرتبطة بشكليات الشيك.
المطلب الأول: المنازعات المرتبطة بشكليات الكمبيالة
تجدر الإشارة في البداية إلى أن الكمبيالة منظمة بمقتضى المواد من 159 إلى 333 من مدونة التجارة، وفيما البيانات الإلزامية الواجب توفرها في الكمبيالة، فإن المادة 159 من مدونة 159 من مدونة التجارة تنص على أنه:
" تتضمن الكمبيالة البيانات التالية:
1- تسمية "كمبيالة" مدرجة في نص السند ذاته وباللغة المستعملة لتحرير؛
2- الأمر الناجز بأداء مبلغ معين؛
3- اسم من يلزمه الوفاء (المسحوب عليه)؛
4- تاريخ الاستحقاق؛
5- مكان الوفاء؛
6- اسم من يجب الوفاء له أو لأمره؛
7- تاريخ ومكان إنشاء الكمبيالة؛
8- اسم وتوقيع من أصدر الكمبيالة (الساحب)."
وهكذا، فبالرجوع إلى المادة أعلاه، نجد الشكليات والبيانات اللازم توفرها في الكمبيالة، فمجرد توافر الشكل المعين الذي حدده القانون يكفي في هذا الإطار لاعتبار الكمبيالة عملا تجاريا، بصرف النظر عن موضوع هذه الكمبيالة، أو الغرض منها، وبالتالي ينعقد الاختصاص للمحكمة التجارية للبت في المنازعات الناشئة عن عدم احترام الشكليات المتطلبة قانونا، وإذا ما تم احترام هذه الشكليات، فإن الكمبيالة تستمد قوتها التنفيذية من ذاتها بعيدة من السبب الذي أنشئت من أجله، وهذا ما أكده قرار صادر عن المجلس الأعلى [4]، كما أن الكمبيالة المستوفية للبيانات الإلزامية مثبتة للمديونية، ولا جدوى من ادعاء الوفاء بقيمتها إذا لم يدعم بحجج مقبولة [5]، وقد جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى أنه:
" ينشأ الالتزام الصرفي بمجرد التوقيع على الكمبيالة المستجمعة لكافة شروطها الشكلية، ولايجوز للمسحوب عليه أن يحتمي بعدم وجود مقابل الوفاء عند الاستحقاق مادام قد وقع عليها بالقبول" [6].
وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن إثارة شكليات الكمبيالة، أمام المحكمة التجارية، أو محكمة الاستئناف التجارية، إلا أنه لا يمكن إثارة الدفع بعدم احترام شكليات الكمبيالة لأول مرة أمام المجلس الأعلى، وهذا ما أكده العمل القضائي المغربي، حيث اعتبر أن إثارة شكليات الكمبيالة أمام المجلس الأعلى لأول مرة غير مقبول [7].
وبالنسبة لتقادم الدعاوى الناتجة عن الكمبيالة ضد القابل، فإنها تتقادم بمضي 3 سنوات، ابتداء من تاريخ الاستحقاق تطبيقا للفقرة الأولى من المادة 228، وهذا ما أكده قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء [8]، حيث ورد فيه أن الكمبيالة تتقادم بمرور 3 سنوات من تاريخ الاستحقاق. بعد أن تطرقنا في المطلب الأول للمنازعات المرتيطة بشكليات الكمبيالة، سننتقل للتطرق في المطلب الثاني للمنازعات المرتيطة بشكليات السند لأمر.
المطلب الثاني: المنازعات المرتبطة بشكليات السند لأمر
تجدرالإشارة في البداية إلى أن السند لأمر منظم بمقتضى المواد من 232 إلى 238 من مدونة التجارة، وبالنسبة للبيانات الإلزامية الواجب توفرها في السند لأمر، فتنص المادة 232 من مدونة التجارة على أنه:
"يتضمن السند لأمر البيانات الآتية:
أولا: اشتراط الوفاء لأمر أو تسمية السند بأنه لأمر مدرجا في السند ذاته، ومعبرا عنه بللغة المستعملة لتحريره؛
ثانيا: الوعد الناجز بأداء مبلغ معين؛
ثالثا: تاريخ الاستحقاق؛
رابعا: مكان الوفاء؛
خامسا: اسم من يجب الوفاء له أو لأمره؛
سادسا: تاريخ ومكان توقيع السند؛
سابعا: اسم وتوقيع من صدر عنه السند (المتعهد)."
فالسند لأمر لا يعتبر عملا تجاريا بحسب شكله، إلا إذا توفر فيه شرطان:
الشرط الأول يتمثل في ضرورة تضمين السند البيانات الإلزامية المحددة في المادة 232 المذكورة أعلاه.
والشرط الثاني يستوجب أن يترتب توقيع السند لأمر على معاملة تجارية إذا كان من قام بالتوقيع عليه غير تاجر [9]، فالاختصاص ينعقد للمحكمة التجارية للنظر في المنازعات الناتجة عن هذا النوع من الأوراق التجارية، ويتوقف ذلك على توفر الشرطين المذكورين حتى تبت المحكمة التجارية في منازعة أثيرت أمامها تتعلق بشكليات السند لأمر، وفي حالة تخلف هذا الشرط الثاني، فإن الاختصاص ينعقد للمحكمة الابتدائية، وهذا ما أكده قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء [10]، حيث ورد فيه:
" وحيث إنه بخصوص الدفع المتعلق بأن سحب السند لأمر يعتبر عملا تجاريا، وكذا المعاملة القائمة بين الطرفين تطبيقا للفصل 9 من مدونة التجارة، فإنه دفع مردود، لأن الورقة العادية المدلى بها تدعيما للدين لا يمكن إطلاق اسم سند لأمر عليها لعدم توفر الشروط القانونية والبيانات المتطلبة في الفصل 232 من مدونة التجارة، هذا فضلا على أنه إذا كانت المستئنفة تاجرة لأنها شركة مساهمة وذلك طبقا للفصل 1 من قانون رقم 95/17 فإن المستأنف عليه مجرد عامل كما هو ثابت من العقد المدلى به، و لا يوجد بالملف ما يفيد أنه وقع على الوثيقة المدلى بها كسند لأمر لغرض تجاري.
وحيث إنه إذا كانت الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة من قانون إحداث المحاكم التجارية تنص على أنه يمكن الاتفاق بين التاجر وغير التاجر على إسناد الاختصاص للمحكمة التجارية فيما قد ينشأ بينهما من نزاع بسبب عمل من أعمال التاجر، فإنه وبمفهوم المخالفة لا يمكن مقاضاة غير التاجر أمام المحكمة التجارية إلا بوجود اتفاق".
هذا ويمكن من طبيعة الحال للمحكمة إثارة عدم الاختصاص النوعي لتعلقه بالنظام العام [11] .
ومن طبيعة الحال، فالسند لأمر المستوفي للبيانات المنصوص عليها في المادة 232 من مدونة التجارة، والموقع عليه بالقبول من طرف المدعى عليه يجعل هذا الأخير ملزما التزاما صرفيا بأداء قيمته، وهذا ما أقره حكم صادر عن المحكمة التجارية بوجدة [12]، وقد صدر عن نفس المحكمة حكما ورد فيه: "المحاكم التجارية تختص للبت في الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية بغض النظر عن صفة موقعيها وطبيعة الأعمال المسحوبة" [13].
وتجدر الإشارة أخيرا أنه بالنسبة للسند الذي يفقد خصوصيته كورقة تجارية لتقادمه، يصبح سندا عاديا مثبتا للدين، وهذا ما أكده قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء [14]. بعد أن تطرقنا للمنازعات المرتبطة بكل من الكمبيالة والشيك، سننتقل للتطرق في المطلب الثالث للمنازعات المرتبطة بالشيك.
المطلب الثالث: المنازعات المرتبطة يشكليات الشيك
لم ينص المشرع المغربي على اعتبار الشيك عملا تجاريا على غرار كل من الكمبيالة والسند لأمر، ذلك أن المادة 9 من مدونة التجارة لا تشير إلا لهاتين الورقتين، لذلك فالشيك يعتبر عملا مدنيا في الأصل، بحيث إنه لا يأخذ الوصف التجاري إلا في إطار الأعمال التجارية بالتبعية [15].
وتجدر الإشارة إلى أن مدونة التجارة نظمت الشيك بمقتضى المواد من 239 إلى 328، وفيما يخص الشكليات اللازم توفرها في الشيك، فتنص المادة 239 من مدونة التجارة علىأنه:
"يتضمن الشيك البيانات التالية:
أولا: تسمية شيك مدرجة في السند ذاته وباللغة المستعملة لتحريره؛
ثانيا: الأمر الناجز بأداء مبلغ معين؛
ثالثا: اسم المسحوب عليه؛
رابعا: مكان الوفاء؛
خامسا: تاريخ ومكان إنشاء الشيك؛
سادسا: اسم وتوقيع الساحب."
فإذا ما تم احترام البيانات الإلزامية المذكورة أعلاه، استمد الشيك قوته التنفيذية بعيدا عن سببه، وهذا ما أكده العمل القضائي المغربي، حيث ورد في قرار صادر عن المجلس الأعلى أن:
" لما كان الشيك الحامل لجميع البيانات الإلزامية يعتبر وظيفيا أداة صرف ووفاء فهو يستحق الأداء بمجرد الإطلاع عليه، وأنه كسائر الأوراق التجارية الأخرى يتميز بخاصية التجريدأي أنه يتداول بعيدا عن سببه.
ولذلك فإن حامله يعتبر دائنا لساحبه بالمبلغ المقيد به دون أن يكون ملوما بأن يبين السبب الذي تسلم من أجله الشيك الذي أرجع إليه بدون رصيد" [16].
وعلى العموم فإن البيانات المنصوص عليها في المادة 239 من مدونة التجارة، تعتبر بيانات إلزامية، وقد اعتبرت المحكمة التجارية بمراكش أن:
"عم تقديم الشيك للاستخلاص لدى المسحوب عليه يجعل دعوى المطالبة بقيمة الشيك غير مقبولة شكلا" [17]. لكن الإشكال المطروح: هو ما حكم الشيك المخالف للنماذج المسلمة من المؤسسات البنكية أو الذي ينقصه أحد البيانات الإلزامية؟ إنه في هذه الحالة يفقد صبغته كورقة تجارية، ويعتبر سندا عاديا لإثبات الدين إذا توفرت شروط هذا السند، وفي هذه الحالة، يخرج من اختصاص المحاكم التجاربة ويصبح من اختصاص المحاكم العادية [18] .
وينبغي التأكيد أنه إذا توفرت في الشيك الشروط المتطلبة قانونا، يكون البنك المسحوب عليه ملزما بأداء قيمته المحررة بالأحرف عند الاختلاف مع الأرقام، ويتحمل البنك المسحوب عليه مسؤولية عدم الأداء، وهذا ما أكده حكم صادر عن المحكمة التجارية بالرباط [19].
وبالإضافة إلى كل ما ذكر، فإنه في حالة المنازعة بقيمة ورقة تجارية فإنه يتعين الإدلاء بالأصل، وعند تعذر ذلك، يتعين اللجوء إلى رئيس المحكمة، وهذا ما أقره حكم صادر عن المحكمة التجارية بالرباط [20]، حيث ورد فيه:
"المطالبة بقيمة الورقة التجارية تستلزم الإدلاء بالأصل، وعند تعذره يتعين اللجوء إلى رئيس المحكمة للحصول على نظير".
بعد أن تطرقنا في المبحث الأول للمنازعات المتعلقة بالبيانات الإلزامية المرتيطة بالأوراق التجارية، سننتقل للتطرق في المبحث الثاني إلى مسطرة الأمر بالأداء باعتبارها وسيلة قانونية للوفاء بقيمة الورقة التجارية.
إعداد الطالبتين:
مساوي رشيدة
رجاء لكريم
مقدمة
تعتبر الأوراق التجارية من أهم ما ابتدعه الفكر البشري بعد النقود لتيسير التعامل بين الأشخاص على الصعيد الوطني و الدولي، .فقد لعبت دورا مهما في الحياة التجارية قديما وحديثا، لذلك أولتها مختلف التشريعات و المعاهدات عناية فائقة باعتبارها دولبا من دواليب الاقتصاد.
والأوراق التجارية تعرف تطورا مطردا و متزايدا سواء من حيث شكلها أو من مضمونها، وذلك لأنها أساس المعاملات المصرفية والمالية ، وبالرجوع إلى مدونة التجارة لسنة 1996 نجدها قد نظمت التعامل بالأوراق التجارية في الكتاب الثالث المواد من 159 إلى 328 من مدونة التجارة ، فهذه تطرقت إلى تعداد الأوراق التجارية في كل من الكمبيالة والشيك و السند لأمر ،إلا أنها لم تعرف المقصود بالأوراق التجارية وكتعريف لهذه الآخرة يمكن القول أنها سندات يتعامل بها بسهوله للوفاء في المعاملات التجارية عوض النقود دون أن تكون لها خصائص النقود .
ورغم ما يحققه التعامل بالأوراق التجارية من إيجابيات تتمثل أساسا في تكريس طابع السرعة والائتمان بالإضافة إلى حماية المتعاملين بها من مخاطر التعامل بالنقود فإن استعمال هذه الأوراق التجارية لا يخلو من مشاكل ومنازعات تتعلق أساسا بالشكليات والبيانات الأساسية التي يجب أن تتضمنها هذه السندات ،وكذا بالمنازعات المتعلقة بوفاء مقابلها .
فنظرا الأهمية الأوراق التجارية والدور الذي تلعبه في النسيج الاقتصادي فإن الأمر يستدعي تدخل القضاء كلما عرض عليه نزاع لحل الإشكالات الناجمة عن تداول هذه السندات التجارية
أما عن تدخل القضاء فقد يتعلق الأمر بالنزاع الذي قد ينشأ بين المتعاملين بالورقة التجارية والمتعلقة بتخلف شرط من شروط صحة الورقة التجارية أو باللجوء إلى القضاء قصد استصدار أمر قضائي باستخلاص قيمة الوراقة التجارية جبرا في حالة عدم إقدام المدين على وفاتها طواعية.
وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن أهم النزاعات التي يمكن أن تنشأ عن التعامل بهذه الأوراق التجارية ؟
للإجابة على هذا السؤال ارتأينا تقسيم الموضوع إلى مبحثين:
نتناول في المبحث الأول: المنازعات المرتبطة بالبيانات الإلزامية المتطلبة في الأوراق التجارية
ثم في المبحث الثاني مسطرة الأمر بالأداء كضمانة قانونية وضعها المشرع لاستخلاص قيمة الورقة التجارية.
المبحث الأول: المنازعات المرتبطة بالبيانات الإلزامية المتطلبة في الأوراق التجارية
تنص المادة 9 من مدونة التجارة على أنه:
"يعد عملا تجاريا بصرف النظر عن المادتين 6 و7:
- الكمبيالة؛
- السند لأمر الموقع ولو من غير تاجر، إذا ترتب في هذه الحالة عن معاملة تجارية."
من خلال المادة المذكورة أعلاه، فإن الكمبيالة تعد عملا تجاريا بحسب الشكل بغض النظر عن صفة الأطراف المعنية بأمر التوقيع على هذه الورقة التجارية، وعن الغرض الذي من أجله تعاملوا بها، ويتبين أيضا أن السند لأمر يعتبر عملا تجاريا بحسب شكله من دون أي قيد أو شرط آخر بالنسبة للطرف التاجر، وأنه لا يعتبر تجاريا بالنسبة للموقع عليه غير التاجر إلا إذا كان توقيع هذا الأخير على السند مترتبا على معاملة تجارية.
أما بالنسبة للشيك، فإنه لا يكون تجاريا إلا إذا تم سحبه، أو تظهيره من أجل التداول، أو التوقيع عليه من أجل الضمان الاحتياطي، من طرف تاجر لأغراضه التجارية [1]، لذلك فلا يصح إطلاق وصف الورقة التجارية إلا بالنسبة للأوراق المنظمة بمقتضى مدونة التجارة، وهو ما قررته محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في القرار الصادر عنها بتاريخ 01-12-98 والذي جاء فيه:
" حيث إن الفقرة الثالثة من المادة الخامسة من القانون المحدث للمحاكم التجارية يعطى لها الاختصاص فيما يخص الأوراق التجارية، والمقصود بها ما نظمته مدونة التجارة في الباب الثالث، إذ نصت على الأوراق التجارية وهي الكمبيالة والسند لأمر والشيك، ونظمت النصوص الواجبة التطبيق بشأنها، وبالتالي فإن الفواتير المتمسك بها لا تدخل ضمن نطاق الأوراق التجارية المذكورة أعلاه، مما يكون معه الدفع غير مرتكز على أساس، ويتعين رده" [2].
هذا وينبغي التأكيد على أن الاختصاص ينعقد للمحكمة التجارية إذا تعدت قيمة الورقة التجارية 20.000 درهم، بموجب التعديل المدخل على قانون المحاكم التجارية، وبالتالي إذا قلت قيمة الورقة التجارية عن المبلغ المذكور، فالاختصاص يبقى للمحكمة الابتدائية ذات الولاية العامة.
إن المحكمة التجارية لا تكون مختصة نوعيا للبت في النزاع المتعلق بالأوراق التجارية، إلا إذا توفرت الشروط والبيانات الإلزامية والتي حددها المشرع في مدونة التجارة ليتم وصفها أوراقا تجارية [3] .
لذلك، ومن أجل التفصيل في موضوع البيانات الشكلية المتطلبة في الأوراق التجارية، سنقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب، نخصص الأول للمنازعات المرتبطة بشكليات الكمبيالة، ونتطرق في الثاني للمنازعات المرتبطة بالسند لأمر على أن نتحدث في المطلب الثالث للمنازعات المرتبطة بشكليات الشيك.
المطلب الأول: المنازعات المرتبطة بشكليات الكمبيالة
تجدر الإشارة في البداية إلى أن الكمبيالة منظمة بمقتضى المواد من 159 إلى 333 من مدونة التجارة، وفيما البيانات الإلزامية الواجب توفرها في الكمبيالة، فإن المادة 159 من مدونة 159 من مدونة التجارة تنص على أنه:
" تتضمن الكمبيالة البيانات التالية:
1- تسمية "كمبيالة" مدرجة في نص السند ذاته وباللغة المستعملة لتحرير؛
2- الأمر الناجز بأداء مبلغ معين؛
3- اسم من يلزمه الوفاء (المسحوب عليه)؛
4- تاريخ الاستحقاق؛
5- مكان الوفاء؛
6- اسم من يجب الوفاء له أو لأمره؛
7- تاريخ ومكان إنشاء الكمبيالة؛
8- اسم وتوقيع من أصدر الكمبيالة (الساحب)."
وهكذا، فبالرجوع إلى المادة أعلاه، نجد الشكليات والبيانات اللازم توفرها في الكمبيالة، فمجرد توافر الشكل المعين الذي حدده القانون يكفي في هذا الإطار لاعتبار الكمبيالة عملا تجاريا، بصرف النظر عن موضوع هذه الكمبيالة، أو الغرض منها، وبالتالي ينعقد الاختصاص للمحكمة التجارية للبت في المنازعات الناشئة عن عدم احترام الشكليات المتطلبة قانونا، وإذا ما تم احترام هذه الشكليات، فإن الكمبيالة تستمد قوتها التنفيذية من ذاتها بعيدة من السبب الذي أنشئت من أجله، وهذا ما أكده قرار صادر عن المجلس الأعلى [4]، كما أن الكمبيالة المستوفية للبيانات الإلزامية مثبتة للمديونية، ولا جدوى من ادعاء الوفاء بقيمتها إذا لم يدعم بحجج مقبولة [5]، وقد جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى أنه:
" ينشأ الالتزام الصرفي بمجرد التوقيع على الكمبيالة المستجمعة لكافة شروطها الشكلية، ولايجوز للمسحوب عليه أن يحتمي بعدم وجود مقابل الوفاء عند الاستحقاق مادام قد وقع عليها بالقبول" [6].
وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن إثارة شكليات الكمبيالة، أمام المحكمة التجارية، أو محكمة الاستئناف التجارية، إلا أنه لا يمكن إثارة الدفع بعدم احترام شكليات الكمبيالة لأول مرة أمام المجلس الأعلى، وهذا ما أكده العمل القضائي المغربي، حيث اعتبر أن إثارة شكليات الكمبيالة أمام المجلس الأعلى لأول مرة غير مقبول [7].
وبالنسبة لتقادم الدعاوى الناتجة عن الكمبيالة ضد القابل، فإنها تتقادم بمضي 3 سنوات، ابتداء من تاريخ الاستحقاق تطبيقا للفقرة الأولى من المادة 228، وهذا ما أكده قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء [8]، حيث ورد فيه أن الكمبيالة تتقادم بمرور 3 سنوات من تاريخ الاستحقاق. بعد أن تطرقنا في المطلب الأول للمنازعات المرتيطة بشكليات الكمبيالة، سننتقل للتطرق في المطلب الثاني للمنازعات المرتيطة بشكليات السند لأمر.
المطلب الثاني: المنازعات المرتبطة بشكليات السند لأمر
تجدرالإشارة في البداية إلى أن السند لأمر منظم بمقتضى المواد من 232 إلى 238 من مدونة التجارة، وبالنسبة للبيانات الإلزامية الواجب توفرها في السند لأمر، فتنص المادة 232 من مدونة التجارة على أنه:
"يتضمن السند لأمر البيانات الآتية:
أولا: اشتراط الوفاء لأمر أو تسمية السند بأنه لأمر مدرجا في السند ذاته، ومعبرا عنه بللغة المستعملة لتحريره؛
ثانيا: الوعد الناجز بأداء مبلغ معين؛
ثالثا: تاريخ الاستحقاق؛
رابعا: مكان الوفاء؛
خامسا: اسم من يجب الوفاء له أو لأمره؛
سادسا: تاريخ ومكان توقيع السند؛
سابعا: اسم وتوقيع من صدر عنه السند (المتعهد)."
فالسند لأمر لا يعتبر عملا تجاريا بحسب شكله، إلا إذا توفر فيه شرطان:
الشرط الأول يتمثل في ضرورة تضمين السند البيانات الإلزامية المحددة في المادة 232 المذكورة أعلاه.
والشرط الثاني يستوجب أن يترتب توقيع السند لأمر على معاملة تجارية إذا كان من قام بالتوقيع عليه غير تاجر [9]، فالاختصاص ينعقد للمحكمة التجارية للنظر في المنازعات الناتجة عن هذا النوع من الأوراق التجارية، ويتوقف ذلك على توفر الشرطين المذكورين حتى تبت المحكمة التجارية في منازعة أثيرت أمامها تتعلق بشكليات السند لأمر، وفي حالة تخلف هذا الشرط الثاني، فإن الاختصاص ينعقد للمحكمة الابتدائية، وهذا ما أكده قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء [10]، حيث ورد فيه:
" وحيث إنه بخصوص الدفع المتعلق بأن سحب السند لأمر يعتبر عملا تجاريا، وكذا المعاملة القائمة بين الطرفين تطبيقا للفصل 9 من مدونة التجارة، فإنه دفع مردود، لأن الورقة العادية المدلى بها تدعيما للدين لا يمكن إطلاق اسم سند لأمر عليها لعدم توفر الشروط القانونية والبيانات المتطلبة في الفصل 232 من مدونة التجارة، هذا فضلا على أنه إذا كانت المستئنفة تاجرة لأنها شركة مساهمة وذلك طبقا للفصل 1 من قانون رقم 95/17 فإن المستأنف عليه مجرد عامل كما هو ثابت من العقد المدلى به، و لا يوجد بالملف ما يفيد أنه وقع على الوثيقة المدلى بها كسند لأمر لغرض تجاري.
وحيث إنه إذا كانت الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة من قانون إحداث المحاكم التجارية تنص على أنه يمكن الاتفاق بين التاجر وغير التاجر على إسناد الاختصاص للمحكمة التجارية فيما قد ينشأ بينهما من نزاع بسبب عمل من أعمال التاجر، فإنه وبمفهوم المخالفة لا يمكن مقاضاة غير التاجر أمام المحكمة التجارية إلا بوجود اتفاق".
هذا ويمكن من طبيعة الحال للمحكمة إثارة عدم الاختصاص النوعي لتعلقه بالنظام العام [11] .
ومن طبيعة الحال، فالسند لأمر المستوفي للبيانات المنصوص عليها في المادة 232 من مدونة التجارة، والموقع عليه بالقبول من طرف المدعى عليه يجعل هذا الأخير ملزما التزاما صرفيا بأداء قيمته، وهذا ما أقره حكم صادر عن المحكمة التجارية بوجدة [12]، وقد صدر عن نفس المحكمة حكما ورد فيه: "المحاكم التجارية تختص للبت في الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية بغض النظر عن صفة موقعيها وطبيعة الأعمال المسحوبة" [13].
وتجدر الإشارة أخيرا أنه بالنسبة للسند الذي يفقد خصوصيته كورقة تجارية لتقادمه، يصبح سندا عاديا مثبتا للدين، وهذا ما أكده قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء [14]. بعد أن تطرقنا للمنازعات المرتبطة بكل من الكمبيالة والشيك، سننتقل للتطرق في المطلب الثالث للمنازعات المرتبطة بالشيك.
المطلب الثالث: المنازعات المرتبطة يشكليات الشيك
لم ينص المشرع المغربي على اعتبار الشيك عملا تجاريا على غرار كل من الكمبيالة والسند لأمر، ذلك أن المادة 9 من مدونة التجارة لا تشير إلا لهاتين الورقتين، لذلك فالشيك يعتبر عملا مدنيا في الأصل، بحيث إنه لا يأخذ الوصف التجاري إلا في إطار الأعمال التجارية بالتبعية [15].
وتجدر الإشارة إلى أن مدونة التجارة نظمت الشيك بمقتضى المواد من 239 إلى 328، وفيما يخص الشكليات اللازم توفرها في الشيك، فتنص المادة 239 من مدونة التجارة علىأنه:
"يتضمن الشيك البيانات التالية:
أولا: تسمية شيك مدرجة في السند ذاته وباللغة المستعملة لتحريره؛
ثانيا: الأمر الناجز بأداء مبلغ معين؛
ثالثا: اسم المسحوب عليه؛
رابعا: مكان الوفاء؛
خامسا: تاريخ ومكان إنشاء الشيك؛
سادسا: اسم وتوقيع الساحب."
فإذا ما تم احترام البيانات الإلزامية المذكورة أعلاه، استمد الشيك قوته التنفيذية بعيدا عن سببه، وهذا ما أكده العمل القضائي المغربي، حيث ورد في قرار صادر عن المجلس الأعلى أن:
" لما كان الشيك الحامل لجميع البيانات الإلزامية يعتبر وظيفيا أداة صرف ووفاء فهو يستحق الأداء بمجرد الإطلاع عليه، وأنه كسائر الأوراق التجارية الأخرى يتميز بخاصية التجريدأي أنه يتداول بعيدا عن سببه.
ولذلك فإن حامله يعتبر دائنا لساحبه بالمبلغ المقيد به دون أن يكون ملوما بأن يبين السبب الذي تسلم من أجله الشيك الذي أرجع إليه بدون رصيد" [16].
وعلى العموم فإن البيانات المنصوص عليها في المادة 239 من مدونة التجارة، تعتبر بيانات إلزامية، وقد اعتبرت المحكمة التجارية بمراكش أن:
"عم تقديم الشيك للاستخلاص لدى المسحوب عليه يجعل دعوى المطالبة بقيمة الشيك غير مقبولة شكلا" [17]. لكن الإشكال المطروح: هو ما حكم الشيك المخالف للنماذج المسلمة من المؤسسات البنكية أو الذي ينقصه أحد البيانات الإلزامية؟ إنه في هذه الحالة يفقد صبغته كورقة تجارية، ويعتبر سندا عاديا لإثبات الدين إذا توفرت شروط هذا السند، وفي هذه الحالة، يخرج من اختصاص المحاكم التجاربة ويصبح من اختصاص المحاكم العادية [18] .
وينبغي التأكيد أنه إذا توفرت في الشيك الشروط المتطلبة قانونا، يكون البنك المسحوب عليه ملزما بأداء قيمته المحررة بالأحرف عند الاختلاف مع الأرقام، ويتحمل البنك المسحوب عليه مسؤولية عدم الأداء، وهذا ما أكده حكم صادر عن المحكمة التجارية بالرباط [19].
وبالإضافة إلى كل ما ذكر، فإنه في حالة المنازعة بقيمة ورقة تجارية فإنه يتعين الإدلاء بالأصل، وعند تعذر ذلك، يتعين اللجوء إلى رئيس المحكمة، وهذا ما أقره حكم صادر عن المحكمة التجارية بالرباط [20]، حيث ورد فيه:
"المطالبة بقيمة الورقة التجارية تستلزم الإدلاء بالأصل، وعند تعذره يتعين اللجوء إلى رئيس المحكمة للحصول على نظير".
بعد أن تطرقنا في المبحث الأول للمنازعات المتعلقة بالبيانات الإلزامية المرتيطة بالأوراق التجارية، سننتقل للتطرق في المبحث الثاني إلى مسطرة الأمر بالأداء باعتبارها وسيلة قانونية للوفاء بقيمة الورقة التجارية.