Warning: Function get_magic_quotes_gpc() is deprecated in /home/forumbs/public_html/includes/class_core.php on line 1960
موسوعة الاحاديث القدسية الصحيحه مع شرح البعض [الأرشيف] - منتديات بانى ستار

المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موسوعة الاحاديث القدسية الصحيحه مع شرح البعض



الصفحات : [1] 2

ahmedaboali
01-31-2009, 01:24 AM
السلام عليكم و رحمه الله و بركاته

اخوة الاسلام

حرصا منا في تقديم كل جديد فكرت في موضوع يهمنا
جميعا الا و هو الاحاديث القدسية

و قبل ان نتحدث باثهاب عن هذا الخير العظيم
نعرف معني الحديث القدسي

الحديث القدسي هو الحديث الذي يسنده النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الله عز وجل ، والقدسي نسبة للقدس ، وهي تحمل معنى التكريم والتعظيم والتنزيه ، ولعل من مناسبة وصف هذا النوع من الأحاديث بهذا الوصف ، أن الأحاديث القدسية تدور معانيها في الغالب على تقديس الله وتمجيده وتنزيهه عما لا يليق به من النقائص ، وقليلاً ما تتعرض للأحكام التكليفية .

ويرد الحديث القدسي بصيغ عديدة كأن يقول الراوي مثلاً : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه ، كحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل : ( يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار .......) رواه البخاري .

أو أن يقول الراوي : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال الله تعالى ، أو يقول الله تعالى ، كحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى : ( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه .....) رواه البخاري و مسلم .

ومما تجدر الإشارة إليه أن وصف الحديث بكونه قدسياً لا يعني بالضرورة ثبوته ، فقد يكون الحديث صحيحاً وقد يكون ضعيفاً أو موضوعاً ، إذ إن موضوع الصحة والضعف المدار فيه على السند وقواعد القبول والرد التي يذكرها المحدثون في هذا الباب ، أمَّا هذا الوصف فيتعلق بنسبة الكلام إلى الله تبارك وتعالى

هل الحديث القدسي كلام الله بلفظه أو بمعناه :

اختلف أهل العلم في الحديث القدسي هل هو من كلام الله تعالى بلفظه ومعناه ، أم أن معانيه من عند الله وألفاظه من الرسول - صلى الله عليه وسلم - فذهب بعضهم إلى القول الأول وهو أن ألفاظه ومعانيه من الله تعالى ، أوحى بها إلى رسوله - عليه الصلاة والسلام - بطريقة من طرق الوحي غير الجلي - أي من غير طريق جبريل عليه السلام - ، إما بإلهام أو قذف في الروع أو حال المنام ، إلا أنه لم يُرِد به التحدي والإعجاز ، وليست له خصائص القرآن ، وذهب البعض إلى القول الثاني وهو أن الحديث القدسي كلام الله بمعناه فقط ، وأما اللفظ فللرسول - صلى الله عليه وسلم - وهذا القول هو الصحيح الراجح .

الفرق بين القرآن والحديث القدسي :

وهناك عدة فروق بين القرآن الكريم والحديث القدسي ، ومن أهم هذه الفروق :

1- أن القرآن الكريم كلام الله أوحى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلفظه ومعناه وتحدى به العرب - بل الإنس والجن - أن يأتوا بمثله ، وأما الحديث القدسي فلم يقع به التحدي والإعجاز .

2- والقرآن الكريم جميعه منقول بالتواتر ، فهو قطعي الثبوت ، وأما الأحاديث القدسية فمعظمها أخبار آحاد ، فهي ظنية الثبوت ، ولذلك فإن فيها الصحيح والحسن والضعيف .

3- والقرآن الكريم كلام الله بلفظه ومعناه ، والحديث القدسي معناه من عند الله ولفظه من الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الصحيح من أقوال أهل العلم .

4- والقرآن الكريم متعبد بتلاوته ، وهو الذي تتعين القراءة به في الصلاة ، ومن قرأه كان له بكل حرف حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، وأما الحديث القدسي فغير متعبد بتلاوته ، ولا يجزئ في الصلاة ، ولا يصدق عليه الثواب الوارد في قراءة القرآن .

عدد الأحاديث القدسية والمصنفات فيها :

ذكر العلامة ابن حجر الهيتمي أن مجموع الأحاديث القدسية المروية يتجاوز المائة ، وذكر أنه قد جمعها بعضهم في جزء كبير ، والصحيح أن عددها - بغض النظر عن صحتها - أكثر من ذلك فهو يجاوز الثمانمائة ، بل قد يقارب الألف ، وقد أفرد العلماء هذا النوع من الأحاديث بالتصنيف ومنهم الشيخ المناوي رحمه الله في كتابه المسمى ( الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية ) ، وللعلامة المدني أيضاً كتاب ( الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية ) ، وكتاب( الأحاديث القدسية ) لابن بلبان ، وهناك كتب معاصرة أفردت في هذا النوع من الأحاديث ، ومنها كتاب ( الجامع في الأحاديث القدسية ) لعبد السلام بن محمد علوش ، وكتاب ( الصحيح المسند من الأحاديث القدسية ) لمصطفى العدوي ، وسنعرض إن شاء الله لبعض هذه الأحاديث بشيء من التفصيل والشرح والبيان ، والله الموفق وعليه التكلان .



و بفضل الله رزقنا اياه و بالشرح الوافي
لبعض الاحاديث المتوفر شرحها
حتي نعرف ما علينا و ما لنا

من خلال

الأحاديث القدسية في صحيح البخاري
الأحاديث القدسية في صحيح مسلم
الأحاديث القدسية في سنن الترمذي
الأحاديث القدسية في سنن النسائي
الأحاديث القدسية في سنن أبي داود
الأحاديث القدسية في سنن ابن ماجه
الأحاديث القدسية في مسند أحمد
الأحاديث القدسية في موطأ مالك
الأحاديث القدسية في سنن الدارمي

و اخيرا

نسال الله ان ينفعنا بها في الدنيا و الاخرة
هو ولي ذلك و القادر عليه

ahmedaboali
01-31-2009, 01:25 AM
الأحاديث القدسية في صحيح البخاري


‏حدثنا ‏ ‏إسماعيل ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو بن يحيى المازني ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله تعالى ‏ ‏أخرجوا من النار من كان في قلبه ‏ ‏مثقال ‏ ‏حبة من ‏ ‏خردل ‏ ‏من إيمان فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهر الحيا ‏ ‏أو الحياة شك ‏ ‏مالك ‏ ‏فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية ‏
‏قال ‏ ‏وهيب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو ‏ ‏الحياة وقال ‏ ‏خردل ‏ ‏من خير ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري

‏قوله ( حدثنا إسماعيل ) ‏
‏هو ابن أبي أويس عبد الله بن عبد الله الأصبحي المدني ابن أخت مالك , وقد وافقه على رواية هذا الحديث عبد الله بن وهب ومعن بن عيسى عن مالك , وليس هو في الموطأ . قال الدارقطني : هو غريب صحيح . ‏

‏قوله : ( يدخل ) ‏
‏للدارقطني من طريق إسماعيل وغيره " يدخل الله " وزاد من طريق معن " يدخل من يشاء برحمته " وكذا له وللإسماعيلي من طريق ابن وهب . ‏

‏قوله : ( مثقال حبة ) ‏
‏بفتح الحاء هو إشارة إلى ما لا أقل منه , قال الخطابي : هو مثل ليكون عيارا في المعرفة لا في الوزن ; لأن ما يشكل في المعقول يرد إلى المحسوس ليفهم . وقال إمام الحرمين : الوزن للصحف المشتملة على الأعمال , ويقع وزنها على قدر أجور الأعمال . وقال غيره : يجوز أن تجسد الأعراض فتوزن , وما ثبت من أمور الآخرة بالشرع لا دخل للعقل فيه , والمراد بحبة الخردل هنا ما زاد من الأعمال على أصل التوحيد , لقوله في الرواية الأخرى " أخرجوا من قال لا إله إلا الله وعمل من الخير ما يزن ذرة " . ومحل بسط هذا يقع في الكلام على حديث الشفاعة حيث ذكره المصنف في كتاب الرقاق . ‏

‏قوله : ( في نهر الحياء ) ‏
‏كذا في هذه الرواية بالمد , ولكريمة وغيرها بالقصر , وبه جزم الخطابي وعليه المعنى ; لأن المراد كل ما به تحصل الحياة , والحيا بالقصر هو المطر , وبه تحصل حياة النبات , فهو أليق بمعنى الحياة من الحياء الممدود الذي هو بمعنى الخجل . ‏

‏قوله : ( الحبة ) ‏
‏بكسر أوله , قال أبو حنيفة الدينوري : الحبة جمع بزور النبات واحدتها حبة بالفتح , وأما الحب فهو الحنطة والشعير , واحدتها حبة بالفتح أيضا , وإنما افترقا في الجمع . وقال أبو المعالي في المنتهى : الحبة بالكسر بزور الصحراء مما ليس بقوت . ‏

‏قوله : ( قال وهيب ) ‏
‏أي : ابن خالد ( حدثنا عمرو ) أي : ابن يحيى المازني المذكور . ‏

‏قوله : ( الحياة ) ‏
‏بالخفض على الحكاية , ومراده أن وهيبا وافق مالكا في روايته لهذا الحديث عن عمرو بن يحيى بسنده , وجزم بقوله في نهر الحياة ولم يشك كما شك مالك . ‏
‏( فائدة ) : ‏
‏أخرج مسلم هذا الحديث من رواية مالك فأبهم الشاك , وقد يفسر هنا . ‏

‏قوله ( وقال خردل من خير ) ‏
‏هو على الحكاية أيضا , أي : وقال وهيب في روايته : مثقال حبة من خردل من خير , فخالف مالكا أيضا في هذه الكلمة . وقد ساق المؤلف حديث وهيب هذا في كتاب الرقاق عن موسى , بن إسماعيل عن وهيب , وسياقه أتم من سياق مالك ; لكنه قال " من خردل من إيمان " كرواية مالك , فاعترض على المصنف بهذا , ولا اعتراض عليه فإن أبا بكر بن أبي شيبة أخرج هذا الحديث في مسنده عن عفان بن مسلم عن وهيب فقال " من خردل من خير " كما علقه المصنف , فتبين أنه مراده لا لفظ موسى . وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر هذا , لكن لم يسق لفظه , ووجه مطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهر , وأراد بإيراده الرد على المرجئة لما فيه من بيان ضرر المعاصي مع الإيمان , وعلى المعتزلة في أن المعاصي موجبة للخلود . ‏

ahmedaboali
01-31-2009, 01:27 AM
‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن يوسف ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم ‏ ‏يعرج ‏ ‏الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم ‏ ‏كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون

فتح الباري بشرح صحيح البخاري‏

‏قوله ( يتعاقبون ) ‏
‏أي تأتي طائفة عقب طائفة , ثم تعود الأولى عقب الثانية . قال ابن عبد البر : وإنما يكون التعاقب بين طائفتين أو رجلين بأن يأتي هذا مرة ويعقبه هذا , ومنه تعقيب الجيوش أن يجهز الأمير بعثا إلى مدة ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن يجهز غيرهم إلى مدة , ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن يجهز الأولين . قال القرطبي : الواو في قوله " يتعاقبون " علامة الفاعل المذكر المجموع على لغة بلحارث وهم القائلون أكلوني البراغيث , ومنه قول الشاعر ‏ ‏بحوران يعصرن السليط أقاربه ‏ ‏وهي لغة فاشية وعليها حمل الأخفش قوله تعالى ( وأسروا النجوى الذين ظلموا ) قال : وقد تعسف بعض النحاة في تأويلها وردها للبدل , وهو تكلف مستغنى عنه , فإن تلك اللغة مشهورة ولها وجه من القياس واضح . وقال غيره في تأويل الآية : قوله ( وأسروا ) عائد على الناس المذكورين أولا . و ( الذين ظلموا ) بدل من الضمير . وقيل التقدير أنه لما قيل ( وأسروا النجوى ) قيل : من هم ؟ قال : ( الذين ظلموا ) حكاه الشيخ محيي الدين , والأول أقرب إذ الأصل عدم التقدير . وتوارد جماعة من الشراح على أن حديث الباب من هذا القبيل , ووافقهم ابن مالك وناقشه أبو حيان زاعما أن هذه الطريق اختصرها الراوي , واحتج لذلك بما رواه البزار من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ " إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم : ملائكة بالليل , وملائكة بالنهار " الحديث , وقد سومح في العزو إلى مسند البزار مع أن هذا الحديث بهذا اللفظ في الصحيحين فالعزو إليهما أولى , وذلك أن هذا الحديث رواه عن أبي الزناد مالك في الموطأ ولم يختلف عليه باللفظ المذكور وهو قوله " يتعاقبون فيكم " وتابعه على ذلك عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أخرجه سعيد بن منصور عنه , وقد أخرجه البخاري في بدء الخلق من طريق شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد بلفظ " الملائكة يتعاقبون : ملائكة بالليل , وملائكة بالنهار " , وأخرجه النسائي أيضا من طريق موسى بن عقبة عن أبي الزناد بلفظ " إن الملائكة يتعاقبون فيكم " فاختلف فيه على أبي الزناد , فالظاهر أنه كان تارة يذكره هكذا وتارة هكذا , فيقوي بحث أبي حيان , ويؤيد ذلك أن غير الأعرج من أصحاب أبي هريرة قد رووه تاما فأخرجه أحمد ومسلم من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة مثل رواية موسى بن عقبة لكن بحذف " إن " من أوله , وأخرجه ابن خزيمة والسراج من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ " إن لله ملائكة يتعاقبون " وهذه هي الطريقة التي أخرجها البزار , وأخرجه أبو نعيم في الحلية بإسناد صحيح من طريق أبي موسى عن أبي هريرة بلفظ " إن الملائكة فيكم يتعقبون " وإذا عرف ذلك فالعزو إلى الطريق التي تتحد مع الطريق التي وقع القول فيها أولى من طريق مغايرة لها , فليعز ذلك إلى تخريج البخاري والنسائي من طريق أبي الزناد لما أوضحته . والله الموفق . ‏

‏قوله ( فيكم ) ‏
‏أي المصلين أو مطلق المؤمنين . ‏

‏قوله ( ملائكة ) ‏
‏قيل هم الحفظة نقله عياض وغيره عن الجمهور , وتردد ابن بزيزة , وقال القرطبي : الأظهر عندي أنهم غيرهم , ويقويه أنه لم ينقل أن الحفظة يفارقون العبد , ولا أن حفظة الليل غير حفظة النهار , وبأنهم لو كانوا هم الحفظة لم يقع الاكتفاء في السؤال منهم عن حالة الترك دون غيرها في قوله " كيف تركتم عبادي "
http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
01-31-2009, 01:28 AM
‏قوله ( ويجتمعون ) ‏
‏قال الزين بن المنير : التعاقب مغاير للاجتماع , لكن ذلك منزل على حالين . ‏
‏قلت : وهو ظاهر , وقال ابن عبد البر : الأظهر أنهم يشهدون معهم الصلاة في الجماعة , واللفظ محتمل للجماعة وغيرها , كما يحتمل أن التعاقب يقع بين طائفتين دون غيرهم , وأن يقع التعاقب بينهم في النوع لا في الشخص . قال عياض : والحكمة في اجتماعهم في هاتين الصلاتين من لطف الله تعالى بعباده وإكرامه لهم بأن جعل اجتماع ملائكته في حال طاعة عباده لتكون شهادتهم لهم بأحسن الشهادة . ‏
‏قلت : وفيه شيء , لأنه رجح أنهم الحفظة , ولا شك أن الذين يصعدون كانوا مقيمين عندهم مشاهدين لأعمالهم في جميع الأوقات , فالأولى أن يقال : الحكمة في كونه تعالى لا يسألهم إلا عن الحالة التي تركوهم عليها ما ذكر , ويحتمل أن يقال إن الله تعالى يستر عنهم ما يعملونه فيما بين الوقتين , لكنه بناء على أنهم غير الحفظة . وفيه إشارة إلى الحديث الآخر " إن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما " فمن ثم وقع السؤال من كل طائفة عن آخر شيء فارقوهم عليه . ‏

‏قوله ( ثم يعرج الذين باتوا فيكم ) ‏
‏استدل به بعض الحنفية على استحباب تأخير صلاة العصر ليقع عروج الملائكة إذا فرغ منها آخر النهار , وتعقب بأن ذلك غير لازم , إذ ليس في الحديث ما يقتضي أنهم لا يصعدون إلا ساعة الفراغ من الصلاة بل جائز أن تفرغ الصلاة ويتأخروا بعد ذلك إلى آخر النهار , ولا مانع أيضا من أن تصعد ملائكة النهار وبعض النهار باق وتقيم ملائكة الليل , ولا يرد على ذلك وصفهم بالمبيت بقوله " باتوا فيكم " لأن اسم المبيت صادق عليهم ولو تقدمت إقامتهم بالليل قطعة من النهار . ‏
‏قوله ( الذين باتوا فيكم ) اختلف في سبب الاقتصار على سؤال الذين باتوا دون الذين ظلوا , فقيل : هو من باب الاكتفاء بذكر أحد المثلين عن الآخر كقوله تعالى ( فذكر إن نفعت الذكرى ) أي وإن لم تنفع , وقوله تعالى ( سرابيل تقيكم الحر ) أي والبرد , وإلى هذا أشار ابن التين وغيره , ثم قيل : الحكمة في الاقتصار على ذلك أن حكم طرفي النهار يعلم من حكم طرفي الليل , فلو ذكره لكان تكرارا . ثم قيل : الحكمة في الاقتصار على هذا الشق دون الآخر أن الليل مظنة المعصية فلما لم يقع منهم عصيان - مع إمكان دواعي الفعل من إمكان الإخفاء ونحوه - واشتغلوا بالطاعة كان النهار أولى بذلك , فكان السؤال عن الليل أبلغ من السؤال عن النهار لكون النهار محل الاشتهار . وقيل : الحكمة في ذلك أن ملائكة الليل إذا صلوا الفجر عرجوا في الحال , وملائكة النهار إذا صلوا العصر لبثوا إلى آخر النهار لضبط بقية عمل النهار , وهذا ضعيف , لأنه يقتضي أن ملائكة النهار لا يسألون عن وقت العصر , وهو خلاف ظاهر الحديث كما سيأتي . ثم هو مبني على أنهم الحفظة وفيه نظر لما سنبينه , وقيل بناه أيضا على أنهم الحفظة أنهم ملائكة النهار فقط وهم لا يبرحون عن ملازمة بني آدم , وملائكة الليل هم الذين يعرجون ويتعاقبون , ويؤيده ما رواه أبو نعيم في " كتاب الصلاة " له من طريق الأسود بن يزيد النخعي قال : يلتقي الحارسان - أي ملائكة الليل وملائكة النهار - عند صلاة الصبح فيسلم بعضهم على بعض فتصعد ملائكة الليل وتلبث ملائكة النهار . وقيل : يحتمل أن يكون العروج إنما يقع عند صلاة الفجر خاصة , وأما النزول فيقع في الصلاتين معا , وفيه التعاقب , وصورته أن تنزل طائفة عند العصر وتبيت , ثم تنزل طائفة ثانية عند الفجر , فيجتمع الطائفتان في صلاة الفجر , ثم يعرج الذين باتوا فقط ويستمر الذين نزلوا وقت الفجر إلى العصر فتنزل الطائفة الأخرى حصل اجتماعهم عند العصر أيضا ولا يصعد منهم أحد بل تبيت الطائفتان أيضا ثم تعرج إحدى الطائفتين ويستمر ذلك فتصح صورة التعاقب مع اختصاص النزول بالعصر والعروج بالفجر , فلهذا خص السؤال بالذين باتوا , والله أعلم . وقيل : إن قوله في هذا الحديث " ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر " وهم لأنه ثبت في طرق كثيرة أن الاجتماع في صلاة الفجر من غير ذكر صلاة العصر كما في الصحيحين من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في أثناء حديث قال فيه " وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر " قال أبو هريرة : واقرءوا إن شئتم ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) وفي الترمذي والنسائي من وجه آخر بإسناد صحيح عن أبي هريرة في قوله تعالى ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال : " تشهده ملائكة الليل والنهار " وروى ابن مردويه من حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه , قال ابن عبد البر : ليس في هذا دفع للرواية التي فيها ذكر العصر , إذ لا يلزم من عدم ذكر العصر في الآية والحديث الآخر عدم اجتماعهم في العصر لأن المسكوت عنه قد يكون في حكم المذكور بدليل آخر , قال : ويحتمل أن يكون الاقتصار وقع في الفجر لكونها جهرية , وبحثه الأول متجه لأنه لا سبيل إلى ادعاء توهيم الراوي الثقة مع إمكان التوفيق بين الروايات , ولا سيما أن الزيادة من العدل الضابط مقبولة . ولم لا يقال : إن رواية من لم يذكر سؤال الذين أقاموا في النهار واقع من تقصير بعض الرواة , أو يحمل قوله " ثم يعرج الذين باتوا " على ما هو أعم من المبيت بالليل والإقامة بالنهار , فلا يختص ذلك بليل دون نهار ولا عكسه , بل كل طائفة منهم إذا صعدت سئلت , وغاية ما فيه أنه استعمل لفظ " بات " في أقام مجازا , ويكون قوله " فيسألهم " أي كلا من الطائفتين في الوقت الذي يصعد فيه , ويدل على هذا الحمل رواية موسى بن عقبة عن أبي الزناد عند النسائي ولفظه " ثم يعرج الذين كانوا فيكم " فعلى هذا لم يقع في المتن اختصار ولا اقتصار , وهذا أقرب الأجوبة . وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق أخرى واضحا وفيه التصريح بسؤال كل من الطائفتين , وذلك فيما رواه ابن خزيمة في صحيحه وأبو العباس السراج جميعا عن يوسف بن موسى عن جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر , فيجتمعون في صلاة الفجر , فتصعد ملائكة الليل وتبيت ملائكة النهار , ويجتمعون في صلاة العصر فتصعد ملائكة النهار وتبيت ملائكة الليل , فيسألهم ربهم : كيف تركتم عبادي " الحديث . وهذه الرواية تزيل الإشكال وتغني عن كثير من الاحتمالات المتقدمة , فهي المعتمدة , ويحمل ما نقص منها على تقصير بعض الرواة . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
01-31-2009, 01:30 AM
‏قوله ( فيسألهم ) ‏
‏قيل الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير , واستنطاقهم بما يقتضي التعطف عليهم , وذلك لإظهار الحكمة في خلق نوع الإنسان في مقابلة من قال من الملائكة ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك , قال إني أعلم ما لا تعلمون ) أي وقد وجد فيهم من يسبح ويقدس مثلكم بنص شهادتكم , وقال عياض : هذا السؤال على سبيل التعبد للملائكة كما أمروا أن يكتبوا أعمال بني آدم , وهو سبحانه وتعالى أعلم من الجميع بالجميع . ‏

‏قوله : ( كيف تركتم عبادي ) ‏
‏قال ابن أبي جمرة . وقع السؤال عن آخر الأعمال لأن الأعمال بخواتيمها . ‏
‏قال والعباد المسئول عنهم هم المذكورون في قوله تعالى ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) . ‏

‏قوله : ( تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ) ‏
‏لم يراعوا الترتيب الوجودي , لأنهم بدءوا بالترك قبل الإتيان , والحكمة فيه أنهم طابقوا السؤال لأنه قال : كيف تركتم ؟ ولأن المخبر به صلاة العباد والأعمال بخواتيمها فناسب ذلك إخبارهم عن آخر عملهم قبل أوله , وقوله " تركناهم وهم " ظاهره أنهم فارقوهم عند شروعهم في العصر سواء تمت أم منع مانع من إتمامها وسواء شرع الجميع فيها أم لا لأن المنتظر في حكم المصلي , ويحتمل أن يكون المراد بقولهم " وهم يصلون " أي ينتظرون صلاة المغرب . وقال ابن التين : الواو في قوله " وهم يصلون " واو الحال أي تركناهم على هذه الحال , ولا يقال يلزم منه أنهم فارقوهم قبل انقضاء الصلاة فلم يشهدوها معهم , والخبر ناطق بأنهم يشهدونها لأنا نقول : هو محمول على أنهم شهدوا الصلاة مع من صلاها في أول وقتها , وشهدوا من دخل فيها بعد ذلك , ومن شرع في أسباب ذلك . ‏
‏( تنبيه ) ‏
‏: استنبط منه بعض الصوفية أنه يستحب أن لا يفارق الشخص شيئا من أموره إلا وهو على طهارة كشعره إذا حلقه وظفره إذا قلمه وثوبه إذا أبدله ونحو ذلك . وقال ابن أبي جمرة : أجابت الملائكة بأكثر مما سئلوا عنه , لأنهم علموا أنه سؤال يستدعي التعطف على بني آدم فزادوا في موجب ذلك . ‏
‏قلت : ووقع في صحيح ابن خزيمة من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث " فاغفر لهم يوم الدين " قال : ويستفاد منه أن الصلاة أعلى العبادات لأنه عنها وقع السؤال والجواب , وفيه الإشارة إلى عظم هاتين الصلاتين لكونهما تجتمع فيهما الطائفتان وفي غيرهما طائفة واحدة والإشارة إلى شرف الوقتين المذكورين , وقد ورد أن الرزق يقسم بعد صلاة الصبح , وأن الأعمال ترفع آخر النهار , فمن كان حينئذ في طاعة بورك في رزقه وفي عمله , والله أعلم . ويترتب عليه حكمة الأمر بالمحافظة عليهما والاهتمام بهما , وفيه تشريف هذه الأمة على غيرها , ويستلزم تشريف نبيها على غيره . وفيه الإخبار بالغيوب , ويترتب عليه زيادة الإيمان . وفيه الإخبار بما نحن فيه من ضبط أحوالنا حتى نتيقظ ونتحفظ في الأوامر والنواهي ونفرح في هذه الأوقات بقدوم رسل ربنا وسؤال ربنا عنا . وفيه إعلامنا بحب ملائكة الله لنا لنزداد فيهم حبا ونتقرب إلى الله بذلك . وفيه كلام الله تعالى مع ملائكته . وغير ذلك من الفوائد والله أعلم . وسيأتي الكلام على ذلك في " باب قوله ثم يعرج " في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى

ahmedaboali
01-31-2009, 01:30 AM
‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏إبراهيم بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏سالم بن عبد الله ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏أنه أخبره ‏
‏أنه سمع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس أوتي ‏ ‏أهل التوراة ‏ ‏التوراة فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا ‏ ‏قيراطا ‏ ‏قيراطا ‏ ‏ثم أوتي ‏ ‏أهل الإنجيل ‏ ‏الإنجيل فعملوا إلى صلاة العصر ثم عجزوا فأعطوا ‏ ‏قيراطا ‏ ‏قيراطا ‏ ‏ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا ‏ ‏قيراطين ‏ ‏قيراطين ‏ ‏فقال ‏ ‏أهل الكتابين ‏ ‏أي ربنا أعطيت هؤلاء ‏ ‏قيراطين ‏ ‏قيراطين ‏ ‏وأعطيتنا ‏ ‏قيراطا ‏ ‏قيراطا ‏ ‏ونحن كنا أكثر عملا قال قال الله عز وجل ‏ ‏هل ظلمتكم من أجركم من شيء قالوا لا قال فهو فضلي أوتيه من أشاء ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري‏

‏قوله : ( إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس ) ‏
‏ظاهره أن بقاء هذه الأمة وقع في زمان الأمم السالفة , وليس ذلك المراد قطعا , وإنما معناه أن نسبة مدة هذه الأمة إلى مدة من تقدم من الأمم مثل ما بين صلاة العصر وغروب الشمس إلى بقية النهار , فكأنه قال : إنما بقاؤكم بالنسبة إلى ما سلف إلخ , وحاصله أن " في " بمعنى إلى , وحذف المضاف وهو لفظ " نسبة " . وقد أخرج المصنف هذا الحديث وكذا حديث أبي موسى الآتي بعده في أبواب الإجارة , ويقع استيفاء الكلام عليهما هناك إن شاء الله تعالى , والغرض هنا بيان مطابقتهما للترجمة والتوفيق بين ما ظاهره الاختلاف منهما . ‏

‏قوله : ( أوتي أهل التوراة التوراة ) ‏
‏ظاهره أن هذا كالشرح والبيان لما تقدم من تقدير مدة الزمانين , وقد زاد المصنف من رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر في فضائل القرآن هنا " وأن مثلكم ومثل اليهود والنصارى إلخ " وهو يشعر بأنهما قضيتان . ‏

‏قوله : ( قيراطا قيراطا ) ‏
‏كرر قيراطا ليدل على تقسيم القراريط على العمال , لأن العرب إذا أرادت تقسيم الشيء على متعدد كررته كما يقال : اقسم هذا المال على بني فلان درهما درهما , لكل واحد درهم . ‏
‏قوله في حديث ابن عمر ‏
‏( عجزوا ) ‏
‏قال الداودي : هذا مشكل , لأنه إن كان المراد من مات منهم مسلما فلا يوصف بالعجز لأنه عمل ما أمر به , وإن كان من مات بعد التغيير والتبديل فكيف يعطى القيراط من حبط عمله بكفره ؟ وأورده ابن التين قائلا : قال بعضهم ولم ينفصل عنه وأجيب بأن المراد من مات منهم مسلما قبل التغيير والتبديل , وعبر بالعجز لكونهم لم يستوفوا عمل النهار كله وإن كانوا قد استوفوا عمل ما قدر لهم , فقوله عجزوا أي عن إحراز الأجر الثاني دون الأول , لكن من أدرك منهم النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به أعطي الأجر مرتين كما سبق مصرحا به في كتاب الإيمان . قال المهلب ما معناه : أورد البخاري حديث ابن عمر وحديث أبي موسى في هذه الترجمة ليدل على أنه قد يستحق بعمل البعض أجر الكل , مثل الذي أعطي من العصر إلى الليل أجر النهار كله , فهو نظير من يعطى أجر الصلاة كلها ولو لم يدرك إلا ركعة , وبهذا تظهر مطابقة الحديثين للترجمة . ‏
‏قلت : وتكملة ذلك أن يقال إن فضل الله الذي أقام به عمل ربع النهار مقام عمل النهار كله هو الذي اقتضى أن يقوم إدراك الركعة الواحدة من الصلاة الرباعية التي هي العصر مقام إدراك الأربع في الوقت , فاشتركا في كون كل منهما ربع العمل , وحصل بهذا التقرير الجواب عمن استشكل وقوع الجميع أداء مع أن الأكثر إنما وقع خارج الوقت , فيقال في هذا ما أجيب به أهل الكتابين ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) . وقد استبعد بعض الشراح كلام المهلب ثم قال : هو منفك عن محل الاستدلال , لأن الأمة عملت آخر النهار فكان أفضل من عمل المتقدمين قبلها , ولا خلاف أن تقديم الصلاة أفضل من تأخيرها . ثم هو من الخصوصيات التي لا يقاس عليها , لأن صيام آخر النهار لا يجزئ عن جملته , فكذلك سائر العبادات . ‏
‏قلت : فاستبعد غير مستبعد , وليس في كلام المهلب ما يقتضي أن إيقاع العبادة في آخر وقتها أفضل من إيقاعها في أوله . وأما إجزاء عمل البعض عن الكل فمن قبيل الفضل , فهو كالخصوصية سواء . ‏
‏وقال ابن المنير : يستنبط من هذا الحديث أن وقت العمل ممتد إلى غروب الشمس , وأقرب الأعمال المشهورة بهذا الوقت صلاة العصر , قال : فهو من قبيل الإشارة لا من صريح العبارة , فإن الحديث مثال , وليس المراد العمل الخاص بهذا الوقت , بل هو شامل لسائر الأعمال من الطاعات في بقية الإمهال إلى قيام الساعة . وقد قال إمام الحرمين : إن الأحكام لا تؤخذ من الأحاديث التي تأتي لضرب الأمثال . ‏
‏قلت : وما أبداه مناسب لإدخال هذا الحديث في أبواب أوقات العصر لا لخصوص الترجمة وهي " من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب " بخلاف ما أبداه المهلب وأكملناه , وأما ما وقع من المخالفة بين سياق حديث ابن عمر وحديث أبي موسى فظاهرهما أنهما قضيتان , وقد حاول بعضهم الجمع بينهما فتعسف . وقال ابن رشيد ما حاصله : إن حديث ابن عمر ذكر مثالا لأهل الأعذار لقوله " فعجزوا " فأشار إلى أن من عجز عن استيفاء العمل من غير أن يكون له صنيع في ذلك أن الأجر يحصل له تاما فضلا من الله . قال : وذكر حديث أبي موسى مثالا لمن أخر بغير عذر , وإلى ذلك الإشارة بقوله عنهم ( لا حاجة لنا إلى أجرك ) فأشار بذلك إلى أن من أخر عامدا لا يحصل له ما حصل لأهل الأعذار . ‏
‏قوله في حديث أبي موسى ( فقال أكملوا ) كذا للأكثر بهمزة قطع وبالكاف وكذا وقع في الإجازة . ووقع هنا للكشميهني " اعملوا " بهمزة وصل وبالعين . ‏
‏قوله في حديث ابن عمر ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
01-31-2009, 01:32 AM
‏( ونحن كنا أكثر عملا ) ‏
‏تمسك به بعض الحنفية كأبي زيد في كتاب الأسرار إلى أن وقت العصر من مصير ظل كل شيء مثليه , لأنه لو كان من مصير ظل كل شيء مثله لكان مساويا لوقت الظهر , وقد قالوا ( كنا أكثر عملا ) فدل على أنه دون وقت الظهر , وأجيب بمنع المساواة , وذلك معروف عند أهل العلم بهذا الفن , وهو أن المدة التي بين الظهر والعصر أطول من المدة التي بين العصر والمغرب , وأما ما نقله بعض الحنابلة من الإجماع على أن وقت العصر ربع النهار فمحمول على التقريب إذا فرغنا على أن أول وقت العصر مصير الظل مثله كما قال الجمهور , وأما على قول الحنفية فالذي من الظهر إلى العصر أطول قطعا , وعلى التنزل لا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كل جهة , وبأن الخبر إذا ورد في معنى مقصود لا تؤخذ منه المعارضة لما ورد في ذلك المعنى بعينه مقصودا في أمر آخر , وبأنه ليس في الخبر نص على أن كلا من الطائفتين أكثر عملا لصدق أن كلهم مجتمعين أكثر عملا من المسلمين , وباحتمال أن يكون أطلق ذلك تغليبا , وباحتمال أن يكون ذلك قول اليهود خاصة فيندفع الاعتراض من أصله كما جزم به بعضهم , وتكون نسبة ذلك للجميع في الظاهر غير مرادة بل هو عموم أريد به الخصوص أطلق ذلك تغليبا , وبأنه لا يلزم من كونهم أكثر عملا أن يكونوا أكثر زمانا لاحتمال كون العمل في زمنهم كان أشق , ويؤيده قوله تعالى ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ) . ومما يؤيد كون المراد كثرة العمل وقلته لا بالنسبة إلى طول الزمان وقصره كون أهل الأخبار متفقين على أن المدة التي بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم دون المدة التي بين نبينا صلى الله عليه وسلم وقيام الساعة لأن جمهور أهل المعرفة بالأخبار قالوا إن مدة الفترة بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة وثبت ذلك في صحيح البخاري عن سليمان , وقيل إنها دون ذلك حتى جاء عن بعضهم أنها مائة وخمس وعشرون سنة وهذه مدة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك , فلو تمسكنا بأن المراد التمثيل بطول الزمانين وقصرهما للزم أن يكون وقت العصر أطول من وقت الظهر ولا قائل به , فدل على أن المراد كثرة العمل وقلته , والله سبحانه وتعالى أعلم . ‏

ahmedaboali
01-31-2009, 01:33 AM
‏( ونحن كنا أكثر عملا ) ‏
‏تمسك به بعض الحنفية كأبي زيد في كتاب الأسرار إلى أن وقت العصر من مصير ظل كل شيء مثليه , لأنه لو كان من مصير ظل كل شيء مثله لكان مساويا لوقت الظهر , وقد قالوا ( كنا أكثر عملا ) فدل على أنه دون وقت الظهر , وأجيب بمنع المساواة , وذلك معروف عند أهل العلم بهذا الفن , وهو أن المدة التي بين الظهر والعصر أطول من المدة التي بين العصر والمغرب , وأما ما نقله بعض الحنابلة من الإجماع على أن وقت العصر ربع النهار فمحمول على التقريب إذا فرغنا على أن أول وقت العصر مصير الظل مثله كما قال الجمهور , وأما على قول الحنفية فالذي من الظهر إلى العصر أطول قطعا , وعلى التنزل لا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كل جهة , وبأن الخبر إذا ورد في معنى مقصود لا تؤخذ منه المعارضة لما ورد في ذلك المعنى بعينه مقصودا في أمر آخر , وبأنه ليس في الخبر نص على أن كلا من الطائفتين أكثر عملا لصدق أن كلهم مجتمعين أكثر عملا من المسلمين , وباحتمال أن يكون أطلق ذلك تغليبا , وباحتمال أن يكون ذلك قول اليهود خاصة فيندفع الاعتراض من أصله كما جزم به بعضهم , وتكون نسبة ذلك للجميع في الظاهر غير مرادة بل هو عموم أريد به الخصوص أطلق ذلك تغليبا , وبأنه لا يلزم من كونهم أكثر عملا أن يكونوا أكثر زمانا لاحتمال كون العمل في زمنهم كان أشق , ويؤيده قوله تعالى ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ) . ومما يؤيد كون المراد كثرة العمل وقلته لا بالنسبة إلى طول الزمان وقصره كون أهل الأخبار متفقين على أن المدة التي بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم دون المدة التي بين نبينا صلى الله عليه وسلم وقيام الساعة لأن جمهور أهل المعرفة بالأخبار قالوا إن مدة الفترة بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة وثبت ذلك في صحيح البخاري عن سليمان , وقيل إنها دون ذلك حتى جاء عن بعضهم أنها مائة وخمس وعشرون سنة وهذه مدة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك , فلو تمسكنا بأن المراد التمثيل بطول الزمانين وقصرهما للزم أن يكون وقت العصر أطول من وقت الظهر ولا قائل به , فدل على أن المراد كثرة العمل وقلته , والله سبحانه وتعالى أعلم . ‏

ahmedaboali
01-31-2009, 01:34 AM
‏حدثنا ‏ ‏أبو اليمان ‏ ‏قال أخبرنا ‏ ‏شعيب ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏وعطاء بن يزيد الليثي ‏ ‏أن ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏أخبرهما ‏
‏أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل ‏ ‏تمارون ‏ ‏في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فهل ‏ ‏تمارون ‏ ‏في الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا قال فإنكم ترونه كذلك يحشر الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبع فمنهم من يتبع الشمس ومنهم من يتبع القمر ومنهم من يتبع ‏ ‏الطواغيت ‏ ‏وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ‏ ‏فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه ‏ ‏فيأتيهم الله فيقول ‏ ‏أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم ‏ ‏كلاليب ‏ ‏مثل ‏ ‏شوك السعدان ‏ ‏هل رأيتم ‏ ‏شوك السعدان ‏ ‏قالوا نعم قال فإنها مثل ‏ ‏شوك السعدان ‏ ‏غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم فمنهم من ‏ ‏يوبق ‏ ‏بعمله ومنهم من ‏ ‏يخردل ‏ ‏ثم ينجو حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار فكل ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏تأكله النار إلا أثر السجود فيخرجون من النار قد ‏ ‏امتحشوا ‏ ‏فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في ‏ ‏حميل السيل ‏ ‏ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولا الجنة مقبل بوجهه قبل النار فيقول يا رب اصرف وجهي عن النار قد ‏ ‏قشبني ‏ ‏ريحها وأحرقني ‏ ‏ذكاؤها ‏ ‏فيقول هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك فيقول لا وعزتك فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق فيصرف الله وجهه عن النار فإذا أقبل به على الجنة رأى ‏ ‏بهجتها ‏ ‏سكت ما شاء الله أن يسكت ثم قال يا رب قدمني عند باب الجنة فيقول الله له أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت فيقول يا رب لا أكون أشقى خلقك فيقول فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسأل غير ذلك فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول يا رب أدخلني الجنة فيقول الله ‏ ‏ويحك ‏ ‏يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏ما أغدرك أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك فيضحك الله عز وجل منه ثم يأذن له في دخول الجنة فيقول تمن فيتمنى حتى إذا انقطع أمنيته قال الله عز وجل من كذا وكذا أقبل يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني قال الله تعالى لك ذلك ومثله معه ‏
‏قال ‏ ‏أبو سعيد الخدري ‏ ‏لأبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنهما ‏ ‏إن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏قال الله لك ذلك وعشرة أمثاله قال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏لم أحفظ من رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إلا قوله لك ذلك ومثله معه قال ‏ ‏أبو سعيد ‏ ‏إني سمعته يقول ذلك لك وعشرة أمثاله ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري

واختلف في المراد بقوله ‏
‏" آثار السجود " ‏
‏فقيل هي الأعضاء السبعة الآتي ذكرها في حديث ابن عباس قريبا وهذا هو الظاهر , وقال عياض : المراد الجبهة خاصة , ويؤيده ما في رواية مسلم من وجه آخر " أن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم " فإن ظاهر هذه الرواية يخص العموم الذي في الأولى . ‏

ahmedaboali
01-31-2009, 01:35 AM
‏حدثنا ‏ ‏إسماعيل ‏ ‏حدثني ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏صالح بن كيسان ‏ ‏عن ‏ ‏عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن خالد الجهني ‏ ‏أنه قال ‏
‏صلى لنا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏صلاة الصبح ‏ ‏بالحديبية ‏ ‏على إثر سماء كانت من الليلة فلما انصرف النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال ‏ ‏أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال ‏ ‏بنوء ‏ ‏كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري‏

‏قوله : ( عن زيد بن خالد الجهني ) ‏
‏هكذا يقول صالح بن كيسان لم يختلف عليه في ذلك , وخالفه الزهري فرواه عن شيخهما عبيد الله فقال : عن أبي هريرة أخرجه مسلم عقب رواية صالح فصحح الطريقين , لأن عبيد الله سمع من زيد بن خالد وأبي هريرة جميعا عدة أحاديث منها حديث العسيف وحديث الأمة إذا زنت , فلعله سمع هذا منهما فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا , وإنما لم يجمعهما لاختلاف لفظهما كما سنشير إليه . وقد صرح صالح بسماعه له من عبيد الله عن أبي عوانة , وروى صالح عن عبيد الله بواسطة الزهري عدة أحاديث منها حديث ابن عباس في شاة ميمونة كما تقدم في الطهارة , وحديثه عنه في قصة هرقل كما تقدم في بدء الوحي . ‏

‏قوله : ( صلى لنا ) ‏
‏أي لأجلنا , أو اللام بمعنى الباء أي صلى بنا , وفيه جواز إطلاق ذلك مجازا وإنما الصلاة لله تعالى . ‏

‏قوله : ( بالحديبية ) ‏
‏بالمهملة والتصغير وتخفف ياؤها وتثقل , يقال سميت بشجرة حدباء هناك . ‏

‏قوله : ( على إثر ) ‏
‏بكسر الهمزة وسكون المثلثة على المشهور وهو ما يعقب الشيء . ‏

‏قوله : ( سماء ) ‏
‏أي مطر وأطلق عليه سماء لكونه ينزل من جهة السماء وكل جهة علو تسمى سماء . ‏

‏قوله : ( كانت من الليل ) ‏
‏كذا للأكثر , وللمستملي والحموي " من الليلة " بالإفراد . ‏

‏قوله : ( فلما انصرف ) ‏
‏أي من صلاته أو من مكانه . ‏

‏قوله : ( هل تدرون ) ‏
‏لفظ استفهام معناه التنبيه , ووقع في رواية سفيان عن صالح عند النسائي " ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة " وهذا من الأحاديث الإلهية وهي تحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخذها عن الله بلا واسطة أو بواسطة . ‏

‏قوله : ( أصبح من عبادي ) ‏
‏هذه إضافة عموم بدليل التقسيم إلى مؤمن وكافر بخلاف مثل قوله تعالى ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) فإنها إضافة تشريف . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
01-31-2009, 01:36 AM
‏قوله : ( مؤمن بي وكافر ) ‏
‏يحتمل أن يكون المراد بالكفر هنا كفر الشرك بقرينة مقابلته بالإيمان , ولأحمد من رواية نصر بن عاصم الليثي عن معاوية الليثي مرفوعا " يكون الناس مجدبين فينزل الله عليهم رزقا من السماء من رزقه فيصبحون مشركين يقولون : مطرنا بنوء كذا " ويحتمل أن يكون المراد به كفر النعمة , ويرشد إليه قوله في رواية معمر عن صالح عن سفيان " فأما من حمدني على سقياي وأثنى عليه فذلك آمن بي " وفي رواية سفيان عند النسائي والإسماعيلي نحوه , وقال في آخره " وكفر بي " أو قال " كفر نعمتي " وفي رواية أبي هريرة عند مسلم " قال الله : ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم كافرين بها " وله في حديث ابن عباس " أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر " وعلى الأول حمله كثير من أهل العلم , وأعلى ما وقفت عليه من ذلك كلام الشافعي , قال في " الأم " : من قال مطرنا بنوء كذا وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه مطر نوء كذا فذلك كفر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن النوء وقت والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا , ومن قال مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا في وقت كذا فلا يكون كفرا , وغيره من الكلام أحب إلي منه , يعني حسما للمادة , وعلى ذلك يحمل إطلاق الحديث , وحكى ابن قتيبة في " كتاب الأنواء " أن العرب كانت في ذلك على مذهبين على نحو ما ذكر الشافعي , قال : ومعنى النوء سقوط نجم في المغرب من النجوم الثمانية والعشرين التي هي منازل القمر , قال : وهو مأخوذ من ناء إذا سقط , وقال آخرون : بل النوء طلوع نجم منها , وهو مأخوذ من ناء إذا نهض , ولا تخالف بين القولين في الوقت لأن كل نجم منها إذا طلع في المشرق وقع حال طلوعه آخر في المغرب لا يزال ذلك مستمرا إلى أن تنتهي الثمانية والعشرون بانتهاء السنة , فإن لكل واحد منها ثلاثة عشر يوما تقريبا , قال : وكانوا في الجاهلية يظنون أن نزول الغيث بواسطة النوء إما بصنعه على زعمهم وإما بعلامته , فأبطل الشرع قولهم وجعله كفرا , فإن اعتقد قائل ذلك أن للنوء صنعا في ذلك فكفره كفر تشريك , وإن اعتقد أن ذلك من قبيل التجربة فليس بشرك لكن يجوز إطلاق الكفر عليه وإرادة كفر النعمة لأنه لم يقع في شيء من طرق الحديث بين الكفر والشرك واسطة , فيحمل الكفر فيه على المعنيين لتناول الأمرين , والله أعلم . ولا يرد الساكت , لأن المعتقد قد يشكر بقلبه أو يكفر , وعلى هذا فالقول في قوله " فأما من قال " لما هو أعم من النطق والاعتقاد , كما أن الكفر فيه لما هو أعم من كفر الشرك وكفر النعمة , والله أعلم بالصواب . ‏

‏قوله : ( مطرنا بنوء كذا وكذا ) ‏
‏في حديث أبي سعيد عند النسائي " مطرنا بنوء المجدح " بكسر الميم وسكون الجيم وفتح الدال بعدها مهملة ويقال بضم أوله هو الدبران بفتح المهملة والموحدة بعدها , وقيل سمي بذلك لاستدباره الثريا , وهو نجم أحمر صغير منير . قال ابن قتيبة : كل النجوم المذكورة له نوء غير أن بعضها أحمر وأغزر من بعض , ونوء الدبران غير محمود عندهم , انتهى . وكأن ذلك ورد في الحديث تنبيها على مبالغتهم في نسبة المطر إلى النوء ولو لم يكن محمودا , أو اتفق وقوع ذلك المطر في ذلك الوقت إن كانت القصة واحدة . وفي مغازي الواقدي أن الذي قال في ذلك الوقت " مطرنا بنوء الشعرى " هو عبد الله بن أبي المعروف بابن سلول أخرجه من حديث أبي قتادة . وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم طرح الإمام المسألة على أصحابه وإن كانت لا تدرك إلا بدقة النظر . ويستنبط منه أن للولي المتمكن من النظر في الإشارة أن يأخذ منها عبارات ينسبها إلى الله تعالى صلى الله عليه وسلم كذا قرأت بخط بعض شيوخنا , وكأنه أخذه من استنطاق النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عما قال ربهم وحمل الاستفهام فيه على الحقيقة , لكنهم رضي الله عنهم فهموا خلاف ذلك , ولهذا لم يجيبوا إلا بتفويض الأمر إلى الله ورسوله .

ahmedaboali
01-31-2009, 01:37 AM
‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏وأبي عبد الله الأغر ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول ‏ ‏من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري‏

‏قوله : ( عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة ) ‏
‏في رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري " أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو عبد الله الأغر صاحب أبي هريرة أن أبا هريرة أخبرهما " . ‏
‏قوله : ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ) ‏
‏استدل به من أثبت الجهة وقال : هي جهة العلو , وأنكر ذلك الجمهور لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز تعالى الله عن ذلك . وقد اختلف في معنى النزول على أقوال : فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم . ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة وهم الخوارج والمعتزلة وهو مكابرة , والعجب أنهم أولوا ما في القرآن من نحو ذلك وأنكروا ما في الحديث إما جهلا وإما عنادا , ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمنا به على طريق الإجمال منزها الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف , ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم , ومنهم من أوله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب , ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف , ومنهم من فصل بين ما يكون تأويله قريبا مستعملا في كلام العرب وبين ما يكون بعيدا مهجورا فأول في بعض وفوض في بعض , وهو منقول عن مالك وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد , قال البيهقي : وأسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد إلا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه , ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب فحينئذ التفويض أسلم . وسيأتي مزيد بسط في ذلك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى . وقال ابن العربي : حكي عن المبتدعة رد هذه الأحاديث , وعن السلف إمرارها , وعن قوم تأويلها وبه أقول . فأما قوله ينزل فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته , بل ذلك عبارة عن ملكه الذي ينزل بأمره ونهيه , والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني , فإن حملته في الحديث على الحسي فتلك صفة الملك المبعوث بذلك , وإن حملته على المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل فيسمى ذلك نزولا عن مرتبة إلى مرتبة , فهي عربية صحيحة انتهى . والحاصل أنه تأوله بوجهين : إما بأن المعنى ينزل أمره أو الملك بأمره , وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه . وقد حكى أبو بكر بن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي ينزل ملكا , ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد بلفظ " إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل , ثم يأمر مناديا يقول : هل من داع فيستجاب له " الحديث . وفي حديث عثمان بن أبي العاص " ينادي مناد هل من داع يستجاب له " الحديث . قال القرطبي : وبهذا يرتفع الإشكال , ولا يعكر عليه ما في رواية رفاعة الجهني " ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول : لا أسأل عن عبادي غيري " لأنه ليس في ذلك ما يدفع التأويل المذكور . وقال البيضاوي : ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه , فالمراد نور رحمته , أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة . ‏
‏قوله : ( حين يبقى ثلث الليل الآخر ) ‏
‏برفع الآخر لأنه صفة الثلث , ولم تختلف الروايات عن الزهري في تعيين الوقت , واختلفت الروايات عن أبي هريرة وغيره , قال الترمذي : رواية أبي هريرة أصح الروايات في ذلك , ويقوي ذلك أن الروايات المخالفة اختلف فيها على رواتها , وسلك بعضهم طريق الجمع وذلك أن الروايات انحصرت في ستة أشياء : أولها هذه , ثانيها إذا مضى الثلث الأول , ثالثها الثلث الأول أو النصف , رابعها النصف , خامسها النصف أو الثلث الأخير , سادسها الإطلاق . فأما الروايات المطلقة فهي محمولة على المقيدة , وأما التي بأو فإن كانت أو للشك فالمجزوم به مقدم على المشكوك فيه , وإن كانت للتردد بين حالين فيجمع بذلك بين الروايات بأن ذلك يقع بحسب اختلاف الأحوال لكون أوقات الليل تختلف في الزمان وفي الآفاق باختلاف تقدم دخول الليل عند قوم وتأخره عند قوم . وقال بعضهم يحتمل أن يكون النزول يقع في الثلث الأول والقول يقع في النصف وفي الثلث الثاني , وقيل يحمل على أن ذلك يقع في جميع الأوقات التي وردت بها الأخبار , ويحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمور في وقت فأخبر به , ثم أعلم به في وقت آخر فأخبر به , فنقل الصحابة ذلك عنه والله أعلم . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
01-31-2009, 01:38 AM
‏قوله : ( من يدعوني إلخ ) ‏
‏لم تختلف الروايات على الزهري في الاقتصار على الثلاثة المذكورة وهي الدعاء والسؤال والاستغفار , والفرق بين الثلاثة أن المطلوب إما لدفع المضار أو جلب المسار , وذلك إما ديني وإما دنيوي , ففي الاستغفار إشارة إلى الأول , والسؤال إشارة إلى الثاني , وفي الدعاء إشارة إلى الثالث . وقال الكرماني : يحتمل أن يقال الدعاء ما لا طلب فيه نحو يا الله , والسؤال الطلب , وأن يقال المقصود واحد وإن اختلف اللفظ انتهى . وزاد سعيد عن أبي هريرة " هل من تائب فأتوب عليه " وزاد أبو جعفر عنه " من ذا الذي يسترزقني فأرزقه , من ذا الذي يستكشف الضر فأكشف عنه " وزاد عطاء مولى أم صبية عنه " ألا سقيم يستشفي فيشفى " ومعانيها داخلة فيما تقدم . وزاد سعيد بن مرجانة عنه " من يقرض غير عديم ولا ظلوم " وفيه تحريض على عمل الطاعة , وإشارة إلى جزيل الثواب عليها . وزاد حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري عند الدارقطني في آخر الحديث " حتى الفجر " وفي رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عند مسلم " حتى ينفجر الفجر " وفي رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة " حتى يطلع الفجر " وكذا اتفق معظم الرواة على ذلك , إلا أن في رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة عند النسائي " حتى ترحل الشمس " وهي شاذة . وزاد يونس في روايته عن الزهري في آخره أيضا " ولذلك كانوا يفضلون صلاة آخر الليل على أوله " أخرجها الدارقطني أيضا . وله من رواية ابن سمعان عن الزهري ما يشير إلى أن قائل ذلك هو الزهري . وبهذه الزيادة تظهر مناسبة ذكر الصلاة في الترجمة ومناسبة الترجمة التي بعد هذه لهذه . ‏
‏قوله : ( فأستجيب ) ‏
‏بالنصب على جواب الاستفهام وبالرفع على الاستئناف , وكذا قوله ‏
‏( فأعطيه , وأغفر له ) ‏
‏وقد قرئ بهما في قوله تعالى ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ) الآية . وليست السين في قوله تعالى " فأستجيب " للطلب بل أستجيب بمعنى أجيب , وفي حديث الباب من الفوائد تفضيل صلاة آخر الليل على أوله , وتفضيل تأخير الوتر لكن ذلك في حق من طمع أن ينتبه , وأن آخر الليل أفضل للدعاء والاستغفار , ويشهد له قوله تعالى ( والمستغفرين بالأسحار ) وأن الدعاء في ذلك الوقت مجاب , ولا يعترض على ذلك بتخلفه عن بعض الداعين لأن سبب التخلف وقوع الخلل في شرط من شروط الدعاء كالاحتراز في المطعم والمشرب والملبس أو لاستعجال الداعي أو بأن يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم , أو تحصل الإجابة ويتأخر وجود المطلوب لمصلحة العبد أو لأمر يريده الله . ‏

ahmedaboali
01-31-2009, 01:39 AM
‏حدثنا ‏ ‏محمود ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏ابن طاوس ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏أرسل ملك الموت إلى ‏ ‏موسى ‏ ‏عليهما السلام ‏ ‏فلما جاءه ‏ ‏صكه ‏ ‏فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله عليه عينه وقال ‏ ‏ارجع فقل له يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة قال أي رب ثم ماذا قال ثم الموت قال فالآن فسأل الله أن يدنيه من ‏ ‏الأرض المقدسة ‏ ‏رمية ‏ ‏بحجر قال قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند ‏ ‏الكثيب ‏ ‏الأحمر


فتح الباري بشرح صحيح البخاري

حديث أبي هريرة " أرسل ملك الموت إلى موسى " الحديث أورده المصنف بطوله من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه عنه ولم يذكر فيه الرفع , وقد ساقه في أحاديث الأنبياء من هذا الوجه ثم قال : وعن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه , وقد ساقه مسلم من طريق معمر بالسندين كذلك . وقوله فيه " رمية بحجر " أي قدر رمية حجر , أي أدنني من مكان إلى الأرض المقدسة هذا القدر , أو أدنني إليها حتى يكون بيني وبينها هذا القدر , وهذا الثاني أظهر , وعليه شرح ابن بطال وغيره . وأما الأول فهو وإن رجحه بعضهم فليس بجيد إذ لو كان كذلك لطلب الدنو أكثر من ذلك , ويحتمل أن يكون القدر الذي كان بينه وبين أول الأرض المقدسة كان قدر رمية فلذلك طلبها , لكن حكى ابن بطال عن غيره أن الحكمة في أنه لم يطلب دخولها ليعمي موضع قبره لئلا تعبده الجهال من ملته انتهى . ويحتمل أن يكون سر ذلك أن الله لما منع بني إسرائيل من دخول بيت المقدس وتركهم في التيه أربعين سنة إلى أن أفناهم الموت فلم يدخل الأرض المقدسة مع يوشع إلا أولادهم , ولم يدخلها معه أحد ممن امتنع أولا أن يدخلها كما سيأتي شرح ذلك في أحاديث الأنبياء ومات هارون ثم موسى عليهما السلام قبل فتح الأرض المقدسة على الصحيح كما سيأتي واضحا أيضا , فكأن موسى لما لم يتهيأ له دخولها لغلبة الجبارين عليها ولا يمكن نبشه بعد ذلك لينقل إليها طلب القرب منها لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه , وقيل إنما طلب موسى الدنو لأن النبي يدفن حيث يموت ولا ينقل , وفيه نظر لأن موسى قد نقل يوسف عليهما السلام معه لما خرج من مصر كما سيأتي ذلك في ترجمته إن شاء الله تعالى , وهذا كله بناء على الاحتمال الثاني والله أعلم . واختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد , فقيل : يكره لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته , وقيل يستحب , والأولى تنزيل ذلك على حالتين : فالمنع حيث لم يكن هناك غرض راجح كالدفن في البقاع الفاضلة , وتختلف الكراهة في ذلك فقد تبلغ التحريم , والاستحباب حيث يكون ذلك بقرب مكان فاضل كما نص الشافعي على استحباب نقل الميت إلى الأرض الفاضلة كمكة وغيرها . والله أعلم . ‏

ahmedaboali
01-31-2009, 01:40 AM
‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن محمد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عاصم النبيل ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏سعدان بن بشر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو مجاهد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محل بن خليفة الطائي ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏عدي بن حاتم ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏يقول ‏
‏كنت عند رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فجاءه رجلان أحدهما يشكو ‏ ‏العيلة ‏ ‏والآخر يشكو قطع السبيل فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أما قطع السبيل فإنه لا يأتي عليك إلا قليل حتى تخرج العير إلى ‏ ‏مكة ‏ ‏بغير ‏ ‏خفير ‏ ‏وأما ‏ ‏العيلة ‏ ‏فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولن له ‏ ‏ألم أوتك مالا فليقولن بلى ثم ليقولن ألم أرسل إليك رسولا فليقولن بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيبة ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري

حديث عدي بن حاتم , وقد أورده المصنف بأتم من هذا السياق , ويأتي الكلام عليه مستوفى . وشاهده هنا ‏
‏قوله فيه ( فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه ) ‏
‏وهو موافق لحديث أبي هريرة الذي قبله ومشعر بأن ذلك يكون في آخر الزمان . وحديث أبي موسى الآتي بعده مشعر بذلك أيضا , وقد أشار عدي بن حاتم - كما سيأتي في علامات النبوة - إلى أن ذلك لم يقع في زمانه وكانت وفاته في خلافة معاوية بعد استقرار أمر الفتوح , فانتفى قول من زعم أن ذلك وقع في ذلك الزمان . قال ابن التين : إنما يقع ذلك بعد نزول عيسى حين تخرج الأرض بركاتها حتى تشبع الرمانة أهل البيت ولا يبقى في الأرض كافر . ويأتي الكلام على اتقاء النار ولو بشق تمرة في الباب الذي يليه . ‏

ahmedaboali
01-31-2009, 01:41 AM
‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن موسى ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏هشام بن يوسف ‏ ‏عن ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏عطاء ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح الزيات ‏ ‏أنه سمع ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏يقول ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال الله ‏ ‏كل عمل ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام ‏ ‏جنة ‏ ‏وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا ‏ ‏يرفث ‏ ‏ولا ‏ ‏يصخب ‏ ‏فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم والذي نفس ‏ ‏محمد ‏ ‏بيده ‏ ‏لخلوف ‏ ‏فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري‏

‏قوله فيه ( ولا يصخب ) ‏
‏كذا للأكثر بالمهملة الساكنة بعدها خاء معجمة , ولبعضهم بالسين بدل الصاد وهو بمعناه , والصخب الخصام والصياح , وقد تقدم أن المراد النهي عن ذلك تأكيده حالة الصوم , وإلا فغير الصائم منهي عن ذلك أيضا . ‏

‏قوله : ( لخلوف ) ‏
‏كذا للأكثر , وللكشميهني " لخلف " بحذف الواو كأنها صيغة جمع , ويروى في غير البخاري بلفظ " لخلفة " على الوحدة كتمر وتمرة . ‏

‏قوله : ( للصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح ) ‏
‏زاد مسلم " بفطره " , وقوله " يفرحهما " أصله يفرح بهما فحذف الجار ووصل الضمير كقوله صام رمضان أي فيه . قال القرطبي : معناه فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم وقيل إن فرحه بفطره إنما هو من حيث إنه تمام صومه وخاتمة عبادته وتخفيف من ربه ومعونة على مستقبل صومه . قلت : ولا مانع من الحمل على ما هو أعم مما ذكر , ففرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك , فمنهم من يكون فرحه مباحا وهو الطبيعي , ومنهم من يكون مستحبا وهو من يكون سببه شيء مما ذكره . ‏

‏قوله : ( وإذا لقي ربه فرح بصومه ) ‏
‏أي بجزائه وثوابه . وقيل الفرح الذي عند لقاء ربه إما لسروره بربه أو بثواب ربه على الاحتمالين . قلت : والثاني أظهر إذ لا ينحصر الأول في الصوم بل يفرح حينئذ بقبول صومه وترتب الجزاء الوافر عليه . ‏

ahmedaboali
01-31-2009, 01:41 AM
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن سنان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏فليح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هلال ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏قال لقيت ‏ ‏عبد الله بن عمرو بن العاص ‏ ‏رضي الله عنهما ‏ ‏قلت ‏
‏أخبرني عن صفة رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في التوراة قال أجل والله ‏ ‏إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن ‏
‏يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ‏
‏وحرزا ‏ ‏للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك ‏ ‏المتوكل ‏ ‏ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا ‏
‏تابعه ‏ ‏عبد العزيز بن أبي سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏هلال ‏ ‏وقال ‏ ‏سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏هلال ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء ‏ ‏عن ‏ ‏ابن سلام ‏
‏غلف ‏
‏كل شيء في غلاف سيف أغلف وقوس غلفاء ورجل أغلف إذا لم يكن مختونا

فتح الباري بشرح صحيح البخاري

‏قوله : ( تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال ) ‏
‏ستأتي هذه المتابعة موصولة في تفسير سورة الفتح . ‏

‏قوله : ( وقال سعيد عن هلال عن عطاء عن ابن سلام ) ‏
‏سعيد هو ابن أبي هلال , وقد خالف عبد العزيز وفليحا في تعيين الصحابي , وطريقه هذه وصلها الدارمي في مسنده ويعقوب بن سفيان في تاريخه والطبراني جميعا بإسناد واحد عنه , ولا مانع أن يكون عطاء بن يسار حمله عن كل منهما , فقد أخرجه ابن سعد من طريق زيد بن أسلم قال " بلغنا أن عبد الله بن سلام كان يقول " فذكره . وأظن المبلغ لزيد هو عطاء بن يسار فإنه معروف بالرواية عنه فيكون هذا شاهدا لرواية سعيد بن أبي هلال والله أعلم . وسأذكر لرواية عبد الله بن سلام متابعات في تفسير سورة الفتح . ومما جاء عنه في ذلك مجملا ما أخرجه الترمذي من طريق محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده قال " مكتوب في التوراة صفة محمد صلى الله عليه وسلم وعيسى بن مريم يدفن معه " . ‏

ahmedaboali
01-31-2009, 01:42 AM
‏حدثني ‏ ‏بشر بن مرحوم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن سليم ‏ ‏عن ‏ ‏إسماعيل بن أمية ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن أبي سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال قال الله ‏ ‏ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره

فتح الباري بشرح صحيح البخاري‏

‏قوله : ( حدثنا بشر بن مرحوم ) ‏
‏هو بشر بن عبيس بمهملة ثم موحدة مصغرا بن مرحوم بن عبد العزيز بن مهران العطار فنسب إلى جده , وهو شيخ بصري ما أخرج عنه من الستة إلا البخاري , وقد أخرج حديثه هذا في الإجارة عن شيخ آخر وافق بشرا في روايته له عن شيخهما . ‏

‏قوله : ( حدثنا يحيى بن سليم ) ‏
‏بالتصغير هو الطائفي نزيل مكة مختلف في توثيقه , وليس له في البخاري موصولا سوى هذا الحديث , وذكره في الإجارة من وجه آخر عنه , والتحقيق أن الكلام فيه إنما وقع في روايته عن عبيد الله بن عمر خاصة , وهذا الحديث من غير روايته , واتفق الرواة عن يحيى بن سليم على أن الحديث من رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة , وخالفهم أبو جعفر النفيلي فقال " عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة " قاله البيهقي والمحفوظ قول الجماعة . ‏

‏قوله : ( ثلاثة : أنا خصمهم ) ‏
‏زاد ابن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي في هذا الحديث " ومن كنت خصمه خصمته " قال ابن التين : هو سبحانه وتعالى خصم لجميع الظالمين إلا أنه أراد التشديد على هؤلاء بالتصريح , والخصم يطلق على الواحد وعلى الاثنين وعلى أكثر من ذلك , وقال الهروي الواحد بكسر أوله , وقال الفراء الأول قول الفصحاء , ويجوز في الاثنين خصمان والثلاثة خصوم . ‏

‏قوله : ( أعطى بي ثم غدر ) ‏
‏كذا للجميع على حذف المفعول والتقدير أعطى يمينه بي أي عاهد عهدا وحلف عليه بالله ثم نقضه . ‏

‏قوله : ( باع حرا فأكل ثمنه ) ‏
‏خص الأكل بالذكر لأنه أعظم مقصود , ووقع عند أبي داود من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا " ثلاثة لا تقبل منهم صلاة " فذكر فيهم " ورجل اعتبد محررا " وهذا أعم من الأول في الفعل وأخص منه في المفعول به , قال الخطابي : اعتباد الحر يقع بأمرين : أن يعتقه ثم يكتم ذلك أو يجحد , والثاني أن يستخدمه كرها بعد العتق , والأول أشدهما . قلت : وحديث الباب أشد لأن فيه مع كتم العتق أو جحده العمل بمقتضى ذلك من البيع وأكل الثمن فمن ثم كان الوعيد عليه أشد , قال المهلب : وإنما كان إثمه شديدا لأن المسلمين أكفاء في الحرية , فمن باع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح الله له وألزمه الذل الذي أنقذه الله منه . وقال ابن الجوزي : الحر عبد الله , فمن جنى عليه فخصمه سيده . وقال ابن المنذر لم يختلفوا في أن من باع حرا أنه لا قطع عليه , يعني إذا لم يسرقه من حرز مثله , إلا ما يروى عن علي تقطع يد من باع حرا قال : وكان في جواز بيع الحر خلاف قديم ثم ارتفع , فروي عن علي قال : من أقر على نفسه بأنه عبد فهو عبد . قلت : يحتمل أن يكون محله فيمن لم تعلم حريته , لكن روى ابن أبي شيبة من طريق قتادة " أن رجلا باع نفسه فقضى عمر بأنه عبد وجعل ثمنه في سبيل الله " ومن طريق زرارة بن أوفى أحد التابعين أنه باع حرا في دين , ونقل ابن حزم أن الحر كان يباع في الدين حتى نزلت ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) ونقل عن الشافعي مثل رواية زرارة , ولا يثبت ذلك أكثر الأصحاب واستقر الإجماع على المنع . ‏

‏قوله : ( ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره ) ‏
‏هو في معنى من باع حرا وأكل ثمنه لأنه استوفى منفعته بغير عوض وكأنه أكلها , ولأنه استخدمه بغير أجرة وكأنه استعبده . ‏

ahmedaboali
01-31-2009, 01:43 AM
‏حدثنا ‏ ‏سليمان بن حرب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد ‏ ‏عن ‏ ‏أيوب ‏ ‏عن ‏ ‏نافع ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏رضي الله عنهما ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏مثلكم ومثل ‏ ‏أهل الكتابين ‏ ‏كمثل رجل استأجر أجراء فقال من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على ‏ ‏قيراط ‏ ‏فعملت ‏ ‏اليهود ‏ ‏ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على ‏ ‏قيراط ‏ ‏فعملت ‏ ‏النصارى ‏ ‏ثم قال من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على ‏ ‏قيراطين ‏ ‏فأنتم هم فغضبت ‏ ‏اليهود ‏ ‏والنصارى ‏ ‏فقالوا ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء قال هل نقصتكم من حقكم قالوا لا قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء

فتح الباري بشرح صحيح البخاري‏

‏قوله : ( مثلكم ومثل أهل الكتابين ) ‏
‏كذا في رواية أيوب , والمراد بأهل الكتابين اليهود والنصارى . ‏

‏قوله : ( كمثل رجل ) ‏
‏في السياق حذف تقديره مثلكم مع نبيكم ومثل أهل الكتابين مع أنبيائهم كمثل رجل استأجر , فالمثل مضروب للأمة مع نبيهم والممثل به الأجراء مع من استأجرهم . ‏

‏قوله : ( على قيراط ) ‏
‏زاد في رواية عبد الله بن دينار " على قيراط قيراط " وهو المراد . ‏

‏قوله : ( فعملت اليهود ) ‏
‏زاد ابن دينار " على قيراط قيراط " وزاد الزهري عن سالم عن أبيه كما تقدم في الصلاة " حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا " وكذا وقع في بقية الأمم , والمراد بالقيراط النصيب وهو في الأصل نصف دانق والدانق سدس درهم . ‏

‏قوله : ( إلى صلاة العصر ) ‏
‏يحتمل أن يريد به أول وقت دخولها , ويحتمل أن يريد أول حين الشروع فيها , والثاني يرفع الإشكال السابق في المواقيت على تقدير تسليم أن الوقتين متساويان , أي ما بين الظهر والعصر وما بين العصر والمغرب , فكيف يصح قول النصارى إنهم أكثر عملا من هذه الأمة ؟ وقد قدمت هناك عدة أجوبة عن ذلك فلتراجع من ثم , ومن الأجوبة التي لم تتقدم أن قائل " ما لنا أكثر عملا " اليهود خاصة , ويؤيده ما وقع في التوحيد بلفظ " فقال أهل التوراة " ويحتمل أن يكون كل من الفريقين قال ذلك , أما اليهود فلأنهم أطول زمانا فيستلزم أن يكونوا أكثر عملا , وأما النصارى فلأنهم وازنوا كثرة أتباعهم بكثرة زمن اليهود لأن النصارى آمنوا بموسى وعيسى جميعا أشار إلى ذلك الإسماعيلي , ويحتمل أن تكون أكثرية النصارى باعتبار أنهم عملوا إلى آخر صلاة العصر وذلك بعد دخول وقتها أشار إلى ذلك ابن القصار وابن العربي , وقد قدمنا أنه لا يحتاج إليه لأن المدة التي بين الظهر والعصر أكثر من المدة التي بين العصر والمغرب , ويحتمل أن تكون نسبة ذلك إليهم على سبيل التوزيع : فالقائل نحن أكثر عملا اليهود , والقائل نحن أقل أجرا النصارى وفيه بعد . وحكى ابن التين أن معناه أن عمل الفريقين جميعا أكثر وزمانهم أطول , وهو خلاف ظاهر السياق . ‏

‏قوله : ( فغضبت اليهود والنصارى ) ‏
‏أي الكفار منهم . ‏

‏قوله : ( ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء ) ‏
‏بنصب أكثر وأقل على الحال كقوله تعالى ( فما لهم عن التذكرة معرضين ) وقد تقدمت مباحث هذه الجملة في كتاب المواقيت . ‏

‏قوله ( من حقكم ) ‏
‏أطلق لفظ " الحق " لقصد المماثلة وإلا فالكل من فضل الله تعالى . ‏

‏قوله : ( فذلك فضلي أوتيه من أشاء ) ‏
‏فيه حجة لأهل السنة على أن الثواب من الله على سبيل الإحسان منه جل جلاله .

ahmedaboali
01-31-2009, 01:44 AM
‏حدثنا ‏ ‏إسماعيل بن أبي أويس ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن دينار ‏ ‏مولى ‏ ‏عبد الله بن عمر ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمر بن الخطاب ‏ ‏رضي الله عنهما ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال إنما ‏ ‏مثلكم ‏ ‏واليهود ‏ ‏والنصارى ‏ ‏كرجل استعمل عمالا فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على ‏ ‏قيراط ‏ ‏قيراط ‏ ‏فعملت ‏ ‏اليهود ‏ ‏على ‏ ‏قيراط ‏ ‏قيراط ‏ ‏ثم عملت ‏ ‏النصارى ‏ ‏على ‏ ‏قيراط ‏ ‏قيراط ‏ ‏ثم أنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغارب الشمس على ‏ ‏قيراطين ‏ ‏قيراطين ‏ ‏فغضبت ‏ ‏اليهود ‏ ‏والنصارى ‏ ‏وقالوا نحن أكثر عملا وأقل عطاء قال هل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا فقال فذلك فضلي أوتيه من أشاء


فتح الباري بشرح صحيح البخاري

قوله في رواية عبد الله بن دينار ‏
‏( إنما مثلكم واليهود والنصارى ) ‏
‏هو بخفض اليهود عطفا على الضمير المجرور بغير إعادة الجار قاله ابن التين , وإنما يأتي على رأي الكوفيين , وقال ابن مالك يجوز الرفع على تقدير ومثل اليهود والنصارى على حذف المضاف وإعطاء المضاف إليه إعرابه . قلت : ووجدته مضبوطا في أصل أبي ذر بالنصب وهو موجه على إرادة المعية , ويرجح توجيه ابن مالك ما سيأتي في أحاديث الأنبياء من طريق الليث عن نافع بلفظ " وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى " . ‏

‏قوله : ( إلى مغارب الشمس ) ‏
‏كذا ثبت في رواية لمالك بلفظ الجمع وكأنه باعتبار الأزمنة المتعددة باعتبار الطوائف , ووقع في رواية سفيان الآتية في فضائل القرآن " إلى مغرب الشمس " على الإفراد وهو الوجه , ومثله في رواية الليث عن نافع الآتية في أحاديث الأنبياء , ونحوه في رواية أيوب في الباب الذي بعده بلفظ " إلى أن تغيب الشمس " . ‏

‏قوله : ( هل ظلمتكم ) ‏
‏أي نقصتكم كما في رواية نافع في الباب الذي قبله , وسأذكر بقية فوائده بعد بابين .

ahmedaboali
01-31-2009, 01:50 AM
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن سنان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏فليح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هلال ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏عبد الله بن محمد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عامر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏فليح ‏ ‏عن ‏ ‏هلال بن علي ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان يوما يحدث وعنده رجل من أهل البادية أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال له ‏ ‏ألست فيما شئت قال بلى ولكني أحب أن أزرع قال فبذر ‏ ‏فبادر ‏ ‏الطرف نباته واستواؤه واستحصاده فكان أمثال الجبال فيقول الله دونك يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏فإنه لا يشبعك شيء فقال الأعرابي والله لا تجده إلا قرشيا أو أنصاريا فإنهم أصحاب زرع وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع فضحك النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم


فتح الباري بشرح صحيح البخاري‏


‏قوله : ( باب ) ‏
‏كذا للجميع بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله , ولم يذكر ابن بطال لفظ " باب " وكان مناسبته له من قول الرجل " فإنهم أصحاب زرع " , قال ابن المنير : وجهه أنه نبه به على أن أحاديث النهي عن كراء الأرض إنما هي على التنزيه لا على الإيجاب , لأن العادة فيما يحرص عليه ابن آدم أنه يحب استمرار الانتفاع به , وبقاء حرص هذا الرجل على الزرع حتى في الجنة دليل على أنه مات على ذلك , ولو كان يعتقد تحريم كراء الأرض لفطم نفسه عن الحرص عليها حتى لا يثبت هذا القدر في ذهنه هذا الثبوت . ‏

‏قوله : ( عن هلال بن علي ) ‏
‏هو المعروف بابن أسامة , والإسناد العالي كلهم مدنيون إلا شيخ البخاري , وقد ساقه على لفظ الإسناد الثاني , وساقه في كتاب التوحيد على لفظ محمد بن سنان . ‏

‏قوله : ( وعنده رجل من أهل البادية ) ‏
‏لم أقف على اسمه . ‏

‏قوله : ( استأذن ربه في الزرع ) ‏
‏أي في أن يباشر الزراعة . ‏

‏قوله : ( فقال له ألست فيما شئت ) ‏
‏في رواية محمد بن سنان " أولست " بزيادة واو . ‏

‏قوله : ( فبذر ) ‏
‏أي ألقى البذر فنبت في الحال , وفي السياق حذف تقديره : فأذن له فبذر ( فبادر ) في رواية محمد بن سنان " فأسرع فتبادر " . ‏

‏قوله : ( الطرف ) ‏
‏بفتح الطاء وسكون الراء امتداد لحظ الإنسان إلى أقصى ما يراه , ويطلق أيضا على حركة جفن العين وكأنه المراد هنا . ‏

‏قوله : ( واستحصاده ) ‏
‏زاد في التوحيد " وتكويره " أي جمعه , وأصل الكور الجماعة الكثيرة من الإبل , والمراد أنه لما بذر لم يكن بين ذلك وبين استواء الزرع ونجاز أمره كله من القلع والحصد والتذرية والجمع والتكويم إلا قدر لمحة البصر . ‏
‏وقوله : ( دونك ) ‏
‏بالنصب على الإغراء أي خذه . ‏

‏قوله ( لا يشبعك شيء ) ‏
‏في رواية محمد بن سنان " لا يسعك " بفتح أوله والمهملة وضم العين وهو متحد المعنى . ‏

‏قوله : ( فقال الأعرابي ) ‏
‏بفتح الهمزة أي ذلك الرجل الذي من أهل البادية , وفي هذا الحديث من الفوائد أن كل ما اشتهي في الجنة من أمور الدنيا ممكن فيها قاله المهلب . وفيه وصف الناس بغالب عاداتهم قاله ابن بطال . وفيه أن النفوس جبلت على الاستكثار من الدنيا . وفيه إشارة إلى فضل القناعة وذم الشر , وفيه الإخبار عن الأمر المحقق الآتي بلفظ الماضي . ‏

اخوة الاسلام


اكتفي بهذا القدر و اكمل غدا
ان قدر لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
و صلي الله و سلم علي سيدنا محمد

spiky
01-31-2009, 04:23 AM
مشكوووووووووور وجزاك الله كل خيييييير
وارجوا ان تتقبل مرورى

ahmedaboali
01-31-2009, 06:27 PM
كل الشكر لمرورك العطر
ادام الله وجودك الطيب
بارك الله فيك

احجترامي و تقديري

ahmedaboali
02-01-2009, 05:18 AM
‏حدثنا ‏ ‏موسى بن إسماعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏همام ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏صفوان بن محرز المازني ‏ ‏قال ‏ ‏بينما أنا أمشي مع ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏رضي الله عنهما ‏
‏آخذ بيده إذ عرض رجل فقال كيف سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول في ‏ ‏النجوى ‏ ‏فقال سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك قال ‏ ‏سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته وأما الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد ‏
‏هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري‏

‏قوله في هذه الرواية " كنفه " ‏
‏بفتح النون والفاء عند الجميع , ووقع لأبي ذر عن الكشميهني بكسر المثناة وهو تصحيف قبيح قاله عياض . ووجه دخوله في أبواب الغصب الإشارة إلى أن عموم قوله هنا " أغفرها لك " مخصوص بحديث أبي سعيد الماضي في الباب قبله . ‏

ahmedaboali
02-01-2009, 05:18 AM
‏حدثني ‏ ‏عبد الله بن أبي شيبة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي أحمد ‏ ‏عن ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أراه قال الله تعالى ‏ ‏يشتمني ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏وما ينبغي له أن يشتمني ويكذبني وما ينبغي له أما شتمه فقوله إن لي ولدا وأما تكذيبه فقوله ليس يعيدني كما بدأني


فتح الباري بشرح صحيح البخاري‏

‏قوله : ( عن أبي أحمد ) ‏
‏هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري وسفيان هو الثوري . ‏

‏قوله : ( يشتمني ابن آدم ) ‏
‏بكسر التاء من " يشتمني " والشتم هو الوصف بما يقتضي النقص , ولا شك أن دعوى الولد لله يستلزم الإمكان المستدعي للحدوث , وذلك غاية النقص في حق الباري سبحانه وتعالى , والمراد من الحديث هنا قوله ليس يعيدني كما بدأني وهو قول منكري البعث من عباد الأوثان . ‏

ahmedaboali
02-01-2009, 05:19 AM
الأحاديث القدسية في صحيح مسلم

‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن يحيى ‏ ‏قال قرأت على ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏صالح بن كيسان ‏ ‏عن ‏ ‏عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن خالد الجهني ‏ ‏قال ‏
‏صلى بنا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏صلاة الصبح ‏ ‏بالحديبية ‏ ‏في إثر السماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال قال ‏ ‏أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ‏


صحيح مسلم بشرح النووي‏

‏قوله : ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف قال : " هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم , قال : قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر . فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب , وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ) ‏
‏أما ( الحديبية ) ففيها لغتان : تخفيف الياء وتشديدها . والتخفيف هو الصحيح المشهور المختار وهو قول الشافعي , وأهل اللغة , وبعض المحدثين . والتشديد قول الكسائي وابن وهب , وجماهير المحدثين . واختلافهم في ( الجعرانة ) كذلك في تشديد الراء وتخفيفها , والمختار فيها أيضا التخفيف . ‏
‏وقوله ( على إثر سماء ) هو بكسر الهمزة وإسكان الثاء وبفتحهما جميعا لغتان مشهورتان , والسماء المطر . ‏
‏وأما معنى الحديث فاختلف العلماء في كفر من قال : ( مطرنا بنوء كذا ) على قولين : أحدهما : هو كفر بالله سبحانه وتعالى سالب لأصل الإيمان مخرج من ملة الإسلام . قالوا : وهذا فيمن قال ذلك معتقدا أن الكوكب فاعل مدبر منشئ للمطر , كما كان بعض أهل الجاهلية يزعم , ومن اعتقد هذا فلا شك في كفره . وهذا القول هو الذي ذهب إليه جماهير العلماء , والشافعي منهم وهو ظاهر الحديث , قالوا : وعلى هذا لو قال : مطرنا بنوء كذا معتقدا أنه من الله تعالى وبرحمته , وأن النوء ميقات له وعلامة اعتبارا بالعادة فكأنه قال : مطرنا في وقت كذا , فهذا لا يكفر . واختلفوا في كراهته والأظهر كراهته لكنها كراهة تنزيه لا إثم فيها . وسبب الكراهة أنها كلمة مترددة بين الكفر وغيره , فيساء الظن بصاحبها , ولأنها شعار الجاهلية , ومن سلك مسلكهم . ‏
‏والقول الثاني في أصل تأويل الحديث : أن المراد كفر نعمة الله تعالى لاقتصاره على إضافة الغيث إلى الكوكب , وهذا فيمن لا يعتقد تدبير الكوكب . ويؤيد هذا التأويل الرواية الأخيرة في الباب : " أصبح من الناس شاكر وكافر " وفي الرواية الأخرى : " ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين " وفي الرواية الأخرى : " ما أنزل الله تعالى من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين " فقوله ( بها ) يدل على أنه كفر بالنعمة . والله أعلم . ‏
‏وأما ( النوء ) ففيه كلام طويل قد لخصه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله , فقال : النوء في أصله ليس هو نفس الكوكب فإنه مصدر ناء النجم ينوء نوءا أي سقط , وغاب . وقيل : أي نهض وطلع . وبيان ذلك أن ثمانية وعشرين نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها وهي المعروفة بمنازل القمر الثمانية والعشرين . يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة منها نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته . وكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منهما . وقال الأصمعي : إلى الطالع منهما . قال أبو عبيد : ولم أسمع أحدا ينسب النوء للسقوط إلا في هذا الموضع . ثم إن النجم نفسه قد يسمى نوءا تسمية للفاعل بالمصدر . قال أبو إسحاق الزجاج في بعض أماليه : الساقطة في الغرب هي الأنواء والطالعة في المشرق هي البوارج . والله أعلم

ahmedaboali
02-01-2009, 05:20 AM
‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏وزهير بن حرب ‏ ‏وإسحق بن إبراهيم ‏ ‏واللفظ ‏ ‏لأبي بكر ‏ ‏قال ‏ ‏إسحق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏وقال الآخران ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن عيينة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال الله عز وجل ‏ ‏إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشرا ‏


صحيح مسلم بشرح النووي‏

‏فيه ( أبو الزناد عن الأعرج ) ‏
‏أما ( أبو الزناد ) فاسمه عبد الله بن ذكوان كنيته أبو عبد الرحمن . وأما أبو الزناد . فلقب غلب عليه وكان يغضب منه . وأما ( الأعرج ) عبد الرحمن بن هرمز وهذان وإن كانا مشهورين وقد تقدم بيانهما إلا أنه قد تخفى أسماؤهما على بعض الناظرين في الكتاب . ‏

‏وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوا عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة , وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشرا ) ‏
‏وفي الحديث الآخر : ( في الحسنة إلى سبعمائة ضعف ) وفي الآخر : ( في السيئة إنما تركها من جراي ) فقال الإمام المازري رحمه الله : مذهب القاضي أبي بكر بن الطيب أن من عزم على المعصية بقلبه , ووطن نفسه عليها , أثم في اعتقاده وعزمه . ويحمل ما وقع في هذه الأحاديث وأمثالها على أن ذلك فيمن لم يوطن نفسه على المعصية , وإنما مر ذلك بفكره من غير استقرار , ويسمى هذا هما ويفرق بين الهم والعزم . هذا مذهب القاضي أبي بكر , وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين وأخذوا بظاهر الحديث . قال القاضي عياض رحمه الله : عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين على ما ذهب إليه القاضي أبو بكر للأحاديث الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب , لكنهم قالوا : إن هذا العزم يكتب سيئة وليست السيئة التي هم بها لكونه لم يعملها وقطعه عنها قاطع غير خوف الله تعالى والإنابة . لكن نفس الإصرار والعزم معصية فتكتب معصية فإذا عملها كتبت معصية ثانية , فإن تركها خشية لله تعالى كتبت حسنة كما في الحديث : " إنما تركها من جراي " فصار تركه لها لخوف الله تعالى ومجاهدته نفسه ومجاهدته نفسه الأمارة بالسوء في ذلك وعصيانه هواه حسنة . فأما الهم الذي لا يكتب فهي الخواطر التي لا توطن النفس عليها , ولا يصحبها عقد ولا نية وعزم . وذكر بعض المتكلمين خلافا فيما إذا تركها لغير خوف الله تعالى , بل لخوف الناس . هل تكتب حسنة ؟ قال : لا لأنه إنما حمله على تركها الحياء . وهذا ضعيف لا وجه له . هذا آخر كلام القاضي وهو ظاهر حسن لا مزيد عليه , وقد تظاهرت نصوص الشرع بالمؤاخذة بعزم القلب المستقر ومن ذلك قوله تعالى : ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم ) الآية وقوله تعالى : ( اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ) والآيات في هذا كثيرة . وقد تظاهرت نصوص الشرع وإجماع العلماء على تحريم الحسد واحتقار المسلمين وإرادة المكروه بهم وغير ذلك من أعمال القلوب وعزمها والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-01-2009, 05:21 AM
حدثنا ‏ ‏محمد بن رافع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏همام بن منبه ‏ ‏قال هذا ما حدثنا ‏ ‏أبو هريرة ‏
‏عن ‏ ‏محمد رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فذكر أحاديث منها قال قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال الله عز وجل ‏ ‏إذا ‏ ‏تحدث ‏ ‏عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها وإذا ‏ ‏تحدث ‏ ‏بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها وقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قالت الملائكة رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به فقال ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جراي وقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها حتى يلقى الله ‏


صحيح مسلم بشرح النووي‏

‏وقوله سبحانه وتعالى : ( إنما تركها من جراي ) ‏
‏هو بفتح الجيم وتشديد الراء وبالمد والقصر لغتان معناه من أجلي . ‏

‏وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها , وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها ) ‏
‏معنى أحسن إسلامه أسلم إسلاما حقيقيا وليس كإسلام المنافقين . وقد تقدم بيان هذا .

ahmedaboali
02-01-2009, 05:21 AM
‏حدثنا ‏ ‏شيبان بن فروخ ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الوارث ‏ ‏عن ‏ ‏الجعد أبي عثمان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو رجاء العطاردي ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى قال ‏ ‏إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ‏
‏و حدثنا ‏ ‏يحيى بن يحيى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جعفر بن سليمان ‏ ‏عن ‏ ‏الجعد أبي عثمان ‏ ‏في هذا الإسناد بمعنى حديث ‏ ‏عبد الوارث ‏ ‏وزاد ومحاها الله ولا يهلك على الله إلا هالك ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


‏( قتادة بن فروخ ) ‏
‏بفتح الفاء وبالخاء المعجمة وهو غير مصروف لكونه عجميا علما وقد تقدم بيانه . ‏

‏وفيه ( أبو رجاء البارقي ) ‏
‏اسمه عمران بن تيم وقيل : ابن حريث وقيل : ابن عبد الله , أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره , وأسلم عام الفتح , وعاش مائة وعشرين سنة , وقيل : مائة وثمانيا وعشرين سنة , وقيل : مائة وثلاثين سنة . ‏

‏وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ) ‏
‏ففيه تصريح بالمذهب الصحيح المختار عند العلماء أن التضعيف لا يقف على سبعمائة ضعف . وحكى أبو الحسن أقضى القضاة الماوردي عن بعض العلماء أن التضعيف لا يتجاوز سبعمائة ضعف , وهو غلط لهذا الحديث . والله أعلم . ‏

‏وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولن يهلك على الله إلا هالك ) ‏
‏فقال القاضي عياض رحمه الله : معناه من حتم هلاكه وسدت عليه أبواب الهدى مع سعة رحمة الله تعالى وكرمه وجعله السيئة حسنة إذا لم يعملها وإذا عملها واحدة , والحسنة إذا لم يعملها واحدة , وإذا عملها عشرا إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة . فمن حرم هذه السعة وفاته هذا الفضل وكثرت سيئاته حتى غلبت مع أنها أفراد حسناته مع أنها متضاعفة فهو الهالك المحروم والله أعلم . ‏
‏قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله : في هذه الأحاديث دليل على أن الحفظة يكتبون أعمال القلوب وعقدها خلافا لمن قال : إنها لا تكتب إلا الأعمال الظاهرة . والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-01-2009, 05:22 AM
‏حدثنا ‏ ‏شيبان بن فروخ ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد بن سلمة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ثابت البناني ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه قال فركبته حتى أتيت ‏ ‏بيت المقدس ‏ ‏قال فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني ‏ ‏جبريل ‏ ‏عليه السلام ‏ ‏بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال ‏ ‏جبريل ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏اخترت الفطرة ثم ‏ ‏عرج ‏ ‏بنا إلى السماء فاستفتح ‏ ‏جبريل ‏ ‏فقيل من أنت قال ‏ ‏جبريل ‏ ‏قيل ومن معك قال ‏ ‏محمد ‏ ‏قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا ‏ ‏بآدم ‏ ‏فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح ‏ ‏جبريل ‏ ‏عليه السلام ‏ ‏فقيل من أنت قال ‏ ‏جبريل ‏ ‏قيل ومن معك قال ‏ ‏محمد ‏ ‏قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة ‏ ‏عيسى ابن مريم ‏ ‏ويحيى بن زكرياء ‏ ‏صلوات الله عليهما فرحبا ودعوا لي بخير ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح ‏ ‏جبريل ‏ ‏فقيل من أنت قال ‏ ‏جبريل ‏ ‏قيل ومن معك قال ‏ ‏محمد ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا ‏ ‏بيوسف ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا هو قد أعطي ‏ ‏شطر ‏ ‏الحسن فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح ‏ ‏جبريل ‏ ‏عليه السلام ‏ ‏قيل من هذا قال ‏ ‏جبريل ‏ ‏قيل ومن معك قال ‏ ‏محمد ‏ ‏قال وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا ‏ ‏بإدريس ‏ ‏فرحب ودعا لي بخير قال الله عز وجل ‏
‏ورفعناه مكانا عليا ‏
‏ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح ‏ ‏جبريل ‏ ‏قيل من هذا قال ‏ ‏جبريل ‏ ‏قيل ومن معك قال ‏ ‏محمد ‏ ‏قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا ‏ ‏بهارون ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح ‏ ‏جبريل ‏ ‏عليه السلام ‏ ‏قيل من هذا قال ‏ ‏جبريل ‏ ‏قيل ومن معك قال ‏ ‏محمد ‏ ‏قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا ‏ ‏بموسى ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فرحب ودعا لي بخير ثم عرج إلى السماء السابعة فاستفتح ‏ ‏جبريل ‏ ‏فقيل من هذا قال ‏ ‏جبريل ‏ ‏قيل ومن معك قال ‏ ‏محمد ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا ‏ ‏بإبراهيم ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏مسندا ظهره إلى ‏ ‏البيت المعمور ‏ ‏وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال قال فلما ‏ ‏غشيها ‏ ‏من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ‏ ‏ينعتها ‏ ‏من حسنها فأوحى الله إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى ‏ ‏موسى ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلاة قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني قد ‏ ‏بلوت ‏ ‏بني إسرائيل ‏ ‏وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف على أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى ‏ ‏موسى ‏ ‏فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين ‏ ‏موسى ‏ ‏عليه السلام ‏ ‏حتى قال يا ‏ ‏محمد ‏ ‏إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى ‏ ‏موسى ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-01-2009, 05:23 AM
صحيح مسلم بشرح النووي‏

‏قول مسلم : ( حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه ) ‏
‏هذا الإسناد كله بصريون , و ( فروخ) عجمي لا ينصرف تقدم بيانه مرات , و ( البناني ) بضم الباء منسوب إلى بنانة قبيلة معروفة . ‏
‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( أتيت بالبراق ) ‏
‏هو بضم الباء الموحدة . قال أهل اللغة البراق اسم الدابة التي ركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء . قال الزبيدي في مختصر العين , وصاحب التحرير : هي دابة كان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يركبونها . وهذاالذي قالاه من اشتراك جميع الأنبياء فيها يحتاج إلى نقل صحيح . قال ابن دريد : اشتقاق البراق من البرق إن شاء الله تعالى يعني لسرعته . وقيل : سمي بذلك لشدة صفائه وتلألئه وبريقه , وقيل : لكونه أبيض . وقال القاضي : يحتمل أنه سمي بذلك لكونه ذا لونين يقال شاة برقاء إذا كان في خلال صوفها الأبيض طاقات سود . قال : ووصف في الحديث بأنه أبيض وقد يكون من نوع الشاة البرقاء وهي معدودة في البيض . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط به الأنبياء صلوات الله عليهم ) ‏
‏أما بيت المقدس ففيه لغتان مشهورتان غاية الشهرة إحداهما بفتح الميم وإسكان القاف وكسر الدال المخففة , والثانية بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة . قال الواحدي : أما من شدده فمعناه المطهر , وأما من خففه فقال أبو علي الفارسي : لا يخلو إما أن يكون مصدرا أو مكانا فإن كان مصدرا كان كقوله تعالى { إليه مرجعكم } ونحوه من المصادر وإن كان مكانا فمعناه بيت المكان : الذي جعل فيه الطهارة , أو بيت مكان الطهارة , وتطهيره إخلاؤه من الأصنام وإبعاده منها . وقال الزجاج البيت المقدس المطهر وبيت المقدس أي المكان الذي يطهر فيه من الذنوب ويقال فيه أيضا إيلياء . والله أعلم . ‏
‏وأما ( الحلقة ) فبإسكان اللام على اللغة الفصيحة المشهورة . وحكى الجوهري وغيره فتح اللام أيضا . قال الجوهري : حكى يونس عن أبي عمرو بن العلاء ( حلقة ) بالفتح وجمعها حلق وحلقات . وأما على لغة الإسكان فجمعها حلق وحلق بفتح الحاء وكسرها . ‏
‏وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( الحلقة التي يربط به ) فكذا هو في الأصول ( به ) بضمير المذكر أعاده على معنى الحلقة وهو الشيء قال صاحب التحرير : المراد حلقة باب مسجد بيت المقدس . والله أعلم . ‏
‏وفي ربط البراق الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطي الأسباب وأن ذلك لا يقدح في التوكل إذا كان الاعتماد على الله تعالى . والله أعلم . ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-01-2009, 05:24 AM
‏وقوله صلى الله عليه وسلم : ( فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل : اخترت الفطرة ) ‏
‏هذا اللفظ وقع مختصرا هنا والمراد أنه صلى الله عليه وسلم قيل له : اختر أي الإناءين شئت كما جاء مبينا بعد هذا في هذا الباب من رواية أبي هريرة , فألهم صلى الله عليه وسلم اختيار اللبن . ‏
‏وقوله : ( اخترت الفطرة ) فسروا الفطرة هنا بالإسلام والاستقامة ومعناه والله أعلم اخترت علامة الإسلام والاستقامة . وجعل اللبن علامة لكونه سهلا طيبا طاهرا سائغا للشاربين سليم العاقبة . وأما الخمر فإنها أم الخبائث , وجالبة لأنواع من الشر في الحال والمآل . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل له : من أنت ؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه قال : قد بعث إليه ) ‏
‏أما قوله عرج فبفتح العين والراء أي صعد وقوله ( جبريل ) فيه بيان الأدب فيمن استأذن بدق الباب ونحوه فقيل له من أنت فينبغي أن يقول : زيد مثلا إذا كان اسمه زيدا ولا يقول : أنا فقد جاء الحديث بالنهي عنه ولأنه لا فائدة فيه . ‏
‏وأما قول بواب السماء : ( وقد بعث إليه ؟ ) فمراده وقد بعث إليه للإسراء وصعود السموات ؟ وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة فإن ذلك لا يخفى عليه إلى هذه المدة فهذا هو الصحيح والله أعلم في معناه . ولم يذكر الخطابي في شرح البخاري وجماعة من العلماء غيره وإن كان القاضي قد ذكر خلافا أو أشار إلى خلاف في أنه استفهم عن أصل البعثة أو عما ذكرته . قال القاضي وفي هذا أن للسماء أبوابا حقيقة وحفظة موكلين بها وفيه إثبات الاستئذان . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا أنا بآدم صلى الله عليه وسلم فرحب بي ودعا لي بخير ) ثم قال صلى الله عليه وسلم في السماء الثانية ( فإذا أنا بابني الخالة فرحبا بي ودعوا ) وذكر صلى الله عليه وسلم في باقي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم نحوه ‏
‏فيه استحباب لقاء أهل الفضل بالبشر والترحيب والكلام الحسن والدعاء لهم وإن كانوا أفضل من الداعي . ‏
‏وفيه جواز مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الإعجاب وغيره من أسباب الفتنة . ‏

‏وقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا أنا بابني الخالة ) ‏
‏قال الأزهري : قال ابن السكيت : يقال : هما ابنا عم , ولا يقال ابنا خال . ويقال : ابنا خالة , ولا يقال : ابنا عمة . ‏

‏وقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور ) ‏
‏قال القاضي رحمه الله يستدل به على جواز الاستناد إلى القبلة وتحويل الظهر إليها . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى ) ‏
‏هكذا وقع في الأصول ( السدرة ) بالألف واللام , وفي الروايات بعد هذا سدرة المنتهى . قال ابن عباس والمفسرون وغيرهم : سميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وحكي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنها سميت بذلك لكونها ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله تعالى . ‏

‏وقوله صلى الله عليه وسلم : ( وإذا ثمرها كالقلال ) ‏
‏هو بكسر القاف جمع قلة والقلة جرة عظيمة تسع قربتين أو أكثر . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فرجعت إلى ربي ) ‏
‏معناه رجعت إلى الموضع الذي ناجيته منه أولا فناجيته فيه ثانيا . ‏

‏وقوله صلى الله عليه وسلم : ( فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏معناه بين موضع مناجاة ربي . والله أعلم . ‏
‏قوله عقب هذا الحديث : ( قال الشيخ أبو أحمد حدثنا أبو العباس الماسرجسي حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة بهذا الحديث ) أبو أحمد هذا هو الجلودي راوي الكتاب عن ابن سفيان عن مسلم وقد علا له هذا الحديث برجل فإنه راه أولا عن ابن سفيان عن مسلم عن شيبان بن فروخ ثم رواه عن الماسرجسي عن شيبان واسم الماسرجسي أحمد بن محمد بن الحسين النيسابوري وهو بفتح السين المهملة وإسكان الراء وكسر الجيم وهو منسوب إلى جده ماسرجس . وهذه الفائدة وهي قوله : قال الشيخ أبو أحمد إلى آخره تقع في بعض الأصول في الحاشية وفي أكثرها في نفس الكتاب وكلاهما له وجه . فمن جعلها في الحاشية فهو الظاهر المختار لكونها ليست من كلام مسلم ولا من كتابه فلا يدخل في نفسه إنما هي فائدة فشأنها أن تكتب في الحاشية ومن أدخلها من الكتاب فلكون الكتاب منقولا عن عبد الغافر الفارسي عن شيخه الجلودي وهذه الزيادة من كلام الشيخ الجلودي فنقلها عبد الغافر في نفس الكتاب لكونها من جملة المأخوذ عن الجلودي , مع أنه ليس فيه لبس ولا إيهام أنها من أصل مسلم والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-01-2009, 05:24 AM
‏حدثنا ‏ ‏عبيد الله بن ميسرة ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏عبد الرحمن بن مهدي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد بن سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت البناني ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي ليلى ‏ ‏عن ‏ ‏صهيب ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا دخل أهل الجنة الجنة قال يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل ‏
‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن هارون ‏ ‏عن ‏ ‏حماد بن سلمة ‏ ‏بهذا الإسناد ‏ ‏وزاد ثم تلا هذه الآية ‏
‏للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله : ( حدثنا عبد الله بن عمر بن ميسرة حدثني عبد الرحمن بن مهدي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة . . . الحديث ) ‏
‏هذا الحديث هكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عيسى الترمذي وأبو مسعود الدمشقي وغيرهما : لم يروه هكذا مرفوعا عن ثابت غير حماد بن سلمة , ورواه سليمان بن المغيرة وحماد بن زيد , وحماد بن واقد عن ثابت عن ابن أبي ليلى من قوله ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذكر صهيب , وهذا الذي قاله هؤلاء ليس بقادح في صحة الحديث ; فقد قدمنا في الفصول أن المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الفقهاء وأصحاب الأصول والمحققون من المحدثين وصححه الخطيب البغدادي : أن الحديث إذا رواه بعض الثقات متصلا وبعضهم مرسلا أو بعضهم مرفوعا وبعضهم موقوفا حكم بالمتصل وبالمرفوع لأنهما زيادة ثقة وهي مقبولة عند الجماهير من كل الطوائف , والله أعلم .

ahmedaboali
02-01-2009, 05:25 AM
‏حدثني ‏ ‏زهير بن حرب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يعقوب بن إبراهيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يزيد الليثي ‏ ‏أن ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏أخبره ‏
‏أن ناسا قالوا لرسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا لا يا رسول الله قال هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فإنكم ترونه كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ‏ ‏فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه ‏ ‏فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه ‏ ‏ويضرب ‏ ‏الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم السعدان قالوا نعم يا رسول الله قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم فمنهم المؤمن بقي بعمله ومنهم المجازى حتى ‏ ‏ينجى حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله تعالى أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار يعرفونهم بأثر السجود تأكل النار من ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار وقد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله تعالى من القضاء بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة فيقول أي رب اصرف وجهي عن النار فإنه قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فيدعو الله ما شاء الله أن يدعوه ثم يقول الله تبارك وتعالى هل عسيت إن فعلت ذلك بك أن تسأل غيره فيقول لا أسألك غيره ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء الله فيصرف الله وجهه عن النار فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي رب قدمني إلى باب الجنة فيقول الله له أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك لا تسألني غير الذي أعطيتك ويلك يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏ما أغدرك فيقول أي رب ويدعو الله حتى يقول له فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسأل غيره فيقول لا وعزتك فيعطي ربه ما شاء الله من عهود ومواثيق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا قام على باب الجنة ‏ ‏انفهقت ‏ ‏له الجنة فرأى ما فيها من الخير والسرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي رب أدخلني الجنة فيقول الله تبارك وتعالى له أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت ويلك يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏ما أغدرك فيقول أي رب لا أكون أشقى خلقك فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله تبارك وتعالى منه فإذا ضحك الله منه قال ادخل الجنة فإذا دخلها قال الله له ‏ ‏تمنه فيسأل ربه ‏ ‏ويتمنى حتى إن الله ليذكره من كذا وكذا حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله تعالى ذلك لك ومثله معه ‏
‏قال ‏ ‏عطاء بن يزيد ‏ ‏وأبو سعيد الخدري ‏ ‏مع ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏لا يرد عليه من حديثه شيئا حتى إذا حدث ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏أن الله قال لذلك الرجل ومثله معه قال ‏ ‏أبو سعيد ‏ ‏وعشرة أمثاله معه يا ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏قال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏ما حفظت إلا قوله ذلك لك ومثله معه قال ‏ ‏أبو سعيد ‏ ‏أشهد أني حفظت من رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قوله ذلك لك وعشرة أمثاله قال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏أبو اليمان ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏شعيب ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏وعطاء بن يزيد الليثي ‏ ‏أن ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏أخبرهما ‏ ‏أن الناس قالوا للنبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة وساق الحديث بمثل معنى حديث ‏ ‏إبراهيم بن سعد ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-01-2009, 05:26 AM
صحيح مسلم بشرح النووي

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( هل تضارون في القمر ليلة البدر ؟ ) ‏
‏وفي الرواية الأخرى : ( هل تضامون ) , وروى ( تضارون ) بتشديد الراء وبتخفيفها والتاء مضمومة فيهما ومعنى المشدد : هل تضارون غيركم في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية أو غيرها لخفائه كما تفعلون أول ليلة من الشهر ؟ ومعنى المخفف : هل يلحقكم في رؤيته ضير ؟ وهو الضرر وروي أيضا ( تضامون ) بتشديد الميم وتخفيفها , فمن شددها فتح التاء , ومن خففها ضم التاء , ومعنى المشدد : هل تتضامون وتتلطفون في التوصل إلى رؤيته ؟ ومعنى المخفف : هل يلحقكم ضيم - وهو المشقة والتعب - ؟ قال القاضي عياض - رحمه الله - : وقال فيه بعض أهل اللغة تضارون أو تضامون بفتح التاء وتشديد الراء والميم , وأشار القاضي بهذا إلى أن غير هذا القائل يقولهما بضم التاء سواء شدد أو خفف , وكل هذا صحيح ظاهر المعنى , وفي رواية للبخاري ( لا تضامون أو لا تضارون ) على الشك ومعناه : لا يشتبه عليكم وترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضا في رؤيته . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإنكم ترونه كذلك ) ‏
‏معناه : تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال الشك والمشقة والاختلاف . ‏

‏قوله : ( الطواغيت ) ‏
‏هو جمع طاغوت , قال الليث وأبو عبيدة والكسائي وجماهير أهل اللغة : الطاغوت كل ما عبد من دون الله تعالى , وقال ابن عباس ومقاتل والكلبي وغيرهم : الطاغوت الشيطان , وقيل : هو الأصنام , قال الواحدي : الطاغوت يكون واحدا وجمعا ويؤنث ويذكر . قال الله تعالى : { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به } فهذا في الواحد , وقال تعالى في الجمع { الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم } وقال في المؤنث { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها } قال الواحدي ومثله من الأسماء الفلك يكون واحدا وجمعا ومذكرا أو مؤنثا قال النحويون : وزنه ( فعلوت ) والتاء زائدة , وهو مشتق من طغى وتقديره طغووت ثم قلبت الواو ألفا . والله أعلم . ‏

‏وقوله صلى الله عليه وسلم : ( وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ) ‏
‏قال العلماء : إنما بقوا في زمرة المؤمنين , لأنهم كانوا في الدنيا متسترين بهم فيتسترون بهم أيضا في الآخرة وسلكوا مسلكهم ودخلوا في جملتهم وتبعوهم ومشوا في نورهم , حتى ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب , وذهب عنهم نور المؤمنين , قال بعض العلماء : هؤلاء هم المطرودون عن الحوض الذين يقال لهم : سحقا سحقا . والله أعلم . ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-01-2009, 05:27 AM
‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول : أنا ربكم فيقولون : نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا , فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول : أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه ) ‏
‏اعلم أن لأهل العلم في أحاديث الصفات وآيات الصفات قولين : أحدهما : وهو مذهب معظم السلف أو كلهم أنه لا يتكلم في معناها , بل يقولون : يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته مع اعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس كمثله شيء وأنه منزه عن التجسم والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفات المخلوق , وهذا القول هو مذهب جماعة من المتكلمين , واختاره جماعة من محققيهم وهو أسلم . والقول الثاني : وهو مذهب معظم المتكلمين أنها تتأول على ما يليق بها على حسب مواقعها , وإنما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله بأن يكون عارفا بلسان العرب وقواعد الأصول والفروع , ذا رياضة في العلم , فعلى هذا المذهب يقال في قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيأتيهم الله ) أن الإتيان عبارة عن رؤيتهم إياه ; لأن العادة أن من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلا بالإتيان , فعبر بالإتيان والمجيء هنا عن الرؤية مجازا , وقيل : الإتيان فعل من أفعال الله تعالى سماه إتيانا , وقيل : المراد ( يأتيهم الله ) أي : يأتيهم بعض ملائكة الله , قال القاضي عياض - رحمه الله - : هذا الوجه أشبه عندي بالحديث , قال : ويكون هذا الملك الذي جاءهم في الصورة التي أنكروها من سمات الحدث الظاهرة على الملك والمخلوق , قال : أو يكون معناه : يأتيهم الله في صورة , أي : يأتيهم بصورة ويظهر لهم من صور ملائكته ومخلوقاته التي لا تشبه صفات الإله ليختبرهم , وهذا آخر امتحان المؤمنين , فإذا قال لهم هذا الملك أو هذه الصورة : ( أنا ربكم ) رأوا عليه من علامات المخلوق ما ينكرونه ويعلمون أنه ليس ربهم , ويستعيذون بالله منه . ‏
‏وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون ) فالمراد بالصورة هنا الصفة , ومعناه : فيتجلى الله سبحانه وتعالى لهم على الصفة التي يعلمونها ويعرفونه بها , وإنما عرفوه بصفته وإن لم تكن تقدمت لهم رؤية له سبحانه وتعالى لأنهم يرونه لا يشبه شيئا من مخلوقاته , وقد علموا أنه لا يشبه شيئا من مخلوقاته , فيعلمون أنه ربهم فيقولون : أنت ربنا , وإنما عبر بالصورة عن الصفة لمشابهتها إياها ولمجانسة الكلام فإنه تقدم ذكر الصورة . ‏
‏وأما قولهم : ( نعوذ بالله منك ) فقال الخطابي : يحتمل أن تكون هذه الاستعاذة من المنافقين خاصة , وأنكر القاضي عياض هذا وقال : لا يصح أن تكون من قول المنافقين ولا يستقيم الكلام به , وهذا الذي قاله القاضي هو الصواب , ولفظ الحديث مصرح به أو ظاهر فيه وإنما استعاذوا منه لما قدمناه من كونهم رأوا سمات المخلوق . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيتبعونه ) فمعناه يتبعون أمره إياهم بذهابهم إلى الجنة أو يتبعون ملائكته الذين يذهبون بهم إلى الجنة . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( ويضرب الصراط بين ظهري جهنم ) ‏
‏هو بفتح الظاء وسكون الهاء ومعناه : يمد الصراط عليها , وفي هذا إثبات الصراط , ومذهب أهل الحق إثباته , وقد أجمع السلف على إثباته . وهو جسر على متن جهنم يمر عليه الناس كلهم , فالمؤمنون ينجون على حسب حالهم أي : منازلهم , والآخرون يسقطون فيها , أعاذنا الله الكريم منها , وأصحابنا المتكلمون وغيرهم من السلف يقولون : إن الصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف كما ذكره أبو سعيد الخدري رضي الله عنه هنا في روايته الأخرى المذكورة في الكتاب . والله أعلم . ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-01-2009, 05:27 AM
‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ) ‏
‏هو بضم الياء وكسر الجيم والزاي آخره ومعناه : يكون أول من يمضي عليه ويقطعه يقال : أجزت الوادي وجزته لغتان بمعنى واحد , وقال الأصمعي : أجزته قطعته , وجزته مشيت فيه . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ) ‏
‏معناه لشدة الأهوال والمراد لا يتلكم في حال الإجازة , وإلا ففي يوم القيامة مواطن يتكلم الناس فيها , وتجادل كل نفس عن نفسها , ويسأل بعضهم بعضا ويتلاومون , ويخاصم التابعون المتبوعين . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم ) ‏
‏هذا من كمال شفقتهم ورحمتهم للخلق وفيه أن الدعوات تكون بحسب المواطن فيدعى في كل موطن بما يليق به . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان ) ‏
‏أما ( الكلاليب ) فجمع كلوب بفتح الكاف وضم اللام المشددة , وهو حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم وترسل في التنور , قال صاحب المطالع : هي خشبة في رأسها عقافة حديد , وقد تكون حديدا كلها ويقال لها أيضا : كلاب . وأما السعدان فبفتح السين وإسكان العين المهملة وهو نبت له شوكة عظيمة مثل الحسك من كل الجوانب . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( تخطف الناس بأعمالهم ) ‏
‏هو بفتح الطاء ويجوز كسرها , يقال : خطف وخطف بكسر الطاء وفتحها والكسر أفصح , ويجوز أن يكون معناه : تخطفهم بسبب أعمالهم , ويجوز أن يكون معناه : تخطفهم على قدر أعمالهم . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فمنهم المؤمن بقي بعمله ومنهم المجازى حتى ينجى ) ‏
‏أما الأول : فذكر القاضي عياض - رحمه الله - أنه روي على ثلاثة أوجه : أحدها : ( المؤمن يقي بعمله ) بالميم والنون وبقي بالياء والقاف , والثاني : الموثق بالمثلثة والقاف , والثالث : الموبق يعني : بعمله فالموبق بالباء الموحدة والقاف ويعنى : بفتح الياء المثناة وبعدها العين ثم النون قال القاضي هذا أصحها , وكذا قال صاحب المطالع : هذا الثالث هو الصواب , قال وفي ( يقي ) على الوجه الأول ضبطان : أحدهما : بالباء الموحدة , والثاني : بالياء المثناة من تحت من الوقاية , قلت : والموجود في معظم الأصول ببلادنا هو الوجه الأول وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( ومنهم المجازى ) فضبطناه بالجيم والزاي من المجازاة وهكذا هو في أصول بلادنا في هذا الموضع , وذكر القاضي عياض - رحمه الله - في ضبطه خلافا فقال : رواه العذري وغيره ( المجازى ) كما ذكرناه , ورواه بعضهم ( المخردل ) بالخاء المعجمة والدال واللام , ورواه بعضهم في البخاري ( المجردل ) بالجيم . فأما الذي بالخاء فمعناه : المقطع أي : بالكلاليب يقال : خردلت اللحم أي قطعته , وقيل : خردلت بمعنى صرعت , ويقال بالذال المعجمة أيضا , والجردلة بالجيم : الإشراف على الهلاك والسقوط . ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-01-2009, 05:28 AM
‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ) ‏
‏ظاهر هذا أن النار لا تأكل جميع أعضاء السجود السبعة التي يسجد الإنسان عليها وهي : الجبهة واليدان والركبتان والقدمان , وهكذا قاله بعض العلماء , وأنكره القاضي عياض - رحمه الله - وقال : المراد بأثر السجود الجبهة خاصة . والمختار الأول , فإن قيل قد ذكر مسلم بعد هذا مرفوعا أن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات الوجوه , فالجواب : أن هؤلاء القوم مخصوصون من جملة الخارجين من النار بأنه لا يسلم منهم من النار إلا دارات الوجوه , وأما غيرهم فيسلم جميع أعضاء السجود منهم عملا بعموم هذا الحديث , فهذا الحديث عام وذلك خاص فيعمل بالعام إلا ما خص . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيخرجون من النار قد امتحشوا ) ‏
‏هو بالحاء المهملة والشين المعجمة وهو بفتح التاء والحاء هكذا هو في الروايات , وكذا نقله القاضي عياض - رحمه الله - عن متقني شيوخهم , قال : وهو وجه الكلام وبه ضبطه الخطابي والهروي , وقالوا في معناه احترقوا . قال القاضي : ورواه بعض شيوخنا بضم التاء وكسر الحاء . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل ) ‏
‏هكذا هو في الأصول ( فينبتون منه ) بالميم والنون , وهو صحيح ومعناه : ينبتون بسببه . وأما ( الحبة ) فبكسر الحاء وهي بزر البقول والعشب تنبت في البراري وجوانب السيول وجمعها ( حبب ) بكسر الحاء المهملة وفتح الباء . وأما ( حميل السيل ) فبفتح الحاء وكسر الميم , وهو ما جاء به السيل من طين أو غثاء ومعناه : محمول السيل , والمراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته . ‏

‏قوله : ( قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها ) ‏
‏أما ( قشبني ) فبقاف مفتوحة ثم شين معجمة مخففة مفتوحة ومعناه : سمني وآذاني وأهلكني , كذا قاله الجماهير من أهل اللغة والغريب , وقال الداودي معناه : غير جلدي وصورتي . وأما ( ذكاؤها ) فكذا وقع في جميع روايات الحديث ( وذكاؤها ) بالمد وهو بفتح الذال المعجمة ومعناه : لهبها واشتعالها وشدة وهجها , والأشهر في اللغة ذكاها مقصور , وذكر جماعات أن المد والقصر لغتان يقال : ذكت النار تذكو ذكا إذا اشتعلت , وأذكيتها أنا . والله أعلم . ‏

‏قوله عز وجل : ( هل عسيت ) ‏
‏هو بفتح التاء على الخطاب , ويقال : بفتح السين وكسرها لغتان وقرئ بهما في السبع , قرأ نافع بالكسر والباقون بالفتح وهو الأفصح الأشهر في اللغة , قال ابن السكيت : ولا ينطق في عسيت بمستقبل . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا قام على باب الجنة انفهقت له الجنة فرأى ما فيها من الخير ) ‏
‏أما ( الخير ) فبالخاء المعجمة والياء المثناة تحت , هذا هو الصحيح المعروف في الروايات والأصول , وحكى القاضي عياض - رحمه الله - : أن بعض الرواة في مسلم رواه ( الحبر ) بفتح الحاء المهملة وإسكان الباء الموحدة ومعناه السرور , قال صاحب المطالع : كلاهما صحيح قال : والثاني أظهر , ورواه البخاري : ( الحبرة والسرور ) والحبرة : المسرة . وأما ( انفهقت ) فبفتح الفاء والهاء والقاف ومعناه انفتحت واتسعت . ‏

‏قوله : ( فلا يزال يدعو الله تعالى حتى يضحك الله تعالى منه ) ‏
‏قال العلماء : ضحك الله تعالى منه هو رضاه بفعل عبده ومحبته إياه وإظهار نعمته عليه وإيجابها عليه . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم ( فيسأل ربه ويتمنى حتى إن الله تعالى ليذكره من كذا وكذا ) ‏
‏معناه يقول له تمن من الشيء الفلاني , ومن الشيء الآخر يسمي له أجناس ما يتمنى , وهذا من عظيم رحمته سبحانه وتعالى . ‏

‏قوله في رواية أبي هريرة : ( لك ذلك ومثله معه ) ‏
‏وفي رواية أبي سعيد ( وعشرة أمثاله ) , قال العلماء : وجه الجمع بينهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم أولا بما في حديث أبي هريرة ثم تكرم الله تعالى فزاد ما في رواية أبي سعيد فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمعه أبو هريرة . ‏

ahmedaboali
02-01-2009, 05:29 AM
حدثني ‏ ‏سويد بن سعيد ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏حفص بن ميسرة ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن أسلم ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏
‏أن ناسا في زمن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نعم قال ‏ ‏هل ‏ ‏تضارون ‏ ‏في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب وهل ‏ ‏تضارون ‏ ‏في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال ما ‏ ‏تضارون ‏ ‏في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما ‏ ‏تضارون ‏ ‏في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبر ‏ ‏أهل الكتاب ‏ ‏فيدعى ‏ ‏اليهود ‏ ‏فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد ‏ ‏عزير ‏ ‏ابن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فماذا ‏ ‏تبغون ‏ ‏قالوا عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب ‏ ‏يحطم ‏ ‏بعضها بعضا فيتساقطون في النار ثم يدعى ‏ ‏النصارى ‏ ‏فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد ‏ ‏المسيح ‏ ‏ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال لهم ماذا تبغون فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا قال فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى من ‏ ‏بر ‏ ‏وفاجر أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها قال فما تنتظرون تتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى إن بعضهم ليكاد أن ‏ ‏ينقلب ‏ ‏فيقول هل بينكم وبينه ‏ ‏آية ‏ ‏فتعرفونه بها فيقولون نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره ‏ ‏طبقة ‏ ‏واحدة كلما أراد أن يسجد ‏ ‏خر ‏ ‏على ‏ ‏قفاه ‏ ‏ثم يرفعون رءوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فقال أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ثم ‏ ‏يضرب ‏ ‏الجسر على جهنم ‏ ‏وتحل ‏ ‏الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم قيل يا رسول الله وما الجسر قال ‏ ‏دحض ‏ ‏مزلة فيه ‏ ‏خطاطيف ‏ ‏وكلاليب ‏ ‏وحسك ‏ ‏تكون ‏ ‏بنجد ‏ ‏فيها ‏ ‏شويكة يقال لها ‏ ‏السعدان ‏ ‏فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير ‏ ‏وكأجاويد ‏ ‏الخيل ‏ ‏والركاب ‏ ‏فناج مسلم ومخدوش مرسل ‏ ‏ومكدوس ‏ ‏في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في ‏ ‏استقصاء ‏ ‏الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ‏ ‏نذر ‏ ‏فيها أحدا ممن أمرتنا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ‏ ‏نذر ‏ ‏فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ‏ ‏نذر ‏ ‏فيها خيرا وكان ‏ ‏أبو سعيد الخدري ‏ ‏يقول إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم ‏
‏إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ‏
‏فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد ‏ ‏عادوا ‏ ‏حمما ‏ ‏فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في ‏ ‏حميل ‏ ‏السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس ‏ ‏أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ‏ ‏ترعى بالبادية قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا ‏
‏قال ‏ ‏مسلم ‏ ‏قرأت على ‏ ‏عيسى بن حماد زغبة المصري ‏ ‏هذا الحديث في الشفاعة وقلت له أحدث بهذا الحديث عنك أنك ‏ ‏سمعت من ‏ ‏الليث بن سعد ‏ ‏فقال نعم قلت ‏ ‏لعيسى بن حماد ‏ ‏أخبركم ‏ ‏الليث بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏خالد بن يزيد ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن أبي هلال ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن أسلم ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏أنه قال قلنا يا رسول الله ‏ ‏أنرى ربنا قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏هل ‏ ‏تضارون ‏ ‏في رؤية الشمس إذا كان يوم صحو قلنا لا وسقت الحديث حتى انقضى آخره وهو نحو حديث ‏ ‏حفص بن ميسرة ‏ ‏وزاد بعد قوله بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه قال ‏ ‏أبو سعيد ‏ ‏بلغني أن الجسر أدق من الشعرة وأحد من السيف وليس في حديث ‏ ‏الليث ‏ ‏فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين وما بعده فأقر به ‏ ‏عيسى بن حماد ‏ ‏و حدثناه ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جعفر بن عون ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام بن سعد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زيد بن أسلم ‏ ‏بإسنادهما ‏ ‏نحو حديث ‏ ‏حفص بن ميسرة ‏ ‏إلى آخره وقد زاد ونقص شيئا ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-01-2009, 05:30 AM
صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما ) ‏
‏معناه : لا تضارون أصلا كما لا تضارون في رؤيتهما أصلا . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( حتى إذا ما لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى من بر وفاجر وغبر أهل الكتاب ) ‏
‏أما البر فهو المطيع . وأما ( غبر ) فبضم الغين المعجمة وفتح الباء الموحدة المشددة ومعناه بقاياهم جمع غابر . ‏

‏وقوله صلى الله عليه وسلم : ( فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا ) ‏
‏أما السراب فهو الذي يتراءى للناس في الأرض القفر والقاع المستوي وسط النهار في الحر الشديد لامعا مثل الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا , فالكفار يأتون جهنم - أعاذنا الله الكريم وسائر المسلمين منها ومن كل مكروه - وهم عطاش فيحسبونها ماء فيتساقطون فيها . ‏
‏وأما ( يحطم بعضها بعضا ) فمعناه : لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبها . والحطم : الكسر والإهلاك , والحطمة : اسم من أسماء النار لكونها تحطم ما يلقى فيها . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها ) ‏
‏معنى رأوه فيها : علموها له وهي صفته المعلومة للمؤمنين , وهي أنه لا يشبهه شيء . وقد تقدم معنى الإتيان والصورة . والله أعلم . ‏

‏قوله : ( قالوا : ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم ) ‏
‏معنى قولهم : التضرع إلى الله تعالى في كشف هذه الشدة عنهم , وأنهم لزموا طاعته سبحانه وتعالى , وفارقوا في الدنيا الناس الذين زاغوا عن طاعته - سبحانه - من قراباتهم وغيرهم ممن كانوا يحتاجون في معايشهم ومصالح دنياهم إلى معاشرتهم للارتفاق بهم , وهذا كما جرى للصحابة المهاجرين وغيرهم ومن أشبههم من المؤمنين في جميع الأزمان فإنهم يقاطعون من حاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مع حاجتهم في معايشهم إلى الارتفاق بهم والاعتضاد بمخالطتهم , فآثروا رضى الله تعالى على ذلك , وهذا معنى ظاهر في هذا الحديث لا شك في حسنه , وقد أنكر القاضي عياض - رحمه الله - هذا الكلام الواقع في صحيح مسلم , وادعى أنه مغير وليس كما قال بل الصواب ما ذكرناه . ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-01-2009, 05:31 AM
‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب ) ‏
‏هكذا هو في الأصول ( ليكاد أن ينقلب ) بإثبات ( أن ) , وإثباتها مع ( كاد ) لغة كما أن حذفها مع ( عسى ) لغة وينقلب بياء مثناة من تحت ثم نون ثم قاف ثم لام ثم باء موحدة . ومعناه والله أعلم : ينقلب عن الصواب , ويرجع عنه للامتحان الشديد الذي جرى . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيكشف عن ساق ) ‏
‏ضبط ( يكشف ) بفتح الياء وضمها وهما صحيحان . وفسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة وغريب الحديث الساق هنا بالشدة أي يكشف عن شدة وأمر مهول , وهذا مثل تضربه العرب لشدة الأمر , ولهذا يقولون : قامت الحرب على ساق , وأصله أن الإنسان إذا وقع في أمر شديد شمر ساعده وكشف عن ساقه للاهتمام به . قال القاضي عياض - رحمه الله - : وقيل المراد بالساق هنا نور عظيم , وورد ذلك في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن فورك : ومعنى ذلك ما يتجدد للمؤمنين عند رؤية الله تعالى من الفوائد والألطاف . قال القاضي عياض : وقيل : قد يكون الساق علامة بينه وبين المؤمنين من ظهور جماعة من الملائكة على خلقة عظيمة لأنه يقال : ساق من الناس كما يقال : رجل من جراد , وقيل : قد يكون ساق مخلوقا جعله الله تعالى علامة للمؤمنين خارجة عن السوق المعتادة , وقيل : كشف الخوف وإزالة الرعب عنهم وما كان غلب على قلوبهم من الأهوال , فتطمئن حينئذ نفوسهم عند ذلك , ويتجلى لهم فيخرون سجدا . قال الخطابي - رحمه الله - : وهذه الرؤية التي في هذا المقام يوم القيامة غير الرؤية التي في الجنة لكرامة أولياء الله تعالى , وإنما هذه للامتحان . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا يبقى من كان يسجد لله تعالى من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود , ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة ) ‏
‏هذا السجود امتحان من الله تعالى لعباده , وقد استدل بعض العلماء بهذا مع قوله تعالى : { ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون } على جواز تكليف ما لا يطاق , وهذا استدلال باطل ; فإن الآخرة ليست دار تكليف بالسجود , وإنما المراد امتحانهم . ‏
‏وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( طبقة ) فبفتح الطاء والباء . قال الهروي وغيره : الطبق فقار الظهر أي صار فقاره واحدة كالصحيفة فلا يقدر على السجود . والله أعلم . ‏
‏ثم اعلم أن هذا الحديث قد يتوهم منه أن المنافقين يرون الله تعالى مع المؤمنين , وقد ذهب إلى ذلك طائفة حكاه ابن فورك لقوله صلى الله عليه وسلم : " وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تعالى " وهذا الذي قالوه باطل ; بل لا يراه المنافقون بإجماع من يعتد به من علماء المسلمين , وليس في هذا الحديث تصريح برؤيتهم الله تعالى وإنما فيه أن الجمع الذي فيه المؤمنون والمنافقون يرون الصورة ثم بعد ذلك يرون الله تعالى , وهذا لا يقتضي أن يراه جميعهم , وقد قامت دلائل الكتاب والسنة على أن المنافق لا يراه سبحانه وتعالى . والله أعلم . ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-01-2009, 05:32 AM
‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( يرفعون رءوسهم وقد تحول في صورته ) ‏
‏هكذا ضبطناه ( صورته ) بالهاء في آخرها , ووقع في أكثر الأصول أو كثير منها ( في صورة ) بغير هاء , وكذا هو في الجمع بين الصحيحين للحميدي , والأول أظهر , وهو الموجود في الجمع بين الصحيحين للحافظ عبد الحق , ومعناه : وقد أزال المانع لهم من رؤيته وتجلى لهم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ) ‏
‏الجسر : بفتح الجيم وكسرها لغتان مشهورتان , وهو الصراط . ومعنى تحل الشفاعة بكسر الحاء وقيل بضمها أي : تقع ويؤذن فيها . ‏

‏قوله : ( قيل : يا رسول الله وما الجسر ؟ قال : دحض مزلة ) ‏
‏هو بتنوين دحض وداله مفتوحة والحاء ساكنة . و ( مزلة ) : بفتح الميم وفي الزاي لغتان مشهورتان الفتح والكسر , والدحض والمزلة بمعنى واحد , وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر . ومنه دحضت الشمس أي : مالت , وحجة داحضة لا ثبات لها . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيه خطاطيف وكلاليب وحسك ) ‏
‏أما الخطاطيف : فجمع خطاف بضم الخاء في المفرد . والكلاليب بمعناه , وقد تقدم بيانهما , وأما الحسك فبفتح الحاء والسين المهملتين , وهو شوك صلب من حديد . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم ) ‏
‏أنهم ثلاثة أقسام , قسم يسلم فلا يناله شيء أصلا , وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص , وقسم يكردس . ويلقى فيسقط في جهنم . وأما مكدوس فهو بالسين المهملة هكذا هو في الأصول وكذا نقله القاضي عياض - رحمه الله - عن أكثر الرواة قال : ورواه العذري بالشين المعجمة ومعناه بالمعجمة السوق , وبالمهملة كون الأشياء بعضها على بعض , ومنه تكدست الدواب في سيرها إذا ركب بعضها بعضا . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة في استقصاء الحق من المؤمنين لله تعالى يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار ) ‏
‏اعلم أن هذه اللفظة ضبطت على أوجه , أحدها : ( استيضاء ) بتاء مثناة من فوق ثم ياء مثناة من تحت ثم ضاد معجمة , والثاني : ( استضاء ) بحذف المثناة من تحت , والثالث : ( استيفاء ) بإثبات المثناة من تحت وبالفاء بدل الضاد , والرابع : ( استقصاء ) بمثناة من فوق ثم قاف ثم صاد مهملة . فالأول موجود في كثير من الأصول ببلادنا , والثاني هو الموجود في أكثرها , وهو الموجود في الجمع بين الصحيحين للحميدي , والثالث في بعضها , وهو الموجود في الجمع بين الصحيحين لعبد الحق الحافظ , والرابع في بعضها , ولم يذكر القاضي عياض غيره , وادعى اتفاق الرواة وجميع النسخ عليه , وادعى أنه تصحيف ووهم وفيه تغيير , وأن صوابه ما وقع في كتاب البخاري من رواية ابن كثير ( بأشد مناشدة في استقصاء الحق يعني في الدنيا من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم ) , وبه يتم الكلام ويتوجه . هذا آخر كلام القاضي - رحمه الله - , وليس الأمر على ما قاله ; بل جميع الروايات التي ذكرناها صحيحة لكل منها معنى حسن . وقد جاء في رواية يحيى بن بكير عن الليث ( فما أنتم بأشد مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار تعالى وتقدس إذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم ) , وهذه الرواية التي ذكرها الليث توضح المعنى فمعنى الرواية الأولى والثانية : أنكم إذا عرض لكم في الدنيا أمر مهم والتبس الحال فيه وسألتم الله تعالى بيانه وناشدتموه في استيضائه وبالغتم فيها لا تكون مناشدة أحدكم مناشدة بأشد من مناشدة المؤمنين لله تعالى في الشفاعة لإخوانهم , وأما الرواية الثالثة والرابعة فمعناهما أيضا : ما منكم من أحد يناشد الله تعالى في الدنيا في استيفاء حقه أو استقصائه وتحصيله من خصمه والمتعدي عليه بأشد من مناشدة المؤمنين الله تعالى في الشفاعة لإخوانهم يوم القيامة . والله أعلم . ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-01-2009, 05:33 AM
‏قوله سبحانه وتعالى : ( من وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير ونصف مثقال من خير ومثقال ذرة ) ‏
‏قال القاضي عياض - رحمه الله - : قيل : معنى الخير هنا اليقين , قال : والصحيح أن معناه شيء زائد على مجرد الإيمان لأن مجرد الإيمان الذي هو التصديق لا يتجزأ , وإنما يكون هذا التجزؤ لشيء زائد عليه من عمل صالح أو ذكر خفي أو عمل من أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من الله تعالى ونية صادقة , ويدل عليه قوله في الرواية الأخرى في الكتاب : ( يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن كذا , ومثله الرواية الأخرى : ( يقول الله تعالى : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط ) وفي الحديث الآخر ( لأخرجن من قال لا إله إلا الله ) . قال القاضي - رحمه الله - : فهؤلاء هم الذين معهم مجرد الإيمان وهم الذين لم يؤذن في الشفاعة فيهم , وإنما دلت الآثار على أنه أذن لمن عنده شيء زائد على مجرد الإيمان , وجعل للشافعين من الملائكة والنبيين صلوات الله وسلامه عليهم دليلا عليه , وتفرد الله عز وجل بعلم ما تكنه القلوب والرحمة لمن ليس عنده إلا مجرد الإيمان , وضرب بمثقال الذرة المثل لأقل الخير فإنها أقل المقادير . قال القاضي : وقوله تعالى : ( من كان في قلبه ذرة وكذا ) دليل على أنه لا ينفع من العمل إلا ما حضر له القلب وصحبته نية , وفيه دليل على زيادة الإيمان ونقصانه وهو مذهب أهل السنة . هذا آخر كلام القاضي - رحمه الله - . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا ) ‏
‏هكذا هو ( خيرا ) بإسكان الياء أي : صاحب خير . ‏

‏قوله سبحانه وتعالى : ( شفعت الملائكة ) ‏
‏هو بفتح الفاء وإنما ذكرته - وإن كان ظاهرا - لأني رأيت من يصحفه , ولا خلاف فيه يقال : شفع يشفع شفاعة , فهو شافع وشفيع , والمشفع بكسر الفاء الذي يقبل الشفاعة , والمشفع بفتحها الذي تقبل شفاعته . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيقبض قبضة من النار ) ‏
‏معناه يجمع جماعة . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما ) ‏
‏معنى عادوا : صاروا وليس بلازم في عاد أن يصير إلى حالة كان عليها قيل ذلك بل معناه : صار . ‏
‏وأما ( الحمم ) بضم الحاء وفتح الميم الأولى المخففة وهو الفحم , الواحدة حممة . والله أعلم . ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-01-2009, 05:33 AM
‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة ) ‏
‏أما ( النهر ) ففيه لغتان معروفتان فتح الهاء وإسكانها والفتح أجود , وبه جاء القرآن العزيز . ‏
‏وأما ( الأفواه ) فجمع فوهة بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة وهو جمع سمع من العرب على غير قياس , وأفواه الأزقة والأنهار أوائلها . قال صاحب المطالع كأن المراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض ) ‏
‏أما ( يكون ) في الموضعين الأولين فتامة ليس لها خبر معناها ما يقع , وأصيفر وأخيضر مرفوعان , وأما يكون أبيض ( فيكون ) فيه ناقصة وأبيض منصوب وهو خبرها . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم ) ‏
‏أما اللؤلؤ فمعروف وفيه أربع قراءات في السبع بهمزتين في أوله وآخره , وبحذفهما وبإثبات الهمزة في أوله دون آخره وعكسه . وأما ( الخواتم ) فجمع خاتم بفتح التاء وكسرها , ويقال أيضا : خيتام وخاتام . قال صاحب التحرير : المراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم علامة يعرفون بها , قال : معناه تشبيه صفائهم وتلألئهم باللؤلؤ . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله ) ‏
‏أي يقولون : هؤلاء عتقاء الله . ‏

‏قوله : ( قرأت على عيسى بن حماد زغبة ) ‏
‏هو بضم الزاي وإسكان الغين المعجمة وبعدها باء موحدة وهو لقب لحماد والد عيسى , ذكره أبو علي الغساني الجياني . ‏

‏قوله : ( وزاد بعد قوله بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه ) ‏
‏هذا مما قد يسأل عنه فيقال : لم يتقدم في الرواية الأولى ذكره ( القدم ) وإنما تقدم ( ولا خير قدموه ) وإذا كان كذلك لم يكن لمسلم أن يقول : زاد بعد قوله : ( ولا قدم ) إذ لم يجر للقدم ذكر , وجوابه : أن هذه الرواية التي فيها الزيادة وقع فيها : ( ولا قدم ) بدل قوله في الأولى ( خير ) ووقع فيها الزيادة فأراد مسلم - رحمه الله - بيان الزيادة , ولم يمكنه أن يقول زاد بعد قوله : ولا خير قدموه ; إذ لم يجر له ذكر في هذه الرواية فقال : زاد بعد قوله ولا قدم قدموه أي زاد بعد قوله في روايته ولا قدم قدموه . واعلم أيها المخاطب أن هذا لفظه في روايته وأن زيادته بعد هذا . والله أعلم . ‏
‏والقدم هنا بفتح القاف والدال ومعناه الخير كما في الرواية الأخرى . والله أعلم . ‏

‏قوله : ( وليس في حديث الليث فيقولون : ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين وما بعده فأقر به عيسى بن حماد ) ‏
‏أما قوله : ( وما بعده ) فمعطوف على فيقولون ربنا , أي : ليس فيه فيقولون ربنا ولا ما بعده . وأما قوله ( فأقر به عيسى ) فمعناه أقر بقول له أولا أخبركم الليث بن سعد إلى آخره . والله أعلم . ‏

‏قوله : ( وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا جعفر بن عون حدثنا هشام بن سعد حدثنا زيد بن أسلم بإسنادهما نحو حديث حفص بن ميسرة ) ‏
‏فقوله ( بإسنادهما ) يعني بإسناد ميسرة وإسناد سعيد بن أبي هلال الراويين في الطريقين المتقدمين عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه , ومراد مسلم - رحمه الله - أن زيد بن أسلم رواه عن عطاء عن أبي سعيد الخدري , ورواه عن زيد بهذا الإسناد ثلاثة من أصحابه حفص بن ميسرة وسعيد بن أبي هلال وهشام بن سعد , فأما روايتا حفص وسعيد فتقدمتا مبينتين في الكتاب , وأما رواية هشام فهي من حيث الإسناد بإسنادهما ومن حيث المتن نحو حديث حفص . والله عز وجل أعلم . ‏

ahmedaboali
02-01-2009, 05:34 AM
حدثني ‏ ‏هارون بن سعيد الأيلي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏مالك بن أنس ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو بن يحيى بن عمارة ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏يدخل الله أهل الجنة الجنة يدخل من يشاء برحمته ويدخل أهل النار النار ثم يقول انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه فيخرجون منها حمما قد ‏ ‏امتحشوا ‏ ‏فيلقون في نهر الحياة ‏ ‏أو الحيا ‏ ‏فينبتون فيه كما تنبت الحبة إلى جانب السيل ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية ‏
‏و حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عفان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وهيب ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏حجاج بن الشاعر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن عون ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏خالد ‏ ‏كلاهما ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو بن يحيى ‏ ‏بهذا الإسناد ‏ ‏وقالا ‏ ‏فيلقون في نهر يقال له الحياة ولم يشكا وفي حديث ‏ ‏خالد ‏ ‏كما تنبت ‏ ‏الغثاءة ‏ ‏في جانب السيل ‏ ‏وفي حديث ‏ ‏وهيب ‏ ‏كما تنبت الحبة في ‏ ‏حمئة ‏ ‏أو ‏ ‏حميلة ‏ ‏السيل ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيخرجون منها حمما قد امتحشوا فيلقون في نهر الحياة أو الحيا فينبتون فيه كما تنبت الحبة ) ‏
‏أما الحمم فتقدم بيانه في الباب السابق وهو بضم الحاء وفتح الميم المخففة وهو الفحم , وقد تقدم فيه بيان الحبة والنهر وبيان امتحشوا وأنه بفتح التاء على المختار , وقيل بضمها ومعناه : احترقوا . وقوله : ( الحياة أو الحيا ) هكذا وقع هنا وفي البخاري من رواية مالك وقد صرح البخاري في أول صحيحه بأن هذا الشك من مالك وروايات غيره ( الحياة ) بالتاء من غير شك , ثم إن ( الحيا ) هنا مقصور وهو المطر , سمي حيا لأنه تحيا به الأرض , ولذلك هذا الماء يحيا به هؤلاء المحترقون وتحدث فيهم النضارة كما يحدث ذلك المطر في الأرض . والله أعلم . ‏

‏قوله : ( كما تنبت الغثاء ) ‏
‏هو بضم الغين المعجمة وبالثاء المثلثة المخففة وبالمد وآخره هاء , وهو : كل ما جاء به السيل , وقيل المراد ما احتمله السيل من البذور , وجاء في غير مسلم كما تنبت الحبة في غثاء السيل بحذف الهاء من آخره وهو ما احتمله السيل من الزبد والعيدان ونحوهما من الأقذاء . والله أعلم . ‏

‏قوله : ( وفي حديث وهيب كما تنبت الحبة في حمئة أو حميلة السيل ) ‏
‏أما الأول : فهو ( حمئة ) بفتح الحاء وكسر الميم وبعدها همزة وهي الطين الأسود الذي يكون في أطراف النهر . وأما الثاني : فهو ( حميلة ) وهي واحدة الحميل المذكور في الروايات الأخرى بمعنى المحمول وهو الغثاء الذي يحتمله السيل . والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-01-2009, 05:35 AM
‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏وإسحق بن إبراهيم الحنظلي ‏ ‏كلاهما ‏ ‏عن ‏ ‏جرير ‏ ‏قال ‏ ‏عثمان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏عن ‏ ‏عبيدة ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن مسعود ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله تبارك وتعالى له اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول الله تبارك وتعالى له اذهب فادخل الجنة قال فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول الله له اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها ‏ ‏أو إن لك عشرة أمثال الدنيا ‏ ‏قال فيقول أتسخر بي ‏ ‏أو أتضحك بي ‏ ‏وأنت الملك قال لقد رأيت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ضحك حتى بدت ‏ ‏نواجذه ‏ ‏قال فكان يقال ذاك أدنى أهل الجنة منزلة

صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله : ( حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي كليهما ) ‏
‏هكذا وقع في معظم الأصول كليهما بالياء , ووقع في بعضها كلاهما بالألف مصلحا وقد قدمت في الفصول التي في أول الكتاب بيان جوازه بالياء . ‏

‏قوله :( عن عبيدة ) ‏
‏هو بفتح العين وهو عبيدة السلماني . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( رجل يخرج من النار حبوا ) ‏
‏وفي الرواية الأخرى : ( زحفا ) , قال أهل اللغة الحبو : المشي على اليدين والرجلين , وربما قالوا : على اليدين والركبتين , وربما قالوا : على يديه ومقعدته . وأما الزحف : فقال ابن دريد وغيره : هو المشي على الاست مع إفراشه بصدره , فحصل من هذا أنه الحبو الزحف متماثلان أو متقاربان ولو ثبت اختلافهما حمل على أنه في حال يزحف , وفي حال يحبو . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيقول الله تعالى له اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها ) ‏
‏وفي الرواية الأخرى : ( لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا ) هاتان الروايتان بمعنى واحد , وإحداهما تفسير الأخرى , فالمراد بالأضعاف الأمثال فإن المختار عند أهل اللغة أن الضعف المثل . ‏

‏قوله : ( أتسخر بي أو تضحك بي وأنت الملك ؟ ) ‏
‏هذا شك من الراوي هل قال : أتسخر بي , أو قال : أتضحك بي , فإن كان الواقع في نفس الأمر أتضحك بي ؟ فمعناه : أتسخر بي ; لأن الساخر في العادة يضحك ممن يسخر به , فوضع الضحك موضع السخرية مجازا وأما معنى ( أتسخر بي ) ؟ هنا ففيه أقوال : ‏
‏أحدها : قاله المازري أنه خرج على المقابلة الموجودة في معنى الحديث دون لفظه ; لأنه عاهد الله مرارا ألا يسأله غير ما سأل ثم غدر فحل غدره محل الاستهزاء والسخرية , فقدر الرجل أن قول الله تعالى له : ادخل الجنة , وتردده إليها وتخييل كونها مملوءة ضرب من الإطماع له والسخرية به جزاء لما تقدم من غدره وعقوبة له , فسمي الجزاء على السخرية سخرية , فقال أتسخر بي أي : تعاقبني بالإطماع . ‏
‏والقول الثاني : قاله أبو بكر الصوفي إن معناه : نفي السخرية التي لا تجوز على الله تعالى كأنه قال : أعلم أنك لا تهزأ بي لأنك رب العالمين , وما أعطيتني من جزيل العطاء وأضعاف مثل الدنيا حق , ولكن العجب أنك أعطيتني هذا وأنا غير أهل له , قال : والهمزة في أتسخر بي همزة نفي , قال : وهذا كلام منبسط متدلل . ‏
‏والقول الثالث : قاله القاضي عياض : أن يكون هذا الكلام صدر من هذا الرجل وهو غير ضابط لما قاله لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله , فلم يضبط لسانه دهشا وفرحا فقاله وهو لا يعتقد حقيقة معناه , وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوق , وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الآخر : أنه لم يضبط نفسه من الفرح فقال : أنت عبدي وأنا ربك . والله أعلم . ‏
‏واعلم أنه وقع في الروايات ( أتسخر بي ) وهو صحيح يقال : سخرت منه وسخرت به , والأول هو الأفصح الأشهر , وبه جاء القرآن . والثاني فصيح أيضا وقد قال بعض العلماء : إنه إنما جاء بالياء لإرادة معناه كأنه قال : أتهزأ بي . والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-01-2009, 05:36 AM
حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏وأبو كريب ‏ ‏واللفظ ‏ ‏لأبي كريب ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏عن ‏ ‏عبيدة ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إني لأعرف آخر أهل النار خروجا من النار رجل يخرج منها زحفا فيقال له انطلق فادخل الجنة قال فيذهب فيدخل الجنة فيجد الناس قد أخذوا المنازل فيقال له أتذكر الزمان الذي كنت فيه فيقول نعم فيقال له تمن فيتمنى فيقال له لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا قال فيقول أتسخر بي وأنت الملك قال فلقد رأيت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ضحك حتى بدت ‏ ‏نواجذه ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه ) ‏
‏هو بالجيم والذال المعجمة . قال أبو العباس ثعلب وجماهير العلماء من أهل اللغة وغريب الحديث وغيرهم المراد بالنواجذ هنا الأنياب , وقيل : المراد هنا الضواحك , وقيل : المراد بها الأضراس , وهذا هو الأشهر في إطلاق النواجذ في اللغة , ولكن الصواب عند الجماهير ما قدمناه , وفي هذا : جواز الضحك , وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن , ولا بمسقط للمروءة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال . والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-01-2009, 05:37 AM
‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عفان بن مسلم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد بن سلمة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏عن ‏ ‏ابن مسعود ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ‏ ‏ويكبو ‏ ‏مرة وتسفعه النار مرة فإذا ما جاوزها التفت إليها فقال تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين فترفع له شجرة فيقول أي رب أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول الله عز وجل يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها فيقول لا يا رب ويعاهده أن لا يسأله غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه ‏ ‏فيدنيه ‏ ‏منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى فيقول أي رب أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظل بظلها لا أسألك غيرها فيقول يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها فيقول لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها فيعاهده أن لا يسأله غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه ‏ ‏فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين فيقول أي رب أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها لا أسألك غيرها فيقول يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها قال بلى يا رب هذه لا أسألك غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليها ‏ ‏فيدنيه منها فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة فيقول أي رب أدخلنيها فيقول يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏ما ‏ ‏يصريني منك ‏ ‏أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها قال يا رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين ‏ ‏فضحك ‏ ‏ابن مسعود ‏ ‏فقال ألا تسألوني مم أضحك فقالوا مم تضحك قال هكذا ضحك رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقالوا مم تضحك يا رسول الله قال من ضحك رب العالمين حين قال أتستهزئ مني وأنت رب العالمين فيقول إني لا أستهزئ منك ولكني على ما أشاء قادر ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-01-2009, 05:37 AM
صحيح مسلم بشرح النووي


‏وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الأخرى في الكتاب : ( فيقول الله تعالى : أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها ) ‏
‏وفي الرواية الأخرى : ( أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا ؟ فيقول : رضيت رب , فيقول لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله ومثله , فقال في الخامسة : رضيت رب , فيقول : هذا لك وعشرة أمثاله ) فهاتان الروايتان لا تخالفان الأوليين , فإن المراد بالأولى من هاتين أن يقال له أولا : لك الدنيا ومثلها ثم يزاد إلى تمام عشرة أمثاها كما بينه في الرواية الأخيرة , وأما الأخيرة فالمراد بها أن أحد ملوك الدنيا لا ينتهي ملكه إلى جميع الأرض بل يملك بعضا منها ثم من يكثر البعض الذي يملكه ومنهم من يقل بعضه فيعطي هذا الرجل مثل أحد ملوك الدنيا خمس مرات , وذلك كله قدر الدنيا كلها , ثم يقال له : لك عشرة أمثال هذا فيعود معنى هذه الرواية إلى موافقة الروايات المتقدمة ولله الحمد . وهو أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة ) ‏
‏أما ( يكبو ) فمعناه : يسقط على وجهه . وأما ( تسفعه ) فهو بفتح التاء وإسكان السين المهملة وفتح الفاء ومعناه : تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرا . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( لأنه يرى ما لا صبر له عليه ) ‏
‏, كذا هو في الأصول في المرتين الأوليين . وأما الثالثة : فوقع في أكثر الأصول ( ما لا صبر له عليها ) , وفي بعضها ( عليه ) , وكلاهما صحيح ومعنى ( عليها ) : أي : نعمة لا صبر له عليها أي : عنها . ‏

‏قوله عز وجل : ( يا ابن آدم ما يصريني منك ) ‏
‏هو بفتح الياء وإسكان الصاد المهملة ومعناه يقطع مسألتك مني . قال أهل اللغة : ( الصري ) بفتح الصاد وإسكان الراء هو القطع وروي في غير مسلم ( ما يصريك مني ) , قال إبراهيم الحربي : هو الصواب , وأنكر الرواية التي في صحيح مسلم وغيره ( ما يصريني منك ) , وليس هو كما قال بل كلاهما صحيح ; فإن السائل متى انقطع من المسئول انقطع المسئول منه , والمعنى : أي شيء يرضيك ويقطع السؤال بيني وبينك . والله أعلم . ‏

‏قوله : ( قالوا : مم تضحك يا رسول الله ؟ قال : من ضحك رب العالمين ) ‏
‏قد قدمنا معنى الضحك من الله تعالى وهو الرضى والرحمة وإرادة الخير لمن يشاء رحمته من عباده . والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-01-2009, 05:38 AM
‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن أبي بكير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير بن محمد ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل بن أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏النعمان بن أبي عياش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة ومثل له شجرة ذات ظل فقال أي رب قدمني إلى هذه الشجرة أكون في ظلها ‏ ‏وساق الحديث بنحو حديث ‏ ‏ابن مسعود ‏ ‏ولم يذكر فيقول يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏ما ‏ ‏يصريني منك إلى آخر الحديث وزاد فيه ويذكره الله سل كذا وكذا فإذا انقطعت به الأماني قال الله هو لك وعشرة أمثاله قال ‏ ‏ثم يدخل بيته فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين فتقولان الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك قال فيقول ما أعطي أحد مثل ما أعطيت ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


قوله : ‏
‏( عن النعمان بن أبي عياش ) ‏
‏هو بالشين المعجمة وهو أبو عياش الزرقي الأنصاري الصحابي المعروف , في اسمه خلاف مشهور قيل : زيد بن الصامت , وقيل : زيد بن النعمان , وقيل : عبيد , وقيل : عبد الرحمن . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين فتقولان : الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك ) ‏
‏هكذا ثبت في الروايات والأصول ( زوجتاه ) بالتاء تثنية زوجة بالهاء , وهي لغة صحيحة معروفة , وفيها أبيات كثيرة من شعر العرب , وذكرها ابن السكيت وجماعات من أهل اللغة . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( فتقولان ) هو بالتاء المثناة من فوق وإنما ضبطت هذا وإن كان ظاهرا لكونه مما يغلط فيه بعض من لا يميز فيقوله بالمثناة من تحت , وذلك لحن لا شك فيه قال الله تعالى : { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } وقال تعالى : { ووجد من دونهم امرأتين تذودان } وقال الله تعالى : { إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا } وقال تعالى : { فيهما عينان تجريان } . ‏

‏وأما قولهما : ( الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك ) ‏
‏فمعناه : الذي خلقك لنا وخلقنا لك وجمع بيننا في هذه الدار الدائمة السرور والله أعلم .

ahmedaboali
02-01-2009, 05:39 AM
‏حدثنا ‏ ‏سعيد بن عمرو الأشعثي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان بن عيينة ‏ ‏عن ‏ ‏مطرف ‏ ‏وابن أبجر ‏ ‏عن ‏ ‏الشعبي ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏المغيرة بن شعبة ‏ ‏رواية ‏ ‏إن شاء الله ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏ابن أبي عمر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مطرف بن طريف ‏ ‏وعبد الملك بن سعيد ‏ ‏سمعا ‏ ‏الشعبي ‏ ‏يخبر عن ‏ ‏المغيرة بن شعبة ‏ ‏قال سمعته ‏ ‏على المنبر يرفعه إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏و حدثني ‏ ‏بشر بن الحكم ‏ ‏واللفظ له ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان بن عيينة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مطرف ‏ ‏وابن أبجر ‏ ‏سمعا ‏ ‏الشعبي ‏ ‏يقول سمعت ‏ ‏المغيرة بن شعبة ‏ ‏يخبر به الناس على المنبر قال ‏ ‏سفيان ‏ ‏رفعه أحدهما أراه ‏ ‏ابن أبجر ‏ ‏قال ‏
‏سأل ‏ ‏موسى ‏ ‏ربه ‏ ‏ما أدنى أهل الجنة منزلة قال هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة فيقال له ادخل الجنة فيقول أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا ‏ ‏أخذاتهم ‏ ‏فيقال له ‏ ‏أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت رب فيقول هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول رضيت رب قال رب فأعلاهم منزلة قال أولئك الذين ‏ ‏أردت ‏ ‏غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر قال ومصداقه في كتاب الله عز وجل ‏
‏فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ‏
‏الآية ‏
‏حدثنا ‏ ‏أبو كريب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبيد الله الأشجعي ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الملك بن أبجر ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏الشعبي ‏ ‏يقول سمعت ‏ ‏المغيرة بن شعبة ‏ ‏يقولا ‏ ‏على المنبر إن ‏ ‏موسى ‏ ‏عليه السلام ‏ ‏سأل الله عز وجل عن ‏ ‏أخس ‏ ‏أهل الجنة منها حظا ‏ ‏وساق الحديث


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-01-2009, 05:39 AM
صحيح مسلم بشرح النووي


قوله : ‏
‏( حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي ) ‏
‏هو بالثاء المثلثة بعد العين المهملة منسوب إلى جده الأشعث وقد تقدم بيانه . ‏

‏قوله : ( عن ابن أبجر ) ‏
‏هو بفتح الهمزة وإسكان الباء الموحدة وفتح الجيم , واسمه : عبد الملك بن سعيد بن حيان بن أبجر , وهو تابعي سمع أبا الطفيل عامر بن واثلة , وقد سماه مسلم في الطريق الثاني فقال : عبد الملك بن سعيد . ‏

‏قوله : ( عن مطرف وابن أبجر عن الشعبي قال : سمعت المغيرة بن شعبة رواية إن شاء الله تعالى ) ‏
‏وفي الرواية الأخرى ( سمعت على المنبر يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وفي الرواية الأخرى ( عن سفيان عن مطرف وابن أبجر عن الشعبي عن المغيرة قال سفيان : رفعه أحدهما أراه ابن أبجر قال : سأل موسى صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه وتعالى ما أدنى أهل الجنة منزلة ) اعلم أنه قد تقدم في الفصول التي في أول الكتاب أن قولهم : رواية أو يرفعه أو ينميه أو يبلغ به , كلها ألفاظ موضوعة عند أهل العلم لإضافة الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خلاف في ذلك بين أهل العلم . فقوله : ( رواية ) معناه : قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم وقد بينه هنا في الرواية الثانية . وأما قوله : ( رواية إن شاء الله ) فلا يضره هذا الشك والاستثناء لأنه جزم به في الروايات الباقية . ‏

‏أما قوله في الرواية الأخيرة : ( رفعه أحدهما ) ‏
‏فمعناه : أن أحدهما رفعه وأضافه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر وقفه على المغيرة فقال : عن المغيرة قال : سأل موسى صلى الله عليه وسلم : والضمير في ( أحدهما ) يعود على مطرف وابن أبجر شيخي سفيان فقال أحدهما : عن الشعبي عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سأل موسى صلى الله عليه وسلم , وقال الآخر : عن الشعبي عن المغيرة قال : سأل موسى , ثم إنه يحصل من هذا أن الحديث روي مرفوعا وموقوفا وقد قدمنا في الفصول المتقدمة في أول الكتاب أن المذهب الصحيح المختار الذي عليه الفقهاء وأصحاب الأصول والمحققون من المحدثين : أن الحديث إذا روي متصلا وروي مرسلا وروي مرفوعا وروي موقوفا فالحكم للموصول والمرفوع ; لأنها زيادة ثقة وهي مقبولة عند الجماهير من أصحاب فنون العلوم , فلا يقدح اختلافهم ها هنا في رفع الحديث ووقفه لا سيما وقد رواه الأكثرون مرفوعا . والله أعلم . ‏

‏وأما قول موسى صلى الله عليه وسلم : ( ما أدنى أهل الجنة ؟ ) ‏
‏كذا هو في الأصول ( ما أدنى ) وهو صحيح , ومعناه : ما صفة أو ما علامة أدنى أهل الجنة ؟ وقد تقدم أن المغيرة يقال بضم الميم وكسرها لغتان والضم أشهر . والله أعلم . ‏

‏قوله : ( كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم ؟ ) ‏
‏هو بفتح الهمزة والخاء , قال القاضي : هو ما أخذوه من كرامة مولاهم وحصلوه , أو يكون معناه : قصدوا منازلهم قال ذكره ثعلب بكسر الهمزة . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فأعلاهم منزلة ؟ قال : أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي , وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر , قال ومصداقه في كتاب الله تعالى ) ‏
‏أما ( أردت ) فبضم التاء ومعناه : اخترت واصطفيت . ‏
‏وأما ( غرست كرامتهم بيدي ) ... إلى آخره فمعناه : اصطفيتهم وتوليتهم , فلا يتطرق إلى كرامتهم تغيير , وفي آخر الكلام حذف اختصر للعلم به تقديره : ولم يخطر على قلب بشر ما أكرمتهم به وأعددته لهم , وقوله : ( ومصداقه ) هو بكسر الميم ومعناه : دليله وما يصدقه . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن موسى صلى الله عليه وسلم سأل الله تعالى عن أخس أهل الجنة ) ‏
‏هكذا ضبطناه بالخاء المعجمة وبعدها السين المشددة , وهكذا رواه جميع الرواة ومعناه أدناهم كما تقدم في الرواية الأخرى . ‏

ahmedaboali
02-01-2009, 05:41 AM
‏حدثني ‏ ‏يونس بن عبد الأعلى الصدفي ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏عمرو بن الحارث ‏ ‏أن ‏ ‏بكر بن سوادة ‏ ‏حدثه عن ‏ ‏عبد الرحمن بن جبير ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو بن العاص ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏تلا قول الله عز وجل في ‏ ‏إبراهيم ‏
‏رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ‏
‏الآية وقال ‏ ‏عيسى ‏ ‏عليه السلام ‏
‏إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ‏
‏فرفع يديه وقال اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله عز وجل يا ‏ ‏جبريل ‏ ‏اذهب إلى ‏ ‏محمد ‏ ‏وربك أعلم فسله ما يبكيك فأتاه ‏ ‏جبريل ‏ ‏عليه السلام ‏ ‏فسأله فأخبره رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بما قال وهو أعلم فقال الله ‏ ‏يا ‏ ‏جبريل ‏ ‏اذهب إلى ‏ ‏محمد ‏ ‏فقل إنا ‏ ‏سنرضيك في أمتك ولا نسوءك ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


قوله : ( حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي حدثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص ) ‏
‏هذا الإسناد كله بصريون , وقدمنا أن في يونس ست لغات : ضم النون وفتحها وكسرها مع الهمز فيهن وتركه , وأما ( الصدفي ) فبفتح الصاد والدال المهملتين وبالفاء منسوب إلى الصدف - بفتح الصاد وكسر الدال - قبيلة معروفة , قال أبو سعيد بن يونس : دعوتهم في الصدف وليس من أنفسهم ولا من مواليهم , توفي يونس بن عبد الأعلى هذا في شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين , وكان مولده في ذي الحجة سنة سبعين ومائة , ففي هذا الإسناد رواية لمسلم عن شيخ عاش بعده فإن مسلما توفي سنة إحدى وستين ومائتين كما تقدم . وأما ( بكر بن سوادة ) فبفتح السين وتخفيف الواو . والله أعلم . ‏

‏قوله : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى في إبراهيم صلى الله عليه وسلم : { رب إنهن أضللن كثيرا من الناس . . . } الآية . وقال عيسى صلى الله عليه وسلم { إن تعذبهم فإنهم عبادك } ) ‏
‏هكذا هو في الأصول ( وقال عيسى ) : قال القاضي عياض : قال بعضهم : قوله ( قال ) هو اسم للقول لا فعل يقال قال قولا وقالا وقيلا كأنه قال : وتلا قول عيسى . هذا كلام القاضي عياض . ‏

‏قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( رفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي وبكى . فقال الله عز وجل : يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فاسأله ما يبكيك فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم فقال الله تعالى : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك ) ‏
‏هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد منها : بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته واعتنائه بمصالحهم , واهتمامه بأمرهم , ومنها : استحباب رفع اليدين في الدعاء , ومنها : البشارة العظيمة لهذه الأمة - زادها الله تعالى شرفا - بما وعدها الله تعالى بقوله : سنرضيك في أمتك ولا نسوءك وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة أو أرجاها , ومنها : بيان عظم منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى وعظيم لطفه سبحانه به صلى الله عليه وسلم , والحكمة في إرسال جبريل لسؤاله صلى الله عليه وسلم إظهار شرف النبي صلى الله عليه وسلم , وأنه بالمحل الأعلى فيسترضى ويكرم بما يرضيه والله أعلم . ‏
‏وهذا الحديث موافق لقول الله عز وجل { ولسوف يعطيك ربك فترضى } . وأما قوله تعالى : ( ولا نسوءك ) , فقال صاحب ( التحرير ) : هو تأكيد للمعنى أي : لا نحزنك ; لأن الإرضاء قد يحصل في حق البعض بالعفو عنهم ويدخل الباقي النار فقال تعالى : نرضيك ولا ندخل عليك حزنا بل ننجي الجميع . والله أعلم

اخوة الاسلام


اكتفي بهذا القدر و اكمل غدا
ان قدر لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
و صلي الله و سلم علي سيدنا محمد

sameer29s
02-01-2009, 02:27 PM
شكرا اخي العزيز احمد ابو علي -- علي استجابتاك السريعه لدعوتي لك بالمشاركه مع في المنتدي الاسلامي واتمني منك المزيد ان شاء الله

جعله الله في ميزان حسناتك ان شاء الله

ahmedaboali
02-02-2009, 12:56 AM
الشكر لله من قبل و من بعد
بارك الله فيك
و جزاك الله عني كل خير

احترامي و تقديري

ahmedaboali
02-02-2009, 12:57 AM
‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة العبسي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول الله عز وجل ‏ ‏يا ‏ ‏آدم ‏ ‏فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك قال يقول أخرج ‏ ‏بعث ‏ ‏النار قال وما بعث النار قال من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين قال فذاك حين يشيب الصغير ‏
‏وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ‏
‏قال فاشتد عليهم قالوا يا رسول الله أينا ذلك الرجل فقال أبشروا فإن من ‏ ‏يأجوج ‏ ‏ومأجوج ‏ ‏ألفا ومنكم رجل قال ثم قال والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ربع أهل الجنة فحمدنا الله وكبرنا ثم قال والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة فحمدنا الله وكبرنا ثم قال والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ‏ ‏شطر ‏ ‏أهل الجنة إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو ‏ ‏كالرقمة ‏ ‏في ذراع الحمار ‏
‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وكيع ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏أبو كريب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏كلاهما ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏بهذا الإسناد غير أنهما ‏ ‏قالا ‏ ‏ما أنتم يومئذ في الناس إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض ولم يذكرا أو ‏ ‏كالرقمة ‏ ‏في ذراع الحمار


صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله : ( حدثنا عثمان بن أبي شيبة العبسي ) ‏
‏هو بالباء الموحدة والسين المهملة . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( لبيك وسعديك والخير في يديك ) ‏
‏معنى ( في يديك ) : عندك وقد تقدم بيان لبيك وسعديك في حديث معاذ رضي الله عنه . ‏

‏وقوله سبحانه وتعالى لآدم صلى الله عليه وسلم : ( أخرج بعث النار ) ‏
‏البعث هنا بمعنى المبعوث الموجه إليها ومعناه ميز أهل النار من غيرهم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) ‏
‏معناه موافقة آية في قوله تعالى : { إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت . . . } إلى آخرها وقوله تعالى : { فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا } وقد اختلف العلماء في وقت وضع كل ذات حمل حملها وغيره من المذكور , فقيل : عند زلزلة الساعة قبل خروجهم من الدنيا , وقيل : هو في القيامة فعلى الأول هو على ظاهره وعلى الثاني يكون مجازا ; لأن القيامة ليس فيها حمل ولا ولادة , وتقديره : ينتهي به الأهوال والشدائد إلى أنه لو تصورت الحوامل هناك لوضعن أحمالهن كما تقول العرب : ( أصابنا أمر يشيب منه الوليد ) يريدون شدته . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإن من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم رجل ) ‏
‏هكذا هو في الأصول والروايات ( ألف ورجل ) بالرفع فيهما وهو صحيح , وتقديره أنه بالهاء التي هي ضمير الشأن وحذفت الهاء وهو جائز معروف . وأما ( ياجوج وماجوج ) فهما غير مهموزين عند جمهور القراء وأهل اللغة , وقرأ عاصم بالهمز فيهما وأصله من أجيج النار وهو صوتها وشررها , شبهوا به لكثرتهم وشدتهم واضطرابهم بعضهم في بعض . قال وهب بن منبه ومقاتل بن سليمان : هم من ولد يافث بن نوح , وقال الضحاك : هم جيل من الترك , وقال كعب : هم بادرة من ولد آدم من غير حواء , قال : وذلك أن آدم صلى الله عليه وسلم احتلم فامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله تعالى منها يأجوج ومأجوج . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( كالرقمة في ذراع الحمار ) ‏
‏هي بفتح الراء وإسكان القاف , قال أهل اللغة : الرقمتان في الحمار هما الأثران في باطن عضديه , وقيل : هي الدائرة في ذراعيه , وقيل : هي الهنة الناتئة في ذراع الدابة من داخل . والله أعلم بالصواب .

ahmedaboali
02-02-2009, 12:58 AM
الأحاديث القدسية في صحيح البخاري

‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مغيرة بن عبد الرحمن القرشي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش ‏ ‏إن رحمتي غلبت غضبي ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري‏

‏قوله : ( لما قضى الله الخلق ) ‏
‏أي خلق الخلق كقوله تعالى ( فقضاهن سبع سماوات ) أو المراد أوجد جنسه , وقضى يطلق بمعنى حكم وأتقن وفرغ وأمضى . ‏

‏قوله : ( كتب في كتابه ) ‏
‏أي أمر القلم أن يكتب في اللوح المحفوظ , وقد تقدم في حديث عبادة بن الصامت قريبا " فقال للقلم اكتب " فجرى بما هو كائن " ويحتمل أن يكون المراد بالكتاب اللفظ الذي قضاه , وهو كقوله تعالى ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) . ‏

‏قوله : ( فهو عنده فوق العرش ) ‏
‏قيل معناه دون العرش , وهو كقوله تعالى ( بعوضة فما فوقها ) , والحامل على هذا التأويل استبعاد أن يكون شيء من المخلوقات فوق العرش , ولا محذور في إجراء ذلك على ظاهره لأن العرش خلق من خلق الله , ويحتمل أن يكون المراد بقوله " فهو عنده " أي ذكره أو علمه فلا تكون العندية مكانية بل هي إشارة إلى كمال كونه مخفيا عن الخلق مرفوعا عن حيز إدراكهم , وحكى الكرماني أن بعضهم زعم أن لفظ " فوق " زائد كقوله : ( فإن كن نساء فوق اثنتين ) والمراد اثنتان فصاعدا , ولم يتعقبه وهو متعقب , لأن محل دعوى الزيادة ما إذا بقي الكلام مستقيما مع حذفها كما في الآية , وأما في الحديث فإنه يبقى مع الحذف , فهو عنده العرش وذلك غير مستقيم . ‏

‏قوله : ( إن رحمتي ) ‏
‏بفتح إن على أنها بدل من كتب , وبكسرها على حكاية مضمون الكتاب ‏

‏قوله : ( غلبت ) ‏
‏في رواية شعيب عن أبي الزناد في التوحيد " سبقت " بدل غلبت , والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب , لأن السبق والغلبة باعتبار التعلق , أي تعلق الرحمة غالب سابق على تعلق الغضب , لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة وأما الغضب فإنه متوقف على سابقة عمل من العبد الحادث , وبهذا التقرير يندفع استشكال من أورد وقوع العذاب قبل الرحمة في بعض المواطن , كمن يدخل النار من الموحدين ثم يخرج بالشفاعة وغيرها . وقيل معنى الغلبة الكثرة والشمول , تقول غلب على فلان الكرم أي أكثر أفعاله , وهذا كله بناء على أن الرحمة والغضب من صفات الذات , وقال بعض العلماء الرحمة والغضب من صفات الفعل لا من صفات الذات , ولا مانع من تقدم بعض الأفعال على بعض فتكون الإشارة بالرحمة إلى إسكان آدم الجنة أول ما خلق مثلا ومقابلها ما وقع من إخراجه منها , وعلى ذلك استمرت أحوال الأمم بتقديم الرحمة في خلقهم بالتوسع عليهم من الرزق وغيره , ثم يقع بهم العذاب على كفرهم . وأما ما أشكل من أمر من يعذب من الموحدين فالرحمة سابقة في حقهم أيضا , ولولا وجودها لخلدوا أبدا . وقال الطيبي في سبق الرحمة إشارة إلى أن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب وأنها تنالهم من غير استحقاق وأن الغضب لا ينالهم إلا باستحقاق , فالرحمة تشمل الشخص جنينا ورضيعا وفطيما وناشئا قبل أن يصدر منه شيء من الطاعة , ولا يلحقه الغضب إلا بعد أن يصدر عنه من الذنوب ما يستحق معه ذلك . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 12:58 AM
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن سلام ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏مخلد ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏موسى بن عقبة ‏ ‏عن ‏ ‏نافع ‏ ‏قال قال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وتابعه ‏ ‏أبو عاصم ‏ ‏عن ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏موسى بن عقبة ‏ ‏عن ‏ ‏نافع ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا أحب الله العبد نادى ‏ ‏جبريل ‏ ‏إن الله يحب فلانا فأحببه فيحبه ‏ ‏جبريل ‏ ‏فينادي ‏ ‏جبريل ‏ ‏في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي هريرة أورده من طريقين موصولة ومعلقة وساقه على لفظ المعلقة ; وهي متابعة أبي عاصم , وقد وصلها في الأدب عن عمرو بن علي عن أبي عاصم , وساقه على لفظه هنا , وهو أحد المواضع التي يستدل بها على أنه قد يعلق عن بعض مشايخه ما هو عنده عنه بواسطة , لأن أبا عاصم من شيوخه . ‏

‏قوله : ( إذا أحب الله العبد إلخ ) ‏
‏زاد روح بن عبادة عن ابن جريج في آخره عند الإسماعيلي " وإذا أبغض فمثل ذلك " وقد أخرجه أحمد عن روح بدون الزيادة , وسيأتي تمام شرحه في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 12:59 AM
‏حدثنا ‏ ‏أبو اليمان ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏شعيب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏الملائكة يتعاقبون ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم فيقول ‏ ‏كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم يصلون وأتيناهم يصلون ‏
‏باب ‏
‏إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي هريرة ‏
‏" الملائكة يتعاقبون " ‏
‏تقدم مشروحا في أوائل الصلاة . ‏
‏حديث أبي هريرة ‏
‏" إذا قال أحدكم آمين " ‏
‏الحديث وهو بإسناد الذي قبله عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عنه , ووقع في كثير من النسخ هنا " باب إذا قال أحدكم " إلى آخر الحديث فصار ترجمة بغير حديث وصارت الأحاديث التي تتلوه لا تعلق لها به فأشكل أمره جدا , وسقط لفظ " باب " من رواية أبي ذر فخف الإشكال لكن لو قال وبهذا الإسناد أو وبه قال أو نحو ذلك لزال الإشكال , وقد صنع ذلك الإسماعيلي فإنه ساق حديث " يتعاقبون " فلما فرغ قال " وبهذا الإسناد إذا قال أحدكم " فساقه من طريقين عن أبي الزناد كذلك , وظهر بهذا أن هذا الحديث وما بعده من الأحاديث بقية ترجمة ذكر الملائكة والله أعلم .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:00 AM
‏حدثنا ‏ ‏الحميدي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال الله ‏ ‏أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فاقرءوا إن شئتم ‏
‏فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من ‏ ‏قرة أعين ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي هريرة فيما أعد لأهل الجنة سيأتي شرحه في تفسير سورة السجدة . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:04 AM
‏حدثني ‏ ‏عبد الله بن محمد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏عن ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏همام ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏خلق الله ‏ ‏آدم ‏ ‏وطوله ستون ذراعا ثم قال اذهب فسلم على أولئك من الملائكة فاستمع ما يحيونك تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة ‏ ‏آدم ‏ ‏فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي هريرة " خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا " كذا وقع من هذا الوجه , وعبد الله الراوي عن معمر هو ابن المبارك , وقد رواه عبد الرزاق عن معمر فقال " خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعا , " وهذه الرواية تأتي في أول الاستئذان , وقد تقدم الكلام على معنى هذه اللفظة في أثناء كتاب العتق , وهذه الرواية تؤيد قول من قال إن الضمير لآدم , والمعنى أن الله تعالى أوجده على الهيئة التي خلقه عليها لم ينتقل في النشأة أحوالا ولا تردد في الأرحام أطوارا كذريته بل خلقه الله رجلا كاملا سويا من أول ما نفخ فيه الروح , ثم عقب ذلك بقوله " وطوله ستون ذراعا " فعاد الضمير أيضا على آدم , وقيل معنى قوله " على صورته : أي لم يشاركه في خلقه أحد , إبطالا لقول أهل الطبائع . وخص بالذكر تنبيها بالأعلى على الأدنى , والله أعلم ‏

‏قوله : ( ستون ذراعا ) ‏
‏يحتمل أن يريد بقدر الذراع المتعارف يومئذ عند المخاطبين , والأول أظهر لأن ذراع كل أحد بقدر ربعه فلو كان بالذراع المعهود لكانت يده قصيرة في جنب طول جسده ‏

‏قوله : ( فلما خلقه قال اذهب فسلم ) ‏
‏سيأتي شرحه في أول الاستئذان . ‏

‏قوله : ( فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ) ‏
‏أي على صفته , وهذا يدل على أن صفات النقص من سواد وغيره تنتفي عند دخول الجنة , وقد تقدم بيان ذلك في " باب صفة الجنة " وزاد عبد الرزاق في روايته هنا " وطوله ستون ذراعا " وإثبات الواو فيه لئلا يتوهم أن قوله " طوله " تفسير لقوله " على صورة آدم " وعلى هذا فقوله " طوله " إلخ " من الخاص بعد العام , ووقع عند أحمد من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا " كان طول آدم ستين ذراعا في سبعة أذرع عرضا " وأما ما روى عبد الرزاق من وجه آخر مرفوعا " أن آدم لما أهبط كانت رجلاه في الأرض ورأسه في السماء , فحطه الله إلى ستين ذراعا " فظاهره أنه كان مفرط الطول في ابتداء خلقه , وظاهر الحديث الصحيح أنه خلق في ابتداء الأمر على طول ستين ذراعا وهو المعتمد , وروى ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن أبي بن كعب مرفوعا " أن الله خلق آدم رجلا طوالا كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق " . ‏

‏قوله : ( فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ) ‏
‏أي أن كل قرن يكون نشأته في الطول أقصر من القرن الذي قبله , فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة واستقر الأمر على ذلك . وقال ابن التين قوله " فلم يزل الخلق ينقص " أي كما يزيد الشخص شيئا فشيئا , ولا يتبين ذلك فيما بين الساعتين ولا اليومين حتى إذا كثرت الأيام تبين , فكذلك هذا الحكم في النقص , ويشكل على هذا ما يوجد الآن من آثار الأمم السالفة كديار ثمود فإن مساكنهم تدل على أن قاماتهم لم تكن مفرطة الطول على حسب ما يقتضيه الترتيب السابق , ولا شك أن عهدهم قديم , وأن الزمان الذي بينهم وبين آدم دون الزمان الذي بينهم وبين أول هذه الأمة , ولم يظهر لي إلى الآن ما يزيل هذا الإشكال . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:04 AM
‏حدثنا ‏ ‏قيس بن حفص ‏ ‏حدثنا ‏ ‏خالد بن الحارث ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عمران الجوني ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏يرفعه ‏
‏إن الله يقول لأهون أهل النار عذابا ‏ ‏لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت ‏ ‏تفتدي ‏ ‏به قال نعم قال فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب ‏ ‏آدم ‏ ‏أن لا تشرك بي فأبيت إلا الشرك


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أنس ‏

‏قوله : ( يرفعه ) ‏
‏هي لفظة يستعملها المحدثون في موضع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك ‏
‏قوله : ( إن الله تعالى يقول لأهون أهل النار عذابا ) ‏
‏يقال هو أبو طالب , وسيأتي شرحه في أواخر كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى , ومناسبته للترجمة من قوله " وأنت في صلب آدم " فإن فيه إشارة إلى قوله تعالى ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ) الآية . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:06 AM
‏حدثني ‏ ‏عبد الله بن محمد الجعفي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏همام ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال بينما ‏ ‏أيوب ‏ ‏يغتسل عريانا خر عليه رجل جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه فناداه ربه يا ‏ ‏أيوب ‏ ‏ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري‏

‏قوله : ( بينا أيوب ) ‏
‏أصل " بينا " بين أشبعت الفتحة , ويغتسل خبر المبتدأ والجملة في محل الجر بإضافة بين إليه والعامل " خر عليه " أو هو مقدر وخر مفسر له , ووقع عند أحمد وابن حبان من طريق بشير بن نهيك عن أبي هريرة " لما عافى الله أيوب أمطر عليه جرادا من ذهب " . ‏

‏قوله : ( عريانا ) ‏
‏تقدم القول فيه في كتاب الغسل . ‏

‏قوله : ( خر عليه ) ‏
‏أي سقط عليه , ‏
‏وقوله : ( رجل جراد ) ‏
‏أي جماعة جراد , والجراد اسم جمع واحده جرادة كتمر وتمرة , وحكى ابن سيده أنه يقال للذكر جراد وللأنثى جرادة . ‏

‏قوله : ( يحثي ) ‏
‏بالمثلثة أي يأخذ بيديه جميعا , وفي رواية بشير بن نهيك " يلتقط " . ‏

‏قوله : ( في ثوبه ) ‏
‏في حديث ابن عباس عند ابن أبي حاتم " فجعل أيوب ينشر طرف ثوبه فيأخذ الجراد فيجعله فيه فكلما امتلأت ناحية نشر ناحية " . ‏

‏قوله : ( فناداه ربه ) ‏
‏يحتمل أن يكون بواسطة أو بإلهام , ويحتمل أن يكون بغير واسطة . ‏

‏قوله : ( قال بلى ) ‏
‏أي أغنيتني . ‏

‏قوله : ( ولكن لا غنى لي ) ‏
‏بالقصر بغير تنوين وخبر لا قوله لي أو قوله عن بركتك , وفي رواية بشير بن نهيك " فقال ومن يشبع من رحمتك " أو قال : " من فضلك " . وفي الحديث جواز الحرص على الاستكثار من الحلال في حق من وثق من نفسه بالشكر عليه , وفيه تسمية المال الذي يكون من هذه الجهة بركة , وفيه فضل الغني الشاكر , وسيأتي بقية مباحث هذه الخصلة الأخيرة في الرقاق إن شاء الله تعالى . واستنبط منه الخطابي جواز أخذ النثار في الأملاك , وتعقبه ابن التين فقال : هو شيء خص الله به نبيه أيوب , وهو بخلاف النثار فإنه من فعل الآدمي فيكره لما فيه من السرف , ورد عليه بأنه أذن فيه من قبل الشارع إن ثبت الخبر , ويستأنس فيه بهذه القصة والله أعلم . ‏
‏( تنبيه ) : ‏
‏لم يثبت عند البخاري في قصة أيوب شيء , فاكتفى بهذا الحديث الذي على شرطه . وأصح ما ورد في قصته ما أخرجه ابن أبي حاتم وابن جريج وصححه ابن حبان والحاكم من طريق نافع بن يزيد عن عقيل عن الزهري عن أنس " أن أيوب عليه السلام ابتلي فلبث في بلائه ثلاث عشرة سنة , فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه فكانا يغدوان إليه ويروحان , فقال أحدهما للآخر : لقد أذنب أيوب ذنبا عظيما وإلا لكشف عنه هذا البلاء , فذكره الآخر لأيوب , يعني فحزن ودعا الله حينئذ فخرج لحاجته وأمسكت امرأته بيده فلما فرغ أبطأت عليه , فأوحى الله إليه أن اركض برجلك , فضرب برجله الأرض فنبعت عين فاغتسل منها فرجع صحيحا , فجاءت امرأته فلم تعرفه , فسألته عن أيوب فقال : إني أنا هو , وكان له أندران : أحدهما : للقمح والآخر : للشعير , فبعث الله له سحابة فأفرغت في أندر القمح الذهب حتى فاض , وفي أندر الشعير الفضة حتى فاض " . وروى ابن أبي حاتم نحوه من حديث ابن عباس وفيه " فكساه الله حلة من حلل الجنة , فجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت : يا عبد الله هل أبصرت المبتلى الذي كان هنا , فلعل الذئاب ذهبت به ؟ فقال : ويحك أنا هو " وروى ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير نحو حديث أنس , وفي آخره " قال فسجد وقال : وعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني فكشف عنه " وعن الضحاك عن ابن عباس " رد الله على امرأته شبابها حتى ولدت له ستة وعشرين ولدا ذكرا " وذكر وهب بن منبه ومحمد بن إسحاق في " المبتدأ " قصة مطولة جدا وحاصلها أنه كان بحوران , وكان له البثنية سهلها وجبلها , وله أهل ومال كثير وولد , فسلب ذلك كله شيئا فشيئا وهو يصبر ويحتسب , ثم ابتلي في جسده بأنواع من البلاء حتى ألقي خارجا من البلد , فرفضه الناس إلا امرأته , فبلغ من أمرها أنها كانت تخدم بالأجرة وتطعمه إلى أن تجنبها الناس خشية العدوى فباعت إحدى ضفيرتها من بعض بنات الأشراف وكانت طويلة حسنة فاشترت له به طعاما طيبا , فلما أحضرته له حلف أن لا يأكله حتى تخبره من أين لها ذلك , فكشفت عن رأسها , فاشتد حزنه وقال حينئذ : ( رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) فعافاه الله تعالى , وروى ابن أبي حاتم عن مجاهد أن أيوب أول من أصابه الجدري . ومن طريق الحسن أن إبليس أتى امرأته فقال لها : إن أكل أيوب ولم يسم عوفي فعرضت ذلك على أيوب فحلف ليضربنها مائة , فلما ) عوفي أمره الله أن يأخذ عرجونا فيه مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة , وقيل : بل قعد إبليس على الطريق في صورة طبيب فقال لها : إذا داويته فقال أنت شفيتني قنعت بذلك , فعرضت ذلك عليه فغضب وكان ما كان . وذكر الطبري أن اسمها ليا بنت يعقوب , وقيل : رحمة بنت يوسف بن يعقوب , وقيل : بنت إفرائيم أو ميشا بن يوسف , وأفاد ابن خالويه أنه يقال لها أم زيد واختلف في مدة بلائه فقيل ثلاث عشرة سنة كما تقدم , وقيل ثلاث سنين وهذا قول وهب , وقيل : سبع سنين وهو عن الحسن وقتادة , وقيل : إن امرأته قالت له : ألا تدعو الله ليعافيك فقال : قد عشت صحيحا سبعين سنة أفلا أصبر سبع سنين ؟ والصحيح ما تقدم أنه لبث في بلائه ثلاث عشرة سنة . وروى الطبري أن مدة عمره كانت ثلاثا وتسعين سنة فعلى هذا فيكون عاش بعد أن عوفي عشر سنين , والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:07 AM
‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن موسى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏ابن طاوس ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏أرسل ملك الموت إلى ‏ ‏موسى ‏ ‏عليهما السلام ‏ ‏فلما جاءه ‏ ‏صكه ‏ ‏فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت قال ‏ ‏ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة قال أي رب ثم ماذا قال ثم الموت قال فالآن قال فسأل الله أن يدنيه من ‏ ‏الأرض المقدسة ‏ ‏رمية بحجر قال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت ‏ ‏الكثيب الأحمر ‏
‏قال وأخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏همام ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نحوه ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي هريرة في قصة موسى مع ملك الموت . أورده موقوفا من طريق طاوس عنه , ثم عقبه برواية همام عنه مرفوعا وهذا هو المشهور عن عبد الرزاق , وقد رفع محمد بن يحيى عنه رواية طاوس أيضا أخرجه الإسماعيلي . ‏

‏قوله : ( أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فلما جاءه صكه ) ‏
‏أي ضربه على عينه , وفي رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد ومسلم " جاء ملك الموت إلى موسى فقال : أجب ربك , فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها " وفي رواية عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عند أحمد والطبري " كان ملك الموت يأتي الناس عيانا , فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه " . ‏

‏قوله : ( لا يريد الموت ) ‏
‏زاد همام " وقد فقأ عيني , فرد الله عليه عينه " وفي رواية عمار " فقال يا رب عبدك موسى فقأ عيني , ولولا كرامته عليك لشققت عليه " . ‏

‏قوله : ( فقل له يضع يده ) ‏
‏في رواية أبي يونس " فقل له الحياة تريد ؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك " . ‏

‏قوله : ( على متن ) ‏
‏بفتح الميم وسكون المثناة هو الظهر , وقيل : مكتنف الصلب بين العصب واللحم , وفي رواية عمار على جلد ثور . ‏

‏قوله : ( فله بما غطى يده ) ‏
‏في رواية الكشميهني بما غطت يده . ‏

‏قوله : ( ثم الموت ) ‏
‏في رواية أبي يونس " قال فالآن يا رب من قريب " وفي رواية عمار " فأتاه فقال له ما بعد هذا ؟ قال : الموت قال : فالآن " والآن ظرف زمان غير متمكن , وهو اسم لزمان الحال الفاصل بين الماضي والمستقبل . ‏

‏قوله : ( فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر ) ‏
‏قد تقدم شرح ذلك وبيانه في الجنائز . ‏

‏قوله : ( فلو كنت ثم ) ‏
‏بفتح المثلثة أي هناك . ‏

‏قوله : ( من جانب الطريق ) ‏
‏في رواية المستملي والكشميهني " إلى جانب الطريق " وهي رواية همام . ‏

‏قوله : ( تحت الكثيب الأحمر ) ‏
‏في روايتهما " عند الكثيب الأحمر " وهي رواية همام أيضا , والكثيب بالمثلثة وآخره موحدة وزن عظيم : الرمل المجتمع , وزعم ابن حبان أن قبر موسى بمدين بين المدينة وبيت المقدس , وتعقبه الضياء بأن أرض مدين ليست قريبة من المدينة ولا من بيت المقدس , قال وقد اشتهر عن قبر بأريحاء عنده كثيب أحمر أنه قبر موسى , وأريحاء من الأرض المقدسة , وزاد عمار في روايته " فشمه شمة فقبض روحه , وكان يأتي الناس خفية " يعني بعد ذلك , ويقال إنه أتاه بتفاحة من الجنة فشمها فمات . وذكر السدي في تفسيره أن موسى لما دنت وفاته مشى هو وفتاه يوشع بن نون فجاءت ريح سوداء , فظن يوشع أنها الساعة فالتزم موسى , فانسل موسى من تحت القميص , فأقبل يوشع بالقميص . وعن وهب بن منبه أن الملائكة تولوا دفنه والصلاة عليه , وأنه عاش مائة وعشرين سنة . ‏

‏قوله : ( قال وأخبرنا معمر عن همام إلخ ) ‏
‏هو موصول بالإسناد المذكور , ووهم من قال إنه معلق , فقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر , ومسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق كذلك , وقوله في آخره : " نحوه " أي إن رواية معمر عن همام بمعنى روايته عن ابن طاوس لا بلفظه , وقد بينت ذلك فيما مضى , قال ابن خزيمة : أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث وقالوا إن كان موسى عرفه فقد استخف به , وإن كان لم يعرفه فكيف لم يقتص له من فقء عينه ؟ والجواب أن الله لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ , وإنما بعثه إليه اختبارا وإنما لطم موسى ملك الموت لأنه رأى آدميا دخل داره بغير إذنه ولم يعلم أنه ملك الموت , وقد أباح الشارع فقء عين الناظر في دار المسلم بغير إذن , وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة آدميين فلم يعرفاهم ابتداء , ولو عرفهم إبراهيم لما قدم لهم المأكول , ولو عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه . وعلى تقدير أن يكون عرفه فمن أين لهذا المبتدع مشروعية القصاص بين الملائكة والبشر ؟ ثم من أين له أن ملك الموت طلب القصاص من موسى فلم يقتص له ؟ ولخص الخطابي كلام ابن خزيمة وزاد فيه أن موسى دفعه عن نفسه لما ركب فيه من الحدة , وأن الله رد عين ملك الموت ليعلم موسى أنه جاءه من عند الله فلهذا استسلم حينئذ . وقال النووي لا يمتنع أن يأذن الله لموسى في هذه اللطمة امتحانا للملطوم . وقال غيره إنما لطمه لأنه جاء لقبض روحه من قبل أن يخيره , لما ثبت أنه لم يقبض نبي حتى يخير , فلهذا لما خيره في المرة الثانية أذعن , قيل : وهذا أولى الأقوال بالصواب , وفيه نظر لأنه يعود أصل السؤال فيقال : لم أقدم ملك الموت على قبض نبي الله وأخل بالشرط ؟ فيعود الجواب أن ذلك وقع امتحانا . وزعم بعضهم أن معنى قوله : " فقأ عينه " أي أبطل حجته , وهو مردود بقوله في نفس الحديث " فرد الله عينه " وبقوله : " لطمه وصكه " وغير ذلك من قرائن السياق . وقال ابن قتيبة : إنما فقأ موسى العين التي هي تخييل وتمثيل وليست عينا حقيقة , ومعنى رد الله عينه أي أعاده إلى خلقته الحقيقية , وقيل على ظاهره , ورد الله إلى ملك الموت عينه البشرية ليرجع إلى موسى على كمال الصورة فيكون ذلك أقوى في اعتباره , وهذا هو المعتمد . وجوز ابن عقيل أن يكون موسى أذن له أن يفعل ذلك بملك الموت وأمر ملك الموت بالصبر على ذلك كما أمر موسى بالصبر على ما يصنع الخضر . وفيه أن الملك يتمثل بصورة الإنسان , وقد جاء ذلك في عدة أحاديث . وفيه فضل الدفن في الأرض المقدسة , وقد تقدم شرح ذلك في الجنائز . واستدل بقوله : " فلك بكل شعرة سنة " على أن الذي بقي من الدنيا كثير جدا لأن عدد الشعر الذي تواريه اليد قدر المدة التي بين موسى وبعثة نبينا صلى الله عليه وسلم مرتين وأكثر . واستدل له على جواز الزيادة في العمر وقد قال به قوم في قوله تعالى : ( وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ) أنه زيادة ونقص في الحقيقة . وقال الجمهور : والضمير في قوله : ( من عمره ) للجنس لا للعين , أي ولا ينقص من عمر آخر , وهذا كقولهم عندي ثوب ونصفه أي ونصف ثوب آخر . وقيل المراد بقوله ولا ينقص من عمره أي وما يذهب من عمره , فالجميع معلوم عند الله تعالى . والجواب عن قصة موسى أن أجله قد كان قرب حضوره ولم يبق منه إلا مقدار ما دار بينه وبين ملك الموت من المراجعتين , فأمر بقبض روحه أولا مع سبق علم الله أن ذلك لا يقع إلا بعد المراجعة وإن لم يطلع ملك الموت على ذلك أولا . والله أعلم .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:08 AM
‏حدثني ‏ ‏محمد ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏حجاج ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏الحسن ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جندب بن عبد الله ‏ ‏في هذا المسجد وما نسينا منذ حدثنا وما نخشى أن يكون ‏ ‏جندب ‏ ‏كذب على رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏
‏قال قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما ‏ ‏رقأ ‏ ‏الدم حتى مات قال الله تعالى ‏ ‏بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( حدثنا محمد ) ‏
‏هو ابن معمر , نسبه ابن السكن عن الفربري , وقيل : هو الذهلي . ‏

‏قوله : ( حدثنا حجاج ) ‏
‏هو ابن منهال وجرير هو ابن حازم والحسن هو البصري . ‏

‏قوله : ( في هذا المسجد ) ‏
‏هو مسجد البصرة . ‏

‏قوله : ( وما نسينا منذ حدثنا ) ‏
‏أشار بذلك إلى تحققه لما حدث به وقرب عهده به واستمرار ذكره له . ‏

‏قوله : ( وما نخشى أن يكون جندب كذب ) ‏
‏فيه إشارة إلى أن الصحابة عدول , وأن الكذب مأمون من قبلهم ولا سيما على النبي صلى الله عليه وسلم . ‏

‏قوله : ( كان فيمن كان قبلكم رجل ) ‏
‏لم أقف على اسمه . ‏

‏قوله : ( به جرح ) ‏
‏بضم الجيم وسكون الراء بعدها مهملة , وتقدم في الجنائز بلفظ به جراح وهو بكسر الجيم , وذكره بعضهم بضم المعجمة وآخره جيم وهو تصحيف , ووقع في رواية مسلم " أن رجلا خرجت به قرحة " وهي بفتح القاف وسكون الراء : حبة تخرج في البدن , وكأنه كان به جرح ثم صار قرحة . ‏

‏قوله : ( فجزع ) ‏
‏أي فلم يصبر على ألم تلك القرحة . ‏

‏قوله : ( فأخذ سكينا فحز بها يده ) ‏
‏السكين تذكر وتؤنث , وقوله : " حز " بالحاء المهملة والزاي هو القطع بغير إبانة , ووقع في رواية مسلم " فلما آذته انتزع سهما من كنانته فنكأها " وهو بالنون والهمز أي نخس موضع الجرح , ويمكن الجمع بأن يكون فجر الجرح بذبابة السهم فلم ينفعه فحز موضعه بالسكين , ودلت رواية البخاري على أن الجرح كان في يده . ‏

‏قوله : ( فما رقأ الدم ) ‏
‏بالقاف والهمز أي لم ينقطع . ‏

‏قوله : ( قال الله عز وجل : بادرني عبدي بنفسه ) ‏
‏هو كناية عن استعجال المذكور الموت , وسيأتي البحث فيه . وقوله : " حرمت عليه الجنة " جار مجرى التعليل للعقوبة لأنه لما استعجل الموت بتعاطي سببه من إنفاذ مقاتله فجعل له فيه اختيارا عصى الله به فناسب أن يعاقبه . ودل ذلك على أنه حزها لإرادة الموت لا لقصد المداواة التي يغلب على الظن الانتفاع بها . وقد استشكل قوله : " بادرني بنفسه " وقوله : " حرمت عليه الجنة " لأن الأول يقتضي أن يكون من قتل فقد مات قبل أجله لما يوهمه سياق الحديث من أنه لو لم يقتل نفسه كان قد تأخر عن ذلك الوقت وعاش , لكنه بادر فتقدم , والثاني يقتضي تخليد الموحد في النار . والجواب عن الأول أن المبادرة من حيث التسبب في ذلك والقصد له والاختيار , وأطلق عليه المبادرة لوجود صورتها , وإنما استحق المعاقبة لأن الله لم يطلعه على انقضاء أجله فاختار هو قتل نفسه فاستحق المعاقبة لعصيانه . وقال القاضي أبو بكر : قضاء الله مطلق ومقيد بصفة , فالمطلق يمضي على الوجه بلا صارف , والمقيد على الوجهين , مثاله أن يقدر لواحد أن يعيش عشرين سنة إن قتل نفسه وثلاثين سنة إن لم يقتل وهذا بالنسبة إلى ما يعلم به المخلوق كملك الموت مثلا , وأما بالنسبة إلى علم الله فإنه لا يقع إلا ما علمه . ونظير ذلك الواجب المخير فالواقع منه معلوم عند الله والعبد مخير في أي الخصال يفعل , والجواب عن الثاني من أوجه : ‏
‏أحدها : أنه كان استحل ذلك الفعل فصار كافرا . ‏
‏ثانيها : كان كافرا في الأصل وعوقب بهذه المعصية زيادة على كفره . ‏
‏ثالثها : أن المراد أن الجنة حرمت عليه في وقت ما كالوقت الذي يدخل فيه السابقون أو الوقت الذي يعذب فيه الموحدون في النار ثم يخرجون . ‏
‏رابعها : أن المراد جنة معينة كالفردوس مثلا . ‏
‏خامسها : أن ذلك ورد على سبيل التغليظ والتخويف وظاهره غير مراد . ‏
‏سادسها : أن التقدير حرمت عليه الجنة إن شئت استمرار ذلك . ‏
‏سابعها : قال النووي يحتمل أن يكون ذلك شرع من مضى أن أصحاب الكبائر يكفرون بفعلها . وفي الحديث تحريم قتل النفس سواء كانت نفس القاتل أم غيره , وقتل الغير يؤخذ تحريمه من هذا الحديث بطريق الأولى . وفيه الوقوف عند حقوق الله ورحمته بخلقه حيث حرم عليهم قتل نفوسهم وأن الأنفس ملك الله . وفيه التحديث عن الأمم الماضية وفضيلة الصبر على البلاء وترك التضجر من الآلام لئلا يفضي إلى أشد منها . وفيه تحريم تعاطي الأسباب المفضية إلى قتل النفس . وفيه التنبيه على أن حكم السراية على ما يترتب عليه ابتداء القتل . وفيه الاحتياط في التحديث وكيفية الضبط له والتحفظ فيه بذكر المكان والإشارة إلى ضبط المحدث لمن حدثه ليركن السامع لذلك , والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:08 AM
‏حدثنا ‏ ‏أبو الوليد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عوانة ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏عقبة بن عبد الغافر ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أن رجلا كان قبلكم ‏ ‏رغسه ‏ ‏الله مالا فقال لبنيه لما حضر أي أب كنت لكم قالوا خير أب قال فإني لم أعمل خيرا قط فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف ففعلوا فجمعه الله عز وجل فقال ما حملك قال مخافتك فتلقاه برحمته ‏
‏وقال ‏ ‏معاذ ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏سمعت ‏ ‏عقبة بن عبد الغافر ‏ ‏سمعت ‏ ‏أبا سعيد الخدري ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( عن عقبة بن عبد الغافر ) ‏
‏بين في الرواية المعلقة تلو هذه سماع قتادة من عقبة , وعقبة المذكور أزدي بصري , وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر تقدم في الوكالة . وطريق معاذ هذه وصلها مسلم عن عبيد الله بن معاذ العنبري عن أبيه به . ‏

‏قوله : ( رغسه الله ) ‏
‏بفتح الراء والغين المعجمة بعدها سين مهملة أي كثر ماله , وقيل رغس كل شيء أصله فكأنه قال جعل له أصلا من مال . ووقع في مسلم " رأسه الله " بهمز بدل الغين المعجمة , قال ابن التين : وهو غلط , فإن صح - أي من جهة الرواية - فكأنه كان فيه " راشه " يعني بألف ساكنة بغير همز وبشين معجمة , والريش والرياش المال انتهى . ويحتمل في توجيه رواية مسلم أن يقال : معنى " رأسه " جعله رأسا ويكون بتشديد الهمزة , ‏
‏وقوله " مالا " ‏
‏, أي بسبب المال . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:09 AM
‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عوانة ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الملك بن عمير ‏ ‏عن ‏ ‏ربعي بن حراش ‏ ‏قال قال ‏ ‏عقبة ‏ ‏لحذيفة ‏ ‏ألا تحدثنا ما ‏
‏سمعت من النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال سمعته يقول ‏ ‏إن رجلا حضره الموت لما أيس من الحياة أوصى أهله إذا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا ثم أوروا نارا حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فخذوها فاطحنوها فذروني في اليم في يوم حار أو راح فجمعه الله فقال لم فعلت قال خشيتك فغفر له ‏
‏قال ‏ ‏عقبة ‏ ‏وأنا سمعته يقول ‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عوانة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الملك ‏ ‏وقال ‏ ‏في يوم راح

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( قال عقبة لحذيفة ) ‏
‏هو عقبة بن عمرو أبو مسعود الأنصاري البدري . ‏

‏قوله : ( حدثنا موسى ) ‏
‏هو ابن إسماعيل التبوذكي , وفي رواية الكشميهني " حدثنا مسدد " وصوب أبو ذر رواية الأكثر وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج أنه عن موسى ; وموسى ومسدد جميعا قد سمعا من أبي عوانة , لكن الصواب هنا موسى لأن المصنف ساق الحديث عن مسدد ثم بين أن موسى خالفه في لفظة منه وهي قوله " في يوم راح " فإن في رواية مسدد " يوم حار " وقد تقدم سياق موسى في أول " باب ذكر بني إسرائيل , وقال فيه " انظروا يوما راحا " وقوله راحا أي كثير الريح , ويقال ذلك للموضع الذي تخترقه الرياح , قال الجوهري : يوم راح أي شديد الريح , وإذا كان طيب الريح يقال الريح بتشديد الياء . وقال الخطابي : يوم راح أي ذو ريح كما يقال رجل مال أي ذو مال , وأما رواية الباب فقوله " في يوم حار " فهو بتخفيف الراء , قال ابن فارس : الحور ريح تحن كحنين الإبل , وقد نبه أبو علي الجياني على ما وقع من ذلك . وظن بعض المتأخرين أنه عنى بذلك ما وقع في أول ذكر بني إسرائيل فاعترض عليه بأنه ليس هناك إلا روايته عن موسى بن إسماعيل في جميع الطرق وهو صحيح , لكن مراد الجياني ما وقع هنا , وهو بين لمن تأمل ذلك . ‏

‏قوله : ( حدثنا عبد الملك ) ‏
‏هو ابن عمير المذكور في الإسناد الذي قبله , ومراده أن عبد الملك رواه بالإسناد المذكور مثل الرواية التي قبله إلا في هذه اللفظة ; وهذا يقتضي خطأ من أورده في الرواية الأولى بلفظ " راح " وهي رواية السرخسي , وقد رواه أبو الوليد عن أبي عوانة فقال فيه " في ريح عاصف " أخرجه المصنف في الرقاق . ‏

‏قوله : ( أوروا ) ‏
‏بفتح الهمزة وسكون الواو وضم الراء أي اقدحوا وأشعلوا . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:10 AM
‏حدثني ‏ ‏عبد الله بن محمد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏حميد بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه ففعلت فإذا هو قائم فقال ما حملك على ما صنعت قال يا رب خشيتك فغفر له ‏
‏وقال ‏ ‏غيره ‏ ‏مخافتك يا رب


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( حدثنا هشام ) ‏
‏هو ابن يوسف . ‏

‏قوله : ( كان رجل يسرف على نفسه ) ‏
‏تقدم في حديث حذيفة أنه كان نباشا , وفي الرواية التي في الرقاق أنه كان يسيء الظن بعمله , وفيه أنه لم يبتئر خيرا , وسيأتي نقل الخلاف في تحريرها هناك إن شاء الله تعالى , وفي حديث أبي سعيد " أن رجلا كان قبلكم " . ‏

‏قوله : ( إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني ) ‏
‏بضم المعجمة وتشديد الراء , في حديث أبي سعيد " فقال لبنيه لما حضر - بضم المهملة وكسر المعجمة أي حضره الموت - أي أب كنت لكم ؟ قالوا : خير أب , قال : فإني لم أعمل خيرا قط , فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني " بفتح أوله والتخفيف , وفي رواية الكشميهني " ثم أذروني " بزيادة همزة مفتوحة في أوله , فالأول بمعنى دعوني أي اتركوني , والثاني من قوله أذرت الريح الشيء إذا فرقته بهبوبها , وهو موافق لرواية أبي هريرة . ‏

‏قوله : ( في الريح ) ‏
‏تقدم ما في رواية حذيفة من الخلاف في هذه اللفظة , وفي حديث أبي سعيد " في يوم عاصف " أي عاصف ريحه , وفي حديث معاذ عن شعبة عند مسلم " في ريح عاصف " ووقع في حديث موسى بن إسماعيل في أول الباب " حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي وامتحشت , وهو بضم المثناة وكسر المهملة بعدها شين معجمة أي وصل الحرق العظام , والمحش إحراق النار الجلد . ‏

‏قوله : ( فوالله لئن قدر الله علي ) ‏
‏في رواية الكشميهني " لئن قدر علي ربي " قال الخطابي : قد يستشكل هذا فيقال كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحياء الموتى ؟ والجواب أنه لم ينكر البعث وإنما جهل فظن أنه إذا فعل به ذلك لا يعاد فلا يعذب , وقد ظهر إيمانه باعترافه بأنه إنما فعل ذلك من خشية الله . قال ابن قتيبة : قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين فلا يكفرون بذلك ; ورده ابن الجوزي وقال : جحده صفة القدرة كفر اتفاقا , وإنما قيل إن معنى قوله " لئن قدر الله علي " أي ضيق وهي قوله : ( ومن قدر عليه رزقه ) أي ضيق , وأما قوله " لعلي أضل الله " فمعناه لعلي أفوته , يقال ضل الشيء إذا فات وذهب , وهو كقوله : ( لا يضل ربي ولا ينسى ) ولعل هذا الرجل قال ذلك من شدة جزعه وخوفه كما غلط ذلك الآخر فقال أنت عبدي وأنا ربك , ويكون قوله " لئن قدر علي " بتشديد الدال أي قدر علي أن يعذبني ليعذبني , أو على أنه كان مثبتا للصانع وكان في زمن الفترة فلم تبلعه شرائط الإيمان , وأظهر الأقوال أنه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول , ولم يقله قاصدا لحقيقة معناه بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه , وأبعد الأقوال قول من قال إنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر . ‏

‏قوله : ( فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه ففعلت ) ‏
‏وفي حديث سلمان الفارسي عند أبي عوانة في صحيحه " فقال الله له كن فكان كأسرع من طرفة العين " وهذا جميعه كما قال ابن عقيل إخبار عما سيقع له يوم القيامة , وليس كما قال بعضهم إنه خاطب روحه , فإن ذلك لا يناسب قوله " فجمعه الله " لأن التحريق والتفريق إنما وقع على الجسد وهو الذي يجمع ويعاد عند البعث . ‏

‏قوله : ( وقال غيره خشيتك ) ‏
‏الغير المذكور هو عبد الرزاق , كذا رواه عن معمر بلفظ " خشيتك " بدل مخافتك , وأخرجه أحمد عن عبد الرزاق بهذا , وقد وقع في حديث أبى سعيد " مخافتك , وفي حديث حذيفة " خشيتك " . ‏
‏قوله في آخر حديث أبي سعيد ( فتلقاه رحمته ) في رواية الكشميهني فتلافاه قال ابن التين : أما تلقاه بالقاف فواضح . لكن المشهور تعديته بالباء وقد جاء هنا بغير تعدية , وعلى هذا فالرحمة منصوبة على المفعولية , ويحتمل أن يكون ذكر الرحمة وهي على هذا بالرفع , قال وأما " تلافاه " بالفاء فلا أعرف له وجها إلا أن يكون أصله فتلففه أي غشاه , فلما اجتمعت ثلاث فاءات أبدلت الأخيرة ألفا مثل " دساها " كذا قال ولا يخفى تكلفه , والذي يظهر أنه من الثلاثي , والقول فيه كالقول في التلقي . وقد وقع في حديث سلمان " مما تلافاه عندها أن غفر له " . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:11 AM
‏حدثنا ‏ ‏مسلم بن إبراهيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام ‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ح ‏ ‏و قال لي ‏ ‏خليفة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن زريع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون ‏ ‏آدم ‏ ‏فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هناكم ويذكر ذنبه فيستحي ائتوا ‏ ‏نوحا ‏ ‏فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم فيستحي فيقول ائتوا ‏ ‏خليل الرحمن ‏ ‏فيأتونه فيقول لست هناكم ‏ ‏ائتوا ‏ ‏موسى ‏ ‏عبدا كلمه الله وأعطاه التوراة فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر قتل النفس بغير نفس فيستحي من ربه فيقول ائتوا ‏ ‏عيسى ‏ ‏عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه فيقول لست هناكم ‏ ‏ائتوا ‏ ‏محمدا ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتوني فأنطلق حتى أستأذن على ربي فيؤذن لي فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله ثم يقال ارفع رأسك وسل ‏ ‏تعطه وقل يسمع واشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أعود إليه فإذا رأيت ربي مثله ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أعود الرابعة فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود ‏
‏قال أبو عبد الله ‏ ‏إلا من حبسه القرآن ‏ ‏يعني قول الله تعالى ‏
‏خالدين فيها ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( حدثنا مسلم ) ‏
‏هو ابن إبراهيم , وهشام هو الدستوائي , وساق المصنف حديث الشفاعة لقول أهل الموقف لآدم وعلمك أسماء كل شيء , واختلف في المراد بالأسماء : فقيل أسماء ذريته , وقيل أسماء الملائكة , وقيل أسماء الأجناس دون أنواعها , وقيل أسماء كل ما في الأرض , وقيل أسماء كل شيء حتى القصعة . وقد غفل المزي في " الأطراف " فنسب هذه الطريقة إلى كتاب الإيمان وليس لها فيه ذكر . وإنما هي في التفسير . وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى . ‏

‏قوله : ( قال أبو عبد الله ) ‏
‏هو المصنف . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:11 AM
‏حدثني ‏ ‏إسحاق بن إبراهيم ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عبد الله بن إدريس ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏حصين بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏سعد بن عبيدة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عبد الرحمن السلمي ‏ ‏عن ‏ ‏علي ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏بعثني رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وأبا مرثد الغنوي ‏ ‏والزبير بن العوام ‏ ‏وكلنا فارس قال انطلقوا حتى تأتوا ‏ ‏روضة خاخ ‏ ‏فإن بها ‏ ‏امرأة ‏ ‏من المشركين معها كتاب من ‏ ‏حاطب بن أبي بلتعة ‏ ‏إلى المشركين فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقلنا الكتاب فقالت ما معنا كتاب فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا فقلنا ما كذب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لتخرجن الكتاب أو لنجردنك فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته فانطلقنا بها إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال ‏ ‏عمر ‏ ‏يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما حملك على ما صنعت قال ‏ ‏حاطب ‏ ‏والله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏صدق ولا تقولوا له إلا خيرا فقال ‏ ‏عمر ‏ ‏إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال أليس من أهل ‏ ‏بدر ‏ ‏فقال ‏ ‏لعل الله اطلع إلى أهل ‏ ‏بدر ‏ ‏فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم فدمعت عينا ‏ ‏عمر ‏ ‏وقال الله ورسوله أعلم ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري

ذكر المصنف حديث علي في قصة حاطب بن أبي بلتعة , وسيأتي شرح القصة في فتح مكة مستوفى وذكر البرقاني أن مسلما أخرج نحو هذا الحديث من طريق ابن عباس عن عمر مستوفى , والمراد منه هنا الاستدلال على فضل أهل بدر بقوله صلى الله عليه وسلم المذكور , وهي بشارة عظيمة لم تقع لغيرهم , ووقع الخبر بألفاظ : منها " فقد غفرت لكم " ومنها " فقد وجبت لكم الجنة " ومنها " لعل الله اطلع " لكن قال العلماء إن الترجي في كلام الله وكلام رسوله الموقوع وعند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه " إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث جابر مرفوعا " لن يدخل النار أحد شهد بدرا " وقد استشكل قوله : " اعملوا ما شئتم " فإن ظاهره أنه للإباحة وهو خلاف عقد الشرع , وأجيب بأنه إخبار عن الماضي أي كل عمل كان لكم فهو مغفور , ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي ولقال فسأغفره لكم , وتعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب لأنه صلى الله عليه وسلم خاطب به عمر منكرا عليه ما قال في أمر حاطب , وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين فدل على أن المراد ما سيأتي , وأورده في لفظ الماضي مبالغة في تحقيقه . وقيل : إن صيغة الأمر في قوله : " اعملوا " للتشريف والتكريم والمراد عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك , وأنهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السابقة , وتأهلوا لأن يغفر الله لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت , أي كل ما عملتموه بعد هذه الواقعة من أي عمل كان فهو مغفور . وقيل : إن المراد ذنوبهم تقع إذا وقعت مغفورة . وقيل : هي بشارة بعدم وقوع الذنوب منهم , وفيه نظر ظاهر لما سيأتي في قصة قدامة بن مظعون حين شرب الخمر في أيام عمر وحده عمر , فهاجر بسبب ذلك , فرأى عمر في المنام من يأمره بمصالحته , وكان قدامة بدريا . والذي يفهم من سياق القصة الاحتمال الثاني وهو الذي فهمه أبو عبد الرحمن السلمي التابعي حيث قال لحيان بن عطية : قد علمت الذي جرأ صاحبك على الدماء , وذكر له هذا الحديث , وسيأتي ذلك في " باب استتابة المرتدين " . واتفقوا على أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة لا بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها , والله أعلم .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:12 AM
‏حدثنا ‏ ‏أبو اليمان ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏شعيب ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن أبي حسين ‏ ‏حدثنا ‏ ‏نافع بن جبير ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏رضي الله عنهما ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال قال الله ‏ ‏كذبني ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( قال الله تعالى ) ‏
‏هذا من الأحاديث القدسية . ‏

‏قوله : ( وأما شتمه إياي فقوله لي ولد ) ‏
‏إنما سماه شتما لما فيه من التنقيص لأن الولد إنما يكون عن والدة تحمله ثم تضعه ويستلزم ذلك سبق النكاح , والنكاح يستدعي باعثا له على ذلك . والله سبحانه منزه عن جميع ذلك , ويأتي شرحه في تفسير سورة الإخلاص . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:13 AM
‏حدثنا ‏ ‏يوسف بن راشد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏وأبو أسامة ‏ ‏واللفظ ‏ ‏لجرير ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏وقال ‏ ‏أبو أسامة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يدعى ‏ ‏نوح ‏ ‏يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول ‏ ‏هل بلغت فيقول نعم فيقال لأمته هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير فيقول من يشهد لك فيقول ‏ ‏محمد ‏ ‏وأمته فتشهدون أنه قد بلغ ‏
‏ويكون الرسول عليكم شهيدا ‏
‏فذلك قوله جل ذكره ‏
‏وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ‏
‏والوسط العدل


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( حدثنا قتيبة حدثنا جرير وأبو أسامة واللفظ لجرير ) ‏
‏أي لفظ المتن . ‏

‏قوله : ( وقال أبو أسامة حدثنا أبو صالح ) ‏
‏يعني قال أبو أسامة عن الأعمش حدثنا أبو صالح . فأفاد تصريح الأعمش بالتحديث , وقد أخرجه في الاعتصام من وجه آخر عن أبي أسامة وصرح في روايته أيضا بالتحديث , وسيأتي في رواية أبي أسامة مفردة في الاعتصام . ‏

‏قوله : ( يدعى نوح يوم القيامة فيقول : لبيك وسعديك يا رب , فيقول : هل بلغت ؟ فيقول : نعم ) ‏
‏زاد في الاعتصام " نعم يا رب " . ‏

‏قوله : ( فيقول من يشهد لك ) ‏
‏في الاعتصام فيقول " من شهودك " . قوله : ( فيشهدون ) في الاعتصام " فجاء بكم فتشهدون " وقد روى هذا الحديث أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد أتم من سياق وأشمل ولفظه " يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل , ويجيء النبي ومعه الرجلان , ويجيء النبي ومعه أكثر من ذلك , قال فيقال لهم : أبلغكم هذا ؟ فيقولون : لا , فيقال للنبي : أبلغتهم ؟ فيقول : نعم , فيقال : له : من يشهد لك ؟ " الحديث أخرجه أحمد عنه والنسائي وابن ماجه والإسماعيلي من طريق أبي معاوية أيضا . ‏

‏قوله : ( فيشهدون أنه قد بلغ ) ‏
‏زاد أبو معاوية " فيقال وما علمكم ؟ فيقولون : أخبرنا نبينا أن الرسل قد بلغوا فصدقناه " ويؤخذ من حديث أبي بن كعب تعميم ذلك , فأخرج ابن أبي حاتم بسند جيد عن أبي العالية عن أبي بن كعب في هذه الآية قال ( لتكونوا شهداء ) وكانوا شهداء على الناس يوم القيامة , كانوا شهداء على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وغيرهم أن رسلهم بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم , قال أبو العالية . وهي قراءة أبي " لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة " ومن حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " ما من رجل من الأمم إلا ود أنه منا أيتها الأمة , ما من نبي كذبه قومه إلا ونحن شهداؤه يوم القيامة أن قد بلغ رسالة الله ونصح لهم . ‏

‏قوله : ( فذلك قوله عز وجل : وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ‏
‏في الاعتصام " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " . ‏

‏قوله : ( والوسط العدل ) ‏
‏هو مرفوع من نفس الخبر , وليس بمدرج من قول بعض الرواة كما وهم فيه بعضهم , وسيأتي في الاعتصام بلفظ " وكذلك جعلناكم أمة وسطا عدلا " وأخرج الإسماعيلي من طريق حفص ابن غياث عن الأعمش بهذا السند في قوله : ( وسطا ) قال : عدلا , كذا أورده مختصرا مرفوعا , وأخرجه الطبري من هذا الوجه مختصرا مرفوعا , ومن طريق وكيع عن الأعمش بلفظ " والوسط العدل " مختصرا مرفوعا , ومن طريق أبي معاوية عن الأعمش مثله , وكذا أخرجه الترمذي والنسائي من هذا الوجه , وأخرجه الطبري من طريق جعفر بن عون عن الأعمش مثله , وأخرجه عن جماعة من التابعين كمجاهد وعطاء وقتادة , ومن طريق العوفي عن ابن عباس مثله , قال الطبري : الوسط في كلام العرب الخيار , يقولون فلان وسط في قومه وواسط إذا أرادوا الرفع في حسبه . قال : والذي أرى أن معنى الوسط في الآية الجزء الذي بين الطرفين , والمعنى أنهم وسط لتوسطهم في الدين فلم يغلوا كغلو النصارى ولم يقصروا كتقصير اليهود , ولكنهم أهل وسط واعتدال , قلت : لا يلزم من كون الوسط في الآية صالحا لمعنى التوسط أن لا يكون أريد به معناه الآخر كما نص عليه الحديث , فلا مغايرة بين الحديث وبين ما دل عليه معنى الآية والله أعلم .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:13 AM
‏حدثنا ‏ ‏أبو اليمان ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏شعيب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال قال الله عز وجل ‏ ‏أنفق أنفق عليك وقال يد الله ملأى لا ‏ ‏تغيضها ‏ ‏نفقة سحاء الليل والنهار وقال أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض فإنه لم ‏ ‏يغض ‏ ‏ما في يده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع ‏



‏اعتراك ‏
‏افتعلك من عروته أي أصبته ومنه يعروه واعتراني ‏
‏آخذ بناصيتها ‏
‏أي في ملكه وسلطانه عنيد وعنود وعاند واحد هو تأكيد التجبر ‏
‏استعمركم ‏
‏جعلكم عمارا أعمرته الدار فهي عمرى جعلتها له ‏
‏نكرهم ‏
‏وأنكرهم واستنكرهم واحد ‏
‏حميد مجيد ‏
‏كأنه فعيل من ماجد محمود من حمد سجيل الشديد الكبير سجيل ‏ ‏وسجين ‏ ‏واللام والنون أختان وقال ‏ ‏تميم بن مقبل ‏ ‏ورجلة يضربون البيض ضاحية ‏
‏ضربا تواصى به الأبطال ‏ ‏سجينا ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( اعتراك افتعلك من عروته أي أصبته , ومنه يعروه واعتراني ) ‏
‏هو كلام أبي عبيدة , وقد تقدم شرحه في فرض الخمس , وثبت هنا للكشميهني وحده , ووقع في بعض النسخ اعتراك افتعلت بمثناة في آخره وهو كذلك عند أبي عبيدة , واعترى افتعل من عراه يعروه إذا أصابه , وقوله : ( إن نقول إلا اعتراك ) ما بعد إلا مفعول بالقول قبله ولا يحتاج إلى تقدير محذوف كما قدره بعضهم أي ما نقول إلا هذا اللفظ , فالجملة محكية , نحو ما قلت إلا زيد قائم . ‏

‏قوله : ( آخذ بناصيتها في ملكه وسلطانه ) ‏
‏هو كلام أبي عبيدة أيضا وقد تقدم في بدء الخلق وثبت هنا للكشميهني وحده . ‏

‏قوله : ( عنيد وعنود وعاند واحد , هو تأكيد التجبر ) ‏
‏هو قول أبي عبيدة بمعناه , لكن قال : وهو العادل عن الحق وقال ابن قتيبة : المعارض المخالف . ‏

‏قوله : ( استعمركم جعلكم عمارا , أعمرته الدار فهي عمرى ) ‏
‏سقط هذا لغير أبي ذر , وقد تقدم شرحه في كتاب الهبة . ‏

‏قوله : ( نكرهم وأنكرهم واستنكرهم واحد ) ‏
‏هو قول أبي عبيدة وأنشد " وأنكرتني وما كان الذي نكرت " . ‏

‏قوله : ( حميد مجيد كأنه فعيل من ماجد محمود من حمد ) ‏
‏كذا وقع هنا , والذي في كلام أبي عبيدة : حميد مجيد أي محمود ماجد , وهذا هو الصواب , والحميد فعيل من حمد فهو حامد أي يحمد من يطيعه , أو هو حميد بمعنى محمود , والمجيد فعيل من مجد بضم الجيم يمجد كشرف يشرف وأصله الرفعة . ‏

‏قوله : ( سجيل الشديد الكبير , سجيل وسجين واحد , واللام والنون أختان . وقال تميم بن مقبل : ‏ ‏ورجلة يضربون البيض ضاحية ‏ ‏ضربا تواصى به الأبطال سجينا ‏
‏هو كلام أبي عبيدة بمعناه , قال في قوله تعالى ( حجارة من سجيل ) هو الشديد من الحجارة الصلب , ومن الضرب أيضا قال ابن مقبل , فذكره . قال : وقوله سجيلا أي شديدا , وبعضهم يحول اللام نونا . وقال في موضع آخر : السجيل الشديد الكثير . وقد تعقبه ابن قتيبة بأنه لو كان معنى السجيل الشديد لما دخلت عليه من وكان يقول حجارة سجيلا لأنه لا يقال حجارة من شديد , ويمكن أن يكون الموصوف حذف . وأنشد غير أبي عبيدة البيت المذكور فأبدل قوله " ضاحية " بقوله " عن عرض " وهو بضمتين وضاد معجمة , وسيأتي قول ابن عباس ومن تبعه أن الكلمة فارسية في تفسير سورة الفيل , وقد قال الأزهري : إن ثبت أنها فارسية فقد تكلمت بها العرب فصارت , وقيل هو اسم لسماء الدنيا , وقيل بحر معلق بين السماء والأرض نزلت منه الحجارة , وقيل هي جبال في السماء . ‏
‏( تنبيه ) : ‏
‏تميم بن مقبل هو ابن خبيب بن عوف بن قتيبة بن العجلان بن كعب بن عامر بن صعصعة العامري ثم العجلاني , شاعر مخضرم أدرك في الجاهلية والإسلام , وكان أعرابيا جافيا , وله قصة مع عمر , ذكره المرزباني " ورجلة بفتح الراء ويجوز كسرها على تقدير ذوي رجلة والجيم ساكنة , وحكى ابن التين في هذا الحاء المهملة , والبيض بفتح الموحدة جمع بيضة وهي الخوذة , أو بكسرها جمع أبيض وهو السيف " فعلى الأول المراد مواضع البيض وهي الرءوس , وعلى الثاني المراد يضربون بالبيض على نزع الخافض والأول أوجه . وضاحية أي ظاهرة , أو المراد في وقت الضحوة . وتواصى أصله تتواصى فحذفت إحدى التاءين , وروي تواصت بمثناة بدل التحتانية في آخره , وقوله سجينا بكسر المهملة وتشديد الجيم , قال الحسن بن المظفر : هو فعيل من السجن كأنه يثبت من وقع فيه فلا يبرح مكانه , وعن ابن الأعرابي أنه رواه بالخاء المعجمة بدل الجيم أي ضربا حارا .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:15 AM
‏حدثنا ‏ ‏عمر بن حفص ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏قال ‏
‏قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول الله عز وجل يوم القيامة ‏ ‏يا ‏ ‏آدم ‏ ‏يقول لبيك ربنا وسعديك فينادى بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار قال يا رب وما بعث النار قال من كل ألف أراه قال تسع مائة وتسعة وتسعين فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد ‏
‏وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ‏
‏فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من ‏ ‏يأجوج ‏ ‏ومأجوج ‏ ‏تسع مائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبرنا ثم قال ثلث أهل الجنة فكبرنا ثم قال شطر أهل الجنة فكبرنا ‏
‏قال ‏ ‏أبو أسامة ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏
‏ترى الناس سكارى وما هم بسكارى ‏
‏وقال من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين ‏ ‏وقال ‏ ‏جرير ‏ ‏وعيسى بن يونس ‏ ‏وأبو معاوية ‏
‏سكرى وما هم بسكرى ‏




فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( وقال أبو أسامة عن الأعمش : سكارى وما هم بسكارى ) ‏
‏يعني أنه وافق حفص بن غياث في رواية هذا الحديث عن الأعمش بإسناده ومتنه , وقد أخرجه أحمد عن وكيع عن الأعمش كذلك . ‏

‏قوله : ( قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ) ‏
‏أي أنه جزم بذلك , بخلاف حفص فإنه وقع في روايته " من كل ألف أراه قال " فذكره . ورواية أبي أسامة هذه وصلها المؤلف في قصة يأجوج ومأجوج من أحاديث الأنبياء . ‏

‏قوله : ( وقال جرير وعيسى بن يونس وأبو معاوية : سكرى وما هم بسكرى ) ‏
‏يعني أنهم رووه عن الأعمش بإسناده هذا ومتنه لكنهم خالفوا في هذه اللفظة , فأما رواية جرير فوصلها المؤلف في الرقاق كما قال , وأما رواية عيسى بن يونس فوصلها إسحاق بن راهويه عنه كذلك , وأما رواية أبي معاوية فاختلف عليه فيها , فرواها بلفظ سكرى أبو بكر من أبي شيبة عنه , وقد أخرجها سعيد بن منصور عن أبي معاوية والنسائي عن أبي كريب عن أبي معاوية فقالا في روايتهما " سكارى وما هم بسكارى " وكذا عند الإسماعيلي من طريق أخرى عن أبي معاوية , وأخرجها مسلم عن أبي كريب عنه مقرونة برواية وكيع وأحال بهما على رواية جرير , وروى ابن مردويه من طريق محاضر والطبري من طريق المسعودي كلاهما عن الأعمش بلفظ " سكرى " وقال الفراء : أجمع القراء على " سكارى وما هم بسكارى " ثم روي بإسناده عن ابن مسعود " سكرى وما هم بسكرى " قال : وهو جيد في العربية انتهى . ونقله الإجماع عجب , مع أن أصحابه الكوفيين يحيى بن وثاب وحمزة والأعمش والكسائي قرءوا بمثل ما نقل عن ابن مسعود , ونقلها أبو عبيد أيضا عن حذيفة وأبي زرعة بن عمرو واختارها أبو عبيد , وقد اختلف أهل العربية في " سكرى " هل هي صيغة جمع على فعلى مثل مرضى أو صيغة مفرد فاستغني بها عن وصفه الجماعة .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:16 AM
‏حدثنا ‏ ‏إسماعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أخي ‏ ‏عن ‏ ‏ابن أبي ذئب ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد المقبري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يلقى ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏أباه فيقول يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فيقول الله ‏ ‏إني حرمت الجنة على الكافرين ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( حدثنا إسماعيل ) ‏
‏هو ابن أبي أويس , وأخوه هو أبو بكر عبد الحميد . ‏
‏قوله في الطريق الموصولة ( ‏
‏يلقى إبراهيم أباه فيقول : يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون , فيقول الله : إني حرمت الجنة على الكافرين ) ‏
‏هكذا أورده هنا مختصرا , وساقه في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء تاما . ‏
‏قوله : ( يلقى إبراهيم أباه آزر ) هذا موافق لظاهر القرآن في تسمية والد إبراهيم , وقد سبقت نسبته في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء . وحكى الطبري من طريق ضعيفة عن مجاهد أن آزر اسم الصنم وهو شاذ . ‏
‏قوله : ( وعلى وجه آزر قترة وغبرة ) هذا موافق لظاهر القرآن ( وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة ) أي يغشاها قترة , فالذي يظهر أن الغبرة الغبار من التراب , والقترة السواد الكائن عن الكآبة . ‏
‏قوله : ( فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني ؟ فيقول أبوه : فاليوم لا أعصيك ) في رواية إبراهيم بن طهمان " فقال له قد نهيتك عن هذا فعصيتني , قال : لكني لا أعصيك واحدة " . ‏
‏قوله : ( فيقول إبراهيم يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون , فأي خزي أخزى من أبي الأبعد ) وصف نفسه بالأبعد على طريق الفرض إذا لم تقبل شفاعته في أبيه , وقيل : الأبعد صفة أبيه أي أنه شديد البعد من رحمة الله لأن الفاسق بعيد منها فالكافر أبعد , وقيل : الأبعد بمعنى البعيد والمراد الهالك , ويؤيد الأول أن في رواية إبراهيم بن طهمان " وإن أخزيت أبي فقد أخزيت الأبعد " وفي رواية أيوب " يلقى رجل أباه يوم القيامة فيقول له : أي ابن كنت لك ؟ فيقول : خير ابن , فيقول : هل أنت مطيعي اليوم ؟ فيقول : نعم . فيقول خذ بارزتي . فيأخذ بارزته . ثم ينطلق حتى يأتي ربه وهو يعرض الخلق , فيقول الله : يا عبدي ادخل من أي أبواب الجنة شئت , فيقول : أي رب أبي معي , فإنك وعدتني أن لا تخزني " . ‏
‏قوله : ( فيقول الله : إني حرمت الجنة على الكافرين ) في حديث أبي سعيد " فينادى : إن الجنة لا يدخلها مشرك " . ‏
‏قوله : ( ثم يقال يا إبراهيم ما تحت رجليك ؟ انظر , فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ , فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار ) في رواية إبراهيم بن طهمان " فيؤخذ منه فيقول : يا إبراهيم أين أبوك ؟ قال : أنت أخذته مني , قال : انظر أسفل , فينظر فإذا ذيخ يتمرغ في نتنه " . وفي رواية أيوب " فيمسخ الله أباه ضبعا " فيأخذ بأنفه فيقول : يا عبدي أبوك هو , فيقول : لا وعزتك " وفي حديث أبي سعيد " فيحول في صورة قبيحة وريح منتنة في صورة ضبعان " زاد ابن المنذر من هذا الوجه " فإذا رآه كذا تبرأ منه قال : لست أبي " والذيخ بكسر الذال المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم خاء معجمة ذكر الضباع , وقيل لا يقال له ذيخ إلا إذا كان كثير الشعر . والضبعان لغة في الضبع . وقوله : " متلطخ " قال بعض الشراح : أي في رجيع أو دم أو طين . وقد عينت الرواية الأخرى المراد وأنه الاحتمال الأول حيث قال : فيتمرغ في نتنه . قيل : الحكمة في مسخه لتنفر نفس إبراهيم منه ولئلا يبقى في النار على صورته فيكون فيه غضاضة على إبراهيم . وقيل : الحكمة في مسخه ضبعا أن الضبع من أحمق الحيوان , وآزر كان من أحمق البشر , لأنه بعد أن ظهر له من ولده من الآيات البينات أصر على الكفر حتى مات . واقتصر في مسخه على هذا الحيوان لأنه وسط في التشويه بالنسبة إلى ما دونه كالكلب والخنزير وإلى ما فوقه كالأسد مثلا , ولأن إبراهيم بالغ في الخضوع له وخفض الجناح فأبى واستكبر وأصر على الكفر فعومل بصفة الذل يوم القيامة , ولأن للضبع عوجا فأشير إلى أن آزر لم يستقم فيؤمن بل استمر على عوجه في الدين . وقد استشكل الإسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحته فقال بعد أن أخرجه : هذا خبر في صحته نظر من جهة أن إبراهيم علم أن الله لا يخلف الميعاد ; فكيف يجعل ما صار لأبيه خزيا مع علمه بذلك ؟ وقال غيره : هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه , فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) انتهى . والجواب عن ذلك أن أهل التفسير اختلفوا في الوقت الذي تبرأ فيه إبراهيم من أبيه , فقيل : كان ذلك في الحياة الدنيا لما مات آزر مشركا , وهذا أخرجه الطبري من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وإسناده صحيح . وفي رواية : " فلما مات لم يستغفر له " ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه قال : " استغفر له ما كان حيا فلما مات أمسك " وأورده أيضا من طريق مجاهد وقتادة وعمرو بن دينار نحو ذلك , وقيل إنما تبرأ منه يوم القيامة لما يئس منه حين مسخ على ما صرح به في رواية ابن المنذر التي أشرت إليها , وهذا الذي أخرجه الطبري أيضا من طريق عبد الملك بن أبي سليمان سمعت سعيد بن جبير يقول : إن إبراهيم يقول يوم القيامة : رب والدي , رب والدي . فإذا كان الثالثة أخذ بيده فيلتفت إليه وهو ضبعان فيتبرأ منه . ومن طريق عبيد بن عمير قال : يقول إبراهيم لأبيه : إني كنت آمرك في الدنيا وتعصيني , ولست تاركك اليوم فخذ بحقوي , فيأخذ بضبعيه فيمسخ ضبعا , فإذا رآه إبراهيم مسخ تبرأ منه . ويمكن الجمع بين القولين بأنه تبرأ منه لما مات مشركا فترك الاستغفار له , لكن لما رآه يوم القيامة أدركته الرأفة والرقة فسأل فيه , فلما رآه مسخ يئس منه حينئذ فتبرأ منه تبرءا أبديا وقيل : إن إبراهيم لم يتيقن موته على الكفر بجواز أن يكون آمن في نفسه ولم يطلع إبراهيم على ذلك , وتكون تبرئته منه حينئذ بعد الحال التي وقعت في هذا الحديث . قال الكرماني : فإن قلت : إذا أدخل الله أباه النار فقد أخزاه لقوله : ( إنك من تدخل النار فقد أخزيته ) وخزي الوالد خزي الولد فيلزم الخلف في الوعد وهو محال , ولو أنه يدخل النار لزم الخلف في الوعيد وهو المراد بقوله : ( إن الله حرم الجنة على الكافرين ) والجواب أنه إذا مسخ في صورة ضبع وألقي في النار لم تبق الصورة التي هي سبب الخزي , فهو عمل بالوعد والوعيد . وجواب آخر : وهو أن الوعد كان مشروطا بالإيمان , وإنما استغفر له وفاء بما وعده , فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه . قلت : وما قدمته يؤدي المعنى المراد مع السلامة مما في اللفظ من الشناعة , والله أعلم .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:17 AM
‏حدثنا ‏ ‏علي بن عبد الله ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال قال الله تبارك وتعالى ‏ ‏أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏اقرءوا إن شئتم ‏
‏فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ‏

‏و حدثنا ‏ ‏علي ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏ ‏قال الله ‏ ‏مثله ‏ ‏قيل ‏ ‏لسفيان ‏ ‏رواية قال فأي شيء ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( يقول الله تعالى : أعددت لعبادي ) ‏
‏ووقع في حديث آخر " أن سبب هذا الحديث أن موسى عليه السلام سأل ربه من أعظم أهل الجنة منزلة ؟ فقال : غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها , فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " أخرجه مسلم والترمذي من طريق الشعبي سمعت المغيرة بن شعبة على المنبر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم " أن موسى سأل ربه " فذكر الحديث بطوله وفيه هذا , وفي آخره : قال : ومصداق ذلك في كتاب الله ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) . ‏

‏قوله : ( ولا خطر على قلب بشر ) ‏
‏زاد ابن مسعود في حديثه " ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل " أخرجه ابن أبي حاتم , وهو يدفع قول من قال : إنما قيل : البشر لأنه يخطر بقلوب الملائكة . والأولى حمل النفي فيه على عمومه فإنه أعظم في النفس . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:18 AM
‏حدثنا ‏ ‏الحميدي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال الله عز وجل ‏ ‏يؤذيني ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( يؤذيني ابن آدم ) ‏
‏كذا أورده مختصرا , وقد أخرجه الطبري عن أبي كريب عن ابن عيينة بهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كان أهل الجاهلية يقولون إنما يهلكنا الليل والنهار , هو الذي يميتنا ويحيينا , فقال الله في كتابه ( وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا ) الآية , قال فيسبون الدهر , قال الله تبارك وتعالى : يؤذيني ابن آدم " فذكره . قال القرطبي : معناه يخاطبني من القول بما يتأذى من يجوز في حقه التأذي , والله منزه عن أن يصل إليه الأذى , وإنما هذا من التوسع في الكلام . والمراد أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله . ‏

‏قوله : ( وأنا الدهر ) ‏
‏قال الخطابي : معناه أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر , فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها , وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور . وكانت عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر فقالوا : بؤسا للدهر , وتبا للدهر . وقال النووي : قوله " أنا الدهر " بالرفع في ضبط الأكثرين والمحققين , ويقال بالنصب على الظرف أي أنا باق أبدا , والموافق لقوله " إن الله هو الدهر " الرفع وهو مجاز , وذلك أن العرب كانوا يسبون الدهر عند الحوادث فقال : لا تسبوه فإن فاعلها هو الله , فكأنه قال : لا تسبوا الفاعل فإنكم إذا سببتموه سببتموني . أو الدهر هنا بمعنى الداهر , فقد حكى الراغب أن الدهر في قوله " إن الله هو الدهر " غير الدهر في قوله " يسب الدهر " قال : والدهر الأول الزمان والثاني المدبر المصرف لما يحدث , ثم استضعف هذا القول لعدم الدليل عليه . ثم قال : لو كان كذلك لعد الدهر من أسماء الله تعالى انتهى . وكذا قال محمد بن داود محتجا لما ذهب إليه من أنه بفتح الراء فكان يقول : لو كان بضمها لكان الدهر من أسماء الله تعالى . وتعقب بأن ذلك ليس بلازم , ولا سيما مع روايته " فإن الله هو الدهر " قال ابن الجوزي : يصوب ضم الراء من أوجه : أحدها أن المضبوط عند المحدثين بالضم , ثانيها لو كان بالنصب يصير التقدير فأنا الدهر أقلبه , فلا تكون علة النهي عن سبه مذكورة لأنه تعالى يقلب الخير والشر فلا يستلزم ذلك منع الذم , ثالثها الرواية التي فيها " فإن الله هو الدهر " انتهى . وهذه الأخيرة لا تعين الرفع لأن للمخالف أن يقول : التقدير فإن الله هو الدهر يقلب , فترجع للرواية الأخرى , وكذا ترك ذكر علة النهي لا يعين الرفع لأنها تعرف من السياق , أي لا ذنب له فلا تسبوه .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:18 AM
‏حدثنا ‏ ‏خالد بن مخلد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏معاوية بن أبي مزرد ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن فقال له ‏ ‏مه ‏ ‏قالت هذا مقام العائذ بك من ‏ ‏القطيعة ‏ ‏قال ‏ ‏ألا ترضين أن أصل من ‏ ‏وصلك ‏ ‏وأقطع من قطعك قالت بلى يا رب قال فذاك قال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏اقرءوا إن شئتم ‏
‏فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ‏

‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن حمزة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حاتم ‏ ‏عن ‏ ‏معاوية ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏عمي ‏ ‏أبو الحباب سعيد بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏بهذا ثم قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏اقرءوا إن شئتم ‏
‏فهل عسيتم ‏
‏حدثنا ‏ ‏بشر بن محمد ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عبد الله ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معاوية بن أبي المزرد ‏ ‏بهذا قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏واقرءوا إن شئتم ‏
‏فهل عسيتم ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( خلق الله الخلق فلما فرغ منه ) ‏
‏أي قضاه وأتمه . ‏

‏قوله : ( قامت الرحم ) ‏
‏يحتمل أن يكون على الحقيقة , والأعراض يجوز أن تتجسد وتتكلم بإذن الله , ويجوز أن يكون على حذف أي قام ملك فتكلم على لسانها , ويحتمل أن يكون ذلك على طريق ضرب المثل والاستعارة والمراد تعظيم شأنها وفضل واصلها وإثم قاطعها . ‏

‏قوله : ( فأخذت ) ‏
‏كذا للأكثر بحذف مفعول أخذت , وفي رواية ابن السكن " فأخذت بحقو الرحمن " وفي رواية الطبري " بحقوي الرحمن " بالتثنية , قال القابسي أبى أبو زيد المروزي أن يقرأ لنا هذا الحرف لإشكاله , ومشى بعض الشراح على الحذف فقال : أخذت بقائمة من قوائم العرش , وقال عياض : الحقو معقد الإزار , وهو الموضع الذي يستجار به ويحتزم به على عادة العرب , لأنه من أحق ما يحامى عنه ويدفع , كما قالوا نمنعه مما نمنع منه أزرنا , فاستعير ذلك مجازا للرحم في استعاذتها بالله من القطيعة انتهى . . وقد يطلق الحقو على الإزار نفسه كما في حديث أم عطية " فأعطاها حقوه فقال : أشعرنها إياه " يعني إزاره وهو المراد هنا , وهو الذي جرت العادة بالتمسك به عند الإلحاح في الاستجارة والطلب , والمعنى على هذا صحيح مع اعتقاد تنزيه الله عن الجارحة . قال الطيبي : هذا القول مبني على الاستعارة التمثيلية كأنه شبه حالة الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة والذب عنها بحال مستجير يأخذ بحقو المستجار به , ثم أسند على سبيل الاستعارة التخييلية ما هو لازم للمشبه به من القيام فيكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة , ثم رشحت الاستعارة بالقول والأخذ وبلفظ الحقو فهو استعارة أخرى , والتثنية فيه للتأكيد لأن الأخذ باليدين آكد في الاستجارة من الأخذ بيد واحدة . ‏

‏قوله : ( فقال له مه ) ‏
‏هو اسم فعل معناه الزجر أي اكفف . وقال ابن , مالك : هي هنا " ما " الاستفهامية حذفت ألفها ووقف عليها بهاء السكت , والشائع أن لا يفعل ذلك إلا وهي مجرورة , لكن قد سمع مثل ذلك فجاء عن أبي ذؤيب الهذلي قال : قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج , فقلت مه ؟ فقالوا . قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم . ‏

‏قوله في الإسناد ( حدثنا سليمان ) ‏
‏هو ابن بلال . ‏

‏قوله : ( هذا مقام العائذ بك من القطيعة ) ‏
‏هذه الإشارة إلى المقام أي قيامي في هذا مقام العائذ بك , وسيأتي مزيد بيان لما يتعلق بقطيعة الرحم في أوائل كتاب الأدب إن شاء الله تعالى . ووقع في رواية الطبري " هذا مقام عائذ من القطيعة " والعائذ المستعيذ , وهو المعتصم بالشيء المستجير به . ‏

‏قوله : ( قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : فهل عسيتم ) ‏
‏هذا ظاهره أن الاستشهاد موقوف , وسيأتي بيان من رفعه وكذا في رواية الطبري من طريق سعيد بن أبي مريم عن سليمان بن بلال ومحمد بن جعفر بن أبي كثير . ‏

‏قوله : ( حدثنا حاتم ) ‏
‏هو ابن إسماعيل الكوفي نزيل المدينة , ومعاوية هو ابن أبي مزرد المذكور في الذي قبله وبعده . ‏

‏قوله : ( بهذا ) ‏
‏يعني الحديث الذي قبله , وقد أخرجه الإسماعيلي من طريقين عن حاتم بن إسماعيل بلفظ " فلما فرغ منه قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ " ولم يذكر الزيادة . وزاد بعد قوله قالت بلى يا رب " قال فذلك لك " . ‏

‏قوله : ( ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوا إن شئتم ) ‏
‏حاصله أن الذي وقفه سليمان بن بلال على أبي هريرة رفعه حاتم بن إسماعيل , وكذا وقع في رواية الإسماعيلي المذكورة . ‏

‏قوله ( أخبرنا عبد الله ) ‏
‏هو ابن المبارك ‏

‏قوله ( بهذا ) ‏
‏أي بهذا الإسناد والمتن , ووافق حاتما على رفع هذا الكلام الأخير , وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق حبان بن موسى عن عبد الله بن المبارك . ‏
‏( تنبيه ) : ‏
‏اختلف في تأويل قوله : ( إن توليتم ) فالأكثر على أنها من الولاية والمعنى إن وليتم الحكم , وقيل بمعنى الإعراض , والمعنى لعلكم إن أعرضتم عن قبول الحكم أن يقع منكم ما ذكر , والأول أشهر , ويشهد له ما أخرج الطبري في تهذيبه من حديث عبد الله بن مغفل قال " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض ) قال هم هذا الحي من قريش , أخذ الله عليهم إن ولوا الناس أن لا يفسدوا في الأرض ولا يقطعوا أرحامهم " .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:19 AM
‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن مسلمة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز بن أبي سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏هلال بن أبي هلال ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو بن العاص ‏ ‏رضي الله عنهما ‏
‏أن هذه الآية التي في القرآن يا أيها النبي ‏
‏إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ‏
‏قال ‏ ‏في التوراة يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ‏ ‏وحرزا ‏ ‏للأميين ‏ ‏أنت عبدي ورسولي سميتك ‏ ‏المتوكل ‏ ‏ليس ‏ ‏بفظ ‏ ‏ولا غليظ ولا ‏ ‏سخاب ‏ ‏بالأسواق ولا ‏ ‏يدفع ‏ ‏السيئة بالسيئة ولكن ‏ ‏يعفو ‏ ‏ويصفح ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا ‏ ‏غلفا


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( حدثنا عبد الله بن مسلمة ) ‏
‏أي القعنبي , كذا في رواية أبي ذر وأبي علي بن السكن . ووقع عند غيرهما " عبد الله " غير منسوب فتردد فيه أبو مسعود بين أن يكون عبد الله بن رجاء وعبد الله بن صالح كاتب الليث وقال أبو علي الجياني : عندي أنه عبد الله بن صالح . ورجح هذا المزي وحده بأن البخاري أخرج هذا الحديث بعينه في كتاب " الأدب المفرد " عن عبد الله بن صالح عن عبد العزيز . قلت : لكن لا يلزم من ذلك الجزم به , وما المانع أن يكون له في الحديث الواحد شيخان عن شيخ واحد ؟ وليس الذي وقع في الأدب بأرجح مما وقع الجزم به في رواية أبي علي وأبي ذر وهما حافظان , وقد أخرج البخاري في " باب التكبير إذا علا شرفا " من كتاب الحج حديثا قال فيه " حدثنا عبد الله - غير منسوب - حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة . كذا للأكثر غير منسوب , وتردد فيه أبو مسعود بين الرجلين اللذين تردد فيهما في حديث الباب , لكن وقع في رواية أبي علي بن السكن " حدثنا عبد الله بن يوسف " فتعين المصير إليه , لأنها زيادة من حافظ في الرواية فتقدم على من فسره بالظن . ‏

‏قوله : ( عن هلال بن أبي هلال ) ‏
‏تقدم القول فيه في أوائل البيوع . ‏

‏قوله : ( عن عبد الله بن عمرو بن العاص ) ‏
‏تقدم بيان الاختلاف فيه على عطاء بن يسار في البيوع أيضا , وتقدم في تلك الرواية سبب تحديث عبد الله بن عمرو به , وأنهم سألوه عن صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال " أجل إنه لموصوف ببعض صفته في القرآن " . وللدارمي من طريق أبي صالح ذكوان عن كعب قال " في السطر الأول محمد رسول الله عبدي المختار " . ‏

‏قوله : ( إن هذه الآية التي في القرآن ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) ‏
‏قال في التوراة : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ) أي شاهدا على الأمة ومبشرا للمطيعين بالجنة وللعصاة بالنار , أو شاهدا للرسل قبله بالإبلاغ . ‏

‏قوله : ( وحرزا ) ‏
‏بكسر المهملة وسكون الراء بعدها زاي أي حصنا , والأميين هم العرب , وقد تقدم شرح ذلك في البيوع . ‏

‏قوله : ( سميتك المتوكل ) ‏
‏أي على الله لقناعته باليسير , والصبر على ما كان يكره . ‏

‏قوله : ( ليس ) ‏
‏كذا وقع بصيغة الغيبة على طريق الالتفات , ولو جرى على النسق الأول لقال لست . ‏

‏قوله : ( بفظ ولا غليظ ) ‏
‏هو موافق لقوله تعالى ( فبما رحمة من الله لنت لهم , ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) ولا يعارض قوله تعالى ( واغلظ عليهم ) لأن النفي محمول على طبعه الذي جبل عليه والأمر محمول على المعالجة , أو النفي بالنسبة للمؤمنين والأمر بالنسبة للكفار والمنافقين كما هو مصرح به في نفس الآية . ‏

‏قوله : ( ولا سخاب ) ‏
‏كذا فيه بالسين المهملة وهي لغة أثبتها الفراء وغيره , وبالصاد أشهر , وقد تقدم ذلك أيضا . ‏

‏قوله : ( ولا يدفع السيئة بالسيئة ) ‏
‏هو مثل قوله تعالى ( ادفع بالتي هي أحسن ) زاد في رواية كعب " مولده بمكة ومهاجره طيبة وملكه بالشام " . ‏

‏قوله : ( ولن يقبضه ) ‏
‏أي يميته . ‏

‏قوله : ( حتى يقيم به ) ‏
‏أي حتى ينفي الشرك ويثبت التوحيد والملة العوجاء ملة الكفر . ‏

‏قوله : ( فيفتح بها ) ‏
‏أي بكلمة التوحيد ( أعينا عميا ) أي عن الحق وليس هو على حقيقته , ووقع في رواية القابسي " أعين عمي " بالإضافة , وكذا الكلام في الآذان والقلوب . وفي مرسل جبير بن نفير بإسناد صحيح عند الدارمي " ليس بوهن ولا كسل , ليختن قلوبا غلفا , ويفتح أعينا عميا , ويسمع آذانا صما , ويقيم ألسنة عوجاء حتى يقال لا إله إلا الله وحده " ‏
‏( تنبيه ) : ‏
‏قيل أتى بجمع القلة في ‏
‏قوله : ( أعين ) ‏
‏للإشارة إلى أن المؤمنين أقل من الكافرين , وقيل بل جمع القلة قد يأتي في موضع الكثرة وبالعكس كقوله : ( ثلاثة قروء ) والأول أولى . ويحتمل أن يكون هو نكتة العدول إلى جمع القلة أو للمؤاخاة في ‏
‏قوله : ( آذانا ) ‏
‏وقد ترد القلوب على المعنى الأول , وجوابه أنه لم يسمع للقلوب جمع قلة كما لم يسمع للآذان جمع كثرة .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:20 AM
‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن محمد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏همام ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏تحاجت ‏ ‏الجنة والنار فقالت النار ‏ ‏أوثرت ‏ ‏بالمتكبرين ‏ ‏والمتجبرين ‏ ‏وقالت الجنة ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس ‏ ‏وسقطهم ‏ ‏قال الله تبارك وتعالى للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منهما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول قط قط فهنالك تمتلئ ‏ ‏ويزوى ‏ ‏بعضها إلى بعض ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله عز وجل ‏ ‏ينشئ ‏ ‏لها خلقا ‏



فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة ) ‏
‏وقع في مصنف عبد الرزاق في آخره " قال معمر وأخبرني أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله " وأخرجه مسلم بالوجهين . ‏

‏قوله : ( تحاجت ) ‏
‏أي تخاصمت . ‏

‏قوله : ( بالمتكبرين والمتجبرين ) ‏
‏قيل هما بمعنى , وقيل المتكبر المتعاظم بما ليس فيه والمتجبر الممنوع الذي لا يوصل إليه وقيل الذي لا يكترث بأمر . ‏

‏قوله : ( ضعفاء الناس وسقطهم ) ‏
‏بفتحتين أي المحتقرون بينهم الساقطون من أعينهم , هذا بالنسبة إلى ما عند الأكثر من الناس , وبالنسبة إلى ما عند الله هم عظماء رفعاء الدرجات , لكنهم بالنسبة إلى ما عند أنفسهم لعظمة الله عندهم وخضوعهم له في غاية التواضع لله والذلة في عباده , فوصفهم بالضعف والسقط بهذا المعنى صحيح , أو المراد بالحصر في قول الجنة " إلا ضعفاء الناس " الأغلب , قال النووي : هذا الحديث على ظاهره , وإن الله يخلق في الجنة والنار تمييزا يدركان به ويقدران على المراجعة والاحتجاج , ويحتمل أن يكون بلسان الحال , وسيأتي مزيدا لهذا في " باب قوله إن رحمة الله قريب من المحسنين " من كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:20 AM
‏حدثنا ‏ ‏الحميدي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن دينار ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏الحسن بن محمد بن علي ‏ ‏أنه سمع ‏ ‏عبيد الله بن أبي رافع ‏ ‏كاتب ‏ ‏علي ‏ ‏يقول سمعت ‏ ‏عليا ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏يقول ‏
‏بعثني رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنا ‏ ‏والزبير ‏ ‏والمقداد ‏ ‏فقال انطلقوا حتى تأتوا ‏ ‏روضة خاخ ‏ ‏فإن بها ‏ ‏ظعينة ‏ ‏معها كتاب فخذوه منها فذهبنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن ‏ ‏بالظعينة ‏ ‏فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا ‏ ‏لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من ‏ ‏عقاصها ‏ ‏فأتينا به النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فإذا فيه من ‏ ‏حاطب بن أبي بلتعة ‏ ‏إلى أناس من المشركين ممن ‏ ‏بمكة ‏ ‏يخبرهم ببعض أمر النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ما هذا يا ‏ ‏حاطب ‏ ‏قال لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأ من ‏ ‏قريش ‏ ‏ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من ‏ ‏المهاجرين ‏ ‏لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم ‏ ‏بمكة ‏ ‏فأحببت إذ فاتني من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إنه قد صدقكم فقال ‏ ‏عمر ‏ ‏دعني يا رسول الله فأضرب عنقه فقال إنه شهد ‏ ‏بدرا ‏ ‏وما يدريك ‏ ‏لعل الله عز وجل اطلع على أهل ‏ ‏بدر ‏ ‏فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ‏
‏قال ‏ ‏عمرو ‏ ‏ونزلت فيه ‏
‏يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ‏
‏قال لا أدري الآية في الحديث أو قول ‏ ‏عمرو ‏ ‏حدثنا ‏ ‏علي ‏ ‏قال قيل ‏ ‏لسفيان ‏ ‏في هذا فنزلت ‏
‏لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ‏
‏الآية ‏ ‏قال ‏ ‏سفيان ‏ ‏هذا في حديث الناس ‏ ‏حفظته من ‏ ‏عمرو ‏ ‏ما تركت منه حرفا وما أرى أحدا حفظه غيري


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( الحسن بن محمد بن علي ) ‏
‏أي ابن أبي طالب . ‏

‏قوله : ( حتى تأتوا روضة خاخ ) ‏
‏بمعجمتين , ومن قالها بمهملة ثم جيم فقد صحف , وقد تقدم بيان ذلك في " باب الجاسوس " من كتاب الجهاد وفي أول غزوة الفتح . ‏

‏قوله : ( لتلقين ) ‏
‏كذا فيه , والوجه حذف التحتانية , وقيل إنما أثبتت لمشاكلة لتخرجن . ‏

‏قوله : ( كنت امرأ من قريش ) ‏
‏أي بالحلف , لقوله بعد ذلك " ولم أكن من أنفسهم " . ‏

‏قوله : ( كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم ) ‏
‏ليس هذا تناقضا , بل أراد أنه منهم بمعنى أنه حليفهم , وقد ثبت حديث " حليف القوم منهم " وعبر بقوله " ولم أكن من أنفسهم " لإثبات المجاز . ‏

‏قوله : ( إنه قد صدقكم ) ‏
‏بتخفيف الدال أي قال الصدق . ‏

‏قوله : ( فقال عمر : دعني يا رسول الله فأضرب عنقه ) ‏
‏إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق , وظن أن من خالف ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل , لكنه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله , وأطلق عليه منافقا لكونه أبطن خلاف ما أظهر , وعذر حاطب ما ذكره , فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه . وعند الطبري من طريق الحارث عن علي في هذه القصة " فقال أليس قد شهد بدرا ؟ قال : بلى , ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك " . ‏

‏قول ( فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك ) ‏
‏أرشد إن علة ترك قتله بأنه شهد بدرا فكأنه قيل : وهل يسقط عنه شهوده بدرا هذا الذنب العظيم ؟ فأجاب بقوله " وما يدريك إلخ " . ‏

‏قوله : ( لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر ) ‏
‏هكذا في أكثر الروايات بصيغة الترجي , وهو من الله واقع , ووقع في حديث أبي هريرة عند ابن أبي شيبة بصيغة الجزم , وقد تقدم بيان ذلك واضحا في " باب فضل من شهد بدرا " من كتاب المغازي .

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-02-2009, 01:21 AM
‏قوله : ( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) ‏
‏كذا في معظم الطرق , وعند الطبري من طريق معمر عن الزهري عن عروة " فإني غافر لكم " وهذا يدل على أن المراد بقوله " غفرت " أي أغفر , على طريق التعبير عن الآتي بالواقع مبالغة في تحققه . وفي " مغازي ابن عائذ " من مرسل عروة " اعملوا ما شئتم فسأغفر لكم " والمراد غفران ذنوبهم في الآخرة , وإلا فلو وجب على أحدهم حد مثلا لم يسقط في الدنيا . وقال ابن الجوزي : ليس هذا على الاستقبال , وإنما هو على الماضي , تقديره اعملوا ما شئتم أي عمل كان لكم فقد غفر , قال : لأنه لو كان للمستقبل كان جوابه فسأغفر لكم , ولو كان كذلك لكان إطلاقا في الذنوب ولا يصح , ويبطله أن القوم خافوا من العقوبة بعد حتى كان عمر يقول : يا حذيفة , بالله هل أنا منهم ؟ وتعقبه القرطبي بأن " اعملوا " صيغة أمر وهي موضوعة للاستقبال , ولم تضع العرب صيغة الأمر للماضي لا بقرينة ولا بغيرها لأنهما بمعنى الإنشاء والابتداء , وقوله " اعملوا ما شئتم " يحمل على طلب الفعل , ولا يصح أن يكون بمعنى الماضي , ولا يمكن أن يحمل على الإيجاب فتعين للإباحة . قال : وقد ظهر لي أن هذا الخطاب خطاب إكرام وتشريف , تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السالفة , وتأهلوا أن يغفر لهم ما يستأنف من الذنوب اللاحقة , ولا يلزم من وجود الصلاحية للشيء وقوعه . وقد أظهر الله صدق رسوله في كل من أخبر عنه بشيء من ذلك , فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا , ولو قدر صدور شيء من أحدهم لبادر إلى التوبة ولازم الطريق المثلى . ويعلم ذلك من أحوالهم بالقطع من اطلع على سيرهم انتهى . ويحتمل أن يكون المراد بقوله " فقد غفرت لكم " أي ذنوبكم تقع مغفورة , لا أن المراد أنه لا يصدر منهم ذنب . وقد شهد مسطح بدرا ووقع في حق عائشة كما تقدم في تفسير سورة النور , فكأن الله لكرامتهم عليه بشرهم على لسان نبيه أنهم مغفور لهم ولو وقع منهم ما وقع . وقد تقدم بعض مباحث هذه المسألة في أواخر كتاب الصيام في الكلام على ليلة القدر , ونذكر بقية شرح هذا الحديث في كتاب الديات إن شاء الله تعالى . ‏

‏قوله : ( قال عمرو ) ‏
‏هو ابن دينار , وهو موصول بالإسناد المذكور . ‏

‏قوله : ( ونزلت فيه يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) ‏
‏سقط " أولياء " لغير أبي ذر . ‏

‏قوله : ( قال : لا أدري الآية في الحديث , أو قول عمرو ) ‏
‏هذا الشك من سفيان بن عيينة كما سأوضحه . ‏

‏قوله : ( حدثنا علي ) ‏
‏هو ابن المديني ‏
‏( قال قيل لسفيان في هذا فنزلت ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) الآية ؟ قال سفيان : هذا في حديث الناس ) ‏
‏يعني هذه الزيادة , يريد الجزم برفع هذا القدر . ‏

‏قوله : ( حفظته من عمرو ما تركت منه حرفا , وما أرى أحدا حفظه غيري ) ‏
‏وهذا يدل على أن هذه الزيادة لم يكن سفيان يجزم برفعها وقد أدرجها عنه ابن أبي عمر أخرجه الإسماعيلي من طريقه فقال في آخر الحديث " قال وفيه نزلت هذه الآية " وكذا أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر وعمرو الناقد , وكذا أخرجه الطبري عن عبيد بن إسماعيل والفضل بن الصباح , والنسائي عن محمد بن منصور كلهم عن سفيان , واستدل باستئذان عمر على قتل حاطب لمشروعية قتل الجاسوس ولو كان مسلما وهو قول مالك ومن وافقه , ووجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم أقر عمر على إرادة القتل لولا المانع , وبين المانع هو كون حاطب شهد بدرا , وهذا منتف من غير حاطب , فلو كان الإسلام مانعا من قتله لما علل بأخص منه . وقد بين سياق علي أن هذه الزيادة مدرجة . وأخرجه مسلم أيضا عن إسحاق بن راهويه عن سفيان وبين أن تلاوة الآية من قول سفيان . ووقع عند الطبري من طريق أخرى عن علي الجزم بذلك , لكنه من أحد رواة الحديث حبيب بن أبي ثابت الكوفي أحد التابعين , وبه جزم إسحاق في روايته عن محمد بن جعفر عن عروة في هذه القصة , وكذا جزم به معمر عن الزهري عن عروة , وأخرج ابن مردويه من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال " لما أراد رسول الله صلى الله عليه المسير إلى مشركي قريش كتب إليهم حاطب بن أبي بلتعة يحذرهم " فذكر الحديث إلى أن قال " فأنزل الله فيه القرآن ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) الآية " قال الإسماعيلي في آخر الحديث أيضا " قال عمرو - أي ابن دينار - : وقد رأيت ابن أبي رافع وكان كاتبا لعلي " .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:22 AM
‏حدثنا ‏ ‏إسحاق بن منصور ‏ ‏قال وحدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏همام ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال الله ‏ ‏كذبني ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك أما تكذيبه إياي أن يقول إني لن أعيده كما بدأته وأما شتمه إياي أن يقول اتخذ الله ولدا وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفؤا أحد ‏

‏لم يلد ولم يولد ولم يكن له ‏ ‏كفؤا ‏ ‏أحد ‏
‏كفؤا وكفيئا وكفاء واحد ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري‏

‏قوله : ( حدثنا إسحاق بن منصور ) ‏
‏كذا للجميع , قال المزي في " الأطراف " : في بعض النسخ " حدثنا إسحاق بن نصر " قلت : وهي رواية النسفي , وهما مشهوران من شيوخ البخاري ممن حدثه عن عبد الرزاق . ‏

‏قوله : ( كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ) ‏
‏في رواية أحمد عن عبد الرزاق " كذبني عبدي " . ‏

‏قوله : ( وشتمني ولم يكن له ذلك ) ‏
‏ثبت هنا في رواية الكشميهني , وكذا هو عند أحمد , وسقط بقية الرواة عن الفربري وكذا النسفي , والمراد به بعض بني آدم , وهم من أنكر البعث من العرب وغيرهم من عباد الأوثان والدهرية ومن ادعى أن لله ولدا من العرب أيضا ومن اليهود والنصارى . ‏

‏قوله : ( أما تكذيبه إياي أن يقول إني لن أعيده كما بدأته ) ‏
‏كذا لهم بحذف الفاء في جواب " أما " وقد وقع في رواية الأعرج في الباب الذي قبله " فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني " وفي رواية أحمد " أن يقول فليعدنا كما بدأنا " وهي من شواهد ورود صيغة أفعل بمعنى التكذيب , ومثله قوله : ( قل فأتوا بالتوراة فاتلوها ) , وقع في رواية الأعرج في الباب قبله " وليس بأول الخلق بأهون من إعادته " وقد تقدم الكلام على لفظ " أهون " في بدء الخلق وقول من قال إنها بمعنى هين وغير ذلك من الأوجه . ‏

‏قوله : ( وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أولد ) ‏
‏في رواية الأعرج " وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد " ‏
‏قوله : ( ولم يكن لي كفوا أحد ) ‏
‏كذا للأكثر , وهو وزان ما قبله . ووقع للكشميهني " ولم يكن له " وهو التفات , وكذا في رواية الأعرج " ولم يكن لي " بعد قوله " لم يلد " وهو التفات أيضا . ولما كان الرب سبحانه واجب الوجود لذاته قديما موجودا قبل وجود الأشياء وكان كل مولود محدثا انتفت عنه الوالدية , ولما كان لا يشبهه أحد من خلقه ولا يجانسه حتى يكون له من جنسه صاحبة فتتوالد انتفت عنه الوالدية , ومن هذا قوله تعالى ( أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ) وقد تقدم في تفسير البقرة حديث ابن عباس بمعنى حديث أبي هريرة هذا , لكن قال في آخره " فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا " بدل قوله " وأنا الأحد الصمد إلخ " وهو محمول على أن كلا من الصحابيين حفظ في آخره ما لم يحفظ الآخر . ويؤخذ منه أن من نسب غيره إلى أمر لا يليق به يطلق عليه أنه شتمه , وسبق في كتاب بدء الخلق تقرير ذلك . ‏

‏قوله : ( كفوا وكفيئا وكفاء واحد ) ‏
‏أي بمعنى واحد وهو قول أبي عبيدة , والأول بضمتين والثاني بفتح الكاف وكسر الفاء بعدها تحتانية ثم الهمزة والثالث بكسر الكاف ثم المد , وقال الفراء : كفوا يثقل ويخفف , أي يضم ويسكن . ‏
‏قلت : وبالضم قرأ الجمهور , وفتح حفص الواو بغير همز . وبالسكون قرأ حمزة وبهمز في الوصل ويبدلها واوا في الوقف , ومراد أبي عبيدة أنها لغات لا قراءات نعم روي في الشواذ عن سليمان بن علي العباسي أنه قرأ بكسر ثم مد , وروي عن نافع مثله لكن بغير مد . ومعنى الآية أنه لم يماثله أحد ولم يشاكله , أو المراد نفي الكفاءة في النكاح نفيا للمصاحبة , والأول أولى , فإن سياق الكلام لنفي المكافأة عن ذاته تعالى .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:23 AM
‏حدثنا ‏ ‏أبو اليمان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعيب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال قال الله ‏ ‏كذبني ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفئا أحد

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( حدثنا أبو الزناد ) ‏
‏لشعيب بن أبي حمزة فيه إسناد آخر أخرجه المصنف من حديث ابن عباس كما تقدم في تفسير سورة البقرة . ‏

‏قوله : ( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : قال الله تعالى ) ‏
‏تقدم في بدء الخلق من رواية سفيان الثوري عن أبي الزناد بلفظ " قال النبي صلى الله عليه وسلم أراه يقول الله عز وجل " والشك فيه من المصنف فيما أحسب . ‏

‏قوله : ( قال الله تعالى كذبني ابن آدم ) ‏
‏سأذكر شرحه في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:24 AM
‏حدثنا ‏ ‏إسماعيل ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال قال الله ‏ ‏أنفق يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏أنفق عليك ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( حدثنا إسماعيل ) ‏
‏هو ابن أبي أويس , وهذا الحديث ليس في " الموطأ " وهو على شرط شيخنا في " تقريب الأسانيد " , لكنه لما لم يكن في " الموطأ " لم يخرجه كأنظاره , لكنه أخرجه من رواية همام عن أبي هريرة وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن القاسم , وأبو نعيم من طريق عبد الله بن يوسف كلاهما عن مالك . ‏

‏قوله ( قال الله أنفق يا ابن آدم أنفق عليك ) ‏
‏أنفق الأولى بفتح أوله وسكون القاف بصيغة الأمر بالإنفاق , والثانية بضم أوله وسكون القاف على الجواب بصيغة المضارع , وهو وعد بالخلف , ومنه قوله تعالى ( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ) وقد تقدم القدر المذكور من هذا الحديث في تفسير سورة هود من طريق شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد في أثناء حديث ولفظه " قال الله أنفق أنفق عليك " وقال " يد الله ملأى " الحديث وهذا الحديث الثاني أخرجه الدارقطني في " غرائب مالك " من طريق سعيد بن داود عن مالك وقال صحيح تفرد به سعيد عن مالك , وأخرج مسلم الأول من طريق همام عن أبي هريرة بلفظ " أن الله تعالى قال لي : أنفق أنفق عليك " الحديث , وفرقه البخاري كما سيأتي في كتاب التوحيد , وليس في روايته " قال لي " فدل على أن المراد بقوله في رواية الباب " يا ابن آدم " النبي صلى الله عليه وسلم , ويحتمل أن يراد جنس بني آدم ويكون تخصيصه صلى الله عليه وسلم بإضافته إلى نفسه لكونه رأس الناس , فتوجه الخطاب إليه ليعمل به ويبلغ أمته , وفي ترك تقييد النفقة بشيء معين ما يرشد إلى أن الحث على الإنفاق يشمل جميع أنواع الخير , وسيأتي شرح حديث شعيب مبسوطا في التوحيد إن شاء الله تعالى

ahmedaboali
02-02-2009, 01:24 AM
‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن يوسف ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الليث ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏ابن الهاد ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو ‏ ‏مولى ‏ ‏المطلب ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏سمعت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول إن الله قال ‏ ‏إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة يريد عينيه ‏
‏تابعه ‏ ‏أشعث بن جابر ‏ ‏وأبو ظلال بن هلال ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( حدثني ابن الهاد ) ‏
‏في رواية المصنف في " الأدب المفرد " عن عبد الله بن صالح عن الليث " حدثني يزيد بن الهاد " وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة . ‏

‏قوله : ( عن عمرو ) ‏
‏أي ابن أبي عمرو ميسرة ‏
‏( مولى المطلب ) ‏
‏أي ابن عبد الله بن حنطب . ‏

‏قوله : ( إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ) ‏
‏بالتثنية , وقد فسرهما آخر الحديث بقوله " يريد عينيه " ولم يصرح بالذي فسرهما , والمراد بالحبيبتين المحبوبتان لأنهما أحب أعضاء الإنسان إليه , لما يحصل له بفقدهما من الأسف على فوات رؤية ما يريد رؤيته من خير فيسر به , أو شر فيجتنبه . ‏

‏قوله : ( فصبر ) ‏
‏زاد الترمذي في روايته عن أنس " واحتسب " وكذا لابن حبان والترمذي من حديث أبي هريرة , ولابن حبان من حديث ابن عباس أيضا , والمراد أنه يصبر مستحضرا ما وعد الله به الصابر من الثواب , لا أن يصبر مجردا عن ذلك , لأن الأعمال بالنيات , وابتلاء الله عبده في الدنيا ليس من سخطه عليه بل إما لدفع مكروه أو لكفارة ذنوب أو لرفع منزلة , فإذا تلقى ذلك بالرضا تم له المراد وإلا يصير كما جاء في حديث سلمان " أن مرض المؤمن يجعله الله له كفارة ومستعتبا , وأن مرض الفاجر كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلا يدري لم عقل ولم أرسل " أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " موقوفا . ‏

‏قوله : ( عوضته منهما الجنة ) ‏
‏وهذا أعظم العوض , لأن الالتذاذ بالبصر يفنى بفناء الدنيا والالتذاذ بالجنة باق ببقائها , وهو شامل لكل من وقع له ذلك بشرط المذكور . ووقع في حديث أبي أمامة فيه قيد آخر أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " بلفظ " إذا أخذت كريمتيك فصبرت عند الصدمة واحتسبت " فأشار إلى أن الصبر النافع هو ما يكون في أول وقوع البلاء فيفوض ويسلم , وإلا فمتى تضجر وتقلق في أول وهلة ثم يئس فيصبر لا يكون حصل المقصود , وقد مضى حديث أنس في الجنائز " إنما الصبر عند الصدمة الأولى " وقد وقع في حديث العرباض فيما صححه ابن حبان فيه بشرط آخر ولفظه " إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له ثوابا دون الجنة إذا هو حمدني عليهما " ولم أر هذه الزيادة في غير هذه الطريق , وإذا كان ثواب من وقع له ذلك الجنة فالذي له أعمال صالحة أخرى يزاد في رفع الدرجات . ‏

‏قوله : ( تابعه أشعث بن جابر وأبو ظلال بن هلال عن أنس ) ‏
‏أما متابعة أشعث بن جابر وهو ابن عبد الله بن جابر نسب إلى جده وهو أبو عبد الله الأعمى البصري الحداني بضم الحاء وتشديد الدال المهملتين , وحدان بطن من الأزد , ولهذا يقال له الأزدي , وهو الحملي بضم المهملة وسكون الميم وهو مختلف فيه , وقال الدارقطني يعتد به وليس له في البخاري إلا هذا الموضع فأخرجها أحمد بلفظ " قال ربكم من أذهبت كريمتيه ثم صبر واحتسب كان ثوابه الجنة " . وأما متابعة أبي ظلال فأخرجها عبد بن حميد عن يزيد بن هارون عنه قال " دخلت على أنس فقال لي : أدنه , متى ذهب بصرك ؟ قلت : وأنا صغير . قال : ألا أبشرك ؟ قلت : بلى " فذكر - الحديث بلفظ " ما لمن أخذت كريمتيه عندي جزاء إلا الجنة " وأخرج الترمذي من وجه آخر عن أبي ظلال بلفظ " إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة " . ‏
‏( تنبيه ) : ‏
‏أبو ظلال بكسر الظاء المشالة المعجمة والتخفيف اسمه هلال , والذي وقع في الأصل أبو ظلال بن هلال صوابه إما أبو ظلال هلال بحذف " ابن " وإما أبو ظلال بن أبي هلال بزيادة " أبي " واختلف في اسم أبيه فقيل ميمون وقيل سويد وقيل يزيد وقيل زيد , وهو ضعيف عند الجميع , إلا أن البخاري قال إنه مقارب الحديث , وليس له في صحيحه غير هذه المتابعة . وذكر المزي في ترجمته أن ابن حبان ذكره في الثقات , وليس بجيد , لأن ابن حبان ذكره في الضعفاء فقال : لا يجوز الاحتجاج به , وإنما ذكر في الثقات هلال بن أبي هلال آخر روى عنه يحيى بن المتوكل , وقد فرق البخاري بينهما , ولهم شيخ ثالث يقال له هلال بن أبي هلال تابعي أيضا روى عنه ابنه محمد , وهو أصلح حالا في الحديث منهما , والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:25 AM
‏حدثني ‏ ‏عبد الله بن محمد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏ابن المسيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏كل عمل ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ‏ ‏ولخلوف ‏ ‏فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي هريرة رفعه " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم " الحديث من أجل قوله : " أطيب عند الله من ريح المسك " وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الصيام , ‏
‏وقوله هنا : " فإنه لي وأنا أجزي به " ‏
‏ظاهر سياقه أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم , وليس كذلك وإنما هو من كلام الله عز وجل . وهو من رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل , كذلك أخرجه المصنف في التوحيد من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يرويه عن ربكم عز وجل , قال : لكل عمل كفارة فالصوم لي وأنا أجزي به " الحديث . وأخرجه الشيخان من رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف , قال الله عز وجل : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " ولمسلم من طريق ضرار بن مرة عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعد قالا : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل يقول : " إن الصوم لي وأنا أجزي به " وقد تقدم شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الصيام مع الإشارة إلى ما بينت هنا , وذكرت أقوال العلماء في معنى إضافته سبحانه وتعالى الصيام إليه بقوله : " فإنه في " ونقلت عن أبي الخير الطالقاني أنه أجاب عنه بأجوبة كثيرة نحو الخمسين , وأنني لم أقف عليه , وقد يسر الله تعالى الوقوف على كلامه , وتتبعت ما ذكره متأملا فلم أجد فيه زيادة على الأجوبة العشرة التي حررتها هناك إلا إشارات صوفية وأشياء تكررت معنى وإن تغايرت لفظا وغالبها يمكن ردها إلى ما ذكرته , فمن ذلك قوله لأنه عبادة خالية عن السعي , وإنما هي ترك محض . وقوله : يقول هو لي فلا يشغلك ما هو لك عما هو في . وقوله : من شغله ما لي عني أعرضت عنه وإلا كنت له عوضا عن الكل . وقوله لا يقطعك ما لي عني . وقوله : لا يشغلك الملك عن المالك . وقوله : فلا تطلب غيري . وقوله : فلا يفسد ما لي عليك بك . وقوله : فاشكرني على أن جعلتك محلا للقيام بما هو لي . وقوله : فلا تجعل لنفسك فيه حكما . وقوله فمن ضيع حرمة ما لي ضيعت حرمة ما له لأن فيه جبر الفرائض والحدود . وقوله فمن أداه بما لي وهو نفسه صح البيع . وقوله فكن حيث تصلح أن تؤدي ما لي . وقوله أضافه إلى نفسه لأن به يتذكر العبد نعمة الله عليه في الشبع . وقوله لأن فيه تقديم رضا الله على هوى النفس . وقوله لأن فيه التمييز بين الصائم المطيع وبين الآكل العاصي . وقوله : لأنه كان محل نزول القرآن . وقوله لأن ابتداءه على المشاهدة وانتهاءه على المشاهدة لحديث " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " وقوله . لأن فيه رياضة النفس بترك المألوفات . وقوله لأن فيه حفظ الجوارح عن المخالفات . وقوله : لأن فيه قطع الشهوات . وقوله لأن فيه مخالفة النفس بترك محبوبها وفي مخالفة النفس موافقة الحق . وقوله : لأن فيه فرحة اللقاء . وقوله لأن فيه مشاهدة الآمر به . وقوله لأن فيه مجمع العبادات لأن مدارها على الصبر والشكر وهما حاصلان فيه . وقوله معناه الصائم لي لأن الصوم صفة الصائم وقوله معنى الإضافة الإشارة إلى الحماية لئلا يطمع الشيطان في إفساده . وقوله لأنه عبادة استوى فيها الحر والعبد والذكر والأنثى , وهذا عنوان ما ذكره مع إسهاب في العبارة , ولم أستوعب ذلك لأنه ليس على شرطي في هذا الكتاب , وإنما كنت أجد النفس متشوقة إلى الوقوف على تلك الأجوبة , وغالب من نقل عنه من شيوخنا لا يسوقها وإنما يقتصر على أن الطالقاني أجاب عنه بنحو من خمسين أو ستين جوابا ولا يذكر منه شيئا , فلا أدري أتركوه إعراضا أو مللا , أو اكتفى الذي وقف عليه أولا بالإشارة ولم يقف عليه من جاء من بعده , والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:26 AM
‏حدثنا ‏ ‏موسى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الواحد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمارة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو زرعة ‏ ‏قال ‏
‏دخلت مع ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏دارا ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏فرأى أعلاها مصورا يصور قال سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة ثم دعا ‏ ‏بتور ‏ ‏من ماء فغسل يديه حتى بلغ إبطه فقلت يا ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏أشيء سمعته من رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال منتهى الحلية ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( عبد الواحد ) ‏
‏هو ابن زياد , وعمارة هو ابن القعقاع . ‏

‏قوله : ( حدثنا أبو زرعة ) ‏
‏هو ابن عمرو بن جرير . ‏

‏قوله : ( دخلت مع أبي هريرة ) ‏
‏جاء عن أبي زرعة المذكور حديث آخر بسند آخر أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من طريق علي بن مدرك عن عبد الله بن نجي بنون وجيم مصغر عن أبيه عن علي رفعه " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة " . ‏

‏قوله : ( دارا بالمدينة ) ‏
‏هي لمروان بن الحكم , وقع ذلك في رواية محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عند مسلم من هذا الوجه , وعند مسلم أيضا والإسماعيلي من طريق جرير عن عمارة " دارا تبنى لسعيد أو لمروان " بالشك , وسعيد هو ابن العاص بن سعيد الأموي , وكان هو ومروان بن الحكم يتعاقبان إمرة المدينة لمعاوية , والرواية الجازمة أولى . ‏

‏قوله : ( مصورا يصور ) ‏
‏لم أقف على اسمه , وقوله : " يصور " بصيغة المضارعة للجميع , وضبطه الكرماني بوجهين أحدهما هذا والآخر بكسر الموحدة وضم الصاد المهملة وفتح الواو ثم راء منونة , وهو بعيد . ‏

‏قوله : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ) ‏
‏هكذا في البخاري , وقد وقع نحو ذلك في حديث آخر لأبي هريرة تقدم قريبا في " باب ما يذكر في المسك " وفيه حذف بينه ما وقع في رواية جرير المذكورة " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : " ومن أظلم " إلخ , ونحوه في رواية ابن فضيل , وقوله : " ذهب " أي قصد وقوله : " كخلقي " التشبيه في فعل الصورة وحدها لا من كل الوجوه , قال ابن بطال : فهم أبو هريرة أن التصوير يتناول ما له ظل وما ليس له ظل , فلهذا أنكر ما ينقش في الحيطان . قلت : هو ظاهر من عموم اللفظ , ويحتمل أن يقصر على ما له ظل من جهة قوله : " كخلقي " فإن خلقه الذي اخترعه ليس صورة في حائط بل هو خلق تام , لكن بقية الحديث تقتضي تعميم الزجر عن تصوير كل شيء وهي قوله : " فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة " وهي بفتح المعجمة وتشديد الراء , ويجاب عن ذلك بأن المراد إيجاد حبة على الحقيقة لا تصويرها . ووقع لابن فضيل من الزيادة " وليخلقوا شعرة " والمراد بالحبة حبة القمح بقرينة ذكر الشعير , أو الحبة أعم , والمراد بالذرة النملة , والغرض تعجيزهم تارة بتكليفهم خلق حيوان وهو أشد وأخرى بتكليفهم خلق جماد وهو أهون , ومع ذلك لا قدرة لهم على ذلك . ‏

‏قوله : ( ثم دعا بتور ) ‏
‏أي طلب تورا , وهو بمثناة إناء كالطست تقدم بيانه في كتاب الطهارة . ‏

‏قوله : ( من ماء ) ‏
‏أي فيه ماء . ‏

‏قوله : ( فغسل يديه حتى بلغ إبطه ) ‏
‏في هذه الرواية اختصار وبيانه في رواية جرير بلفظ " فتوضأ أبو هريرة فغسل يده حتى بلغ إبطه وغسل رجليه حتى بلغ ركبتيه " أخرجها الإسماعيلي , وقدم قصة الوضوء على قصة المصور , ولم يذكر مسلم قصة الوضوء هنا . ‏

‏قوله : ( منتهى الحلية ) ‏
‏في رواية جرير " إنه منتهى الحلية " كأنه يشير إلى الحديث المتقدم في الطهارة في فصل الغرة والتحجيل في الوضوء , ويؤيده حديثه الآخر " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " وقد تقدم شرحه , والبحث في ذلك مستوفى هناك . وليس بين ما دل عليه الخبر من الزجر عن التصوير وبين ما ذكر من وضوء أبي هريرة مناسبة , وإنما أخبر أبو زرعة بما شاهد وسمع من ذلك . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:30 AM
‏حدثني ‏ ‏بشر بن محمد ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عبد الله ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معاوية بن أبي مزرد ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏عمي ‏ ‏سعيد بن يسار ‏ ‏يحدث عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم ‏ ‏أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى يا رب قال فهو لك قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فاقرءوا إن شئتم ‏
‏فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( عبد الله ) ‏
‏هو ابن المبارك , ‏
‏ومعاوية ‏
‏هو ابن أبي مزرد بضم الميم وفتح الزاي وتشديد الراء بعدها مهملة , تقدم ضبطه وتسميته في أول الزكاة , ولمعاوية بن أبي مزرد في هذا الباب حديث آخر وهو ثالث أحاديث الباب من طريق عائشة . ‏

‏قوله : ( إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ ) ‏
‏تقدم تأويل فرغ في تفسير القتال , قال ابن أبي جمرة : يحتمل أن يكون المراد بالخلق جميع المخلوقات , ويحتمل أن يكون المراد به المكلفين . ‏
‏وهذا القول يحتمل أن يكون بعد خلق السماوات والأرض وإبرازها في الوجود , ويحتمل أن يكون بعد خلقها كتبا في اللوح المحفوظ ولم يبرز بعد إلا اللوح والقلم , ويحتمل أن يكون بعد انتهاء خلق أرواح بني آدم عند قوله : ( ألست بربكم ) لما أخرجهم من صلب آدم عليه السلام مثل الذر . ‏

‏قوله : ( قامت الرحم فقالت ) ‏
‏قال ابن أبي جمرة : يحتمل أن يكون بلسان الحال ويحتمل أن يكون بلسان المقال قولان مشهوران , والثاني أرجح . وعلى الثاني فهل تتكلم كما هي أو بخلق الله لها عند كلامها حياة وعقلا ؟ قولان أيضا مشهوران , والأول أرجح لصلاحية القدرة العامة لذلك , ولما في الأولين من تخصيص عموم لفظ القرآن والحديث بغير دليل , ولما يلزم منه من حصر قدرة القادر التي لا يحصرها شيء . قلت : وقد تقدم في تفسير القتال حمل عياض له على المجاز , وأنه من باب ضرب المثل , وقوله أيضا يجوز أن يكون الذي نسب إليه القول ملكا يتكلم على لسان الرحم , وتقدم أيضا ما يتعلق بزيادة في هذا الحديث من وجه آخر عن معاوية بن أبي مزرد وهي قوله : " فأخذت بحقو الرحمن " ووقع في حديث ابن عباس عند الطبراني " إن الرحم أخذت بحجزة الرحمن " وحكى شيخنا في " شرح الترمذي " أن المراد بالحجزة هنا قائمة العرش , وأيد ذلك بما أخرجه مسلم من حديث عائشة " إن الرحم أخذت بقائمة من قوائم العرش " وتقدم أيضا ما يتعلق بقوله : " هذا مقام العائذ بك من القطيعة " في تفسير القتال , ووقع في رواية حبان بن موسى عن ابن المبارك بلفظ " هذا مكان " بدل " مقام " وهو تفسير المراد أخرجه النسائي . ‏

‏قوله : ( أصل من وصلك وأقطع من قطعك ) ‏
‏في ثاني أحاديث الباب من وجه آخر عن أبي هريرة " من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته " قال ابن أبي جمرة : الوصل من الله كناية عن عظيم إحسانه , وإنما خاطب الناس بما يفهمون , ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال وهو القرب منه وإسعافه بما يريد ومساعدته على ما يرضيه , وكانت حقيقة ذلك مستحيلة في حق الله تعالى , عرف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده . قال : وكذا القول في القطع , هو كناية عن حرمان الإحسان . وقال القرطبي : وسواء قلنا إنه يعني القول المنسوب إلى الرحم على سبيل المجاز أو الحقيقة أو إنه على جهة التقدير والتمثيل كأن يكون المعنى : لو كانت الرحم ممن يعقل ويتكلم لقالت كذا , ومثله ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا ) الآية , وفي آخرها ( وتلك الأمثال نضربها للناس ) فمقصود هذا الكلام الإخبار بتأكد أمر صلة الرحم , وأنه تعالى أنزلها منزلة من استجار به فأجاره فأدخله في حمايته , وإذا كان كذلك فجار الله غير مخذول , وقد قال صلى الله عليه وسلم : " من صلى الصبح فهو في ذمة الله , وإن من يطلبه الله بشيء من ذمته يدركه ثم يكبه على وجهه في النار " أخرجه مسلم .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:31 AM
‏حدثنا ‏ ‏خالد بن مخلد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن دينار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال إن الرحم ‏ ‏شجنة ‏ ‏من الرحمن فقال الله ‏ ‏من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال حدثنا عبد الله بن دينار ) ‏
‏لسليمان في هذا المعنى ثلاثة أحاديث : أحدها : هذا , والآخر : الحديث الذي قبله - وقد سبق من طريقه في تفسير القتال ويأتي في التوحيد . ‏

‏قوله : ( الرحم شجنة ) ‏
‏بكسر المعجمة وسكون الجيم بعدها نون , وجاء بضم أوله وفتحه رواية ولغة . وأصل الشجنة عروق الشجر المشتبكة , والشجن بالتحريك واحد الشجون وهي طرق الأودية , ومنه قولهم : " الحديث ذو شجون " أي يدخل بعضه في بعض . وقوله : " من الرحمن " أي أخذ اسمها من هذا الاسم كما في حديث عبد الرحمن بن عوف في السنن مرفوعا " أنا الرحمن , خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي " والمعنى أنها أثر من آثار الرحمة مشتبكة بها ; فالقاطع لها منقطع من رحمة الله . وقال الإسماعيلي : معنى الحديث أن الرحم اشتق اسمها من اسم الرحمن فلها به علقة , وليس معناه أنها من ذات الله . تعالى الله عن ذلك . قال القرطبي : الرحم التي توصل عامة وخاصة , فالعامة رحم الدين وتجب مواصلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة . وأما الرحم الخاصة فتزيد للنفقة على القريب وتفقد أحوالهم والتغافل عن زلاتهم . وتتفاوت مراتب استحقاقهم في ذلك كما في الحديث الأول من كتاب الأدب " الأقرب فالأقرب " وقال ابن أبي جمرة : تكون صلة الرحم بالمال , وبالعون على الحاجة , وبدفع الضرر , وبطلاقة الوجه , وبالدعاء . والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير , ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة , وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة , فإن كانوا كفارا أو فجارا فمقاطعتهم في الله هي صلتهم , بشرط بذل الجهد في وعظهم , ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق , ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى . ‏

‏قوله : ( فقال الله ) ‏
‏زاد الإسماعيلي في روايته " لها " وهذه الفاء عاطفة على شيء محذوف , وأحسن ما يقدر له ما في الحديث الذي قبله " فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة , فقال الله إلخ " . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:33 AM
‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن علي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عاصم ‏ ‏عن ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏موسى بن عقبة ‏ ‏عن ‏ ‏نافع ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا أحب الله عبدا نادى ‏ ‏جبريل ‏ ‏إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه ‏ ‏جبريل ‏ ‏فينادي ‏ ‏جبريل ‏ ‏في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( أبو عاصم ) ‏
‏هو النبيل , وهو من كبار شيوخ البخاري وربما روى عنه بواسطة مثل هذا , فقد علقه في بدء الخلق لأبي عاصم وقد نبهت عليه ثم . ‏

‏قوله : ( عن نافع ) ‏
‏هو مولى ابن عمر , قال البزار بعد أن أخرجه عن عمرو بن علي الفلاس شيخ البخاري فيه : لم يروه عن نافع إلا موسى بن عقبة , ولا عن موسى إلا ابن جريج . قلت : وقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثوبان عند أحمد والطبراني في " الأوسط " وأبو أمامة عند أحمد , ورواه عن أبي هريرة أبو صالح عند المصنف في التوحيد وأخرجه مسلم والبزار . ‏

‏قوله : ( إذا أحب الله العبد ) ‏
‏وقع في بعض طرقه بيان سبب هذه المحبة والمراد بها , ففي حديث ثوبان " إن العبد ليلتمس مرضاة الله تعالى فلا يزال كذلك حتى يقول : يا جبريل إن عبدي فلانا يلتمس أن يرضيني , ألا وإن رحمتي غلبت عليه " الحديث أخرجه أحمد والطبراني في " الأوسط " ويشهد له حديث أبي هريرة الآتي في الرقاق ففيه : " ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " الحديث . ‏

‏قوله : ( إن الله يحب فلانا فأحبه ) ‏
‏بفتح الموحدة المشددة ويجوز الضم , ووقع في حديث ثوبان " فيقول جبريل : رحمة الله على فلان , وتقوله حملة العرش " . ‏

‏قوله : ( فينادي جبريل في أهل السماء إلخ ) ‏
‏في حديث ثوبان أهل السماوات السبع . ‏

‏قوله : ( ثم يوضع له القبول في أهل الأرض ) ‏
‏زاد الطبراني في حديث ثوبان " ثم يهبط إلى الأرض , ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) وثبتت هذه الزيادة في آخر هذا الحديث عند الترمذي وابن حاتم من طريق سهيل عن أبيه , وقد أخرج مسلم إسنادها ولم يسق اللفظ , وزاد مسلم فيه " وإذا أبغض عبدا دعا جبريل " فساقه على منوال الحب وقال في آخره " ثم يوضع له البغضاء في الأرض " ونحوه في حديث أبي أمامة عند أحمد , وفي حديث ثوبان عند الطبراني " وإن العبد يعمل بسخط الله فيقول الله يا جبريل إن فلانا يستسخطني " فذكر الحديث على منوال الحب أيضا وفيه " فيقول جبريل : سخطة الله على فلان " وفي آخره مثل ما في الحب " حتى يقوله أهل السماوات السبع , ثم يهبط إلى الأرض " وقوله : " يوضع له القبول " هو من قوله تعالى : ( فتقبلها ربها بقبول حسن ) أي رضيها , قال المطرزي : القبول مصدر لم أسمع غيره بالفتح ; وقد جاء مفسرا في رواية القعنبي " فيوضع له المحبة " والقبول الرضا بالشيء وميل النفس إليه , وقال ابن القطاع : قبل الله منك قبولا والشيء والهدية أخذت . والخبر صدق , وفي التهذيب : عليه قبول إذا كانت العين تقبله , والقبول من الريح الصبا لأنها تستقبل الدبور , والقبول أن يقبل العفو والعافية وغير ذلك , وهو اسم للمصدر أميت الفعل منه . وقال أبو عمرو بن العلاء : القبول بفتح القاف لم أسمع غيره , يقال فلان عليه قبول إذا قبلته النفس , وتقبلت الشيء قبولا . ونحوه لابن الأعرابي وزاد : قبلته قبولا بالفتح والضم , وكذا قبلت هديته عن اللحياني . قال ابن بطال : في هذه الزيادة رد على ما يقوله القدرية إن الشر من فعل العبد وليس من خلق الله انتهى . والمراد بالقبول في حديث الباب قبول القلوب له بالمحبة والميل إليه والرضا عنه , ويؤخذ منه أن محبة قلوب الناس علامة محبة الله , ويؤيده ما تقدم في الجنائز " أنتم شهداء الله في الأرض " والمراد بمحبة الله إرادة الخير للعبد وحصول الثواب له , وبمحبة الملائكة استغفارهم له وإرادتهم خير الدارين له وميل قلوبهم إليه لكونه مطيعا لله محبا له , ومحبة العباد له اعتقادهم فيه الخير وإرادتهم دفع الشر عنه ما أمكن , وقد تطلق محبة الله تعالى للشيء على إرادة إيجاده وعلى إرادة تكميله , والمحبة التي في هذا الباب من القبيل الثاني , وحقيقة المحبة عند أهل المعرفة من المعلومات التي لا تحد وإنما يعرفها من قامت به وجدانا لا يمكن التعبير عنه , والحب على ثلاثة أقسام : إلهي وروحاني وطبيعي , وحديث الباب يشتمل على هذه الأقسام الثلاثة , فحب الله العبد حب إلهي , وحب جبريل والملائكة له حب روحاني , وحب العباد له حب طبيعي . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:34 AM
‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عوانة ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏صفوان بن محرز ‏ ‏أن ‏ ‏رجلا ‏ ‏سأل ‏ ‏ابن عمر ‏
‏كيف سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول في النجوى قال يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول عملت كذا وكذا فيقول نعم ويقول عملت كذا وكذا فيقول نعم فيقرره ثم يقول ‏ ‏إني سترت عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك اليوم ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله : ( عن صفوان بن محرز ) ‏
‏في رواية شيبان عن قتادة " حدثنا صفوان " وتقدم التنبيه عليها في تفسير سورة هود , وصفوان مازني بصري وأبوه بضم أوله وسكون المهملة وكسر الراء ثم الزاي ما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في بدء الخلق عنه عن عمران بن حصين وقد ذكرهما في عدة مواضع . ‏

‏قوله : ( أن رجلا سأل ابن عمر ) ‏
‏في رواية همام عن قتادة الماضية في المظالم عن صفوان قال " بينما أنا أمشي مع ابن عمر آخذ بيده " وفي رواية سعيد وهشام عن قتادة في تفسير هود " بينما ابن عمر يطوف إذ عرض له رجل " ولم أقف على اسم السائل لكن يمكن أن يكون هو سعيد بن جبير فقد أخرج الطبراني من طريقه قال " قلت لابن عمر حدثني " فذكر الحديث . ‏

‏قوله : ( كيف سمعت ) ‏
‏في رواية سعيد وهشام " فقال يا أبا عبد الرحمن " وهي كنية عبد الله بن عمر . ‏
‏قوله : ( كيف سمعت رسول الله يقول في النجوى ) هي ما تكلم به المرء يسمع نفسه ولا يسمع غيره , أو يسمع غيره سرا دون من يليه , قال الراغب : ناجيته إذا ساررته , وأصله أن تخلو في نجوة من الأرض , وقيل أصله من النجاة وهي أن تنجو بسرك من أن يطلع عليه , والنجوى أصله المصدر , وقد يوصف بها فيقال هو نجوى وهم نجوى , والمراد بها هنا المناجاة التي تقع من الرب سبحانه وتعالى يوم القيامة مع المؤمنين , وقال الكرماني : أطلق على ذلك النجوى لمقابلة مخاطبة الكفار على رءوس الأشهاد هناك . ‏

‏قوله : ( يدنو أحدكم من ربه ) ‏
‏في رواية سعيد بن أبي عروبة " يدنو المؤمن من ربه " أي يقرب منه قرب كرامة وعلو منزلة . ‏

‏قوله : ( حتى يضع كنفه ) ‏
‏بفتح الكاف والنون بعدها فاء أي جانبه , والكنف أيضا الستر وهو المراد هنا , والأول مجاز في حق الله تعالى كما يقال فلان في كنف فلان أي في حمايته وكلاءته . وذكر عياض أن بعضهم صحفه تصحيفا شنيعا فقال بالمثناة بدل النون ويؤيد الرواية الصحيحة أنه وقع في رواية سعيد بن جبير بلفظ " يجعله في حجابه " زاد في رواية همام " وستره " . ‏

‏قوله : ( فيقول عملت كذا وكذا ) ‏
‏في رواية همام فيقول " أتعرف ذنب كذا وكذا " زاد في رواية سعيد وهشام " فيقرره بذنوبه " وفي رواية سعيد بن جبير " فيقول له اقرأ صحيفتك فيقرأ , ويقرره بذنب ذنب , ويقول أتعرف أتعرف " . ‏

‏قوله : ( فيقول نعم ) ‏
‏زاد في رواية همام " أي رب " وفي رواية سعيد وهشام " فيقول أعرف " . ‏

‏قوله : ( ثم يقول إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ) ‏
‏في رواية سعيد بن جبير " فيلتفت يمنة ويسرة فيقول : لا بأس عليك إنك في ستري لا يطلع على ذنوبك غيري " زاد همام وسعيد وهشام في روايتهم " فيعطى كتاب حسناته " ووقع في بعض روايات سعيد وهشام " فيطوى " وهو خطأ , وفي رواية سعيد بن جبير " اذهب فقد غفرتها لك " ووقع عند الثلاثة " وأما الكافر والمنافق " ولبعضهم " الكفار والمنافقون " وفي رواية سعيد وهشام " وأما الكافر فينادى على رءوس الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم , ألا لعنة الله على الظالمين " وقد تقدم في تفسير هود أن الأشهاد جمع شاهد مثل أصحاب وصاحب , وهو أيضا جمع شهيد كشريف وأشراف , قال المهلب : في الحديث تفضل الله على عباده بستره لذنوبهم يوم القيامة , وأنه يغفر ذنوب من شاء منهم , بخلاف قول من أنفذ الوعيد على أهل الإيمان لأنه لم يستثن في هذا الحديث ممن يضع عليه كنفه وستره أحدا إلا الكفار والمنافقين فإنهم الذين ينادى عليهم على رءوس الأشهاد باللعنة . قلت : قد استشعر البخاري هذا فأورد في كتاب المظالم هذا الحديث ومعه حديث أبي سعيد " إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار يتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا , حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الحنة " الحديث , فدل هذا الحديث على أن المراد بالذنوب في حديث ابن عمر ما يكون بين المرء وربه سبحانه وتعالى دون مظالم العباد , فمقتضى الحديث أنها تحتاج إلى المقاصصة , ودل حديث الشفاعة أن بعض المؤمنين من العصاة يعذب بالنار ثم يخرج منها بالشفاعة كما تقدم تقريره في كتاب الإيمان , فدل مجموع الأحاديث على أن العصاة من المؤمنين في القيامة على قسمين : أحدهما من معصيته بينه وبين ربه , فدل حديث ابن عمر على أن هذا القسم على قسمين : قسم تكون معصيته مستورة في الدنيا فهذا الذي يسترها الله عليه في القيامة وهو بالمنطوق , وقسم تكون معصيته مجاهرة فدل مفهومه على أنه بخلاف ذلك . والقسم الثاني من تكون معصيته بينه وبين العباد فهم على قسمين أيضا : قسم ترجح سيئاتهم على حسناتهم فهؤلاء يقعون في النار ثم يخرجون بالشفاعة , وقسم تتساوى سيئاتهم وحسناتهم فهؤلاء لا يدخلون الجنة حتى يقع بينهم التقاص كما دل عليه حديث أبي سعيد , وهذا كله بناء على ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة أن يفعله باختياره , وإلا فلا يجب على الله شيء وهو يفعل في عباده ما يشاء . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:38 AM
‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن بكير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الليث ‏ ‏عن ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏أخبرني ‏ ‏أبو سلمة ‏ ‏قال قال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال الله ‏ ‏يسب بنو ‏ ‏آدم ‏ ‏الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( الليث عن يونس عن ابن شهاب ) ‏
‏قال أبو علي الجياني هكذا للجميع إلا لأبي علي بن السكن فقال فيه " الليث عن عقيل عن ابن شهاب " وهكذا وقع في " الزهريات للذهلي " من روايته عن أبي صالح عن الليث , ولكن لفظه " لا يسب ابن آدم الدهر " قال أبو علي الجياني الحديث محفوظ ليونس عن ابن شهاب أخرجه مسلم من طريق ابن وهب عنه . قلت الحديث عند الليث عن شيخين , وقد أخرجه يعقوب بن سفيان وأبو نعيم من طريقه قال " حدثنا أبو صالح وابن بكير قالا حدثنا الليث حدثني يونس به " . ‏

‏قوله ( قال الله يسب بنو آدم الدهر , وأنا الدهر , بيدي الليل والنهار ) ‏
‏هذه رواية يونس بن يزيد عن الزهري , ورواية معمر بعدها بلفظ " ولا تقولوا يا خيبة الدهر , فإن الله هو الدهر " وأوله " لا تسموا العنب الكرم " ويأتي شرحه في الباب الذي بعده , وقد اختلف على معمر فيه شيخ الزهري فقال عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن معمر عنه عن أبي سلمة , وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ولفظه " قال الله يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر " الحديث أخرجه مسلم , وهكذا قال سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد أخرجه أحمد عنه ولفظه " يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر , بيدي الأمر أقلب الليل والنهار " وقد مضى في التفسير من هذا الوجه , وسيأتي في التوحيد , وهكذا أخرجه مسلم وغيره من رواية سفيان بن عيينة . قال ابن عبد البر الحديثان للزهري عن أبي سلمة وعن سعيد بن المسيب جميعا صحيحان قلت : قال النسائي كلاهما محفوظ , لكن حديث أبي سلمة أشهرهما , قلت ولعبد الرزاق فيه عن معمر إسناد آخر أخرجه مسلم أيضا من طريقه فقال " عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة " بلفظ " لا يسب أحدكم الدهر , فإن الله هو الدهر ; ولا يقولن أحدكم للعنب الكرم " الحديث , وأخرجه أحمد من رواية همام عن أبي هريرة بلفظ " لا يقل ابن آدم يا خيبة الدهر , إني أنا الدهر , أرسل الليل والنهار , فإذا شئت قبضتهما " وأخرجه مالك في " الموطأ " عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ " لا يقولن أحدكم " والباقي مثل رواية الأعلى عن معمر , لكن وقع في رواية يحيى بن يحيى الليثي عن مالك في آخره " فإن الدهر هو الله " قال ابن عبد البر خالف جميع الرواة عن مالك , وجميع رواة الحديث مطلقا , فإن الجميع قالوا " فإن الله هو الدهر " وأخرجه أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ " لا تسبوا الدهر فإن الله قال : أنا الدهر , الأيام والليالي لي أجددها وأبليها , وآتي بملوك بعد ملوك " وسنده صحيح . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:39 AM
‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن جعفر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏عن ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏همام ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏خلق الله ‏ ‏آدم ‏ ‏على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة ‏ ‏آدم ‏ ‏فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( حدثنا يحيى بن جعفر ) ‏
‏هو البيكندي . ‏

‏قوله ( خلق الله آدم على صورته ) ‏
‏تقدم بيانه في بدء الخلق , واختلف إلى ماذا يعود الضمير ؟ فقيل : إلى آدم أي خلقه على صورته التي استمر عليها إلى أن أهبط وإلى أن مات , دفعا لتوهم من يظن أنه لما كان في الجنة كان على صفة أخرى , أو ابتدأ خلقه كما وجد لم ينتقل في النشأة كما ينتقل ولده من حالة إلى حالة . وقيل للرد على الدهرية أنه لم يكن إنسان إلا من نطفة ولا تكون نطفة إنسان إلا من إنسان ولا أول لذلك , فبين أنه خلق من أول الأمر على هذه الصورة . وقيل للرد على الطبائعيين الزاعمين أن الإنسان قد يكون من فعل الطبع وتأثيره , وقيل للرد على القدرية الزاعمين أن الإنسان يخلق فعل نفسه , وقيل إن لهذا الحديث سببا حذف من هذه الرواية وأن أوله قصة الذي ضرب عبده فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال له إن الله خلق آدم على صورته , وقد تقدم بيان ذلك في كتاب العتق , وقيل الضمير لله وتمسك قائل ذلك بما ورد في بعض طرقه " على صورة الرحمن " والمراد بالصورة الصفة , والمعنى أن الله خلقه على صفته من العلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك , وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء . ‏
‏قوله ( اذهب فسلم على أولئك ) ‏
‏فيه إشعار بأنهم كانوا على بعد , واستدل به على إيجاب ابتداء السلام لورود الأمر به , وهو بعيد بل ضعيف لأنها واقعة حال لا عموم لها , وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على أن الابتداء بالسلام سنة , ولكن في كلام المازري ما يقتضي إثبات خلاف في ذلك , كذا زعم بعض من أدركناه وقد راجعت كلام المازري وليس فيه ذلك فإنه قال : ابتداء السلام سنة ورده واجب . هذا هو المشهور عند أصحابنا , وهو من عبادات الكفاية , فأشار بقوله المشهور إلى الخلاف في وجوب الرد هل هو فرض عين أو كفاية ؟ وقد صرح بعد ذلك بخلاف أبي يوسف كما سأذكره بعد , نعم وقع في كلام القاضي عبد الوهاب فيما نقله عنه عياض قال : لا خلاف أن ابتداء السلام سنة أو فرض على الكفاية فإن سلم واحد من الجماعة أجزأ عنهم , قال عياض : معنى قوله فرض على الكفاية مع نقل الإجماع على أنه سنة أن إقامة السنن وإحياءها فرض على الكفاية . ‏

‏قوله ( نفر من الملائكة ) ‏
‏بالخفض في الرواية , ويجوز الرفع والنصب , ولم أقف على تعيينهم . ‏

‏قوله ( فاستمع ) ‏
‏في رواية الكشميهني " فاسمع " . ‏

‏قوله ( ما يحيونك ) ‏
‏كذا للأكثر بالمهملة من التحية , وكذا تقدم في خلق آدم عن عبد الله بن محمد عن عبد الرزاق , وكذا عند أحمد ومسلم عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق , وفي رواية أبي ذر هنا بكسر الجيم وسكون التحتانية بعدها موحدة من الجواب , وكذا هو في " الأدب المفرد " للمصنف عن عبد الله بن محمد بالسند المذكور . ‏

‏قوله ( فإنها ) ‏
‏أي الكلمات التي يحيون بها أو يجيبون . ‏

‏قوله ( تحيتك وتحية ذريتك ) ‏
‏أي من جهة الشرع , أو المراد بالذرية بعضهم وهم المسلمون . وقد أخرج البخاري في " الأدب المفرد " وابن ماجه وصححه ابن خزيمة من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة مرفوعا " ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السلام والتأمين " وهو يدل على أنه شرع لهذه الأمة دونهم . وفي حديث أبي ذر الطويل في قصة إسلامه قال " وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكر الحديث وفيه " فكنت أول من حياه بتحية الإسلام فقال : وعليك ورحمة الله " أخرجه مسلم , وأخرج الطبراني والبيهقي في " الشعب " من حديث أبي أمامة رفعه " جعل الله السلام تحية لأمتنا وأمانا لأهل ذمتنا " وعند أبي داود من حديث عمران بن حصين " كنا نقول في الجاهلية : أنعم بك عينا , وأنعم صباحا " فلما جاء الإسلام نهينا عن ذلك ورجاله ثقات , لكنه منقطع . وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال " كانوا في الجاهلية يقولون : حييت مساء , حييت صباحا , فغير الله ذلك بالسلام " . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-02-2009, 01:40 AM
‏قوله ( فقال السلام عليكم ) ‏
‏قال ابن بطال : يحتمل أن يكون الله علمه كيفية ذلك تنصيصا , ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله له " فسلم " قلت : ويحتمل أن يكون ألهمه ذلك , ويؤيده ما تقدم في " باب حمد العاطس " في الحديث الذي أخرجه ابن حبان من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه " أن آدم لما خلقه الله عطس فألهمه الله أن قال الحمد لله " الحديث فلعله ألهمه أيضا صفة السلام . واستدل به على أن هذه الصيغة هي المشروعة لابتداء السلام لقوله " فهي تحيتك وتحية ذريتك " وهذا فيما لو سلم على جماعة , فلو سلم على واحد فسيأتي حكمه بعد أبواب , ولو حذف اللام فقال " سلام عليكم " أجزأ , قال الله تعالى ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ) وقال تعالى ( فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ) وقال تعالى ( سلام على نوح في العالمين ) إلى غير ذلك , لكن باللام أولى لأنها للتفخيم والتكثير , وثبت في حديث التشهد " السلام عليك أيها النبي " قال عياض : ويكره أن يقول في الابتداء : عليك السلام , وقال النووي في " الأذكار " : إذا قال المبتدئ وعليكم السلام لا يكون سلاما ولا يستحق جوابا ; لأن هذه الصيغة لا تصلح للابتداء قاله المتولي , فلو قاله بغير واو فهو سلام , قطع بذلك الواحدي , وهو ظاهر . قال النووي : ويحتمل أن لا يجزئ كما قيل به في التحلل من الصلاة , ويحتمل أن لا يعد سلاما ولا يستحق جوابا لما رويناه في سنن أبي داود والترمذي وصححه وغيرهما بالأسانيد الصحيحة عن أبي جري بالجيم والراء مصغر الهجيمي بالجيم مصغرا قال " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : عليك السلام يا رسول الله , قال : لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى " قال ويحتمل أن يكون ورد لبيان الأكمل , وقد قال الغزالي في " الإحياء " : يكره للمبتدئ أن يقول عليكم السلام , قال النووي : والمختار لا يكره , ويجب الجواب ; لأنه سلام . قلت : وقوله بالأسانيد الصحيحة يوهم أن له طرقا إلى الصحابي المذكور , وليس كذلك فإنه لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي جري , ومع ذلك فمداره عند جميع من أخرجه على أبي تميمة الهجيمي راوية عن أبي جري , وقد أخرجه أحمد أيضا والنسائي وصححه الحاكم , وقد اعترض هو ما دل عليه الحديث بما أخرجه مسلم من حديث عائشة في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى البقيع , الحديث . وفيه " قلت : كيف أقول ؟ قال : قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين " . قلت : وكذا أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما أتى البقيع " السلام على أهل الديار من المؤمنين " الحديث . قال الخطابي : فيه أن السلام على الأموات والأحياء سواء , بخلاف ما كانت عليه الجاهلية من قولهم : " عليك سلام الله قيس بن عاصم " . قلت : ليس هذا من شعر أهل الجاهلية , فإن قيس بن عاصم صحابي مشهور عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم , والمرثية المذكورة لمسلم معروف قالها لما مات قيس , ومثله ما أخرج ابن سعد وغيره أن الجن رثوا عمر بن الخطاب بأبيات منها : ‏ ‏عليك السلام من أمير وباركت ‏ ‏يد الله في ذاك الأديم الممزق ‏ ‏وقال ابن العربي في السلام على أهل البقيع : لا يعارض النهي في حديث أبي جري لاحتمال أن يكون الله أحياهم لنبيه صلى الله عليه وسلم فسلم عليهم سلام الأحياء , كذا قال , ويرده حديث عائشة المذكور قال : ويحتمل أن يكون النهي مخصوصا بمن يرى أنها تحية الموتى وبمن يتطير بها من الأحياء فإنها كانت عادة أهل الجاهلية وجاء الإسلام بخلاف ذلك , قال عياض وتبعه ابن القيم في " الهدي " فنقح كلامه فقال : كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول في الابتداء السلام عليكم , ويكره أن يقول عليكم السلام , فذكر حديث أبي جري وصححه ثم قال : أشكل هذا على طائفة وظنوه معارضا لحديث عائشة وأبي هريرة وليس كذلك , وإنما معنى قوله " عليك السلام تحية الموتى " إخبار عن الواقع لا عن الشرع , أي أن الشعراء ونحوهم يحيون الموتى به واستشهد بالبيت المتقدم وفيه ما فيه , قال : فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحيي بتحية الأموات . وقال عياض أيضا : كانت عادة العرب في تحية الموتى تأخير الاسم , كقولهم عليه لعنة الله وغضبه عند الذم , وكقوله تعالى ( وأن عليك اللعنة إلى يوم الدين ) , وتعقب بأن النص في الملاعنة ورد بتقديم اللعنة والغضب على الاسم , وقال القرطبي : يحتمل أن يكون حديث عائشة لمن زار المقبرة فسلم على جميع من بها , وحديث أبي جري إثباتا ونفيا في السلام على الشخص الواحد , ونقل ابن دقيق العيد عن بعض الشافعية أن المبتدئ لو قال عليكم السلام لم يجز ; لأنها صيغة جواب , قال : والأولى الإجزاء لحصول مسمى السلام , ولأنهم قالوا : إن المصلي ينوي بإحدى التسليمتين الرد على من حضر , وهي بصيغة الابتداء . ثم حكى عن أبي الوليد بن رشد أنه يجوز الابتداء بلفظ الرد وعكسه , وسيأتي مزيد لذلك في " باب من رد فقال عليك السلام " إن شاء الله تعالى . ‏

‏قوله ( فقالوا السلام عليك ورحمة الله ) ‏
‏كذا للأكثر في البخاري هنا , وكذا للجميع في بدء الخلق , ولأحمد ومسلم من هذا الوجه من رواية عبد الرزاق , ووقع هنا للكشميهني فقالوا وعليك السلام ورحمة الله , وعليها شرح الخطابي , واستدل برواية الأكثر لمن يقول يجزئ في الرد أن يقع باللفظ الذي يبتدأ به كما تقدم , قيل ويكفي أيضا الرد بلفظ الإفراد , وسيأتي البحث في ذلك " باب من رد فقال عليك السلام " . ‏

‏قوله ( فزادوه ورحمة الله ) ‏
‏فيه مشروعية الزيادة في الرد على الابتداء , وهو مستحب بالاتفاق لوقوع التحية في ذلك في قوله تعالى ( فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) فلو زاد المبتدئ " ورحمة الله " استحب أن يزاد " وبركاته " فلو زاد " وبركاته " فهل تشرع الزيادة في الرد ؟ وكذا لو زاد المبتدئ على " وبركاته " هل يشرع له ذلك ؟ أخرج مالك في الموطأ عن ابن عباس قال " انتهى السلام إلى البركة " وأخرج البيهقي في " الشعب " من طريق عبد الله بن بابه قال " جاء رجل إلى ابن عمر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته , فقال : حسبك إلى وبركاته " انتهى إلى " وبركاته " ومن طريق زهرة بن معبد قال " قال عمر : انتهى السلام إلى وبركاته " ورجاله ثقات . وجاء عن ابن عمر الجواز , فأخرج مالك أيضا في " الموطأ " عنه أنه زاد في الجواب " والغاديات والرائحات " وأخرج البخاري في " الأدب المفرد " من طريق عمرو بن شعيب عن سالم مولى ابن عمر قال " كان ابن عمر يزيد إذا رد السلام , فأتيته مرة فقلت : السلام عليكم , فقال : السلام عليكم ورحمة الله . ثم أتيته فزدت " وبركاته " فرد وزاد " وطيب صلواته " ومن طريق زيد بن ثابت أنه كتب إلى معاوية " السلام عليكم يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ومغفرته وطيب صلواته " ونقل ابن دقيق العيد عن أبي الوليد بن رشد أنه يؤخذ من قوله تعالى ( فحيوا بأحسن منها ) الجواز في الزيادة على البركة إذا انتهى إليها المبتدئ . وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي بسند قوي عن عمران بن حصين قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم , فرد عليه وقال : عشر . ثم جاء آخر , فقال السلام عليكم ورحمة الله , فرد عليه وقال : عشرون . ثم جاء آخر فزاد وبركاته , فرد وقال : ثلاثون " وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " من حديث أبي هريرة وصححه ابن حبان وقال " ثلاثون حسنة " وكذا فيما قبلها , صرح بالمعدود . وعند أبي نعيم في " عمل يوم وليلة " من حديث على أنه هو الذي وقع له مع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك , وأخرج الطبراني من حديث سهل بن حنيف بسند ضعيف رفعه " من قال السلام عليكم كتب له عشر حسنات , ومن زاد ورحمة الله كتب له عشرون حسنة , ومن زاد وبركاته كتبت له ثلاثون حسنة " . وأخرج أبو داود من حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه بسند ضعيف نحو حديث عمران وزاد في آخره " ثم جاء آخر فزاد ومغفرته , فقال أربعون , وقال : هكذا تكون الفضائل " وأخرج ابن السني في كتابه بسند واه من حديث أنس قال " كان رجل يمر فيقول السلام عليك يا رسول الله فيقول له وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه " وأخرج البيهقي في " الشعب " بسند ضعيف أيضا من حديث زيد بن أرقم " كنا إذا سلم علينا النبي صلى الله عليه وسلم قلنا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته " وهذه الأحاديث الضعيفة إذا انضمت قوي ما اجتمعت عليه من مشروعية الزيادة على وبركاته . واتفق العلماء على أن الرد واجب على الكفاية , وجاء عن أبي يوسف أنه قال : يجب الرد على كل فرد فرد , واحتج له بحديث الباب ; لأن فيه " فقالوا السلام عليك " وتعقب بجواز أن يكون نسب إليهم والمتكلم به بعضهم , واحتج له أيضا بالاتفاق على أن من سلم على جماعة فرد عليه واحد من غيرهم لا يجزئ عنهم , وتعقب بظهور الفرق . واحتج للجمهور بحديث علي رفعه " يجزي عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم , ويجزي عن الجلوس أن يرد أحدهم " أخرجه أبو داود والبزار , وفي سنده ضعف لكن له شاهد من حديث الحسن بن علي عند الطبراني وفي سنده مقال , وآخر مرسل في " الموطأ " عن زيد بن أسلم . واحتج ابن بطال بالاتفاق على أن المبتدئ لا يشترط في حقه تكرير السلام بعدد من يسلم عليهم كما في حديث الباب من سلام آدم وفي غيره من الأحاديث , قال : فكذلك لا يجب الرد على كل فرد فرد إذا سلم الواحد عليهم . واحتج الماوردي بصحة الصلاة الواحدة على العدد من الجنائز , وقال الحليمي : إنما كان الرد واجبا ; لأن السلام معناه الأمان , فإذا ابتدأ به المسلم أخاه فلم يجبه فإنه يتوهم منه الشر , فيجب عليه دفع ذلك التوهم عنه . انتهى كلامه . وسيأتي بيان معاني لفظ السلام في " باب السلام اسم من أسماء الله تعالى " ويؤخذ من كلامه موافقة القاضي حسين حيث قال : لا يجب رد السلام على من سلم عند قيامه من المجلس إذا كان سلم حين دخل , ووافقه المتولي , وخالفه المستظهري فقال : السلام سنة عند الانصراف فيكون الجواب واجبا , قال النووي : هذا هو الصواب , كذا قال . ‏

‏قوله ( فكل من يدخل الجنة ) ‏
‏كذا للأكثر هنا وللجميع في بدء الخلق , ووقع هنا لأبي ذر " فكل من يدخل يعني الجنة " وكأن لفظ الجنة سقط من روايته فزاد فيه يعني . ‏

‏قوله ( على صورة آدم ) ‏
‏تقدم شرح ذلك في بدء الخلق , قال المهلب : في هذا الحديث أن الملائكة يتكلمون بالعربية ويتحيون بتحية الإسلام . قلت : وفي الأول نظر لاحتمال أن يكون في الأزل بغير اللسان العربي , ثم لما حكى للعرب ترجم بلسانهم , ومن المعلوم أن من ذكرت قصصهم في القرآن من غير العرب نقل كلامهم بالعربي فلم يتعين أنهم تكلموا بما نقل عنهم بالعربي , بل الظاهر أن كلامهم ترجم بالعربي . وفيه الأمر بتعلم العلم من أهله والأخذ بنزول مع إمكان العلو , والاكتفاء في الخبر مع إمكان القطع بما دونه . وفيه أن المدة التي بين آدم والبعثة المحمدية فوق ما نقل عن الإخباريين من أهل الكتاب وغيرهم بكثير , وقد تقدم بيان ذلك ووجه الاحتجاج به في بدء الخلق . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:40 AM
‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز بن عبد الله ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عبد الله الأغر ‏ ‏وأبي سلمة بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول ‏ ‏من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( يتنزل ربنا ) ‏
‏كذا للأكثر هنا بوزن يتفعل مشددا , وللنسفي والكشميهني " ينزل " بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر الزاي . ‏

‏قوله ( حين يبقى ثلث الليل ) ‏
‏قال ابن بطال : ترجم بنصف الليل وساق في الحديث أن التنزل يقع ثلث الليل , لكن المصنف عول على ما في الآية وهي قوله تعالى ( قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه ) فأخذ الترجمة من دليل القرآن , وذكر النصف فيه يدل على تأكيد المحافظة على وقت التنزل قبل دخوله ليأتي وقت الإجابة والعبد مرتقب له مستعد للقائه . وقال الكرماني : لفظ الخبر " حين يبقى ثلث الليل " وذلك يقع في النصف الثاني انتهى . والذي يظهر لي أن البخاري جرى على عادته فأشار إلى الرواية التي وردت بلفظ النصف , فقد أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمر , وعن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ " ينزل الله إلى السماء الدنيا نصف الليل الأخير أو ثلث الليل الآخر " وأخرجه الدارقطني في كتاب الرؤيا من رواية عبيد الله العمري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة نحوه , ومن طريق حبيب بن أبي ثابت عن الأغر عن أبي هريرة بلفظ " شطر الليل " من غير تردد , وسأستوعب ألفاظه في التوحيد إن شاء الله تعالى . وقال أيضا : النزول محال على الله لأن حقيقته الحركة من جهة العلو إلى السفل , وقد دلت البراهين القاطعة على تنزيهه على ذلك فليتأول ذلك بأن المراد نزول ملك الرحمة ونحوه أو يفوض مع اعتقاد التنزيه , وقد تقدم شرح الحديث في الصلاة في " باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل " من أبواب التهجد , ويأتي ما بقي منه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:41 AM
‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا قال فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم ما يقول عبادي قالوا يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال فيقول هل رأوني قال فيقولون لا والله ما رأوك قال فيقول وكيف لو رأوني قال يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا وتحميدا وأكثر لك تسبيحا قال يقول فما يسألوني قال يسألونك الجنة قال يقول وهل رأوها قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال يقول فكيف لو أنهم رأوها قال يقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة قال فمم يتعوذون قال يقولون من النار قال يقول وهل رأوها قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال يقول فكيف لو رأوها قال يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة قال فيقول فأشهدكم أني قد غفرت لهم قال يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة قال هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم ‏
‏رواه ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏ولم يرفعه ‏ ‏ورواه ‏ ‏سهيل ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( حدثنا قتيبة ) ‏
‏هو ابن سعيد , وصرح بذلك في غير رواية أبي ذر . ‏

‏قوله ( جرير ) ‏
‏هو ابن عبد الحميد . ‏

‏قوله ( عن أبي صالح ) ‏
‏لم أره من حديث الأعمش إلا بالعنعنة لكن اعتمد البخاري على وصله لكون شعبة رواه عن الأعمش كما سأذكره . فإن شعبة كان لا يحدث عن شيوخه المنسوبين للتدليس إلا بما تحقق أنهم سمعوه . ‏

‏قوله ( عن أبي هريرة ) ‏
‏كذا قال جرير , وتابعه الفضيل بن عياض عند ابن حبان وأبو بكر بن عياش عند الإسماعيلي كلاهما عن الأعمش , وأخرجه الترمذي عن أبي كريب عن أبي معاوية عن الأعمش فقال " عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد " هكذا بالشك للأكثر , وفي نسخة " وعن أبي سعيد " بواو العطف , والأول هو المعتمد , فقد أخرجه أحمد عن أبي معاوية بالشك وقال : شك الأعمش , وكذا قال ابن أبي الدنيا عن إسحاق بن إسماعيل عن أبي معاوية , وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد وقال شك سليمان يعني الأعمش , قال الترمذي : حسن صحيح , وقد روي عن أبي هريرة من غير هذا الوجه يعني كما تقدم بغير تردد . ‏

‏قوله بعد سياق المتن ( رواه شعبة عن الأعمش ) ‏
‏يعني بسنده المذكور . ‏

‏قوله ( ولم يرفعه ) ‏
‏هكذا وصله أحمد قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال بنحوه ولم يرفعه , وهكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية بشر بن خالد عن محمد بن جعفر موقوفا . ‏

‏قوله ( ورواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏وصله مسلم وأحمد من طريقه , وسأذكر ما في روايته من فائدة . ‏

‏قوله ( إن لله ملائكة ) ‏
‏زاد الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة وابن حبان من طريق إسحاق بن راهويه كلاهما عن جرير " فضلا " وكذا لابن حبان من طريق فضيل بن عياض , وكذا لمسلم من رواية سهيل , قال عياض في " المشارق " ما نصه : في روايتنا عن أكثرهم بسكون الضاد المعجمة وهو الصواب , ورواه العذري والهوزني " فضل " بالضم وبعضهم بضم الضاد , ومعناه زيادة على كتاب الناس هكذا جاء مفسرا في البخاري , قال : وكان هذا الحرف في كتاب ابن عيسى " فضلاء " بضم أوله وفتح الضاد والمد وهو وهم هنا وإن كانت هذه صفتهم عليهم السلام , وقال في " الإكمال " الرواية فيه عند جمهور شيوخنا في مسلم والبخاري بفتح الفاء وسكون الضاد فذكر نحو ما تقدم وزاد : هكذا جاء مفسرا في البخاري في رواية أبي معاوية الضرير , وقال ابن الأثير في " النهاية " فضلا أي زيادة عن الملائكة المرتبين مع الخلائق , ويروى بسكون الضاد وبضمها قال بعضهم والسكون أكثر وأصوب , وقال النووي : ضبطوا فضلا على أوجه أرجحها بضم الفاء والضاد والثاني بضم الفاء وسكون الضاد ورجحه بعضهم وادعى أنها أكثر وأصوب , والثالث بفتح الفاء وسكون الضاد , قال القاضي عياض : هكذا الرواية عند جمهور شيوخنا في البخاري ومسلم , والرابع بضم الفاء والضاد كالأول لكن برفع اللام يعني على أنه خبر إن , والخامس فضلاء بالمد جمع فاضل قال العلماء ومعناه على جميع الروايات أنهم زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق لا وظيفة لهم إلا حلق الذكر , وقال الطيبي فضلا بضم الفاء وسكون الضاد جمع فاضل كنزل ونازل انتهى , ونسبة عياض هذه اللفظة للبخاري وهم فإنها ليست في صحيح البخاري هنا في جميع الروايات إلا أن تكون خارج الصحيح , ولم يخرج البخاري الحديث المذكور عن أبي معاوية أصلا وإنما أخرجه من طريقه الترمذي , وزاد ابن أبي الدنيا والطبراني رواية جرير فضلا عن كتاب الناس , ومثله لابن حبان من رواية فضيل ابن عياض وزاد " سياحين في الأرض " وكذا هو في رواية أبي معاوية عند الترمذي والإسماعيلي عن كتاب الأيدي , ولمسلم من رواية سهيل عن أبيه " سيارة فضلا " . ‏

‏قوله ( يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر ) ‏
‏في رواية سهيل " يتبعون مجالس الذكر " . وفي حديث جابر بن أبي يعلى " إن لله سرايا من الملائكة تقف وتحل بمجالس الذكر في الأرض " . ‏

‏قوله ( فإذا وجدوا قوما ) ‏
‏في رواية فضيل بن عياض " فإذا رأوا قوما " وفي رواية سهيل " فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر " . ‏

‏قوله ( تنادوا ) ‏
‏في رواية الإسماعيلي " يتنادون " . ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-02-2009, 01:42 AM
‏قوله ( هلموا إلى حاجتكم ) ‏
‏في رواية أبي معاوية " بغيتكم " وقوله " هلموا " على لغة أهل نجد , وأما أهل الحجاز فيقولون للواحد والاثنين والجمع هلم بلفظ الإفراد , وقد تقدم تقرير ذلك في التفسير . واختلف في أصل هذه الكلمة فقيل هل لك في الأكل أم , أي اقصد , وقيل أصله لم بضم اللام وتشديد الميم وها للتنبيه حذفت ألفها تخفيفا . ‏

‏قوله ( فيحفونهم بأجنحتهم ) ‏
‏أي يدنون بأجنحتهم حول الذاكرين , والباء للتعدية وقيل للاستعانة . ‏

‏قوله ( إلى السماء الدنيا ) ‏
‏في رواية الكشميهني " إلى سماء الدنيا " وفي رواية سهيل " قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهم وبين سماء الدنيا " . ‏

‏قوله ( قال فيسألهم ربهم عز وجل وهو أعلم منهم ) ‏
‏في رواية الكشميهني " بهم " كذا للإسماعيلي , وهي جملة معترضة وردت لرفع التوهم , زاد في رواية سهيل " من أين جئتم ؟ فيقولون : جئنا من عند عباد لك في الأرض " وفي رواية الترمذي " فيقول الله : أي شيء تركتم عبادي يصنعون " . ‏

‏قوله ( ما يقول عبادي ؟ قال : تقول يسبحونك ) ‏
‏كذا لأبي ذر بالإفراد فيهما , ولغيره " قالوا يقولون " ولابن أبي الدنيا " قال يقولون " وزاد سهيل في روايته " فإذا تفرقوا " أي أهل المجلس " عرجوا " أي الملائكة " وصعدوا إلى السماء " . ‏

‏قوله ( يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ) ‏
‏زاد إسحاق وعثمان عن جرير " ويمجدونك " وكذا لابن أبي الدنيا , وفي رواية أبي معاوية " فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك " وفي رواية الإسماعيلي " قالوا ربنا مررنا بهم وهم يذكرونك إلخ " وفي رواية سهيل " جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك " وفي حديث أنس عند البزار " ويعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك ويسألونك لآخرتهم ودنياهم " ويؤخذ من مجموع هذه الطرق المراد بمجالس الذكر وأنها التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرهما وعلى تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة , وفي دخول قراءة الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر , والأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوهما والتلاوة حسب , وإن كانت قراءة الحديث ومدارسة العلم والمناظرة فيه من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى . ‏

‏قوله ( قال فيقول هل رأوني ؟ قال فيقولون لا والله ما رأوك ) ‏
‏كذا ثبت لفظ الجلالة في جميع نسخ البخاري وكذا في بقية المواضع , وسقط لغيره . ‏

‏قوله ( كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا ) ‏
‏زاد أبو ذر في روايته " وتحميدا " وكذا لابن أبي الدنيا , وزاد في رواية الإسماعيلي " وأشد لك ذكرا " وفي رواية ابن أبي الدنيا " وأكثر لك تسبيحا " . ‏

‏قوله ( قال يقول ) ‏
‏في رواية أبي ذر " فيقول " . ‏

‏قوله ( فما يسألوني ) ‏
‏في رواية أبي معاوية " فأي شيء يطلبون " . ‏

‏قوله ( يسألونك الجنة ) ‏
‏في رواية سهيل " يسألونك جنتك " . ‏

‏قوله ( كانوا أشد عليها حرصا ) ‏
‏زاد أبو معاوية في روايته " عليها " وفي رواية ابن أبي الدنيا " كانوا أشد حرصا وأشد طلبة وأعظم لها رغبة " . ‏

‏قوله ( قال فمم يتعوذون ؟ قال يقولون من النار ) ‏
‏في رواية أبي معاوية " فمن أي شيء يتعوذون ؟ فيقولون من النار " وفي رواية سهيل " قالوا ويستجيرونك . وقال ومم يستجيرونني ؟ قالوا من نارك " . ‏

‏قوله ( كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة ) ‏
‏في رواية أبي معاوية " كانوا أشد منها هربا وأشد منها تعوذا وخوفا " وزاد سهيل في روايته " قالوا ويستغفرونك " قال فيقول : قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوا " وفي حديث أنس " فيقول غشوهم رحمتي " . ‏

‏قوله ( يقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة ) ‏
‏في رواية أبي معاوية " فيقولون إن فيهم فلانا الخطاء لم يردهم إنما جاء لحاجة " وفي رواية سهيل " قال يقولون : رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم " وزاد في روايته " قال وله قد غفرت " . ‏

‏قوله ( هم الجلساء ) ‏
‏في رواية أبي معاوية وكذا في رواية سهيل " هم القوم " وفي اللام إشعار بالكمال أي هم القوم كل القوم . ‏

‏قوله ( لا يشقى جليسهم ) ‏
‏كذا لأبي ذر , ولغيره " لا يشقى بهم جليسهم " وللترمذي " لا يشقى لهم جليس " وهذه الجملة مستأنفة لبيان المقتضي لكونهم أهل الكمال , وقد أخرج جعفر في الذكر من طريق أبي الأشهب عن الحسن البصري قال " بينما قوم يذكرون الله إذ أتاهم رجل فقعد إليهم , قال فنزلت الرحمة ثم ارتفعت , فقالوا ربنا فيهم عبدك فلان , قال غشوهم رحمتي , هم القوم لا يشقى بهم جليسهم " وفي هذه العبارة مبالغة في نفي الشقاء عن جليس الذاكرين , فلو قيل لسعد بهم جليسهم لكان ذلك في غاية الفضل , لكن التصريح بنفي الشقاء أبلغ في حصول المقصود . ‏
‏( تنبيه ) : ‏
‏اختصر أبو زيد المروزي في روايته عن الفربري متن هذا الحديث فساق منه إلى قوله " هلموا إلى حاجتكم " ثم قال : فذكر الحديث . وفي الحديث فضل مجالس الذكر والذاكرين , وفضل الاجتماع على ذلك , وأن جليسهم يندرج معهم في جميع ما يتفضل الله تعالى به عليهم إكراما لهم ولو لم يشاركهم في أصل الذكر . ‏
‏وفيه محبة الملائكة بني آدم واعتناؤهم بهم , وفيه أن السؤال قد يصدر من السائل وهو أعلم بالمسئول عنه من المسئول لإظهار العناية بالمسئول عنه والتنوية بقدره والإعلان بشرف منزلته . وقيل إن في خصوص سؤال الله الملائكة عن أهل الذكر الإشارة إلى قولهم ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " فكأنه قيل لهم : انظروا إلى ما حصل منهم من التسبيح والتقديس مع ما سلط عليهم من الشهوات ووساوس الشيطان , وكيف عالجوا ذلك وضاهوكم في التسبيح والتقديس , وقيل إنه يؤخذ من هذا الحديث أن الذكر الحاصل من بني آدم أعلى وأشرف من الذكر الحاصل من الملائكة لحصول ذكر الآدميين مع كثرة الشواغل ووجود الصوارف وصدوره في عالم الغيب , بخلاف الملائكة في ذلك كله . وفيه بيان كذب من ادعى من الزنادقة أنه يرى الله تعالى جهرا في دار الدنيا , وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة رفعه " واعلموا أنكم لم تروا ربكم حتى تموتوا " . وفيه جواز القسم في الأمر المحقق تأكيدا له وتنويها به . وفيه أن الذي اشتملت عليه الجنة من أنواع الخيرات والنار من أنواع المكروهات فوق ما وصفتا به , وأن الرغبة والطلب من الله والمبالغة في ذلك من أسباب الحصول .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:43 AM
‏حدثنا ‏ ‏قتيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يعقوب بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد المقبري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يقول الله تعالى ‏ ‏ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا ‏ ‏قبضت صفيه ‏ ‏من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( يعقوب بن عبد الرحمن ) ‏
‏هو الإسكندراني . ‏

‏قوله ( عن عمرو ) ‏
‏هو ابن أبي عمرو مولى المطلب . ‏

‏قوله ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء ) ‏
‏أي ثواب ولم أر لفظ جزاء في رواية الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان , ولأبي نعيم من طريق السراج كلاهما عن قتيبة . ‏

‏قوله ( إذا قبضت صفيه ) ‏
‏بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتانية وهو الحبيب المصافي كالولد والأخ وكل من يحبه الإنسان , والمراد بالقبض قبض روحه وهو الموت . ‏

‏قوله ( ثم احتسبه إلا الجنة ) ‏
‏قال الجوهري احتسب ولده إذا مات كبيرا . فإن مات صغيرا قيل أفرطه , وليس هذا التفصيل مرادا هنا بل المراد باحتسبه صبر على فقده راجيا الأجر من الله على ذلك , وأصل الحسبة بالكسر الأجرة , والاحتساب طلب الأجر من الله تعالى خالصا . واستدل به ابن بطال على أن من مات له ولد واحد يلتحق بمن مات له ثلاثة وكذا اثنان , وأن قول الصحابي كما مضى في " باب فضل من مات له ولد " من كتاب الجنائز " ولم نسأله عن الواحد " لا يمنع من حصول الفضل لمن مات له واحد , فلعله صلى الله عليه وسلم سئل بعد ذلك عن الواحد فأخبر بذلك , أو أنه أعلم بأن حكم الواحد حكم ما زاد عليه فأخبر به . قلت : وقد تقدم في الجنائز تسمية من سأل عن ذلك , والرواية التي فيها " ثم لم نسأله عن الواحد " ولم يقع لي إذ ذاك وقوع السائل عن الواحد . وقد وجدت من حديث جابر ما أخرجه أحمد من طريق محمود بن أسد عن جابر وفيه " قلنا يا رسول الله واثنان ؟ قال : واثنان . قال محمود فقلت لجابر أراكم لو قلتم واحدا لقال واحد , قال وأنا والله أظن ذاك " ورجاله موثقون . وعند أحمد والطبراني من حديث معاذ رفعه " أوجب ذو الثلاثة . فقال له معاذ : وذو الاثنين ؟ قال : وذو الاثنين " زاد في رواية الطبراني قال " أو واحد " وفي سنده ضعف . وله في الكبير والأوسط من حديث جابر بن سمرة رفعه " من دفن له ثلاثة فصبر " الحديث وفيه " فقالت أم أيمن : وواحد ؟ فسكت ثم قال : يا أم أيمن من دفن واحدا فصبر عليه واحتسبه وجبت له الجنة " وفي سندهما ناصح بن عبد الله وهو ضعيف جدا . ووجه الدلالة من حديث الباب أن الصفي أعم من أن يكون ولدا أم غيره وقد أفرد ورتب الثواب بالجنة لمن مات له فاحتسبه , ويدخل هذا ما أخرجه أحمد والنسائي من حديث قرة بن إياس " أن رجلا كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له , فقال : أتحبه ؟ قال : نعم . ففقده فقال ما فعل فلان ؟ قالوا : يا رسول الله مات ابنه , فقال : ألا تحب أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة , إلا وجدته ينتظرك . فقال رجل : يا رسول الله أله خاصة أم لكلنا ؟ قال : بل لكلكم " وسنده على شرط الصحيح وقد صححه ابن حبان والحاكم .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:44 AM
‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏ربعي ‏ ‏عن ‏ ‏حذيفة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله فقال لأهله إذا أنا مت فخذوني ‏ ‏فذروني ‏ ‏في البحر في يوم صائف ففعلوا به فجمعه الله ثم قال ‏ ‏ما حملك على الذي صنعت قال ما حملني إلا مخافتك فغفر له ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( جرير ) ‏
‏هو ابن عبد الحميد , ‏
‏ومنصور ‏
‏هو ابن المعتمر . ‏
‏وربعي ‏
‏هو ابن حراش بالحاء المهملة وآخره شين معجمة , والسند كله كوفيون . ‏

‏قوله ( عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏تقدم في ذكر بني إسرائيل تصريح حذيفة بسماعه له من النبي صلى الله عليه وسلم , ووقع في صحيح أبي عوانة من طريق والان العبدي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ذكر هذه القصة بعد ذكر حديث الشفاعة بطوله , وذكر فيه أن الرجل المذكور آخر أهل النار خروجا منها , وسيأتي التنبيه عليه في الشفاعة إن شاء الله تعالى , ويتبين شذوذ هذه الرواية من حيث المتن كما ظهر شذوذها من حيث السند . ‏

‏قوله ( كان رجل ممن كان قبلكم ) ‏
‏تقدم أنه من بني إسرائيل , ومن ثم أورده المصنف هناك . ‏

‏قوله ( يسيء الظن بعمله ) ‏
‏تقدم هناك أنه كان نباشا . ‏

‏قوله ( فذروني ) ‏
‏قدمت هناك فيه ثلاث روايات بالتخفيف بمعنى الترك والتشديد بمعنى التفريق , وهو ثلاثي مضاعف تقول ذررت الملح أذره ومنه الذريرة نوع من الطيب . قال ابن التين : ويحتمل أن يكون بفتح أوله , وكذا قرأناه ورويناه بضمها وعلى الأول هو من الذر وعلى الثاني من التذرية وبهمزة قطع وسكون المعجمة من أذرت العين دمعها وأذريت الرجل عن الفرس وبالوصل من ذروت الشيء ومنه تذروه الرياح . ‏

‏قوله ( في البحر ) ‏
‏سيأتي نظيره في حديث سلمان وفي حديث أبي سعيد " في الريح " ووقع في حديث أبي هريرة الآتي في التوحيد " واذروا نصفه في البر ونصفه في البحر " . ‏

‏قوله ( في يوم صائف ) ‏
‏تقدم في رواية عبد الملك بن عمير عن ربعي بلفظ " فذروني في اليم في يوم حاز " بحاء مهملة وزاي ثقيلة كذا للمروزي والأصيلي , ولأبي ذر عن المستملي والسرخسي وكريمة عن الكشميهني بالراء المهملة وهو المناسب لرواية الباب , ووجهت الأولى بأن المعنى أنه يحز البدن لشدة حره , ووقع في حديث أبي سعيد الذي بعده " حتى إذا كان ريح عاصف " وذكر بعضهم رواية المروزي بنون بدل الزاي أي حان ريحه , قال ابن فارس : الحون ريح تحن كحنين الإبل .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:45 AM
‏حدثنا ‏ ‏موسى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معتمر ‏ ‏سمعت ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏عقبة بن عبد الغافر ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ذكر رجلا فيمن كان سلف ‏ ‏أو قبلكم ‏ ‏آتاه الله مالا وولدا ‏ ‏يعني أعطاه قال فلما حضر قال لبنيه أي أب كنت لكم قالوا خير أب قال فإنه لم يبتئر عند الله خيرا ‏ ‏فسرها ‏ ‏قتادة ‏ ‏لم يدخر ‏ ‏وإن يقدم على الله يعذبه فانظروا فإذا مت فأحرقوني حتى إذا صرت فحما فاسحقوني ‏ ‏أو قال فاسهكوني ‏ ‏ثم إذا كان ريح عاصف فأذروني فيها فأخذ مواثيقهم على ذلك وربي ففعلوا فقال الله كن فإذا رجل قائم ثم قال أي عبدي ‏ ‏ما حملك على ما فعلت قال مخافتك ‏ ‏أو ‏ ‏فرق ‏ ‏منك ‏ ‏فما تلافاه أن رحمه الله ‏
‏فحدثت ‏ ‏أبا عثمان ‏ ‏فقال سمعت ‏ ‏سلمان ‏ ‏غير أنه زاد فأذروني في البحر أو كما حدث ‏ ‏وقال ‏ ‏معاذ ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏سمعت ‏ ‏عقبة ‏ ‏سمعت ‏ ‏أبا سعيد الخدري ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله في الحديث ( عن أبي سعيد ) ‏
‏تقدم القول في تابعيه , ‏
‏وموسى ‏
‏هو ابن إسماعيل التبوذكي , ‏
‏ومعتمر ‏
‏هو ابن سليمان التيمي , والسند كله بصريون . ‏

‏قوله ( فيمن سلف أو فيمن كان قبلكم ) ‏
‏شك من الراوي عن قتادة , وتقدم في رواية أبي عوانة عن قتادة بلفظ " أن رجلا كان قبلكم " . ‏

‏قوله ( آتاه الله مالا وولدا ) ‏
‏يعني أعطاه كذا للأكثر وهو تفسير للفظ آتاه , وهي بالمد بمعنى العطاء وبالقصر بمعنى المجيء , ووقع في رواية الكشميهني هنا " مالا " ولا معنى لإعادتها بمفردها . ‏

‏قوله ( فإنه لم يبتئر عند الله خيرا فسرها قتادة لم يدخر ) ‏
‏كذا وقع هنا يبتئر بفتح أوله وسكون الموحدة وفتح المثناة بعدها تحتانية مهموزة ثم راء مهملة , وتفسير قتادة صحيح وأصله من البئيرة بمعنى الذخيرة والخبيئة , قال أهل اللغة : بأرت الشيء وابتأرته أبأره وأبتئره إذا خبأته , ووقع في رواية ابن السكن " لم يأبتر " بتقديم الهمزة على الموحدة حكاه عياض , وهما صحيحان بمعنى والأول أشهر , ومعناه لم يقدم خيرا كما جاء مفسرا في الحديث , يقال بأرت الشيء وابتأرته وائبترته إذا ادخرته , ومنه قيل للحفرة البئر ووقع في التوحيد وفي رواية أبي زيد المروزي فيما اقتصر عليه عياض وقد ثبت عندنا كذلك في رواية أبي ذر " لم يبتئر أو لم يبتئز " بالشك في الزاي أو الراء , وفي رواية الجرجاني بنون بدل الموحدة والزاي قال : وكلاهما غير صحيح وفي بعض الروايات في غير البخاري ينتهز بالهاء بدل الهمزة وبالزاي , ويمتئر بالميم بدل الموحدة وبالراء أيضا قال وكلاهما صحيح أيضا كالأولين . ‏

‏قوله ( وإن يقدم على الله يعذبه ) ‏
‏كذا هنا بفتح الدال وسكون القاف من القدوم وهو بالجزم على الشرطية , وكذا يعذبه بالجزم على الجزاء , والمعنى إن بعث يوم القيامة على هيئته يعرفه كل أحد فإذا صار رمادا مبثوثا في الماء والريح لعله يخفى , ووقع في حديث حذيفة عند الإسماعيلي من رواية أبي خيثمة عن جرير بسند حديث الباب " فإنه إن يقدر علي ربي لا يغفر لي " وكذا في حديث أبي هريرة " لئن قدر الله علي " وتقدم توجيهه مستوفى في ذكر بني إسرائيل . ومن اللطائف أن من جملة الأجوبة عن ذلك ما ذكره شيخنا ابن الملقن في شرحه أن الرجل قال ذلك لما غلبه من الخوف وغطى على فهمه من الجزع فيعذر في ذلك , وهو نظير الخبر المروي في قصة الذي يدخل الجنة آخر من يدخلها فيقال : إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها فيقول للفرح الذي دخله : أنت عبدي وأنا ربك . أخطأ من شدة الفرح . قلت وتمام هذا أن أبا عوانة أخرج في حديث حذيفة عن أبي بكر الصديق أن الرجل المذكور في حديث الباب هو آخر أهل الجنة دخولا الجنة , فعلى هذا يكون وقع له من الخطإ بعد دخول الجنة نظير ما وقع له من الخطإ عند حضور الموت , لكن أحدهما من غلبة الخوف والآخر من غلبة الفرح . قلت : والمحفوظ أن الذي قال أنت عبدي هو الذي وجد راحلته بعد أن ضلت , وقد نبهت عليه فيما مضى . ‏

‏قوله ( فأحرقوني ) ‏
‏في حديث حذيفة هناك " فاجمعوا لي حطبا كثيرا ثم أوروا نارا حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي " . ‏

‏قوله ( فاسحقوني , أو قال فاسهكوني ) ‏
‏هو شك من الراوي ووقع في رواية أبي عوانة , " اسحقوني " بغير شك , والسهك بمعنى السحق ويقال هو دونه , ووقع في حديث حذيفة عند الإسماعيلي " أحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني " . ‏

‏قوله ( ثم إذا كان ) ‏
‏في رواية الكشميهني " حتى إذ كان " . ‏

‏قوله ( فأخذ مواثيقهم على ذلك وربي ) ‏
‏هو من القسم المحذوف جوابه , ويحتمل أن يكون حكاية الميثاق الذي أخذه , أي قال لمن أوصاه قل وربي لأفعلن ذلك , ويؤيده أن عند مسلم " فأخذ منهم يمينا " لكن يؤيد الأول أنه وقع في رواية مسلم أيضا " ففعلوا به ذلك وربي " فتعين أنه قسم من المخبر , وزعم بعضهم أن الذي في البخاري هو الصواب , ولا يخفى أن الذي عند مسلم لعله أصوب , ووقع في بعض النسخ من مسلم " وذري " بضم المعجمة وتشديد الراء المكسورة بدل " وربي " أي فعلوا ما أمرهم به من التذرية , قال عياض : إن كانت محفوظة فهي الوجه , ولعل الذال سقطت لبعض النساخ ثم صحفت اللفظة , كذا قال . ولا يخفى أن الأول أوجه لأنه يلزم من تصويب هذه الرواية تخطئة الحفاظ بغير دليل , ولأن غايتها أن تكون تفسيرا أو تأكيدا لقوله " ففعلوا به ذلك " بخلاف قوله " وربي " فإنها تزيد معنى آخر غير قوله " وذري " وأبعد الكرماني فجوز أن يكون قوله في رواية البخاري " وربي " بصيغة الماضي من التربية أي ربي أخذ المواثيق بالتأكيدات والمبالغات , قال لكنه موقوف على الرواية . ‏

‏قوله ( فقال الله كن ) ‏
‏في رواية أبي عوانة وكذا في حديث حذيفة الذي قبله " فجمعه الله " وفي حديث أبي هريرة " فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه ففعلت " . ‏

‏قوله ( فإذا رجل قائم ) ‏
‏قال ابن مالك جاز وقوع المبتدأ نكرة محضة بعد إذا المفاجئة لأنها من القرائن التي تحصل بها الفائدة كقولك : خرجت فإذا سبع . ‏

‏قوله ( مخافتك , أو فرق منك ) ‏
‏بفتح الفاء والراء وهو شك من الراوي . وفي رواية أبي عوانة " مخافتك " بغير شك , وتقدم بلفظ " خشيتك " في حديث حذيفة . وبيان الاختلاف فيه فيما مضى وهو بالرفع , ووقع في حديث حذيفة " من خشيتك " ولبعضهم " خشيتك " بغير من وهي بفتح التاء , وجوزوا الكسر على تقدير حذفها وإبقاء عملها . ‏

‏قوله ( فما تلافاه أن رحمه ) ‏
‏أي تداركه و " ما " موصولة أي الذي تلافاه هو الرحمة , أو نافية وصيغة الاستثناء محذوفة , أو الضمير في تلافاه لعمل الرجل , وقد تقدم بيان الاختلاف في هذه اللفظة هناك , وفي حديث حذيفة " فغفر له " وكذا في حديث أبي هريرة , قالت المعتزلة : غفر له لأنه تاب عند موته وندم على فعله , وقالت المرجئة : غفر له بأصل توحيده الذي لا تضر معه معصية , وتعقب الأول بأنه لم يرد أنه رد المظلمة فالمغفرة حينئذ بفضل الله لا بالتوبة لأنها لا تتم إلا بأخذ المظلوم حقه من الظالم , وقد ثبت أنه كان نباشا . وتعقب الثاني بأنه وقع في حديث أبي بكر الصديق المشار إليه أولا أنه عذب , فعلى هذا فتحمل الرحمة والمغفرة على إرادة ترك الخلود في النار , وبهذا يرد على الطائفتين معا : على المرجئة في أصل دخول النار وعلى المعتزلة في دعوى الخلود فيها . وفيه أيضا رد على من زعم من المعتزلة أنه بذلك الكلام تاب فوجب على الله قبول توبته , قال ابن أبي جمرة : كان الرجل مؤمنا لأنه قد أيقن بالحساب وأن السيئات يعاقب عليها . وأما ما أوصى به فلعله كان جائزا في شرعهم ذلك لتصحيح التوبة , فقد ثبت في شرع بني إسرائيل قتلهم أنفسهم لصحة التوبة . قال : وفي الحديث جواز تسمية الشيء بما قرب منه ; لأنه قال حضره الموت وإنما الذي حضره في تلك الحالة علاماته , وفيه فضل الأمة المحمدية لما خفف عنهم من وضع مثل هذه الآصار , ومن عليهم بالحنيفية السمحة , وفيه عظم قدرة الله تعالى أن جمع جسد المذكور بعد أن تفرق ذلك التفريق الشديد . قلت وقد تقدم أن ذلك إخبار عما يكون يوم القيامة , وتقرير ذلك مستوفى . ‏

‏قوله ( قال فحدثت أبا عثمان ) ‏
‏القائل هو سليمان التيمي والد معتمر وأبو عثمان هو النهدي عبد الرحمن بن مل , ‏
‏وقوله " سمعت سلمان غير أنه زاد " ‏
‏حذف المسموع الذي استثني منه ما ذكر , والتقدير سمعت سلمان يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الحديث غير أنه زاد . ‏

‏قوله ( أو كما حدث ) ‏
‏شك من الراوي يشير إلى أنه بمعنى حديث أبي سعيد لا بلفظه كله , وقد أخرج الإسماعيلي حديث سلمان من طريق صالح بن حاتم بن وردان وحميد بن مسعدة قالا " حدثنا معتمر سمعت أبي سمعت أبا عثمان سمعت هذا من سلمان " فذكره . ‏

‏قوله ( وقال معاذ إلخ ) ‏
‏وصله مسلم , وقد مضى التنبيه عليه أيضا هناك . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:46 AM
‏حدثنا ‏ ‏أبو معمر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الوارث ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جعد بن دينار أبو عثمان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو رجاء العطاردي ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏رضي الله عنهما ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فيما يروي عن ربه عز وجل قال قال ‏ ‏إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( حدثنا أبو معمر ) ‏
‏هو عبد الله بن عمرو بن الحجاج المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف , ‏
‏وعبد الوارث ‏
‏هو ابن سعيد , والسند كله بصريون , ‏
‏وجعد بن دينار ‏
‏تابعي صغير وهو الجعد أبو عثمان الراوي عن أنس في أواخر النفقات وفي غيرها . ‏

‏قوله ( عن ابن عباس ) ‏
‏في رواية الحسن بن ذكوان عن أبي رجاء " حدثني ابن عباس " أخرجه أحمد . ‏

‏قوله ( عن النبي صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏في رواية مسدد عند الإسماعيلي " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولم أر في شيء من الطرق التصريح بسماع ابن عباس له من النبي صلى الله عليه وسلم . ‏

‏قوله ( فيما يروي عن ربه ) ‏
‏هذا من الأحاديث الإلهية , ثم هو محتمل أن يكون مما تلقاه صلى الله عليه وسلم عن ربه بلا واسطة ويحتمل أن يكون مما تلقاه بواسطة الملك وهو الراجح , وقال الكرماني : يحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية ويحتمل أن يكون للبيان لما فيه من الإسناد الصريح إلى الله حيث قال : " إن الله كتب " ويحتمل أن يكون لبيان الواقع وليس فيه أن غيره ليس كذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى , بل فيه أن غيره كذلك إذ قال " فيما يرويه " أي في جملة ما يرويه انتهى ملخصا . والثاني لا ينافي الأول وهو المعتمد , فقد أخرجه مسلم من طريق جعفر بن سليمان عن الجعد ولم يسق لفظه , وأخرجه أبو عوانة من طريق عفان , وأبو نعيم من طريق قتيبة كلاهما عن جعفر بلفظ " فيما يروي عن ربه قال : إن ربكم رحيم , من هم بحسنة " وسيأتي في التوحيد من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله عز وجل إذا أراد عبدي أن يعمل " وأخرجه مسلم بنحوه من هذا الوجه ومن طرق أخرى منها عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل إذا هم عبدي " . ‏

‏قوله ( إن الله عز وجل كتب الحسنات والسيئات ) ‏
‏يحتمل أن يكون هذا من قول الله تعالى فيكون التقدير قال الله إن الله كتب , ويحتمل أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم يحكيه عن فعل الله تعالى وفاعل " ثم بين ذلك " هو الله تعالى , وقوله " فمن هم " شرح ذلك . ‏

‏قوله ( ثم بين ذلك ) ‏
‏أي فصله بقوله " فمن هم " والمجمل قوله " كتب الحسنات والسيئات " وقوله كتب قال الطوفي أي أمر الحفظة أن تكتب , أو المراد قدر ذلك في علمه على وفق الواقع منها . وقال غيره المراد قدر ذلك وعرف الكتبة من الملائكة ذلك التقدير , فلا يحتاج إلى الاستفسار في كل وقت عن كيفية الكتابة لكونه أمرا مفروغا منه انتهى . وقد يعكر على ذلك ما أخرجه مسلم من طريق همام عن أبي هريرة رفعه قال : " قالت الملائكة : رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة , وهو أبصر به , فقال : ارقبوه فإن عملها فاكتبوها " فهذا ظاهره وقوع المراجعة لكن ذلك مخصوص بإرادة عمل السيئة , ويحتمل أن يكون ذلك وقع في ابتداء الأمر فلما حصل الجواب استقر ذلك فلا يحتاج إلى المراجعة بعده . وقد وجدت عن الشافعي ما يوافق ظاهر الخبر , وأن المؤاخذة إنما تقع لمن هم على الشيء فشرع فيه . لا من هم به ولم يتصل به العمل , فقال في صلاة الخوف لما ذكر العمل الذي يبطلها ما حاصله : إن من أحرم بالصلاة وقصد القتال فشرع فيه بطلت صلاته , ومن تحرم وقصد إلى العدو لو دهمه دفعه بالقتال لم تبطل . ‏

‏قوله ( فمن هم ) ‏
‏كذا في رواية ابن سيرين عن أبي هريرة عند مسلم , وفي رواية الأعرج في التوحيد " إذا أراد " وأخرجه مسلم من هذا الوجه بلفظ " إذا هم " كذا عنده من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فهما بمعنى واحد , ووقع لمسلم أيضا من رواية همام عن أبي هريرة بلفظ " إذا تحدث " وهو محمول على حديث النفس لتوافق الروايات الأخرى , ويحتمل أن يكون على ظاهره ولكن ليس قيدا في كتابة الحسنة بل بمجرد الإرادة تكتب الحسنة , نعم ورد ما يدل على أن مطلق الهم والإرادة لا يكفي , فعند أحمد وصححه ابن حبان والحاكم من حديث خريم بن فاتك رفعه " ومن هم بحسنة يعلم الله أنه قد أشعر بها قلبه وحرص عليها " وقد تمسك به ابن حبان فقال بعد إيراد حديث الباب في صحيحه : المراد بالهم هنا العزم . ثم قال : ويحتمل أن الله يكتب الحسنة بمجرد الهم بها وإن لم يعزم عليها زيادة في الفضل . ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-02-2009, 01:47 AM
‏قوله ( فلم يعملها ) ‏
‏يتناول نفي عمل الجوارح , وأما عمل القلب فيحتمل نفيه أيضا إن كانت الحسنة تكتب بمجرد الهم كما في معظم الأحاديث , لا إن قيدت بالتصميم كما في حديث خريم , ويؤيد الأول حديث أبي ذر عند مسلم أن الكف عن الشر صدقة . ‏

‏قوله ( كتبها الله له ) ‏
‏أي للذي هم بالحسنة ‏
‏( عنده ) ‏
‏أي عند الله ‏
‏( حسنة كاملة ) ‏
‏كذا ثبت في حديث ابن عباس دون حديث أبي هريرة وغيره وصف الحسنة بكونها كاملة , وكذا قوله " عنده " وفيهما نوعان من التأكيد : فأما العندية فإشارة إلى الشرف , وأما الكمال فإشارة إلى رفع توهم نقصها لكونها نشأت عن الهم المجرد . فكأنه قيل بل هي كاملة لا نقص فيها . قال النووي : أشار بقوله " عنده " إلى مزيد الاعتناء به , وبقوله " كاملة " إلى تعظيم الحسنة وتأكيد أمرها , وعكس ذلك في السيئة فلم يصفها بكاملة بل أكدها بقوله " واحدة " إشارة إلى تخفيفها مبالغة في الفضل والإحسان . ومعنى قوله : " كتبها الله " أمر الحفظة بكتابتها بدليل حديث أبي هريرة الآتي في التوحيد بلفظ : " إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها " وفيه دليل على أن الملك يطلع على ما في قلب الآدمي إما بإطلاع الله إياه أو بأن يخلق له علما يدرك به ذلك , ويؤيد الأول ما أخرجه ابن أبي الدنيا عن أبي عمران الجوني قال : " ينادي الملك اكتب لفلان كذا وكذا , فيقول يا رب إنه لم يعمله , فيقول إنه نواه " وقيل بل يجد الملك للهم بالسيئة رائحة خبيثة وبالحسنة رائحة طيبة , وأخرج ذلك الطبري عن أبي معشر المدني , وجاء مثله عن سفيان بن عيينة ورأيت في شرح مغلطاي أنه ورد مرفوعا , قال الطوفي إنما كتبت الحسنة بمجرد الإرادة لأن إرادة الخير سبب إلى العمل وإرادة الخير خير لأن إرادة الخير من عمل القلب , واستشكل بأنه إذا كان كذلك فكيف لا تضاعف لعموم قوله : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } وأجيب بحمل الآية على عمل الجوارح والحديث على الهم المجرد واستشكل أيضا بأن عمل القلب إذا اعتبر في حصول الحسنة فكيف لم يعتبر في حصول السيئة ؟ وأجيب بأن ترك عمل السيئة التي وقع الهم بها يكفرها لأنه قد نسخ قصده السيئة وخالف هواه , ثم إن ظاهر الحديث حصول الحسنة بمجرد الترك سواء كان ذلك لمانع أم لا , ويتجه أن يقال : يتفاوت عظم الحسنة بحسب المانع فإن كان خارجيا مع بقاء قصد الذي هم بفعل الحسنة فهي عظيمة القدر , ولا سيما إن قارنها ندم على تفويتها واستمرت النية على فعلها عند القدرة , وإن كان الترك من الذي هم من قبل نفسه فهي دون ذلك إلا إن قارنها قصد الإعراض عنها جملة والرغبة عن فعلها , ولا سيما إن وقع العمل في عكسها كأن يريد أن يتصدق بدرهم مثلا فصرفه بعينه في معصية , فالذي يظهر في الأخير أن لا تكتب له حسنة أصلا , وأما ما قبله فعلى الاحتمال . واستدل بقوله حسنة كاملة على أنها تكتب حسنة مضاعفة لأن ذلك هو الكمال لكنه مشكل يلزم منه مساواة من نوى الخير بمن فعله في أن كلا منهما يكتب له حسنة . وأجيب بأن التضعيف في الآية يقتضي اختصاصه بالعامل لقوله تعالى : { من جاء بالحسنة } والمجيء بها هو العمل وأما الناوي فإنما ورد أنه يكتب له حسنة ومعناه يكتب له مثل ثواب الحسنة , والتضعيف قدر زائد على أصل الحسنة , والعلم عند الله تعالى . ‏

‏قوله ( فإن هم بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات ) ‏
‏يؤخذ منه رفع توهم أن حسنة الإرادة تضاف إلى عشرة التضعيف فتكون الجملة إحدى عشرة على ما هو ظاهر رواية جعفر بن سليمان عند مسلم ولفظه : " فإن عملها كتبت له عشر أمثالها " وكذا في حديث أبي هريرة وفي بعض طرقه احتمال , ورواية عبد الوارث في الباب ظاهرة فيما قلته وهو المعتمد , قال ابن عبد السلام في أماليه : معنى الحديث إذا هم بحسنة فإن كتبت له حسنة عملها كملت له عشرة لأنا نأخذ بقيد كونها قد هم بها , وكذا السيئة إذا عملها لا تكتب واحدة للهم وأخرى للعمل بل تكتب واحدة فقط . قلت : الثاني صريح في حديث هذا الباب , وهو مقتضى كونها في جميع الطرق لا تكتب بمجرد الهم , وأما حسنة الهم بالحسنة فالاحتمال قائم , وقوله بقيد كونها قد هم بها يعكر عليه من عمل حسنة بغتة من غير أن يسبق له أنه هم بها فإن قضية كلامه أنه يكتب له تسعة وهو خلاف ظاهر الآية { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } فإنه يتناول من هم بها ومن لم يهم , والتحقيق أن حسنة من هم بها تندرج في العمل في عشرة لعمل لكن تكون حسنة من هم بها أعظم قدرا ممن لم يهم بها , والعلم عند الله تعالى . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-02-2009, 01:48 AM
‏قوله ( إلى سبعمائة ضعف ) ‏
‏الضعف في اللغة المثل , والتحقيق أنه اسم يقع على العدد بشرط أن يكون معه عدد آخر , فإذا قيل ضعف العشرة فهم أن المراد عشرون , ومن ذلك لو أقر بأن له عندي ضعف درهم لزمه درهمان أو ضعفي درهم لزمه ثلاثة . ‏

‏قوله ( إلى أضعاف كثيرة ) ‏
‏لم يقع في شيء من طرق حديث أبي هريرة " إلى أضعاف كثيرة " إلا في حديثه الماضي في الصيام فإن في بعض طرقه عند مسلم " إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله " وله من حديث أبي ذر رفعه " يقول الله من عمل حسنة فله عشر أمثالها وأزيد " وهو بفتح الهمزة وكسر الزاي , وهذا يدل على أن تضعيف حسنة العمل إلى عشرة مجزوم به وما زاد عليها جائز وقوعه بحسب الزيادة في الإخلاص وصدق العزم وحضور القلب وتعدي النفع كالصدقة الجارية والعلم النافع والسنة الحسنة وشرف العمل ونحو ذلك , وقد قيل إن العمل الذي يضاعف إلى سبعمائة خاص بالنفقة في سبيل الله , وتمسك قائله بما في حديث خريم بن فاتك المشار إليه قريبا رفعه " من هم بحسنة فلم يعملها " فذكر الحديث وفيه " ومن عمل حسنة كانت له بعشر أمثالها , ومن أنفق نفقة في سبيل الله كانت له بسبعمائة ضعف " وتعقب بأنه صريح في أن النفقة في سبيل الله تضاعف إلى سبعمائة وليس فيه نفي ذلك عن غيرها صريحا , ويدل على التعميم حديث أبي هريرة الماضي في الصيام " كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف " الحديث واختلف في قوله تعالى { والله يضاعف لمن يشاء } هل المراد المضاعفة إلى سبعمائة فقط أو زيادة على ذلك ؟ فالأول هو المحقق من سياق الآية والثاني محتمل , ويؤيد الجواز سعة الفضل . ‏

‏قوله ( ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة ) ‏
‏المراد بالكمال عظم القدر كما تقدم لا التضعيف إلى العشرة , ولم يقع التقييد بكاملة في طرق حديث أبي هريرة , وظاهر الإطلاق كتابة الحسنة بمجرد الترك , لكنه قيده في حديث الأعرج عن أبي هريرة كما سيأتي في كتاب التوحيد ولفظه " إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها , فإن عملها فاكتبوها له بمثلها , وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة " وأخرجه مسلم من هذا الوجه , لكن لم يقع عنده " من أجلي " ووقع عنده من طريق همام عن أبي هريرة " وإن تركها فاكتبوها له حسنة , إنما تركها من جراي " بفتح الجيم وتشديد الراء بعد الألف ياء المتكلم وهي بمعنى من أجلي , ونقل عياض عن بعض العلماء أنه حمل حديث ابن عباس على عمومه , ثم صوب حمل مطلقه على ما قيد في حديث أبي هريرة . قلت : ويحتمل أن تكون حسنة من ترك بغير استحضار ما قيد به دون حسنة الآخر لما تقدم أن ترك المعصية كف عن الشر والكف عن الشر خير , ويحتمل أيضا أن يكتب لمن هم بالمعصية ثم تركها حسنة مجردة , فإن تركها من مخافة ربه سبحانه كتبت حسنة مضاعفة . وقال الخطابي : محل كتابة الحسنة على الترك أن يكون التارك قد قدر على الفعل ثم تركه , لأن الإنسان لا يسمى تاركا إلا مع القدرة , ويدخل فيه من حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع كأن يمشي إلى امرأة ليزني بها مثلا فيجد الباب مغلقا ويتعسر فتحه , ومثله من تمكن من الزنا مثلا فلم ينتشر أو طرقه ما يخاف من أذاه عاجلا . ووقع في حديث أبي كبشة الأنماري ما قد يعارض ظاهر حديث الباب , وهو ما أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه بلفظ " إنما الدنيا لأربعة " فذكر الحديث وفيه " وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يعمل في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يرى لله فيه حقا , فهذا بأخبث المنازل . ورجل لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول : لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان , فهما في الوزر سواء " فقيل الجمع بين الحديثين بالتنزيل على حالتين , فتحمل الحالة الأولى على من هم بالمعصية هما مجردا من غير تصميم , والحالة الثانية على من صمم على ذلك وأصر عليه . وهو موافق لما ذهب إليه الباقلاني وغيره ; قال المازري : ذهب ابن الباقلاني يعني ومن تبعه إلى أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن عليها نفسه أنه يأثم , وحمل الأحاديث الواردة في العفو عمن هم بسيئة ولم يعملها على الخاطر الذي يمر بالقلب ولا يستقر . قال المازري : وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين ونقل ذلك عن نص الشافعي , ويؤيده قوله في حديث أبي هريرة فيما أخرجه مسلم من طريق همام عنه بلفظ " فأنا أغفرها له ما لم يعملها " فإن الظاهر أن المراد بالعمل هنا عمل الجارحة بالمعصية المهموم به . وتعقبه عياض بأن عامة السلف وأهل العلم على ما قال ابن الباقلاني لاتفاقهم على المؤاخذة بأعمال القلوب , لكنهم قالوا : إن العزم على السيئة يكتب سيئة مجردة لا السيئة التي هم أن يعملها , كمن يأمر بتحصيل معصية ثم لا يفعلها بعد حصولها فإنه يأثم بالأمر المذكور لا بالمعصية ومما يدل على ذلك حديث " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار , قيل هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه " وسيأتي سياقه وشرحه في كتاب الفتن , والذي يظهر أنه من هذا الجنس وهو أنه يعاقب على عزمه بمقدار ما يستحقه ولا يعاقب عقاب من باشر القتل حسا . وهنا قسم آخر وهو من فعل المعصية ولم يتب منها ثم هم أن يعود إليها فإنه يعاقب على الإصرار كما جزم به ابن المبارك وغيره في تفسير قوله تعالى { ولم يصروا على ما فعلوا } ويؤيده أن الإصرار معصية اتفاقا , فمن عزم على المعصية وصمم عليها كتبت عليه سيئة , فإذا عملها كتبت عليه معصية ثانية . قال النووي : وهذا ظاهر حسن لا مزيد عليه , وقد تظاهرت نصوص الشريعة بالمؤاخذة على عزم القلب المستقر كقوله تعالى { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة } الآية , وقوله { اجتنبوا كثيرا من الظن } وغير ذلك وقال ابن الجوزي : إذا حدث نفسه بالمعصية لم يؤاخذ فإن عزم وصمم زاد على حديث النفس وهو من عمل القلب . قال : والدليل على التفريق بين الهم والعزم أن من كان في الصلاة فوقع في خاطره أن يقطعها لم تنقطع , فإن صمم على قطعها بطلت . وأجيب عن القول الأول بأن المؤاخذة على أعمال القلوب المستقلة بالمعصية لا تستلزم المؤاخذة على عمل القلب بقصد معصية الجارحة إذا لم يعمل المقصود , للفرق بين ما هو بالقصد وما هو بالوسيلة . وقسم بعضهم ما يقع في النفس أقساما يظهر منها الجواب عن الثاني , أضعفها أن يخطر له ثم يذهب في الحال , وهذا من الوسوسة وهو معفو عنه وهو دون التردد , وفوقه أن يتردد فيه فيهم به ثم ينفر عنه فيتركه ثم يهم به ثم يترك كذلك ولا يستمر على قصده , وهذا هو التردد فيعفى عنه أيضا , وفوقه أن يميل إليه ولا ينفر عنه لكن لا يصمم على فعله وهذا هو الهم فيعفى عنه أيضا , وفوقه أن يميل إليه ولا ينفر منه بل يصمم على فعله فهذا هو العزم وهو منتهى الهم , وهو على قسمين : القسم الأول أن يكون من أعمال القلوب صرفا كالشك في الوحدانية أو النبوة أو البعث فهذا كفر ويعاقب عليه جزما , ودونه المعصية التي لا تصل إلى الكفر كمن يحب ما يبغض الله ويبغض ما يحبه الله ويحب للمسلم الأذى بغير موجب لذلك فهذا يأثم , ويلتحق به الكبر والعجب والبغي والمكر والحسد , وفي بعض هذا خلاف . فعن الحسن البصري أن سوء الظن بالمسلم وحسده معفو عنه وحملوه على ما يقع في النفس مما لا يقدر على دفعه . لكن من يقع له ذلك مأمور بمجاهدته النفس على تركه والقسم الثاني أن يكون من أعمال الجوارح كالزنا والسرقة فهو الذي وقع فيه النزاع , فذهبت طائفة إلى عدم المؤاخذة بذلك أصلا , عن نص الشافعي , ويؤيده ما وقع في حديث خريم بن فاتك المنبه عليه قبل فإنه حيث ذكر الهم بالحسنة قال : علم الله أنه أشعرها قلبه وحرص عليها , وحيث ذكر الهم بالسيئة لم يقيد بشيء بل قال فيه : ومن هم بسيئة لم تكتب عليه , والمقام مقام الفضل فلا يليق التحجير فيه . وذهب كثير من العلماء إلى المؤاخذة بالعزم المصمم , وسأل ابن المبارك سفيان الثوري : أيؤاخذ العبد بما يهم به ؟ قال : إذا جزم بذلك . واستدل كثير منهم بقوله تعالى { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } وحملوا حديث أبي هريرة الصحيح المرفوع " إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم " على الخطرات كما تقدم . ثم افترق هؤلاء فقالت طائفة : يعاقب عليه صاحبه في الدنيا خاصة بنحو الهم والغم , وقالت طائفة : بل يعاقب عليه يوم القيامة لكن بالعتاب لا بالعذاب , وهذا قول ابن جريج والربيع بن أنس وطائفة ونسب ذلك إلى ابن عباس أيضا , واستدلوا بحديث النجوى الماضي شرحه في " باب ستر المؤمن على نفسه " من كتاب الأدب , واستثنى جماعة ممن ذهب إلى عدم مؤاخذة من وقع منه الهم بالمعصية ما يقع في الحرم المكي ولو لم يصمم لقوله تعالى { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } ذكره السدي في تفسيره عن مرة عن ابن مسعود , وأخرجه أحمد من طريقه مرفوعا , ومنهم من رجحه موقوفا , ويؤيد ذلك أن الحرم يجب اعتقاد تعظيمه فمن هم بالمعصية فيه خالف الواجب بانتهاك حرمته , وتعقب هذا البحث بأن تعظيم الله آكد من تعظيم الحرم ومع ذلك فمن هم بمعصيته لا يؤاخذه فكيف يؤاخذ بما دونه ؟ ويمكن أن يجاب عن هذا بأن انتهاك حرمة الحرم بالمعصية تستلزم انتهاك حرمة الله لأن تعظيم الحرم من تعظيم الله فصارت المعصية في الحرم أشد من المعصية في غيره وإن اشترك الجميع في ترك تعظيم الله تعالى , نعم من هم بالمعصية قاصدا الاستخفاف بالحرم عصى , ومن هم بمعصية الله قاصدا الاستخفاف بالله كفر , وإنما المعفو عنه من هم بمعصية ذاهلا عن قصد الاستخفاف , وهذا تفصيل جيد ينبغي أن يستحضر عند شرح حديث " لا يزني الزاني وهو مؤمن " . وقال السبكي الكبير : الهاجس لا يؤاخذ به إجماعا , والخاطر وهو جريان ذلك الهاجس وحديث النفس لا يؤاخذ بهما للحديث المشار إليه , والهم وهو قصد فعل المعصية مع التردد لا يؤاخذ به الحديث الباب , والعزم - وهو قوة ذلك القصد أو الجزم به ورفع التردد - قال المحققون يؤاخذ به , وقال بعضهم لا واحتج بقول أهل اللغة : هم بالشيء عزم عليه , وهذا لا يكفي , قال : ومن أدلة الأول حديث " إذا التقى المسلمان بسيفيهما " الحديث , وفيه أنه كان حريصا على قتل صاحبه فعلل بالحرص , واحتج بعضهم بأعمال القلوب ولا حجة معه لأنها على قسمين : أحدهما لا يتعلق بفعل خارجي وليس البحث فيه , والثاني يتعلق بالملتقيين عزم كل منهما على قتل صاحبه واقترن بعزمه فعل بعض ما عزم عليه وهو شهر السلاح وإشارته به إلى الآخر فهذا الفعل يؤاخذ به سواء حصل القتل أم لا . انتهى . ولا يلزم من قوله " فالقاتل والمقتول في النار " أن يكونا في درجة واحدة من العذاب بالاتفاق . ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-02-2009, 01:49 AM
‏قوله ( فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة ) ‏
‏في رواية الأعرج " فاكتبوها له بمثلها " وزاد مسلم في حديث أبي ذر " فجزاؤه بمثلها أو أغفر " وله في آخر حديث ابن عباس أو " يمحوها " والمعنى أن الله يمحوها بالفضل أو بالتوبة أو بالاستغفار أو بعمل الحسنة التي تكفر السيئة , والأول أشبه لظاهر حديث أبي ذر , وفيه رد لقول من ادعى أن الكبائر لا تغفر إلا بالتوبة , ويستفاد من التأكيد بقوله " واحدة " أن السيئة لا تضاعف كما تضاعف الحسنة , وهو على وفق قوله تعالى { فلا يجزى إلا مثلها } قال ابن عبد السلام في أماليه : فائدة التأكيد دفع توهم من يظن أنه إذا عمل السيئة كتبت عليه سيئة العمل وأضيفت إليها سيئة الهم , وليس كذلك إنما يكتب عليه سيئة واحدة . وقد استثنى بعض العلماء وقوع المعصية في الحرم المكي . قال إسحاق بن منصور : قلت لأحمد هل ورد في شيء من الحديث أن السيئة تكتب بأكثر من واحدة ؟ قال : لا , ما سمعت إلا بمكة لتعظيم البلد . والجمهور على التعميم في الأزمنة والأمكنة لكن قد يتفاوت بالعظم , ولا يرد على ذلك قوله تعالى { من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين } لأن ذلك ورد تعظيما لحق النبي صلى الله عليه وسلم لأن وقوع ذلك من نسائه يقتضي أمرا زائدا على الفاحشة وهو أذى النبي صلى الله عليه وسلم , وزاد مسلم بعد قوله " أو يمحوها " : " ولا يهلك على الله إلا هالك " أي من أصر على التجري على السيئة عزما وقولا وفعلا وأعرض عن الحسنات هما وقولا وفعلا , قال ابن بطال : في هذا الحديث بيان فضل الله العظيم على هذه الأمة لأنه لولا ذلك كاد لا يدخل أحد الجنة , لأن عمل العباد للسيئات أكثر من عملهم الحسنات ; ويؤيد ما دل عليه حديث الباب من الإثابة على الهم بالحسنة وعدم المؤاخذة على الهم بالسيئة قوله تعالى { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } إذ ذكر في السوء الافتعال الذي يدل على المعالجة والتكلف فيه بخلاف الحسنة , وفيه ما يترتب للعبد على هجران لذته وترك شهوته من أجل ربه رغبة في ثوابه ورهبة من عقابه , واستدل به على أن الحفظة لا تكتب المباح للتقييد بالحسنات والسيئات , وأجاب بعض الشراح بأن بعض الأئمة عد المباح من الحسن , وتعقب بأن الكلام فيما يترتب على فعله حسنة وليس المباح ولو سمي حسنا كذلك , نعم قد يكتب حسنة بالنية وليس البحث فيه , وقد تقدم في " باب حفظ اللسان " قريبا شيء من ذلك , وفيه أن الله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه جعل العدل في السيئة والفضل في الحسنة فضاعف الحسنة ولم يضاعف السيئة بل أضاف فيها إلى العدل الفضل فأدارها بين العقوبة والعفو بقوله : " كتبت له واحدة أو يمحوها " وبقوله : " فجزاؤه بمثلها أو أغفر " وفي هذا الحديث رد على الكعبي في زعمه أن ليس في الشرع مباح بل الفاعل إما عاص وإما مثاب , فمن اشتغل عن المعصية بشيء فهو مثاب , وتعقبوه بما تقدم أن الذي يثاب على ترك المعصية هو الذي يقصد بتركها رضا الله كما تقدمت الإشارة إليه , وحكى ابن التين أنه يلزمه أن الزاني مثلا مثاب لاشتغاله بالزنا عن معصية أخرى ولا يخفى ما فيه .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:50 AM
‏حدثني ‏ ‏محمد بن عثمان بن كرامة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏خالد بن مخلد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان بن بلال ‏ ‏حدثني ‏ ‏شريك بن عبد الله بن أبي نمر ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله قال ‏ ‏من عادى لي وليا فقد ‏ ‏آذنته ‏ ‏بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( محمد بن عثمان بن كرامة ) ‏
‏بفتح الكاف والراء الخفيفة هو من صغار شيوخ البخاري , وقد شاركه في كثير من شيوخه منهم خالد بن مخلد شيخه في هذا الحديث , فقد أخرج عنه البخاري كثيرا بغير واسطة منها في " باب الاستعاذة من الجبن " في كتاب الدعوات وهو أقربها إلى هذا . ‏

‏قوله ( عن عطاء ) ‏
‏هو ابن يسار , ووقع كذلك في بعض النسخ , وقيل هو ابن أبي رباح والأول أصح نبه على ذلك الخطيب , وساق الذهبي في ترجمة خالد من الميزان بعد أن ذكر قول أحمد فيه له مناكير , وقول أبي حاتم لا يحتج به , وأخرج ابن عدي عشرة أحاديث من حديثه استنكرها : هذا الحديث من طريق محمد بن مخلد عن محمد بن عثمان بن كرامة شيخ البخاري فيه وقال : هذا حديث غريب جدا لولا هيبة الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن مخلد , فإن هذا المتن لم يرو إلا بهذا الإسناد ولا خرجه من عدا البخاري ولا أظنه في مسند أحمد . قلت : ليس هو في مسند أحمد جزما , وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد مردود , ومع ذلك فشريك شيخ شيخ خالد فيه مقال أيضا , وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص وقدم وأخر وتفرد فيه بأشياء لم يتابع عليها كما يأتي القول فيه مستوعبا في مكانه , ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلا , منها عن عائشة أخرجه أحمد في " الزهد " وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في " الحلية " والبيهقي في " الزهد " من طريق عبد الواحد بن ميمون عن عروة عنها , وذكر ابن حبان وابن عدي أنه تفرد به , وقد قال البخاري إنه منكر الحديث , لكن أخرجه الطبراني من طريق يعقوب بن مجاهد عن عروة وقال : لم يروه عن عروة إلا يعقوب وعبد الواحد . ومنها عن أبي أمامة أخرجه الطبراني والبيهقي في " الزهد " بسند ضعيف . ومنها عن علي عند الإسماعيلي في مسند علي , وعن ابن عباس أخرجه الطبراني وسندهما ضعيف , وعن أنس أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني وفي سنده ضعف أيضا , وعن حذيفة أخرجه الطبراني مختصرا وسنده حسن غريب , وعن معاذ بن جبل أخرجه ابن ماجه وأبو نعيم في " الحلية " مختصرا وسنده ضعيف أيضا , وعن وهب بن منبه مقطوعا أخرجه أحمد في " الزهد " وأبو نعيم في " الحلية " وفيه تعقب على ابن حبان حيث قال بعد إخراج حديث أبي هريرة : لا يعرف لهذا الحديث إلا طريقان يعني غير حديث الباب وهما هشام الكناني عن أنس وعبد الواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة وكلاهما لا يصح , وسأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة . ‏

‏قوله ( إن الله تعالى ) ‏
‏قال الكرماني : هذا من الأحاديث القدسية , وقد تقدم القول فيها قبل ستة أبواب . قلت : وقد وقع في بعض طرقه أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث به عن جبريل عن الله عز وجل وذلك في حديث أنس . ‏

‏قوله ( من عادى لي وليا ) ‏
‏المراد بولي الله العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته . وقد استشكل وجود أحد يعاديه لأن المعاداة إنما تقع من الجانبين ومن شأن الولي الحلم والصفح عمن يجهل عليه , وأجيب بأن المعاداة لم تنحصر في الخصومة والمعاملة الدنيوية مثلا بل قد تقع عن بغض ينشأ عن التعصب كالرافضي في بغضه لأبي بكر , والمبتدع في بغضه للسني , فتقع المعاداة من الجانبين , أما من جانب الولي فلله تعالى وفي الله , وأما من جانب الآخر فلما تقدم . وكذا الفاسق المتجاهر ببغضه الولي في الله وببغضه الآخر لإنكاره عليه وملازمته لنهيه عن شهواته . وقد تطلق المعاداة ويراد بها الوقوع من أحد الجانبين بالفعل ومن الآخر بالقوة , قال الكرماني : قوله " لي " هو في الأصل صفة لقوله " وليا " لكنه لما تقدم صار حالا . وقال ابن هبيرة في " الإفصاح " قوله " عادى لي وليا " أي اتخذه عدوا , ولا أرى المعنى إلا أنه عاداه من أجل ولايته وهو إن تضمن التحذير من إيذاء قلوب أولياء الله ليس على الإطلاق بل يستثنى منه ما إذا كانت الحال تقتضي نزاعا بين وليين في مخاصمة أو محاكمة ترجع إلى استخراج حق أو كشف غامض , فإنه جرى بين أبي بكر وعمر مشاجرة , وبين العباس وعلي , إلى غير ذلك من الوقائع انتهى ملخصا موضحا . وتعقبه الفاكهاني بأن معاداة الولي لكونه وليا لا يفهم إلا إن كان على طريق الحسد الذي هو تمني زوال ولايته وهو بعيد جدا في حق الولي فتأمله قلت : والذي قدمته أولى أن يعتمد , قال ابن هبيرة : ويستفاد من هذا الحديث تقديم الإعذار على الإنذار وهو واضح . ‏

‏قوله ( فقد آذنته ) ‏
‏بالمد وفتح المعجمة بعدها نون أي أعلمته , والإيذان الإعلام , ومنه أخذ الأذان . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-02-2009, 01:51 AM
‏قوله ( بالحرب ) ‏
‏في رواية الكشميهني " بحرب " ووقع في حديث عائشة " من عادى لي وليا " وفي رواية لأحمد " من آذى لي وليا " وفي أخرى له " من آذى " وفي حديث ميمونة مثله " فقد استحل محاربتي " وفي رواية وهب بن منبه موقوفا " قال الله من أهان وليي المؤمن فقد استقبلني بالمحاربة " وفي حديث معاذ " فقد بارز الله بالمحاربة " وفي حديث أبي أمامة وأنس " فقد بارزني " وقد استشكل وقوع المحاربة وهي مفاعلة من الجانبين مع أن المخلوق في أسر الخالق , والجواب أنه من المخاطبة بما يفهم , فإن الحرب تنشأ عن العداوة والعداوة تنشأ عن المخالفة وغاية الحرب الهلاك والله لا يغلبه غالب , فكأن المعنى فقد تعرض لإهلاكي إياه . فأطلق الحرب وأراد لازمه أي أعمل به ما يعمله العدو المحارب . قال الفاكهاني : في هذا تهديد شديد , لأن من حاربه الله أهلكه , وهو من المجاز البليغ , لأن من كره من أحب الله خالف الله ومن خالف الله عانده ومن عانده أهلكه , وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة ثبت في جانب الموالاة , فمن والى أولياء الله أكرمه الله . وقال الطوفي : لما كان ولي الله من تولى الله بالطاعة والتقوى تولاه الله بالحفظ والنصرة , وقد أجرى الله العادة بأن عدو العدو صديق وصديق العدو عدو , فعدو ولي الله عدو الله فمن عاداه كان كمن حاربه ومن حاربه فكأنما حارب الله . ‏

‏قوله ( وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ) ‏
‏يجوز في " أحب " الرفع والنصب , ويدخل تحت هذا اللفظ جميع فرائض العين والكفاية , وظاهره الاختصاص بما ابتدأ الله فرضيته , وفي دخول ما أوجبه المكلف على نفسه نظر للتقييد بقوله افترضت عليه , إلا إن أخذ من جهة المعنى الأعم , ويستفاد منه أن أداء الفرائض أحب الأعمال إلى الله . قال الطوفي : الأمر بالفرائض جازم ويقع بتركها المعاقبة بخلاف النفل في الأمرين وإن اشترك مع الفرائض في تحصيل الثواب فكانت الفرائض أكمل , فلهذا كانت أحب إلى الله تعالى وأشد تقريبا , وأيضا فالفرض كالأصل والأس والنفل كالفرع والبناء , وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به امتثال الأمر واحترام الآمر وتعظيمه بالانقياد إليه وإظهار عظمة الربوبية وذل العبودية فكان التقرب بذلك أعظم العمل , والذي يؤدي الفرائض قد يفعله خوفا من العقوبة ومؤدي النفل لا يفعله إلا إيثارا للخدمة فيجازى بالمحبة التي هي غاية مطلوب من يتقرب بخدمته . ‏

‏قوله ( وما زال ) ‏
‏في رواية الكشميهني " وما يزال " بصيغة المضارعة . ‏

‏قوله ( يتقرب إلي ) ‏
‏التقرب طلب القرب , قال أبو القاسم القشيري : قرب العبد من ربه يقع أولا بإيمانه , ثم بإحسانه . وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه , وفي الآخرة من رضوانه , وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه . ولا يتم قرب العبد من الحق إلا ببعده من الخلق . قال : وقرب الرب بالعلم والقدرة عام للناس , وباللطف والنصرة خاص بالخواص , وبالتأنيس خاص بالأولياء . ووقع في حديث أبي أمامة " يتحبب إلى " بدل " يتقرب " وكذا في حديث ميمونة . ‏

‏قوله ( بالنوافل حتى أحببته ) ‏
‏في رواية الكشميهني " أحبه " ظاهره أن محبة الله تعالى للعبد تقع بملازمة العبد التقرب بالنوافل , وقد استشكل بما تقدم أولا أن الفرائض أحب العبادات المتقرب بها إلى الله فكيف لا تنتج المحبة ؟ والجواب أن المراد من النوافل ما كانت حاوية للفرائض مشتملة عليها ومكملة لها , ويؤيده أن في رواية أبي أمامة " ابن آدم . إنك لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك " وقال الفاكهاني : معنى الحديث أنه إذا أدى الفرائض ودام على إتيان النوافل من صلاة وصيام وغيرهما أفضى به ذلك إلى محبة الله تعالى . وقال ابن هبيرة : يؤخذ من قوله " ما تقرب إلخ " أن النافلة لا تقدم على الفريضة , لأن النافلة إنما سميت نافلة لأنها تأتي زائدة على الفريضة , فما لم تؤد الفريضة لا تحصل النافلة , ومن أدى الفرض ثم زاد عليه النفل وأدام ذلك تحققت منه إرادة التقرب انتهى . وأيضا فقد جرت العادة أن التقرب يكون غالبا بغير ما وجب على المتقرب كالهدية والتحفة بخلاف من يؤدي ما عليه من خراج أو يقضي ما عليه من دين . وأيضا فإن من جملة ما شرعت له النوافل جبر الفرائض كما صح في الحديث الذي أخرجه مسلم " انظروا هل لعبدي من تطوع فتكمل به فريضته " الحديث بمعناه فتبين أن المراد من التقرب بالنوافل أن تقع ممن أدى الفرائض لا من أخل بها كما قال بعض الأكابر : من شغله الفرض عن النفل فهو معذور ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور . ‏

‏قوله ( فكنت سمعه الذي يسمع ) ‏
‏زاد الكشميهني " به " . ‏

‏قوله ( وبصره الذي يبصر به ) ‏
‏في حديث عائشة في رواية عبد الواحد " عينه التي يبصر بها " وفي رواية يعقوب بن مجاهد " عينيه التي يبصر بهما " بالتثنية وكذا قال في الأذن واليد والرجل , وزاد عبد الواحد في روايته " وفؤاده الذي يعقل به , ولسانه الذي يتكلم به " ونحوه في حديث أبي أمامة وفي حديث ميمونة " وقلبه الذي يعقل به " وفي حديث أنس " ومن أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا " وقد استشكل كيف يكون الباري جل وعلا سمع العبد وبصره إلخ ؟ والجواب من أوجه : أحدها أنه ورد على سبيل التمثيل , والمعنى كنت سمعه وبصره في إيثاره أمري فهو يحب طاعتي ويؤثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح : ثانيها أن المعنى كليته مشغولة بي فلا يصغي بسمعه إلا إلى ما يرضيني , ولا يرى ببصره إلا ما أمرته به . ثالثها المعنى أحصل له مقاصده كأنه ينالها بسمعه وبصره إلخ . رابعها كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله في المعاونة على عدوه خامسها قال الفاكهاني وسبقه إلى معناه ابن هبيرة : هو فيما يظهر لي أنه على حذف مضاف , والتقدير كنت حافظ سمعه الذي يسمع به فلا يسمع إلا ما يحل استماعه , وحافظ بصره كذلك إلخ . سادسها قال الفاكهاني : يحتمل معنى آخر أدق من الذي قبله , وهو أن يكون معنى سمعه مسموعه , لأن المصدر قد جاء بمعنى المفعول مثل فلان أملى بمعنى مأمولي , والمعنى أنه لا يسمع إلا ذكري ولا يلتذ إلا بتلاوة كتابي ولا يأنس إلا بمناجاتي ولا ينظر إلا في عجائب ملكوتي ولا يمد يده إلا فيما فيه رضاي ورجله كذلك , وبمعناه قال ابن هبيرة أيضا . وقال الطوفي : اتفق العلماء ممن يعتد بقوله أن هذا مجاز وكناية عن نصرة العبد وتأييده وإعانته , حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي يستعين بها ولهذا وقع في رواية " فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي " قال : والاتحادية زعموا أنه على حقيقته وأن الحق عين العبد , واحتجوا بمجيء جبريل في صورة دحية , قالوا فهو روحاني خلع صورته وظهر بمظهر البشر , قالوا فالله أقدر على أن يظهر في صورة الوجود الكلي أو بعضه , تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا . وقال الخطابي : هذه أمثال والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء , وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه , ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره , ومن البطش فيما لا يحل له بيده , ومن السعي إلى الباطل برجله . وإلى هذا نحا الداودي , ومثله الكلاباذي , وعبر بقوله أحفظه فلا يتصرف إلا في محابي , لأنه إذا أحبه كره له أن يتصرف فيما يكرهه منه . سابعها قال الخطابي أيضا : وقد يكون عبر بذلك عن سرعة إجابة الدعاء والنجح في الطلب , وذلك أن مساعي الإنسان كلها إنما تكون بهذه الجوارح المذكورة . وقال بعضهم : وهو منتزع مما تقدم لا يتحرك له جارحة إلا في الله ولله , فهي كلها تعمل بالحق للحق . وأسند البيهقي في " الزهد " عن أبي عثمان الجيزي أحد أئمة الطريق قال : معناه كنت أسرع إلى قضاء حوائجه من سمعه في الأسماع وعينه في النظر ويده في اللمس ورجله في المشي . وحمله بعض متأخري الصوفية على ما يذكرونه من مقام الفناء والمحو , وأنه الغاية التي لا شيء وراءها , وهو أن يكون قائما بإقامة الله له محبا بمحبته له ناظرا بنظره له من غير أن تبقى معه بقية تناط باسم أو تقف على رسم أو تتعلق بأمر أو توصف بوصف , ومعنى هذا الكلام أنه يشهد إقامة الله له حتى , قام ومحبته له حتى أحبه ونظره إلى عبده حتى أقبل ناظرا إليه بقلبه . وحمله بعض أهل الزيغ على ما يدعونه من أن العبد إذا لازم العبادة الظاهرة والباطنة حتى يصفى من الكدورات أنه يصير في معنى الحق , تعالى الله عن ذلك , وأنه يفنى عن نفسه جملة حتى يشهد أن الله هو الذاكر لنفسه الموحد لنفسه المحب لنفسه وأن هذه الأسباب والرسوم تصير عدما صرفا في شهوده وإن لم تعدم في الخارج , وعلى الأوجه كلها فلا متمسك فيه للاتحادية ولا القائلين بالوحدة المطلقة لقوله في بقية الحديث " ولئن سألني , ولئن استعاذني " فإنه كالصريح في الرد عليهم . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-02-2009, 01:53 AM
‏قوله ( وإن سألني ) ‏
‏زاد في رواية عبد الواحد " عبدي " . ‏

‏قوله ( أعطيته ) ‏
‏أي ما سأل . ‏

‏قوله ( ولئن استعاذني ) ‏
‏ضبطناه بوجهين الأشهر بالنون بعد الذال المعجمة والثاني بالموحدة والمعنى أعذته مما يخاف , وفي حديث أبي أمامة " وإذا استنصر بي نصرته " وفي حديث أنس " نصحني فنصحت له " ويستفاد منه أن المراد بالنوافل جميع ما يندب من الأقوال والأفعال . وقد وقع في حديث أبي أمامة المذكور " وأحب عبادة عبدي إلى النصيحة " وقد استشكل بأن جماعة من العباد والصلحاء دعوا وبالغوا ولم يجابوا , والجواب أن الإجابة تتنوع : فتارة يقع المطلوب بعينه على الفور , وتارة يقع ولكن يتأخر لحكمة فيه , وتارة قد تقع الإجابة ولكن بغير عين المطلوب حيث لا يكون في المطلوب مصلحة ناجزة وفي الواقع مصلحة ناجزة أو أصلح منها . وفي الحديث عظم قدر الصلاة فإنه ينشأ عنها محبة الله للعبد الذي يتقرب بها , وذلك لأنها محل المناجاة والقربة , ولا واسطة فيها بين العبد وربه , ولا شيء أقر لعين العبد منها ولهذا جاء في حديث أنس المرفوع " وجعلت قرة عيني في الصلاة " أخرجه النسائي وغيره بسند صحيح , ومن كانت قرة عينه في شيء فإنه يود أن لا يفارقه ولا يخرج منه لأن فيه نعيمه وبه تطيب حياته , وإنما يحصل ذلك للعابد بالمصابرة على النصب , فإن السالك غرض الآفات والفتور . وفي حديث حذيفة من الزيادة " ويكون من أوليائي وأصفيائي , ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة " وقد تمسك بهذا الحديث بعض الجهلة من أهل التجلي والرياضة فقالوا : القلب إذا كان محفوظا مع الله كانت خواطره معصومة من الخطأ . وتعقب ذلك أهل التحقيق من أهل الطريق فقالوا : لا يلتفت إلى شيء من ذلك إلا إذا وافق الكتاب والسنة , والعصمة إنما هي للأنبياء ومن عداهم فقد يخطئ , فقد كان عمر رضي الله عنه رأس الملهمين ومع ذلك فكان ربما رأى الرأي فيخبره بعض الصحابة بخلافه فيرجع إليه ويترك رأيه . فمن ظن أنه يكتفي بما يقع في خاطره عما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام فقد ارتكب أعظم الخطإ , وأما من بالغ منهم فقال : حدثني قلبي عن ربي فإنه أشد خطأ فإنه لا يأمن أن يكون قلبه إنما حدثه عن الشيطان , والله المستعان . قال الطوفي : هذا الحديث أصل في السلوك إلى الله والوصول إلى معرفته ومحبته وطريقه , إذ المفترضات الباطنة وهي الإيمان والظاهرة وهي الإسلام والمركب منهما وهو الإحسان فيهما كما تضمنه حديث جبريل , والإحسان يتضمن مقامات السالكين من الزهد والإخلاص والمراقبة وغيرها , وفي الحديث أيضا أن من أتى بما وجب عليه وتقرب بالنوافل لم يرد دعاؤه لوجود هذا الوعد الصادق المؤكد بالقسم , وقد تقدم الجواب عما يتخلف من ذلك , وفيه أن العبد ولو بلغ أعلى الدرجات حتى يكون محبوبا لله لا ينقطع عن الطلب من الله لما فيه من الخضوع له وإظهار العبودية , وقد تقدم تقرير هذا واضحا في أوائل كتاب الدعوات . ‏

‏قوله ( وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ) ‏
‏وفي حديث عائشة " ترددي عن موته " ووقع في " الحلية " في ترجمة وهب بن منبه " إني لأجد في كتب الأنبياء أن الله تعالى يقول : ما ترددت عن شيء قط ترددي عن قبض روح المؤمن إلخ " قال الخطابي : التردد في حق الله غير جائز , والبداء عليه في الأمور غير سائغ . ولكن له تأويلان : أحدهما أن العبد قد يشرف على الهلاك في أيام عمره من داء يصيبه وفاقة تنزل به فيدعو الله فيشفيه منها ويدفع عنه مكروهها , فيكون ذلك من فعله كتردد من يريد أمرا ثم يبدو له فيه فيتركه ويعرض عنه ولا بد له من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله , لأن الله قد كتب الفناء على خلقه واستأثر بالبقاء لنفسه . والثاني أن يكون معناه ما رددت رسلي في شيء أنا فاعله كترديدي إياهم في نفس المؤمن , كما روى في قصة موسى وما كان من لطمة عين ملك الموت وتردده إليه مرة بعد أخرى , قال : وحقيقة المعنى على الوجهين عطف الله على العبد ولطفه به وشفقته عليه . وقال الكلاباذي ما حاصله : أنه عبر عن صفة الفعل بصفة الذات , أي عن الترديد بالتردد , وجعل متعلق الترديد اختلاف أحوال العبد من ضعف ونصب إلى أن تنتقل محبته في الحياة إلى محبته للموت فيقبض على ذلك . قال : وقد يحدث الله في قلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق إليه والمحبة للقائه ما يشتاق معه إلى الموت فضلا عن إزالة الكراهة عنه , فأخبر أنه يكره الموت ويسوءه , ويكره الله مساءته فيزيل عنه كراهية الموت لما يورده عليه من الأحوال فيأتيه الموت وهو له مؤثر وإليه مشتاق . قال : وقد ورد تفعل بمعنى فعل مثل تفكر وفكر وتدبر ودبر وتهدد وهدد والله أعلم . وعن بعضهم : يحتمل أن يكون تركيب الولي يحتمل أن يعيش خمسين سنة وعمره الذي كتب له سبعون فإذا بلغها فمرض دعا الله بالعافية فيحييه عشرين أخرى مثلا , فعبر عن قدر التركيب وعما انتهى إليه بحسب الأجل المكتوب بالتردد , وعبر ابن الجوزي عن الثاني بأن التردد للملائكة الذين يقبضون الروح وأضاف الحق ذلك لنفسه لأن ترددهم عن أمره , قال : وهذا التردد ينشأ عن إظهار الكراهة . فإن قيل إذا أمر الملك بالقبض كيف يقع منه التردد ؟ فالجواب أنه يتردد فيما يحد له فيه الوقت . كأن يقال لا تقبض روحه إلا إذا رضي . ثم ذكر جوابا ثالثا وهو احتمال أن يكون معنى التردد اللطف به كأن الملك يؤخر القبض , فإنه إذا نظر إلى قدر المؤمن وعظم المنفعة به لأهل الدنيا احترمه فلم يبسط يده إليه , فإذا ذكر أمر ربه لم يجد بدا من امتثاله . وجوابا رابعا وهو أن يكون هذا خطابا لنا بما نعقل والرب منزه عن حقيقته , بل هو من جنس قوله " ومن أتاني يمشي أتيته هرولة " فكما أن أحدنا يريد أن يضرب ولده تأديبا فتمنعه المحبة وتبعثه الشفقة فيتردد بينهما ولو كان غير الوالد كالمعلم لم يتردد بل كان يبادر إلى ضربه لتأديبه فأريد تفهيمنا تحقيق المحبة للولي بذكر التردد . وجوز الكرماني احتمالا آخر وهو أن المراد أنه يقبض روح المؤمن بالتأني والتدريج , بخلاف سائر الأمور فإنها تحصل بمجرد قول كن سريعا دفعة . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-02-2009, 01:54 AM
‏قوله ( يكره الموت وأنا أكره مساءته ) ‏
‏في حديث عائشة " إنه يكره الموت وأنا أكره مساءته " زاد ابن مخلد عن ابن كرامة في آخره " ولا بد له منه " ووقعت هذه الزيادة أيضا في حديث وهب , وأسند البيهقي في " الزهد " عن الجنيد سيد الطائفة قال : الكراهة هنا لما يلقى المؤمن من الموت وصعوبته وكربه , وليس المعنى أني أكره له الموت لأن الموت يورده إلى رحمة الله ومغفرته انتهى . وعبر بعضهم عن هذا بأن الموت حتم مقضي , وهو مفارقة الروح للجسد , ولا تحصل غالبا إلا بألم عظيم جدا كما جاء عن عمرو بن العاص أنه سئل وهو يموت فقال : " كأني أتنفس من خرم إبرة , وكأن غصن شوك يجر به من قامتي إلى هامتي " وعن كعب أن عمر سأله عن الموت فوصفه بنحو هذا , فلما كان الموت بهذا الوصف , والله يكره أذى المؤمن , أطلق على ذلك الكراهة . ويحتمل أن تكون المساءة بالنسبة إلى طول الحياة لأنها تؤدي إلى أرذل العمر , وتنكس الخلق والرد إلى أسفل سافلين . وجوز الكرماني أن يكون المراد أكره مكرهه الموت فلا أسرع بقبض روحه فأكون كالمتردد . قال الشيخ أبو الفضل بن عطاء : في هذا الحديث عظم قدر الولي , لكونه خرج عن تدبيره إلى تدبير ربه , وعن انتصاره لنفسه إلى انتصار الله له , وعن حوله وقوته بصدق توكله . قال : ويؤخذ منه أن لا يحكم لإنسان آذى وليا ثم لم يعاجل بمصيبة في نفسه أو ماله أو ولده بأنه سلم من انتقام الله , فقد تكون مصيبته في غير ذلك مما هو أشد عليه كالمصيبة في الدين مثلا . قال : ويدخل في قوله " افترضت عليه " الفرائض الظاهرة فعلا كالصلاة والزكاة وغيرهما من العبادات , وتركا كالزنا والقتل وغيرهما من المحرمات , والباطنة كالعلم بالله والحب له والتوكل عليه والخوف منه وغير ذلك . وهي تنقسم أيضا إلى أفعال وتروك . قال : وفيه دلالة على جواز اطلاع الولي على المغيبات بإطلاع الله تعالى له , ولا يمنع من ذلك ظاهر قوله تعالى { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول } فإنه لا يمنع دخول بعض أتباعه معه بالتبعية لصدق قولنا ما دخل على الملك اليوم إلا الوزير , ومن المعلوم أنه دخل معه بعض خدمه . قلت الوصف المستثنى للرسول هنا إن كان فيما يتعلق بخصوص كونه رسولا فلا مشاركة لأحد من أتباعه فيه إلا منه , وإلا فيحتمل ما قال , والعلم عند الله تعالى . ‏
‏( تنبيه ) : ‏
‏أشكل وجه دخول هذا الحديث في باب التواضع حتى قال الداودي : ليس هذا الحديث من التواضع في شيء , وقال بعضهم : المناسب إدخاله في الباب الذي قبله وهو مجاهدة المرء نفسه في طاعة الله تعالى , وبذلك ترجم البيهقي في " الزهد " فقال : فصل في الاجتهاد في الطاعة وملازمة العبودية . والجواب عن البخاري من أوجه : أحدها أن التقرب إلى الله بالنوافل لا يكون إلا بغاية التواضع لله والتوكل عليه , ذكره الكرماني , ثانيها ذكره أيضا فقال : قيل الترجمة مستفادة مما قال " كنت سمعه " ومن التردد . قلت : ويخرج منه جواب ثالث , ويظهر لي رابع , وهو أنها تستفاد من لازم قوله " من عادى لي وليا " لأنه يقتضي الزجر عن معاداة الأولياء المستلزم لموالاتهم , وموالاة جميع الأولياء لا تتأتى إلا بغاية التواضع , إذ منهم الأشعث الأغبر الذي لا يؤبه له وقد ورد في الحث على التواضع عدة أحاديث صحيحة لكن ليس شيء منها على شرطه فاستغنى عنها بحديثي الباب , منها حديث عياض بن حمار رفعه " إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد " أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما , ومنها حديث أبي هريرة رفعه " وما تواضع أحد لله تعالى إلا رفعه " أخرجه مسلم أيضا والترمذي , ومنها حديث أبي سعيد رفعه " من تواضع لله رفعه الله حتى يجعله في أعلى عليين " الحديث أخرجه ابن ماجه وصححه ابن حبان ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:55 AM
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن مقاتل ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عبد الله ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏حدثني ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول ‏ ‏أنا الملك أين ملوك الأرض

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( عبد الله ) ‏
‏هو ابن المبارك ‏
‏ويونس ‏
‏هو ابن يزيد . ‏

‏قوله ( عن أبي سلمة ) ‏
‏كذا قال يونس وخالفه عبد الرحمن بن خالد فقال " عن الزهري عن سعيد بن المسيب " كما تقدم في تفسير سورة الزمر وهذا الاختلاف لم يتعرض له الدارقطني في " العلل " . وقد أخرج ابن خزيمة في كتاب التوحيد الطريقين وقال : هما محفوظان عن الزهري وسأشبع القول فيه إن شاء الله تعالى في كتاب التوحيد مع شرح الحديث إن شاء الله تعالى وأقتصر هنا على ما يتعلق بتبديل الأرض لمناسبة الحال . ‏

‏قوله ( يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ) ‏
‏زاد في رواية ابن وهب عن يونس " يوم القيامة " قال عياض : هذا الحديث جاء في الصحيح على ثلاثة ألفاظ . القبض والطي والأخذ . وكلها بمعنى الجمع فإن السماوات مبسوطة والأرض مدحوة ممدودة ثم رجع ذلك إلى معنى الرفع والإزالة والتبديل فعاد ذلك إلى ضم بعضها إلى بعض وإبادتها فهو تمثيل لصفة قبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها وتفرقها دلالة على المقبوض والمبسوط لا على البسط والقبض قد يحتمل أن يكون إشارة إلى الاستيعاب انتهى . وسيأتي مزيد بيان لذلك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى . وقد اختلف في قوله تعالى ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) هل المراد ذات الأرض وصفتها أو تبديل صفتها فقط وسيأتي بيانه في شرح ثالث أحاديث هذا الباب إن شاء الله تعالى . ‏

ahmedaboali
02-02-2009, 01:55 AM
‏حدثني ‏ ‏محمد بن بشار ‏ ‏حدثنا ‏ ‏غندر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏المغيرة بن النعمان ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن جبير ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏قال ‏
‏قام فينا النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يخطب فقال ‏ ‏إنكم محشورون حفاة عراة غرلا ‏
‏كما بدأنا أول خلق نعيده ‏
‏الآية وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح ‏
‏وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ‏ ‏إلى قوله ‏ ‏الحكيم ‏
‏قال فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ) ‏
‏وقع لمسلم بدل قوله يخطب " بموعظة " أخرجه عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه ومحمد بن المثنى قال واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر بسنده المذكور هنا وكذا أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر . ‏

‏قوله ( فقال إنكم ) ‏
‏زاد ابن المثنى " يا أيها الناس إنكم " . ‏

‏قوله ( تحشرون ) ‏
‏في رواية الكشميهني " محشورون " وهي رواية ابن المثنى . ‏

‏قوله ( حفاة ) ‏
‏لم يقع فيه أيضا " مشاة " . ‏

‏قوله ( عراة ) ‏
‏قال البيهقي : وقع في حديث أبي سعيد يعني الذي أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها وقال " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها " ويجمع بينهما بأن بعضهم يحشر عاريا وبعضهم كاسيا أو يحشرون كلهم عراة ثم يكسى الأنبياء فأول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو يخرجون من القبور بالثياب التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة ثم يكون أول من يكسى إبراهيم وحمل بعضهم حديث أبي سعيد على الشهداء لأنهم الذين أمر أن يزملوا في ثيابهم ويدفنوا فيها فيحتمل أن يكون أبو سعيد سمعه في الشهيد فحمله على العموم وممن حمله على عمومه معاذ بن جبل فأخرج ابن أبي الدنيا بسند حسن عن عمرو بن الأسود قال " دفنا أم معاذ بن جبل فأمر بها فكفنت في ثياب جدد وقال : أحسنوا أكفان موتاكم فإنهم يحشرون فيها " قال وحمله بعض أهل العلم على العمل وإطلاق الثياب على العمل وقع في مثل قوله تعالى ( ولباس التقوى ذلك خير ) وقوله تعالى ( وثيابك فطهر ) على أحد الأقوال وهو قول قتادة قال : معناه وعملك فأخلصه ويؤكد ذلك حديث جابر رفعه " يبعث كل عبد على ما مات عليه " أخرجه مسلم وحديث فضالة بن عبيد " من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة " الحديث أخرجه أحمد ورجح القرطبي الحمل على ظاهر الخبر ويتأيد بقوله تعالى ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ) وقوله تعالى ( كما بدأكم تعودون ) وإلى ذلك الإشارة في حديث الباب بذكر قوله تعالى ( كما بدأنا أول خلق نعيده ) عقب قوله " حفاة عراة " قال : فيحمل ما دل عليه حديث أبي سعيد على الشهداء لأنهم يدفنون بثيابهم فيبعثون فيها تمييزا لهم عن غيرهم وقد نقله ابن عبد البر عن أكثر العلماء ومن حيث النظر إن الملابس في الدنيا أموال ولا مال في الآخرة مما كان في الدنيا ولأن الذي يقي النفس مما تكره في الآخرة ثواب بحسن عملها أو رحمة مبتدأة من الله وأما ملابس الدنيا فلا تغني عنها شيئا قاله الحليمي . وذهب الغزالي إلى ظاهر حديث أبي سعيد وأورده بزيادة لم أجد لها أصلا وهي : فإن أمتي تحشر في أكفانها وسائر الأمم عراة . قال القرطبي : إن ثبت حمل على الشهداء من أمته حتى لا تتناقض الأخبار . ‏

‏قوله ( غرلا ) ‏
‏بضم المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف وزنه ومعناه وهو من بقيت غرلته وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر قال أبو هلال العسكري : لا تلتقي اللام مع الراء في كلمة إلا في أربع : أرل اسم جبل وورل اسم حيوان معروف وحرل ضرب من الحجارة والغرلة . واستدرك عليه كلمتان هرل ولد الزوجة وبرل الديك الذي يستدير بعنقه والستة حوشية إلا الغرلة . قال ابن عبد البر : يحشر الآدمي عاريا ولكل من الأعضاء ما كان له يوم ولد فمن قطع منه شيء يرد حتى الأقلف . وقال أبو الوفاء بن عقيل : حشفة الأقلف موقاة بالقلفة فتكون أرق فلما أزالوا تلك القطعة في الدنيا أعادها الله تعالى ليذيقها من حلاوة فضله . ‏

‏قوله ( كما بدأنا أول خلق نعيده ] الآية ‏
‏ساق ابن المثنى الآية كلها إلى قوله ( فاعلين ) ومثله ( كما بدأكم تعودون ) ومنه ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ) ووقع في حديث أم سلمة عند ابن أبي الدنيا " يحشر الناس حفاة عراة كما بدئوا " . ‏

‏قوله ( وإن أول الخلائق يكسى يوم القمامة إبراهيم الخليل ) ‏
‏تقدم بعض الكلام عليه في أحاديث الأنبياء قال القرطبي في " شرح مسلم " : يجوز أن يراد بالخلائق من عدا نبينا صلى الله عليه وسلم فلم يدخل هو في عموم خطاب نفسه وتعقبه تلميذه القرطبي أيضا في " التذكرة " فقال : هذا حسن لولا ما جاء من حديث علي يعني الذي أخرجه ابن المبارك في الزهد من طريق عبد الله بن الحارث عن علي قال " أول من يكسى يوم القيامة خليل الله عليه السلام قبطيتين ثم يكسى محمد صلى الله عليه وسلم حلة حبرة عن يمين العرش " . قلت : كذا أورده مختصرا موقوفا وأخرجه أبو يعلى مطولا مرفوعا وأخرج البيهقي من طريق ابن عباس نحو حديث الباب وزاد " وأول من يكسى من الجنة إبراهيم يكسى حلة من الجنة ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ثم يؤتى بي فأكسى حلة من الجنة لا يقوم لها البشر ثم يؤتى بكرسي فيطرح على ساق العرش وهو عن يمين العرش " وفي مرسل عبيد بن عمير عند جعفر الفريابي " يحشر الناس حفاة عراة فيقول الله تعالى : ألا أرى خليلي عريانا ؟ فيكسى إبراهيم ثوبا أبيض فهو أول من يكسى " قيل الحكمة في كون إبراهيم أول من يكسى أنه جرد حين ألقي في النار وقيل لأنه أول من استن التستر بالسراويل وقيل إنه لم يكن في الأرض أخوف لله منه فعجلت له الكسوة أمانا له ليطمئن قلبه . وهذا اختيار الحليمي والأول اختيار القرطبي . قلت : وقد أخرج ابن منده من حديث حيدة بفتح المهملة وسكون التحتانية رفعه قال " أول من يكسى إبراهيم يقول الله : اكسوا خليلي ليعلم الناس اليوم فضله عليهم . قلت : وقد تقدم شيء من هذا في ترجمة إبراهيم من بدء الخلق وإنه لا يلزم من تخصيص إبراهيم عليه السلام بأنه أول من يكسى أن يكون أفضل من نبينا عليه الصلاة والسلام مطلقا وقد ظهر لي الآن أنه يحتمل أن يكون نبينا عليه الصلاة والسلام خرج من قبره في ثيابه التي مات فيها والحلة التي يكساها حينئذ من حلل الجنة خلعة الكرامة بقرينة إجلاسه على الكرسي عند ساق العرش فتكون أولية إبراهيم في الكسوة بالنسبة لبقية الخلق . وأجاب الحليمي بأنه يكسى أولا ثم يكسى نبينا صلى الله عليه وسلم على ظاهر الخبر لكن حلة نبينا صلى الله عليه وسلم أعلى وأكمل فتجبر نفاستها ما فات من الأولية والله أعلم . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-02-2009, 01:56 AM
‏قوله ( وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ) ‏
‏أي إلى جهة النار ووقع ذلك صريحا في حديث أبي هريرة في آخر " باب صفة النار " من طريق عطاء بن يسار عنه ولفظه " فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم فقلت : إلى أين ؟ قال : إلى النار " الحديث . وبين في حديث أنس الموضع ولفظه " ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني " الحديث وفي حديث سهل " ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم " وفي حديث أبي هريرة عند مسلم " ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم : ألا هلم " . ‏

‏قوله ( فأقول يا رب أصحابي ) ‏
‏في رواية أحمد " فلأقولن " وفي رواية أحاديث الأنبياء " أصيحابي " بالتصغير وكذا هو في حديث أنس وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره هؤلاء . ‏

‏قوله ( فيقول الله إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) ‏
‏في حديث أبي هريرة المذكور " إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى " وزاد في رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أيضا " فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك فيقال إنهم قد بدلوا بعدك فأقول سحقا سحقا " أي بعدا بعدا والتأكيد للمبالغة . وفي حديث أبي سعيد في " باب صفة النار " أيضا " فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي " وزاد في رواية عطاء بن يسار " فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم " ولأحمد والطبراني من حديث أبي بكرة رفعه " ليردن على الحوض رجال ممن صحبني ورآني " وسنده حسن . وللطبراني من حديث أبي الدرداء نحوه وزاد " فقلت يا رسول الله ادع الله أن لا يجعلني منهم قال : لست منهم " وسنده حسن . ‏

‏قوله ( فأقول كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيدا - إلى قوله - الحكيم ) ‏
‏كذا لأبي ذر وفي رواية غيره زيادة ما دمت فيهم والباقي سواء . ‏

‏قوله ( قال فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم ) ‏
‏وقع في رواية الكشميهني " لن يزالوا " ووقع في ترجمة مريم من أحاديث الأنبياء قال الفربري ذكر عن أبي عبد الله البخاري عن قبيصة قال : هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر يعني حتى قتلوا وماتوا على الكفر . وقد وصله الإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة . وقال الخطابي : لم يرتد من الصحابة أحد وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب ممن لا نصرة له في الدين وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المشهورين . ويدل قوله " أصيحابي " بالتصغير على قلة عددهم . وقال غيره : قيل هو على ظاهره من الكفر والمراد بأمتي أمة الدعوة لا أمة الإجابة . ورجح بقوله في حديث أبي هريرة " فأقول بعدا لهم وسحقا " ويؤيده كونهم خفي عليه حالهم ولو كانوا من أمة الإجابة لعرف حالهم بكون أعمالهم تعرض عليه . وهذا يرده قوله في حديث أنس " حتى إذا عرفتهم " وكذا في حديث أبي هريرة . وقال ابن التين يحتمل أن يكونوا منافقين أو من مرتكبي الكبائر . وقيل هم قوم من جفاة الأعراب دخلوا في الإسلام رغبة ورهبة . وقال الداودي : لا يمتنع دخول أصحاب الكبائر والبدع في ذلك . وقال النووي , قيل هم المنافقون والمرتدون فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل لكونهم من جملة الأمة فيناديهم من أجل السيما التي عليهم فيقال إنهم بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ظاهر ما فارقتهم عليه . قال عياض وغيره : وعلى هذا فيذهب عنهم الغرة والتحجيل ويطفأ نورهم . وقيل لا يلزم أن تكون عليهم السيما بل يناديهم لما كان يعرف من إسلامهم وقيل هم أصحاب الكبائر والبدع الذين ماتوا على الإسلام وعلى هذا فلا يقطع بدخول هؤلاء النار لجواز أن يذادوا عن الحوض أولا عقوبة لهم ثم يرحموا ولا يمتنع أن يكون لهم غرة وتحجيل فعرفهم بالسيما سواء كانوا في زمنه أو بعده ورجح عياض والباجي وغيرهما ما قال قبيصة راوي الخبر إنهم من ارتد بعده صلى الله عليه وسلم ولا يلزم من معرفته لهم أن يكون عليهم السيما لأنها كرامة يظهر بها عمل المسلم . والمرتد قد حبط عمله فقد يكون عرفهم بأعيانهم لا بصفتهم باعتبار ما كانوا عليه قبل ارتدادهم ولا يبعد أن يدخل في ذلك أيضا من كان في زمنه من المنافقين وسيأتي في حديث الشفاعة " وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها " فدل على أنهم يحشرون مع المؤمنين فيعرف أعيانهم ولو لم يكن لهم تلك السيما فمن عرف صورته ناداه مستصحبا لحاله التي فارقه عليها في الدنيا وأما دخول أصحاب البدع في ذلك فاستبعد لتعبيره في الخبر بقوله " أصحابي " وأصحاب البدع إنما حدثوا بعده . وأجيب بحمل الصحبة على المعنى الأعم واستبعد أيضا أنه لا يقال للمسلم ولو كان مبتدعا سحقا وأجيب بأنه لا يمتنع أن يقال ذلك لمن علم أنه قضي عليه بالتعذيب على معصية ثم ينجو بالشفاعة فيكون قوله سحقا تسليما لأمر الله مع بقاء الرجاء وكذا القول في أصحاب الكبائر . وقال البيضاوي ليس قوله " مرتدين " نصا في كونهم ارتدوا عن الإسلام بل يحتمل ذلك ويحتمل أن يراد أنهم عصاة المؤمنين المرتدون عن الاستقامة يبدلون الأعمال الصالحة بالسيئة انتهى . وقد أخرج أبو يعلى بسند حسن عن أبي سعيد " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكر حديثا فقال " يا أيها الناس إني فرطكم على الحوض فإذا جئتم قال رجل : يا رسول الله أنا فلان بن فلان وقال آخر : أنا فلان ابن فلان فأقول أما النسب فقد عرفته ولعلكم أحدثتم بعدي وارتددتم " ولأحمد والبزار نحوه من حديث جابر وسأذكر في آخر " باب صفة النار " ما يحتاج إلى شرحه من ألفاظ الأحاديث التي أشرت إليها إن شاء الله تعالى .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:57 AM
‏حدثنا ‏ ‏إسماعيل ‏ ‏حدثني ‏ ‏أخي ‏ ‏عن ‏ ‏سليمان ‏ ‏عن ‏ ‏ثور ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الغيث ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏أول من يدعى يوم القيامة ‏ ‏آدم ‏ ‏فتراءى ذريته فيقال هذا أبوكم ‏ ‏آدم ‏ ‏فيقول لبيك وسعديك فيقول أخرج بعث جهنم من ذريتك فيقول يا رب كم أخرج فيقول أخرج من كل مائة تسعة وتسعين فقالوا يا رسول الله إذا أخذ منا من كل مائة تسعة وتسعون فماذا يبقى منا قال إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( حدثنا إسماعيل ) ‏
‏هو ابن أبي أويس ‏
‏وأخوه ‏
‏هو أبو بكر عبد الحميد ‏
‏وسليمان ‏
‏هو ابن بلال وثبت كذلك في رواية إسماعيل بن إسحاق عن إسماعيل بن أبي أويس عند البيهقي في البعث ‏
‏وثور ‏
‏هو ابن زيد الديلي ‏
‏وأبو الغيث ‏
‏هو سالم والكل مدنيون ورواية إسماعيل عن أخيه من رواية الأقران وكذا سليمان عن ثور ولكن إسماعيل أصغر من أخيه وسليمان أصغر من ثور وسيأتي . ‏

‏قوله ( أول من يدعى يوم القيامة آدم إلخ ) ‏
‏يأتي شرحه في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى .

ahmedaboali
02-02-2009, 01:58 AM
‏حدثني ‏ ‏يوسف بن موسى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول الله ‏ ‏يا ‏ ‏آدم ‏ ‏فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك قال يقول أخرج بعث النار قال وما بعث النار قال من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين فذاك حين يشيب الصغير ‏
‏وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس ‏ ‏سكرى وما هم بسكرى ‏ ‏ولكن عذاب الله شديد ‏
‏فاشتد ذلك عليهم فقالوا يا رسول الله أينا ذلك الرجل قال أبشروا فإن من ‏ ‏يأجوج ‏ ‏ومأجوج ‏ ‏ألفا ومنكم رجل ثم قال والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة قال فحمدنا الله وكبرنا ثم قال والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ‏ ‏شطر ‏ ‏أهل الجنة إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو الرقمة في ذراع الحمار

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( جرير ) ‏
‏هو ابن عبد الحميد . ‏

‏قوله ( عن الأعمش عن أبي صالح ) ‏
‏في رواية أبي أسامة في بدء الخلق وحفص بن غياث في تفسير سورة الحج كلاهما " عن الأعمش حدثنا أبو صالح " وهو ذكوان وأبو سعيد هو الخدري . ‏

‏قوله ( يقول الله ) ‏
‏كذا وقع للأكثر غير مرفوع وبه جزم أبو نعيم في " المستخرج " وفي رواية كريمة بإثبات قوله " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وكذا وقع لمسلم عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير بسند البخاري فيه ونحوه في رواية أبي أسامة وحفص وقد ظهر من حديث أبي هريرة الذي قبله أن خطاب آدم بذلك أول شيء يقع يوم القيامة ولفظه " أول من يدعى يوم القيامة آدم عليه السلام فتراءى ذريته " بمثناة واحدة ومد ثم همزة مفتوحة ممالة وأصله فتتراءى فحذفت إحدى التاءين وتراءى الشخصان تقابلا بحيث صار كل منهما يتمكن من رؤية الآخر ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق الدراوردي عن ثور " فتتراءى له ذريته " على الأصل وفي حديث أبي هريرة " فيقال هذا أبوكم " وفي رواية الدراوردي " فيقولون هذا أبوكم " . ‏

‏قوله ( فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك ) ‏
‏في الاقتصار على الخير نوع تعطيف ورعاية للأدب وإلا فالشر أيضا بتقدير الله كالخير . ‏

‏قوله ( أخرج بعث النار ) ‏
‏في حديث أبي هريرة " بعث جهنم من ذريتك " وفي رواية أحمد " نصيب " بدل " بعث " والبعث بمعنى المبعوث وأصلها في السرايا التي يبعثها الأمير إلى جهة من الجهات للحرب وغيرها ومعناها هنا ميز أهل النار من غيرهم وإنما خص بذلك آدم لكونه والد الجميع ولكونه كان قد عرف أهل السعادة من أهل الشقاء فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وعن يمينه أسودة وعن شماله أسودة الحديث كما تقدم في حديث الإسراء وقد أخرج ابن أبي الدنيا من مرسل الحسن قال " يقول الله لآدم : يا آدم أنت اليوم عدل بيني وبين ذريتك قم فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم " . ‏

‏قوله ( قال وما بعث النار ) ‏
‏الواو عاطفة على شيء محذوف تقديره سمعت وأطعت وما بعث النار أي وما مقدار مبعوث النار وفي حديث أبي هريرة " فيقول يا رب كم أخرج " . ‏

‏قوله ( من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ) ‏
‏في حديث أبي هريرة " من كل مائة تسعة وتسعين " قال الإسماعيلي : في حديث أبي سعيد " من كل ألف واحد " وكذا في حديث غيره ويشبه أن يكون حديث ثور يعني راويه عن أبي الغيث عن أبي هريرة وهما . قلت : ولعله يريد بقوله غيره ما أخرجه الترمذي من وجهين عن الحسن البصري عن عمران بن حصين نحوه وفي أوله زيادة قال " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فرفع صوته بهاتين الآيتين : يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم - إلى شديد فحث أصحابه المطي فقال : هل تدرون أي يوم ذاك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ذاك يوم ينادي الله آدم " فذكر نحو حديث أبي سعيد وصححه وكذا الحاكم وهذا سياق قتادة عن الحسن من رواية هشام الدستوائي عنه ورواه معمر عن قتادة فقال عن أنس أخرجه الحاكم أيضا ونقل عن الذهلي أن الرواية الأولى هي المحفوظة وأخرجه البزار والحاكم أيضا من طريق هلال بن خباب بمعجمة وموحدتين الأولى ثقيلة عن عكرمة عن ابن عباس قال " تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ثم قال : هل تدرون " فذكر نحوه وكذا وقع في حديث عبد الله بن عمر وعند مسلم رفعه " يخرج الدجال - إلى أن قال - ثم ينفخ في الصور أخرى فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال : أخرجوا بعث النار " وفيه " فيقال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون . فذاك يوم يجعل الولدان شيبا " وكذا رأيت هذا الحديث في مسند أبي الدرداء بمثل العدد المذكور رويناه في " فوائد طلحة بن الصقر " وأخرجه ابن مردويه من حديث أبي موسى نحوه فاتفق هؤلاء على هذا العدد ولم يستحضر الإسماعيلي لحديث أبي هريرة متابعا وقد ظفرت به في مسند أحمد فإنه أخرج من طريق أبي إسحاق الهجري وفيه مقال عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود نحوه . وأجاب الكرماني بأن مفهوم العدد لا اعتبار له فالتخصيص بعدد لا يدل على نفي الزائد والمقصود من العددين واحد وهو تقليل عدد المؤمنين وتكثير عدد الكافرين . قلت : ومقتضى كلامه الأول تقديم حديث أبي هريرة على حديث أبي سعيد فإنه يشتمل على زيادة فإن حديث أبي سعيد يدل على أن نصيب أهل الجنة من كل ألف واحد وحديث أبي هريرة يدل على عشرة فالحكم للزائد ومقتضى كلامه الأخير أن لا ينظر إلى العدد أصلا بل القدر المشترك بينهما ما ذكره من تقليل العدد وقد فتح الله تعالى في ذلك بأجوبة أخر وهو حمل حديث أبي سعيد ومن وافقه على جميع ذرية آدم فيكون من كل ألف واحد وحمل حديث أبي هريرة ومن وافقه على من عدا يأجوج ومأجوج فيكون من كل ألف عشرة ويقرب ذلك أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة ويحتمل أن يكون الأول يتعلق بالخلق أجمعين والثاني بخصوص هذه الأمة ويقربه قوله في حديث أبي هريرة " إذا أخذ منا " لكن في حديث ابن عباس " وإنما أمتي جزء من ألف جزء " ويحتمل أن تقع القسمة مرتين مرة من جميع الأمم قبل هذه الأمة فيكون من كل ألف واحد ومرة من هذه الأمة فقط فيكون من كل ألف عشرة ويحتمل أن يكون المراد ببعث النار الكفار ومن يدخلها من العصاة فيكون من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كافرا ومن كل مائة تسعة وتسعون عاصيا والعلم عند الله تعالى

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-02-2009, 01:59 AM
‏قوله ( فذاك حين يشيب الصغير وتضع , وساق إلى قوله شديد ) ‏
‏ظاهره أن ذلك يقع في الموقف وقد استشكل بأن ذلك الوقت لا حمل فيه ولا وضع ولا شيب ومن ثم قال بعض المفسرين إن ذلك قبل يوم القيامة لكن الحديث يرد عليه وأجاب الكرماني بأن ذلك وقع على سبيل التمثيل والتهويل وسبق إلى ذلك النووي فقال : فيه وجهان للعلماء فذكرهما وقال : التقدير أن الحال ينتهي أنه لو كانت النساء حينئذ حوامل لوضعت كما تقول العرب " أصابنا أمر يشيب منه الوليد " وأقول يحتمل أن يحمل على حقيقته فإن كل أحد يبعث على ما مات عليه فتبعث الحامل حاملا والمرضع مرضعة والطفل طفلا فإذا وقعت زلزلة الساعة وقيل ذلك لآدم ورأى الناس آدم وسمعوا ما قيل له وقع بهم من الوجل ما يسقط معه الحمل ويشيب له الطفل وتذهل به المرضعة ويحتمل أن يكون ذلك بعد النفخة الأولى وقبل النفخة الثانية ويكون خاصا بالموجودين حينئذ وتكون الإشارة بقوله " فذاك " إلى يوم القيامة وهو صريح في الآية ولا يمنع من هذا الحمل ما يتخيل من طول المسافة بين قيام الساعة واستقرار الناس في الموقف ونداء آدم لتمييز أهل الموقف لأنه قد ثبت أن ذلك يقع متقاربا كما قال الله تعالى ( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة ) يعني أرض الموقف وقال تعالى ( يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به ) والحاصل أن يوم القيامة يطلق على ما بعد نفخة البعث من أهوال وزلزلة وغير ذلك إلى آخر الاستقرار في الجنة أو النار وقريب منه ما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو في أشراط الساعة إلى أن ذكر النفخ في الصور إلى أن قال " ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون . ثم يقال أخرجوا بعث النار " فذكره قال " فذاك يوم يجعل الولدان شيبا " ووقع في حديث الصور الطويل عند علي بن معبد وغيره ما يؤيد الاحتمال الثاني وقد تقدم بيانه في " باب النفخ في الصور " وفيه بعد قوله وتضع الحوامل ما في بطونها وتشيب الولدان وتتطاير الشياطين " فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض فيأخذهم لذلك الكرب والهول . ثم تلا الآيتين من أول الحج " الحديث . قال القرطبي في " التذكرة " : هذا الحديث صححه ابن العربي فقال : يوم الزلزلة يكون عند النفخة الأولى وفيه ما يكون فيه من الأهوال العظيمة ومن جملتها ما يقال لآدم ولا يلزم من ذلك أن يكون ذلك متصلا بالنفخة الأولى بل له محملان . أحدهما أن يكون آخر الكلام منوطا بأوله والتقدير يقال لآدم ذلك في أثناء اليوم الذي يشيب فيه الولدان وغير ذلك وثانيهما أن يكون شيب الولدان عند النفخة الأولى حقيقة والقول لآدم يكون وصفه بذلك إخبارا عن شدته وإن لم يوجد عين ذلك الشيء . وقال القرطبي : يحتمل أن يكون المعنى أن ذلك حين يقع لا يهم كل أحد إلا نفسه حتى إن الحامل تسقط من مثله والمرضعة إلخ . ونقل عن الحسن البصري في هذه الآية : المعنى أن لو كان هناك مرضعة لذهلت . وذكر الحليمي واستحسنه القرطبي أنه يحتمل أن يحيي الله حينئذ كل حمل كان قد تم خلقه ونفخت فيه الروح فتذهل الأم حينئذ عنه لأنها لا تقدر على إرضاعه إذ لا غذاء هنا ولا لبن , وأما الحمل الذي لم ينفخ فيه الروح فإنه إذا سقط لم يحيى لأن ذلك يوم الإعادة , فمن لم يمت في الدنيا لم يحيى في الآخرة . ‏

‏قوله ( فاشتد ذلك عليهم ) ‏
‏في حديث ابن عباس " فشق ذلك على القوم ووقعت عليهم الكآبة والحزن " وفي حديث عمران عند الترمذي من رواية ابن جدعان عن الحسن " فأنشأ المؤمنون يبكون " ومن رواية قتادة عن الحسن " فنبس القوم حتى ما أبدوا بضاحكة " ونبس بضم النون وكسر الموحدة بعدها مهملة معناه تكلم فأسرع , وأكثر ما يستعمل في النفي , وفي رواية شيبان عن قتادة عند ابن مردويه " أبلسوا " وكذا له نحوه من رواية ثابت عن الحسن . ‏

‏قوله ( وأينا ذلك الرجل ) ‏
‏قال الطيبي : يحتمل أن يكون الاستفهام على حقيقته , فكان حق الجواب أن ذلك الواحد فلان أو من يتصف بالصفة الفلانية , ويحتمل أن يكون استعظاما لذلك الأمر واستشعارا للخوف منه , فلذلك وقع الجواب بقوله " أبشروا " ووقع في حديث أبي هريرة " فقالوا يا رسول الله إذا أخذ منا من كل مائة تسعة وتسعون فماذا يبقى " وفي حديث أبي الدرداء " فبكى أصحابه " . ‏

‏قوله ( فقال أبشروا ) ‏
‏في حديث ابن عباس اعملوا وأبشروا , وفي حديث عمران مثله , وللترمذي من طريق ابن جدعان " قاربوا وسددوا " ونحوه في حديث أنس . ‏

‏قوله ( فإن من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل ) ‏
‏ظاهره زيادة واحد عما ذكر من تفصيل الألف فيحتمل أن يكون من جبر الكسر , والمراد أن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين أو ألفا إلا واحدا , وأما قوله " ومنكم رجل " تقديره والمخرج منكم أو ومنكم رجل مخرج , ووقع في بعض الشروح أن لبعض الرواة " فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألفا " بالنصب فيهما على المفعول بإخراج المذكور في أول الحديث , أي فإنه يخرج كذا , وروى بالرفع على خبر إن واسمها مضمر قبل المجرور , أي فإن المخرج منكم رجل , قلت : والنصب أيضا على اسم إن صريحا في الأول وبتقدير في الثاني , وهو أولى من الذي قاله فإن فيه تكلفا , ووقع في رواية الأصيلي بالرفع في ألف وحده وبالنصب في رجلا ولأبي ذر بالعكس , وفي رواية مسلم بالرفع فيهما , قال النووي : هكذا في جميع الرويات والتقدير فإنه فحذف الهاء وهي ضمير الشأن وذلك مستعمل كثيرا , ووقع في حديث ابن عباس " وإنما أمتي جزء من ألف جزء " قال الطيبي : فيه إشارة إلى أن يأجوج ومأجوج داخلون في العدد المذكور والوعيد كما يدل قوله " ربع أهل الجنة " على أن في غير هذه الأمة أيضا من أهل الجنة , وقال القرطبي : قوله " من يأجوج ومأجوج ألف " أي منهم وممن كان على الشرك مثلهم , وقوله " ومنكم رجل " يعني من أصحابه ومن كان مؤمنا مثلهم . قلت : وحاصله أن الإشارة بقوله " منكم " إلى المسلمين من جميع الأمم , وقد أشار إلى ذلك في حديث ابن مسعود بقوله " إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة " . ‏

‏قوله ( ثم قال والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة ) ‏
‏تقدم في الباب قبله من حديث ابن مسعود " أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة " وكذا في حديث ابن عباس , وهو محمول على تعدد القصة , فقد تقدم أن القصة التي في حديث ابن مسعود وقعت وهو صلى الله عليه وسلم في قبته بمنى , والقصة التي في حديث أبي سعيد وقعت وهو صلى الله عليه وسلم سائر على راحلته , ووقع في رواية ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره في غزوة بني المصطلق " ومثله في مرسل مجاهد عند الخطيب في " المبهمات " كما سيأتي التنبيه عليه في " باب من يدخل الجنة بغير حساب " . ثم ظهر لي أن القصة واحدة وأن بعض الرواة حفظ فيه ما لم يحفظ الآخر , إلا أن قول من قال كان ذلك في غزوة بني المصطلق واه والصحيح ما في حديث ابن مسعود وأن ذلك كان بمنى , وأما ما وقع في حديثه أنه قال ذلك وهو في قبته فيجمع بينه وبين حديث عمران بأن تلاوته الآية وجوابه عنها اتفق أنه كان وهو سائر , ثم قوله " إني لأطمع إلخ " وقع بعد أن نزل وقعد بالقبة , وأما زيادة الربع قبل الثلث فحفظها أبو سعيد وبعضهم لم يحفظ الربع , وقد تقدمت سائر مباحثه في الحديث الخامس من الباب الذي قبله . ‏


اخوة الاسلام


اكتفي بهذا القدر و اكمل غدا

ان قدر لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير

و صلي الله و سلم علي سيدنا محمد

ahmedaboali
02-03-2009, 05:52 PM
‏حدثنا ‏ ‏معاذ بن أسد ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عبد الله ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏مالك بن أنس ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن أسلم ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله تبارك وتعالى يقول ‏ ‏لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول أنا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( عبد الله ) ‏
‏هو ابن المبارك . ‏

‏قوله ( عن زيد بن أسلم ) ‏
‏كذا في جميع الروايات عن مالك بالعنعنة . ‏

‏قوله ( إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ) ‏
‏في رواية الحبيبي عن مالك عن الإسماعيلي " يطلع الله على أهل الجنة فيقول " . ‏

‏قوله ( فيقولون ) ‏
‏في رواية أبي ذر عن المستملي " يقولون " بحذف الفاء . ‏

‏قوله ( وسعديك ) ‏
‏زاد سعيد بن داود وعبد العزيز بن يحيى كلاهما عن مالك عند الدارقطني في الغرائب " والخير في يديك " . ‏

‏قوله ( فيقول هل رضيتم ) ‏
‏في حديث جابر عند البزار وصححه ابن حبان " هل تشتهون شيئا " . ‏

‏قوله ( وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ) ‏
‏في حديث جابر " وهل شيء أفضل مما أعطيتنا " . ‏

‏قوله ( أنا أعطيكم أفضل من ذلك ) ‏
‏في رواية ابن وهب عن مالك كما سيأتي في التوحيد " ألا أعطيكم " . ‏

‏قوله ( أحل ) ‏
‏بضم أوله وكسر المهملة أي أنزل . ‏

‏قوله ( رضواني ) ‏
‏بكسر أوله وضمه , وفي حديث جابر قال " رضواني أكبر " وفيه تلميح بقوله تعالى ( ورضوان من الله أكبر ) لأن رضاه سبب كل فوز وسعادة , وكل من علم أن سيده راض عنه كان أقر لعينه وأطيب لقلبه من كل نعيم لما في ذلك من التعظيم والتكريم . وفي هذا الحديث أن النعيم الذي حصل لأهل الجنة لا مزيد عليه . ‏
‏( تنبيهان ) : ‏
‏( الأول ) حديث أبي سعيد هذا كأنه محتصر من الحديث الطويل الماضي في تفسير سورة النساء من طريق حفص بن ميسرة والآتي في التوحيد من طريق سعيد بن أبي هلال كلاهما عن زيد بن أسلم بهذا السند في صفة الجواز على الصراط , وفيه قصة الذين يخرجون من النار , وفي آخره أنه يقال لهم نحو هذا الكلام , لكن إذا ثبت أن ذلك يقال لهؤلاء لكونهم من أهل الجنة فهو للسابقين بطريق الأولى . ‏
‏( الثاني ) هذا الخطاب غير الخطاب الذي لأهل الجنة كلهم , وهو فيما أخرجه مسلم وأحمد من حديث صهيب رفعه " إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد : يا أهل الجنة إن لكم موعدا عند الله يريد أن ينجزكموه " الحديث , وفيه " فيكشف الحجاب فينظرون إليه " وفيه " فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه " وله شاهد عند ابن المبارك في الزهد من حديث أبي موسى من قوله , وأخرجه ابن أبي حاتم من حديثه مرفوعا باختصار . ‏

ahmedaboali
02-03-2009, 05:53 PM
‏حدثنا ‏ ‏موسى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وهيب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يقول الله ‏ ‏من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه فيخرجون قد ‏ ‏امتحشوا ‏ ‏وعادوا حمما فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ‏ ‏أو قال حمية السيل ‏ ‏وقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ألم تروا أنها تنبت صفراء ملتوية

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( حدثنا موسى ) ‏
‏هو ابن إسماعيل , ‏
‏ووهيب ‏
‏هو ابن خالد , ‏
‏وعمرو ‏
‏هو ابن يحيى المازني , ‏
‏وأبوه ‏
‏يحيى هو ابن عمارة بن أبي حسن المازني . ‏

‏قوله ( إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يقول الله تعالى : من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه ) ‏
‏هكذا روى يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري آخر الحديث ولم يذكر أوله , ورواه عطاء ابن يسار عن أبي سعيد مطولا وأوله الرؤية وكشف الساق والعرض ونصب الصراط والمرور عليه وسقوط من يسقط وشفاعة المؤمنين في إخوانهم وقول الله أخرجوا من عرفتم صورته , وفيه من في قلبه مثقال دينار وغير ذلك , وفيه قول الله تعالى شفعت الملائكة والنبيون والمؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد صاروا حمما , وقد ساق المصنف أكثر في تفسير سورة النساء , وساقه بتمامه في كتاب التوحيد , وسأذكر فوائده في شرح حدث الباب الذي يلي هذا مع الإشارة إلى ما تضمنته هذه الطريق إن شاء الله تعالى . وتقدمت لهذه الرواية طريق أخرى في كتاب الإيمان في " باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال " وتقدم ما يتعلق بذلك هناك . واستدل الغزالي بقوله " من كان في قلبه " على نجاة من أيقن بذلك وحال بينه وبين النطق به الموت , وقال في حق من قدر على ذلك فأخر فمات : يحتمل أن كون امتناعه عن النطق بمنزلة امتناعه عن الصلاة فيكون غير مخلد في النار , ويحتمل غير ذلك . ورجح غيره الثاني فيحتاج إلى تأويل قوله " في قلبه " فيقدر فيه محذوف تقديره منضما إلى النطق به مع القدرة عليه .

ahmedaboali
02-03-2009, 05:54 PM
‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عوانة ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يجمع الله الناس يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا فيأتون ‏ ‏آدم ‏ ‏فيقولون أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك فاشفع لنا عند ربنا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته ويقول ائتوا ‏ ‏نوحا ‏ ‏أول رسول بعثه الله فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته ائتوا ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏الذي اتخذه الله خليلا فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته ائتوا ‏ ‏موسى ‏ ‏الذي كلمه الله فيأتونه فيقول لست هناكم فيذكر خطيئته ائتوا ‏ ‏عيسى ‏ ‏فيأتونه فيقول لست هناكم ائتوا ‏ ‏محمدا ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتوني فأستأذن على ربي فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله ثم يقال لي ارفع رأسك سل ‏ ‏تعطه وقل يسمع واشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمني ثم أشفع فيحد لي حدا ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود فأقع ساجدا مثله في الثالثة أو الرابعة حتى ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ‏
‏وكان ‏ ‏قتادة ‏ ‏يقول عند هذا أي وجب عليه الخلود

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أنس الطويل في الشفاعة , أورده هنا من طريق أبي عوانة , ومضى في تفسير البقرة من رواية هشام الدستوائي ومن رواية سعيد بن أبي عروبة , ويأتي في التوحيد من طريق همام أربعتهم عن قتادة وأخرجه أيضا أحمد من رواية شيبان عن قتادة ويأتي في التوحيد من طريق معبد بن هلال عن أنس وفيه زيادة للحسن عن أنس , ومن طريق حميد عن أنس باختصار , وأخرجه أحمد من طريق النضر بن أنس عن أنس , وأخرجه أيضا من حديث ابن عباس , وأخرجه ابن خزيمة من طريق معتمر عن حميد عن أنس , وعند الحاكم من حديث ابن مسعود والطبراني من حديث عبادة بن الصامت , ولابن أبي شيبة من حديث سلمان الفارسي وجاء من حديث أبي هريرة كما مضى في التفسير من رواية أبي زرعة عنه , وأخرجه الترمذي من رواية العلاء بن يعقوب عنه , من حديث أبي سعيد كما سيأتي في التوحيد , وله طرق عن أبي سعيد مختصرة , وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وحذيفة معا , وأبو عوانة من رواية حذيفة عن أبي بكر الصديق , ومضى في الزكاة في تفسير سبحان من حديث ابن عمر باختصار , وعند كل منهم ما ليس عند الآخر , وسأذكر ما عند كل منهم من فائدة مستوعبا إن شاء الله تعالى . ‏

‏قوله ( يجمع الله الناس يوم القيامة ) ‏
‏في رواية المستملي " جمع بصيغة الفعل الماضي والأول المعتمد ووقع في رواية معبد بن هلال " إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض " وأول حديث أبي هريرة " أنا سيد الناس يوم القيامة , يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر , وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون " وزاد في رواية إسحاق بن راهويه عن جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعه فيه " وتدنو الشمس من رءوسهم فيشتد عليهم حرها ويشق عليهم دنوها فينطلقون من الضجر والجزع مما هم فيه " وهذه الطريق عند مسلم عن أبي خيثمة عن جرير , لكن لم يسق لفظها , وأول حديث أبي بكر " عرض علي ما هو كائن من أمر الدنيا والآخرة يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيفظع الناس لذلك والعرق كاد يلجمهم " وفي رواية معتمر " يلبثون ما شاء الله من الحبس " وقد تقدم في " باب ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون " ما أخرجه مسلم من حديث المقداد أن الشمس تدنو حتى تصير من الناس قدر ميل وسائر ما ورد في ذلك وبيان تفاوتهم في العرق بقدر أعمالهم , وفي حديث سلمان " تعطي الشمس يوم القيامة حر عشر سنين , ثم تدنو من جماجم الناس فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة , ثم يرتفع الرجل حتى يقول عق عق " وفي رواية النضر بن أنس " لغم ما هم فيه والخلق ملجمون بالعرق , فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة , وأما الكافر فيغشاه الموت " وفي حديث عبادة بن الصامت رفعه " إني لسيد الناس يوم القيامة بغير فخر , وما من الناس إلا من هو تحت لوائي ينتظر الفرج , وإن معي لواء الحمد " ووقع في رواية هشام وسعيد وهمام " يجتمع المؤمنون فيقولون " وتبين من رواية النضر بن أنس أن التعبير بالناس , أرجح لكن الذي يطلب الشفاعة هم المؤمنون . ‏

‏قوله ( فيقولون لو استشفعنا ) ‏
‏في رواية مسلم " فيلهمون ذلك " وفي لفظ " فيهتمون بذلك " , وفي رواية همام " حتى يهتموا بذلك " . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 05:55 PM
‏قوله ( على ربنا ) ‏
‏في رواية هشام وسعيد " إلى ربنا " وتوجه بأنه ضمن معنى استشفعنا سعي لأن الاستشفاع طلب الشفاعة وهي انضمام الأدنى إلى الأعلى ليستعين به على ما يرومه . وفي حديث حذيفة وأبي هريرة معا " يجمع الله الناس يوم القيامة , فيقوم المؤمنون حي تتزلف لهم الجنة فيأتون آدم " و " حتى " غاية لقيامهم المذكور . ويؤخذ منه أن طلبهم الشفاعة يقع حين تتزلف لهم الجنة . ووقع في أول حديث أبي نضرة عن أبي سعيد في مسلم رفعه " أنا أول من تنشق عنه الأرض " الحديث وفيه " فيفزع الناس ثلاث فزعات , فيأتون آدم " الحديث قال القرطبي " كأن ذلك يقع إذا جيء بجهنم , فإذا زفرت فزع الناس حينئذ وجثوا على ركبهم " . ‏

‏قوله ( حتى يريحنا ) ‏
‏في رواية مسلم " فيريحنا " وفي حديث ابن مسعود عند ابن حبان " إن الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة حتى يقول : يا رب أرحني ولو إلى النار " وفي رواية ثابت عن أنس " يطول يوم القيامة على الناس , فيقول بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر فليشفع لنا إلى ربنا فليقض بيننا " وفي حديث سلمان " فإذا رأوا ما هم فيه قال بعضهم لبعض : ائتوا أباكم آدم " . ‏
‏قوله ( حتى يريحنا من مكاننا هذا ) في رواية ثابت " فليقض بيننا " وفي رواية حذيفة وأبي هريرة فيقولون " يا أبانا استفتح لنا الجنة " . ‏

‏قوله ( فيأتون آدم ) ‏
‏في رواية شيبان " فينطلقون حتى يأتوا آدم فيقولون أنت الذي " في رواية مسلم " يا آدم أنت أبو البشر " وفي رواية همام وشيبان " أنت أبو البشر " وفي حديث أبي هريرة نحو رواية مسلم . وفي حديث حذيفة " فيقولون يا أبانا " . ‏

‏قوله ( خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه ) ‏
‏زاد في رواية همام " وأسكنك جنته وعلمك أسماء كل شيء " وفي حديث أبي هريرة " وأمر الملائكة فسجدوا لك " وفي حديث أبي بكر " أنت أبو البشر وأنت اصطفاك الله " . ‏

‏قوله ( فاشفع لنا عند ربنا ) ‏
‏في رواية مسلم " عند ربك " وكذا لشيبان في حديث أبي بكر وأبي هريرة اشفع لنا إلى ربك , وزاد أبو هريرة " ألا ترى ما نحن فيه , ألا ترى ما بلغنا " . ‏

‏قوله ( لست هناكم ) ‏
‏قال عياض : قوله لست هناكم كناية عن أن منزلته دون المنزلة المطلوبة قاله تواضعا وإكبارا لما يسألونه , قال : وقد يكون فيه إشارة إلى أن هذا المقام ليس لي بل لغيري . قلت : وقد وقع في رواية معبد بن هلال " فيقول لست لها " وكذا في بقية المواضع , وفي رواية حذيفة " لست بصاحب ذاك " وهو يؤيد الإشارة المذكورة . ‏

‏قوله ( ويذكر خطيئته ) ‏
‏زاد مسلم التي أصاب , والراجح أن الموصول محذوف تقديره أصابها , زاد همام في روايته " أكله من الشجرة . وقد نهي عنها " وهو بنصب أكله بدل من قوله خطيئته وفي رواية هشام " فيذكر ذنبه فيستحي " وفي رواية ابن عباس " إني قد أخرجت بخطيئتي من الجنة " وفي رواية أبي نضرة عن أبي سعيد " وإني أذنبت ذنبا فأهبطت به إلى الأرض " وفي رواية حذيفة وأبي هريرة معا " هل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم " وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور " إني أخطأت وأنا في الفردوس فإن يغفر لي اليوم حسبي " وفي حديث أبي هريرة " إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله , وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت , نفسي نفسي نفسي , اذهبوا إلى غيري " . ‏

‏قوله ( ائتوا نوحا فيأتونه ) ‏
‏في رواية مسلم " ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض . فيأتون نوحا " وفي رواية هشام " فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض " وفي حديث أبي بكر " انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم , إلى نوح , ائتوا عبدا شاكرا " وفي حديث أبي هريرة " اذهبوا إلى نوح , فيأتون نوحا فيقولون : يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض , وقد سماك الله عبدا شكورا " وفي حديث أبي بكر " فينطلقون إلى نوح فيقولون : يا نوح اشفع لنا إلى ربك , فإن الله اصطفاك واستجاب لك في دعائك ولم يدع على الأرض من الكافرين ديارا " ويجمع بينهما بأن آدم سبق إلى وصفه بأنه أول رسول فخاطبه أهل الموقف بذلك , وقد استشكلت هذه الأولية بأن آدم نبي مرسل وكذا شيث وإدريس وهم قبل نوح , وقد تقدم الجواب عن ذلك في شرح حديث جابر " أعطيت خمسا " في كتاب التيمم وفيه " وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة " الحديث : ومحصل الأجوبة عن الإشكال المذكور أن الأولية مقيدة بقوله " أهل الأرض " لأن آدم ومن ذكر معه لم يرسلوا إلى أهل الأرض , ويشكل عليه حديث جابر , ويجاب بأن بعثته إلى أهل الأرض باعتبار الواقع لصدق أنهم قومه بخلاف عموم بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لقومه ولغير قومه , أو الأولية مقيدة بكونه أهلك قومه , أو أن الثلاثة كانوا أنبياء ولم يكونوا رسلا , وإلى هذا جنح ابن بطال في حق آدم , وتعقبه عياض بما صححه ابن حبان من حديث أبي ذر فإنه كالصريح في أنه كان مرسلا , وفيه التصريح بإنزال الصحف على شيث وهو من علامات الإرسال , وأما إدريس فذهبت طائفة إلى أنه كان في بني إسرائيل وهو إلياس , وقد ذكر ذلك في أحاديث الأنبياء . ومن الأجوبة أن رسالة آدم كانت إلى بنيه وهم موحدون ليعلمهم شريعته , ونوح كانت رسالته إلى قوم كفار يدعوهم إلى التوحيد . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 05:56 PM
‏قوله ( فيقول : لست هناكم , ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي ربه منها ) ‏
‏في رواية هشام " ويذكر سؤال ربه ما ليس له به علم " وفي رواية شيبان " سؤال الله " وفي رواية معبد بن هلال مثل جواب آدم لكن قال " وإنه كانت لي دعوة دعوت بها على قومي " وفي حديث ابن عباس " فيقول ليس ذاكم عندي " وفي حديث أبي هريرة " إني دعوت بدعوة أغرقت أهل الأرض " ويجمع بينه وبين الأول بأنه اعتذر بأمرين : أحدهما نهي الله تعالى له أن يسأل ما ليس له به علم فخشي أن تكون شفاعته لأهل الموقف من ذلك , ثانيهما أن له دعوة واحدة محققة الإجابة وقد استوفاها بدعائه على أهل الأرض فخشي أن يطلب فلا يجاب . وقال بعض الشراح : كان الله وعد نوحا أن ينجيه وأهله , فلما غرق ابنه ذكر لربه ما وعده فقيل له : المراد من أهلك من آمن وعمل صالحا فخرج ابنك منهم , فلا تسأل ما ليس لك به علم . ‏
‏( تنبيهان ) : ‏
‏( الأول ) سقط من حديث أبي حذيفة المقرون بأبي هريرة ذكر نوح , فقال في قصة آدم : اذهبوا إلى ابني إبراهيم . وكذا سقط من حديث ابن عمر , والعمدة على من حفظ . ‏
‏( الثاني ) ذكر أبو حامد الغزالي في كشف علوم الآخرة أن بين إتيان أهل الموقف آدم وإتيانهم نوحا ألف سنة , وكذا بين كل نبي ونبي إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ولم أقف لذلك على أصل , ولقد أكثر في هذا الكتاب من إيراد أحاديث لا أصول لها فلا يغتر بشيء منها . ‏

‏قوله ( ائتوا إبراهيم ) ‏
‏في رواية مسلم " ولكن ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلا " وفي رواية معبد بن هلال " ولكن عليكم بإبراهيم فهو خليل الله " . ‏

‏قوله ( فيأتونه ) ‏
‏في رواية مسلم " فيأتون إبراهيم " زاد أبو هريرة في حديثه فيقولون : يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض , قم اشفع لنا إلى ربك " وذكر مثل ما لآدم قولا وجوابا إلا أنه قال " قد كنت كذبت ثلاث كذبات " وذكرهن . ‏

‏قوله ( فيقول لست هناكم , ويذكر خطيئته ) ‏
‏زاد مسلم " التي أصاب فيستحيي ربه منها " وفي حديث أبي بكر " ليس ذاكم عندي " وفي رواية همام " إني كنت كذبت ثلاث كذبات " زاد شيبان في روايته " قوله إني سقيم " وقوله فعله كبيرهم هذا , وقوله لامرأته أخبريه أني أخوك " وفي رواية أبي نضرة عن أبي سعيد " فيقول إني كذبت ثلاث كذبات , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين الله " وما حل بمهملة بمعنى جادل وزنه ومعناه . ووقع في رواية حذيفة المقرونة " لست بصاحب ذاك , إنما كنت خليلا من وراء وراء " وضبط بفتح الهمزة وبضمها , واختلف الترجيح فيهما . قال النووي : أشهرهما الفتح بلا تنوين ويجوز بناؤها على الضم , وصوبه أبو البقاء والكندي , وصوب ابن دحية الفتح على أن الكلمة مركبة مثل شذر مذر , وإن ورد منصوبا منونا جاز , ومعناه لم أكن في التقريب والإدلال بمنزلة الحبيب . قال صاحب التحرير : كلمة تقال على سبيل التواضع , أي لست في تلك الدرجة . قال : وقد وقع لي فيه معنى مليح وهو أن الفضل الذي أعطيته كان بسفارة جبريل , ولكن ائتوا موسى الذي كلمه الله بلا واسطة , وكرر وراء إشارة إلى نبينا صلى الله عليه وسلم لأنه حصلت له الرؤية والسماع بلا واسطة , فكأنه قال أنا من وراء موسى الذي هو من وراء محمد , قال البيضاوي : الحق أن الكلمات الثلاث إنما كانت من معاريض الكلام , لكن لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها استصغارا لنفسه عن الشفاعة مع وقوعها , لأن من كان أعرف بالله وأقرب إليه منزلة كان أعظم خوفا . ‏

‏قوله ( ائتوا موسى الذي كلمه الله ) ‏
‏في رواية مسلم " ولكن ائتوا موسى " وزاد " وأعطاه التوراة " وكذا في رواية هشام وغيره , وفي رواية معبد بن هلال " ولكن عليكم بموسى فهو كليم الله " وفي رواية الإسماعيلي " عبدا أعطاه الله التوراة وكلمه تكليما " زاد همام في روايته " وقربه نجيا " وفي رواية حذيفة المقرونة " اعمدوا إلى موسى " . ‏

‏قوله ( فيأتونه ) ‏
‏في رواية مسلم " فيأتون موسى فيقول " وفي حديث أبي هريرة " فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالته وكلامه على الناس , اشفع لنا " فذكر مثل آدم قولا وجوابا لكنه قال : " إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها " . ‏

‏قوله ( فيقول لست هناكم ) ‏
‏زاد مسلم " فيذكر خطيئته التي أصاب قتل النفس " وللإسماعيلي " فيستحيي ربه منها " وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور إني قتلت نفسا بغير نفس , وإن يغفر لي اليوم حسبي " وفي حديث أبي هريرة " إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها " وذكر مثل ما في آدم . ‏

‏قوله ( ائتوا عيسى ) ‏
‏زاد مسلم " روح الله وكلمته " وفي رواية هشام " عبد الله ورسوله وكلمته وروحه " وفي حديث أبي بكر " فإنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى " . ‏

‏قوله ( فيأتونه ) ‏
‏في رواية مسلم " فيأتون عيسى فيقول : لست هناكم " وفي حديث أبي هريرة " فيقولون : يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد صبيا , اشفع لنا إلى ربك , ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ مثل آدم قولا وجوابا لكن قال : ولم يذكر ذنبا " لكن وقع في رواية الترمذي من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد " إني عبدت من دون الله " وفي رواية أحمد والنسائي من حديث ابن عباس " إني اتخذت إلها من دون الله " وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه وزاد " وإن يغفر لي اليوم حسبي " . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 05:57 PM
‏قوله ( ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ) ‏
‏في رواية مسلم " عبد غفر له إلخ " زاد ثابت " من ذنبه " وفي رواية هشام " غفر الله له " وفي رواية معتمر " انطلقوا إلى من جاء اليوم مغفورا له ليس عليه ذنب " وفي رواية ثابت أيضا " خاتم النبيين قد حضر اليوم , أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه أكان يقدر على ما في الوعاء حتى يفض الخاتم " وعند سعيد بن منصور من هذا الوجه " فيرجعون إلى آدم فيقول أرأيتم إلخ " وفي حديث أبي بكر " ولكن انطلقوا إلى سيد ولد آدم فإنه أول من تنشق عنه الأرض " قال عياض : اختلفوا في تأويل قوله تعالى ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) فقيل : المتقدم ما قبل النبوة والمتأخر العصمة . وقيل : ما وقع عن سهو أو تأويل . وقيل : المتقدم ذنب آدم والمتأخر ذنب أمته , وقيل : المعنى أنه مغفور له غير مؤاخذ لو وقع , وقيل غير ذلك . قلت : واللائق بهذا المقام القول الرابع , وأما الثالث فلا يتأتى هنا , ويستفاد من قول عيسى في حق نبينا هذا ومن قول موسى فيما تقدم " إني قتلت نفسا بغير نفس وإن يغفر لي اليوم حسبي " مع أن الله قد غفر له بنص القرآن , التفرقة بين من وقع منه شيء ومن لم يقع شيء أصلا , فإن موسى عليه السلام مع وقوع المغفرة له لم يرتفع إشفاقه من المؤاخذة بذلك ورأى في نفسه تقصيرا عن مقام الشفاعة مع وجود ما صدر منه , بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك كله , ومن ثم احتج عيسى بأنه صاحب الشفاعة لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر بمعنى أن الله أخبر أنه لا يؤاخذه بذنب لو وقع منه , وهذا من النفائس التي فتح الله بها في فتح الباري فله الحمد . ‏

‏قوله ( فيأتوني ) ‏
‏في رواية النضر بن أنس عن أبيه " حدثني نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : إني لقائم أنتظر أمتي تعبر الصراط إذ جاء عيسى فقال : يا محمد هذه الأنبياء قد جاءتك يسألون لتدعو الله أن يفرق جمع الأمم إلى حيث يشاء لغم ما هم فيه " فأفادت هذه الرواية تعيين موقف النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ , وأن هذا الذي وصف من كلام أهل الموقف كله يقع عند نصب الصراط بعد تساقط الكفار في النار كما سيأتي بيانه قريبا , وأن عيسى عليه السلام هو الذي يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم , وأن الأنبياء جميعا يسألونه في ذلك . وقد أخرج الترمذي وغيره من حديث أبي بن كعب في نزول القرآن على سبعة أحرف وفيه " وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام " ووقع في رواية معبد بن هلال " فيأتوني فأقول : أنا لها أنا لها " زاد عقبة بن عامر عند ابن المبارك في الزهد " فيأذن الله لي فأقوم , فيثور من مجلسي أطيب ريح شمها أحد " وفي حديث سلمان بن أبي بكر بن أبي شيبة " يأتون محمدا فيقولون : يا نبي الله أنت الذي فتح الله بك وختم , وغفر لك ما تقدم وما تأخر , وجئت في هذا اليوم آمنا وترى ما نحن فيه , فقم فاشفع لنا إلى ربنا . فيقول : أنا صاحبكم , فيجوش الناس حتى ينتهي إلى باب الجنة " وفي رواية معتمر " فيقول : أنا صاحبها " . ‏

‏قوله ( فأستأذن ) ‏
‏في رواية هشام " فأنطلق حتى أستأذن " . ‏

‏قوله ( على ربي ) ‏
‏زاد همام " في داره فيؤذن لي " قال عياض : أي في الشفاعة . وتعقب بأن ظاهر ما تقدم أن استئذانه الأول والإذن له إنما هو في دخول الدار وهي الجنة , وأضيفت إلى الله تعالى إضافة تشريف , ومنه ( والله يدعو إلى دار السلام ) على القول بأن المراد بالسلام هنا الاسم العظيم وهو من أسماء الله تعالى , قيل الحكمة في انتقال النبي صلى الله عليه وسلم من مكانه إلى دار السلام أن أرض الموقف لما كانت مقام عرض وحساب كانت مكان مخافة وإشفاق , ومقام الشافع يناسب أن يكون في مكان إكرام , ومن ثم يستحب أن يتحرى للدعاء المكان الشريف لأن الدعاء فيه أقرب للإجابة . قلت : وتقدم في بعض طرقه أن من جملة سؤال أهل الموقف استفتاح باب الجنة . وقد ثبت في صحيح مسلم أنه أول من يستفتح باب الجنة , وفي رواية علي بن زيد عن أنس عند الترمذي " فآخذ حلقة باب الجنة فأقعقعها فيقال : من هذا ؟ فأقول : محمد , فيفتحون لي ويرحبون , فأخر ساجدا " وفي رواية ثابت عن أنس عند مسلم " فيقول الخازن : من ؟ فأقول : محمد , فيقول : بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك " وله من رواية المختار بن فلفل عن أنس رفعه " أنا أول من يقرع باب الجنة " وفي رواية قتادة عن أنس " آتي باب الجنة فأستفتح فيقال : من هذا ؟ فأقول : محمد , فيقال : مرحبا بمحمد " وفي حديث سلمان " فيأخذ بحلقة الباب وهي من ذهب فيقرع الباب فيقال : من هذا ؟ فيقول : محمد , فيفتح له حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السجود فيؤذن له " وفي حديث أبي بكر الصديق " فيأتي جبريل ربه فيقول ائذن له " . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 05:58 PM
‏قوله ( فإذا رأيته وقعت له ساجدا ) ‏
‏في رواية أبي بكر " فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي " وفي رواية لابن حبان من طريق ثوبان عن أنس " فيتجلى له الرب ولا يتجلى لشيء قبله " وفي حديث أبي بن كعب عند أبي يعلى رفعه " يعرفني الله نفسه , فأسجد له سجدة يرضى بها عني , ثم أمتدحه بمدحة يرضى بها عني " . ‏

‏قوله ( فيدعني ما شاء الله ) ‏
‏زاد مسلم " أن يدعني " وكذا في رواية هشام , وفي حديث عبادة بن الصامت " فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا شاكرا له " وفي رواية معبد بن هلال " فأقوم بين يديه فيلهمني محامد لا أقدر عليها الآن فأحمده بتلك المحامد , ثم أخر له ساجدا " وفي حديث أبي بكر الصديق " فينطلق إليه جبريل فيخر ساجدا قدر جمعة " . ‏

‏قوله ( ثم يقال لي ارفع رأسك ) ‏
‏في رواية مسلم " فيقال يا محمد " وكذا في أكثر الروايات , وفي رواية النضر بن أنس " فأوحى الله إلى جبريل أن اذهب إلى محمد فقل له ارفع رأسك " فعلى هذا فالمعنى يقول لي على لسان جبريل . ‏

‏قوله ( وسل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع ) ‏
‏في رواية مسلم بغير واو , وسقط من أكثر الروايات " وقل يسمع " ووقع في حديث أبي بكر " فيرفع رأسه فإذا نظر إلى ربه خر ساجدا قدر جمعة " وفي حديث سلمان " فينادي يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع وادع تجب " . ‏

‏قوله ( فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمني ) ‏
‏وفي رواية هشام " يعلمنيه " وفي رواية ثابت " بمحامد لم يحمده بها أحد قبلي , ولا يحمده بها أحد بعدي " وفي حديث سلمان " فيفتح الله له من الثناء والتحميد والتمجيد ما لم يفتح لأحد من الخلائق " وكأنه صلى الله عليه وسلم يلهم التحميد قبل سجوده وبعده , وفيه " ويكون في كل مكان ما يليق به " وقد ورد ما لعله يفسر به بعض ذلك لا جميعه , ففي النسائي ومصنف عبد الرزاق ومعجم الطبراني من حديث حذيفة رفعه قال " يجمع الناس في صعيد واحد فيقال : يا محمد , فأقول : لبيك وسعديك والخير في يديك والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك تباركت وتعاليت سبحانك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك " زاد عبد الرزاق " سبحانك رب البيت " فذلك قوله ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) قال ابن منده في كتاب الإيمان : هذا حديث مجمع على صحة إسناده وثقة رواته . ‏

‏قوله ( ثم أشفع ) ‏
‏في رواية معبد بن هلال " فأقول رب أمتي أمتي أمتي " وفي حديث أبي هريرة نحوه . ‏

‏قوله ( فيحد لي حدا ) ‏
‏يبين لي في كل طور من أطوار الشفاعة حدا أقف عنده فلا أتعداه , مثل أن يقول شفعتك فيمن أخل بالجماعة ثم فيمن أخل بالصلاة ثم فيمن شرب الخمر ثم فيمن زنى وعلى هذا الأسلوب , كذا حكاه الطيبي , والذي يدل عليه سياق الأخبار أن المراد به تفضيل مراتب المخرجين في الأعمال الصالحة كما وقع عند أحمد عن يحيى القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في هذا الحديث بعينه وسأنبه عليه في آخره , وكما تقدم في رواية هشام عن قتادة عن أنس في كتاب الإيمان بلفظ " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة " وفي رواية ثابت عند أحمد " فأقول : أي رب أمتي أمتي , فيقول : أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة " ثم ذكر نحو ما تقدم وقال " مثقال ذرة " ثم قال " مثقال حبة من خردل " ولم يذكر بقية الحديث . ووقع في طريق النضر بن أنس قال " فشفعت في أمتي أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانا واحدا , فما زلت أتردد على ربي لا أقوم منه مقاما إلا شفعت " وفي حديث سلمان " فيشفع في كل من كان في قلبه مثقال حبة من حنطة ثم شعيرة ثم حبة من خردل فذلك المقام المحمود " وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من هذا في شرح الحديث الثالث عشر , ويأتي مبسوطا في شرح حديث الباب الذي يليه . ‏

‏قوله ( ثم أخرجهم من النار ) ‏
‏قال الداودي : كأن راوي هذا الحديث ركب شيئا على غير أصله وذلك أن في أول الحديث ذكر الشفاعة في الإراحة من كرب الموقف , وفي آخره ذكر الشفاعة في الإخراج من النار , يعني وذلك إنما يكون بعد التحول من الموقف والمرور على الصراط وسقوط من يسقط في تلك الحالة في النار , ثم يقع بعد ذلك الشفاعة في الإخراج . وهو إشكال قوي , وقد أجاب عنه عياض وتبعه النووي وغيره بأنه قد وقع في حديث حذيفة المقرون بحديث أبي هريرة بعد قوله " فيأتون محمدا فيقوم ويؤذن له " أي في الشفاعة " وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبي الصراط يمينا وشمالا فيمر أولكم كالبرق " الحديث . قال عياض : فبهذا يتصل الكلام , لأن الشفاعة التي لجأ الناس إليه فيها هي الإراحة من كرب الموقف , ثم تجيء الشفاعة في الإخراج , وقد وقع في حديث أبي هريرة - يعني الآتي في الباب الذي يليه بعد ذكر الجمع في الموقف - الأمر باتباع كل أمة ما كانت تعبد , ثم تمييز المنافقين من المؤمنين , ثم حلول الشفاعة بعد وضع الصراط والمرور عليه , فكان الأمر باتباع كل أمة ما كانت تعبد هو أول فصل القضاء والإراحة من كرب الموقف , قال : وبهذا تجتمع متون الأحاديث وتترتب معانيها . قلت : فكأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر , وسيأتي بقيته في شرح حديث الباب الذي يليه وفيه " حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا وفي جانبي الصراط كلاليب مأمورة بأخذ من أمرت به , فمخدوش ناج ومكدوش في النار " 00000000000فظهر منه أنه صلى الله عليه وسلم أول ما يشفع ليقضى بين الخلق , وأن الشفاعة فيمن يخرج من النار ممن سقط تقع بعد ذلك , وقد وقع ذلك صريحا في حديث ابن عمر اختصر في سياقه الحديث الذي ساقه أنس وأبو هريرة مطولا . وقد تقدم في كتاب الزكاة من طريق حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه بلفظ " إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن , فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد فيشفع ليقضى بين الخلق , فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب , فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم " ووقع في حديث أبي بن كعب عند أبي يعلى " ثم أمتدحه بمدحة يرضى بها عني , ثم يؤذن لي في الكلام , ثم تمر أمتي على الصراط وهو منصوب بين ظهراني جهنم فيمرون " وفي حديث ابن عباس من رواية عبد الله بن الحارث عنه عند أحمد " فيقول عز وجل : يا محمد ما تريد أن أصنع في أمتك ؟ فأقول : يا رب عجل حسابهم " وفي رواية عن ابن عباس عند أحمد وأبي يعلى " فأقول أنا لها , حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى , فإذا أراد الله أن يفرغ من خلقه نادى مناد : أين محمد وأمته " الحديث وسيأتي بيان ما يقع في الموقف قبل نصب الصراط في شرح حديث الباب الذي يليه . وتعرض الطيبي للجواب عن الإشكال بطريق آخر فقال : يجوز أن يراد بالنار الحبس والكرب والشدة التي كان أهل الموقف فيها من دنو الشمس إلى رءوسهم وكربهم بحرها وسفعها حتى ألجمهم العرق , وأن يراد بالخروج منها خلاصهم من تلك الحالة التي كانوا فيها . قلت : وهو احتمال بعيد , إلا أن يقال إنه يقع إخراجان وقع ذكر أحدهما في حديث الباب على اختلاف طرقه والمراد به الخلاص من كرب الموقف , والثاني في حديث الباب الذي يليه ويكون قوله فيه " فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه " بعد تمام الخلاص من الموقف ونصب الصراط والإذن في المرور عليه , ويقع الإخراج الثاني لمن يسقط في النار حال المرور فيتحدا , وقد أشرت إلى الاحتمال المذكور في شرح حديث العرق في " باب قوله تعالى ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون " والعلم عند الله تعالى . وأجاب القرطبي عن أصل الإشكال بأن في قوله آخر حديث أبي زرعة عن أبي هريرة بعد قوله صلى الله عليه وسلم فأقول يا رب أمتي أمتي " فيقال أدخل من أمتك من الباب الأيمن من أبواب الجنة من لا حساب عليه ولا عذاب " قال : في هذا ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع فيما طلب من تعجيل الحساب , فإنه لما أذن له في إدخال من لا حساب عليه دل على تأخير من عليه حساب ليحاسب , ووقع في حديث الصور الطويل عند أبي يعلى " فأقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة , فيقول الله : وقد شفعتك فيهم وأذنت لهم في دخول الجنة " قلت : وفيه إشعار بأن العرض والميزان وتطاير الصحف يقع في هذا الموطن , ثم ينادي المنادي : ليتبع كل أمة من كانت تعبد , فيسقط الكفار في النار , ثم يميز بين المؤمنين والمنافقين بالامتحان بالسجود عند كشف الساق , ثم يؤذن في نصب الصراط والمرور عليه , فيطفأ نور المنافقين فيسقطون في النار أيضا , ويمر المؤمنون عليه إلى الجنة , فمن العصاة من يسقط ويوقف بعض من نجا عند القنطرة للمقاصصة بينهم ثم يدخلون الجنة , وسيأتي تفصيل ذلك واضحا في شرح حديث الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى . ثم وقفت في تفسير يحيى بن سلام البصري نزيل مصر ثم إفريقية - وهو في طبقة يزيد بن هارون , وقد ضعفه الدارقطني , وقال أبو حاتم الرازي صدوق , وقال أبو زرعة ربما وهم , وقال ابن عدي يكتب حديثه مع ضعفه - فنقل فيه عن الكلبي قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار بقيت زمرة من آخر زمر الجنة إذا خرج المؤمنون من الصراط بأعمالهم فيقول آخر زمرة من زمر النار لهم وقد بلغت النار منهم كل مبلغ : أما نحن فقد أخذنا بما في قلوبنا من الشك والتكذيب , فما نفعكم أنتم توحيدكم ؟ قال فيصرخون عند ذلك يدعون ربهم , فيسمعهم أهل الجنة فيأتون آدم , فذكر الحديث في إتيانهم الأنبياء المذكورين قبل واحدا واحدا إلى محمد صلى الله عليه وسلم , فينطلق فيأتي رب العزة فيسجد له حتى يأمره أن يرفع رأسه ثم يسأله ما تريد ؟ وهو أعلم به , فيقول : رب أناس من عبادك أصحاب ذنوب لم يشركوا بك وأنت أعلم بهم , فعيرهم أهل الشرك بعبادتهم إياك , فيقول وعزتي لأخرجنهم فيخرجهم قد احترقوا , فينضح عليهم من الماء حتى ينبتوا ثم يدخلون الجنة فيسمون الجهنميين , فيغبطه عند ذلك الأولون والآخرون , فذلك قوله ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) . قلت : فهذا لو ثبت لرفع الإشكال لكن الكلبي ضعيف , ومع ذلك لم يسنده , ثم هو مخالف لصريح الأحاديث الصحيحة أن سؤال المؤمنين الأنبياء واحدا بعد واحد إنما يقع في الموقف قبل دخول المؤمنين الجنة والله أعلم . وقد تمسك بعض المبتدعة من المرجئة بالاحتمال المذكور في دعواه أن أحدا من الموحدين لا يدخل النار أصلا , وإنما المراد بما جاء من أن النار تسفعهم أو تلفحهم , وما جاء في الإخراج من النار جميعه محمول على ما يقع لهم من الكرب في الموقف , وهو تمسك باطل , وأقوى ما يرد به عليه ما تقدم في الزكاة من حديث أبي هريرة في قصة مانع الزكاة واللفظ لمسلم " ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها منها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة , حتى يقضى بين العباد , فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار " الحديث بطوله وفيه ذكر الذهب والفضة والبقر والغنم , وهو دال على تعذيب من شاء الله من العصاة بالنار حقيقة زيادة على كرب الموقف . وورد في سبب إخراج بقية الموحدين من النار ما تقدم أن الكفار يقولون لهم : ما أغنى عنكم قول لا إله إلا الله وأنتم معنا , فيغضب الله لهم فيخرجهم . وهو مما يرد به على المبتدعة المذكورين . وسأذكره في شرح حديث الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 05:59 PM
‏قوله ( فيحد لي حدا ) ‏
‏يبين لي في كل طور من أطوار الشفاعة حدا أقف عنده فلا أتعداه , مثل أن يقول شفعتك فيمن أخل بالجماعة ثم فيمن أخل بالصلاة ثم فيمن شرب الخمر ثم فيمن زنى وعلى هذا الأسلوب , كذا حكاه الطيبي , والذي يدل عليه سياق الأخبار أن المراد به تفضيل مراتب المخرجين في الأعمال الصالحة كما وقع عند أحمد عن يحيى القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في هذا الحديث بعينه وسأنبه عليه في آخره , وكما تقدم في رواية هشام عن قتادة عن أنس في كتاب الإيمان بلفظ " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة " وفي رواية ثابت عند أحمد " فأقول : أي رب أمتي أمتي , فيقول : أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة " ثم ذكر نحو ما تقدم وقال " مثقال ذرة " ثم قال " مثقال حبة من خردل " ولم يذكر بقية الحديث . ووقع في طريق النضر بن أنس قال " فشفعت في أمتي أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانا واحدا , فما زلت أتردد على ربي لا أقوم منه مقاما إلا شفعت " وفي حديث سلمان " فيشفع في كل من كان في قلبه مثقال حبة من حنطة ثم شعيرة ثم حبة من خردل فذلك المقام المحمود " وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من هذا في شرح الحديث الثالث عشر , ويأتي مبسوطا في شرح حديث الباب الذي يليه . ‏

‏قوله ( ثم أخرجهم من النار ) ‏
‏قال الداودي : كأن راوي هذا الحديث ركب شيئا على غير أصله وذلك أن في أول الحديث ذكر الشفاعة في الإراحة من كرب الموقف , وفي آخره ذكر الشفاعة في الإخراج من النار , يعني وذلك إنما يكون بعد التحول من الموقف والمرور على الصراط وسقوط من يسقط في تلك الحالة في النار , ثم يقع بعد ذلك الشفاعة في الإخراج . وهو إشكال قوي , وقد أجاب عنه عياض وتبعه النووي وغيره بأنه قد وقع في حديث حذيفة المقرون بحديث أبي هريرة بعد قوله " فيأتون محمدا فيقوم ويؤذن له " أي في الشفاعة " وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبي الصراط يمينا وشمالا فيمر أولكم كالبرق " الحديث . قال عياض : فبهذا يتصل الكلام , لأن الشفاعة التي لجأ الناس إليه فيها هي الإراحة من كرب الموقف , ثم تجيء الشفاعة في الإخراج , وقد وقع في حديث أبي هريرة - يعني الآتي في الباب الذي يليه بعد ذكر الجمع في الموقف - الأمر باتباع كل أمة ما كانت تعبد , ثم تمييز المنافقين من المؤمنين , ثم حلول الشفاعة بعد وضع الصراط والمرور عليه , فكان الأمر باتباع كل أمة ما كانت تعبد هو أول فصل القضاء والإراحة من كرب الموقف , قال : وبهذا تجتمع متون الأحاديث وتترتب معانيها . قلت : فكأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر , وسيأتي بقيته في شرح حديث الباب الذي يليه وفيه " حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا وفي جانبي الصراط كلاليب مأمورة بأخذ من أمرت به , فمخدوش ناج ومكدوش في النار " 00000000000فظهر منه أنه صلى الله عليه وسلم أول ما يشفع ليقضى بين الخلق , وأن الشفاعة فيمن يخرج من النار ممن سقط تقع بعد ذلك , وقد وقع ذلك صريحا في حديث ابن عمر اختصر في سياقه الحديث الذي ساقه أنس وأبو هريرة مطولا . وقد تقدم في كتاب الزكاة من طريق حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه بلفظ " إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن , فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد فيشفع ليقضى بين الخلق , فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب , فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم " ووقع في حديث أبي بن كعب عند أبي يعلى " ثم أمتدحه بمدحة يرضى بها عني , ثم يؤذن لي في الكلام , ثم تمر أمتي على الصراط وهو منصوب بين ظهراني جهنم فيمرون " وفي حديث ابن عباس من رواية عبد الله بن الحارث عنه عند أحمد " فيقول عز وجل : يا محمد ما تريد أن أصنع في أمتك ؟ فأقول : يا رب عجل حسابهم " وفي رواية عن ابن عباس عند أحمد وأبي يعلى " فأقول أنا لها , حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى , فإذا أراد الله أن يفرغ من خلقه نادى مناد : أين محمد وأمته " الحديث وسيأتي بيان ما يقع في الموقف قبل نصب الصراط في شرح حديث الباب الذي يليه . وتعرض الطيبي للجواب عن الإشكال بطريق آخر فقال : يجوز أن يراد بالنار الحبس والكرب والشدة التي كان أهل الموقف فيها من دنو الشمس إلى رءوسهم وكربهم بحرها وسفعها حتى ألجمهم العرق , وأن يراد بالخروج منها خلاصهم من تلك الحالة التي كانوا فيها . قلت : وهو احتمال بعيد , إلا أن يقال إنه يقع إخراجان وقع ذكر أحدهما في حديث الباب على اختلاف طرقه والمراد به الخلاص من كرب الموقف , والثاني في حديث الباب الذي يليه ويكون قوله فيه " فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه " بعد تمام الخلاص من الموقف ونصب الصراط والإذن في المرور عليه , ويقع الإخراج الثاني لمن يسقط في النار حال المرور فيتحدا , وقد أشرت إلى الاحتمال المذكور في شرح حديث العرق في " باب قوله تعالى ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون " والعلم عند الله تعالى . وأجاب القرطبي عن أصل الإشكال بأن في قوله آخر حديث أبي زرعة عن أبي هريرة بعد قوله صلى الله عليه وسلم فأقول يا رب أمتي أمتي " فيقال أدخل من أمتك من الباب الأيمن من أبواب الجنة من لا حساب عليه ولا عذاب " قال : في هذا ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع فيما طلب من تعجيل الحساب , فإنه لما أذن له في إدخال من لا حساب عليه دل على تأخير من عليه حساب ليحاسب , ووقع في حديث الصور الطويل عند أبي يعلى " فأقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة , فيقول الله : وقد شفعتك فيهم وأذنت لهم في دخول الجنة " قلت : وفيه إشعار بأن العرض والميزان وتطاير الصحف يقع في هذا الموطن , ثم ينادي المنادي : ليتبع كل أمة من كانت تعبد , فيسقط الكفار في النار , ثم يميز بين المؤمنين والمنافقين بالامتحان بالسجود عند كشف الساق , ثم يؤذن في نصب الصراط والمرور عليه , فيطفأ نور المنافقين فيسقطون في النار أيضا , ويمر المؤمنون عليه إلى الجنة , فمن العصاة من يسقط ويوقف بعض من نجا عند القنطرة للمقاصصة بينهم ثم يدخلون الجنة , وسيأتي تفصيل ذلك واضحا في شرح حديث الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى . ثم وقفت في تفسير يحيى بن سلام البصري نزيل مصر ثم إفريقية - وهو في طبقة يزيد بن هارون , وقد ضعفه الدارقطني , وقال أبو حاتم الرازي صدوق , وقال أبو زرعة ربما وهم , وقال ابن عدي يكتب حديثه مع ضعفه - فنقل فيه عن الكلبي قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار بقيت زمرة من آخر زمر الجنة إذا خرج المؤمنون من الصراط بأعمالهم فيقول آخر زمرة من زمر النار لهم وقد بلغت النار منهم كل مبلغ : أما نحن فقد أخذنا بما في قلوبنا من الشك والتكذيب , فما نفعكم أنتم توحيدكم ؟ قال فيصرخون عند ذلك يدعون ربهم , فيسمعهم أهل الجنة فيأتون آدم , فذكر الحديث في إتيانهم الأنبياء المذكورين قبل واحدا واحدا إلى محمد صلى الله عليه وسلم , فينطلق فيأتي رب العزة فيسجد له حتى يأمره أن يرفع رأسه ثم يسأله ما تريد ؟ وهو أعلم به , فيقول : رب أناس من عبادك أصحاب ذنوب لم يشركوا بك وأنت أعلم بهم , فعيرهم أهل الشرك بعبادتهم إياك , فيقول وعزتي لأخرجنهم فيخرجهم قد احترقوا , فينضح عليهم من الماء حتى ينبتوا ثم يدخلون الجنة فيسمون الجهنميين , فيغبطه عند ذلك الأولون والآخرون , فذلك قوله ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) . قلت : فهذا لو ثبت لرفع الإشكال لكن الكلبي ضعيف , ومع ذلك لم يسنده , ثم هو مخالف لصريح الأحاديث الصحيحة أن سؤال المؤمنين الأنبياء واحدا بعد واحد إنما يقع في الموقف قبل دخول المؤمنين الجنة والله أعلم . وقد تمسك بعض المبتدعة من المرجئة بالاحتمال المذكور في دعواه أن أحدا من الموحدين لا يدخل النار أصلا , وإنما المراد بما جاء من أن النار تسفعهم أو تلفحهم , وما جاء في الإخراج من النار جميعه محمول على ما يقع لهم من الكرب في الموقف , وهو تمسك باطل , وأقوى ما يرد به عليه ما تقدم في الزكاة من حديث أبي هريرة في قصة مانع الزكاة واللفظ لمسلم " ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها منها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة , حتى يقضى بين العباد , فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار " الحديث بطوله وفيه ذكر الذهب والفضة والبقر والغنم , وهو دال على تعذيب من شاء الله من العصاة بالنار حقيقة زيادة على كرب الموقف . وورد في سبب إخراج بقية الموحدين من النار ما تقدم أن الكفار يقولون لهم : ما أغنى عنكم قول لا إله إلا الله وأنتم معنا , فيغضب الله لهم فيخرجهم . وهو مما يرد به على المبتدعة المذكورين . وسأذكره في شرح حديث الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى . ‏

. ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 06:00 PM
‏قوله ( ثم أعود فأقع ساجدا مثله في الثالثة أو الرابعة ) ‏
‏في رواية هشام " فأحد لهم حدا فأدخلهم الجنة , ثم أرجع ثانيا فأستأذن " إلى أن قال " ثم أحد لهم حدا ثالثا فأدخلهم الجنة ثم أرجع " هكذا في أكثر الروايات . ووقع عند أحمد من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة " ثم أعود الرابعة فأقول : يا رب ما بقي إلا من حبسه القرآن " ولم يشك بل جزم بأن هذا القول يقع في الرابعة . ووقع في رواية معبد بن هلال عن أنس أن الحسن حدث معبدا بعد ذلك بقوله " فأقوم الرابعة " وفيه قول الله له " ليس ذلك لك " وأن الله يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وإن لم يعمل خيرا قط . فعلى هذا فقوله " حبسه القرآن " يتناول الكفار وبعض العصاة ممن ورد في القرآن في حقه التخليد , ثم يخرج العصاة في القبضة وتبقى الكفار , ويكون المراد بالتخليد في حق العصاة المذكورين البقاء في النار بعد إخراج من تقدمهم . ‏

‏قوله ( حتى ما يبقى ) ‏
‏في رواية الكشميهني " ما بقي " وفي رواية هشام بعد الثالثة " حتى أرجع فأقول " . ‏

‏قوله ( إلا من حبسه القرآن , وكان قتادة يقول عند هذا : أي وجب عليه الخلود ) ‏
‏في رواية همام " إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود " كذا أبهم قائل " أي وجب " وتبين من رواية أبي عوانة أنه قتادة أحد رواته . ووقع في رواية هشام وسعيد " فأقول : ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود " وسقط من رواية سعيد عند مسلم " ووجب عليه الخلود " وعنده من رواية هشام مثل ما ذكرت من رواية همام , فتعين أن قوله " ووجب عليه الخلود " في رواية هشام مدرج في المرفوع لما تبين من رواية أبي عوانة أنها من قول قتادة فسر به قوله " من حبسه القرآن " أي من أخبر القرآن بأنه يخلد في النار . ووقع في رواية همام بعد قوله أي وجب عليه الخلود " وهو المقام المحمود الذي وعده الله " وفي رواية شيبان " إلا من حبسه القرآن , يقول : وجب عليه الخلود , وقال : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " وفي رواية سعيد عند أحمد بعد قوله إلا من حبسه القرآن " قال فحدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فيخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة " الحديث وهو الذي فصله هشام من الحديث وسبق سياقه في كتاب الإيمان مفردا , ووقع في رواية معبد بن هلال بعد روايته عن أنس من روايته عن الحسن البصري عن أنس قال " ثم أقوم الرابعة فأقول أي رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله , فيقول لي ليس ذلك لك " فذكر بقية الحديث في إخراجهم , وقد تمسك به بعض المبتدعة في دعواهم أن من دخل النار من العصاة لا يخرج منها لقوله تعالى ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ) وأجاب أهل السنة بأنها نزلت في الكفار , وعلى تسليم أنها في أعم من ذلك فقد ثبت تخصيص الموحدين بالإخراج , ولعل التأييد في حق من يتأخر بعد شفاعة الشافعين حتى يخرجوا بقبضة أرحم الراحمين كما سيأتي بيانه في شرح حديث الباب الذي يليه , فيكون التأييد مؤقتا , وقال عياض : استدل بهذا الحديث من جوز الخطايا على الأنبياء كقول كل من ذكر فيه ما ذكر , وأجاب عن أصل المسألة بأنه لا خلاف في عصمتهم من الكفر بعد النبوة وكذا قبلها على الصحيح , وكذا القول في الكبيرة على التفصيل المذكور , ويلتحق بها ما يزري بفاعله من الصغائر , وكذا القول في كل ما يقدح في الإبلاغ من جهة القول , واختلفوا في الفعل فمنعه بعضهم حتى في النسيان , وأجاز الجمهور السهو لكن لا يحصل التمادي , واختلفوا فيما عدا ذلك كله من الصغائر فذهب جماعة من أهل النظر إلى عصمتهم منها مطلقا , وأولوا الأحاديث والآيات الواردة في ذلك بضروب من التأويل , ومن جملة ذلك أن الصادر عنهم إما أن يكون بتأويل من بعضهم أو بسهو أو بإذن , لكن خشوا أن لا يكون ذلك موافقا لمقامهم فأشفقوا من المؤاخذة أو المعاتبة , قال : وهذا أرجح المقالات , وليس هو مذهب المعتزلة وإن قالوا بعصمتهم مطلقا لأن منزعهم في ذلك التكفير بالذنوب مطلقا ولا يجوز على النبي الكفر , ومنزعنا أن أمة النبي مأمورة بالاقتداء به في أفعاله فلو جاز منه وقوع المعصية للزم الأمر بالشيء الواحد والنهي عنه في حالة واحدة وهو باطل . ثم قال عياض : وجميع ما ذكر في حديث الباب لا يخرج عما قلناه لأن أكل آدم من الشجرة كان عن سهو , وطلب نوح نجاة ولده كان عن تأويل , ومقالات إبراهيم كانت معاريض وأراد بها الخير , وقتيل موسى كان كافرا كما تقدم بسط ذلك والله أعلم . وفيه جواز إطلاق الغضب على الله والمراد به ما يظهر من انتقامه ممن عصاه , وما يشاهده أهل الموقف من الأهوال التي لم يكن مثالها ولا يكون , كذا قرره النووي . وقال غيره المراد بالغضب لازمه وهو إرادة إيصال السوء للبعض , وقول آدم ومن بعده " نفسي نفسي نفسي " أي نفسي هي التي تستحق أن يشفع لها , لأن المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد به بعض اللوازم , ويحتمل أن يكون أحدهما محذوفا . وفيه تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق لأن الرسل والأنبياء والملائكة أفضل ممن سواهم , وقد ظهر فضله في هذا المقام عليهم , قال القرطبي : ولو لم يكن في ذلك إلا الفرق بين من يقول نفسي نفسي وبين من يقول أمتي أمتي لكان كافيا , وفيه تفضيل الأنبياء المذكورين فيه على من لم يذكر فيه لتأهلهم لذلك المقام العظيم دون من سواهم , وقد قيل إنما اختص المذكورون بذلك لمزايا أخرى لا تتعلق بالتفضيل , فآدم لكونه والد الجميع , ونوح لكونه الأب الثاني , وإبراهيم للأمر باتباع ملته , وموسى لأنه أكثر الأنبياء تبعا وعيسى لأنه أولى الناس بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الحديث الصحيح . ويحتمل أن يكونوا اختصوا بذلك لأنهم أصحاب شرائع عمل بها من بين من ذكر أولا ومن بعده . وفي الحديث من الفوائد غير ما ذكر أن من طلب من كبير أمرا مهما أن يقدم بين يدي سؤاله وصف المسئول بأحسن صفاته وأشرف مزاياه ليكون ذلك أدعى لإجابته لسؤاله , وفيه أن المسئول إذا لم يقدر على تحصيل ما سئل يعتذر بما يقبل منه ويدل على من يظن أنه يكمل في القيام بذلك فالدال على الخير كفاعله , وأنه يثني على المدلول عليه بأوصافه المقتضية لأهليته ويكون أدعى لقبول عذره في الامتناع , وفيه استعمال ظرف المكان في الزمان لقوله لست هناكم لأن هنا ظرف مكان فاستعملت في ظرف الزمان لأن المعنى لست في ذلك المقام , كذا قاله بعض الأئمة وفيه نظر , وإنما هو ظرف مكان على بابه لكنه المعنوي لا الحسي , مع أنه يمكن حمله على الحسي لما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم يباشر السؤال بعد أن يستأذن في دخول الجنة , وعلى قول من يفسر المقام المحمود بالقعود على العرش يتحقق ذلك أيضا . وفيه العمل بالعام قبل البحث عن المخصص أخذا من قصة نوح في طلبه نجاة ابنه , وقد يتمسك به من يرى بعكسه . وفيه أن الناس يوم القيامة يستصحبون حالهم في الدنيا من التوسل إلى الله تعالى في حوائجهم بأنبيائهم , والباعث على ذلك الإلهام كما تقدم في صدر الحديث . وفيه أنهم يستشير بعضهم بعضا ويجمعون على الشيء المطلوب وأنهم يغطى عنهم بعض ما علموه في الدنيا لأن في السائلين من سمع هذا الحديث ومع ذلك فلا يستحضر أحد منهم أن ذلك المقام يختص به نبينا صلى الله عليه وسلم , إذ لو استحضروا ذلك لسألوه من أول وهلة ولما احتاجوا إلى التردد من نبي إلى نبي , ولعل الله تعالى أنساهم ذلك للحكمة التي تترتب عليه من إظهار فضل نبينا صلى الله عليه وسلم كما تقدم تقريره

ahmedaboali
02-03-2009, 06:01 PM
‏حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏عن ‏ ‏عبيدة ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا رجل يخرج من النار كبوا فيقول الله اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها ‏ ‏أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا ‏ ‏فيقول تسخر مني ‏ ‏أو تضحك مني ‏ ‏وأنت الملك فلقد رأيت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ضحك حتى بدت نواجذه وكان يقول ذاك أدنى أهل الجنة منزلة ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( جرير ) ‏
‏هو ابن عبد الحميد , ‏
‏ومنصور ‏
‏هو ابن المعتمر , ‏
‏وإبراهيم ‏
‏هو النخعي , ‏
‏وعبيدة ‏
‏بفتح أوله هو ابن عمرو , وهذا السند كله كوفيون . ‏

‏قوله ( إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا فيها ) ‏
‏قال عياض : جاء نحو هذا في آخر من يجوز على الصراط يعني كما يأتي في آخر الباب الذي يليه قال : فيحتمل أنهما اثنان إما شخصان وإما نوعان أو جنسان , وعبر فيه بالواحد عن الجماعة لاشتراكهم في الحكم الذي كان سبب ذلك , ويحتمل أن يكون الخروج هنا بمعنى الورود وهو الجواز على الصراط فيتحد المعنى إما في شخص واحد أو أكثر . قلت : وقع عند مسلم من رواية أنس عن ابن مسعود ما يقوي الاحتمال الثاني ولفظه " آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة , فإذا ما جاوزها التفت إليها فقال : تبارك الذي نجاني منك " وعند الحاكم من طريق مسروق عن ابن مسعود ما يقتضي الجمع . ‏

‏قوله ( حبوا ) ‏
‏بمهملة وموحدة أي زحفا وزنه ومعناه . ووقع بلفظ " زحفا " في رواية الأعمش عن إبراهيم عند مسلم . ‏

‏قوله ( فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا ) ‏
‏وفي رواية الأعمش " فيقال له أتذكر الزمان الذي كنت فيه - أي الدنيا - فيقول : نعم , فيقال له : تمن , فيتمنى " . ‏

‏قوله ( أتسخر مني أو تضحك مني ) ‏
‏وفي رواية الأعمش " أتسخر بي " ولم يشك , وكذا لمسلم من رواية منصور , وله من رواية أنس عن ابن مسعود " أتستهزئ بي وأنت رب العالمين " وقال المازري : هذا مشكل , وتفسير الضحك بالرضا لا يتأتى هنا , ولكن لما كانت عادة المستهزئ أن يضحك من الذي استهزأ به ذكر معه , وأما نسبة السخرية إلى الله تعالى فهي على سبيل المقابلة وإن لم يذكره في الجانب الآخر لفظا لكنه لما ذكر أنه عاهد مرارا وغدر حل فعله محل المستهزئ وظن أن في قول الله له " ادخل الجنة " وتردده إليها وظنه أنها ملأي نوعا من السخرية به جزاء على فعله فسمى الجزاء على السخرية سخرية , ونقل عياض عن بعضهم أن ألف أتسخر مني ألف النفي كهي في قوله تعالى ( أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) على أحد الأقوال , قال : وهو كلام متدلل علم مكانه من ربه وبسطه له بالإعطاء . وجوز عياض أن الرجل قال ذلك وهو غير ضابط لما قال إذ وله عقله من السرور بما لم يخطر بباله , ويؤيده أنه قال في بعض طرقه عند مسلم لما خلص من النار " لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين " وقال القرطبي في " المفهم " أكثروا في تأويله , وأشبه ما قيل فيه أنه استخفه الفرح وأدهشه فقال ذلك , وقيل قال ذلك لكونه خاف أن يجازى على ما كان منه في الدنيا من التساهل في الطاعات وارتكاب المعاصي كفعل الساخرين , فكأنه قال : أتجازيني على ما كان مني ؟ فهو كقوله سخر الله منهم وقوله الله يستهزئ بهم أي ينزل بهم جزاء سخريتهم واستهزائهم وسيأتي بيان الاختلاف في اسم هذا الرجل في آخر شرح حديث الباب الذي يليه . ‏

‏قوله ( ضحك حتى بدت نواجذه ) ‏
‏بنون وجيم وذال معجمة جمع ناجذ , تقدم ضبطه في كتاب الصيام , وفي رواية ابن مسعود " فضحك ابن مسعود فقالوا : مم تضحك ؟ فقال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضحك رب العالمين حين قال الرجل : أتستهزئ مني ؟ قال : لا أستهزئ منك ولكني على ما أشاء قادر " قال البيضاوي : نسبة الضحك إلى الله تعالى مجاز بمعنى الرضا , وضحك النبي صلى الله عليه وسلم على حقيقته , وضحك ابن مسعود على سبيل التأسي . ‏

‏قوله ( وكان يقال : ذلك أدنى أهل الجنة منزلة ) ‏
‏قال الكرماني : ليس هذا من تتمة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو من كلام الراوي نقلا عن الصحابة أو عن غيرهم من أهل العلم . قلت : قائل " وكان يقال " هو الراوي كما أشار إليه , وأما قائل المقالة المذكورة فهو النبي صلى الله عليه وسلم , ثبت ذلك في أول حديث أبي سعيد عند مسلم ولفظه " أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار " وساق القصة , وفي رواية له من حديث المغيرة أن موسى عليه السلام سأل ربه عن ذلك , ولمسلم أيضا من طريق همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أدنى مقعد أحدكم من الجنة أن يقال له تمن فيتمنى ويتمنى فيقال إن لك ما تمنيت ومثله معه " . ‏

ahmedaboali
02-03-2009, 06:02 PM
‏حدثنا ‏ ‏أبو اليمان ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏شعيب ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏أخبرني ‏ ‏سعيد ‏ ‏وعطاء بن يزيد ‏ ‏أن ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏أخبرهما عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثني ‏ ‏محمود ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يزيد الليثي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال أناس يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال ‏ ‏هل ‏ ‏تضارون ‏ ‏في الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال هل ‏ ‏تضارون ‏ ‏في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك يجمع الله الناس فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس ويتبع من كان يعبد القمر ويتبع من كان يعبد ‏ ‏الطواغيت ‏ ‏وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا أتانا ربنا عرفناه فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه ويضرب جسر جهنم قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فأكون أول من يجيز ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وبه كلاليب مثل ‏ ‏شوك السعدان ‏ ‏أما رأيتم شوك السعدان قالوا بلى يا رسول الله قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله فتخطف الناس بأعمالهم منهم الموبق بعمله ومنهم ‏ ‏المخردل ‏ ‏ثم ينجو حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله أمر الملائكة أن يخرجوهم فيعرفونهم بعلامة آثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل من ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏أثر السجود فيخرجونهم قد ‏ ‏امتحشوا ‏ ‏فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة فينبتون نبات الحبة في حميل السيل ويبقى رجل منهم مقبل بوجهه على النار فيقول يا رب قد قشبني ريحها وأحرقني ‏ ‏ذكاؤها ‏ ‏فاصرف وجهي عن النار فلا يزال يدعو الله فيقول لعلك إن أعطيتك أن تسألني غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره فيصرف وجهه عن النار ثم يقول بعد ذلك يا رب قربني إلى باب الجنة فيقول أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ويلك ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏ما أغدرك فلا يزال يدعو فيقول لعلي إن أعطيتك ذلك تسألني غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره فيعطي الله من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره فيقربه إلى باب الجنة فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول رب أدخلني الجنة ثم يقول أوليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ويلك يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏ما أغدرك فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك فلا يزال يدعو حتى يضحك فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها فإذا دخل فيها قيل له تمن من كذا فيتمنى ثم يقال له تمن من كذا فيتمنى حتى تنقطع به الأماني فيقول له هذا لك ومثله معه ‏
‏قال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا ‏ ‏قال ‏ ‏عطاء ‏ ‏وأبو سعيد الخدري ‏ ‏جالس مع ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏لا يغير عليه شيئا من حديثه حتى انتهى إلى قوله هذا لك ومثله معه ‏ ‏قال ‏ ‏أبو سعيد ‏ ‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول هذا لك وعشرة أمثاله ‏ ‏قال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏حفظت مثله معه ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( عن الزهري قال سعيد وعطاء بن يزيد إن أبا هريرة أخبرهما ) ‏
‏في رواية شعيب عن الزهري " أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي " . ‏

‏قوله ( وحدثني محمود ) ‏
‏هو ابن غيلان , وساقه هنا على لفظ معمر , وليس في سنده ذكر سعيد , وكذا يأتي في التوحيد من رواية إبراهيم بن سعيد عن الزهري ليس فيه ذكر سعيد , ووقع في تفسير عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله تعالى ( يوم ندعو كل أناس بإمامهم ) عن عطاء بن يزيد فذكر الحديث . ‏

‏قولة ( قال أناس يا رسول الله ) ‏
‏في رواية شعيب " إن الناس قالوا " ويأتي في التوحيد بلفظ " قلنا " . ‏

‏قوله ( هل نرى ربنا يوم القيامة ) ‏
‏في التقييد بيوم القيامة إشارة إلى أن السؤال لم يقع عن الرؤية في الدنيا . وقد أخرج مسلم من حديث أبي أمامة " واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا " وسيأتي الكلام على الرؤية في كتاب التوحيد لأنه محل البحث فيه , وقد وقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن عند الترمذي أن هذا السؤال وقع على سبب . وذلك أنه ذكر الحشر والقول " لتتبع كل أمة ما كانت تعبد " وقول المسلمين " هذا مكاننا حتى نرى ربنا . قالوا وهل نراه " فذكره , ومضى في الصلاة وغيرها ويأتي في التوحيد من رواية جرير قال " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال : إنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر " الحديث مختصر , ويحتمل أن يكون الكلام وقع عند سؤالهم المذكور . ‏

‏قوله ( هل تضارون ) ‏
‏بضم أوله وبالضاد المعجمة وتشديد الراء بصيغة المفاعلة من الضرر وأصله تضاررون بكسر الراء وبفتحها أي لا تضرون أحدا ولا يضركم بمنازعة ولا مجادلة ولا مضايقة , وجاء بتخفيف الراء من الضير وهو لغة في الضر أي لا يخالف بعض بعضا فيكذبه وينازعه فيضيره بذلك , يقال ضاره يضيره , وقيل المعنى لا تضايقون أي لا تزاحمون كما جاء في الرواية الأخرى " لا تضامون " بتشديد الميم مع فتح أوله , وقيل المعنى لا يحجب بعضكم بعضا عن الرؤية فيضر به , وحكى الجوهري ضرني فلان إذا دنا مني دنوا شديدا , قال ابن الأثير : فالمراد المضارة بازدحام . وقال النووي : أوله مضموم مثقلا ومخففا قال : وروى " تضامون " بالتشديد مع فتح أوله وهو بحذف إحدى التاءين وهو من الضم , وبالتخفيف مع ضم أوله من الضيم والمراد المشقة والتعب , قال وقال عياض : قال بعضهم في الذي بالراء وبالميم بفتح أوله والتشديد وأشار بذلك إلى أن الرواية بضم أوله مخففا ومثقلا وكله صحيح ظاهر المعنى , ووقع في رواية البخاري " لا تضامون أو تضاهون " بالشك كما مضى في فضل صلاة الفجر , ومعنى الذي بالهاء لا يشتبه عليكم ولا ترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضا , ومعنى الضيم الغلبة على الحق والاستبداد به أي لا يظلم بعضكم بعضا , وتقدم في " باب فضل السجود " من رواية شعيب " هل تمارون " بضم أوله وتخفيف الراء أي تجادلون في ذلك أو يدخلكم فيه شك من المرية وهو الشك , وجاء بفتح أوله وفتح الراء على حذف إحدى التاءين , وفي رواية للبيهقي " تتمارون " بإثباتهما . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 06:05 PM
‏قوله ( ترونه كذلك ) ‏
‏المراد تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال الشك ورفع المشقة والاختلاف وقال البيهقي سمعت الشيخ أبا الطيب الصعلوكي يقول " تضامون " بضم أوله وتشديد الميم يريد لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا ينضم بعضكم إلى بعض فإنه لا يرى في جهة , ومعناه بفتح أوله لا تتضامون في رؤيته بالاجتماع في جهة , وهو بغير تشديد من الضيم معناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض فإنكم ترونه في جهاتكم كلها وهو متعال عن الجهة , قال : والتشبيه برؤية القمر لتعيين الرؤية دون تشبيه المرئي سبحانه وتعالى , وقال الزين بن المنير : إنما خص الشمس والقمر بالذكر مع أن رؤية السماء بغير سحاب أكبر آية وأعظم خلقا من مجرد الشمس والقمر لما خصا به من عظيم النور والضياء بحيث صار التشبيه بهما فيمن يوصف بالجمال والكمال سائغا شائعا في الاستعمال . وقال ابن الأثير : قد يتخيل بعض الناس أن الكاف كاف التشبيه للمرئي وهو غلط , وإنما هي كاف التشبيه للرؤية وهو فعل الرائي ومعناه أنه رؤية مزاح عنها الشك مثل رؤيتكم القمر . وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : في الابتداء بذكر القمر قبل الشمس متابعة للخليل , فكما أمر باتباعه في الملة اتبعه في الدليل , فاستدل به الخليل على إثبات الوحدانية واستدل به الحبيب على إثبات الرؤية , فاستدل كل منهما بمقتضى حاله لأن الخلة تصح بمجرد الوجود والمحبة لا تقع غالبا إلا بالرؤية , وفي عطف الشمس على القمر مع أن تحصيل الرؤية بذكره كاف لأن القمر لا يدرك وصفه الأعمى حسا بل تقليدا , والشمس يدركها الأعمى حسا بوجود حرها إذا قابلها وقت الظهيرة مثلا فحسن التأكيد بها , قال : والتمثيل واقع في تحقيق الرؤية لا في الكيفية , لأن الشمس والقمر متحيزان والحق سبحانه منزه عن ذلك . قلت : وليس في عطف الشمس على القمر إبطال لقول من قال في شرح حديث جرير : الحكمة في التمثيل بالقمر أنه تتيسر رؤيته للرائي بغير تكلف ولا تحديق يضر بالبصر , بخلاف الشمس , فإنها حكمة الاقتصار عليه , ولا يمنع ذلك ورود ذكر الشمس بعده في وقت آخر , فإن ثبت أن المجلس واحد خدش في ذلك , ووقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن " لا تمارون في رؤيته تلك الساعة ثم يتوارى " قال النووي : مذهب أهل السنة أن رؤية المؤمنين ربهم ممكنة ونفتها المبتدعة من المعتزلة والخوارج , وهو جهل منهم , فقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وسلف الأمة على إثباتها في الآخرة للمؤمنين , وأجاب الأئمة عن اعتراضات المبتدعة بأجوبة مشهورة , ولا يشترط في الرؤية تقابل الأشعة ولا مقابلة المرئي وإن جرت العادة بذلك فيما بين المخلوقين والله أعلم . واعترض ابن العربي على رواية العلاء وأنكر هذه الزيادة وزعم أن المراجعة الواقعة في حديث الباب تكون بين الناس وبين الواسطة لأنه لا يكلم الكفار ولا يرونه ألبتة , وأما المؤمنون فلا يرونه إلا بعد دخول الجنة بالإجماع . ‏

‏قوله ( يجمع الله الناس ) ‏
‏في رواية شعيب " يحشر " وهو بمعنى الجمع , وقوله في رواية شعيب " في مكان " زاد في رواية العلاء " في صعيد واحد " ومثله في رواية أبي زرعة عن أبي هريرة بلفظ " يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر " وقد تقدمت الإشارة إليه في شرح الحديث الطويل في الباب قبله , قال النووي : الصعيد الأرض الواسعة المستوية , وينفذهم بفتح أوله وسكون النون وضم الفاء بعدها ذال معجمة أي يخرقهم بمعجمة وقاف حتى يجوزهم , وقيل بالدال المهملة أي يستوعبهم , قال أبو عبيدة : معناه ينفذهم بصر الرحمن حتى يأتي عليهم كلهم , وقال غيره : المراد بصر الناظرين وهو أولى . وقال القرطبي المعنى أنهم يجمعون في مكان واحد بحيث لا يخفى منهم أحد بحيث لو دعاهم داع لسمعوه ولو نظر إليهم ناظر لأدركهم , قال : ويحتمل أن يكون المراد بالداعي هنا من يدعوهم إلى العرض والحساب لقوله ( يوم يدع الداع ) وقد تقدم بيان حال الموقف في " باب الحشر " وزاد العلاء بن عبد الرحمن في روايته " فيطلع عليهم رب العالمين " قال ابن العربي : لم يزل الله مطلعا على خلقه , وإنما المراد إعلامه باطلاعه عليهم حينئذ , ووقع في حديث ابن مسعود عند البيهقي في البعث وأصله في النسائي " إذا حشر الناس قاموا أربعين عاما شاخصة أبصارهم إلى السماء لا يكلمهم والشمس على رءوسهم حتى يلجم العرق كل بر منهم وفاجر " , ووقع في حديث أبي سعيد عند أحمد أنه " يخفف الوقوف عن المؤمن حتى يكون كصلاة مكتوبة " وسنده حسن , ولأبي يعلى عن أبي هريرة " كتدلي الشمس للغروب إلى أن تغرب " وللطبراني من حديث عبد الله بن عمر " ويكون ذلك اليوم أقصر على المؤمن من ساعة من نهار " . ‏

‏قوله ( فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس , ومن كان يعبد القمر القمر ) ‏
‏قال ابن أبي جمرة : في التنصيص على ذكر الشمس والقمر مع دخولهما فيمن عبد دون الله التنويه بذكرهما لعظم خلقهما , وقع في حديث ابن مسعود " ثم ينادي مناد من السماء : أيها الناس أليس عدلا من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم ثم توليتم غيره أن يولي كل عبد منكم ما كان تولى ؟ قال فيقولون : بلى . ثم يقول : لتنطلق كل أمة إلى من كانت تعبد " وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن " ألا ليتبع كل إنسان ما كان يعبد " ووقع في رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة في مسند الحميدي وصحيح ابن خزيمة وأصله في مسلم بعد قوله إلا كما تضارون في رؤيته " فيلقى العبد فيقول ألم أكرمك وأزوجك وأسخر لك ؟ فيقول : بلى فيقول : أظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا . فيقول . إني أنساك كما نسيتني " الحديث وفيه " ويلقى الثالث فيقول : آمنت بك وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت , فيقول : ألا نبعث عليك شاهدا ؟ فيختم على فيه وتنطق جوارحه وذلك المنافق . ثم ينادي مناد : ألا لتتبع كل أمة ما كانت تعبد " , ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 06:06 PM
‏قوله ( ومن كان يعبد الطواغيت ) ‏
‏الطواغيت جمع طاغوت وهو الشيطان والصنم ويكون جمعا ومفردا ومذكرا ومؤنثا , وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في تفسير سورة النساء , وقال الطبري : الصواب عندي أنه كل طاغ طغى على 9 الله يعبد من دونه إما بقهر منه لمن عبد وإما بطاعة ممن عبد إنسانا كان أو شيطانا أو حيوانا أو جمادا , قال فاتباعهم لهم حينئذ باستمرارهم على الاعتقاد فيهم , ويحتمل أن يتبعوهم بأن يساقوا إلى النار قهرا . ووقع في حديث أبي سعيد الآتي في التوحيد " فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم , وأصحاب كل الأوثان مع أوثانهم , وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم " وفيه إشارة إلى أن كل من كان يعبد الشيطان ونحوه ممن يرضى بذلك أو الجماد والحيوان دالون في ذلك , وأما من كان يعبد من لا يرضى بذلك كالملائكة والمسيح فلا , لكن وقع في حديث ابن مسعود " فيتمثل لهم ما كانوا يعبدون فينطلقون " وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن " فيتمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره " فأفادت هذه الزيادة تعميم من كان يعبد غير الله إلا من سيذكر من اليهود والنصارى فإنه يخص من عموم ذلك بدليله الآتي ذكره . وأما التعبير بالتمثيل فقال ابن العربي : يحتمل أن يكون التمثيل تلبيسا عليهم , ويحتمل أن يكون التمثيل لمن لا يستحق التعذيب , وأما من سواهم فيحضرون حقيقة لقوله تعالى ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) . ‏

‏قوله ( وتبقى هذه الأمة ) ‏
‏قال ابن أبي جمرة : يحتمل أن يكون المراد بالأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم , ويحتمل أن يحمل على أعم من ذلك فيدخل فيه جميع أهل التوحيد حتى من الجن , ويدل عليه ما في بقية الحديث أنه يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر . قلت : ويؤخذ أيضا من قوله في بقية الحديث " فأكون أول من يجيز " فإن فيه إشارة إلى أن الأنبياء بعده يجيزون أممهم . ‏

‏قوله ( فيها منافقوها ) ‏
‏كذا للأكثر , وفي رواية إبراهيم بن سعد " فيها شافعوها أو منافقوها شك إبراهيم " والأول المعتمد , وزاد في حديث أبي سعيد " حتى يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر " . وغبرات أهل الكتاب بضم الغين المعجمة وتشديد الموحدة , وفي رواية مسلم " وغبر " وكلاهما جمع غابر , أو الغبرات جمع وغبر جمع غابر , ويجمع أيضا على أغبار , وغبر الشيء بقيته , وجاء بسكون الموحدة والمراد هنا من كان يوحد الله منهم . وصحفه بعضهم في مسلم بالتحتانية بلفظ التي للاستثناء , وجزم عياض وغيره بأنه وهم , قال ابن أبي جمرة : لم يذكر في الخبر مآل المذكورين , لكن لما كان من المعلوم أن استقرار الطواغيت في النار علم بذلك أنهم معهم في النار كما قال تعالى ( فأوردهم النار ) . قلت : وقد وقع في رواية سهيل التي أشرت إليها قريبا " فتتبع الشياطين والصليب أولياؤهم إلى جهنم " ووقع في حديث أبي سعيد من الزيادة " ثم يؤتى بجهنم كأنها سراب - بمهملة ثم موحدة - فيقال لليهود ما كنتم تعبدون " الحديث وفيه ذكر النصارى , وفيه " فيتساقطون في جهنم حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر " وفي رواية هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عند ابن خزيمة وابن منده وأصله في مسلم " فلا يبقى أحد كان يعبد صنما ولا وثنا ولا صورة إلا ذهبوا حتى يتساقطوا في النار " , وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن " فيطرح منهم فيها فوج ويقال : هل امتلأت ؟ فتقول : هل من مزيد " الحديث , وكان اليهود وكذا النصارى ممن كان لا يعبد الصلبان لما كانوا يدعون أنهم يعبدون الله تعالى تأخروا مع المسلمين , فلما حققوا على عبادة من ذكر من الأنبياء ألحقوا بأصحاب الأوثان . ويؤيده قوله تعالى ( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها ) الآية . فأما من كان متمسكا بدينه الأصلي فخرج بمفهوم قوله ( الذين كفروا ) وعلى ما ذكر من حديث أبي سعيد يبقى أيضا من كان يظهر الإيمان من مخلص ومنافق . ‏
‏قوله ( فتدعي اليهود ) قدموا بسبب تقدم ملتهم على ملة النصارى . ‏
‏قوله ( فيقال لهم ) لم أقف على تسمية قائل ذلك لهم , والظاهر أنه الملك الموكل بذلك . ‏
‏قوله ( كنا نعبد عزيرا ابن الله ) هذا فيه إشكال لأن المتصف بذلك بعض اليهود وأكثرهم ينكرون ذلك , ويمكن أن يجاب بأن خصوص هذا الخطاب لمن كان متصفا بذلك ومن عداهم يكون جوابهم ذكر من كفروا به كما وقع في النصارى فإن منهم من أجاب بالمسيح ابن الله مع أن فيهم من كان بزعمه يعبد الله وحده وهم الاتحادية الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم . ‏
‏قوله ( فيقال لهم كذبتم ) قال الكرماني : التصديق والتكذيب لا يرجعان إلى الحكم الذي أشار إليه , فإذا قيل جاء زيد بن عمرو بكذا فمن كذبه أنكر مجيئه بذلك الشيء لا أنه ابن عمرو , وهنا لم ينكر عليهم أنهم عبدوا وإنما أنكر عليهم أن المسيح ابن الله , قال : والجواب عن هذا أن فيه نفي اللازم وهو كونه ابن الله ليلزم نفي الملزوم وهو عبادة ابن الله . قال ويجوز أن يكون الأول بحسب الظاهر وتحصل قرينة بحسب المقام تقتضي الرجوع إليهما جميعا أو إلى المشار إليه فقط , قال ابن بطال : في هذا الحديث إن المنافقين يتأخرون مع المؤمنين رجاء أن ينفعهم ذلك بناء على ما كانوا يظهرونه في الدنيا , فظنوا أن ذلك يستمر لهم , فميز الله تعالى المؤمنين بالغرة والتحجيل إذ لا غرة للمنافق ولا تحجيل . قلت : قد ثبت أن الغرة والتحجيل خاص بالأمة المحمدية , فالتحقيق أنهم في هذا المقام يتميزون بعدم السجود وبإطفاء نورهم بعد أن حصل لهم , ويحتمل أن يحصل لهم الغرة والتحجيل ثم يسلبان عند إطفاء النور . وقال القرطبي : ظن المنافقون أن تسترهم بالمؤمنين ينفعهم في الآخرة كما كان ينفعهم في الدنيا جهلا منهم , ويحتمل أن يكونوا حشروا معهم لما كانوا يظهرونه من الإسلام فاستمر ذلك حتى ميزهم الله تعالى منهم , قال : ويحتمل أنهم لما سمعوا " لتتبع كل أمة من كانت تعبد " والمنافق لم يكن يعبد شيئا بقي حائرا حتى ميز . قلت : هذا ضعيف لأنه يقتضي تخصيص ذلك بمنافق كان لا يعبد شيئا , وأكثر المنافقين كانوا يعبدون غير الله من وثن وغيره . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 06:07 PM
‏قوله ‏
‏( فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون ) ‏
‏في حديث أبي سعيد الآتي في التوحيد " في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة " وفي رواية هشام بن سعد " ثم يتبدى لنا الله في صورة غير صورته التي رأيناه فيها أول مرة " ويأتي في حديث أبي سعيد من الزيادة " فيقال لهم : ما يحبسكم وقد ذهب الناس ؟ فيقولون : فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم , وإنا سمعنا مناديا ينادي : ليلحق كل قوم ما كانوا يعبدون وإننا ننتظر ربنا " ووقع في رواية مسلم هنا " فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم " ورجح عياض رواية البخاري , وقال غيره : الضمير لله والمعنى فارقنا الناس في معبوداتهم ولم نصاحبهم ونحن اليوم أحوج لربنا , أي إنا محتاجون إليه . وقال عياض : بل أحوج على بابها لأنهم كانوا محتاجين إليه في الدنيا فهم في الآخرة أحوج إليه . وقال النووي : إنكاره لرواية مسلم معترض , بل معناه التضرع إلى الله في كشف الشدة عنهم بأنهم لزموا طاعته وفارقوا في الدنيا من زاغ عن طاعته من أقاربهم مع حاجتهم إليهم في معاشهم ومصالح دنياهم , كما جرى لمؤمني الصحابة حين قاطعوا من أقاربهم من حاد الله ورسوله مع حاجتهم إليهم والارتفاق بهم , وهذا ظاهر في معنى الحديث لا شك في حسنه , وأما نسبة الإتيان إلى الله تعالى فقيل هو عبارة عن رؤيتهم إياه لأن العادة أن كل من غاب عن غيره لا يمكن رؤيته إلا بالمجيء إليه فعبر عن الرؤية بالإتيان مجازا , وقيل الإتيان فعل من أفعال الله تعالى يجب الإيمان به مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن سمات الحدوث . وقيل فيه حذف تقديره يأتيهم بعض ملائكة الله , ورجحه عياض قال : ولعل هذا الملك جاءهم في صورة أنكروها لما رأوا فيها من سمة الحدوث الظاهرة على الملك لأنه مخلوق , قال : ويحتمل وجها رابعا وهو أن المعنى يأتيهم الله بصورة - أي بصفة - تظهر لهم من الصور المخلوقة التي لا تشبه صفة الإله ليختبرهم بذلك , فإذا قال لهم هذا الملك أنا ربكم ورأوا عليه من علامة المخلوقين ما يعلمون به أنه ليس ربهم استعاذوا منه لذلك . انتهى . وقد وقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن المشار إليها " فيطلع عليهم رب العالمين " وهو يقوي الاحتمال الأول , قال : وأما قوله بعد ذلك " فيأتيهم الله في صورته التي يعرفونها " فالمراد بذلك الصفة , والمعنى فيتجلى الله لهم بالصفة التي يعلمونه بها , وإنما عرفوه بالصفة وإن لم تكن تقدمت لهم رؤيته لأنهم يرون حينئذ شيئا لا يشبه المخلوقين , وقد علموا أنه لا يشبه شيئا من مخلوقاته فيعلمون أنه ربهم فيقولون : أنت ربنا , وعبر عن الصفة بالصورة لمجانسة الكلام لتقدم ذكر الصورة . قال : وأما قوله " نعوذ بالله منك " فقال الخطابي : يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر من المنافقين , قال القاضي عياض : وهذا لا يصح ولا يستقيم الكلام به . وقال النووي : الذي قاله القاضي صحيح , ولفظ الحديث مصرح به أو ظاهر فيه . انتهى . ورجحه القرطبي في " التذكرة " وقال : إنه من الامتحان الثاني يتحقق ذلك , فقد جاء في حديث أبي سعيد " حتى إن بعضهم ليكاد ينقلب " وقال ابن العربي : إنما استعاذوا منه أولا لأنهم اعتقدوا أن ذلك الكلام استدراج , لأن الله لا يأمر بالفحشاء , ومن الفحشاء اتباع الباطل وأهله , ولهذا وقع في الصحيح " فيأتيهم الله في صورة - أي بصورة - لا يعرفونها " وهي الأمر باتباع أهل الباطل , فلذلك يقولون " إذا جاء ربنا عرفناه " أي إذا جاءنا بما عهدناه منه من قول الحق . وقال ابن الجوزي : معنى الخبر يأتيهم الله بأهوال يوم القيامة ومن صور الملائكة بما لم يعهدوا مثله في الدنيا فيستعيذون من تلك الحال ويقولون : إذا جاء ربنا عرفناه , أي إذا أتانا بما نعرفه من لطفه , وهي الصورة التي عبر عنها بقوله " يكشف عن ساق " أي عن شدة . وقال القرطبي : هو مقام هائل يمتحن الله به عباده ليميز الخبيث من الطيب , وذلك أنه لما بقي المنافقون مختلطين بالمؤمنين زاعمين أنهم منهم ظانين أن ذلك يجوز في ذلك الوقت كما جاز في الدنيا امتحنهم الله بأن أتاهم بصورة هائلة قالت للجميع أنا ربكم , فأجابه المؤمنون بإنكار ذلك لما سبق لهم من معرفته سبحانه وأنه منزه عن صفات هذه الصورة , فلهذا قالوا نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا , حتى إن بعضهم ليكاد ينقلب أي يزل فيوافق المنافقين . قال : وهؤلاء طائفة لم يكن لهم رسوخ بين العلماء ولعلهم الذين اعتقدوا الحق وحوموا عليه من غير بصيرة , قال : ثم يقال بعد ذلك للمؤمنين هل بينكم وبينه علامة ؟ قلت : وهذه الزيادة أيضا من حديث أبي سعيد ولفظه " آية تعرفونها فيقولون الساق , فيكشف عن ساقه , فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيصير ظهره طبقا واحدا " أي يستوي فقار ظهره فلا ينثني للسجود , وفي لفظ لمسلم " فلا يبقى من كان يسجد من تلقاء نفسه إلا أذن له في السجود " أي سهل له وهون عليه " ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقا واحدا كلما أراد أن يسجد خر لقفاه " وفي حديث ابن مسعود نحوه لكن قال " فيقولون إن اعترف لنا عرفناه , قال فيكشف عن ساق فيقعون سجودا , وتبقى أصلاب المنافقين كأنها صياصي البقر " وفي رواية أبي الزعراء عنه عند الحاكم " وتبقى ظهور المنافقين طبقا واحدا كأنما فيها السفافيد " وهي بمهملة وفاءين جمع سفود بتشديد الفاء وهو الذي يدخل في الشاة إذا أريد أن تشوى . ووقع في رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عند ابن منده " فيوضع الصراط ويتمثل لهم ربهم " فذكر نحو ما تقدم وفيه " إذا تعرف لنا عرفناه " وفي رواية العلاء ابن عبد الرحمن " ثم يطلع عز وجل عليهم فيعرفهم نفسه ثم يقول : أنا ربكم فاتبعوني , فيتبعه المسلمون " وقوله في هذه الرواية " فيعرفهم نفسه " أي يلقي في قلوبهم علما قطعيا يعرفون به أنه ربهم سبحانه وتعالى . وقال الكلاباذي في " معاني الأخبار " عرفوه بأن أحدث فيهم لطائف عرفهم بها نفسه , ومعنى كشف الساق زوال الخوف والهول الذي غيرهم حتى غابوا عن رؤية عوراتهم . ووقع في رواية هشام بن سعد " ثم نرفع رءوسنا وقد عاد لنا في صورته التي رأيناه فيها أول مرة فيقول : أنا ربكم فنقول : نعم , أنت ربنا " وهذا فيه إشعار بأنهم رأوه في أول ما حشروا والعلم عند الله . وقال الخطابي : هذه الرؤية غير التي تقع في الجنة إكراما لهم , فإن هذه للامتحان وتلك لزيادة الإكرام كما فسرت به " الحسنى وزيادة " قال : ولا إشكال في حصول الامتحان في الموقف لأن آثار التكاليف لا تنقطع إلا بعد الاستقرار في الجنة أو النار . قال : ويشبه أن يقال إنما حجب عنهم تحقق رؤيته أولا لما كان معهم من المنافقين الذين لا يستحقون رؤيته , فلما تميزوا رفع الحجاب فقال المؤمنون حينئذ : أنت ربنا . قلت : وإذا لوحظ ما تقدم من قوله " إذا تعرف لنا عرفناه " وما ذكرت من تأويله ارتفع الإشكال . وقال الطيبي : لا يلزم من أن الدنيا دار بلاء والآخرة دار جزاء أن لا يقع في واحدة منهما ما يخص بالأخرى , فإن القبر أول منازل الآخرة , وفيه الابتلاء والفتنة بالسؤال وغيره , والتحقيق أن التكليف خاص بالدنيا وما يقع في القبر وفي الموقف هي آثار ذلك . ووقع في حديث ابن مسعود من الزيادة " ثم يقال للمسلمين ارفعوا رءوسكم إلى نوركم بقدر أعمالكم " وفي لفظ " فيعطون نورهم على قدر أعمالهم , فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل ودون ذلك ومثل النخلة ودون ذلك حتى يكون آخرهم من يعطى نوره على إبهام قدمه " ووقع في رواية مسلم عن جابر " ويعطى كل إنسان منهم نورا - إلى أن قال - ثم يطفأ نور المنافقين " وفي حديث ابن عباس عند ابن مردويه " فيعطى كل إنسان منهم نورا , ثم يوجهون إلى الصراط فما كان من منافق طفئ نوره " وفي لفظ " فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين فقالوا للمؤمنين : انظرونا نقتبس من نوركم " الآية . وفي حديث أبي أمامة عند ابن أبي حاتم " وإنكم يوم القيامة في مواطن حتى يغشى الناس أمر من أمر الله فتبيض وجوه وتسود وجوه , ثم ينتقلون إلى منزل آخر فتغشى الناس الظلمة , فيقسم النور فيختص بذلك المؤمن ولا يعطى الكافر ولا المنافق منه شيئا , فيقول المنافقون للذين آمنوا : انظرونا نقتبس من نوركم الآية , فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئا , فيضرب بينهم بسور " . ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 06:08 PM
‏قوله ( فيتبعونه ) ‏
‏قال عياض أي فيتبعون أمره أو ملائكته الذين وكلوا بذلك . ‏

‏قوله ( ويضرب جسر جهنم ) ‏
‏في رواية شعيب بعد قوله أنت ربنا " فيدعوهم فيضرب جسر جهنم " . ‏
‏( تنبيه ) : ‏
‏حذف من هذا السياق ما تقدم من حديث أنس في ذكر الشفاعة لفصل القضاء , كما حذف من حديث أنس ما ثبت هنا من الأمور التي تقع في الموقف , فينتظم من الحديثين أنهم إذا حشروا وقع ما في حديث الباب من تساقط الكفار في النار ويبقى من عداهم في كرب الموقف فيستشفعون , فيقع الإذن بنصب الصراط فيقع الامتحان بالسجود ليتميز المنافق من المؤمن ثم يجوزون على الصراط . ووقع في حديث أبي سعيد هنا " ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون : اللهم سلم سلم " . ‏

‏قوله ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ) ‏
‏في رواية شعيب " يجوز بأمته " وفي رواية إبراهيم بن سعد " يجيزها " والضمير لجهنم . قال الأصمعي : جاز الوادي مشى فيه , وأجازه قطعه , وقال غيره : جاز وأجاز بمعنى واحد . وقال النووي : المعنى أكون أنا وأمتي أول من يمضي على الصراط ويقطعه , يقول جاز الوادي وأجازه إذا قطعه وخلفه . وقال القرطبي : يحتمل أن تكون الهمزة هنا للتعدية لأنه لما كان هو وأمته أول من يجوز على الصراط لزم تأخير غيرهم عنهم حتى يجوز , فإذا جاز هو وأمته فكأنه أجاز بقية الناس . انتهى . ووقع في حديث عبد الله بن سلام عند الحاكم " ثم ينادي مناد أين محمد وأمته ؟ فيقوم فتتبعه أمته برها وفاجرها , فيأخذون الجسر فيطمس الله أبصار أعدائه فيتهافتون من يمين وشمال , وينجو النبي والصالحون " وفي حديث ابن عباس يرفعه " نحن آخر الأمم وأول من يحاسب " وفيه " فتفرج لنا الأمم عن طريقنا فنمر غرا محجلين من آثار الطهور , فتقول الأمم : كادت هذه الأمة أن يكونوا أنبياء " . ‏

‏قوله ( ودعاء الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم ) ‏
‏في رواية شعيب " ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل " وفي رواية إبراهيم بن سعد " ولا يكلمه إلا الأنبياء , ودعوى الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم " ووقع في رواية العلاء " وقولهم اللهم سلم سلم " وللترمذي من حديث المغيرة " شعار المؤمنين على الصراط : رب سلم سلم " والضمير في الأول للرسل , ولا يلزم من كون هذا الكلام شعار المؤمنين أن ينطقوا به بل تنطق به الرسل يدعون للمؤمنين بالسلامة فسمي ذلك شعارا لهم , فبهذا تجتمع الأخبار , ويؤيده قوله في رواية سهيل " فعند ذلك حلت الشفاعة اللهم سلم سلم " وفي حديث أبي سعيد من الزيادة " فيمر المؤمن كطرف العين وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب " وفي حديث حذيفة وأبي هريرة معا " فيمر أولهم كمر البرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرحال تجري بهم أعمالهم " وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن " ويوضع الصراط فيمر عليه مثل جياد الخيل والركاب " وفي حديث ابن مسعود " ثم يقال لهم انجوا على قدر نوركم , فمنهم من يمر كطرف العين ثم كالبرق ثم كالسحاب ثم كانقضاض الكوكب ثم كالريح ثم كشد الفرس ثم كشد الرحل حتى يمر الرجل الذي أعطي نوره على إبهام قدمه يحبو على وجهه ويديه ورجليه يجر بيد ويعلق يد ويجر برجل ويعلق رجل وتضرب جوانبه النار حتى يخلص " وعند ابن أبي حاتم في التفسير من طريق أبي الزعراء عن ابن مسعود " كمر البرق ثم الريح ثم الطير ثم أجود الخيل ثم أجود الإبل ثم كعدو الرجل , حتى إن آخرهم رجل نوره على موضع إبهامي قدميه ثم يتكفأ به الصراط " وعند هناد بن السري عن ابن مسعود بعد الريح " ثم كأسرع البهائم حتى يمر الرجل سعيا ثم مشيا ثم آخرهم يتلبط على بطنه فيقول : يا رب لم أبطأت بي ؟ فيقول : أبطأ بك عملك " ولابن المبارك من مرسل عبد الله بن شقيق " فيجوز الرجل كالطرف وكالسهم وكالطائر السريع وكالفرس الجواد المضمر , ويجوز الرجل يعدو عدوا ويمشي مشيا حتى يكون آخر من ينجو يحبو " . ‏

‏قوله ( وبه كلاليب ) ‏
‏الضمير للصراط , وفي رواية شعيب " وفي جهنم كلاليب " وفي رواية حذيفة وأبي هريرة معا " وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به " وفي رواية سهيل " وعليه كلاليب النار " وكلاليب جمع كلوب بالتشديد , وتقدم ضبطه وبيانه في أواخر كتاب الجنائز . قال القاضي أبو بكر بن العربي : هذه الكلاليب هي الشهوات المشار إليها في الحديث الماضي " حفت النار بالشهوات " قال : فالشهوات موضوعة على جوانبها فمن اقتحم الشهوة سقط في النار لأنها خطاطيفها : وفي حديث حذيفة " وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا " أي يقفان في ناحيتي الصراط , وهي بفتح الجيم والنون بعدها موحدة ويجوز سكون النون , والمعنى أن الأمانة والرحم لعظم شأنهما وفخامة ما يلزم العباد من رعاية حقهما يوقفان هناك للأمين والخائن والمواصل والقاطع فيحاجان عن المحق ويشهدان على المبطل . قال الطيبي ويمكن أن يكون المراد بالأمانة ما في قوله تعالى ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض ) الآية , وصلة الرحم ما في قوله تعالى ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) فيدخل فيه معنى التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله , فكأنهما اكتنفتا جنبتي الإسلام الذي هو الصراط المستقيم وفطرتي الإيمان والدين القويم . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 06:09 PM
‏قوله ( مثل شوك السعدان ) ‏
‏بالسين والعين المهملتين بلفظ التثنية , والسعدان جمع سعدانة وهو نبات ذو شوك يضرب به المثل في طيب مرعاه قالوا : مرعى ولا كالسعدان . ‏

‏قوله ( أما رأيتم شوك السعدان ) ‏
‏هو استفهام تقرير لاستحضار الصورة المذكورة . ‏

‏قوله ( غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله ) ‏
‏أي الشوكة , والهاء ضمير الشأن , ووقع في رواية الكشميهني " غير أنه " وقع في رواية مسلم " لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله " قال القرطبي : قيدناه - أي لفظ قدر - عن بعض مشايخنا بضم الراء على أنه يكون استفهاما وقدر مبتدأ , وبنصبها على أن تكون ما زائدة وقدر مفعول يعلم . ‏

‏قوله ( فتخطف الناس بأعمالهم ) ‏
‏بكسر الطاء وبفتحها قال ثعلب في الفصيح : خطف بالكسر في الماضي وبالفتح في المضارع . وحكى القزاز عكسه , والكسر في المضارع أفصح . قال الزين بن المنير : تشبيه الكلاليب بشوك السعدان خاص بسرعة اختطافها وكثرة الانتشاب فيها مع التحرز والتصون تمثيلا لهم بما عرفوه في الدنيا وألفوه بالمباشرة , ثم استثنى إشارة إلى أن التشبيه لم يقع في مقدارهما , وفي رواية السدي " وبحافتيه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس " ووقع في حديث أبي سعيد " قلنا وما الجسر ؟ قال : مدحضة مزلة " أي زلق تزلق فيه الأقدام , ويأتي ضبط ذلك في كتاب التوحيد . ووقع عند مسلم " قال أبو سعيد : بلغني أن الصراط أحد من السيف وأدق من الشعرة " , ووقع في رواية ابن منده من هذا الوجه " قال سعيد بن أبي هلال : بلغني " ووصله البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مجزوما به , وفي سنده لين . ولابن المبارك عن مرسل عبيد ابن عمير " إن الصراط مثل السيف وبجنبتيه كلاليب , إنه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر " وأخرجه ابن أبي الدنيا من هذا الوجه وفيه " والملائكة على جنبتيه يقولون : رب سلم سلم " وجاء عن الفضيل بن عياض قال : " بلغنا أن الصراط مسيرة خمسة عشر ألف سنة , خمسه آلاف صعود وخمسة آلاف هبوط وخمسة آلاف مستوى أدق من الشعرة وأحد من السيف على متن جهنم , لا يجوز عليه إلا ضامر مهزول من خشية الله " أخرجه ابن عساكر في ترجمته , وهذا معضل لا يثبت , وعن سعيد بن أبي هلال قال : " بلغنا أن الصراط أدق من الشعر على بعض الناس , ولبعض الناس مثل الوادي الواسع " أخرجه ابن المبارك وابن أبي الدنيا وهو مرسل أو معضل . وأخرج الطبري من طريق غنيم بن قيس أحد التابعين قال : " تمثل النار للناس , ثم يناديها مناد : أمسكي أصحابك ودعي أصحابي , فتخسف بكل ولي لها فهي أعلم بهم من الرجل بولده , ويخرج المؤمنون ندية ثيابهم " ورجاله ثقات مع كونه مقطوعا . ‏

‏قوله ( منهم الموبق بعمله ) ‏
‏في رواية شعيب " من يوبق " وهما بالموحدة بمعنى الهلاك , ولبعض رواة مسلم " الموثق " بالمثلثة من الوثائق , ووقع عند أبي ذر رواية إبراهيم بن سعد الآتية في التوحيد بالشك , وفي رواية الأصيلي " ومنهم المؤمن - بكسر الميم بعدها نون - بقي بعمله " بالتحتانية وكسر القاف من الوقاية أي يستره عمله , وفي لفظ بعض رواة مسلم " يعني " بعين مهملة ساكنة ثم نون مكسورة بدل بقي وهو تصحيف . ‏

‏قوله ( ومنهم المخردل ) ‏
‏بالخاء المعجمة , في رواية شعيب " ومنهم من يخردل " ووقع في رواية الأصيلي هنا بالجيم وكذا لأبي أحمد الجرجاني في رواية شعيب ووهاه عياض والدال مهملة للجميع , وحكى أبو عبيد فيه إعجام الذال ورجح ابن قرقول الخاء المعجمة والدال المهملة , وقال الهروي المعنى أن كلاليب النار تقطعه فيهوي في النار , قال كعب بن زهير في بانت سعاد قصيدته المشهورة : ‏ ‏يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما ‏ ‏لحم من القوم معفور خراديل ‏
‏فقوله " معفور " بالعين المهملة والفاء أي واقع في التراب و " خراديل " أي هو قطع , ويحتمل أن يكون من الخردل أي جعلت أعضاؤه كالخردل , وقيل معناه أنها تقطعهم عن لحوقهم بمن نجا , وقيل المخردل المصروع ورجحه ابن التين فقال هو أنسب لسياق الخبر , ووقع في رواية إبراهيم بن سعد عند أبي ذر " فمنهم المخردل أو المجازى أو نحوه " ولمسلم عنه " المجازى " بغير شك وهو بضم الميم وتخفيف الجيم من الجزاء . ‏

‏قوله ( ثم ينجو ) ‏
‏في رواية إبراهيم بن سعد " ثم ينجلي " بالجيم أي يتبين , ويحتمل أن يكون بالخاء المعجمة أي يخلى عنه فيرجع إلى معنى ينجو , وفي حديث أبي سعيد " فناج مسلم ومخدوش ومكدوس في جهنم حتى يمر أحدهم فيسحب سحبا " قال ابن أبي جمرة : يؤخذ منه أن المارين على الصراط ثلاثة أصناف : ناج بلا خدوش , وهالك من أول وهلة , ومتوسط بينهما يصاب ثم ينجو . وكل قسم منها ينقسم أقساما تعرف بقوله " بقدر أعمالهم " واختلف في ضبط مكدوس فوقع في رواية مسلم بالمهملة ورواه بعضهم بالمعجمة ومعناه السوق الشديد ومعنى الذي بالمهملة الراكب بعضه على بعض , وقيل مكردس والمكردس فقار الظهر وكردس الرجل خيله جعلها كراديس أي فرقها , والمراد أنه ينكفئ في قعرها . وعند ابن ماجه من وجه آخر عن أبي سعيد رفعه " يوضع الصراط بين ظهراني جهنم على حسك كحسك السعدان ثم يستجيز الناس فناج مسلم ومخدوش به ثم ناج ومحتبس به ومنكوس فيها " . ‏

‏قوله ( حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده ) ‏
‏كذا لمعمر هنا , ووقع لغيره " بعد هذا " وقال في رواية شعيب " حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار " قال الزين بن المنير : الفراغ إذا أضيف إلى الله معناه القضاء وحلوله بالمقضي عليه , والمراد إخراج الموحدين وإدخالهم الجنة واستقرار أهل النار في النار , وحاصله أن المعنى يفرغ الله أي من القضاء بعذاب من يفرغ عذابه ومن لا يفرغ فيكون إطلاق الفراغ بطريق المقابلة وإن لم يذكر لفظها . وقال ابن أبي جمرة : معناه وصل الوقت الذي سبق في علم الله أنه يرحمهم , وقد سبق في حديث عمران بن حصين الماضي في أواخر الباب الذي قبله أن الإخراج يقع بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم . وعند أبي عوانة والبيهقي وابن حبان في حديث حذيفة " يقول إبراهيم يا رباه حرقت بني فيقول أخرجوا " وفي حديث عبد الله بن سلام عند الحاكم أن قائل ذلك آدم , وفي حديث أبي سعيد " فما أنتم بأشد مناشدة في الحق , قد يتبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار إذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم المؤمنين يقولون : ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا " الحديث هكذا في رواية الليث الآتية في التوحيد , ووقع فيه عند مسلم من رواية حفص بن ميسرة اختلاف في سياقه سأبينه هناك إن شاء الله تعالى , ويحمل على أن الجميع شفعوا , وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم قبلهم في ذلك , ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني بسند حسن رفعه " يدخل من أهل القبلة النار من لا يحصى عددهم إلا الله بما عصوا الله واجترءوا على معصيته وخالفوا طاعته , فيؤذن لي في الشفاعة فأثني على الله ساجدا كما أثني عليه قائما , فيقال لي : ارفع رأسك " الحديث . ويؤيده أن في حديث أبي سعيد تشفع الأنبياء والملائكة والمؤمنون , ووقع في رواية عمرو بن أبي عمرو عن أنس عند النسائي ذكر سبب آخر لإخراج الموحدين من النار ولفظه " وفرغ من حساب الناس وأدخل من بقي من أمتي النار مع أهل النار , فيقول أهل النار : ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله لا تشركون به شيئا , فيقول الجبار : فبعزتي لأعتقنهم من النار , فيرسل إليهم فيخرجون " وفي حديث أبي موسى عند ابن أبي عاصم والبزار رفعه " وإذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة يقول لهم الكفار : ألم تكونوا مسلمين ؟ قالوا : بلى . قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار ؟ فقالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها , فيأمر الله من كان من أهل القبلة فأخرجوا . فقال الكفار : يا ليتنا كنا مسلمين " وفي الباب عن جابر وقد تقدم في الباب الذي قبله . وعن أبي سعيد الخدري عند ابن مردويه . ووقع في حديث أبي بكر الصديق " ثم يقال : ادعوا الأنبياء فيشفعون , ثم يقال : ادعوا الصديقين فيشفعون , ثم يقال : ادعوا الشهداء فيشفعون " وفي حديث أبي بكرة عند ابن أبي عاصم والبيهقي مرفوعا " يحمل الناس على الصراط فينجي الله من شاء برحمته , ثم يؤذن في الشفاعة للملائكة والنبيين والشهداء والصديقين فيشفعون ويخرجون " . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 06:10 PM
‏قوله ( ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله ) ‏
‏قال القرطبي : لم يذكر الرسالة إما لأنهما لما تلازما في النطق غالبا وشرطا اكتفى بذكر الأولى أو لأن الكلام في حق جميع المؤمنين هذه الأمة وغيرها , ولو ذكرت الرسالة لكثر تعداد الرسل . قلت : الأول أولى , ويعكر على الثاني أنه يكتفى بلفظ جامع كأن يقول مثلا : ونؤمن برسله , وقد تمسك بظاهره بعض المبتدعة ممن زعم أن من وحد الله من أهل الكتاب يخرج من النار ولو لم يؤمن بغير من أرسل إليه , وهو قول باطل , فإن من جحد الرسالة كذب الله ومن كذب الله لم يوحده . ‏

‏قوله ( أمر الملائكة أن يخرجوهم ) ‏
‏في حديث أبي سعيد " اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار فأخرجوه " وتقدم في حديث أنس في الشفاعة في الباب قبله " فيحد لي حدا فأخرجهم " ويجمع بأن الملائكة يؤمرون على ألسنة الرسل بذلك , فالذين يباشرون الإخراج هم الملائكة . ووقع في الحديث الثالث عشر من الباب الذي قبله تفصيل ذلك . ووقع في حديث أبي سعيد أيضا بعد قوله ذرة " فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها خيرا " وفيه " فيقول الله شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين , فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط " وفي حديث معبد عن الحسن البصري عن أنس " فأقول : يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله , قال : ليس ذلك لك , ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله " وسيأتي بطوله في التوحيد . وفي حديث جابر عند مسلم " ثم يقول الله : أنا أخرج بعلمي وبرحمتي " وفي حديث أبي بكر " أنا أرحم الراحمين , أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا " قال الطيبي هذا يؤذن بأن كل ما قدر قبل ذلك بمقدار شعيرة ثم حبة ثم خردلة ثم ذرة غير الإيمان الذي يعبر به عن التصديق والإقرار , بل هو ما يوجد في قلوب المؤمنين من ثمرة الإيمان , وهو على وجهين : أحدهما ازدياد اليقين وطمأنينة النفس , لأن تضافر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لعدمه , والثاني أن يراد العمل وأن الإيمان يزيد وينقص بالعمل , وينصر هذا الوجه قوله في حديث أبي سعيد " لم يعملوا خيرا قط " قال البيضاوي : وقوله ليس ذلك لك أي أنا أفعل ذلك تعظيما لاسمي وإجلالا لتوحيدي , وهو مخصص لعموم حديث أبي هريرة الآتي " أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله مخلصا " قال : ويحتمل أن يجري على عمومه ويحمل على حال ومقام آخر , قال الطيبي : إذا فسرنا ما يختص بالله بالتصديق المجرد عن الثمرة وما يختص برسوله هو الإيمان مع الثمرة من ازدياد اليقين أو العمل الصالح حصل الجمع . قلت : ويحتمل وجها آخر وهو أن المراد بقوله ليس ذلك لك مباشرة الإخراج لا أصل الشفاعة , وتكون هذه الشفاعة الأخيرة وقعت في إخراج المذكورين فأجيب إلى أصل الإخراج ومنع من مباشرته فنسبت إلى شفاعته في حديث أسعد الناس لكونه ابتدأ بطلب ذلك , والعلم عند الله تعالى . وقد مضى شرح حديث أسعد الناس بشفاعتي في أواخر الباب الذي قبله مستوفى . ‏

‏قوله ( فيعرفونهم بعلامة آثار السجود ) ‏
‏في رواية إبراهيم بن سعد " فيعرفونهم في النار بأثر السجود " قال الزين بن المنير : تعرف صفة هذا الأثر مما ورد في قوله سبحانه وتعالى ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) لأن وجوههم لا تؤثر فيها النار فتبقى صفتها باقية . وقال غيره : بل يعرفونهم بالغرة , وفيه نظر لأنها مختصة بهذه الأمة والذين يخرجون أعم من ذلك . ‏

‏قوله ( وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود ) ‏
‏هو جواب عن سؤال مقدر تقديره كيف يعرفون أثر السجود مع قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم " فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن الله بالشفاعة " فإذا صاروا فحما كيف يتميز محل السجود من غيره حتى يعرف أثره . وحاصل الجواب تخصيص أعضاء السجود من عموم الأعضاء التي دل عليها من هذا الخبر , وأن الله منع النار أن تحرق أثر السجود من المؤمن , وهل المراد بأثر السجود نفس العضو الذي يسجد أو المراد من سجد ؟ فيه نظر , والثاني أظهر . قال القاضي عياض : فيه دليل على أن عذاب المؤمنين المذنبين مخالف لعذاب الكفار , وأنها لا تأتي على جميع أعضائهم إما إكراما لموضع السجود وعظم مكانهم من الخضوع لله تعالى أو لكرامة تلك الصورة التي خلق آدم والبشر عليها وفضلوا بها على سائر الخلق . قلت : الأول منصوص والثاني محتمل , لكن يشكل عليه أن الصورة لا تختص بالمؤمنين , فلو كان الإكرام لأجلها لشاركهم الكفار وليس كذلك . قال النووي : وظاهر الحديث أن النار لا تأكل جميع أعضاء السجود السبعة وهي الجبهة واليدان والركبتان والقدمان , وبهذا جزم بعض العلماء . وقال عياض : ذكر الصورة ودارات الوجوه يدل على أن المراد بأثر السجود الوجه خاصة خلافا لمن قال يشمل الأعضاء السبعة , ويؤيد اختصاص الوجه أن في بقية الحديث " أن منهم من غاب في النار إلى نصف ساقيه " وفي حديث سمرة عند مسلم " وإلى ركبتيه " وفي رواية هشام بن سعد في حديث أبي سعيد " وإلى حقوه " قال النووي : وما أنكره هو المختار , ولا يمنع من ذلك قوله في الحديث الآخر في مسلم " إن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم " فإنه يحمل على أن هؤلاء قوم مخصوصون من جملة الخارجين من النار , فيكون الحديث خاصا بهم وغيره عاما فيحمل على عمومه إلا ما خص منه . قلت : إن أراد أن هؤلاء يخصون بأن النار لا تأكل وجوههم كلها وأن غيرهم لا تأكل منهم محل السجود خاصة وهو الجبهة سلم من الاعتراض , وإلا يلزمه تسليم ما قال القاضي في حق الجميع إلا هؤلاء , وإن كانت علامتهم الغرة كما تقدم النقل عمن قاله . وما تعقبه بأنها خاصة بهذه الأمة فيضاف إليها التحجيل وهو في اليدين والقدمين مما يصل إليه الوضوء فيكون أشمل مما قاله النووي من جهة دخول جميع اليدين والرجلين لا تخصيص الكفين والقدمين ولكن ينقص منه الركبتان , وما استدل به القاضي من بقية الحديث لا يمنع سلامة هذه الأعضاء مع الانغمار , لأن تلك الأحوال الأخروية خارجة على قياس أحوال أهل الدنيا , ودل التنصيص على دارات الوجوه أن الوجه كله لا تؤثر فيه النار إكراما لمحل السجود , ويحمل الاقتصار عليها على التنويه بها لشرفها . وقد استنبط ابن أبي جمرة من هذا أن من كان مسلما ولكنه كان لا يصلي لا يخرج إذ لا علامة له , لكن يحمل على أنه يخرج في القبضة لعموم قوله لم يعملوا خيرا قط , وهو مذكور في حديث أبي سعيد الآتي في التوحيد , وهل المراد بمن يسلم من الإحراق من كان يسجد أو أعم من أن يكون بالفعل أو القوة ؟ الثاني أظهر ليدخل فيه من أسلم مثلا وأخلص فبغته الموت قبل أن يسجد ووجدت بخط أبي رحمه الله تعالى ولم أسمعه منه من نظمه ما يوافق مختار النووي وهو قوله : ‏ ‏يا رب أعضاء السجود عتقتها ‏ ‏من عبدك الجاني وأنت الواقي ‏ ‏والعتق يسري بالغني يا ذا الغنى ‏ ‏فامنن على الفاني بعتق الباقي ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 06:11 PM
‏قوله ( فيخرجونهم قد امتحشوا ) ‏
‏هكذا وقع هنا , وكذا وقع في حديث أبي سعيد في التوحيد عن يحيى بن بكير عن الليث بسنده , ووقع عند أبي نعيم من رواية أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن يحيى بن بكير " فيخرجون من عرفوا " ليس فيه " قد امتحشوا " وإنما ذكرها بعد قوله فيقبض قبضة , وكذا أخرجه البيهقي وابن منده من رواية روح بن الفرج ويحيى بن أبي أيوب العلاف كلاهما عن يحيى بن بكير به , قال عياض : ولا يبعد أن الامتحاش يختص بأهل القبضة والتحريم على النار أن تأكل صورة الخارجين أولا قبلهم ممن عمل الخير على التفصيل السابق والعلم عند الله تعالى . وتقدم ضبط " امتحشوا " وأنه بفتح المثناة والمهملة وضم المعجمة أي احترقوا وزنه ومعناه , والمحش احتراق الجلد وظهور العظم . قال عياض : ضبطناه عن متقني شيوخنا وهو وجه الكلام , وعند بعضهم بضم المثناة وكسر الحاء , ولا يعرف في اللغة امتشحه متعديا وإنما سمع لازما مطاوع محشته يقال محشته , وأمحشته , وأنكر يعقوب بن السكيت الثلاثي , وقال غيره : أمحشته فامتحش وأمحشه الحر أحرقه والنار أحرقته وامتحش هو غضبا . وقال أبو نصر الفارابي : والامتحاش الاحتراق . ‏

‏قوله ( فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة ) ‏
‏في حديث أبي سعيد " فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة " والأفواه جمع فوهة على غير قياس والمراد بها الأوائل , وتقدم في الإيمان من طريق يحيى بن عمارة عن أبي سعيد " في نهر الحياة أو الحياء " بالشك , وفي رواية أبي نضرة عند مسلم " على نهر يقال له الحيوان أو الحياة " وفي أخرى له " فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة " وفي تسمية ذلك النهر به إشارة إلى أنهم لا يحصل لهم الفناء بعد ذلك . ‏

‏قوله ( فينبتون نبات الحبة ) ‏
‏بكسر المهملة وتشديد الموحدة , تقدم في كتاب الإيمان أنها بزور الصحراء والجمع حبب بكسر المهملة وفتح الموحدة بعدها مثلها , وأما الحبة بفتح أوله وهو ما يزرعه الناس فجمعها حبوب بضمتين , ووقع في حديث أبي سعيد " فينبتون في حافتيه " وفي رواية لمسلم " كما تنبت الغثاءة " بضم الغين المعجمة بعدها مثلثة مفتوحة وبعد الألف همزة ثم هاء تأنيث هو في الأصل كل ما حمله السيل من عيدان وورق وبزور وغيرها , والمراد به هنا ما حمله من البزور خاصة . ‏

‏قوله ( في حميل السيل ) ‏
‏بالحاء المهملة المفتوحة والميم المكسورة أي ما يحمله السيل , وفي رواية يحيى بن عمارة المشار إليها إلى جانب السيل , والمراد أن الغثاء الذي يجيء به السيل يكون فيه الحبة فيقع في جانب الوادي فتصبح من يومها نابتة , ووقع في رواية لمسلم " في حمئة السيل " بعد الميم همزة ثم هاء , وقد تشبع الميم فيصير بوزن عظيمة , وهو ما تغير لونه من الطين , وخص بالذكر لأنه يقع فيه النبت غالبا . قال ابن أبي جمرة فيه إشارة إلى سرعة نباتهم , لأن الحبة أسرع في النبات من غيرها , وفي السيل أسرع لما يجتمع فيه من الطين الرخو الحادث مع الماء مع ما خالطه من حرارة الزبل المجذوب معه , قال : ويستفاد منه أنه صلى الله عليه وسلم كان عارفا بجميع أمور الدنيا بتعليم الله تعالى له وإن لم يباشر ذلك . وقال القرطبي : اقتصر المازري على أن موقع التشبيه السرعة , وبقي عليه نوع آخر دل عليه قوله في الطريق الأخرى " ألا ترونها تكون إلى الحجر ما يكون منها إلى الشمس أصفر وأخضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض " وفيه تنبيه على أن ما يكون إلى الجهة التي تلي الجنة يسبق إليه البياض المستحسن , وما يكون منهم إلى جهة النار يتأخر النصوع عنه فيبقى أصيفر وأخيضر إلى أن يتلاحق البياض ويستوي الحسن والنور ونضارة النعمة عليهم . قال : ويحتمل أن يشير بذلك إلى أن الذي يباشر الماء يعني الذي يرش عليهم يسرع نصوعه وأن غيره يتأخر عنه النصوع لكنه يسرع إليه , والله أعلم . ‏

‏قوله ( ويبقى رجل ) ‏
‏زاد في رواية الكشميهني " منهم مقبل بوجهه على النار هو آخر أهل النار دخولا الجنة " تقدم القول في آخر أهل النار خروجا منها في شرح الحديث الثاني والعشرين من الباب الذي قبله , ووقع في وصف هذا الرجل أنه كان نباشا وذلك في حديث حذيفة كما تقدم في أخبار بني إسرائيل " أن رجلا كان يسيء الظن بعمله , فقال لأهله أحرقوني " الحديث وفي آخره " كان نباشا " ووقع في حديث حذيفة عن أبي بكر الصديق عند أحمد وأبي عوانة وغيرهما وفيه " ثم يقول الله : انظروا هل بقي في النار أحد عمل خيرا قط ؟ فيجدون رجلا فيقال له : هل عملت خيرا قط ؟ فيقول : لا , غير أني كنت أسامح الناس في البيع " الحديث وفيه " ثم يخرجون من النار رجلا آخر فيقال له : هل عملت خيرا قط ؟ فيقول : لا , غير أني أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني " الحديث . وجاء من وجه آخر أنه " كان يسأل الله أن يجيره من النار ولا يقول أدخلني الجنة " أخرجه الحسين المروزي في زيادات الزهد لابن المبارك من حديث عوف الأشجعي رفعه " قد علمت آخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل كان يسأل الله أن يجيره من النار ولا يقول أدخلني الجنة , فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار بقي بين ذلك فيقول : يا رب قربني من باب الجنة أنظر إليها وأجد من ريحها , فيقربه , فيرى شجرة " الحديث , وهو عند ابن أبي شيبة أيضا . وهذا يقوي التعدد , لكن الإسناد ضعيف . وقد ذكرت عن عياض في شرح الحديث السابع عشر أن آخر من يخرج من النار هل هو آخر من يبقى على الصراط أو هو غيره وإن اشترك كل منهما في أنه آخر من يدخل الجنة , ووقع في نوادر الأصول للترمذي الحكيم من حديث أبي هريرة أن أطول أهل النار فيها مكثا من يمكث سبعة آلاف سنة وسند هذا الحديث واه والله أعلم . وأشار ابن أبي جمرة إلى المغايرة بين آخر من يخرج من النار وهو المذكور في الباب الماضي وأنه يخرج منها بعد أن يدخلها حقيقة وبين آخر من يخرج ممن يبقى مارا على الصراط فيكون التعبير بأنه خرج من النار بطريق المجاز لأنه أصابه من حرها وكربها ما يشارك به بعض من دخلها . وقد وقع في " غرائب مالك للدارقطني " من طريق عبد الملك بن الحكم وهو واه عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه " إن آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة , فيقول أهل الجنة : عند جهينة الخبر اليقين " وحكى السهيلي أنه جاء أن اسمه هناد , وجوز غيره أن يكون أحد الاسمين لأحد المذكورين والآخر للآخر . ‏

‏قوله ( فيقول يا رب ) ‏
‏في رواية إبراهيم بن سعد في التوحيد " أي رب " . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 06:13 PM
‏قوله ( قد قشبني ريحها ) ‏
‏بقاف وشين معجمة مفتوحتين مخففا - وحكي التشديد - ثم موحدة , قال الخطابي : قشبه الدخان إذا ملأ خياشيمه وأخذ يكظمه , وأصل القشب خلط السم بالطعام يقال قشبه إذا سمه , ثم استعمل فيما إذا بلغ الدخان والرائحة الطيبة منه غايته . وقال النووي : معنى قشبني سمني وآذاني وأهلكني , هكذا قاله جماهير أهل اللغة . وقال الداودي : معناه غير جلدي وصورتي . قلت : ولا يخفى حسن قول الخطابي , وأما الداودي فكثيرا ما يفسر الألفاظ الغريبة بلوازمها ولا يحافظ على أصول معانيها . وقال ابن أبي جمرة : إذا فسرنا القشب بالنتن والمستقذر كانت فيه إشارة إلى طيب ريح الجنة وهو من أعظم نعيمها , وعكسها النار في جميع ذلك . وقال ابن القطاع : قشب الشيء خلطه بما يفسده من سم أو غيره , وقشب الإنسان لطخه بسوء كاغتابه وعابه , وأصله السم فاستعمل بمعنى أصابه المكروه إذا أهلكه أو أفسده أو غيره أو أزال عقله أو تقذره هو , والله أعلم . ‏

‏قوله ( وأحرقني ذكاؤها ) ‏
‏كذا للأصيلي وكريمة هنا بالمد وكذا في رواية إبراهيم بن سعد , وفي رواية أبي ذر وغيره ذكاها بالقصر وهو الأشهر في اللغة . وقال ابن القطاع : يقال ذكت النار تذكو ذكا بالقصر وذكوا بالضم وتشديد الواو أي كثر لهبها واشتد اشتعالها ووهجها , وأما ذكا الغلام ذكاء بالمد فمعناه أسرعت فطنته . قال النووي : المد والقصر لغتان ذكره جماعه فيها , وتعقبه مغلطاي بأنه لم يوجد عن أحد من المصنفين في اللغة ولا في الشارحين لدواوين العرب حكاية المد إلا عن أبي حنيفة الدينوري في " كتاب النبات " في مواضع منها ضرب العرب المثل بجمر الغضا لذكائه , قال : وتعقبه علي بن حمزة الأصبهاني فقال : ذكا النار مقصور ويكتب بالألف لأنه واوي يقال ذكت النار تذكو ذكوا وذكاء النار وذكو النار بمعنى وهو التهابها والمصدر ذكاء وذكو وذكو , بالتخفيف والتثقيل , فأما الذكاء بالمد فلم يأت عنهم في النار وإنما جاء في الفهم . وقال ابن قرقول في " المطالع " وعليه يعتمد الشيخ , وقع في مسلم فقد أحرقني ذكاؤها بالمد والمعروف في شدة حر النار القصر إلا أن الدينوري ذكر فيه المد وخطأه علي بن حمزة فقال : ذكت النار ذكا وذكوا ومنه طيب ذكي منتشر الريح , وأما الذكاء بالمد فمعناه تمام الشيء ومنه ذكاء القلب , وقال صاحب الأفعال : ذكا الغلام والعقل أسرع في الفطنة , وذكا الرجل ذكاء من حدة فكره , وذكت النار ذكا بالقصر توقدت . ‏

‏قوله ( فاصرف وجهي عن النار ) ‏
‏قد استشكل كون وجهه إلى جهة النار والحال أنه ممن يمر على الصراط طالبا إلى الجنة فوجهه إلى الجنة , لكن وقع في حديث أبي أمامة المشار إليه قبل أنه ينقلب على الصراط ظهرا لبطن فكأنه في تلك الحالة انتهى إلى آخره فصادف أن وجهه كان من قبل النار , ولم يقدر على صرفه عنها باختياره فسأل ربه في ذلك . ‏

‏قوله ( فيصرف وجهه عن النار ) ‏
‏بضم أوله على البناء للمجهول , وفي رواية شعيب " فيصرف الله " ووقع في رواية أنس عن ابن مسعود عند مسلم وفي حديث أبي سعيد عند أحمد والبزار نحوه أنه " يرفع له شجرة فيقول : رب أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها وأشرب من مائها , فيقول الله : لعلي إن أعطيتك تسألني غيرها , فيقول : لا يا رب ويعاهده أن لا يسأل غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه " وفيه أنه " يدنو منها وأنه يرفع له شجرة أخرى أحسن من الأولى عند باب الجنة ويقول في الثالثة ائذن لي في دخول الجنة " وكذا وقع في حديث أنس الآتي في التوحيد من طريق حميد عنه رفعه " آخر من يخرج من النار ترفع له شجرة " ونحوه لمسلم من طريق النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد بلفظ " إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة ومثلت له شجرة " ويجمع بأنه سقط من حديث أبي هريرة هنا ذكر الشجرات كما سقط من حديث ابن مسعود ما ثبت في حديث الباب من طلب القرب من باب الجنة . ‏

‏قوله ( ثم يقول بعد ذلك : يا رب قربني إلى باب الجنة ) ‏
‏في رواية شعيب " قال يا رب قدمني " . ‏

‏قوله ( فيقول : أليس قد زعمت ) ‏
‏في رواية شعيب " فيقول الله : أليس قد أعطيت العهد والميثاق " . ‏

‏قوله ( لعلي إن أعطيتك ذلك ) ‏
‏في رواية التوحيد " فهل عسيت إن فعلت بك ذلك أن تسألني غيره " أما " عسيت " ففي سينها الوجهان الفتح والكسر , وجملة " أن تسألني " هي خبر عسى , والمعنى هل يتوقع منك سؤال شيء غير ذلك وهو استفهام تقرير لأن ذلك عادة بني آدم , والترجي راجع إلى المخاطب لا إلى الرب , وهو من باب إرخاء العنان إلى الخصم ليبعثه ذلك على التفكر في أمره والإنصاف من نفسه . ‏

‏قوله ( فيقول : لا وعزتك لا أسألك غيره فيعطي الله ما شاء من عهد وميثاق ) ‏
‏يحتمل أن يكون فاعل " شاء " الرجل المذكور أو الله , قال ابن أبي جمرة : إنما بادر للحلف من غير استخلاف لما وقع له من قوة الفرح بقضاء حاجته فوطن نفسه على أن لا يطلب مزيدا وأكده بالحلف . ‏

‏قوله ( فإذا رأى ما فيها سكت ) ‏
‏في رواية شعيب " فإذا بلغ بابها ورأى زهرتها وما فيها من النضرة " وفي رواية إبراهيم بن سعد " من الحبرة " بفتح المهملة وسكون الموحدة , ولمسلم " الخير " بمعجمة وتحتانية بلا هاء , والمراد أنه يرى ما فيها من خارجها إما لأن جدارها شفاف فيرى باطنها من ظاهرها كما جاء في وصف الغرف , وإما أن المراد بالرؤية العلم الذي يحصل له من سطوع رائحتها الطيبة وأنوارها المضيئة كما كان يحصل له أذى لفح النار وهو خارجها . ‏

‏قوله ( ثم قال ) ‏
‏في رواية إبراهيم بن سعد " ثم يقول " . ‏

‏قوله ( ويلك ) ‏
‏في رواية شعيب " ويحك " . ‏

‏قوله ( يا رب لا تجعلني أشقى خلقك ) ‏
‏المراد بالخلق هنا من دخل الجنة , فهو لفظ عام أريد به خاص , ومراده أنه يصير إذا استمر خارجا عن الجنة أشقاهم , وكونه أشقاهم ظاهر لو استمر خارج الجنة وهم من داخلها , قال الطيبي : معناه يا رب قد أعطيت العهد والميثاق ولكن تفكرت في كرمك ورحمتك فسألت وقع في الرواية التي في كتاب الصلاة " لا أكون أشقى خلقك " وللقابسي " لأكونن " قال ابن التين المعنى لئن أبقيتني على هذه الحالة ولم تدخلني الجنة لأكونن , والألف في الرواية الأولى زائدة , وقال الكرماني : معناه لا أكون كافرا . قلت : هذا أقرب مما قال ابن التين ولو استحضر هذه الرواية التي هنا ما احتاج إلى التكلف الذي أبداه , فإن قوله " لا أكون " لفظه لفظ الخبر ومعناه الطلب , ودل عليه قوله " لا تجعلني " ووجه كونه أشقى أن الذي يشاهد ما يشاهده ولا يصل إليه يصير أشد حسرة ممن لا يشاهد , وقوله " خلقك " مخصوص بمن ليس من أهل النار . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 06:14 PM
‏قوله ( فإذا ضحك منه ) ‏
‏تقدم معنى الضحك في شرح الحديث الماضي قريبا . ‏

‏قوله ( ثم يقال له تمن من كذا فيتمنى ) ‏
‏في رواية أبي سعيد عند أحمد " فيسأل ويتمنى مقدار ثلاثة أيام من أيام الدنيا " وفي رواية التوحيد " حتى إن الله ليذكره من كذا " وفي حديث أبي سعيد " ويلقنه الله ما لا علم له به " . ‏

‏قوله ( قال أبو هريرة ) ‏
‏هو موصول بالسند المذكور . ‏

‏قوله ( وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا ) ‏
‏سقط هذا من رواية شعيب . وثبت في رواية إبراهيم بن سعد هنا , ووقع ذلك في رواية مسلم مرتين إحداهما هنا والأخرى في أوله عند قوله " ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار " . ‏

‏قوله ( قال عطاء وأبو سعيد ) ‏
‏أي الخدري , والقائل هو عطاء بن يزيد بينه إبراهيم بن سعد في روايته عن الزهري قال : قال عطاء بن يزيد وأبو سعيد الخدري . ‏

‏قوله ( لا يغير عليه شيئا ) ‏
‏في رواية إبراهيم بن سعد لا يرد عليه . ‏

‏قوله ( هذا لك ومثله معه , قال أبو سعيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏ووقع في رواية إبراهيم بن سعد " قال أبو سعيد وعشرة أمثاله يا أبا هريرة فقال " فذكره , وفيه " قال أبو سعيد الخدري : أشهد أني حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " ووقع في حديث أنس عند ابن مسعود " يرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها " ووقع في حديث حذيفة عن أبي بكر " انظر إلى ملك أعظم ملك فإن لك مثله وعشرة أمثاله , فيقول أتسخر بي وأنت الملك " ووقع عند أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعا في هذا الحديث " فقال أبو سعيد ومثله معه , فقال أبو هريرة وعشرة أمثاله , فقال أحدهما لصاحبه حدث بما سمعت وأحدث بما سمعت " وهذا مقلوب فإن الذي في الصحيح هو المعتمد وقد وقع عند البزار من الوجه الذي أخرجه منه أحمد على وفق ما في الصحيح . نعم وقع في حديث أبي سعيد الطويل المذكور في التوحيد من طريق أخرى عنه بعد ذكر من يخرج من عصاة الموحدين فقال في آخره " فيقال لهم : لكم ما رأيتم ومثله معه " فهذا موافق لحديث أبي هريرة في الاقتصار على المثل ويمكن أن يجمع أن يكون عشرة الأمثال إنما سمعه أبو سعيد في حق آخر أهل الجنة دخولا والمذكور هنا في حق جميع من يخرج بالقبضة , وجمع عياض بين حديثي أبي سعيد وأبي هريرة باحتمال أن يكون أبو هريرة سمع أولا قوله " ومثله معه " فحدث به ثم حدث النبي صلى الله عليه وسلم بالزيادة فسمعه أبو سعيد , وعلى هذا فيقال سمعه أبو سعيد وأبو هريرة معا أولا ثم سمع أبو سعيد الزيادة بعد , وقد وقع في حديث أبي سعيد أشياء كثيرة زائدة على حديث أبي هريرة نبهت على أكثرها فيما تقدم قريبا , وظاهر قوله " هذا لك وعشرة أمثاله " أن العشرة زائدة على الأصل . ووقع في رواية أنس عن ابن مسعود " لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا " وحمل على أنه تمنى أن يكون له مثل الدنيا فيطابق حديث أبي سعيد . ووقع في رواية لمسلم عن ابن مسعود " لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها " والله أعلم . وقال الكلاباذي إمساكه أولا عن السؤال حياء من ربه والله يحب أن يسأل لأنه يحب صوت عبده المؤمن فيباسطه بقوله أولا " لعلك إن أعطيت هذا تسأل غيره " وهذه حالة المقصر فكيف حالة المطيع , وليس نقض هذا العبد عهده وتركه ما أقسم عليه جهلا منه ولا قلة مبالاة بل علما منه بأن نقض هذا العهد أولى من الوفاء به , لأن سؤاله ربه أولى من ترك السؤال مراعاة للقسم , وقد قال صلى الله عليه وسلم " من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر على يمينه وليأت الذي هو خير " فعمل هذا العبد على وفق هذا الخبر , والتكفير قد ارتفع عنه في الآخرة . قال ابن أبي جمرة رحمه الله تعالى : في هذا الحديث من الفوائد جواز مخاطبة الشخص بما لا تدرك حقيقته , وجواز التعبير عن ذلك بما يفهمه , وأن الأمور التي في الآخرة لا تشبه بما في الدنيا إلا في الأسماء والأصل مع المبالغة في تفاوت الصفة والاستدلال على العلم الضروري بالنظري , وأن الكلام إذا كان محتملا لأمرين يأتي المتكلم بشيء يتخصص به مراده عند السامع , وأن التكليف لا ينقطع إلا بالاستقرار في الجنة أو النار , وأن امتثال الأمر في الموقف يقع بالاضطرار . وفيه فضيلة الإيمان لأنه لما تلبس به المنافق ظاهرا بقيت عليه حرمته إلى أن وقع التمييز بإطفاء النور وغير ذلك , وأن الصراط مع دقته وحدته يسع جميع المخلوقين منذ آدم إلى قيام الساعة . وفيه أن النار مع عظمها وشدتها لا تتجاوز الحد الذي أمرت بإحراقه , والآدمي مع حقارة جرمه يقدم على المخالفة ففيه معنى شديد من التوبيخ وهو كقوله تعالى في وصف الملائكة ( غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) , وفيه إشارة إلى توبيخ الطغاة والعصاة , وفيه فضل الدعاء وقوة الرجاء في إجابة الدعوة ولو لم يكن الداعي أهلا لذلك في ظاهر الحكم لكن فضل الكريم واسع . وفي قوله في آخره في بعض طرقه " ما أغدرك " إشارة إلى أن الشخص لا يوصف بالفعل الذميم إلا بعد أن يتكرر ذلك منه . وفيه إطلاق اليوم على جزء منه لأن يوم القيامة في الأصل يوم واحد وقد أطلق اسم اليوم على كثير من أجزائه . وفيه جواز سؤال الشفاعة خلافا لمن منع محتجا بأنها لا تكون إلا لمذنب . قال عياض : وفات هذا القائل أنها قد تقع في دخول الجنة بغير حساب وغير ذلك كما تقدم بيانه , مع أن كل عاقل معترف بالتقصير فيحتاج إلى طلب العفو عن تقصيره , وكذا كل عامل يخشى أن لا يقبل عمله فيحتاج إلى الشفاعة في قبوله . قال : ويلزم هذا القائل أن لا يدعو بالمغفرة ولا بالرحمة وهو خلاف ما درج عليه السلف في أدعيتهم . وفي الحديث أيضا تكليف ما لا يطاق لأن المنافقين يؤمرون بالسجود وقد منعوا منه , كذا قيل وفيه نظر لأن الأمر حينئذ للتعجيز والتبكيت . وفيه إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة , قال الطيبي : وقول من أثبت الرؤية ووكل علم حقيقتها إلى الله فهو الحق , وكذا قول من فسر الإتيان بالتجلي هو الحق لأن ذلك قد تقدمه قوله " هل تضارون في رؤية الشمس والقمر " وزيد في تقرير ذلك وتأكيده وكل ذلك يدفع المجاز عنه والله أعلم . واستدل به بعض السالمية ونحوهم على أن المنافقين وبعض أهل الكتاب يرون الله مع المؤمنين , وهو غلط لأن في سياق حديث أبي سعيد أن المؤمنين يرونه سبحانه وتعالى بعد رفع رءوسهم من السجود وحينئذ يقولون أنت ربنا , ولا يقع ذلك للمنافقين ومن ذكر معهم , وأما الرؤية التي اشترك فيها الجميع قبل فقد تقدم أنه صورة الملك وغيره . قلت : ولا مدخل أيضا لبعض أهل الكتاب في ذلك لأن في بقية الحديث أنهم يخرجون من المؤمنين ومن معهم ممن يظهر الإيمان ويقال لهم ما كنتم تعبدون ؟ وأنهم يتساقطون في النار , وكل ذلك قبل الأمر بالسجود . وفيه أن جماعة من مذنبي هذه الأمة يعذبون بالنار ثم يخرجون بالشفاعة والرحمة خلافا لمن نفى ذلك عن هذه الأمة وتأول ما ورد بضروب متكلفة , والنصوص الصريحة متضافرة متظاهرة بثبوت ذلك , وأن تعذيب الموحدين بخلاف تعذيب الكفار لاختلاف مراتبهم من أخذ النار بعضهم إلى ساقه وأنها لا تأكل أثر السجود , وأنهم يموتون فيكون عذابهم إحراقهم وحبسهم عن دخول الجنة سريعا كالمسجونين , بخلاف الكفار الذين لا يموتون أصلا ليذوقوا العذاب ولا يحيون حياة يستريحون بها , على أن بعض أهل العلم أول ما وقع في حديث أبي سعيد من قوله يموتون فيها إماتة بأنه ليس المراد أن يحصل لهم الموت حقيقة وإنما هو كناية عن غيبة إحساسهم , وذلك للرفق بهم , أو كنى عن النوم بالموت وقد سمى الله النوم وفاة , ووقع في حديث أبي هريرة أنهم إذا دخلوا النار ماتوا فإذا أراد الله إخراجهم أمسهم ألم العذاب تلك الساعة , قال وفيه ما طبع عليه الآدمي من قوة الطمع وجودة الحيلة في تحصيل المطلوب , فطلب أولا أن يبعد من النار ليحصل له نسبة لطيفة بأهل الجنة , ثم طلب الدنو منهم وقد وقع في بعض طرقه طلب الدنو من شجرة بعد شجرة إلى أن طلب الدخول , ويؤخذ منه أن صفات الآدمي التي شرف بها على الحيوان تعود له كلها بعد بعثته كالفكر والعقل وغيرهما , انتهى ملخصا مع زيادات في غضون كلامه والله المستعان . ‏

ahmedaboali
02-03-2009, 06:15 PM
‏حدثنا ‏ ‏سعيد بن أبي مريم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن مطرف ‏ ‏حدثني ‏ ‏أبو حازم ‏ ‏عن ‏ ‏سهل بن سعد ‏ ‏قال ‏
‏قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إني ‏ ‏فرطكم ‏ ‏على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم ‏
‏قال ‏ ‏أبو حازم ‏ ‏فسمعني ‏ ‏النعمان بن أبي عياش ‏ ‏فقال هكذا سمعت من ‏ ‏سهل ‏ ‏فقلت نعم ‏ ‏فقال ‏ ‏أشهد على ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏لسمعته وهو يزيد فيها ‏ ‏فأقول إنهم مني فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي ‏ ‏وقال ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏سحقا بعدا ‏ ‏يقال سحيق بعيد سحقه وأسحقه أبعده ‏ ‏وقال ‏ ‏أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏عن ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏أنه كان يحدث ‏ ‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي ‏ ‏فيحلئون ‏ ‏عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم ‏ ‏القهقرى

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث سهل بن سعد وأبي سعيد الخدري من رواية أبي حازم عن سهل وعن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد . ‏

‏قوله ( فأقول سحقا سحقا ) ‏
‏بسكون الحاء المهملة فيهما ويجوز ضمها ومعناه بعدا بعدا , ونصب بتقدير ألزمهم الله ذلك . ‏

‏قوله ( وقال ابن عباس سحقا بعدا ) ‏
‏وصله ابن أبي حاتم من رواية علي بن أبي طلحة عنه بلفظه . ‏

‏قوله ( يقال سحيق بعيد ) ‏
‏هو كلام أبي عبيدة في تفسير قوله تعالى ( أو تهوي به الريح في مكان سحيق ) السحيق البعيد والنخلة السحوق الطويلة . ‏

‏قوله ( سحقه وأسحقه أبعده ) ‏
‏ثبت هذا في رواية الكشميهني وهو من كلام أبي عبيدة أيضا قال : يقال سحقه الله وأسحقه أي أبعده , ويقال بعد وسحق إذا دعوا عليه , وسحقته الريح أي طردته , وقال الإسماعيلي : يقال سحقه إذا اعتمده عليه بشيء ففتنه وأسحقه أبعده , وقد تقدم شرح حديث ابن عباس في هذا في " باب كيف الحشر " . ‏

‏قوله ( وقال أحمد بن شبيب إلخ ) ‏
‏وصله أبو عوانة عن أبي زرعة الرازي وأبي الحسن الميموني قالا " حدثنا أحمد بن شبيب به " ويونس هو ابن يزيد نسبه أبو عوانة في روايته هذه , وكذا أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طرق عن أحمد بن شبيب . ‏

ahmedaboali
02-03-2009, 06:15 PM
‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏ابن المسيب ‏ ‏أنه كان يحدث عن ‏ ‏أصحاب النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏يرد على الحوض رجال من أصحابي فيحلئون عنه فأقول يا رب أصحابي فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم ‏ ‏القهقرى ‏
‏وقال ‏ ‏شعيب ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏كان ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏يحدث عن ‏ ‏النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فيجلون ‏ ‏وقال ‏ ‏عقيل ‏ ‏فيحلئون ‏ ‏وقال ‏ ‏الزبيدي ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن علي ‏ ‏عن ‏ ‏عبيد الله بن أبي رافع ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( فيجلون ) ‏
‏بضم أوله وسكون الجيم وفتح اللام أي يصرفون , وفي رواية الكشميهني بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام بعدها همزة مضمومة قبل الواو وكذا للأكثر ومعناه يطردون , وحكى ابن التين أن بعضهم ذكره بغير همزة قال : وهو في الأصل مهموز فكأنه سهل الهمزة . ‏

‏قوله ( إنهم ارتدوا ) ‏
‏هذا يوافق تفسير قبيصة الماضي في " باب كيف الحشر " . ‏

‏قوله ( على أعقابهم ) ‏
‏في رواية الإسماعيلي " على أدبارهم " . ‏

‏قوله ( وقال شعيب ) ‏
‏هو ابن أبي حمزة عن الزهري يعني بسنده وصله الذهلي في " الزهريات " وهو بسكون الجيم أيضا , وقيل بالخاء المعجمة المفتوحة بعدها لأم ثقيلة وواو ساكنة وهو تصحيف . ‏

‏قوله ( وقال عقيل ) ‏
‏هو ابن خالد يعني عن ابن شهاب بسنده يحلئون يعني بالحاء المهملة والهمزة ‏

‏قوله ( وقال الزبيدي ) ‏
‏هو محمد بن الوليد , ومحمد بن علي شيخ الزهري فيه هو أبو جعفر الباقر , وشيخه عبيد الله هو ابن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم , وذكر الجياني أنه وقع في رواية القابسي والأصيلي عن المروزي عبد الله بن أبي رافع بسكون الموحدة وهو خطأ , وفي السند ثلاثة من التابعين مدنيون في نسق , فالزهري والباقر قرينان وعبيد الله أكبر منهما , وطريق الزبيدي المشار إليها وصلها الدارقطني في الأفراد من رواية عبد الله بن سالم عنه كذلك , ثم ساق المصنف الحديث من طريق ابن وهب عن يونس مثل رواية شبيب عن يونس لكن لم يسم أبا هريرة بل قال " عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , وحاصل الاختلاف أن ابن وهب وشبيب بن سعيد اتفقا في روايتهما عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب , ثم اختلفا فقال ابن سعيد " عن أبي هريرة " وقال ابن وهب عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , وهذا لا يضر لأن في رواية ابن وهب زيادة على ما تقتضيه رواية ابن سعيد , وأما رواية عقيل وشعيب فإنما تخالفتا في بعض اللفظ , وخالف الجميع الزبيدي في السند , فيحمل على أنه كان عند الزهري بسندين فإنه حافظ وصاحب حديث , ودلت رواية الزبيدي على أن شبيب بن سعيد حفظ فيه أبا هريرة . وقد أعرض مسلم عن هذه الطرق كلها وأخرج من طريق محمد بن زياد عن أبي هريرة رفعه " إني لأذود عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة عن الإبل " وأخرجه من وجه آخر عن أبي هريرة في أثناء حديث , وهذا المعنى لم يخرجه البخاري مع كثرة ما أخرج من الأحاديث في ذكر الحوض , والحكمة في الذود المذكور أنه صلى الله عليه وسلم يريد أنه يرشد كل أحد إلى حوض نبيه على ما تقدم أن لكل نبي حوضا وأنهم يتباهون بكثرة من يتبعهم فيكون ذلك من جملة إنصافه ورعاية إخوانه من النبيين , لا أنه يطردهم بخلا عليهم بالماء , ويحتمل أنه يطرد من لا يستحق الشرب من الحوض والعلم عند الله تعالى . ‏

ahmedaboali
02-03-2009, 06:19 PM
‏حدثنا ‏ ‏إسحاق بن منصور ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو أسامة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يجاء ‏ ‏بنوح ‏ ‏يوم القيامة فيقال له ‏ ‏هل بلغت فيقول نعم يا رب فتسأل أمته هل بلغكم فيقولون ما جاءنا من نذير فيقول من شهودك فيقول ‏ ‏محمد ‏ ‏وأمته فيجاء بكم فتشهدون ثم قرأ رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏
‏وكذلك جعلناكم أمة وسطا ‏
‏قال عدلا ‏
‏لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ‏

‏وعن ‏ ‏جعفر بن عون ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بهذا

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( حدثنا أبو أسامة ) ‏
‏قال الأعمش هو بحذف " قال " الثانية وقوله في آخره " وعن جعفر بن عون " هو معطوف على قوله " أبو أسامة " والقائل هو إسحاق بن منصور فروى هذا الحديث عن أبي أسامة بصيغة التحديث , وعن جعفر بن عون بالعنعنة , وهذا مقتضى صنيع صاحب الأطراف وأما أبو نعيم فجزم بأن رواية جعفر بن عون معلقة , فقال بعد أن أخرجه من طريق أبي مسعود الراوي عن أبي أسامة وحده , ومن طريق بندار " عن جعفر بن عون " وحده , أخرجه البخاري عن إسحاق بن منصور بن أبي أسامة , وذكره عن جعفر ابن عون بلا واسطة انتهى , وأخرجه الإسماعيلي من رواية بندار وقال إنه مختصر , وأخرجه من رواية أبي معاوية عن الأعمش مطولا , وقد تقدمت رواية أبي أسامة مقرونة برواية جرير بن عبد الحميد في تفسير سورة البقرة , وساقه هناك على لفظ جرير , وتقدم شرحه هناك , وفيه بيان أن الشهادة لا تخص قوم نوح بل تعم الأمم .

ahmedaboali
02-03-2009, 06:20 PM
‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن صالح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏أخبرني ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد هو ابن المسيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض ‏
‏وقال ‏ ‏شعيب ‏ ‏والزبيدي ‏ ‏وابن مسافر ‏ ‏وإسحاق بن يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏مثله

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي هريرة " يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه , ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض " أخرجه من رواية " يونس " وهو ابن يزيد عن ابن شهاب بسنده , ثم قال : وقال شعيب والزبيدي وابن مسافر وإسحاق بن يحيى عن الزهري وعن أبي سلمة مثله , كذا وقع لأبي ذر وسقط لغيره لفظ " مثله " وليس المراد أن أبا سلمة أرسله بل مراده أنه اختلف على " ابن شهاب " وهو الزهري في شيخه فقال يونس هو سعيد بن المسيب وقال الباقون أبو سلمة وكل منهما يرويه عن أبي هريرة , فأما رواية " شعيب " وهو ابن أبي حمزة الحمصي فستأتي في الباب المشار إليه في الحديث المعلق آنفا , فإنه قال هناك " وقال أبو اليمان أنا شعيب " فذكر طرفا من المتن , وقد وصله الدارمي قال " حدثنا الحكم بن نافع " وهو أبو اليمان فذكره , وفيه " سمعت أبا سلمة يقول قال أبو هريرة " وكذا أخرجه ابن خزيمة في " كتاب التوحيد " من صحيحه " عن محمد بن يحيى الذهلي عن أبي اليمان " وأما رواية " الزبيدي " بضم الزاي بعدها موحدة , وهو محمد بن الوليد الحمصي فوصلها ابن خزيمة أيضا من طريق عبد الله بن سالم عنه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة , وأما طريق " ابن مسافر " وهو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي أمير مصر نسب لجده فتقدمت موصولة في تفسير سورة الزمر , من طريق الليث بن سعد عنه كذلك , وأما رواية " إسحاق بن يحيى " وهو الكلبي فوصلها الذهلي في الزهريات , قال الإسماعيلي وافق الجماعة عبيد الله بن زياد الرصافي في أبي سلمة . قلت : وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق الصدفي عن الزهري كذلك , ونقل ابن خزيمة عن محمد بن يحيى الذهلي أن الطريقين محفوظان انتهى . وصنيع البخاري يقتضي ذلك وإن كان الذي تقتضيه القواعد ترجيح رواية شعيب لكثرة من تابعه لكن يونس كان من خواص الزهري الملازمين له , قال ابن بطال : قوله تعالى ( ملك الناس ) داخل في معنى التحيات لله أي الملك لله , وكأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يقولوا التحيات لله امتثالا لأمر ربه ( قل أعوذ برب الناس ملك الناس ) ووصفه بأنه ( ملك الناس ) يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون بمعنى القدرة فيكون صفة ذات , وأن يكون بمعنى القهر والصرف عما يريدون فيكون صفة فعل , قال : وفي الحديث إثبات اليمين صفة لله تعالى من صفات ذاته وليست جارحة خلافا للمجسمة انتهى ملخصا . والكلام على اليمين يأتي في الباب المشار إليه ولم يعرج على التوفيق بين الحديث والترجمة , والذي يظهر لي أنه أشار إلى ما قاله شيخه نعيم بن حماد الخزاعي , قال ابن أبي حاتم في " كتاب الرد على الجهمية " وجدت في كتاب أبي عمر نعيم بن حماد قال : يقال للجهمية أخبرونا عن قول الله تعالى بعد فناء خلقه ( لمن الملك اليوم ) فلا يجيبه أحد فيرد على نفسه ( لله الواحد القهار ) وذلك بعد انقطاع ألفاظ خلقه بموتهم أفهذا مخلوق انتهى . وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أن الله يخلق كلاما فيسمعه من شاء بأن الوقت الذي يقول فيه ( لمن الملك اليوم ) لا يبقى حينئذ مخلوق حيا , فيجيب نفسه فيقول ( لله الواحد القهار ) فثبت أنه يتكلم بذلك وكلامه صفة من صفات ذاته فهو غير مخلوق , وعن أحمد بن سلمة عن إسحاق بن راهويه , قال صح أن الله يقول بعد فناء خلقه ( لمن الملك اليوم ) فلا يجيبه أحد فيقول لنفسه ( لله الواحد القهار ) قال ووجدت في كتاب عند أبي عن هشام بن عبيد الله الرازي قال " إذا مات الخلق ولم يبق إلا الله وقال ( لمن الملك اليوم ) فلا يجيبه أحد فيرد على نفسه فيقول لله الواحد القهار " قال فلا يشك أحد أن هذا كلام الله وليس بوحي إلى أحد ; لأنه لم تبق نفس فيها روح إلا وقد ذاقت الموت , والله هو القائل وهو المجيب لنفسه . قلت : وفي حديث الصور الطويل الذي تقدمت الإشارة إليه في أواخر " كتاب الرقاق " في صفة الحشر " فإذا لم يبق إلا الله كان آخرا كما كان أولا طوى السماء والأرض ثم دحاها ثم تلقفهما ثم قال أنا الجبار ثلاثا ثم قال لمن الملك اليوم ثلاثا ثم قال لنفسه لله الواحد القهار " قال الطبري في قوله تعالى ( يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء , لمن الملك اليوم ) يعني يقول الله لمن الملك فترك ذكر ذلك استغناء لدلالة الكلام عليه قال : وقوله " لله الواحد القهار " ذكر أن الرب جل جلاله هو القائل ذلك مجيبا لنفسه , ثم ذكر الرواية بذلك من حديث أبي هريرة الذي أشرت إليه وبالله التوفيق . ‏

ahmedaboali
02-03-2009, 06:20 PM
‏باب ‏ ‏قول الله تعالى ‏
‏وهو العزيز الحكيم ‏

‏سبحان ربك رب العزة عما يصفون ‏

‏ولله العزة ولرسوله ‏
‏ومن حلف بعزة الله وصفاته ‏ ‏وقال ‏ ‏أنس ‏ ‏قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏تقول جهنم قط قط وعزتك ‏ ‏وقال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يبقى رجل بين الجنة والنار ‏ ‏آخر أهل النار دخولا الجنة فيقول يا رب اصرف وجهي عن النار لا وعزتك لا أسألك غيرها ‏ ‏قال ‏ ‏أبو سعيد ‏ ‏إن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏قال الله عز وجل لك ذلك وعشرة أمثاله ‏ ‏وقال ‏ ‏أيوب ‏ ‏وعزتك لا غنى بي عن بركتك

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( باب قول الله تعالى وهو العزيز الحكيم , سبحان ربك رب العزة عما يصفون , ولله العزة ولرسوله ) ‏
‏أما الآية الأولى فوقعت في عدة سور وتكررت في بعضها , وأول موضع وقع فيه ( وهو العزيز الحكيم ) في سورة إبراهيم , وأما مطلق ( العزيز الحكيم ) فأول ما وقع في البقرة في دعاء إبراهيم عليه السلام لأهل مكة ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ) الآية , وآخرها ( إنك أنت العزيز الحكيم ) وتكرر ( العزيز الحكيم ) و ( وعزيز حكيم ) بغير لام فيهما في عدة من السور , وأما الآية الثانية ففي إضافة العزة إلى الربوبية إشارة إلى أن المراد بها هنا القهر والغلبة , ويحتمل أن تكون الإضافة للاختصاص كأنه قيل ذو العزة وأنها من صفات الذات , ويحتمل أن يكون المراد بالعزة هنا العزة الكائنة بين الخلق وهي مخلوقة فيكون من صفات الفعل , فالرب على هذا بمعنى الخالق والتعريف في العزة للجنس فإذا كانت العزة كلها لله فلا يصح أن يكون أحد معتزا إلا به ولا عزة لأحد إلا وهو مالكها , وأما الآية الثالثة فيعرف حكمها من الثانية , وهي بمعنى الغلبة ; لأنها جاءت جوابا لمن ادعى أنه الأعز وأن ضده الأذل فيرد عليه بأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين , فهو كقوله ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي , إن الله قوي عزيز ) . ‏

‏قوله ( ومن حلف بعزة الله وصفاته ) ‏
‏كذا للأكثر , وفي رواية المستملي " وسلطانه " بدل وصفاته والأول أولى , وقد تقدم في الأيمان والنذور باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلامه , وتقدم توجيهه هناك , قال ابن بطال العزيز يتضمن العزة والعزة يحتمل أن تكون صفة ذات بمعنى القدرة والعظمة , وأن تكون صفة فعل بمعنى القهر لمخلوقاته والغلبة لهم ولذلك صحت إضافة اسمه إليها , قال : ويظهر الفرق بين الحالف بعزة الله التي هي صفة ذاته والحالف بعزة الله التي صفة فعله , بأنه يحنث في الأولى دون الثانية , بل هو منهي عن الحلف بها كما نهي عن الحلف بحق السماء وحق زيد . قلت : وإذا أطلق الحالف انصرف إلى صفة الذات وانعقدت اليمين إلا إن قصد خلاف ذلك بدليل أحاديث الباب : وقال الراغب : العزيز الذي يقهر ولا يقهر , فإن العزة التي لله هي الدائمة الباقية وهي العزة الحقيقية الممدوحة وقد تستعار العزة للحمية والأنفة فيوصف بها الكافر والفاسق وهي صفة مذمومة , ومنه قوله تعالى ( أخذته العزة بالإثم ) وأما قوله تعالى ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ) فمعناه من كان يريد أن يعز فليكتسب العزة من الله فإنها له ولا تنال إلا بطاعته ومن ثم أثبتها لرسوله وللمؤمنين فقال : في الآية الأخرى ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) , وقد ترد العزة بمعنى الصعوبة كقوله تعالى ( عزيز عليه ما عنتم ) وبمعنى الغلبة , ومنه وعزني في الخطاب , وبمعنى القلة : كقولهم شاة عزوز إذا قل لبنها , وبمعنى الامتناع , ومنه قولهم أرض عزاز بفتح أوله مخففا أي صلبة , وقال البيهقي : العزة تكون بمعنى القوة فترجع إلى معنى القدرة , ثم ذكر نحوا مما ذكره ابن بطال , والذي يظهر أن مراد البخاري بالترجمة إثبات العزة لله ردا على من قال إنه العزيز بلا عزة , كما قالوا : العليم بلا علم , ثم ذكر في الباب خمسة أحاديث . ‏
‏الحديث الأول : ‏
‏قوله ( وقال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم تقول جهنم قط قط وعزتك ) ‏
‏هذا طرف من حديث تقدم موصولا في تفسير سورة ق مع شرحه , ويأتي مزيد كلام فيه في باب قوله ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) وقد ذكره موصولا هنا في آخر الباب , والمراد منه أن النبي صلى الله عليه وسلم نقل عن جهنم أنها تحلف بعزة الله وأقرها على ذلك , فيحصل المراد سواء كانت هي الناطقة حقيقة أم الناطق غيرها كالموكلين بها . ‏
‏الحديث الثاني : قوله ( وقال أبو هريرة إلخ ) هو طرف من حديث طويل تقدم مع شرحه في آخر " كتاب الرقاق " والمراد منه قوله " لا وعزتك " وتوجيهه كما في الذي قبله . ‏
‏الحديث الثالث : ‏
‏قوله ( قال أبو سعيد إلخ ) ‏
‏هو طرف من حديث مذكور في آخر حديث أبي هريرة الذي قبله , ويستفاد منه أن أبا سعيد وافق أبا هريرة على رواية الحديث المذكور إلا ما ذكره من الزيادة في قوله " عشرة أمثاله " . ‏
‏الحديث الرابع : ‏
‏قوله ( وقال أيوب عليه السلام وعزتك لا غنى بي عن بركتك ) ‏
‏كذا في رواية الأكثر وللمستملي " لا غناء " وهو بفتح الغين المعجمة ممدودا , وكذا لأبي ذر عن السرخسي وتقدم بيانه في " كتاب الأيمان والنذور " وهو طرف من حديث لأبي هريرة وقد تقدم موصولا في " كتاب الطهارة " وأوله " بينا أيوب يغتسل " وتقدم أيضا في أحاديث الأنبياء مع شرحه , وتقدم توجيه الدلالة منه في الأيمان والنذور , ووقع في رواية الحاكم " لما عافى الله أيوب أمطر عليه جرادا من ذهب " الحديث .

ahmedaboali
02-03-2009, 06:25 PM
‏حدثنا ‏ ‏عبدان ‏ ‏عن ‏ ‏أبي حمزة ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال لما خلق الله الخلق كتب في كتابه وهو يكتب على نفسه وهو وضع عنده على العرش ‏ ‏إن رحمتي تغلب غضبي

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( كتب في كتابه وهو يكتب على نفسه ) ‏
‏كذا لأبي ذر وسقطت الواو لغيره , وعلى الأول فالجملة حالية , وعلى الثاني فيكتب على نفسه بيان لقوله " كتب " والمكتوب هو قوله " إن رحمتي " إلخ , وقوله " وهو " أي المكتوب وضع بفتح فسكون أي موضوع , ووقع كذلك في الجمع للحميدي بلفظ موضوع وهي رواية الإسماعيلي فيما أخرجه من وجه آخر عن أبي حمزة المذكور في السند وهو بالمهملة والزاي واسمه محمد بن ميمون السكري , وحكى عياض عن رواية أبي ذر وضع بالفتح على أنه فعل ماض مبني للفاعل , ورأيته في نسخة معتمدة بكسر الضاد مع التنوين , وقد مضى شرح هذا الحديث في أوائل بدء الخلق , ويأتي شيء من الكلام عليه في باب ( وكان عرشه على الماء ) وفي باب ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ) أواخر الكتاب إن شاء الله تعالى , وأما قوله " عنده " فقال ابن بطال عند في اللغة للمكان , والله منزه عن الحلول في المواضع ; لأن الحلول عرض يفنى وهو حادث والحادث لا يليق بالله , فعلى هذا قيل معناه إنه سبق علمه بإثابة من يعمل بطاعته وعقوبة من يعمل بمعصيته , ويؤيده قوله في الحديث الذي بعده " أنا عند ظن عبدي بي " ولا مكان هناك قطعا , وقال الراغب عند لفظ موضوع للقرب ويستعمل في المكان وهو الأصل , ويستعمل في الاعتقاد , تقول : عندي في كذا كذا أي أعتقده , ويستعمل في المرتبة ومنه ( أحياء عند ربهم ) وأما قوله ( إن كان هذا هو الحق من عندك ) فمعناه من حكمك , وقال ابن التين معنى العندية في هذا الحديث العلم بأنه موضوع على العرش , وأما كتبه فليس للاستعانة لئلا ينساه فإنه منزه عن ذلك لا يخفى عنه شيء وإنما كتبه من أجل الملائكة الموكلين بالمكلفين . ‏

ahmedaboali
02-03-2009, 06:26 PM
‏حدثنا ‏ ‏عمر بن حفص ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏سمعت ‏ ‏أبا صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول الله تعالى ‏ ‏أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه ‏ ‏باعا ‏ ‏وإن أتاني يمشي أتيته هرولة

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي ) ‏
‏أي قادر على أن أعمل به ما ظن أني عامل به , وقال الكرماني : وفي السياق إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف وكأنه أخذه من جهة التسوية فإن العاقل إذا سمع ذلك لا يعدل إلى ظن إيقاع الوعيد وهو جانب الخوف ; لأنه لا يختاره لنفسه بل يعدل إلى ظن وقوع الوعد وهو جانب الرجاء وهو كما قال أهل التحقيق مقيد بالمحتضر ويؤيد ذلك حديث " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله " وهو عند مسلم من حديث جابر . وأما قبل ذلك ففي الأول أقوال ثالثها الاعتدال وقال ابن أبي جمرة : المراد بالظن هنا العلم وهو كقوله ( وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ) وقال القرطبي في المفهم قيل معنى ظن عبدي بي ظن الإجابة عند الدعاء وظن القبول عند التوبة وظن المغفرة عند الاستغفار وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكا بصادق وعده , وقال : ويؤيده قوله في الحديث الآخر : ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة . قال : ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقنا بأن الله يقبله ويغفر له ; لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها وأنها لا تنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من الكبائر , ومن مات على ذلك وكل إلى ما ظن كما في بعض طرق الحديث المذكور " فليظن بي عبدي ما شاء " قال : وأما ظن المغفرة مع الإصرار فذلك محض الجهل والغرة وهو يجر إلى مذهب المرجئة . ‏

‏قوله ( وأنا معه إذا ذكرني ) ‏
‏أي بعلمي وهو كقوله ( إنني معكما أسمع وأرى ) والمعية المذكورة أخص من المعية التي في قوله تعالى ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم - إلى قوله - إلا هو معهم أينما كانوا ) وقال ابن أبي جمرة معناه فأنا معه حسب ما قصد من ذكره لي قال : ثم يحتمل أن يكون الذكر باللسان فقط أو بالقلب فقط أو بهما أو بامتثال الأمر واجتناب النهي , قال والذي يدل عليه الإخبار أن الذكر على نوعين أحدهما مقطوع لصاحبه بما تضمنه هذا الخبر والثاني على خطر , قال : والأول يستفاد من قوله تعالى ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) والثاني من الحديث الذي فيه " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا " لكن إن كان في حال المعصية يذكر الله بخوف ووجل مما هو فيه فإنه يرجى له . ‏

‏قوله ( فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ) ‏
‏أي إن ذكرني بالتنزيه والتقديس سرا ذكرته بالثواب والرحمة سرا . وقال ابن أبي جمرة : يحتمل أن يكون مثل قوله تعالى ( فاذكروني أذكركم ) ومعناه اذكروني بالتعظيم أذكركم بالإنعام وقال تعالى ( ولذكر الله أكبر ) أي أكبر العبادات فمن ذكره وهو خائف آمنه أو مستوحش آنسه قال تعالى ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) . ‏

‏قوله ( وإن ذكرني في ملأ ) ‏
‏بفتح الميم واللام مهموز أي جماعة ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 06:31 PM
( ذكرته في ملأ خير منهم ) ‏
‏قال بعض أهل العلم : يستفاد منه أن الذكر الخفي أفضل من الذكر الجهري والتقدير : إن ذكرني في نفسه ذكرته بثواب لا أطلع عليه أحدا وإن ذكرني جهرا ذكرته بثواب أطلع عليه الملأ الأعلى وقال ابن بطال : هذا نص في أن الملائكة أفضل من بني آدم وهو مذهب جمهور أهل العلم وعلى ذلك شواهد من القرآن مثل ( إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ) والخالد أفضل من الفاني فالملائكة أفضل من بني آدم وتعقب بأن المعروف عن جمهور أهل السنة أن صالحي بني آدم أفضل من سائر الأجناس والذين ذهبوا إلى تفضيل الملائكة الفلاسفة ثم المعتزلة وقليل من أهل السنة من أهل التصوف وبعض أهل الظاهر فمنهم من فاضل بين الجنسين فقالوا حقيقة الملك أفضل من حقيقة الإنسان ; لأنها نورانية وخيرة ولطيفة مع سعة العلم والقوة وصفاء الجوهر وهذا لا يستلزم تفضيل كل فرد على كل فرد لجواز أن يكون في بعض الأناسي ما في ذلك وزيادة ومنهم من خص الخلاف بصالحي البشر والملائكة ومنهم من خصه بالأنبياء ثم منهم من فضل الملائكة على غير الأنبياء ومنهم من فضلهم على الأنبياء أيضا إلا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , ومن أدلة تفضيل النبي على الملك أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم على سبيل التكريم له حتى قال إبليس ( أرأيت هذا الذي كرمت علي ) ومنها قوله تعالى ( لما خلقت بيدي ) لما فيه من الإشارة إلى العناية به ولم يثبت ذلك للملائكة , ومنها قوله تعالى ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) ومنها قوله تعالى ( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ) فدخل في عمومه الملائكة , والمسخر له أفضل من المسخر ; ولأن طاعة الملائكة بأصل الخلقة وطاعة البشر غالبا مع المجاهدة للنفس لما طبعت عليه من الشهوة والحرص والهوى والغضب , فكانت عبادتهم أشق , وأيضا فطاعة الملائكة بالأمر الوارد عليهم وطاعة البشر بالنص تارة وبالاجتهاد تارة والاستنباط تارة فكانت أشق ; ولأن الملائكة سلمت من وسوسة الشياطين وإلقاء الشبه والإغواء الجائزة على البشر ولأن الملائكة تشاهد حقائق الملكوت والبشر لا يعرفون ذلك إلا بالإعلام فلا يسلم منهم من إدخال الشبهة من جهة تدبير الكواكب وحركة الأفلاك إلا الثابت على دينه ولا يتم ذلك إلا بمشقة شديدة ومجاهدات كثيرة , وأما أدلة الآخرين فقد قيل إن حديث الباب أقوى ما استدل به لذلك للتصريح بقوله فيه في ملأ خير منهم والمراد بهم الملائكة , حتى قال بعض الغلاة في ذلك وكم من ذاكر لله في ملأ فيهم محمد صلى الله عليه وسلم ذكرهم الله في ملأ خير منهم , وأجاب بعض أهل السنة بأن الخبر المذكور ليس نصا ولا صريحا في المراد بل يطرقه احتمال أن يكون المراد بالملأ الذين هم خير من الملأ الذاكر الأنبياء والشهداء فإنهم أحياء عند ربهم فلم ينحصر ذلك في الملائكة , وأجاب آخر وهو أقوى من الأول بأن الخيرية إنما حصلت بالذاكر والملأ معا فالجانب الذي فيه رب العزة خير من الجانب الذي ليس هو فيه بلا ارتياب فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع وهذا الجواب ظهر لي وظننت أنه مبتكر . ثم رأيته في كلام القاضي كمال الدين بن الزملكاني في الجزء الذي جمعه في الرفيق الأعلى فقال : إن الله قابل ذكر العبد في نفسه بذكره له في نفسه , وقابل ذكر العبد في الملأ بذكره له في الملأ فإنما صار الذكر في الملإ الثاني خيرا من الذكر في الأول ; لأن الله وهو الذاكر فيهم والملأ الذين يذكرون والله فيهم أفضل من الملإ الذين يذكرون وليس الله فيهم , ومن أدلة المعتزلة تقديم الملائكة في الذكر في قوله تعالى ( من كان عدوا لله وملائكته ورسله - شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم - الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) وتعقب بأن مجرد التقديم في الذكر لا يستلزم التفضيل ; لأنه لم ينحصر فيه بل له أسباب أخرى كالتقديم بالزمان في مثل قوله ( ومنك ومن نوح وإبراهيم ) فقدم نوحا على إبراهيم لتقدم زمان نوح مع أن إبراهيم أفضل ومنها قوله تعالى ( لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ) وبالغ الزمخشري فادعى أن دلالتها لهذا المطلوب قطعية بالنسبة لعلم المعاني فقال في قوله تعالى ( ولا الملائكة المقربون ) أي ولا من هو أعلى قدرا من المسيح , وهم الملائكة الكروبيون الذين حول العرش , كجبريل وميكائيل وإسرافيل , قال : ولا يقتضي علم المعاني غير هذا من حيث إن الكلام إنما سيق للرد على النصارى لغلوهم في المسيح , فقيل لهم : لن يترفع فيه المسيح عن العبودية ولا من هو أرفع درجة منه انتهى ملخصا , وأجيب بأن الترقي لا يستلزم التفضيل المتنازع فيه وإنما هو بحسب المقام , وذلك أن كلا من الملائكة والمسيح عبد من دون الله , فرد عليهم بأن المسيح الذي تشاهدونه لم يتكبر عن عبادة الله , وكذلك من غاب عنكم من الملائكة لا يتكبر , والنفوس لما غاب عنها أهيب ممن تشاهده ; ولأن الصفات التي عبدوا المسيح لأجلها من الزهد في الدنيا والاطلاع على المغيبات وإحياء الموتى بإذن الله موجودة في الملائكة , فإن كانت توجب عبادته فهي موجبة لعبادتهم بطريق الأولى , وهم مع ذلك لا يستنكفون عن عبادة الله تعالى , ولا يلزم من هذا الترقي ثبوت الأفضلية المتنازع فيها , وقال البيضاوي احتج بهذا العطف من زعم أن الملائكة أفضل من الأنبياء , وقال هي مساقة للرد على النصارى في رفع المسيح عن مقام العبودية , وذلك يقتضي أن يكون المعطوف عليه أعلى درجة منه حتى يكون عدم استنكافهم كالدليل على عدم استنكافه , وجوابه أن الآية سيقت للرد على عبدة المسيح والملائكة , فأريد بالعطف المبالغة باعتبار الكثرة دون التفضيل , كقول القائل أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرءوس , وعلى تقدير إرادة التفضيل فغايته تفضيل المقربين ممن حول العرش , بل من هو أعلى رتبة منهم على المسيح , وذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقا . وقال الطيبي : لا تتم لهم الدلالة إلا إن سلم أن الآية سيقت للرد على النصارى فقط فيصح : لن يترفع المسيح عن العبودية ولا من هو أرفع منه , والذي يدعي ذلك يحتاج إلى إثبات أن النصارى تعتقد تفضيل الملائكة على المسيح , وهم لا يعتقدون ذلك بل يعتقدون فيه الإلهية فلا يتم استدلال من استدل به , قال وسياقه الآية من أسلوب التتميم والمبالغة لا للترقي , وذلك أنه قدم قوله ( إنما الله إله واحد - إلى قوله - وكيلا ) فقرر الوحدانية والمالكية والقدرة التامة , ثم أتبعه بعدم الاستنكاف , فالتقدير لا يستحق من اتصف بذلك أن يستكبر عليه الذي تتخذونه أيها النصارى إلها لاعتقادكم فيه الكمال ولا الملائكة الذين اتخذها غيركم آلهة لاعتقادهم فيهم الكمال . قلت : وقد ذكر ذلك البغوي ملخصا , ولفظه لم يقل ذلك رفعا لمقامهم على مقام عيسى بل ردا على الذين يدعون أن الملائكة آلهة فرد عليهم كما رد على النصارى الذين يدعون التثليث , ومنها قوله تعالى ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله , ولا أعلم الغيب , ولا أقول لكم إني ملك ) فنفى أن يكون ملكا , فدل على أنهم أفضل , وتعقب بأنه إنما نفى ذلك لكونهم طلبوا منه الخزائن وعلم الغيب ; وأن يكون بصفة الملك من ترك الأكل والشرب والجماع , وهو من نمط إنكارهم أن يرسل الله بشرا مثلهم فنفى عنه أنه ملك , ولا يستلزم ذلك التفضيل , ومنها أنه سبحانه لما وصف جبريل ومحمدا , قال في جبريل ( إنه لقول رسول كريم ) وقال في حق النبي صلى الله عليه وسلم ( وما صاحبكم بمجنون ) وبين الوصفين بون بعيد , وتعقب بأن ذلك إنما سيق للرد على من زعم أن الذي يأتيه شيطان فكان وصف جبريل بذلك تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع بمثل ما وصف به جبريل هنا وأعظم منه , وقد أفرط الزمخشري في سوء الأدب هنا , وقال كلاما يستلزم تنقيص المقام المحمدي , وبالغ الأئمة في الرد عليه في ذلك وهو من زلاته الشنيعة . ‏

‏قوله ( وإن تقرب إلي شبرا ) ‏
‏في رواية المستملي والسرخسي " بشبر " بزيادة موحدة في أوله , وسيأتي شرحه في أواخر " كتاب التوحيد " في باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه .

ahmedaboali
02-03-2009, 06:32 PM
( ذكرته في ملأ خير منهم ) ‏
‏قال بعض أهل العلم : يستفاد منه أن الذكر الخفي أفضل من الذكر الجهري والتقدير : إن ذكرني في نفسه ذكرته بثواب لا أطلع عليه أحدا وإن ذكرني جهرا ذكرته بثواب أطلع عليه الملأ الأعلى وقال ابن بطال : هذا نص في أن الملائكة أفضل من بني آدم وهو مذهب جمهور أهل العلم وعلى ذلك شواهد من القرآن مثل ( إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ) والخالد أفضل من الفاني فالملائكة أفضل من بني آدم وتعقب بأن المعروف عن جمهور أهل السنة أن صالحي بني آدم أفضل من سائر الأجناس والذين ذهبوا إلى تفضيل الملائكة الفلاسفة ثم المعتزلة وقليل من أهل السنة من أهل التصوف وبعض أهل الظاهر فمنهم من فاضل بين الجنسين فقالوا حقيقة الملك أفضل من حقيقة الإنسان ; لأنها نورانية وخيرة ولطيفة مع سعة العلم والقوة وصفاء الجوهر وهذا لا يستلزم تفضيل كل فرد على كل فرد لجواز أن يكون في بعض الأناسي ما في ذلك وزيادة ومنهم من خص الخلاف بصالحي البشر والملائكة ومنهم من خصه بالأنبياء ثم منهم من فضل الملائكة على غير الأنبياء ومنهم من فضلهم على الأنبياء أيضا إلا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , ومن أدلة تفضيل النبي على الملك أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم على سبيل التكريم له حتى قال إبليس ( أرأيت هذا الذي كرمت علي ) ومنها قوله تعالى ( لما خلقت بيدي ) لما فيه من الإشارة إلى العناية به ولم يثبت ذلك للملائكة , ومنها قوله تعالى ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) ومنها قوله تعالى ( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ) فدخل في عمومه الملائكة , والمسخر له أفضل من المسخر ; ولأن طاعة الملائكة بأصل الخلقة وطاعة البشر غالبا مع المجاهدة للنفس لما طبعت عليه من الشهوة والحرص والهوى والغضب , فكانت عبادتهم أشق , وأيضا فطاعة الملائكة بالأمر الوارد عليهم وطاعة البشر بالنص تارة وبالاجتهاد تارة والاستنباط تارة فكانت أشق ; ولأن الملائكة سلمت من وسوسة الشياطين وإلقاء الشبه والإغواء الجائزة على البشر ولأن الملائكة تشاهد حقائق الملكوت والبشر لا يعرفون ذلك إلا بالإعلام فلا يسلم منهم من إدخال الشبهة من جهة تدبير الكواكب وحركة الأفلاك إلا الثابت على دينه ولا يتم ذلك إلا بمشقة شديدة ومجاهدات كثيرة , وأما أدلة الآخرين فقد قيل إن حديث الباب أقوى ما استدل به لذلك للتصريح بقوله فيه في ملأ خير منهم والمراد بهم الملائكة , حتى قال بعض الغلاة في ذلك وكم من ذاكر لله في ملأ فيهم محمد صلى الله عليه وسلم ذكرهم الله في ملأ خير منهم , وأجاب بعض أهل السنة بأن الخبر المذكور ليس نصا ولا صريحا في المراد بل يطرقه احتمال أن يكون المراد بالملأ الذين هم خير من الملأ الذاكر الأنبياء والشهداء فإنهم أحياء عند ربهم فلم ينحصر ذلك في الملائكة , وأجاب آخر وهو أقوى من الأول بأن الخيرية إنما حصلت بالذاكر والملأ معا فالجانب الذي فيه رب العزة خير من الجانب الذي ليس هو فيه بلا ارتياب فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع وهذا الجواب ظهر لي وظننت أنه مبتكر . ثم رأيته في كلام القاضي كمال الدين بن الزملكاني في الجزء الذي جمعه في الرفيق الأعلى فقال : إن الله قابل ذكر العبد في نفسه بذكره له في نفسه , وقابل ذكر العبد في الملأ بذكره له في الملأ فإنما صار الذكر في الملإ الثاني خيرا من الذكر في الأول ; لأن الله وهو الذاكر فيهم والملأ الذين يذكرون والله فيهم أفضل من الملإ الذين يذكرون وليس الله فيهم , ومن أدلة المعتزلة تقديم الملائكة في الذكر في قوله تعالى ( من كان عدوا لله وملائكته ورسله - شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم - الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) وتعقب بأن مجرد التقديم في الذكر لا يستلزم التفضيل ; لأنه لم ينحصر فيه بل له أسباب أخرى كالتقديم بالزمان في مثل قوله ( ومنك ومن نوح وإبراهيم ) فقدم نوحا على إبراهيم لتقدم زمان نوح مع أن إبراهيم أفضل ومنها قوله تعالى ( لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ) وبالغ الزمخشري فادعى أن دلالتها لهذا المطلوب قطعية بالنسبة لعلم المعاني فقال في قوله تعالى ( ولا الملائكة المقربون ) أي ولا من هو أعلى قدرا من المسيح , وهم الملائكة الكروبيون الذين حول العرش , كجبريل وميكائيل وإسرافيل , قال : ولا يقتضي علم المعاني غير هذا من حيث إن الكلام إنما سيق للرد على النصارى لغلوهم في المسيح , فقيل لهم : لن يترفع فيه المسيح عن العبودية ولا من هو أرفع درجة منه انتهى ملخصا , وأجيب بأن الترقي لا يستلزم التفضيل المتنازع فيه وإنما هو بحسب المقام , وذلك أن كلا من الملائكة والمسيح عبد من دون الله , فرد عليهم بأن المسيح الذي تشاهدونه لم يتكبر عن عبادة الله , وكذلك من غاب عنكم من الملائكة لا يتكبر , والنفوس لما غاب عنها أهيب ممن تشاهده ; ولأن الصفات التي عبدوا المسيح لأجلها من الزهد في الدنيا والاطلاع على المغيبات وإحياء الموتى بإذن الله موجودة في الملائكة , فإن كانت توجب عبادته فهي موجبة لعبادتهم بطريق الأولى , وهم مع ذلك لا يستنكفون عن عبادة الله تعالى , ولا يلزم من هذا الترقي ثبوت الأفضلية المتنازع فيها , وقال البيضاوي احتج بهذا العطف من زعم أن الملائكة أفضل من الأنبياء , وقال هي مساقة للرد على النصارى في رفع المسيح عن مقام العبودية , وذلك يقتضي أن يكون المعطوف عليه أعلى درجة منه حتى يكون عدم استنكافهم كالدليل على عدم استنكافه , وجوابه أن الآية سيقت للرد على عبدة المسيح والملائكة , فأريد بالعطف المبالغة باعتبار الكثرة دون التفضيل , كقول القائل أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرءوس , وعلى تقدير إرادة التفضيل فغايته تفضيل المقربين ممن حول العرش , بل من هو أعلى رتبة منهم على المسيح , وذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقا . وقال الطيبي : لا تتم لهم الدلالة إلا إن سلم أن الآية سيقت للرد على النصارى فقط فيصح : لن يترفع المسيح عن العبودية ولا من هو أرفع منه , والذي يدعي ذلك يحتاج إلى إثبات أن النصارى تعتقد تفضيل الملائكة على المسيح , وهم لا يعتقدون ذلك بل يعتقدون فيه الإلهية فلا يتم استدلال من استدل به , قال وسياقه الآية من أسلوب التتميم والمبالغة لا للترقي , وذلك أنه قدم قوله ( إنما الله إله واحد - إلى قوله - وكيلا ) فقرر الوحدانية والمالكية والقدرة التامة , ثم أتبعه بعدم الاستنكاف , فالتقدير لا يستحق من اتصف بذلك أن يستكبر عليه الذي تتخذونه أيها النصارى إلها لاعتقادكم فيه الكمال ولا الملائكة الذين اتخذها غيركم آلهة لاعتقادهم فيهم الكمال . قلت : وقد ذكر ذلك البغوي ملخصا , ولفظه لم يقل ذلك رفعا لمقامهم على مقام عيسى بل ردا على الذين يدعون أن الملائكة آلهة فرد عليهم كما رد على النصارى الذين يدعون التثليث , ومنها قوله تعالى ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله , ولا أعلم الغيب , ولا أقول لكم إني ملك ) فنفى أن يكون ملكا , فدل على أنهم أفضل , وتعقب بأنه إنما نفى ذلك لكونهم طلبوا منه الخزائن وعلم الغيب ; وأن يكون بصفة الملك من ترك الأكل والشرب والجماع , وهو من نمط إنكارهم أن يرسل الله بشرا مثلهم فنفى عنه أنه ملك , ولا يستلزم ذلك التفضيل , ومنها أنه سبحانه لما وصف جبريل ومحمدا , قال في جبريل ( إنه لقول رسول كريم ) وقال في حق النبي صلى الله عليه وسلم ( وما صاحبكم بمجنون ) وبين الوصفين بون بعيد , وتعقب بأن ذلك إنما سيق للرد على من زعم أن الذي يأتيه شيطان فكان وصف جبريل بذلك تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع بمثل ما وصف به جبريل هنا وأعظم منه , وقد أفرط الزمخشري في سوء الأدب هنا , وقال كلاما يستلزم تنقيص المقام المحمدي , وبالغ الأئمة في الرد عليه في ذلك وهو من زلاته الشنيعة . ‏

‏قوله ( وإن تقرب إلي شبرا ) ‏
‏في رواية المستملي والسرخسي " بشبر " بزيادة موحدة في أوله , وسيأتي شرحه في أواخر " كتاب التوحيد " في باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه .

ahmedaboali
02-03-2009, 06:34 PM
‏حدثني ‏ ‏معاذ بن فضالة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هشام ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يجمع الله المؤمنين يوم القيامة كذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا فيأتون ‏ ‏آدم ‏ ‏فيقولون يا ‏ ‏آدم ‏ ‏أما ترى الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء اشفع لنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هناك ويذكر لهم خطيئته التي أصابها ولكن ائتوا ‏ ‏نوحا ‏ ‏فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتون ‏ ‏نوحا ‏ ‏فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب ولكن ائتوا ‏ ‏إبراهيم خليل الرحمن ‏ ‏فيأتون ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏فيقول لست هناكم ويذكر لهم خطاياه التي أصابها ولكن ائتوا ‏ ‏موسى ‏ ‏عبدا آتاه الله التوراة وكلمه تكليما فيأتون ‏ ‏موسى ‏ ‏فيقول لست هناكم ويذكر لهم خطيئته التي أصاب ولكن ائتوا ‏ ‏عيسى ‏ ‏عبد الله ورسوله وكلمته وروحه فيأتون ‏ ‏عيسى ‏ ‏فيقول لست هناكم ولكن ائتوا ‏ ‏محمدا ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عبدا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتوني فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي عليه فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال لي ‏ ‏ارفع ‏ ‏محمد ‏ ‏وقل يسمع وسل ‏ ‏تعطه واشفع تشفع فأحمد ربي بمحامد علمنيها ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال ارفع ‏ ‏محمد ‏ ‏وقل يسمع وسل ‏ ‏تعطه واشفع تشفع فأحمد ربي بمحامد علمنيها ربي ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال ارفع ‏ ‏محمد ‏ ‏قل يسمع وسل ‏ ‏تعطه واشفع تشفع فأحمد ربي بمحامد علمنيها ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أرجع فأقول يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرة ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أنس في الشفاعة وقد تقدم شرحه مستوفى في أواخر " كتاب الرقاق " والغرض منه هنا قول أهل الموقف لآدم " خلقك الله بيده " . ‏

‏قوله ( حدثنا معاذ بن فضالة ) ‏
‏بفتح الفاء والضاد المعجمة , وحكى بعضهم ضم الفاء و " هشام " شيخه هو الدستوائي , وقوله " عن أنس " تقدمت الإشارة في الرقاق إلى ما وقع في بعض طرقه بلفظ " حدثنا أنس " . ‏

‏قوله ( يجمع المؤمنون يوم القيامة كذلك ) ‏
‏هكذا للجميع وأظن أول هذه الكلمة لام , والإشارة ليوم القيامة أو لما يذكر بعد , وقد وقع عند مسلم من رواية معاذ بن هشام عن أبيه " يجمع الله المؤمنين يوم القيامة فيهتمون لذلك " وفي رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة " يهتمون - أو - يلهمون لذلك " بالشك وسيأتي في باب ( وجوه يومئذ ناضرة ) من رواية همام عن قتادة " حتى يهموا بذلك " وقوله هنا " اشفع لنا إلى ربك " كذا للأكثر وهو المذكور في غير هذه الطريق , ووقع لأبي ذر عن غير الكشميهني " شفع " بكسر الفاء الثقيلة , قال الكرماني هو من التشفيع , ومعناه قبول الشفاعة ليس هو المراد هنا , فيحتمل أن يكون التثقيل للتكثير أو للمبالغة . وقوله " لست هناك " كذا للأكثر في الموضعين , ولأبي ذر عن السرخسي " هناكم " وقوله " فيؤذن لي " في رواية أبي ذر عن الكشميهني " ويؤذن لي " بالواو وقوله " قل يسمع " كذا للأكثر بالتحتانية ولأبي ذر عن السرخسي والكشميهني بالفوقانية في الموضعين , وقوله " سل تعطه " لأبي ذر عن المستملي " تعط " في الموضعين بلا هاء .

ahmedaboali
02-03-2009, 06:35 PM
‏حدثنا ‏ ‏مقدم بن محمد بن يحيى ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏عمي ‏ ‏القاسم بن يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏عبيد الله ‏ ‏عن ‏ ‏نافع ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏رضي الله عنهما ‏
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنه قال ‏ ‏إن الله يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السموات بيمينه ثم يقول أنا الملك ‏
‏رواه ‏ ‏سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏وقال ‏ ‏عمر بن حمزة ‏ ‏سمعت ‏ ‏سالما ‏ ‏سمعت ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بهذا ‏ ‏وقال ‏ ‏أبو اليمان ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏شعيب ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏أخبرني ‏ ‏أبو سلمة ‏ ‏أن ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏قال ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقبض الله الأرض

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( مقدم بن محمد ) ‏
‏تقدم ذكره وذكر عمه في تفسير سورة النور . ‏

‏قوله ( إن الله يقبض يوم القيامة الأرض ) ‏
‏في حديث أبي هريرة الماضي في باب قوله ملك الناس " يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه " وفي رواية عمر بن حمزة التي يأتي التنبيه على من وصلها " يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى , ويطوي الأرض ثم يأخذهن بشماله " وعند أبي داود بدل قوله بشماله " بيده الأخرى " وزاد في رواية ابن وهب عن أسامة بن زيد عن نافع وأبي حازم عن ابن عمر " فيجعلهما في كفه ثم يرمي بهما كما يرمي الغلام بالكرة " . ‏

‏قوله ( ويقول أنا الملك ) ‏
‏زاد في رواية عمر بن حمزة " أين الجبارون أين المتكبرون " . ‏

‏قوله ( رواه سعيد عن مالك ) ‏
‏يعني عن نافع وصله الدارقطني في غرائب مالك وأبو القاسم اللالكائي في السنة من طريق أبي بكر الشافعي عن محمد بن خالد الآجري عن سعيد وهو ابن داود بن أبي زنبر بفتح الزاي وسكون النون بعدها موحدة مفتوحة ثم راء , وهو مدني سكن بغداد وحدث بالري , وكنيته أبو عثمان وما له في البخاري إلا هذا الموضع , وقد حدث عنه في " كتاب الأدب المفرد " وتكلم فيه جماعة , وقال في روايته : إن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر أخبره , وقد روى عن مالك ممن اسمه سعيد أيضا سعيد بن كثير بن عفير وهو من شيوخ البخاري , ولكن لم نجد هذا الحديث من روايته , وصرح المزي وجماعة بأن الذي علق له البخاري هنا هو الزبيري . ‏

‏قوله ( وقال عمر بن حمزة ) ‏
‏يعني ابن عبد الله بن عمر الذي تقدم ذكره في الاستسقاء , وشيخه سالم هو ابن عبد الله بن عمر عم عمر المذكور , وحديثه هذا وصله مسلم وأبو داود وغيرهما من رواية أبي أسامة عنه , قال البيهقي : تفرد بذكر الشمال فيه عمر بن حمزة , وقد رواه عن ابن عمر أيضا نافع وعبيد الله بن مقسم بدونها , ورواه أبو هريرة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك , وثبت عند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه " المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن , وكلتا يديه يمين " وكذا في حديث أبي هريرة " قال آدم اخترت يمين ربي , وكلتا يدي ربي يمين " وساق من طريق أبي يحيى القتات بقاف ومثناة ثقيلة وبعد الألف مثناة أيضا عن مجاهد في تفسير قوله تعالى ( والسماوات مطويات بيمينه ) قال " وكلتا يديه يمين " وفي حديث ابن عباس رفعه " أول ما خلق الله القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين " وقال القرطبي في المفهم : كذا جاءت هذه الرواية بإطلاق لفظ الشمال على يد الله تعالى على المقابلة المتعارفة وفي حقنا وفي أكثر الروايات وقع التحرز عن إطلاقها على الله حتى قال وكلتا يديه يمين لئلا يتوهم نقص في صفته سبحانه وتعالى ; لأن الشمال في حقنا أضعف من اليمين , قال البيهقي ذهب بعض أهل النظر إلى أن اليد صفة ليست جارحة , وكل موضع جاء ذكرها في الكتاب أو السنة الصحيحة فالمراد تعلقها بالكائن المذكور معها كالطي والأخذ والقبض والبسط والقبول والشح والإنفاق وغير ذلك تعلق الصفة بمقتضاها من غير مماسة , وليس في ذلك تشبيه بحال , وذهب آخرون إلى تأويل ذلك بما يليق به انتهى . وسيأتي كلام الخطابي في ذلك في باب قوله تعالى ( تعرج الملائكة والروح إليه ) ‏

‏قوله ( وقال أبو اليمان أخبرنا شعيب إلخ ) ‏
‏تقدم الكلام عليه في باب قوله تعالى ( ملك الناس ) .

ahmedaboali
02-03-2009, 06:35 PM
‏حدثنا ‏ ‏أبو اليمان ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏شعيب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه ‏ ‏إن رحمتي سبقت غضبي

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي هريرة " إن الله تعالى لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي غلبت غضبي " وقد تقدم في باب ( ويحذركم الله نفسه ) ويأتي بعض الكلام عليه في باب قوله تعالى ( في لوح محفوظ ) قال الخطابي المراد بالكتاب أحد شيئين : إما القضاء الذي قضاه كقوله تعالى ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) أي قضى ذلك , قال ويكون معنى قوله " فوق العرش " أي عنده علم ذلك فهو لا ينساه ولا يبدله , كقوله تعالى ( في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ) . وإما اللوح المحفوظ الذي فيه ذكر أصناف الخلق وبيان أمورهم وآجالهم وأرزاقهم وأحوالهم , ويكون معنى " فهو عنده فوق العرش " أي ذكره وعلمه وكل ذلك جائز في التخريج , على أن العرش خلق مخلوق تحمله الملائكة , فلا يستحيل أن يماسوا العرش إذا حملوه , وإن كان حامل العرش وحامل حملته هو الله , وليس قولنا إن الله على العرش أي مماس له أو متمكن فيه أو متحيز في جهة من جهاته بل هو خبر جاء به التوقيف , فقلنا له به ونفينا عنه التكييف إذ ليس كمثله شيء وبالله التوفيق . وقوله " فوق عرشه " صفة الكتاب , وقيل إن فوق هنا بمعنى دون , كما جاء في قوله تعالى ( بعوضة فما فوقها ) وهو بعيد , وقال ابن أبي جمرة يؤخذ من كون الكتاب المذكور فوق العرش أن الحكمة اقتضت أن يكون العرش حاملا لما شاء الله من أثر حكمة الله وقدرته وغامض غيبه ليستأثر هو بذلك من طريق العلم والإحاطة , فيكون من أكبر الأدلة على انفراده بعلم الغيب , قال : وقد يكون ذلك تفسيرا لقوله ( الرحمن على العرش استوى ) أي ما شاءه من قدرته وهو كتابه الذي وضعه فوق العرش .

ahmedaboali
02-03-2009, 06:37 PM
‏حدثنا ‏ ‏إسماعيل ‏ ‏حدثني ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بكم فيقول ‏ ‏كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ‏
‏وقال ‏ ‏خالد بن مخلد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سليمان ‏ ‏حدثني ‏ ‏عبد الله بن دينار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏
‏من تصدق ‏ ‏بعدل ‏ ‏تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم ‏ ‏فلوه ‏ ‏حتى تكون مثل الجبل ‏
‏ورواه ‏ ‏ورقاء ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن دينار ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ولا يصعد إلى الله إلا الطيب

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


عن أبي هريرة " يتعاقبون فيكم ملائكة " وقد تقدم شرحه في أوائل " كتاب الصلاة وإسماعيل " شيخه هو ابن أبي أويس , والمراد منه قوله فيه ثم يعرج الذين باتوا فيكم , وقد تمسك بظواهر أحاديث الباب من زعم أن الحق سبحانه وتعالى في جهة العلو , وقد ذكرت معنى العلو في حقه جل وعلا في الباب الذي قبله . ‏

‏قوله ( وقال خالد بن مخلد ) ‏
‏كذا للجميع , ووقع عند الخطابي في شرحه قال أبو عبد الله البخاري " حدثنا خالد بن مخلد " . ‏

‏قوله ( حدثنا سليمان ) ‏
‏هو ابن بلال المدني المشهور , وقد وصله أبو بكر الجوزقي في الجمع بين الصحيحين , قال " حدثنا أبو العباس الدغولي حدثنا محمد بن معاذ السلمي قال حدثنا خالد بن مخلد " فذكره مثل رواية البخاري سواء وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن محمد بن معاذ وبيض له أبو نعيم في المستخرج , ثم قال " رواه " فقال " وقال خالد بن مخلد " وأخرجه مسلم عن أحمد بن عثمان عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال , لكن خالف في شيخ سليمان فقال " عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه " كما أوضحت ذلك في أوائل الزكاة , وقد ضاق مخرجه عن الإسماعيلي وأبي نعيم في مستخرجيهما فأخرجاه من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح , وهذه الرواية هي التي تقدمت للبخاري في " كتاب الزكاة " ودلت الرواية المعلقة وموافقة الجوزقي لها على أن لخالد فيه شيخين , كما أن لعبد الله بن دينار فيه شيخين على ما دل عليه التعليق الذي بعده . ‏

‏قوله ( وقال ورقاء ) ‏
‏يعني ابن عمر ‏
‏( عن عبد الله بن دينار عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصعد إلى الله إلا الطيب ) ‏
‏يريد أن رواية ورقاء موافقة لرواية سليمان إلا في شيخ شيخهما , فعند سليمان أنه عن أبي صالح وعند ورقاء أنه عن سعيد بن يسار هذا في السند , وأما في المتن فظاهره أنهما سواء , إلا في قوله " الطيب " فإنه في رواية ورقاء " طيب " بغير ألف ولام وقد وصلها البيهقي من طريق أبي النضر هاشم بن القاسم عن ورقاء فوقع عنده الطيب , وقال في آخره " مثل أحد " عوض قوله في الرواية المعلقة " مثل الجبل " وقوله في الرواية المعلقة " يتقبلها " وقع في رواية الكشميهني " يقبلها " مخففا بغير مثناة وهي رواية البيهقي , وقوله " يربيها لصاحبه " وقع في رواية المستملي " يربيها لصاحبها " وهي رواية البيهقي والباقي سواء , وقد ذكرت في الزكاة أني لم أقف على رواية ورقاء هذه المعلقة ثم وجدتها بعد ذلك عند كتابتي هنا وقد تقدم شرح المتن له " كتاب الزكاة " وله الحمد , قال الخطابي : ذكر اليمين في هذا الحديث معناه حسن القبول فإن العادة قد جرت من ذوي الأدب بأن تصان اليمين عن مس الأشياء الدنيئة وإنما تباشر بها الأشياء التي لها قدر ومزية وليس فيما يضاف إلى الله تعالى من صفة اليدين شمال ; لأن الشمال لمحل النقص في الضعيف وقد روي " كلتا يديه يمين " وليس اليد عندنا الجارحة إنما هي صفة جاء بها التوقيف فنحن نطلقها على ما جاءت ولا نكيفها وهذا مذهب أهل السنة والجماعة انتهى . وقد مضى بعض ما يتعقب به كلامه في باب " قوله لما خلقت بيدي " .

ahmedaboali
02-03-2009, 06:38 PM
‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن بكير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الليث بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏خالد بن يزيد ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن أبي هلال ‏ ‏عن ‏ ‏زيد ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏قال ‏
‏قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال ‏ ‏هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا قلنا لا قال فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما ثم قال ينادي مناد ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم وأصحاب الأوثان مع أوثانهم وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وغبرات من ‏ ‏أهل الكتاب ‏ ‏ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب فيقال ‏ ‏لليهود ‏ ‏ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد ‏ ‏عزير ‏ ‏ابن الله فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون قالوا نريد أن تسقينا فيقال اشربوا فيتساقطون في جهنم ثم يقال ‏ ‏للنصارى ‏ ‏ما كنتم تعبدون فيقولون كنا نعبد ‏ ‏المسيح ‏ ‏ابن الله فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون فيقولون نريد أن تسقينا فيقال اشربوا فيتساقطون في جهنم حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر فيقال لهم ما يحبسكم وقد ذهب الناس فيقولون فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا قال فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره ‏ ‏طبقا ‏ ‏واحدا ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم قلنا يا رسول الله وما الجسر قال ‏ ‏مدحضة ‏ ‏مزلة ‏ ‏عليه خطاطيف ‏ ‏وكلاليب ‏ ‏وحسكة ‏ ‏مفلطحة ‏ ‏لها شوكة عقيفاء تكون ‏ ‏بنجد ‏ ‏يقال لها ‏ ‏السعدان ‏ ‏المؤمن عليها ‏ ‏كالطرف ‏ ‏وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل ‏ ‏والركاب ‏ ‏فناج مسلم وناج مخدوش ‏ ‏ومكدوس ‏ ‏في نار جهنم حتى يمر آخرهم يسحب سحبا فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا فيقول الله تعالى اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه ويحرم الله صورهم على النار فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه وإلى أنصاف ساقيه فيخرجون من عرفوا ثم يعودون فيقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه فيخرجون من عرفوا ثم يعودون فيقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه فيخرجون من عرفوا ‏ ‏قال ‏ ‏أبو سعيد ‏ ‏فإن لم تصدقوني فاقرءوا ‏
‏إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ‏
‏فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار بقيت شفاعتي فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواما قد ‏ ‏امتحشوا ‏ ‏فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل قد رأيتموها إلى جانب الصخرة وإلى جانب الشجرة فما كان إلى الشمس منها كان أخضر وما كان منها إلى الظل كان أبيض فيخرجون كأنهم اللؤلؤ فيجعل في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه ‏
‏وقال ‏ ‏حجاج بن منهال ‏ ‏حدثنا ‏ ‏همام بن يحيى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا بذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا فيأتون ‏ ‏آدم ‏ ‏فيقولون أنت ‏ ‏آدم ‏ ‏أبو الناس خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء لتشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا قال فيقول لست هناكم قال ويذكر خطيئته التي أصاب أكله من الشجرة وقد نهي عنها ولكن ائتوا ‏ ‏نوحا ‏ ‏أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتون ‏ ‏نوحا ‏ ‏فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب سؤاله ربه بغير علم ولكن ائتوا ‏ ‏إبراهيم خليل الرحمن ‏ ‏قال فيأتون ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏فيقول إني لست هناكم ويذكر ثلاث كلمات كذبهن ولكن ائتوا ‏ ‏موسى ‏ ‏عبدا آتاه الله التوراة وكلمه وقربه نجيا قال فيأتون ‏ ‏موسى ‏ ‏فيقول إني لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب قتله النفس ولكن ائتوا ‏ ‏عيسى ‏ ‏عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته قال فيأتون ‏ ‏عيسى ‏ ‏فيقول لست هناكم ولكن ائتوا ‏ ‏محمدا ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتوني فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني فيقول ارفع ‏ ‏محمد ‏ ‏وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعط قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة ‏ ‏قال ‏ ‏قتادة ‏ ‏وسمعته ‏ ‏أيضا يقول ‏ ‏فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثانية فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول ارفع ‏ ‏محمد ‏ ‏وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعط قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه قال ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة ‏ ‏قال ‏ ‏قتادة ‏ ‏وسمعته يقول ‏ ‏فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول ارفع ‏ ‏محمد ‏ ‏وقل يسمع واشفع تشفع وسل ‏ ‏تعطه قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه قال ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة ‏ ‏قال ‏ ‏قتادة ‏ ‏وقد سمعته يقول ‏ ‏فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود قال ثم تلا هذه الآية ‏
‏عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ‏
‏قال ‏ ‏وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم ‏ ‏صلى الله عليه وسلم

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 06:39 PM
فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي سعيد في معنى حديث أبي هريرة بطوله , وتقدم شرحه أيضا هناك , وقوله في سنده عن زيد هو ابن أسلم , " وعطاء " هو ابن يسار , وقوله فيه " وأصحاب آلهة مع آلهتهم " في رواية الكشميهني " إلههم " بالإفراد وقوله " ما يجلسكم " بالجيم واللام من الجلوس أي يقعدكم عن الذهاب , وفي رواية الكشميهني " ما يحبسكم " بالحاء والموحدة من الحبس أي يمنعكم وهو بمعناه , وقوله فيه " فيأتيهم الله في صورة " استدل ابن قتيبة بذكر الصورة على أن لله صورة لا كالصور كما ثبت أنه شيء لا كالأشياء وتعقبوه , وقال ابن بطال : تمسك به المجسمة فأثبتوا لله صورة , ولا حجة لهم فيه لاحتمال أن يكون بمعنى العلامة وضعها الله لهم دليلا على معرفته كما يسمى الدليل والعلامة صورة وكما تقول : صورة حديثك كذا وصورة الأمر كذا والحديث والأمر لا صورة لهما حقيقة , وأجاز غيره أن المراد بالصورة الصفة , وإليه ميل البيهقي , ونقل ابن التين أن معناه صورة الاعتقاد , وأجاز الخطابي أن يكون الكلام خرج على وجه المشاكلة لما تقدم من ذكر الشمس والقمر والطواغيت , وقد تقدم بسط هذا هناك , وكذا قوله " نعوذ بك " وقال غيره في قوله في الصورة التي يعرفونها : يحتمل أن يشير بذلك إلى ما عرفوه حين أخرج ذرية آدم من صلبه ثم أنساهم ذلك في الدنيا ثم يذكرهم بها في الآخرة , وقوله " فإذا رأينا ربنا عرفناه " قال ابن بطال عن المهلب : إن الله يبعث لهم ملكا ليختبرهم في اعتقاد صفات ربهم الذي ليس كمثله شيء فإذا قال لهم أنا ربكم ردوا عليه لما رأوا عليه من صفة المخلوق , فقوله " فإذا جاء ربنا عرفناه " أي إذا ظهر لنا في ملك لا ينبغي لغيره وعظمة لا تشبه شيئا من مخلوقاته فحينئذ يقولون أنت ربنا , قال : وأما قوله " هل بينكم وبينه علامة تعرفونها , فيقولون الساق " فهذا يحتمل أن الله عرفهم على ألسنة الرسل من الملائكة أو الأنبياء أن الله جعل لهم علامة تجليه الساق , وذلك أنه يمتحنهم بإرسال من يقول لهم أنا ربكم وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ) وهي وإن ورد أنها في عذاب القبر فلا يبعد أن تتناول يوم الموقف أيضا , قال : وأما الساق فجاء عن ابن عباس في قوله تعالى ( يوم يكشف عن ساق ) قال عن شدة من الأمر , والعرب تقول : قامت الحرب على ساق إذا اشتدت , ومنه : ‏ ‏قد سن أصحابك ضرب الأعناق ‏ ‏وقامت الحرب بنا على ساق ‏ ‏وجاء عن أبي موسى الأشعري في تفسيرها عن نور عظيم قال ابن فورك : معناه ما يتجدد للمؤمنين من الفوائد والألطاف . وقال المهلب : كشف الساق للمؤمنين رحمة ولغيرهم نقمة . وقال الخطابي : تهيب كثير من الشيوخ الخوض في معنى الساق , ومعنى قول ابن عباس إن الله يكشف عن قدرته التي تظهر بها الشدة . وأسند البيهقي الأثر المذكور عن ابن عباس بسندين كل منهما حسن , وزاد : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فأتبعوه من الشعر وذكر الرجز المشار إليه , وأنشد الخطابي في إطلاق الساق على الأمر الشديد " في سنة قد كشفت عن ساقها " وأسند البيهقي من وجه آخر صحيح عن ابن عباس قال : يريد يوم القيامة , قال الخطابي : وقد يطلق ويراد النفس , وقوله فيه " ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا " ذكر العلامة جمال الدين بن هشام في المغني أنه وقع في البخاري في هذا الموضع " كيما " مجردة وليس بعدها لفظ يسجد فقال بعد أن حكى عن الكوفيين : إن كي ناصبة دائما , قال ويرده قولهم كيمه كما يقولون لمه , وأجابوا بأن التقدير كي تفعل ماذا , ويلزمهم كثرة الحذف وإخراج ما الاستفهامية عن الصدر وحذف ألفها في غير الجر , وحذف الفعل المنصوب مع بقاء عامل النصب وكل ذلك لم يثبت , نعم وقع في صحيح البخاري في تفسير ( وجوه يومئذ ناضرة ) فيذهب كيما فيعود ظهره طبقا واحدا , أي كيما يسجد , وهو غريب جدا لا يحتمل القياس عليه انتهى كلامه . وكأنه وقعت له نسخة سقطت منها هذه اللفظة ; لكنها ثابتة في جميع النسخ التي وقفت عليها حتى أن ابن بطال ذكرها بلفظ " كي يسجد " بحذف ما , وكلام ابن هشام يوهم أن البخاري أورده في التفسير , وليس كذلك بل ذكرها هنا فقط , وقوله فيه " فيعود ظهره طبقا واحدا " قال ابن بطال تمسك به من أجاز تكليف ما لا يطاق من الأشاعرة واحتجوا أيضا بقصة أبي لهب , وأن الله كلفه الإيمان به مع إعلامه بأنه يموت على الكفر ويصلى نارا ذات لهب , قال : ومنع الفقهاء من ذلك وتمسكوا بقوله تعالى ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) وأجابوا عن السجود بأنهم يدعون إليه تبكيتا إذ أدخلوا أنفسهم في المؤمنين الساجدين في الدنيا فدعوا مع المؤمنين إلى السجود فتعذر عليهم فأظهر الله بذلك نفاقهم وأخزاهم , قال : ومثله من التبكيت ما يقال لهم بعد ذلك ( ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) وليس في هذا تكليف ما لا يطاق بل إظهار خزيهم , ومثله من كلف أن يعقد شعيرة فإنها للزيادة في التوبيخ والعقوبة انتهى . ولم يجب عن قصة أبي لهب وقد ادعى بعضهم أن مسألة تكليف ما لا يطاق لم تقع إلا بالإيمان فقط , وهي مسألة طويلة الذيل ليس هذا موضع ذكرها , وقوله " قال مدحضة مزلة " بفتح الميم وكسر الزاي ويجوز فتحها وتشديد اللام , قال : أي موضع الزلل ويقال بالكسر في المكان وبالفتح في المقال , ووقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني هنا الدحض الزلق , ليدحضوا ليزلقوا زلقا لا يثبت فيه قدم , وهذا قد تقدم لهم في تفسير سورة الكهف , وتقدم هناك الكلام عليه , وقوله " عليه خطاطيف وكلاليب " تقدم بيانه , وقوله " وحسكة " بفتح الحاء والسين المهملتين قال صاحب التهذيب وغيره الحسك نبات له ثمر خشن يتعلق بأصواف الغنم وربما اتخذ مثله من حديد وهو من آلات الحرب , وقوله " مفلطحة " بضم الميم وفتح الفاء وسكون اللام بعدها طاء ثم حاء مهملتان كذا وقع عند الأكثر , وفي رواية الكشميهني " مطلفحة " بتقديم الطاء وتأخير الفاء واللام قبلها ولبعضهم كالأول لكن بتقديم الحاء على الطاء والأول هو المعروف في اللغة وهو الذي فيه اتساع وهو عريض , يقال : فلطح القرص بسطه وعرضه , وقوله شوكة عقيفة بالقاف ثم الفاء وزن عظيمة , ولبعضهم عقيفاء بصيغة التصغير ممدود . ‏
‏( تنبيه ) : ‏
‏قرأت في تنقيح الزركشي وقع هنا في حديث أبي سعيد بعد شفاعة الأنبياء فيقول الله : بقيت شفاعتي فيخرج من النار من لم يعمل خيرا , وتمسك به بعضهم في تجويز إخراج غير المؤمنين من النار ورد بوجهين أحدهما أن هذه الزيادة ضعيفة ; لأنها غير متصلة كما قال عبد الحق في الجمع , والثاني أن المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين , كما تدل عليه بقية الأحاديث هكذا قال , والوجه الأول غلط منه فإن الرواية متصلة هنا , وأما نسبة ذلك لعبد الحق فغلط على غلط ; لأنه لم يقله إلا في طريق أخرى وقع فيها : أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة خردل من خير . قال : هذه الرواية غير متصلة , ولما ساق حديث أبي سعيد الذي في هذا الباب ساقه بلفظ البخاري ولم يتعقبه بأنه غير متصل ولو قال ذلك لتعقبناه عليه فإنه لا انقطاع في السند أصلا , ثم إن لفظ حديث أبي سعيد هنا ليس كما ساقه الزركشي وإنما فيه : فيقول الجبار بقيت شفاعتي فيخرج أقواما قد امتحشوا , ثم قال في آخره : فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه , فيجوز أن يكون الزركشي ذكره بالمعنى . ‏
‏حديث أنس في الشفاعة وقد مضى شرحه مستوفى في باب صفة الجنة والنار من " كتاب الرقاق " وقوله هنا " وقال حجاج بن منهال : حدثنا همام " كذا عند الجميع إلا في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري , فقال فيها " حدثنا حجاج " وقد وصله الإسماعيلي من طريق إسحاق بن إبراهيم وأبو نعيم من طريق محمد بن أسلم الطوسي قالا " حدثنا حجاج بن منهال " فذكره بطوله وساقوا الحديث كله إلا النسفي فساق منه إلى قوله " خلقك الله بيده " ثم قال " فذكر الحديث " ووقع لأبي ذر عن الحموي نحوه لكن قال " وذكر الحديث بطوله " بعد قوله " حتى يهموا بذلك " ونحوه للكشميهني . وقوله فيه " ثلاث كذبات " في رواية المستملي " ثلاث كلمات " وقوله " فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه " قال الخطابي هذا يوهم المكان والله منزه عن ذلك , وإنما معناه في داره الذي اتخذها لأوليائه وهي الجنة وهي دار السلام , وأضيفت إليه إضافة تشريف مثل بيت الله وحرم الله , وقوله فيه " قال قتادة سمعته يقول فأخرجهم " هو موصول بالسند المذكور , ووقع للكشميهني " وسمعته أيضا يقول " وللمستملي " وسمعته يقول : فأخرج فأخرجهم " الأول بفتح الهمزة وضم الراء والثاني بضم الهمزة وكسر الراء . ‏

ahmedaboali
02-03-2009, 06:40 PM
‏حدثنا ‏ ‏عبيد الله بن سعد بن إبراهيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يعقوب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏عن ‏ ‏صالح بن كيسان ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏اختصمت الجنة والنار إلى ربهما فقالت الجنة يا رب ما لها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم وقالت النار ‏ ‏يعني ‏ ‏أوثرت ‏ ‏بالمتكبرين فقال الله تعالى للجنة أنت رحمتي وقال للنار أنت عذابي أصيب بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها قال فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدا وإنه ينشئ للنار من يشاء فيلقون فيها ف ‏
‏تقول هل من مزيد ‏
‏ثلاثا حتى يضع فيها قدمه فتمتلئ ويرد بعضها إلى بعض وتقول قط قط قط

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي هريرة " اختصمت الجنة والنار " ‏
‏و " يعقوب " ‏
‏في سنده هو ابن إبراهيم بن سعد الذي تقدم في الحديث الخامس من الباب قبله , " والأعرج " هو عبد الرحمن بن هرمز , وليس لصالح بن كيسان عنه في الصحيحين إلا هذا الحديث . ‏

‏قوله ( اختصمت ) ‏
‏في رواية همام عن أبي هريرة المتقدمة في سورة ق " تحاجت " ولمسلم من طريق أبي الزناد عن الأعرج " احتجت " وكذا له من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة , وكذا في حديث أبي سعيد عنده قال الطيبي : تحاجت أصله تحاججت وهو مفاعلة من الحجاج وهو الخصام وزنه ومعناه , يقال : حاججته محاججة ومحاجة وحجاجا أي غالبته بالحجة ومنه " فحج آدم موسى " لكن حديث الباب لم يظهر فيه غلبة واحد منهما . قلت : إنما وزان " فحج آدم موسى " لو جاء تحاجت الجنة والنار فحاجت الجنة النار , وإلا فلا يلزم من وقوع الخصام الغلبة , قال ابن بطال عن المهلب : يجوز أن يكون هذا الخصام حقيقة بأن يخلق الله فيهما حياة وفهما وكلاما والله قادر على كل شيء , ويجوز أن يكون هذا مجازا كقولهم " امتلأ الحوض وقال قطني " والحوض لا يتكلم وإنما ذلك عبارة عن امتلائه وأنه لو كان ممن ينطق لقال ذلك , وكذا في قول النار ( هل من مزيد ) قال وحاصل اختصاصهما افتخار أحدهما على الأخرى بمن يسكنها فتظن النار أنها بمن ألقي فيها من عظماء الدنيا أبر عند الله من الجنة , وتظن الجنة أنها بمن أسكنها من أولياء الله تعالى أبر عند الله , فأجيبتا بأنه لا فضل لأحدهما على الأخرى من طريق من يسكنهما , وفي كلاهما شائبة شكاية إلى ربهما إذ لم تذكر كل واحدة منهما إلا ما اختصت به , وقد رد الله الأمر في ذلك إلى مشيئته , وقد تقدم كلام النووي في هذا في تفسير ق , وقال صاحب المفهم : يجوز أن يخلق الله ذلك القول فيما شاء من أجزاء الجنة والنار ; لأنه لا يشترط عقلا في الأصوات أن يكون محلها حيا على الراجح ولو سلمنا الشرط لجاز أن يخلق الله في بعض أجزائهما الجمادية حياة لا سيما وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى : ( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ) إن كل ما في الجنة حي , ويحتمل أن يكون ذلك بلسان الحال والأول أولى . ‏

‏قوله ( فقالت الجنة يا رب ما لها ) ‏
‏فيه التفات ; لأن نسق الكلام أن تقول ما لي , وقد وقع كذلك في رواية همام ما لي , وكذا لمسلم عن أبي الزناد . ‏

‏قوله ( إلا ضعفاء الناس وسقطهم ) ‏
‏زاد مسلم " وعجزهم " وفي رواية له " وغرثهم " وقد تقدم بيان المراد بالضعفاء في تفسير ق , وسقطهم بفتحتين جمع ساقط وهو النازل القدر الذي لا يؤبه له , وسقط المتاع رديئه وعجزهم بفتحتين أيضا جمع عاجز ضبطه عياض , وتعقبه القرطبي بأنه يلزم أن يكون بتاء التأنيث ككاتب وكتبة وسقوط التاء في هذا الجمع نادر , قال : والصواب بضم أوله وتشديد الجيم مثل : شاهد وشهد , وأما " غرثهم " فهو بمعجمة ومثلثة جمع غرثان أي جيعان , ووقع في رواية الطبري بكسر أوله وتشديد الراء ثم مثناة أي غفلتهم , والمراد به أهل الإيمان الذين لم يتفطنوا للشبه , ولم توسوس لهم الشياطين بشيء من ذلك فهم أهل عقائد صحيحة وإيمان ثابت وهم الجمهور , وأما أهل العلم والمعرفة فهم بالنسبة إليهم قليل . ‏

‏قوله ( وقالت النار فقال للجنة ) ‏
‏كذا وقع هنا مختصرا قال ابن بطال : سقط قول النار هنا من جميع النسخ وهو محفوظ في الحديث , رواه ابن وهب عن مالك بلفظ أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين . قلت : هو في غرائب مالك للدارقطني وكذا هو عند مسلم من رواية ورقاء عن أبي الزناد وله من رواية سفيان عن أبي الزناد " يدخلني الجبارون والمتكبرون " وفي رواية محمد بن سيرين عن أبي هريرة " ما لي لا يدخلني إلا " أخرجه النسائي , وفي حديث أبي سعيد " فقالت النار في " أخرجه أبو يعلى وساق مسلم سنده . ‏

‏قوله ( فقال الله تعالى للجنة أنت رحمتي ) ‏
‏زاد أبو الزناد في روايته " أرحم بك من أشاء من عبادي " وكذا لهمام . ‏

‏قوله ( وقال للنار أنت عذابي أصيب بك من أشاء ) ‏
‏زاد أبو الزناد " من عبادي " . ‏

‏قوله ( ملؤها ) ‏
‏بكسر أوله وسكون اللام بعدها همزة . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 06:41 PM
‏قوله ( فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدا وأنه ينشئ للنار من يشاء ) ‏
‏قال أبو الحسن القابسي : المعروف في هذا الموضع أن الله ينشئ للجنة خلقا وأما النار فيضع فيها قدمه قال : ولا أعلم في شيء من الأحاديث أنه ينشئ للنار خلقا إلا هذا انتهى . وقد مضى في تفسير سورة ق من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة " يقال لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد فيضع الرب عليها قدمه فتقول قط قط " ومن طريق همام بلفظ " فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول قط قط فهناك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا " وتقدم هناك بيان اختلافهم في المراد بالقدم مستوفى , وأجاب عياض بأن أحد ما قيل في تأويل القدم أنهم قوم تقدم في علم الله أنه يخلقهم قال : فهذا مطابق للإنشاء , وذكر القدم بعد الإنشاء يرجح أن يكونا متغايرين , وعن المهلب قال في هذه الزيادة حجة لأهل السنة في قولهم إن لله أن يعذب من لم يكلفه لعبادته في الدنيا ; لأن كل شيء ملكه فلو عذبهم لكان غير ظالم انتهى . وأهل السنة إنما تمسكوا في ذلك بقوله تعالى ( لا يسأل عما يفعل ) و ( يفعل ما يشاء ) وغير ذلك , وهو عندهم من جهة الجواز , وأما الوقوع ففيه نظر , وليس في الحديث حجة للاختلاف في لفظه ولقبوله التأويل , وقد قال جماعة من الأئمة : إن هذا الموضع مقلوب , وجزم ابن القيم بأنه غلط واحتج بأن الله تعالى أخبر بأن جهنم تمتلئ من إبليس وأتباعه وكذا أنكر الرواية شيخنا البلقيني واحتج بقوله ( ولا يظلم ربك أحدا ) ثم قال وحمله على أحجار تلقى في النار أقرب من حمله على ذي روح يعذب بغير ذنب انتهى , ويمكن التزام أن يكونوا من ذوي الأرواح ولكن لا يعذبون كما في الخزنة , ويحتمل أن يراد بالإنشاء ابتداء إدخال الكفار النار , وعبر عن ابتداء الإدخال بالإنشاء فهو إنشاء الإدخال لا الإنشاء بمعنى ابتداء الخلق بدليل قوله " فيلقون فيها وتقول هل من مزيد " وأعادها ثلاث مرات ثم قال " حتى يضع فيها قدمه فحينئذ تمتلئ " فالذي يملؤها حتى تقول حسبي هو القدم كما هو صريح الخبر وتأويل القدم قد تقدم والله أعلم , وقد أيد ابن أبي جمرة حمله على غير ظاهره بقوله تعالى ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) إذ لو كان على ظاهره لكان أهل النار في نعيم المشاهدة كما يتنعم أهل الجنة برؤية ربهم ; لأن مشاهدة الحق لا يكون معها عذاب , وقال عياض يحتمل أن يكون معنى قوله عند ذكر الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدا أنه يعذب من يشاء غير ظالم له كما قال أعذب بك من أشاء , ويحتمل أن يكون راجعا إلى تخاصم أهل الجنة والنار , فإن الذي جعل لكل منهما عدل وحكمة وباستحقاق كل منهم من غير أن يظلم أحدا , وقال غيره : يحتمل أن يكون ذلك على سبيل التلميح بقوله تعالى ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) فعبر عن ترك تضييع الأجر بترك الظلم , والمراد أنه يدخل من أحسن الجنة التي وعد المتقين برحمته , وقد قال للجنة أنت رحمتي وقال ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة والعلم عند الله تعالى , وفي الحديث دلالة على اتساع الجنة والنار بحيث تسع كل من كان ومن يكون إلى يوم القيامة وتحتاج إلى زيادة , وقد تقدم في آخر الرقاق أن آخر من يدخل الجنة يعطى مثل الدنيا وعشرة أمثالها , وقال الداودي : يؤخذ من الحديث أن الأشياء توصف بغالبها ; لأن الجنة قد يدخلها غير الضعفاء والنار قد يدخلها غير المتكبرين , وفيه رد على من حمل قول النار ( هل من مزيد ) على أنه استفهام إنكار وأنها لا تحتاج إلى زيادة .

ahmedaboali
02-03-2009, 06:42 PM
‏باب ‏ ‏قول الله تعالى ‏
‏ولا تنفع الشفاعة عنده ‏ ‏إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ‏
‏ولم يقل ماذا خلق ربكم ‏ ‏وقال جل ذكره ‏
‏من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ‏
‏وقال ‏ ‏مسروق ‏ ‏عن ‏ ‏ابن مسعود ‏ ‏إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات شيئا فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق ونادوا ‏
‏ماذا قال ربكم قالوا الحق ‏
‏ويذكر عن ‏ ‏جابر ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن أنيس ‏ ‏قال سمعت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( باب قول الله تعالى : ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) ‏
‏وساق إلى آخر الآية ثم قال : ولم يقل ماذا خلق ربكم قال ابن بطال : استدل البخاري بهذا على أن قول الله قديم لذاته قائم بصفاته لم يزل موجودا به ولا يزال كلامه لا يشبه المخلوقين , خلافا للمعتزلة التي نفت كلام الله , وللكلابية في قولهم هو كناية عن الفعل والتكوين , وتمسكوا بقول العرب قلت بيدي هذا أي حركتها , واحتجوا بأن الكلام لا يعقل إلا بأعضاء ولسان , والباري منزه عن ذلك , فرد عليهم البخاري بحديث الباب والآية , وفيه أنهم إذا ذهب عنهم الفزع قالوا لمن فوقهم ماذا قال ربكم , فدل ذلك على أنهم سمعوا قولا لم يفهموا معناه من أجل فزعهم فقالوا " ماذا قال " ولم يقولوا ماذا خلق وكذا أجابهم من فوقهم من الملائكة بقولهم " قالوا الحق " والحق أحد صفتي الذات التي لا يجوز عليها غيره ; لأنه لا يجوز على كلامه الباطل , فلو كان خلقا أو فعلا لقالوا خلق خلقا إنسانا أو غيره , فلما وصفوه بما يوصف به الكلام لم يجز أن يكون القول بمعنى التكوين انتهى . وهذا الذي نسبه للكلابية بعيد من كلامهم , وإنما هو كلام بعض المعتزلة , فقد ذكر البخاري في خلق أفعال العباد عن أبي عبيد القاسم بن سلام أن المريسي قال في قوله تعالى ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) هو كقول العرب : قالت السماء فأمطرت , وقال الجدار هكذا إذا مال , فمعناه قوله إذا أردناه إذا كوناه , وتعقبه أبو عبيد بأنه أغلوطة ; لأن القائل إذا قال : قالت السماء لم يكن كلاما صحيحا حتى يقول فأمطرت , بخلاف من يقول قال الإنسان فإنه يفهم منه أنه قال كلاما , فلولا قوله فأمطرت لكان الكلام باطلا ; لأن السماء لا قول لها فإلى هذا أشار البخاري , وهذا أول باب تكلم فيه البخاري على مسألة الكلام وهي طويلة الذيل , قد أكثر أئمة الفرق فيها القول , وملخص ذلك قال البيهقي في " كتاب الاعتقاد " : القرآن كلام الله وكلام الله صفة من صفات ذاته , وليس شيء من صفات ذاته مخلوقا ولا محدثا ولا حادثا . قال تعالى ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) فلو كان القرآن مخلوقا لكان مخلوقا بكن ويستحيل أن يكون قول الله لشيء بقول ; لأنه يوجب قولا ثانيا وثالثا فيتسلسل وهو فاسد , وقال الله تعالى ( الرحمن علم القرآن خلق الإنسان ) فخص القرآن بالتعليم ; لأنه كلامه وصفته , وخص الإنسان بالتخليق ; لأنه خلقه ومصنوعه , ولولا ذلك لقال : خلق القرآن والإنسان , وقال الله تعالى ( وكلم الله موسى تكليما ) ولا يجوز أن يكون كلام المتكلم قائما بغيره , وقال الله تعالى ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ) الآية , فلو كان لا يوجد إلا مخلوقا في شيء مخلوق لم يكن لاشتراط الوجوه المذكورة في الآية معنى لاستواء جميع الخلق في سماعه عن غير الله فبطل قول الجهمية " إنه مخلوق في غير الله " ويلزمهم في قولهم " إن الله خلق كلاما في شجرة كلم به موسى " أن يكون من سمع كلام الله من ملك أو نبي أفضل في سماع الكلام من موسى , ويلزمهم أن تكون الشجرة هي المتكلمة بما ذكر الله أنه كلم به موسى وهو قوله ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ) وقد أنكر الله تعالى قول المشركين " إن هذا إلا قول البشر " . ولا يعترض بقوله تعالى ( إنه لقول رسول كريم ) ; لأن معناه قول تلقاه عن رسول كريم كقوله تعالى ( فأجره حتى يسمع كلام الله ) ولا بقوله ( إنا جعلناه قرآنا عربيا ) ; لأن معناه سميناه قرآنا , وهو كقوله ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) وقوله ( ويجعلون لله ما يكرهون ) وقوله ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ) فالمراد أن تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه , وبهذا احتج الإمام أحمد ثم ساق البيهقي حديث نيار - بكسر النون وتخفيف التحتانية - بن مكرم أن أبا بكر قرأ عليهم سورة الروم فقالوا : هذا كلامك أو كلام صاحبك , قال ليس كلامي ولا كلام صاحبي ولكنه كلام الله , وأصل هذا الحديث أخرجه الترمذي مصححا , وعن علي بن أبي طالب ما حكمت مخلوقا , ما حكمت إلا القرآن , ومن طريق سفيان بن عيينة سمعت عمرو بن دينار وغيره من مشيختنا يقولون : القرآن كلام الله ليس بمخلوق , وقال ابن حزم في الملل والنحل : أجمع أهل الإسلام على أن الله تعالى كلم موسى , وعلى أن القرآن كلام الله وكذا غيره من الكتب المنزلة والصحف , ثم اختلفوا فقالت المعتزلة : إن كلام الله صفة فعل مخلوقة وأنه كلم موسى بكلام أحدثه في الشجرة , وقال أحمد ومن تبعه : كلام الله هو علمه لم يزل وليس بمخلوق , وقالت الأشعرية كلام الله صفة ذات لم يزل وليس بمخلوق وهو غير علم الله وليس لله إلا كلام واحد , واحتج لأحمد بأن الدلائل القاطعة قامت على أن الله لا يشبهه شيء من خلقه بوجه من الوجوه فلما كان كلامنا غيرنا , وكان مخلوقا وجب أن يكون كلامه سبحانه وتعالى ليس غيره وليس مخلوقا , وأطال في الرد على المخالفين لذلك وقال غيره : اختلفوا فقالت الجهمية والمعتزلة وبعض الزيدية والإمامية وبعض الخوارج : كلام الله مخلوق خلقه بمشيئته وقدرته في بعض الأجسام كالشجرة حين كلم موسى , وحقيقته قولهم : إن الله لا يتكلم وإن نسب إليه ذلك فبطريق المجاز , وقالت المعتزلة يتكلم حقيقة لكن يخلق ذلك الكلام في غيره وقالت الكلابية : الكلام صفة واحدة قديمة العين لازمة لذات الله كالحياة , وأنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته وتكليمه لمن كلمه إنما هو خلق إدراك له يسمع به الكلام ونداؤه لموسى لم يزل لكنه أسمعه ذلك النداء حين ناجاه ويحكى عن أبي منصور الماتريدي من الحنفية نحوه لكن قال : خلق صوتا حين ناداه فأسمعه كلامه , وزعم بعضهم أن هذا هو مراد السلف الذين قالوا : إن القرآن ليس بمخلوق , وأخذ بقول ابن كلاب القابسي والأشعري وأتباعهما وقالوا : إذا كان الكلام قديما لعينه لازما لذات الرب وثبت أنه ليس بمخلوق فالحروف ليست قديمة ; لأنها متعاقبة , وما كان مسبوقا بغيره لم يكن قديما , والكلام القديم معنى قائم بالذات لا يتعدد ولا يتجزأ بل هو معنى واحد إن عبر عنه بالعربية فهو قرآن أو بالعبرانية فهو توراة مثلا وذهب بعض الحنابلة وغيرهم إلى أن القرآن العربي كلام الله وكذا التوراة , وأن الله لم يزل متكلما إذا شاء وأنه تكلم بحروف القرآن وأسمع من شاء من الملائكة والأنبياء صوته , وقالوا : إن هذه الحروف والأصوات قديمة العين لازمة الذات ليس متعاقبة بل لم تزل قائمة بذاته مقترنة لا تسبق والتعاقب إنما يكون في حق المخلوق بخلاف الخالق , وذهب أكثر هؤلاء إلى أن الأصوات والحروف هي المسموعة من القارئين , وأبى ذلك كثير منهم فقالوا ليست هي المسموعة من القارئين , وذهب بعضهم إلى أنه متكلم بالقرآن العربي بمشيئته وقدرته بالحروف والأصوات القائمة بذاته وهو غير مخلوق لكنه في الأزل لم يتكلم لامتناع وجود الحادث في الأزل , فكلامه حادث في ذاته لا محدث , وذهب الكرامية إلى أنه حادث في ذاته ومحدث , وذكر الفخر الرازي في المطالب العالية أن قول من قال : إنه تعالى متكلم بكلام يقوم بذاته وبمشيئته واختياره هو أصح الأقوال نقلا وعقلا , وأطال في تقرير ذلك , والمحفوظ عن جمهور السلف ترك الخوض في ذلك والتعمق فيه والاقتصار على القول بأن القرآن كلام الله وأنه غير مخلوق ثم السكوت عما وراء ذلك , وسيأتي الكلام على مسألة اللفظ حيث ذكره المصنف بعد إن شاء الله تعالى . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 06:43 PM
‏قوله ( وقال جل ذكره : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) ‏
‏زعم ابن بطال أنه أشار بذلك إلى سبب النزول ; لأنه جاء أنهم لما قالوا : شفعاؤنا عند الله الأصنام نزلت . فأعلم الله أن الذين يشفعون عنده من الملائكة والأنبياء إنما يشفعون فيمن يشفعون فيه بعد إذنه لهم في ذلك انتهى . ولم أقف على نقل في هذه الآية بخصوصها وأظن البخاري أشار بهذا إلى ترجيح قول من قال : إن الضمير في قوله " عن قلوبهم " للملائكة وأن فاعل الشفاعة في قوله " ولا تنفع الشفاعة " هم الملائكة بدليل قوله بعد وصف الملائكة ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ) بخلاف قول من زعم أن الضمير للكفار المذكورين في قوله تعالى ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه ) كما نقله بعض المفسرين , وزعم أن المراد بالتفزيع حالة مفارقة الحياة , ويكون اتباعهم إياه مستصحبا إلى يوم القيامة على طريق المجاز والجملة من قوله " قل ادعوا " إلى آخره معترضة , وحمل هذا القائل على هذا الزعم أن قوله " حتى إذا فزع عن قلوبهم " غاية لا بد لها من مغيا فادعى أنه ما ذكره , وقال بعض المفسرين من المعتزلة : المراد بالزعم الكفر في قوله تعالى ( زعمتم ) أي تماديتم في الكفر إلى غاية التفزيع , ثم تركتم زعمكم وقلتم قال الحق وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة , ويفهم من سياق الكلام أن هناك فزعا ممن يرجو الشفاعة هل يؤذن له بالشفاعة أو لا ؟ فكأنه قال : يتربصون زمانا فزعين حتى إذا كشف الفزع عن الجميع بكلام يقول الله في إطلاق الإذن تباشروا بذلك , وسأل بعضهم بعضا ماذا قال ربكم قالوا الحق , أي القول الحق وهو الإذن في الشفاعة لمن ارتضى . قلت : وجميع ذلك مخالف لهذا الحديث الصحيح والأحاديث كثيرة تؤيده قد ذكرت بعضها في تفسير سورة سبأ وسأشير إليها هنا بعد , والصحيح في إعرابها ما قاله ابن عطية وهو أن المغيا محذوف كأنه قيل : ولا هم شفعاء كما تزعمون بل هم عنده ممتثلون لأمره إلى أن يزول الفزع عن قلوبهم , والمراد بهم الملائكة وهو المطابق للأحاديث الواردة في ذلك فهو المعتمد , وأما اعتراض من تعقبه بأنهم لم يزالوا منقادين فلا يلزم منه دفع ما تأوله لكن حق العبارة أن يقول : بل هم خاضعون لأمره مرتقبون لما يأتيهم من قبله خائفون أن يكون ذلك من أمر الساعة إلى أن يكشف عنهم ذلك بإخبار جبريل بما أمر به من إبلاغ الوحي للرسل وبالله التوفيق . ثم ذكر فيه ستة أحاديث . ‏

‏قوله ( وقال مسروق عن ابن مسعود إذا تكلم الله تبارك وتعالى بالوحي سمع أهل السماوات , فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق ونادوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق ) ‏
‏ووقع في رواية الكشميهني " وثبت " بمثلثة وموحدة مفتوحين بدل " وسكن " هكذا ذكر هذا التعليق مختصرا , وقد وصله البيهقي في الأسماء والصفات من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن " مسلم بن صبيح " وهو أبو الضحى عن مسروق , وهكذا أخرجه أحمد عن أبي معاوية ولفظه " إن الله عز وجل إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفاء فيصعقون , فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل , فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم " قال : ويقولون يا جبريل ماذا قال ربكم قال فيقول الحق قال فينادون الحق الحق . قال البيهقي : رواه أحمد بن شريح الرازي وعلي بن إشكاب وعلي بن مسلم ثلاثتهم عن أبي معاوية مرفوعا أخرجه أبو داود في السنن عنهم ولفظه مثله إلا أنه قال فيقولون : ماذا قال ربك قال . ورواه شعبة عن الأعمش موقوفا وجاء عنه مرفوعا أيضا . قلت : هكذا رواه الحسن بن محمد الزعفراني عن أبي معاوية مرفوعا , وأخرجه البخاري في كتاب خلق أفعال العباد من رواية أبي حمزة السكري عن الأعمش بهذا السند إلى مسروق قال : من كان يحدثنا بتفسير هذه الآية لولا ابن مسعود سألناه عنه فذكره موقوفا باللفظ المذكور في الصحيح , ثم ساقه من طريق حفص بن غياث عن الأعمش قال بهذا , وأخرجه ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن علي بن إشكاب مرفوعا , وقال هكذا حدث به أبو معاوية مسندا ووجدته بالكوفة موقوفا , ثم أخرجه من رواية عبد الله بن نمير وشعبة كلاهما عن الأعمش موقوفا , ومن رواية شعبة عن منصور والأعمش معا ومن رواية الثوري عن منصور كذلك , وهكذا رواه عبد الرحمن بن محمد المحاربي وجرير عن الأعمش موقوفا , ورواه فضيل بن عياض عن منصور عن أبي الضحى , ورواه الحسن بن عبيد الله النخعي عن أبي الضحى مرفوعا , وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك عن مسروق كذلك , وأغفل أبو الحسن بن الفضل في الجزء الذي جمعه في الكلام على أحاديث الصوت هذه الطرق كلها , واقتصر على طريق البخاري فنقل كلام من تكلم فيه , وأسند إلى أن الجرح مقدم على التعديل وفيه نظر ; لأنه ثقة مخرج حديثه في الصحيحين ولم ينفرد به , وقد نقل ابن دقيق العيد عن ابن المفضل وكان شيخ والده أنه كان يقول فيمن خرج له في الصحيحين : هذا جاز القنطرة , وقرر ابن دقيق العيد ذلك بأن من اتفق الشيخان على التخريج لهم ثبتت عدالتهم بالاتفاق بطريق الاستلزام لاتفاق العلماء على تصحيح ما أخرجاه ومن لازمه عدالة رواته إلى أن تتبين العلة القادحة بأن تكون مفسرة ولا تقبل التأويل . ‏

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-03-2009, 06:44 PM
‏قوله ( سمع أهل السماوات ) ‏
‏في رواية أبي داود وغيره " سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا " ولبعضهم " الصفوان " بدل " الصفا " وفي رواية الثوري " الحديد " بدل " السلسلة " وفي رواية شيبان بن عبد الرحمن عن منصور عند ابن أبي حاتم " مثل صوت السلسلة وعنده من رواية عامر الشعبي عن ابن مسعود " سمع من دونه صوتا كجر السلسلة " ووقع في حديث النواس بن سمعان عند ابن أبي حاتم " إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماوات منه رجفة " أو قال " رعدة شديدة من خوف الله , فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدا " وكذا وقع قوله " ويخرون سجدا " في رواية أبي مالك وكذا في رواية سفيان وابن نمير المشار إليها , ووقع في رواية شعبة " فيرون أنه من أمر الساعة فيفزعون " . ‏

‏قوله ( ويذكر عن جابر بن عبد الله عن عبد الله بن أنيس ) ‏
‏بنون مهملة مصغر هو الجهني كما تقدم في " كتاب العلم " وأن الحديث الموقوف هناك طرف من هذا الحديث المرفوع , وتقدم بيان الحكمة في إيراده هناك بصيغة الجزم وهنا بصيغة التمريض , وساق هنا من الحديث بعضه وأخرجه بتمامه في الأدب المفرد , وكذا أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني كلهم من طريق همام بن يحيى عن القاسم بن عبد الواحد المكي عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول فذكر القصة , وأول المتن المرفوع " يحشر الله الناس يوم القيامة - أو قال - العباد , عراة غرلا بهما , قال قلنا : وما بهما ؟ قال : ليس معهم شيء , ثم يناديهم " فذكره وزاد بعد قوله الديان " لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار , وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه , ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه حتى اللطمة , قال قلنا : كيف ؟ وإنا إنما نأتي عراة بهما , قال الحسنات والسيئات " لفظ أحمد عن يزيد بن هارون عن همام وعبيد الله بن محمد بن عقيل مختلف في الاحتجاج به وقد أشرت إلى ذكر من تابعه في " كتاب العلم " وقوله " غرلا " بضم المعجمة وسكون الراء , وقد تقدم بيانه في الرقاق في شرح حديث ابن عباس وفيه " حفاة " بدل قوله " بهما " وهو بضم الموحدة وسكون الهاء , وقيل معناه الذين لا شيء معهم , وقيل المجهولون , وقيل المتشابهو الألوان , والأول الموافق لما هنا . ‏

‏قوله ( فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب ) ‏
‏حمله بعض الأئمة على مجاز الحذف أي يأمر من ينادي واستبعده بعض من أثبت الصوت بأن في قوله يسمعه من بعد إشارة إلى أنه ليس من المخلوقات ; لأنه لم يعهد مثل هذا فيهم وبأن الملائكة إذا سمعوه صعقوا كما سيأتي في الكلام على الحديث الذي بعده . وإذا سمع بعضهم بعضا لم يصعقوا , قال فعلى هذا فصفاته صفة من صفات ذاته لا تشبه صوت غيره إذ ليس يوجد شيء من صفاته من صفات المخلوقين , هكذا قرره المصنف في كتاب خلق أفعال العباد , وقال غيره : معنى يناديهم يقول , وقوله بصوت أي مخلوق غير قائم بذاته , والحكمة في كونه خارقا لعادة الأصوات المخلوقة المعتادة التي يظهر التفاوت في سماعها بين البعيد والقريب هي أن يعلم أن المسموع كلام الله كما أن موسى لما كلمه الله كان يسمعه من جميع الجهات , وقال البيهقي الكلام ما ينطق به المتكلم وهو مستقر في نفسه كما جاء في حديث عمر يعني في قصة السقيفة , وقد تقدم سياقه في كتاب الحدود , وفيه : وكنت زورت في نفسي مقالة , وفي رواية : هيأت في نفسي كلاما , قال : فسماه كلاما قبل التكلم به , قال : فإن كان المتكلم ذا مخارج سمع كلامه ذا حروف وأصوات , وإن كان غير ذي مخارج فهو بخلاف ذلك , والباري عز وجل ليس بذي مخارج , فلا يكون كلامه بحروف وأصوات , فإذا فهمه السامع تلاه بحروف وأصوات , ثم ذكر حديث جابر عن عبد الله بن أنيس وقال : اختلف الحفاظ في الاحتجاج بروايات ابن عقيل لسوء حفظه ولم يثبت لفظ الصوت في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديثه فإن كان ثابتا فإنه يرجع إلى غيره , كما في حديث ابن مسعود يعني الذي قبله , وفي حديث أبي هريرة يعني الذي بعده : أن الملائكة يسمعون عند حصول الوحي صوتا فيحتمل أن يكون الصوت للسماء أو للملك الآتي بالوحي أو لأجنحة الملائكة , وإذا احتمل ذلك لم يكن نصا في المسألة , وأشار في موضع آخر أن الراوي أراد فينادي نداء فعبر عنه بقوله " بصوت " انتهى . وهذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة ويلزم منه أن الله لم يسمع أحدا من ملائكته ورسله كلامه بل ألهمهم إياه , وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين ; لأنها التي عهد أنها ذات مخارج , ولا يخفى ما فيه إذ الصوت قد يكون من غير مخارج كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق سلمنا , لكن تمنع القياس المذكور , وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق , وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به ثم , إما التفويض وإما التأويل وبالله التوفيق . ‏

‏قوله ( الديان ) ‏
‏قال الحليمي هو مأخوذ من قوله " ملك يوم الدين " وهو المحاسب المجازي لا يضيع عمل عامل انتهى , ووقع في مرسل أبي قلابة " البر لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا يموت وكن كما شئت كما تدين تدان " ورجاله ثقات أخرجه البيهقي في الزهد , وقد تقدمت الإشارة إليه في تفسير سورة الفاتحة , وقال الكرماني : المعنى لا ملك إلا أنا ولا مجازي إلا أنا , وهو من حصر المبتدأ في الخبر وفي هذا اللفظ إشارة إلى صفة الحياة والعلم والإرادة والقدرة وغيرها من الصفات المتفق عليها عند أهل السنة , وقوله في آخر الحديث قال " الحسنات والسيئات " يعني أن القصاص بين المتظالمين إنما يقع بالحسنات والسيئات , وقد تقدم بيان ذلك في الرقاق , وتقدم أيضا من حديث أبي هريرة مرفوعا " قبل أخيه مظلمة " . ‏

ahmedaboali
02-03-2009, 06:45 PM
‏حدثنا ‏ ‏عمر بن حفص بن غياث ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول الله ‏ ‏يا ‏ ‏آدم ‏ ‏فيقول لبيك وسعديك فينادى بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي سعيد في بعث النار ذكره مختصرا , وقد مضى شرحه مستوفى في أواخر الرقاق , ‏
‏وقوله " يقول الله يا آدم " ‏
‏في رواية التفسير " يقول الله يوم القيامة يا آدم " . ‏

‏قوله ( فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار ) ‏
‏هذا آخر ما أورد منه من هذه الطريق , وقد أخرجه بتمامه في تفسير سورة الحج بالسند المذكور هنا ووقع " فينادي " مضبوطا للأكثر بكسر الدال , وفي رواية أبي ذر بفتحها على البناء للمجهول ولا محذور في رواية الجمهور , فإن قرينة قوله " إن الله يأمرك " تدل ظاهرا على أن المنادي ملك يأمره الله بأن ينادي بذلك , وقد طعن أبو الحسن بن الفضل في صحة هذه الطريق , وذكر كلامهم في حفص بن غياث , وأنه انفرد بهذا اللفظ عن الأعمش , وليس كما قال فقد وافقه عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة له عن أبيه عن المحاربي , واستدل البخاري في كتاب خلق أفعال العباد على أن الله يتكلم كيف شاء وأن أصوات العباد مؤلفة حرفا حرفا فيها التطريب - بالهمز - والترجيع , بحديث أم سلمة ثم ساقه من طريق يعلى بن مملك بفتح الميم واللام بينهما ميم ساكنة ثم كاف , أنه سأل أم سلمة عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته فذكر الحديث , وفيه ونعتت قراءته فإذا قراءته حرفا حرفا وهذا أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما , واختلف أهل الكلام في أن كلام الله هل هو بحرف وصوت أو لا , فقالت المعتزلة : لا يكون الكلام إلا بحرف وصوت والكلام المنسوب إلى الله قائم بالشجرة , وقالت الأشاعرة كلام الله ليس بحرف ولا صوت وأثبتت الكلام النفسي , وحقيقته معنى قائم بالنفس وإن اختلفت عنه العبارة كالعربية والعجمية , واختلافها لا يدل على اختلاف المعبر عنه , والكلام النفسي هو ذلك المعبر عنه , وأثبتت الحنابلة أن الله متكلم بحرف وصوت , أما الحروف فللتصريح بها في ظاهر القرآن , وأما الصوت فمن منع قال : إن الصوت هو الهواء المنقطع المسموع من الحنجرة , وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر , وصفات الرب بخلاف ذلك فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه , وأنه يجوز أن يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه , وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة : سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت , فقال لي أبي : بل تكلم بصوت , هذه الأحاديث تروى كما جاءت وذكر حديث ابن مسعود وغيره . ‏

ahmedaboali
02-03-2009, 06:46 PM
‏حدثني ‏ ‏إسحاق ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الصمد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرحمن هو ابن عبد الله بن دينار ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله تبارك وتعالى ‏ ‏إذا أحب عبدا نادى ‏ ‏جبريل ‏ ‏إن الله قد أحب فلانا فأحبه فيحبه ‏ ‏جبريل ‏ ‏ثم ينادي ‏ ‏جبريل ‏ ‏في السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في أهل الأرض ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( حدثنا إسحاق ) ‏
‏هو ابن منصور وتردد أبو علي الجياني بينه وبين إسحاق بن راهويه , وإنما جزمت به لقوله حدثنا عبد الصمد فإن إسحاق لا يقول إلا أخبرنا , وقد تقدم في الحديث الثاني من باب ما يكره من كثرة السؤال في " كتاب الاعتصام " نحو هذا و " عبد الصمد " هو ابن عبد الوارث , وقد تقدم في هذا السند في " كتاب الطهارة " حديث آخر وقد جزم أبو نعيم في المستخرج بأن " إسحاق " المذكور فيه هو ابن منصور , وتكلمت على سنده هناك وهو في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان . ‏

‏قوله ( إن الله قد أحب فلانا ) ‏
‏كذا هنا بصيغة الفعل الماضي , وفي رواية نافع عن أبي هريرة الماضية في الأدب " إن الله يحب فلانا " بصيغة المضارعة , وفي الأول إشارة إلى سبق المحبة على النداء , وفي الثاني إشارة إلى استمرار ذلك وقد تقدمت مباحثه في " كتاب الأدب " قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : في تعبيره عن كثرة الإحسان بالحب تأنيس العباد وإدخال المسرة عليه ; لأن العبد إذا سمع عن مولاه أنه يحبه حصل على أعلى السرور عنده وتحقق بكل خير , ثم قال : وهذا إنما يتأتى لمن في طبعه فتوة ومروءة وحسن إنابة كما قال تعالى ( وما يتذكر إلا من ينيب ) وأما من في نفسه رعونة وله شهوة غالبة فلا يرده إلا الزجر بالتعنيف والضرب , قال : وفي تقديم الأمر بذلك لجبريل قبل غيره من الملائكة إظهار لرفيع منزلته عند الله تعالى على غيره منهم , قال : ويؤخذ من هذا الحديث الحث على توفية أعمال البر على اختلاف أنواعها فرضها وسنتها , ويؤخذ منه أيضا كثرة التحذير عن المعاصي والبدع ; لأنها مظنة السخط وبالله التوفيق . ‏

ahmedaboali
02-03-2009, 06:46 PM
‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏يتعاقبون ‏ ‏فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم ‏ ‏كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي هريرة " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل " الحديث , وقد تقدم شرحه في أوائل " كتاب الصلاة " والمراد منه قوله فيه " فيسألهم وهو أعلم بهم " أي من الملائكة , وليس في رواية مالك المذكورة هنا التصريح بتسمية الذي يسأل , ووقع التصريح به في بعض طرقه في الصلاة بلفظ " فيسألهم ربهم " وهي من رواية مالك أيضا , والمشهور عند جمهور رواة مالك حذفها , ووقع عند ابن خزيمة من طريق أبي صالح عن أبي هريرة " فيسألهم ربهم " وقد ذكرت لفظه هناك , وتقدم القول في العروج في باب تعرج الملائكة والروح إليه قريبا . ‏

ahmedaboali
02-03-2009, 06:47 PM
‏حدثنا ‏ ‏الحميدي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال الله تعالى ‏ ‏يؤذيني ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي هريرة . قوله ( قال الله يؤذيني ابن آدم يسب الدهر ) الحديث والغرض منه هنا إثبات إسناد القول إليه سبحانه وتعالى وقوله " يؤذيني " أي ينسب إلي ما لا يليق بي , وتقدم له توجيه آخر في تفسير سورة الجاثية مع سائر مباحثه وهو من الأحاديث القدسية , وكذا ما بعده إلى آخر الخامس .

ahmedaboali
02-03-2009, 06:47 PM
‏حدثنا ‏ ‏أبو نعيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يقول الله عز وجل ‏ ‏الصوم لي وأنا أجزي به يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي والصوم ‏ ‏جنة ‏ ‏وللصائم فرحتان فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى ربه ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي هريرة أيضا . قوله ( يقول الله تعالى : الصوم لي وأنا أجزي به ) وفيه " والصوم جنة , وللصائم فرحتان " وفيه " ولخلوف فم الصائم " وقد تقدم شرحه مستوفى في " كتاب الصيام " وقوله في السند " ‏
‏حدثنا أبو نعيم " ‏
‏يريد الفضل بن دكين الكوفي الحافظ المشهور القديم , وليس هو الحافظ المتأخر صاحب الحلية والمستخرج , ‏
‏وقوله " حدثنا الأعمش " ‏
‏كذا للجميع إلا لأبي علي بن السكن فوقع عنده " حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان - وهو الثوري - حدثنا الأعمش " زاد فيه الثوري قال أبو علي الجياني : والصواب قول من خالفه من سائر الرواة , ورأيت في رواية القابسي عن أبي المروزي " حدثنا أبو نعيم " أراه " حدثنا سفيان الثوري حدثنا محمد " فحذف لفظ قال بين قوله " أراه , وحدثنا " وأراه بضم الهمزة أي أظنه , وأبو نعيم سمع من الأعمش ومن السفيانين عن الأعمش لكن سفيان المذكور هنا هو الثوري جزما , وعلى تقدير ثبوت ذلك فقائل " أراه " يحتمل أن يكون البخاري ويحتمل أن يكون من دونه وهو الراجح , وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من رواية الحارث بن أبي أسامة عن أبي نعيم عن الأعمش بدون الواسطة وهذا من أعلى ما وقع لأبي نعيم من العوالي في هذا الجامع الصحيح .

ahmedaboali
02-03-2009, 06:48 PM
‏حدثنا ‏ ‏إسماعيل ‏ ‏حدثني ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عبد الله الأغر ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي هريرة أيضا , ‏
‏قوله ( يتنزل ربنا ) ‏
‏كذا للأكثر بمثناة وتشديد , ولأبي ذر عن المستملي والسرخسي " ينزل " بحذف التاء والتخفيف , وقد تقدم شرحه في " كتاب التهجد " في باب الدعاء في الصلاة في آخر الليل , وترجم له في الدعوات " الدعاء نصف الليل " وتقدم هناك مناسبة الترجمة لحديث الباب مع أن لفظه " حين يبقى ثلث الليل " ومضى بيان الاختلاف فيما يتعلق بأحاديث الصفات في أوائل " كتاب التوحيد " في باب وكان عرشه على الماء , والغرض منه هنا قوله " فيقول من يدعوني " إلى آخره وهو ظاهر في المراد سواء كان المنادي به ملكا بأمره أو لا ; لأن المراد إثبات نسبة القول إليه وهي حاصلة على كل من الحالتين , وقد نبهت على من أخرج الزيادة المصرحة بأن الله يأمر ملكا فينادي في " كتاب التهجد " وتأويل ابن حزم النزول بأنه فعل يفعله الله في سماء الدنيا كالفتح لقبول الدعاء وأن تلك الساعة من مظان الإجابة وهو معهود في اللغة , تقول : فلان نزل لي عن حقه بمعنى وهبه , قال : والدليل على أنها صفة فعل تعليقه بوقت محدود ومن لم يزل لا يتعلق بالزمان فصح أنه فعل حادث , وقد عقد شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي وهو من المبالغين في الإثبات حتى طعن فيه بعضهم بسبب ذلك في كتابه الفاروق بابا لهذا الحديث , وأورده من طرق كثيرة ثم ذكره من طرق زعم أنها لا تقبل التأويل مثل حديث عطاء مولى أم صبية عن أبي هريرة بلفظ " إذا ذهب ثلث الليل " وذكر الحديث وزاد " فلا يزال بها حتى يطلع الفجر فيقول هل من داع يستجاب له " أخرجه النسائي وابن خزيمة في صحيحه وهو من رواية محمد بن إسحاق وفيه اختلاف , وحديث ابن مسعود وفيه " فإذا طلع الفجر صعد إلى العرش " أخرجه ابن خزيمة وهو من رواية إبراهيم الهجري وفيه مقال , وأخرجه أبو إسماعيل من طريق أخرى عن ابن مسعود قال " جاء رجل من بني سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علمني " فذكر الحديث وفيه " فإذا انفجر الفجر صعد " وهو من رواية عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عم أبيه ولم يسمع منه , ومن حديث عبادة بن الصامت وفي آخره " ثم يعلو ربنا على كرسيه " وهو من رواية إسحاق بن يحيى عن عبادة ولم يسمع منه , ومن حديث جابر وفيه " ثم يعلو ربنا إلى السماء العليا إلى كرسيه " وهو من رواية محمد بن إسماعيل الجعفري عن عبد الله بن سلمة بن أسلم وفيهما مقال , ومن حديث أبي الخطاب " أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر " فذكر الوتر وفي آخره " حتى إذا طلع الفجر ارتفع " وهو من رواية ثوير بن أبي فاختة وهو ضعيف , فهذه الطرق كلها ضعيفة وعلى تقدير ثبوتها لا يقبل قوله أنها لا تقبل التأويل فإن محصلها ذكر الصعود بعد النزول فكما قبل النزول التأويل لا يمنع قبول الصعود التأويل , والتسليم أسلم كما تقدم والله أعلم . وقد أجاد هو في قوله في آخر كتابه فأشار إلى ما ورد من الصفات وكلها من التقريب لا من التمثيل , وفي مذاهب العرب سعة , يقولون أمر بين كالشمس وجواد كالريح وحق كالنهار , ولا تريد تحقيق الاشتباه وإنما تريد تحقيق الإثبات والتقريب على الأفهام , فقد علم من عقل أن الماء أبعد الأشياء شبها بالصخر , والله يقول ( في موج كالجبال ) فأراد العظم والعلو لا الشبه في الحقيقة , والعرب تشبه الصورة بالشمس والقمر , واللفظ بالسحر , والمواعيد الكاذبة بالرياح , ولا تعد شيئا من ذلك كذبا ولا توجب حقيقة وبالله التوفيق . ‏

ahmedaboali
02-03-2009, 06:49 PM
‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن إسحاق ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو بن عاصم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏همام ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسحاق بن عبد الله ‏ ‏سمعت ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي عمرة ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏قال ‏
‏سمعت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إن عبدا أصاب ذنبا وربما قال أذنب ذنبا فقال رب أذنبت وربما قال أصبت فاغفر لي فقال ربه أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا أو أذنب ذنبا فقال رب أذنبت أو أصبت آخر فاغفره فقال أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا وربما قال أصاب ذنبا قال قال رب أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفره لي فقال أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( حدثنا أحمد بن إسحاق ) ‏
‏هو السرماري بفتح المهملة وبكسرها وبسكون الراء , تقدم بيانه في ذكر بني إسرائيل ‏
‏و " عمرو بن عاصم " ‏
‏هو الكلابي البصري يكنى أبا عثمان وقد حدث عنه البخاري بلا واسطة في " كتاب الصلاة " وغيرها , فنزل البخاري في هذا السند بالنسبة لهمام درجة , وقد وقع هذا الحديث لمسلم عاليا فإنه أخرجه من طريق حماد بن سلمة عن إسحاق , نعم وأخرجه من طريق همام نازلا كالبخاري , ‏
‏و " إسحاق بن عبد الله " ‏
‏هو ابن أبي طلحة الأنصاري التابعي المشهور , " وعبد الرحمن بن أبي عمرة " تابعي جليل من أهل المدينة , له في البخاري عن أبي هريرة عشرة أحاديث غير هذا الحديث , واسم أبيه كنيته وهو أنصاري صحابي , ويقال إن لعبد الرحمن رؤية , وقال ابن أبي حاتم ليست له صحبة ولهم عبد الرحمن ابن أبي عمرة آخر أدركه مالك , وقال ابن عبد البر هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمرة نسب لجده . قلت : فعلى هذا هو ابن أخي الراوي عنه . ‏

‏قوله ( إن عبدا أصاب ذنبا وربما قال أذنب ذنبا ) ‏
‏كذا تكرر هذا الشك في هذا الحديث من هذا الوجه , ولم يقع في رواية حماد بن سلمة ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال " أذنب عبد ذنبا " وكذا في بقية المواضع . ‏

‏قوله ( فقال ربه أعلم ) ‏
‏بهمزة استفهام والفعل الماضي . ‏

‏قوله ( ويأخذ به ) ‏
‏أي يعاقب فاعله , وفي رواية حماد " ويأخذ بالذنب " . ‏

‏قوله ( ثم مكث ما شاء ) ‏
‏أي من الزمان وسقط هذا من رواية حماد . ‏

‏قوله ( ثم أصاب ذنبا ) ‏
‏في رواية حماد ثم عاد فأذنب . ‏

‏قوله ( في آخره غفرت لعبدي ) ‏
‏في رواية حماد " اعمل ما شئت فقد غفرت لك " قال ابن بطال في هذا الحديث أن المصر على المعصية في مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له مغلبا الحسنة التي جاء بها وهي اعتقاده أن له ربا خالقا يعذبه ويغفر له واستغفاره إياه على ذلك يدل عليه قوله : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ولا حسنة أعظم من التوحيد , فإن قيل : إن استغفاره ربه توبة منه قلنا ليس الاستغفار أكثر من طلب المغفرة , وقد يطلبها المصر والتائب ولا دليل في الحديث على أنه تائب مما سأل الغفران عنه ; لأن حد التوبة الرجوع عن الذنب والعزم أن لا يعود إليه والإقلاع عنه والاستغفار بمجرده لا يفهم منه ذلك انتهى , وقال غيره : شروط التوبة ثلاثة : الإقلاع والندم والعزم على أن لا يعود , والتعبير بالرجوع عن الذنب لا يفيد معنى الندم بل هو إلى معنى الإقلاع أقرب وقال بعضهم : يكفي في التوبة تحقق الندم على وقوعه منه فإنه يستلزم الإقلاع عنه والعزم على عدم العود فهما ناشئان عن الندم لا أصلان معه ومن ثم جاء الحديث : " الندم توبة " وهو حديث حسن من حديث ابن مسعود أخرجه ابن ماجه وصححه الحاكم وأخرجه ابن حبان من حديث أنس وصححه , وقد تقدم البحث في ذلك في باب التوبة من أوائل " كتاب الدعوات " مستوفى , وقال القرطبي في المفهم : يدل هذا الحديث على عظيم فائدة الاستغفار وعلى عظيم فضل الله وسعة رحمته وحلمه وكرمه ; لكن هذا الاستغفار هو الذي ثبت معناه في القلب مقارنا للسان لينحل به عقد الإصرار ويحصل معه الندم فهو ترجمة للتوبة , ويشهد له حديث : خياركم كل مفتن تواب , ومعناه الذي يتكرر منه الذنب والتوبة فكلما وقع في الذنب عاد إلى التوبة لا من قال أستغفر الله بلسانه وقلبه مصر على تلك المعصية , فهذا الذي استغفاره يحتاج إلى الاستغفار . قلت : ويشهد له ما أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس مرفوعا " التائب من الذنب كمن لا ذنب له , والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه " والراجح أن قوله " والمستغفر " إلى آخره موقوف وأوله عند ابن ماجه والطبراني من حديث ابن مسعود وسنده حسن , وحديث " خياركم كل مفتن تواب " ذكره في مسند الفردوس عن علي قال القرطبي : وفائدة هذا الحديث أن العود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه ; لأنه انضاف إلى ملابسة الذنب نقض التوبة ; لكن العود إلى التوبة أحسن من ابتدائها ; لأنه انضاف إليها ملازمة الطلب من الكريم والإلحاح في سؤاله والاعتراف بأنه لا غافر للذنب سواه , قال النووي في الحديث : إن الذنوب ولو تكررت مائة مرة بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته , وقوله : " اعمل ما شئت " معناه ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك , وذكر في " كتاب الأذكار " عن الربيع بن خيثم أنه قال : لا تقل : أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنبا وكذبا إن لم تفعل بل قل : اللهم اغفر لي وتب علي , قال النووي هذا حسن , وأما كراهية أستغفر الله وتسميته كذبا فلا يوافق عليه ; لأن معنى أستغفر الله أطلب مغفرته وليس هذا كذبا , قال ويكفي في رده حديث ابن مسعود بلفظ : من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف , أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الحاكم . قلت : هذا في لفظ أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم , وأما أتوب إليه فهو الذي عنى الربيع رحمه الله أنه كذب وهو كذلك إذا قاله ولم يفعل التوبة كما قال , وفي الاستدلال للرد عليه بحديث ابن مسعود نظر لجواز أن يكون المراد منه ما إذا قالها وفعل شروط التوبة , ويحتمل أن يكون الربيع قصد مجموع اللفظين لا خصوص أستغفر الله فيصح كلامه كله والله أعلم . ورأيت في الحلبيات للسبكي الكبير : الاستغفار طلب المغفرة إما باللسان أو بالقلب أو بهما , فالأول فيه نفع ; لأنه خير من السكوت ; ولأنه يعتاد قول الخير , والثاني نافع جدا , والثالث أبلغ منهما لكنهما لا يمحصان الذنب حتى توجد التوبة , فإن العاصي المصر يطلب المغفرة ولا يستلزم ذلك وجود التوبة منه , إلى أن قال : والذي ذكرته من أن معنى الاستغفار هو غير معنى التوبة هو بحسب وضع اللفظ ; لكنه غلب عند كثير من الناس أن لفظ أستغفر الله معناه التوبة فمن كان ذلك معتقده فهو يريد التوية لا محالة , ثم قال : وذكر بعض العلماء أن التوبة لا تتم إلا بالاستغفار لقوله تعالى ( وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ) والمشهور أنه لا يشترط .

ahmedaboali
02-03-2009, 06:50 PM
‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن أبي الأسود ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معتمر ‏ ‏سمعت ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏عقبة بن عبد الغافر ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنه ذكر رجلا فيمن سلف ‏ ‏أو فيمن كان قبلكم ‏ ‏قال كلمة ‏ ‏يعني ‏ ‏أعطاه الله مالا وولدا فلما حضرت الوفاة قال لبنيه أي أب كنت لكم قالوا خير أب قال فإنه لم ‏ ‏يبتئر ‏ ‏أو لم ‏ ‏يبتئز ‏ ‏عند الله خيرا وإن يقدر الله عليه يعذبه فانظروا إذا مت فأحرقوني حتى إذا صرت فحما فاسحقوني ‏ ‏أو قال ‏ ‏الإسكندرية ‏ ‏فإذا كان يوم ريح عاصف فأذروني فيها فقال نبي الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فأخذ مواثيقهم على ذلك وربي ففعلوا ثم أذروه في يوم عاصف فقال الله عز وجل كن فإذا هو رجل قائم قال الله أي عبدي ما حملك على أن فعلت ما فعلت قال مخافتك أو ‏ ‏فرق ‏ ‏منك قال فما تلافاه أن رحمه عندها وقال مرة أخرى فما تلافاه غيرها ‏
‏فحدثت به ‏ ‏أبا عثمان ‏ ‏فقال سمعت هذا من ‏ ‏سلمان ‏ ‏غير أنه زاد فيه أذروني في البحر أو كما حدث ‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معتمر ‏ ‏وقال لم ‏ ‏يبتئر ‏ ‏وقال ‏ ‏خليفة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معتمر ‏ ‏وقال لم ‏ ‏يبتئز ‏ ‏فسره ‏ ‏قتادة ‏ ‏لم يدخر

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي سعيد في قصة الذي أمر أن يحرقوه وتقدم التنبيه عليه في الخامس عشر . ‏

‏قوله ( معتمر سمعت أبي ) ‏
‏هو سليمان بن طرخان التيمي والسند كله بصريون , وفيه ثلاثة من التابعين في نسق . ‏

‏قوله ( عن عقبة بن عبد الغافر ) ‏
‏في رواية شعبة عن قتادة " سمعت عقبة " وقد تقدمت في الرقاق مع سائر شرحه وقوله , " أنه ذكر رجلا فيمن سلف - أو - فيمن كان قبلكم " شك من الراوي , ووقع عند الأصيلي " قبلهم " وقد مضى في الرقاق عن موسى بن إسماعيل عن معتمر بلفظ " ذكر رجلا فيمن كان سلف قبلكم " ولم يشك وقوله " قال كلمة " يعني أعطاه الله مالا , في رواية موسى " آتاه الله مالا وولدا " ‏
‏وقوله " أي أب كنت لكم " ‏
‏قال أبو البقاء هو بنصب أي على أنه خبر كنت , وجاز تقديمه لكونه استفهاما ويجوز الرفع وجوابهم بقولهم ‏
‏" خير أب " ‏
‏الأجود النصب على تقدير كنت خير أب فيوافق ما هو جواب عنه , ويجوز الرفع بتقدير : أنت خير أب , ‏
‏وقوله " فإنه لم يبتئر أو لم يبتئز " ‏
‏تقدم عزو هذا الشك أنها بالراء أو بالزاي لرواية أبي زيد المروزي تبعا للقاضي عياض , وقد وجدتها هنا فيما عندنا من رواية أبي ذر عن شيوخه , ‏
‏وقوله " فاسحقوني " ‏
‏أو قال " فاسحكوني " في رواية موسى مثله لكن قال " أو قال فاسهكوني " بالهاء بدل الحاء المهملة والشك هل قالها بالقاف أو الكاف , قال الخطابي في رواية أخرى " فاسحلوني " يعني باللام ثم قال معناه أبردوني بالسحل وهو المبرد , ويقال للبرادة سحالة وأما اسحكوني بالكاف فأصله السحق , فأبدلت القاف كافا ومثله السهك بالهاء والكاف , وقوله في آخره " قال فحدثت به أبا عثمان " القائل هو سليمان التيمي وذهل الكرماني فجزم بأنه قتادة ‏
‏و " أبو عثمان " ‏
‏هو النهدي , ‏
‏وقوله " سمعت هذا من سلمان " ‏
‏إلى آخره " سلمان " هو الفارسي وأبو عثمان معروف بالرواية عنه , وقد أغفل المزي ذكر هذا الحديث من مسند سلمان في الأطراف وقد تقدم أيضا في الرقاق ونبهت على صفة تخريج الإسماعيلي له , ‏
‏وقوله " حدثنا موسى حدثنا معتمر وقال لم يبتئر " ‏
‏أي بالراء لم يشك وقد ساقه بتمامه في الرقاق عن " موسى " المذكور وهو ابن إسماعيل التبوذكي , وساق في آخر روايته حديث سلمان أيضا كذلك وقوله بعده وقال لي خليفة هو ابن خياط , وسقط للأكثر لفظ لي " حدثنا معتمر لم يبتئر " يعني بالحديث بكماله ; ولكنه قال " لم يبتئز " بالزاي , وقوله فسره قتادة " لم يدخر " وقعت هذه الزيادة في رواية خليفة دون رواية موسى بن إسماعيل وعبد الله بن أبي الأسود , وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية عبيد الله بن معاذ العنبري عن معتمر وذكر فيه تفسير قتادة هذا , وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج من رواية إسحاق بن إبراهيم الشهيدي عن معتمر , وقد استوعبت اختلاف ألفاظ الناقلين لهذا الخبر في هذه اللفظة في كتاب الرقاق بما يغني عن إعادته وبالله التوفيق .

ahmedaboali
02-03-2009, 06:50 PM
‏حدثنا ‏ ‏سليمان بن حرب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد بن زيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معبد بن هلال العنزي ‏ ‏قال ‏
‏اجتمعنا ناس من ‏ ‏أهل ‏ ‏البصرة ‏ ‏فذهبنا إلى ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏وذهبنا معنا ‏ ‏بثابت البناني ‏ ‏إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة فإذا هو في قصره فوافقناه ‏ ‏يصلي الضحى فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه فقلنا ‏ ‏لثابت ‏ ‏لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة فقال يا ‏ ‏أبا حمزة ‏ ‏هؤلاء إخوانك من ‏ ‏أهل ‏ ‏البصرة ‏ ‏جاءوك يسألونك عن حديث الشفاعة فقال حدثنا ‏ ‏محمد ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا كان يوم القيامة ‏ ‏ماج ‏ ‏الناس بعضهم في بعض فيأتون ‏ ‏آدم ‏ ‏فيقولون اشفع لنا إلى ربك فيقول لست لها ولكن عليكم ‏ ‏بإبراهيم ‏ ‏فإنه ‏ ‏خليل الرحمن ‏ ‏فيأتون ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏فيقول لست لها ولكن عليكم ‏ ‏بموسى ‏ ‏فإنه كليم الله فيأتون ‏ ‏موسى ‏ ‏فيقول لست لها ولكن عليكم ‏ ‏بعيسى ‏ ‏فإنه روح الله وكلمته فيأتون ‏ ‏عيسى ‏ ‏فيقول لست لها ولكن عليكم ‏ ‏بمحمد ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فيأتوني فأقول أنا لها فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقول يا ‏ ‏محمد ‏ ‏ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال يا ‏ ‏محمد ‏ ‏ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان فأخرجه فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقول يا ‏ ‏محمد ‏ ‏ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل فلما خرجنا من عند ‏ ‏أنس ‏ ‏قلت لبعض أصحابنا لو مررنا ‏ ‏بالحسن ‏ ‏وهو متوار في منزل ‏ ‏أبي خليفة ‏ ‏فحدثناه بما حدثنا ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏فأتيناه فسلمنا عليه فأذن لنا فقلنا له يا ‏ ‏أبا سعيد ‏ ‏جئناك من عند أخيك ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة فقال ‏ ‏هيه فحدثناه بالحديث فانتهى إلى هذا الموضع فقال ‏ ‏هيه فقلنا لم يزد لنا على هذا فقال لقد حدثني وهو جميع منذ عشرين سنة فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا قلنا يا ‏ ‏أبا سعيد ‏ ‏فحدثنا فضحك وقال خلق الإنسان عجولا ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم حدثني كما حدثكم به قال ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال يا ‏ ‏محمد ‏ ‏ارفع رأسك وقل يسمع وسل ‏ ‏تعطه واشفع تشفع فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( وهو متوار في منزل أبي خليفة ) ‏
‏هو حجاج بن عتاب العبدي البصري والد عمر بن أبي خليفة , سماه البخاري في تاريخه وتبعه الحاكم أبو أحمد في الكنى . ‏

‏قوله ( وهو جميع ) ‏
‏أي مجتمع العقل وهو إشارة إلى أنه كان حينئذ لم يدخل في الكبر الذي هو مظنة تفرق الذهن وحدوث اختلاط الحفظ , وقوله " فحدثناه " بسكون المثلثة وحذف الضمير , وقوله " قلنا يا أبا سعيد " في رواية الكشميهني " فقلنا " قال ابن التين قال هنا " لست لها " وفي غيره " لست هناكم " قال : وأسقط هنا ذكر نوح وزاد " فأقول أنا لها " وزاد " فأقول أمتي أمتي " قال الداودي لا أراه محفوظا ; لأن الخلائق اجتمعوا واستشفعوا ولو كان المراد هذه الأمة خاصة لم تذهب إلى غير نبيها فدل على أن المراد الجميع وإذا كانت الشفاعة لهم في فصل القضاء فكيف يخصها بقوله أمتي أمتي , ثم قال : وأول هذا الحديث ليس متصلا بآخره بل بقي بين طلبهم الشفاعة وبين قوله فاشفع أمور كثيرة من أمور القيامة . قلت : وقد بينت الجواب عن هذا الإشكال عند شرح الحديث بما يغني عن إعادته هنا وقد أجاب عنه القاضي عياض بأن معني الكلام فيؤذن له في الشفاعة الموعود بها في فصل القضاء , وقوله " ويلهمني " ابتداء كلام آخر وبيان للشفاعة الأخرى الخاصة بأمته , وفي السياق اختصار وادعى المهلب أن قوله " فأقول يا رب أمتي " مما زاد سليمان بن حرب على سائر الرواة كذا قال , وهو اجتراء على القول بالظن الذي لا يستند إلى دليل فإن سليمان بن حرب لم ينفرد بهذه الزيادة بل رواها معه سعيد بن منصور عند مسلم وكذا أبو الربيع الزهراني عند مسلم والإسماعيلي , ولم يسق مسلم لفظه ويحيى بن حبيب بن عربي عند النسائي في التفسير ومحمد بن عبيد بن حساب ومحمد بن سليمان لوين كلاهما عند الإسماعيلي كلهم عن حماد بن زيد شيخ سليمان بن حرب فيه بهذه الزيادة , وكذا وقعت هذه الزيادة في هذا الموضع من حديث الشفاعة في رواية أبي هريرة الماضية في " كتاب الرقاق " وبالله التوفيق .

ahmedaboali
02-03-2009, 06:51 PM
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن خالد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبيد الله بن موسى ‏ ‏عن ‏ ‏إسرائيل ‏ ‏عن ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏عن ‏ ‏عبيدة ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن آخر أهل الجنة دخولا الجنة وآخر أهل النار خروجا من النار رجل يخرج حبوا فيقول له ربه ادخل الجنة فيقول رب الجنة ملأى فيقول له ذلك ثلاث مرات فكل ذلك يعيد عليه الجنة ملأى فيقول إن لك مثل الدنيا عشر مرار

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( حدثنا محمد بن خالد ) ‏
‏في رواية الكشميهني " محمد بن مخلد " والأول هو الصواب , ولم يذكر أحد ممن صنف في رجال البخاري ولا في رجال الكتب الستة أحدا اسمه محمد بن مخلد , والمعروف محمد بن خالد , وقد اختلف فيه فقيل هو " الذهلي " وهو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس نسب لجد أبيه , وبذلك جزم الحاكم والكلاباذي وأبو مسعود , وقيل محمد بن خالد بن جبلة الرافعي , وبذلك جزم أبو أحمد ابن عدي وخلف الواسطي في الأطراف , وقد روى هنا عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بالواسطة , وروى عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بلا واسطة عدة أحاديث , منها في المغازي والتفسير والفرائض , و " منصور " في السند هو ابن المعتمر , و " إبراهيم " هو النخعي , و " عبيدة " بفتح أوله هو ابن عمرو السلماني , و " عبد الله " هو ابن مسعود , ورجال سند هذا إلى عبيد الله بن موسى كوفيون . ‏

‏قوله ( إن آخر أهل الجنة دخولا الجنة ) ‏
‏الحديث ذكره مختصرا جدا وقد مضى بتمامه مشروحا في الرقاق , وقوله " كل ذلك يعيد عليه الجنة " في رواية الكشميهني " فكل ذلك " وقوله " في آخره عشر مرار " في رواية الكشميهني " عشر مرات "

ahmedaboali
02-03-2009, 06:53 PM
‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو عوانة ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏صفوان بن محرز ‏ ‏أن ‏
‏رجلا ‏ ‏سأل ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏كيف سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول في النجوى قال يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول أعملت كذا وكذا فيقول نعم ويقول عملت كذا وكذا فيقول نعم فيقرره ثم يقول ‏ ‏إني سترت عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ‏
‏وقال ‏ ‏آدم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شيبان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتادة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏صفوان ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏سمعت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( يدنو أحدكم من ربه ) ‏
‏قال ابن التين : يعني يقرب من رحمته , وهو سائغ في اللغة يقال : فلان قريب من فلان ويراد الرتبة , ومثله ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) وقوله " فيضع كنفه " بفتح الكاف والنون بعدها فاء المراد بالكنف الستر , وقد جاء مفسرا بذلك في رواية عبد الله بن المبارك عن محمد بن سواء عن قتادة فقال في آخر الحديث : قال عبد الله بن المبارك : كنفه ستره أخرجه المصنف في كتاب خلق أفعال العباد , والمعنى أنه تحيط به عنايته التامة , ومن رواه بالمثناة المكسورة فقد صحف على ما جزم به جمع من العلماء . ‏

‏قوله ( وقال آدم حدثنا شيبان ) ‏
‏هو ابن عبد الرحمن إلى آخره ذكر هذه الرواية لتصريح قتادة فيها بقوله : حدثنا صفوان وهكذا ذكره عن آدم في كتاب خلق أفعال العباد . ‏
‏( تنبيهان ) : ‏
‏أحدهما ليس في أحاديث الباب كلام الرب مع الأنبياء إلا في حديث أنس وسائر أحاديث الباب في كلام الرب مع غير الأنبياء , وإذا ثبت كلامه مع غير الأنبياء فوقوعه للأنبياء بطريق الأولى . الثاني : تقدم في الحديث الأول ما يتعلق بالترجمة , وأما الثاني فيختص بالركن الثاني من الترجمة وهو قوله وغيرهم , وأما سائرها فهو شامل للأنبياء ولغير الأنبياء على وفق الترجمة .

ahmedaboali
02-03-2009, 06:53 PM
‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن سليمان ‏ ‏حدثني ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن أسلم ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله يقول لأهل الجنة ‏ ‏يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي سعيد " أن الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة " الحديث , وفيه فيقول : أحل عليكم رضواني , وقد تقدم شرحه في أواخر " كتاب الرقاق " في باب صفة الجنة والنار , قال ابن بطال : استشكل بعضهم هذا ; لأنه يوهم أن له أن يسخط على أهل الجنة وهو خلاف ظواهر القرآن , كقوله ( خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) وأجاب بأن إخراج العباد من العدم إلى الوجود من تفضله وإحسانه , وكذلك تنجيز ما وعدهم به من الجنة والنعيم من تفضله وإحسانه , وأما دوام ذلك فزيادة من فضله على المجازاة لو كانت لازمة , ومعاذ الله أن يجب عليه شيء فلما كانت المجازاة لا تزيد في العادة على المدة ومدة الدنيا متناهية جاز أن تتناهى مدة المجازاة فتفضل عليهم بالدوام فارتفع الإشكال جملة انتهى ملخصا , وقال غيره : ظاهر الحديث أن الرضا أفضل من اللقاء وهو مشكل وأجيب بأنه ليس في الخبر أن الرضا أفضل من كل شيء وإنما فيه أن الرضا أفضل من العطاء , وعلى تقدير التسليم فاللقاء مستلزم للرضا فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم , كذا نقل الكرماني , ويحتمل أن يقال : المراد حصول أنواع الرضوان ومن جملتها اللقاء فلا إشكال , قال الشيخ أبو محمد بن أبي حمزة : في هذا الحديث جواز إضافة المنزل لساكنه , وإن لم يكن في الأصل له فإن الجنة ملك الله عز وجل , وقد أضافها لساكنها بقوله يا أهل الجنة , قال : والحكمة في ذكر دوام رضاه بعد الاستقرار أنه لو أخبر به قبل الاستقرار لكان خبرا من باب علم اليقين , فأخبر به بعد الاستقرار ليكون من باب عين اليقين , وإليه الإشارة بقوله تعالى ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) قال : ويستفاد من هذا أنه لا ينبغي أن يخاطب أحد بشيء حتى يكون عنده ما يستدل به عليه ولو على بعضه , وكذا ينبغي للمرء أن لا يأخذ من الأمور إلا قدر ما يحمله , وفيه الأدب في السؤال لقولهم : وأي شيء أفضل من ذلك ; لأنهم لم يعلموا شيئا أفضل مما هم فيه فاستفهموا عما لا علم لهم به , وفيه أن الخير كله والفضل والاغتباط إنما هو في رضا الله سبحانه وتعالى , وكل شيء ما عداه وإن اختلفت أنواعه فهو من أثره , وفيه دليل على رضا كل من أهل الجنة بحاله مع اختلاف منازلهم وتنويع درجاتهم ; لأن الكل أجابوا بلفظ واحد وهو " أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك " وبالله التوفيق . ‏

ahmedaboali
02-03-2009, 06:55 PM
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن سنان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏فليح ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هلال ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كان يوما يحدث وعنده رجل من أهل البادية ‏ ‏أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال له أولست فيما شئت قال بلى ولكني أحب أن أزرع فأسرع وبذر فتبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال فيقول الله تعالى دونك يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏فإنه لا يشبعك شيء فقال الأعرابي يا رسول الله لا تجد هذا إلا قرشيا أو أنصاريا فإنهم أصحاب زرع فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع فضحك رسول الله

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي هريرة " أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه " في رواية السرخسي " يستأذن ربه في الزرع " . ‏

‏قوله ( فأحب أن أزرع فأسرع ) ‏
‏فيه حذف تقديره فأذن له فزرع فأسرع . ‏

‏قوله ( فإنه لا يشبعك شيء ) ‏
‏كذا للأكثر بالمعجمة والموحدة من الشبع , وللمستملي " لا يسعك شيء " بالمهملة بغير موحدة من الوسع . ‏

‏قوله ( فقال الأعرابي يا رسول الله لا تجد هذا إلا قرشيا أو أنصاريا فإنهم أصحاب زرع ) ‏
‏قال الداودي قوله " قرشيا " وهم ; لأنه لم يكن لأكثرهم زرع . قلت : وتعليله يرد على نفيه المطلق فإذا ثبت أن لبعضهم زرعا صدق قوله أن الزارع المذكور منهم , واستشكل قوله لا يشبعك شيء بقوله تعالى في صفة الجنة ( إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى ) وأجيب بأن نفي الشبع لا يوجب الجوع ; لأن بينهما واسطة وهي الكفاية , وأكل أهل الجنة للتنعم والاستلذاذ لا عن الجوع , واختلف في الشبع فيها والصواب أن لا شبع فيها إذ لو كان لمنع دوام أكل المستلذ , والمراد بقوله " لا يشبعك شيء " جنس الآدمي , وما طبع عليه فهو في طلب الازدياد إلا من شاء الله تعالى , وقد تقدم شرح الحديث في أواخر " كتاب المزارعة " بعون الله تعالى . ‏

ahmedaboali
02-03-2009, 06:56 PM
اخوة الاسلام


اكتفي بهذا القدر و اكمل غدا
ان قدر لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
و صلي الله و سلم علي سيدنا محمد

ahmedaboali
02-04-2009, 02:37 PM
‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن سليمان ‏ ‏حدثني ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن أسلم ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله يقول لأهل الجنة ‏ ‏يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي سعيد " أن الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة " الحديث , وفيه فيقول : أحل عليكم رضواني , وقد تقدم شرحه في أواخر " كتاب الرقاق " في باب صفة الجنة والنار , قال ابن بطال : استشكل بعضهم هذا ; لأنه يوهم أن له أن يسخط على أهل الجنة وهو خلاف ظواهر القرآن , كقوله ( خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) وأجاب بأن إخراج العباد من العدم إلى الوجود من تفضله وإحسانه , وكذلك تنجيز ما وعدهم به من الجنة والنعيم من تفضله وإحسانه , وأما دوام ذلك فزيادة من فضله على المجازاة لو كانت لازمة , ومعاذ الله أن يجب عليه شيء فلما كانت المجازاة لا تزيد في العادة على المدة ومدة الدنيا متناهية جاز أن تتناهى مدة المجازاة فتفضل عليهم بالدوام فارتفع الإشكال جملة انتهى ملخصا , وقال غيره : ظاهر الحديث أن الرضا أفضل من اللقاء وهو مشكل وأجيب بأنه ليس في الخبر أن الرضا أفضل من كل شيء وإنما فيه أن الرضا أفضل من العطاء , وعلى تقدير التسليم فاللقاء مستلزم للرضا فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم , كذا نقل الكرماني , ويحتمل أن يقال : المراد حصول أنواع الرضوان ومن جملتها اللقاء فلا إشكال , قال الشيخ أبو محمد بن أبي حمزة : في هذا الحديث جواز إضافة المنزل لساكنه , وإن لم يكن في الأصل له فإن الجنة ملك الله عز وجل , وقد أضافها لساكنها بقوله يا أهل الجنة , قال : والحكمة في ذكر دوام رضاه بعد الاستقرار أنه لو أخبر به قبل الاستقرار لكان خبرا من باب علم اليقين , فأخبر به بعد الاستقرار ليكون من باب عين اليقين , وإليه الإشارة بقوله تعالى ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) قال : ويستفاد من هذا أنه لا ينبغي أن يخاطب أحد بشيء حتى يكون عنده ما يستدل به عليه ولو على بعضه , وكذا ينبغي للمرء أن لا يأخذ من الأمور إلا قدر ما يحمله , وفيه الأدب في السؤال لقولهم : وأي شيء أفضل من ذلك ; لأنهم لم يعلموا شيئا أفضل مما هم فيه فاستفهموا عما لا علم لهم به , وفيه أن الخير كله والفضل والاغتباط إنما هو في رضا الله سبحانه وتعالى , وكل شيء ما عداه وإن اختلفت أنواعه فهو من أثره , وفيه دليل على رضا كل من أهل الجنة بحاله مع اختلاف منازلهم وتنويع درجاتهم ; لأن الكل أجابوا بلفظ واحد وهو " أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك " وبالله التوفيق . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 02:38 PM
‏باب ‏ ‏قول الله تعالى ‏
‏لا تحرك به لسانك ‏
‏وفعل النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏حين ينزل عليه الوحي ‏ ‏وقال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال الله تعالى أنا مع عبدي حيثما ذكرني وتحركت بي شفتاه

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( باب قوله تعالى : لا تحرك به لسانك ) ‏
‏يعني إلى آخر الآية . ‏

‏قوله ( وفعل النبي صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي ) ‏
‏قد بينه في حديث الباب بأنه كان يعالج شدة من أجل تحفظه فلما نزلت صار يستمع فإذا ذهب الملك قرأه كما سمعه . ‏

‏قوله ( وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل : أنا مع عبدي إذا ذكرني ) ‏
‏في رواية الكشميهني " ما ذكرني " ‏
‏( وتحركت بي شفتاه ) ‏
‏هذا طرف من حديث أخرجه أحمد والبخاري في خلق أفعال العباد والطبراني من رواية عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر عن كريمة بنت الحسحاس بمهملات عن أبي هريرة فذكره بلفظ " إذا ذكرني " وفي رواية لأحمد " حدثنا أبو هريرة ونحن في بيت هذه - يعني أم الدرداء - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأخرجه البيهقي في الدلائل من طريق ربيعة بن يزيد الدمشقي عن إسماعيل بن عبيد الله قال دخلت على أم الدرداء فلما سلمت جلست فسمعت كريمة بنت الحسحاس وكانت من صواحب أبي الدرداء قالت سمعت أبا هريرة رضي الله عنه وهو في بيت هذه تشير إلى أم الدرداء سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول , فذكره بلفظ " ما ذكرني " وأخرجه أحمد أيضا وابن ماجه والحاكم من رواية الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي هريرة , ورواه ابن حبان في صحيحه من رواية الأوزاعي عن إسماعيل عن كريمة عن أبي هريرة , ورجح الحفاظ طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وربيعة بن يزيد , ويحتمل أن يكون عند إسماعيل عن كريمة وعن أم الدرداء معا وهذا من الأحاديث التي علقها البخاري ولم يصلها في موضع آخر من كتابه وبالله التوفيق , قال ابن بطال : معنى الحديث أنا مع عبدي زمان ذكره لي , أي أنا معه بالحفظ والكلاءة لا أنه معه بذاته حيث حل العبد , ومعنى قوله " تحركت بي شفتاه " أي تحركت باسمي لا أن شفتيه ولسانه تتحرك بذاته تعالى لاستحالة ذلك انتهى ملخصا , وقال الكرماني المعية هنا معية الرحمة , وأما في قوله تعالى ( وهو معكم أينما كنتم ) فهي معية العلم يعني فهذه أخص من المعية التي في الآية , ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 02:39 PM
‏حدثنا ‏ ‏عبدان ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عبد الله ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏أخبرني ‏ ‏سالم ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏رضي الله عنهما ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال إنما بقاؤكم فيمن ‏ ‏سلف ‏ ‏من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس أوتي ‏ ‏أهل التوراة ‏ ‏التوراة فعملوا بها حتى انتصف النهار ثم عجزوا فأعطوا ‏ ‏قيراطا ‏ ‏قيراطا ‏ ‏ثم أوتي ‏ ‏أهل الإنجيل ‏ ‏الإنجيل فعملوا به حتى صليت العصر ثم عجزوا فأعطوا ‏ ‏قيراطا ‏ ‏قيراطا ‏ ‏ثم أوتيتم القرآن فعملتم به حتى غربت الشمس فأعطيتم ‏ ‏قيراطين ‏ ‏قيراطين ‏ ‏فقال ‏ ‏أهل الكتاب ‏ ‏هؤلاء أقل منا عملا وأكثر أجرا قال الله ‏ ‏هل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا قال فهو فضلي أوتيه من أشاء

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏و " عبدان " ‏
‏شيخه هو عبد الله بن عثمان ‏
‏" وعبد الله " ‏
‏هو ابن المبارك ‏
‏و " يونس " ‏
‏هو ابن يزيد ‏
‏و " سالم " ‏
‏هو ابن عبد الله بن عمر , وقوله فيه " حتى غربت الشمس " في رواية الكشميهني " حتى غروب الشمس " وقوله " هل ظلمتكم من حقكم من شيء " في رواية الكشميهني " شيئا " قال ابن بطال : معنى هذا الباب كالذي قبله أن كل ما ينشئه الإنسان مما يؤمر به من صلاة أو حج أو جهاد وسائر الشرائع عمل يجازى على فعله ويعاقب على تركه إن أنفذ الوعيد انتهى , وليس غرض البخاري هنا بيان ما يتعلق بالوعيد بل ما أشرت إليه قبل , وتشاغل ابن التين ببعض ما يتعلق بلفظ حديث ابن عمر فنقل عن الداودي أنه أنكر قوله في الحديث أنهم أعطوا قيراطا وتمسك بما في حديث أبي موسى أنهم قالوا لا حاجة لنا في أجرك , ثم قال : لعل هذا في طائفة أخرى وهم من آمن بنبيه قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا الأخير هو المعتمد وقد أوضحته بشواهده في كتاب المواقيت وفي تشاغل من شرح هذا الكتاب بمثل هذا هنا إعراض عن مقصود المصنف هنا , وحق الشارح بيان مقاصد المصنف تقريرا وإنكارا وبالله المستعان

ahmedaboali
02-04-2009, 02:39 PM
‏حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى ‏ ‏عن ‏ ‏التيمي ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏ربما ذكر النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا تقرب العبد مني شبرا تقربت منه ذراعا وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه ‏ ‏باعا ‏ ‏أو بوعا ‏
‏وقال ‏ ‏معتمر ‏ ‏سمعت ‏ ‏أبي ‏ ‏سمعت ‏ ‏أنسا ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يرويه عن ربه عز وجل

فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( يحيى ) ‏
‏هو ابن سعيد القطان و " التيمي " هو سليمان بن طرخان . ‏

‏قوله ( ربما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا تقرب العبد مني ) ‏
‏كذا للجميع ليس فيه الرواية عن الله تعالى , وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن خلاد عن يحيى القطان , وأخرجه من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن يحيى فقال فيه " عن أبي هريرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل وقال مسلم حدثنا محمد بن بشار حدثنا " يحيى " هو ابن سعيد وابن أبي عدي كلاهما عن سليمان فذكره بلفظ " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل " . ‏

‏قول ( وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا أو بوعا ) ‏
‏كذا فيه بالشك وكذا في رواية مسلم والإسماعيلي , وقد تقدم في باب قول الله تعالى ( ويحذركم الله نفسه ) بغير شك من رواية أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي , فذكر الحديث وفيه : وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا , ووقع ذكر الهرولة في حديث أبي ذر الذي أوله رفعه : يقول الله تعالى من عمل حسنة فجزاؤه عشر أمثالها , وفيه " ومن تقرب إليه شبرا " الحديث , وفي آخره : ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ومن أتاني بقراب الأرض خطيئة لم يشرك بي شيئا جعلتها له مغفرة أخرجه مسلم , قال الخطابي : الباع معروف وهو قدر مد اليدين , وأما البوع بفتح الموحدة فهو مصدر باع يبوع بوعا قال ويحتمل أن يكون بضم الباء جمع باع مثل دار ودور , وأغرب النووي فقال الباع والبوع بالضم والفتح كله بمعنى , فإن أراد ما قال الخطابي وإلا لم يصرح أحد بأن البوع بالضم والباع بمعنى واحد , وقال الباجي الباع طول ذراعي الإنسان وعضديه وعرض صدره وذلك قدر أربعة أذرع وهو من الدواب قدر خطوها في المشي وهو ما بين قوائمها , وزاد مسلم في روايته المذكورة " وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة " وفي رواية ابن أبي عدي عن سليمان التيمي عند الإسماعيلي : وإذا تقرب مني بوعا أتيته هرولة . ‏

‏قوله ( وقال معتمر ) ‏
‏هو ابن سليمان التيمي المذكور وأراد بهذا التعليق بيان التصريح بالرواية فيه عن الله عز وجل وقد وصله مسلم وغيره من رواية المعتمر كما سأنبه عليه . ‏
‏قوله ( عن أبي هريرة عن ربه عز وجل ) كذا سقط من رواية أبي ذر عن السرخسي والكشميهني لفظة " عن النبي صلى الله عليه وسلم " وثبتت للمستملي والباقين وقال عياض عن الأصيلي لم يكن عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الفربري , وقد ألحقها عبدوس . قلت : وثبتت عند مسلم عن محمد بن عبد الأعلى عن المعتمر ولم يسق لفظه لكنه أحال به على رواية محمد بن بشار وأخرجه الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن محمد بن عبد الأعلى فقال في سياقه " عن أبيه حدثني أنس أن أبا هريرة حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حدثه عن ربه تعالى , ووصلها الإسماعيلي أيضا من رواية عبيد الله بن معاذ حدثنا المعتمر قال حدث أبي عن أنس أن أبا هريرة حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حدثه عن ربه تبارك وتعالى , ووصله أبو نعيم من طريق إسحاق بن إبراهيم الشهيد حدثنا المعتمر عن أبيه عن أنس عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل , ووقع عند ابن حبان في صحيحه من طريق الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا معتمر بن سليمان حدثني أبي أخبرني أنس بن مالك عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل إذا تقرب العبد مني شبرا , فذكره وقال فيه " باعا " ولم يشك , وفي آخره " أتيته هرولة " وزاد " وإن هرول سعيت إليه والله أسرع بالمغفرة " قال البرقاني بعد أن أخرجه في مستخرجه من طريق الحسن بن سفيان : لم أجد هذه الزيادة في حديث غيره يعني محمد بن المتوكل انتهى , وهو صدوق عارف بالحديث عنده غرائب وأفراد وهو من شيوخ أبي داود في السنن والقول في معناه كما تقدم قال الخطابي في مثل مضاعفة الثواب يقبل من أقبل نحو آخر قدر شبر فاستقبله بقدر ذراع , قال : ويحتمل أن يكون معناه التوفيق له بالعمل الذي يقربه منه وقال الكرماني : لما قامت البراهين على استحالة هذه الأشياء في حق الله تعالى وجب أن يكون المعنى : من تقرب إلي بطاعة قليلة جازيته بثواب كثير وكلما زاد في الطاعة أزيد في الثواب وإن كانت كيفية إتيانه بالطاعة بطريق التأني يكون كيفية إتياني بالثواب بطريق الإسراع , والحاصل أن الثواب راجح على العمل بطريق الكيف والكم ولفظ القرب والهرولة مجاز على سبيل المشاكلة أو الاستعارة أو إرادة لوازمها .

ahmedaboali
02-04-2009, 02:40 PM
‏حدثني ‏ ‏محمد بن عبد الرحيم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو زيد سعيد بن الربيع الهروي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يرويه عن ربه قال ‏ ‏إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه ‏ ‏باعا ‏ ‏وإذا أتاني مشيا أتيته هرولة ‏



فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( حدثني محمد بن عبد الرحيم ) ‏
‏هو أبو يحيى البغدادي الملقب صاعقة , وأبو زيد من شيوخ البخاري قد حدث عنه بلا واسطة في باب إذا رأى المحرمون صيدا في أواخر " كتاب الحج " وكذا في غزوة الحديبية . ‏

‏قوله ( عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ) ‏
‏هذه رواية قتادة وخالفه سليمان التيمي كما في الحديث الثاني , فقال " عن أنس عن أبي هريرة " فالأول مرسل صحابي . ‏

‏قوله ( يرويه عن ربه عز وجل ) ‏
‏في رواية الإسماعيلي " من طريق محمد بن جعفر ومن طريق حجاج بن محمد كلاهما عن شعبة سمعت قتادة يحدث عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال ربكم , وفي رواية أبي داود الطيالسي " عن شعبة " ومن طريقه أخرجه أبو نعيم " يقول الله " قال الإسماعيلي قوله " قال ربكم " وقوله " يرويه عن ربكم " سواء أي في المعنى . ‏

‏قوله ( إذا تقرب العبد إلي شبرا ) ‏
‏في رواية الإسماعيلي " مني " وفي رواية الطيالسي " إن تقرب مني عبدي " والأصل هنا الإتيان بمن , لكن يفيد استعمال " إلى " بمعنى الانتهاء فهو أبلغ . ‏

‏قوله ( تقربت إليه ذراعا , وإذا تقرب إلي ) ‏
‏في رواية الكشميهني " مني " وكذا للإسماعيلي والطيالسي . ‏

‏قوله ( ذراعا تقربت منه باعا , وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة ) ‏
‏لم يقع " وإذا أتاني " إلخ في رواية الطيالسي ‏
‏قال ابن بطال : وصف سبحانه نفسه بأنه يتقرب إلى عبده ووصف العبد بالتقرب إليه ووصفه بالإتيان والهرولة كل ذلك يحتمل الحقيقة والمجاز فحملها على الحقيقة يقتضي قطع المسافات وتداني الأجسام وذلك في حقه تعالى محال فلما استحالت الحقيقة تعين المجاز لشهرته في كلام العرب فيكون وصف العبد بالتقرب إليه شبرا وذراعا وإتيانه ومشيه معناه التقرب إليه بطاعته وأداء مفترضاته ونوافله ويكون تقربه سبحانه من عبده وإتيانه والمشي عبارة عن إثباته على طاعته وتقربه من رحمته , ويكون قوله أتيته هرولة أي أتاه ثوابي مسرعا , ونقل عن الطبري أنه إنما مثل القليل من الطاعة بالشبر منه والضعف من الكرامة والثواب بالذراع فجعل ذلك دليلا على مبلغ كرامته لمن أدمن على طاعته أن ثواب عمله له على عمله الضعف وأن الكرامة مجاوزة حده إلى ما يثيبه الله تعالى , وقال ابن التين القرب هنا نظير ما تقدم في قوله تعالى ( فكان قاب قوسين أو أدنى ) فإن المراد به قرب الرتبة وتوفير الكرامة والهرولة كناية عن سرعة الرحمة إليه ورضا الله عن العبد وتضعيف الأجر , قال : والهرولة ضرب من المشي السريع وهي دون العدو وقال صاحب المشارق المراد بما جاء في هذا الحديث سرعة قبول توبة الله للعبد أو تيسير طاعته وتقويته عليها وتمام هدايته وتوفيقه والله أعلم بمراده . وقال الراغب قرب العبد من الله التخصيص بكثير من الصفات التي يصح أن يوصف الله بها وإن لم تكن على الحد الذي يوصف به الله تعالى نحو الحكمة والعلم والحلم والرحمة وغيرها , وذلك يحصل بإزالة القاذورات المعنوية من الجهل والطيش والغضب وغيرها بقدر طاقة البشر وهو قرب روحاني لا بدني , وهو المراد بقوله إذا تقرب العبد مني شبرا تقربت منه ذراعا .

ahmedaboali
02-04-2009, 02:41 PM
‏حدثنا ‏ ‏آدم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن زياد ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏أبا هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يرويه عن ربكم قال ‏ ‏لكل عمل ‏ ‏كفارة ‏ ‏والصوم لي وأنا ‏ ‏أجزي ‏ ‏به ‏ ‏ولخلوف ‏ ‏فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث محمد بن زياد وهو الجمحي سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربكم قال : لكل عمل كفارة والصوم لي وأنا أجزي به , في رواية " محمد بن جعفر " وهو غندر عن شعبة يرويه عن ربه عز وجل : لكل عمل كفارة إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به , أخرجه أحمد عنه وأورده الإسماعيلي من طريق غندر وأورده من طريق علي بن أبي الجعد ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة بلفظ " لكل عمل كفارة " وقد تقدم شرحه في " كتاب الصيام " .

ahmedaboali
02-04-2009, 02:43 PM
‏حدثنا ‏ ‏حفص بن عمر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏ح ‏ ‏و قال لي ‏ ‏خليفة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن زريع ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي العالية ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏رضي الله عنهما ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فيما يرويه عن ربه قال ‏ ‏لا ينبغي لعبد أن يقول إنه خير من ‏ ‏يونس بن متى ‏ ‏ونسبه إلى أبيه ‏





فتح الباري بشرح صحيح البخاري


حديث أبي العالية وهو رفيع بفاء مصغر الرياحي بكسر الراء بعدها تحتانية ثم حاء مهملة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه , أورده من طريق شعبة ومن طريق " سعد " وهو ابن أبي عروبة كلاهما عن قتادة عنه وساقه على لفظ سعيد , وقد تقدم في ترجمة يونس عليه السلام من أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن حفص بن عمر بالسند المذكور هنا , ولفظه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما ينبغي لعبد , فذكره وأخرجه في تفسير سورة الأنعام من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة كذلك وصرح فيه بالتحديث عن ابن عباس ولفظه " عن أبي العالية حدثني ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم " يعني ابن عباس قال أبو داود بعد أن أخرجه عن حفص بن عمر عن شعبة لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث , وفي موضع آخر أربعة أحاديث هذا أحدها . قلت : قد أخرجه مسلم من طريق محمد بن جعفر غندر عن شعبة عن قتادة " سمعت أبا العالية وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة ولم أر في شيء من الطرق عن شعبة فيه عن ربه ولا عن الله عز وجل , وكذا تقدم في آخر تفسير النساء من حديث ابن مسعود ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما " ليس فيه عن ربه " وحكى ابن التين عن الداودي قال أكثر الروايات ليس فيها " فيما يروي عن ربه " فإن كان هذا محفوظا فهو ممن سوى النبي صلى الله عليه وسلم وساق الكلام على ذلك كما مضى في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو وارد سواء كان في الرواية عن ربه أو لم يكن بخلاف ما يوهمه كلامه . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 02:44 PM
‏و قال لي ‏ ‏خليفة بن خياط ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معتمر ‏ ‏سمعت ‏ ‏أبي ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي رافع ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال لما ‏ ‏قضى ‏ ‏الله الخلق كتب كتابا عنده غلبت ‏ ‏أو قال ‏ ‏سبقت رحمتي غضبي فهو عنده فوق العرش ‏

فتح الباري بشرح صحيح البخاري[



‏قوله ( سمعت أبي ) ‏
‏هو سليمان بن طرخان التيمي . ‏

‏قوله ( عن قتادة عن أبي رافع ) ‏
‏كذا وقع بالعنعنة وفي السند الذي بعده التصريح بالتحديث من قتادة وأبي رافع عند مسلم وكذا بالسماع لأبي رافع وأبي هريرة . ‏

‏قوله ( لما قضى الله الخلق ) ‏
‏في رواية الكشميهني " لما خلق " . ‏

‏قوله ( غلبت أو قال سبقت ) ‏
‏كذا بالشك وفي التي بعدها بالجزم سبقت . ‏

‏قوله ( فهو عنده فوق العرش ) ‏
‏تقدم الكلام على قوله " عنده " في باب ويحذركم الله نفسه , وعلى قوله " فوق العرش " في باب وكان عرشه على الماء , وتقدم شرح الحديث أيضا والغرض منه الإشارة إلى أن اللوح المحفوظ فوق العرش .

ahmedaboali
02-04-2009, 02:45 PM
‏حدثني ‏ ‏محمد بن أبي غالب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن إسماعيل ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معتمر ‏ ‏سمعت ‏ ‏أبي ‏ ‏يقول حدثنا ‏ ‏قتادة ‏ ‏أن ‏ ‏أبا رافع ‏ ‏حدثه أنه سمع ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏يقول ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق ‏ ‏إن رحمتي سبقت غضبي فهو مكتوب عنده فوق العرش ‏





فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏قوله ( حدثني محمد بن أبي غالب ) ‏
‏في رواية أبي ذر " حدثنا " وهو قومسي نزل بغداد , ويقال له الطيالسي وكان حافظا من أقران البخاري كما تقدم ذكره في باب الأخذ باليد من " كتاب الاستئذان " وقد نزل البخاري في هذا الإسناد درجة بالنسبة لحديث معتمر فإنه أخرج عنه الكثير بواسطة واحد فعنده في العلم والجهاد والدعوات والأشربة والصلح واللباس عدة أحاديث أخرجها مسدد عن معتمر , ودرجتين بالنسبة لحديث قتادة فإنه عنده الكثير من رواية شعبة عنه بواسطة واحد عن شعبة وقد سمع من محمد بن عبد الله الأنصاري والأنصاري سمع من سليمان التيمي ولكن لم يخرج البخاري هذه الترجمة في الجامع , و " محمد بن إسماعيل " شيخ محمد بن أبي غالب بصري يقال له ابن أبي سمينة بمهملة ونون وزن عظيمة من الطبقة الثالثة من شيوخ البخاري , وقد أخرج عنه في التاريخ بلا واسطة ولم أر عنه في الجامع شيئا إلا هذا الموضع , وقد سمع منه من حدث عن البخاري مثل صالح بن محمد الحافظ الملقب جزرة بفتح الجيم والزاي وموسى بن هارون وغيرهما .

ahmedaboali
02-04-2009, 02:46 PM
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن العلاء ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن فضيل ‏ ‏عن ‏ ‏عمارة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي زرعة ‏ ‏سمع ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏قال سمعت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول قال الله عز وجل ‏ ‏ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة ‏


فتح الباري بشرح صحيح البخاري


‏و " محمد بن العلاء " ‏
‏في أول سند حديث أبي هريرة هو أبو كريب وهو بكنيته أشهر , وابن فضيل : هومحمد و " عمارة " هو ابن القعقاع بن شبرمة , وقد مضى في " كتاب اللباس " من وجه آخر عن عمارة وفيه قصة لأبي هريرة ومضى شرحه هناك , وقوله " ومن ذهب " أي قصد , وقوله " يخلق كخلقي " نسب الخلق إليهم على سبيل الاستهزاء أو التشبيه فيالصورة فقط , وقوله " فليخلقوا ذرة أو شعيرة " أمر بمعنى التعجيز وهو على سبيل الترقي فيالحقارة أو التنزل في الإلزام , والمراد بالذرة إن كان النملة فهو من تعذيبهم وتعجيزهم بخلق الحيوان تارة وبخلق الجماد أخرى , وإن كان بمعنى الهباء فهو بخلق ما ليس له جرم محسوس تارة وبما له جرم أخرى , ويحتمل أن يكون " أو " شكا من الراوي

ahmedaboali
02-04-2009, 02:46 PM
الأحاديث القدسية في صحيح مسلم

‏و حدثناه ‏ ‏إسحق بن إبراهيم الحنظلي ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏سفيان بن عيينة ‏ ‏عن ‏ ‏العلاء ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال من صلى صلاة لم يقرأ فيها ‏ ‏بأم القرآن ‏ ‏فهي ‏ ‏خداج ‏ ‏ثلاثا غير تمام فقيل ‏ ‏لأبي هريرة ‏ ‏إنا نكون وراء الإمام فقال اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول قال الله تعالى ‏ ‏قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد ‏
‏الحمد لله رب العالمين ‏
‏قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال ‏
‏الرحمن الرحيم ‏
‏قال الله تعالى أثنى علي عبدي وإذا قال ‏
‏مالك يوم الدين ‏
‏قال مجدني عبدي وقال مرة فوض إلي عبدي فإذا قال ‏
‏إياك نعبد وإياك نستعين ‏
‏قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال ‏
‏اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ‏
‏قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ‏
‏قال ‏ ‏سفيان ‏ ‏حدثني ‏ ‏به ‏ ‏العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ‏ ‏دخلت عليه وهو مريض في بيته فسألته أنا عنه ‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏مالك بن أنس ‏ ‏عن ‏ ‏العلاء بن عبد الرحمن ‏ ‏أنه سمع ‏ ‏أبا السائب ‏ ‏مولى ‏ ‏هشام بن زهرة ‏ ‏يقول سمعت ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏يقولا ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثني ‏ ‏محمد بن رافع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏أخبرني ‏ ‏العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ‏ ‏أن ‏ ‏أبا السائب ‏ ‏مولى بني ‏ ‏عبد الله بن هشام بن زهرة ‏ ‏أخبره أنه سمع ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏يقولا ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من صلى صلاة فلم يقرأ فيها ‏ ‏بأم القرآن ‏ ‏بمثل حديث ‏ ‏سفيان ‏ ‏وفي حديثهما قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ‏ ‏حدثني ‏ ‏أحمد بن جعفر المعقري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏النضر بن محمد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو أويس ‏ ‏أخبرني ‏ ‏العلاء ‏ ‏قال سمعت من ‏ ‏أبي ‏ ‏ومن ‏ ‏أبي السائب ‏ ‏وكانا جليسي ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قالا قال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من صلى صلاة لم يقرأ فيها ‏ ‏بفاتحة الكتاب ‏ ‏فهي ‏ ‏خداج ‏ ‏يقولها ثلاثا بمثل حديثهم ‏

صحيح مسلم بشرح النووي


قوله ‏
‏( فالخداج ) ‏
‏بكسر الخاء المعجمة قال الخليل بن أحمد والأصمعي وأبو حاتم السجستاني والهروي وآخرون : الخداج النقصان , يقال : خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج , وإن كان تام الخلق , وأخدجته إذا ولدته ناقصا وإن كان لتمام الولادة , ومنه قيل لذي اليدين : مخدج اليد أي ناقصها . قالوا فقوله صلى الله عليه وسلم : " خداج " أي ذات خداج . وقال جماعة من أهل اللغة : خدجت وأخدجت إذا ولدت لغير تمام . وأم القرآن اسم الفاتحة وسميت أم القرآن لأنها فاتحته كما سميت مكة أم القرى لأنها أصلها . ‏
‏قوله عز وجل : ( مجدني عبدي ) ‏
‏أي عظمني . ‏

‏قوله : ( أن أبا السائب أخبره ) ‏
‏أبو السائب هذا لا يعرفون له اسما وهو ثقة . ‏
‏قوله : ( حدثني أحمد بن جعفر المعقري ) ‏
‏هو بفتح الميم وإسكان العين وكسر القاف منسوب إلى معقر وهي ناحية من اليمن . ‏

‏قوله سبحانه وتعالى : ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) ‏
‏الحديث قال العلماء : المراد بالصلاة هنا الفاتحة سميت بذلك لأنها لا تصح إلا بها كقوله صلى الله عليه وسلم : " الحج عرفة " ففيه دليل على وجوبها بعينها في الصلاة قال العلماء : والمراد قسمتها من جهة المعنى لأن نصفها الأول تحميد لله تعالى . وتمجيد وثناء عليه , وتفويض إليه , والنصف الثاني سؤال وطلب وتضرع وافتقار , واحتج القائلون بأن البسملة ليست من الفاتحة بهذا الحديث , وهو من أوضح ما احتجوا به قالوا : لأنها سبع آيات بالإجماع , فثلاث في أولها ثناء أولها الحمد لله , وثلاث دعاء أولها اهدنا الصراط المستقيم , والسابعة متوسطة وهي إياك نعبد وإياك نستعين . قالوا : ولأنه سبحانه وتعالى قال قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) فلم يذكر البسملة , ولو كانت منها لذكرها , وأجاب أصحابنا وغيرهم ممن يقول إن البسملة آية من الفاتحة بأجوبة أحدها أن التنصيف عائد إلى جملة الصلاة لا إلى الفاتحة , هذا حقيقة اللفظ , والثاني أن التنصيف عائد إلى ما يختص بالفاتحة من الآيات الكاملة , والثالث معناه فإذا انتهى العبد في قراءته إلى الحمد لله رب العالمين . قال العلماء : وقوله تعالى : حمدني عبدي وأثنى علي ومجدني إنما قاله لأن التحميد الثناء بجميل الفعال , والتمجيد الثناء بصفات الجلال , ويقال : أثنى عليه في ذلك كله , ولهذا جاء جوابا للرحمن الرحيم , لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية . وقوله : وربما قال : ( فوض إلي عبدي ) وجه مطابقة هذا لقوله ( مالك يوم الدين ) أن الله تعالى هو المنفرد بالملك ذلك اليوم وبجزاء العباد وحسابهم . والدين الحساب , وقيل : الجزاء , ولا دعوى لأحد ذلك اليوم , ولا مجاز , وأما في الدنيا فلبعض العباد ملك مجازي , ويدعي بعضهم دعوى باطلة , وهذا كله ينقطع في ذلك اليوم , هذا معناه , وإلا فالله سبحانه وتعالى هو المالك والملك على الحقيقة للدارين وما فيهما ومن فيهما , وكل من سواه مربوب له عبد مسخر , ثم في هذا الاعتراف من التعظيم والتمجيد وتفويض الأمر ما لا يخفى . ‏
‏وقوله تعالى : ( فإذا قال العبد اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة فهذا لعبدي ) ‏
‏هكذا هو في صحيح مسلم , وفي غيره فهؤلاء لعبدي , وفي هذه الرواية دليل على أن اهدنا وما بعده إلى آخر السورة ثلاث آيات لا آيتان , وفي المسألة خلاف مبني على أن البسملة من الفاتحة أم لا ; فمذهبنا ومذهب الأكثرين أنها من الفاتحة , وأنها آية , واهدنا وما بعده آيتان , ومذهب مالك وغيره ممن يقول إنها ليست من الفاتحة يقول : اهدنا وما بعده ثلاث آيات , وللأكثرين أن يقولوا قوله هؤلاء المراد به الكلمات لا الآيات . بدليل رواية مسلم : فهذا لعبدي وهذا أحسن من الجواب بأن الجمع محمول على الاثنين لأن هذا مجاز عند الأكثرين فيحتاج إلى دليل على صرفه عن الحقيقة إلى المجاز والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 02:48 PM
‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن يحيى ‏ ‏قال قرأت على ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏يتعاقبون ‏ ‏فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم ‏ ‏يعرج ‏ ‏الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم ‏ ‏كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ‏
‏و حدثنا ‏ ‏محمد بن رافع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏همام بن منبه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال والملائكة ‏ ‏يتعاقبون ‏ ‏فيكم ‏ ‏بمثل حديث ‏ ‏أبي الزناد ‏




صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ) ‏
‏فيه : دليل لمن قال من النحويين : يجوز إظهار ضمير الجمع والتثنية في الفعل إذا تقدم , وهو لغة بني الحارث , وحكوا فيه قولهم : أكلوني البراغيث , وعليه حمل الأخفش ومن وافقه قول الله تعالى : { وأسروا النجوى الذين ظلموا } وقال سيبويه وأكثر النحويين : لا يجوز إظهار الضمير مع تقدم الفعل , ويتأولون كل هذا ويجعلون الاسم بعده بدلا من الضمير ولا يرفعونه بالفعل كأنه لما قيل : وأسروا النجوى قيل : من هم ؟ قيل : الذين ظلموا , وكذا يتعاقبون ونظائره . ومعنى ( يتعاقبون ) تأتي طائفة بعد طائفة , ومنه تعقب الجيوش ; وهو أن يذهب إلى ثغر قوم ويجيء آخرون . وأما اجتماعهم في الفجر والعصر فهو من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين وتكرمة لهم أن جعل اجتماع الملائكة عندهم ومفارقتهم لهم في أوقات عباداتهم واجتماعهم على طاعة ربهم , فيكون شهادتهم لهم بما شاهدوه من الخير . ‏

‏وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي ؟ ) ‏
‏فهذا السؤال على ظاهره , وهو تعبد منه لملائكته , كما أمرهم بكتب الأعمال , وهو أعلم بالجميع . قال القاضي عياض رحمه الله : الأظهر وقول الأكثرين : أن هؤلاء الملائكة هم الحفظة الكتاب قال : وقيل : يحتمل أن يكونوا من جملة الملائكة بجملة الناس غير الحفظة .

ahmedaboali
02-04-2009, 02:49 PM
‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن يحيى ‏ ‏قال قرأت على ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عبد الله الأغر ‏ ‏وعن ‏ ‏أبي سلمة بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول ‏ ‏من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول : من يدعوني فأستجيب له ) ‏
‏هذا الحديث من أحاديث الصفات , وفيه مذهبان مشهوران للعلماء سبق إيضاحهما في كتاب الإيمان ومختصرهما أن أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين : أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى , وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد , ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق , وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق . والثاني : مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي : أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها . فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما : تأويل مالك بن أنس وغيره معناه : تنزل رحمته وأمره وملائكته كما يقال : فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره . والثاني : أنه على الاستعارة , ومعناه : الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف . والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 02:50 PM
حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يعقوب وهو ابن عبد الرحمن القاري ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل بن أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين ‏ ‏يمضي ثلث الليل الأول فيقول أنا الملك أنا الملك ‏ ‏من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر ‏





صحيح مسلم بشرح النووي‏

‏قوله سبحانه وتعالى : ( أنا الملك أنا الملك ) ‏
‏هكذا هو في الأصول والروايات مكرر للتوكيد والتعظيم . ‏
‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر ) ‏
‏فيه : دليل على امتداد وقت الرحمة واللطف التام إلى إضاءة الفجر . وفيه : الحث على الدعاء والاستغفار في جميع الوقت المذكور إلى إضاءة الفجر . وفيه : تنبيه على أن آخر الليل للصلاة والدعاء والاستغفار وغيرها من الطاعات أفضل من أوله . والله أعلم .

ahmedaboali
02-04-2009, 02:50 PM
‏حدثنا ‏ ‏إسحق بن منصور ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏أبو المغيرة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأوزاعي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو سلمة بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا مضى ‏ ‏شطر ‏ ‏الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول ‏ ‏هل من سائل يعطى هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له حتى ‏ ‏ينفجر ‏ ‏الصبح ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ) ‏
‏وفي الرواية الثانية : ( حين يمضي ثلث الليل الأول ) وفي رواية : ( إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ) قال القاضي عياض : الصحيح رواية ( حين يبقى ثلث الليل الآخر كذا قاله شيوخ الحديث , وهو الذي تظاهرت عليه الأخبار بلفظه ) ومعناه . قال : يحتمل أن يكون النزول بالمعنى المراد بعد الثلث الأول , ‏
‏وقوله : ( من يدعوني ) بعد الثلث الأخير , هذا كلام القاضي , قلت : ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم بأحد الأمرين في وقت فأخبر به , ثم أعلم بالآخر في وقت آخر فأعلم به , وسمع أبو هريرة الخبرين فنقلهما جميعا , وسمع أبو سعيد الخدري خبر الثلث الأول فقط فأخبر به مع أبي هريرة , كما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة , وهذا ظاهر . وفيه رد لما أشار إليه القاضي من تضعيف رواية الثلث الأول , وكيف يضعفها وقد رواها مسلم في صحيحه بإسناد لا مطعن فيه عن الصحابيين أبي سعيد وأبي هريرة . والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 02:51 PM
‏حدثنا ‏ ‏إسحق بن منصور ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏أبو المغيرة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأوزاعي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يحيى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو سلمة بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إذا مضى ‏ ‏شطر ‏ ‏الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول ‏ ‏هل من سائل يعطى هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له حتى ‏ ‏ينفجر ‏ ‏الصبح ‏



صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ) ‏
‏وفي الرواية الثانية : ( حين يمضي ثلث الليل الأول ) وفي رواية : ( إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ) قال القاضي عياض : الصحيح رواية ( حين يبقى ثلث الليل الآخر كذا قاله شيوخ الحديث , وهو الذي تظاهرت عليه الأخبار بلفظه ) ومعناه . قال : يحتمل أن يكون النزول بالمعنى المراد بعد الثلث الأول , ‏
‏وقوله : ( من يدعوني ) بعد الثلث الأخير , هذا كلام القاضي , قلت : ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم بأحد الأمرين في وقت فأخبر به , ثم أعلم بالآخر في وقت آخر فأعلم به , وسمع أبو هريرة الخبرين فنقلهما جميعا , وسمع أبو سعيد الخدري خبر الثلث الأول فقط فأخبر به مع أبي هريرة , كما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة , وهذا ظاهر . وفيه رد لما أشار إليه القاضي من تضعيف رواية الثلث الأول , وكيف يضعفها وقد رواها مسلم في صحيحه بإسناد لا مطعن فيه عن الصحابيين أبي سعيد وأبي هريرة . والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 02:54 PM
‏حدثني ‏ ‏حجاج بن الشاعر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محاضر أبو المورع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعد بن سعيد ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏ابن مرجانة ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏يقولا ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ينزل الله في السماء الدنيا ‏ ‏لشطر ‏ ‏الليل أو لثلث الليل الآخر فيقول ‏ ‏من يدعوني فأستجيب له أو يسألني فأعطيه ثم يقول من يقرض غير ‏ ‏عديم ‏ ‏ولا ظلوم ‏
‏قال ‏ ‏مسلم ‏ ‏ابن مرجانة ‏ ‏هو ‏ ‏سعيد بن عبد الله ‏ ‏ومرجانة ‏ ‏أمه ‏ ‏حدثنا ‏ ‏هارون بن سعيد الأيلي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏سليمان بن بلال ‏ ‏عن ‏ ‏سعد بن سعيد ‏ ‏بهذا الإسناد ‏ ‏وزاد ثم يبسط يديه تبارك وتعالى يقول من يقرض غير ‏ ‏عدوم ‏ ‏ولا ظلوم ‏




صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله : ( حدثنا محاضر أبو المورع ) ‏
‏, هو محاضر بحاء مهملة وكسر الضاد المعجمة , والمورع بكسر الراء , هكذا وقع في جميع النسخ أبو المورع , وأكثر ما يستعمل في كتب الحديث ابن المورع وكلاهما صحيح وهو ابن المورع وكنيته أبو المورع . قوله في حديث حجاج بن الشاعر عن محاضر : ( ينزل الله في السماء ) هكذا هو في جميع الأصول في السماء وهو صحيح . ‏

‏قوله سبحانه وتعالى : ( من يقرض غير عديم ولا ظلوم ) ‏
‏وفي الرواية الأخرى : ( غير عدوم ) هكذا هو في الأصول . في الرواية الأولى : ( عديم ) , والثانية : ( عدوم ) . وقال أهل اللغة : يقال أعدم الرجل إذا افتقر فهو معدم وعديم وعدوم , والمراد بالقرض - والله أعلم - عمل الطاعة سواء فيه الصدقة والصلاة والصوم والذكر وغيرها من الطاعات , وسماه سبحانه وتعالى قرضا ملاطفة للعباد وتحريضا لهم على المبادرة إلى الطاعة , فإن القرض إنما يكون ممن يعرفه المقترض وبينه وبينه مؤانسة ومحبة , فحين يتعرض للقرض يبادر المطلوب منه بإجابته لفرحه بتأهيله للاقتراض منه وإدلاله عليه وذكره له وبالله التوفيق . ‏
‏قوله : ( ثم يبسط يديه سبحانه وتعالى ) ‏
‏هو إشارة إلى نشر رحمته وكثرة عطائه وإجابته وإسباغ نعمته . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 02:55 PM
‏حدثني ‏ ‏زهير بن حرب ‏ ‏ومحمد بن عبد الله بن نمير ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏سفيان بن عيينة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏يبلغ به النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال قال الله تبارك وتعالى يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏أنفق أنفق عليك وقال يمين الله ملأى وقال ‏ ‏ابن نمير ‏ ‏ملآن ‏ ‏سحاء ‏ ‏لا ‏ ‏يغيضها ‏ ‏شيء الليل والنهار ‏





صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله عز وجل : ( أنفق أنفق عليك ) ‏
‏هو معنى قوله عز وجل : { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } فيتضمن الحث على الإنفاق معنى في وجوه الخير والتبشير بالخلف من فضل الله تعالى . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( يمين الله ملأى . وقال ابن نمير : ملآن ) ‏
‏هكذا وقعت رواية ابن نمير بالنون . قالوا : وهو غلط منه , وصوابه ( ملأى ) , كما في سائر الروايات , ثم ضبطوا رواية ابن نمير من وجهين أحدهما : إسكان اللام وبعدها همزة , والثاني : ( ملان ) بفتح اللام بلا همزة

ahmedaboali
02-04-2009, 02:55 PM
حدثنا ‏ ‏محمد بن رافع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق بن همام ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معمر بن راشد ‏ ‏عن ‏ ‏همام بن منبه ‏ ‏أخي ‏ ‏وهب بن منبه ‏ ‏قال هذا ما حدثنا ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فذكر أحاديث منها وقال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله قال لي ‏ ‏أنفق أنفق عليك وقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يمين الله ملأى لا ‏ ‏يغيضها ‏ ‏سحاء ‏ ‏الليل والنهار أرأيتم ما أنفق مذ خلق السماء والأرض فإنه لم ‏ ‏يغض ‏ ‏ما في يمينه قال وعرشه على الماء وبيده الأخرى ‏ ‏القبض ‏ ‏يرفع ‏ ‏ويخفض ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( يمين الله ملأى سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار ) ‏
‏ضبطوا ( سحاء ) بوجهين أحدهما : سحاء بالتنوين على المصدر , وهذا هو الأصح الأشهر , والثاني : حكاه القاضي ( سحاء ) بالمد على الوصف , ووزنه فعلاء صفة لليد , والسح : الصب الدائم , والليل والنهار في هذه الرواية منصوبان على الظرف . ومعنى ( لا يغيضها شيء ) أي لا ينقصها , يقال : غاض الماء وغاضه الله , لازم ومتعد . قال القاضي : قال الإمام المازري : هذا مما يتأول ; لأن اليمين إذا كانت بمعنى المناسبة للشمال لا يوصف بها الباري سبحانه وتعالى ; لأنها تتضمن إثبات الشمال , وهذا يتضمن التحديد , ويتقدس الله سبحانه عن التجسيم والحد , وإنما خاطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يفهمونه , وأراد الإخبار بأن الله تعالى لا ينقصه الإنفاق , ولا يمسك خشية الإملاق جل الله عن ذلك . وعبر صلى الله عليه وسلم عن توالي النعم بسح اليمين ; لأن الباذل منا يفعل ذلك بيمينه , قال : ويحتمل أن يريد بذلك أن قدرة الله سبحانه وتعالى على الأشياء على وجه واحد لا يختلف ضعفا وقوة , وأن المقدورات تقع بها على جهة واحدة , ولا تختلف قوة وضعفا كما يختلف فعلنا باليمين والشمال تعالى الله عن صفات المخلوقين ومشابهة المحدثين . ‏

‏وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية : ( وبيده الأخرى القبض ) ‏
‏فمعناه : أنه وإن كانت قدرته سبحانه وتعالى واحدة فإنه يفعل بها المختلفات ولما كان ذلك فينا لا يمكن إلا بيدين , عبر عن قدرته على التصرف في ذلك باليدين ليفهمهم المعنى المراد بما اعتادوه من الخطاب على سبيل المجاز . هذا آخر كلام المازري . ‏
‏قوله في رواية محمد بن رافع : ( لا يغيضها سحاء الليل والنهار ) ضبطناه بوجهين : نصب الليل والنهار ورفعهما , النصب على الظرف , والرفع على أنه فاعل . ‏
‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( وبيده الأخرى القبض يخفض ويرفع ) ضبطوه بوجهين أحدهما : ( الفيض ) بالفاء والياء المثناة تحت . والثاني : ( القبض ) بالقاف والباء الموحدة , وذكر القاضي أنه بالقاف , وهو الموجود لأكثر الرواة , قال : وهو الأشهر والمعروف , قال : ومعنى القبض الموت , وأما الفيض - بالفاء - فالإحسان والعطاء والرزق الواسع , قال : وقد يكون بمعنى القبض بالقاف أي الموت , قال البكراوي : والفيض : الموت . قال القاضي قيس : يقولون : فاضت نفسه - بالضاد - إذا مات , وطي يقولون : فاظت نفسه بالظاء . وقيل : إذا ذكرت النفس فبالضاد , وإذا قيل : فاظ من غير ذكر النفس فبالظاء . ‏
‏وجاء في رواية أخرى : " وبيده الميزان يخفض ويرفع " . فقد يكون عبارة عن الرزق ومقاديره , وقد يكون عبارة عن جملة المقادير . ومعنى ( يخفض ويرفع ) قيل : هو عبارة عن تقدير الرزق يقتره على من يشاء , ويوسعه على من يشاء , وقد يكونان عبارة عن تصرف المقادير بالخلق بالعز والذل . والله أعلم .

ahmedaboali
02-04-2009, 02:56 PM
حدثني ‏ ‏حرملة بن يحيى التجيبي ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏أخبرني ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏أخبرني ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏أنه سمع ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول قال الله عز وجل ‏ ‏كل عمل ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏له إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به فوالذي نفس ‏ ‏محمد ‏ ‏بيده لخلفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( قال الله تعالى : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به ) ‏
‏اختلف العلماء في معناه مع كون جميع الطاعات لله تعالى , فقيل : سبب إضافته إلى الله تعالى أنه لم يعبد أحد غير الله تعالى به , فلم يعظم الكفار في عصر من الأعصار معبودا لهم بالصيام , وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود والصدقة والذكر وغير ذلك , وقيل : لأن الصوم بعيد من الرياء لخفائه , بخلاف الصلاة والحج والغزوة والصدقة وغيرها من العبادات الظاهرة , وقيل : لأنه ليس للصائم ونفسه فيه حظ , قاله الخطابي , قال : وقيل : إن الاستغناء عن الطعام من صفات الله تعالى , فتقرب الصائم بما يتعلق بهذه الصفة وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء , وقيل : معناه : أنا المنفرد بعلم مقدار ثوابه أو تضعيف حسناته وغيره من العبادات أظهر سبحانه بعض مخلوقاته على مقدار ثوابها , وقيل : هي إضافة تشريف , كقوله تعالى : { ناقة الله } مع أن العالم كله لله تعالى . ‏
‏وفي هذا الحديث بيان عظم فضل الصوم وحث إليه . ‏
‏وقوله تعالى : ( وأنا أجزي به ) بيان لعظم فضله , وكثرة ثوابه ; لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظم قدر الجزاء وسعة العطاء . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( لخلفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يوم القيامة ) ‏
‏وفي رواية : ( لخلوف ) هو بضم الخاء فيهما وهو تغير رائحة الفم , هذا هو الصواب فيه بضم الخاء , ز,ڈ[,ڈa,ڈناه , وهو الذي ذكره الخطابي وغيره من أهل الغريب , وهو المعروف في كتب اللغة , وقال القاضي : الرواية الصحيحة بضم الخاء , قال : وكثير من الشيوخ يرويه بفتحها , قال الخطابي : وهو خطأ . قال القاضي : وحكي عن الفارسي فيه الفتح والضم , وقال : أهل المشرق يقولونه بالوجهين , والصواب : الضم , ويقال : ( خلف فوه ) بفتح الخاء واللام , ( يخلف ) بضم اللام , و ( أخلف يخلف ) إذا تغير , وأما معنى الحديث : فقال القاضي : قال المازري : هذا مجاز واستعارة ; لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذي له طبائع تميل إلى شيء فتستطيبه , وتنفر من شيء فتستقذره , والله تعالى متقدس عن ذلك , لكن جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا , فاستعير ذلك في الصوم , لتقريبه من الله تعالى . ‏
‏قال القاضي : وقيل : يجازيه الله تعالى به في الآخرة , فتكون نكهته أطيب من ريح المسك , كما أن دم الشهيد يكون ريحه ريح المسك . ‏
‏وقيل : يحصل لصاحبه من الثواب أكثر مما يحصل لصاحب المسك . ‏
‏وقيل : رائحته عند ملائكة الله تعالى أطيب من رائحة المسك عندنا , وإن كانت رائحة الخلوف عندنا خلافه . ‏
‏والأصح ما قاله الداودي من المغاربة , وقاله من قال من أصحابنا : إن الخلوف أكثر ثوابا من المسك , حيث ندب إليه في الجمع والأعياد ومجالس الحديث والذكر وسائر مجامع الخير . ‏
‏واحتج أصحابنا بهذا الحديث على كراهة السواك للصائم بعد الزوال ; لأنه يزيل الخلوف الذي هذه صفته وفضيلته , وإن كان السواك فيه فضل أيضا ; لأن فضيلة الخلوف أعظم وقالوا : كما أن دم الشهداء مشهود له بالطيب , ويترك له غسل الشهيد مع أن غسل الميت واجب , فإذا ترك الواجب للمحافظة على بقاء الدم المشهود له بالطيب فترك السواك الذي ليس هو واجبا للمحافظة على بقاء الخلوف المشهود له بذلك أولى . والله أعلم .

ahmedaboali
02-04-2009, 02:57 PM
حدثني ‏ ‏محمد بن رافع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن جريج ‏ ‏أخبرني ‏ ‏عطاء ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح الزيات ‏ ‏أنه سمع ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏يقولا ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال الله عز وجل ‏ ‏كل عمل ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام ‏ ‏جنة ‏ ‏فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا ‏ ‏يرفث ‏ ‏يومئذ ولا ‏ ‏يسخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم والذي نفس ‏ ‏محمد ‏ ‏بيده ‏ ‏لخلوف ‏ ‏فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه ‏

صحيح مسلم بشرح النووي



‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فلا يرفث يومئذ ولا يسخب ) ‏
‏هكذا هو هنا بالسين , ويقال بالسين والصاد وهو الصياح , وهو بمعنى الرواية الأخرى : ( ولا يجهل ولا يرفث ) قال القاضي : ورواه الطبري ( ولا يسخر ) بالراء ; قال : ومعناه صحيح , لأن السخرية تكون بالقول والفعل , وكله من الجهل , قلت : وهذه الرواية تصحيف وإن كان لها معنى . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( وللصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح بفطره , وإذا لقي ربه فرح بصومه ) ‏
‏قال العلماء : أما فرحته عند لقاء ربه فبما يراه من جزائه , وتذكر نعمة الله تعالى عليه بتوفيقه لذلك , وأما عند فطره فسببها تمام عبادته وسلامتها من المفسدات , وما يرجوه من ثوابها .

ahmedaboali
02-04-2009, 02:58 PM
‏حدثنا ‏ ‏هارون بن سعيد الأيلي ‏ ‏وأحمد بن عيسى ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏أخبرني ‏ ‏مخرمة بن بكير ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏يونس بن يوسف ‏ ‏يقول عن ‏ ‏ابن المسيب ‏ ‏قال قالت ‏ ‏عائشة ‏
‏إن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم ‏ ‏عرفة ‏ ‏وإنه ‏ ‏ليدنو ثم ‏ ‏يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ‏

صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء ) ‏
‏هذا الحديث ظاهر الدلالة في فضل يوم عرفة , وهو كذلك , ولو قال رجل : امرأتي طالق في أفضل الأيام , فلأصحابنا وجهان : أحدهما : تطلق يوم الجمعة ; لقوله صلى الله عليه وسلم : " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة " , كما سبق في صحيح مسلم , وأصحهما : يوم عرفة ; للحديث المذكور في هذا الباب , ويتأول حديث يوم الجمعة على أنه أفضل أيام الأسبوع , قال القاضي عياض : قال المازري : معنى ( يدنو ) في هذا الحديث : أي تدنو رحمته وكرامته , لا دنو مسافة ومماسة . قال القاضي : يتأول فيه ما سبق في حديث النزول إلى السماء الدنيا , كما جاء في الحديث الآخر من غيظ الشيطان يوم عرفة لما يرى من تنزل الرحمة , قال القاضي : وقد يريد دنو الملائكة إلى الأرض أو إلى السماء بما ينزل معهم من الرحمة ومباهاة الملائكة بهم عن أمره سبحانه وتعالى , قال : وقد وقع الحديث في صحيح مسلم مختصرا , وذكره عبد الرزاق في مسنده من رواية ابن عمر قال : " إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة يقول : هؤلاء عبادي جاؤني شعثا غبرا يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني , فكيف لو رأوني ؟ " وذكر باقي الحديث . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 02:58 PM
‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن عبد الله بن يونس ‏ ‏حدثنا ‏ ‏زهير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏منصور ‏ ‏عن ‏ ‏ربعي بن حراش ‏ ‏أن ‏ ‏حذيفة ‏ ‏حدثهم قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا أعملت من الخير شيئا قال لا قالوا تذكر قال كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ‏ ‏ينظروا ‏ ‏المعسر ‏ ‏ويتجوزوا ‏ ‏عن الموسر قال قال الله عز وجل ‏ ‏تجوزوا ‏ ‏عنه ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


قوله : ( كنت أداين الناس , فآمر فتياني أن ينظروا المعسر , ويتجوزوا عن الموسر . قال الله : تجوزوا عنه ) وفي رواية : ( كنت أقبل الميسور , وأتجاوز عن المعسور ) وفي رواية : ( كنت أنظر المعسر , وأتجوز في السكة أو في النقد ) وفي رواية : ( وكان من خلقي الجواز , فكنت أتيسر على الموسر , وأنظر المعسر ) ‏
‏فقوله : ( فتياني ) معناه غلماني كما صرح به في الرواية الأخرى , والتجاوز والتجوز معناهما المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء وقبول ما فيه نقص يسير , كما قال : وأتجوز في السكة . ‏
‏وفي هذه الأحاديث فضل إنظار المعسر , والوضع عنه إما كل الدين , وإما بعضه من كثير أو قليل , وفضل المسامحة في الاقتضاء وفي الاستيفاء ; سواء استوفي من موسر أو معسر , وفضل الوضع من الدين , وأنه لا يحتقر شيء من أفعال الخير ; فلعله سبب السعادة والرحمة . ‏
‏وفيه جواز توكيل العبيد والإذن لهم في التصرف , وهذا على قول من يقول : شرع من قبلنا شرع لنا .

ahmedaboali
02-04-2009, 02:59 PM
‏حدثنا ‏ ‏أبو سعيد الأشج ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو خالد الأحمر ‏ ‏عن ‏ ‏سعد بن طارق ‏ ‏عن ‏ ‏ربعي بن حراش ‏ ‏عن ‏ ‏حذيفة ‏ ‏قال ‏
‏أتي الله بعبد من عباده آتاه الله مالا فقال له ماذا عملت في الدنيا قال ولا يكتمون الله حديثا قال يا رب آتيتني مالك فكنت أبايع الناس وكان من خلقي ‏ ‏الجواز ‏ ‏فكنت أتيسر على الموسر ‏ ‏وأنظر ‏ ‏المعسر فقال الله ‏ ‏أنا أحق بذا منك ‏ ‏تجاوزوا ‏ ‏عن عبدي ‏
‏فقال ‏ ‏عقبة بن عامر الجهني ‏ ‏وأبو مسعود الأنصاري ‏ ‏هكذا سمعناه من ‏ ‏في رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏

صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله : ( حدثنا أبو سعيد الأشج قال : حدثنا أبو خالد الأحمر عن سعد بن طارق عن ربعي بن حراش عن حذيفة ) ‏
‏ثم قال في آخر الحديث : ( فقال عقبة بن عامر الجهني , وأبو مسعود الأنصاري : هكذا سمعناه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ) هكذا هو في جميع النسخ : ( فقال عقبة بن عامر وأبو مسعود ) قال الحفاظ : هذا الحديث إنما هو محفوظ لأبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري وحده . وليس لعقبة بن عامر فيه رواية قال الدارقطني : والوهم في هذا الإسناد من أبي خالد الأحمر . قال : وصوابه عقبة بن عمرو أبو مسعود الأنصاري , كذا رواه أصحاب أبي مالك سعد بن طارق , وتابعهم نعيم بن أبي هند , وعبد الملك بن عمير , ومنصور , وغيرهم عن ربعي عن حذيفة فقالوا في آخر الحديث : فقال عقبة بن عمرو وأبو مسعود . ‏
‏وقد ذكر مسلم في هذا الباب حديث منصور ونعيم وعبد الملك والله أعلم .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:00 PM
‏حدثنا ‏ ‏يحيى بن يحيى ‏ ‏وأبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏كلاهما ‏ ‏عن ‏ ‏أبي معاوية ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏إسحق بن إبراهيم ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏جرير ‏ ‏وعيسى بن يونس ‏ ‏جميعا ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثنا ‏ ‏محمد بن عبد الله بن نمير ‏ ‏واللفظ له ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أسباط ‏ ‏وأبو معاوية ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن مرة ‏ ‏عن ‏ ‏مسروق ‏ ‏قال ‏
‏سألنا ‏ ‏عبد الله ‏ ‏عن هذه الآية ‏
‏ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ‏
‏قال أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال ‏ ‏أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال هل تشتهون شيئا قالوا أي شيء ‏ ‏نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله : ( حدثني يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة - وذكر إسناده إلى مسروق - قال : سألنا عبد الله عن هذه الآية : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } , أما إنا قد سألنا عن ذلك , فقال : أرواحهم في جوف طير خضر ) ‏
‏قال المازري : كذا جاء عبد الله غير منسوب , قال أبو علي الغساني : ومن الناس من ينسبه فيقول : عبد الله بن عمر , وذكره أبو مسعود الدمشقي في مسند ابن مسعود , قال القاضي عياض : ووقع في بعض النسخ من صحيح مسلم ( عبد الله ابن مسعود ) قلت : وكذا وقع في بعض نسخ بلادنا المعتمدة , ولكن لم يقع منسوبا في معظمها , وذكره خلف الواسطي والحميدي وغيرهما في مسند ابن مسعود , وهو الصواب . وهذا الحديث مرفوع لقوله : إنا قد سألنا عن ذلك فقال : يعني : النبي صلى الله عليه وسلم . ‏
‏قوله صلى الله عليه وسلم في الشهداء : ( أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل ) فيه : بيان أن الجنة مخلوقة موجودة , وهو مذهب أهل السنة , وهي التي أهبط منها آدم , وهي التي ينعم فيها المؤمنون في الآخرة . هذا إجماع أهل السنة , وقالت المعتزلة وطائفة من المبتدعة أيضا وغيرهم : إنها ليست موجودة , وإنما توجد بعد البعث في القيامة , قالوا : والجنة التي أخرج منها آدم غيرها , وظواهر القرآن والسنة تدل لمذهب أهل الحق . وفيه : إثبات مجازاة الأموات بالثواب والعقاب قبل القيامة , قال القاضي : وفيه : أن الأرواح باقية لا تفنى فينعم المحسن ويعذب المسيء , وقد جاء به القرآن والآثار , وهو مذهب أهل السنة خلافا لطائفة من المبتدعة قالت : تفنى , قال القاضي : وقال هنا : ( أرواح الشهداء ) , وقال في حديث مالك : ( إنما نسمة المؤمن ) , والنسمة تطلق على ذات الإنسان جسما وروحا , وتطلق على الروح مفردة , وهو المراد بهذا التفسير في الحديث الآخر بالروح , ولعلمنا بأن الجسم يفنى ويأكله التراب , ولقوله في الحديث : ( حتى يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم القيامة ) قال القاضي : وذكر في حديث مالك رحمه الله تعالى : ( نسمة المؤمن ) وقال هنا : ( الشهداء ) لأن هذه صفتهم لقوله تعالى : { أحياء عند ربهم يرزقون } وكما فسره في هذا الحديث . وأما غيرهم فإنما يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي , كما جاء في حديث ابن عمر , وكما قال في آل فرعون : { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا } قال القاضي : وقيل : بل المراد جميع المؤمنين الذين يدخلون الجنة بغير عذاب فيدخلونها الآن , بدليل عموم الحديث , وقيل : بل أرواح المؤمنين على أفنية قبورهم . والله أعلم . ‏
‏قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : ( في جوف طير خضر ) وفي غير مسلم ( بطير خضر ) وفي حديث آخر : ( بحواصل طير ) وفي الموطأ : ( إنما نسمة المؤمن طير ) وفي حديث آخر عن قتادة : ( في صورة طير أبيض ) قال القاضي : قال بعض المتكلمين على هذا : الأشبه صحة قول من قال : طير , أو صورة طير , وهو أكثر ما جاءت به الرواية لا سيما مع قوله : ( تأوي إلى قناديل تحت العرش ) . قال القاضي : واستبعد بعضهم هذا , ولم ينكره آخرون , وليس فيه ما ينكر , ولا فرق بين الأمرين , بل رواية طير , أو جوف طير , أصح معنى , وليس للأقيسة والعقول في هذا حكم , وكله من المجوزات , فإذا أراد الله أن يجعل هذه الروح إذا خرجت من المؤمن أو الشهيد في قناديل , أو أجواف طير , أو حيث يشاء كان ذلك ووقع , ولم يبعد , لا سيما مع القول بأن الأرواح أجسام , قال القاضي : وقيل : إن هذا المنعم أو المعذب من الأرواح جزء من الجسد تبقى فيه الروح , هو الذي يتألم ويعذب ويلتذ وينعم , وهو الذي يقول : رب ارجعون , وهو الذي يسرح في شجر الجنة , فغير مستحيل أن يصور هذا الجزء طائرا أو يجعل في جوف طائر , وفي قناديل تحت العرش , وغير ذلك مما يريد الله عز وجل , قال القاضي : وقد اختلف الناس في الروح - ما هي ؟ اختلافا لا يكاد يحصر , فقال كثير من أرباب المعاني وعلم الباطن المتكلمين : لا تعرف حقيقته , ولا يصح وصفه , وهو مما جهل العباد علمه , واستدلوا بقوله تعالى : { قل الروح من أمر ربي } وغلت الفلاسفة فقالت بعدم الروح , وقال جمهور الأطباء : هو البخار اللطيف الساري في البدن , وقال كثيرون من شيوخنا : هو الحياة , وقال آخرون : هي أجسام لطيفة مشابكة للجسم يحيى لحياته , أجرى الله تعالى العادة بموت الجسم عند فراقه , وقيل : هو بعض الجسم , ولهذا وصف بالخروج والقبض وبلوغ الحلقوم , وهذه صفة الأجسام لا المعاني , وقال بعض مقدمي أئمتنا : هو جسم لطيف متصور على صورة الإنسان داخل الجسم , وقال بعض مشايخنا وغيرهم : إنه النفس الداخل والخارج , وقال آخرون : هو الدم , هذا ما نقله القاضي , والأصح عند أصحابنا : أن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن , فإذا فارقته مات . قال القاضي : واختلفوا في النفس والروح فقيل : هما بمعنى , وهما لفظان لمسمى واحد . وقيل : إن النفس هي النفس الداخل والخارج , وقيل : هي الدم , وقيل : هي الحياة . والله أعلم . قال القاضي : وقد تعلق بحديثنا هذا وشبهه بعض الملاحدة القائلين بالتناسخ وانتقال الأرواح وتنعيمها في الصور الحسان المرفهة وتعذيبها في الصور القبيحة المسخرة , وزعموا أن هذا هو الثواب والعقاب , وهذا ضلال بين , وإبطال لما جاءت به الشرائع من الحشر والنشر , والجنة والنار , ولهذا قال في الحديث : ( حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه ) يعني : يوم يجيء بجميع الخلق . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فقال لهم الله تعالى : هل تشتهون شيئا . . . ) ‏
‏إلخ , هذا مبالغة في إكرامهم وتنعيمهم إذ قد أعطاهم الله ما لا يخطر على قلب بشر , ثم رغبهم في سؤال الزيادة , فلم يجدوا مزيدا على ما أعطاهم , فسألوه حين رأوا أنه لا بد من سؤال أن يرجع أرواحهم إلى أجسادهم ليجاهدوا , أو يبذلوا أنفسهم في سبيل الله تعالى , ويستلذوا بالقتل في سبيل الله . والله أعلم .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:01 PM
‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏ومحمد بن عبد الله بن نمير ‏ ‏وأبو كريب ‏ ‏وألفاظهم متقاربة ‏ ‏قالوا حدثنا ‏ ‏ابن فضيل ‏ ‏عن ‏ ‏عمارة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي زرعة ‏ ‏قال ‏ ‏دخلت مع ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏في دار ‏ ‏مروان ‏ ‏فرأى فيها تصاوير ‏ ‏فقال ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول قال الله عز وجل ‏ ‏ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة ‏
‏و حدثنيه ‏ ‏زهير بن حرب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏عمارة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي زرعة ‏ ‏قال ‏ ‏دخلت أنا ‏ ‏وأبو هريرة ‏ ‏دارا ‏ ‏تبنى ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏لسعيد ‏ ‏أو ‏ ‏لمروان ‏ ‏قال فرأى مصورا يصور في الدار فقال قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بمثله ولم يذكر أو ليخلقوا شعيرة ‏

صحيح مسلم بشرح النووي‏

‏وأما قوله تعالى : ( فليخلقوا ذرة أو حبة أو شعيرة ) ‏
‏فالذرة بفتح الذال وتشديد الراء , ومعناه , فليخلقوا ذرة فيها روح تتصرف بنفسها كهذه الذرة التي هي خلق الله تعالى , وكذلك فليخلقوا حبة حنطة أو شعير أي ليخلقوا حبة فيها طعم تؤكل وتزرع وتنبت , ويوجد فيها ما يوجد في حبة الحنطة والشعير ونحوهما من الحب الذي يخلقه الله تعالى , وهذا أمر تعجيز كما سبق . والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:01 PM
حدثني ‏ ‏أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح ‏ ‏وحرملة بن يحيى ‏ ‏قالا أخبرنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏حدثني ‏ ‏يونس ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏أخبرني ‏ ‏أبو سلمة بن عبد الرحمن ‏ ‏قال قال ‏ ‏أبو هريرة ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول قال الله عز وجل ‏ ‏يسب ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏الدهر وأنا الدهر ‏ ‏بيدي الليل والنهار ‏

صحيح مسلم بشرح النووي


قوله سبحانه وتعالى : { يسب ابن آدم الدهر , وأنا الدهر بيدي الليل والنهار } وفي رواية قال الله تعالى عز وجل : { يؤذيني ابن آدم , يسب الدهر , وأنا الدهر , أقلب الليل والنهار } وفي رواية ( يؤذيني ابن آدم يقول : يا خيبة الدهر , فلا يقولن أحدكم : يا خيبة الدهر , فإني أنا الدهر , أقلب ليله ونهاره , فإذا شئت قبضتهما ) وفي رواية : ( لا تسبوا الدهر , فإن الله هو الدهر ) . ‏
‏وأما قوله عز وجل : ( وأنا الدهر ) ‏
‏فإنه برفع الراء , هذا هو الصواب المعروف الذي قاله الشافعي وأبو عبيد وجماهير المتقدمين والمتأخرين , وقال أبو بكر ومحمد بن داود الأصبهاني الظاهري : إنما هو الدهر بالنصب على الظرف , أي أنا مدة الدهر أقلب ليله ونهاره . وحكى ابن عبد البر هذه الرواية عن بعض أهل العلم . وقال النحاس : يجوز النصب أي فإن الله باق مقيم أبدا لا يزول . قال القاضي : قال بعضهم : هو منصوب على التخصيص . قال : والظرف أصح وأصوب . أما رواية الرفع , وهي الصواب , فموافقة لقوله " فإن الله هو الدهر , قال العلماء : وهو مجاز , وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك , فيقولون : يا خيبة الدهر , ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " أي لا تسبوا فاعل النوازل , فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى ; لأنه هو فاعلها ومنزلها . وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له , بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى . ومعنى " فإن الله هو الدهر " أي فاعل النوازل والحوادث , وخالق الكائنات . والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:02 PM
حدثناه ‏ ‏إسحق بن إبراهيم ‏ ‏وابن أبي عمر ‏ ‏واللفظ ‏ ‏لابن أبي عمر ‏ ‏قال ‏ ‏إسحق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏و قال ‏ ‏ابن أبي عمر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏ابن المسيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال قال الله عز وجل ‏ ‏يؤذيني ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار ‏

صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله عز وجل : ( يؤذيني ابن آدم ) ‏
‏فمعناه يعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:03 PM
‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي ‏ ‏ومحمد بن عباد ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏حاتم وهو ابن إسمعيل ‏ ‏عن ‏ ‏معاوية وهو ابن أبي مزرد ‏ ‏مولى ‏ ‏بني هاشم ‏ ‏حدثني ‏ ‏عمي ‏ ‏أبو الحباب سعيد بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت ‏ ‏الرحم ‏ ‏فقالت هذا مقام العائذ من القطيعة قال نعم ‏ ‏أما ترضين أن ‏ ‏أصل ‏ ‏من ‏ ‏وصلك ‏ ‏وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذاك لك ثم قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏اقرءوا إن شئتم ‏
‏فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ‏

صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( قامت الرحم , فقالت : هذا مقام العائذ من القطيعة , قال : نعم , أما ترضين أن أصل من وصلك , وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى . قال : فذلك لك ) ‏
‏وفي رواية أخرى : ( الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله , ومن قطعني قطعه الله ) قال القاضي عياض : الرحم التي توصل وتقطع وتبر إنما هي معنى من المعاني , ليست بجسم , وإنما هي قرابة ونسب تجمعه رحم والدة , ويتصل بعضه ببعض , فسمي ذلك الاتصال رحما . والمعنى لا يتأتى منه القيام ولا الكلام , فيكون ذكر قيامها هنا وتعلقها ضرب مثل , وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك , والمراد تعظيم شأنها , وفضيلة واصليها , وعظيم إثم قاطعيها بعقوقهم , لهذا سمي العقوق قطعا , والعق الشق كأنه قطع ذلك السبب المتصل . قال : ويجوز أن يكون المراد قام ملك من الملائكة وتعلق بالعرش وتكلم على لسانها بهذا بأمر الله تعالى . هذا كلام القاضي . والعائذ المستعيذ , وهو المعتصم بالشيء الملتجئ إليه المستجير به . قال العلماء : وحقيقة الصلة العطف والرحمة , فصلة الله سبحانه وتعالى عبارة عن لطفه بهم , ورحمته إياهم , وعطفه بإحسانه ونعمه , أو صلتهم بأهل ملكوته الأعلى , وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته . قال القاضي عياض : ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة , وقطيعتها معصية كبيرة . قال : والأحاديث في الباب تشهد لهذا , ولكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض , وأدناها ترك المهاجرة , وصلتها بالكلام ولو بالسلام , ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة , فمنها واجب , ومنها مستحب , ولو وصل بعض الصلة لم يصل غايتها لا يسمى قاطعا , ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لا يسمى واصلا . قال : واختلفوا في حد الرحم التي تجب صلتها , فقيل : هو كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى حرمت مناكحتهما . فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال , واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح ونحوه , وجواز ذلك في بنات الأعمام والأخوال . وقيل : هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث , يستوي المحرم وغيره , ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " ثم أدناك أدناك " هذا كلام القاضي . وهذا القول الثاني هو الصواب , ومما يدل عليه الحديث السابق في أهل مصر : " فإن لهم ذمة ورحما " وحديث " إن أبر البر أن يصل أهل ود أبيه " مع أنه لا محرمية . والله أعلم .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:04 PM
‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏عن ‏ ‏مالك بن أنس ‏ ‏فيما قرئ عليه عن ‏ ‏عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الحباب سعيد بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله يقول يوم القيامة ‏ ‏أين المتحابون بجلالي ‏ ‏اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ) ‏
‏فيه دليل لجواز قول الإنسان . الله يقول , وهو الصواب الذي عليه العلماء كافة إلا ما قدمناه في كتاب الإيمان عن بعض السلف من كراهة ذلك , وأنه لا يقال : يقول الله , بل يقال : قال الله , وقدمنا أنه جاء بجوازه القرآن في قوله تعالى : { والله يقول الحق } وأحاديث صحيحة كثيرة . قوله تعالى : ( المتحابون بجلالي ) أي بعظمتي وطاعتي لا للدنيا . وقوله تعالى : ( يوم لا ظل إلا ظلي ) أي أنه لا يكون من له ظل مجازا كما في الدنيا . وجاء في غير مسلم : ظل عرشي قال القاضي : ظاهره أنه في ظله من الحر والشمس , ووهج الموقف وأنفاس الخلق . قال : وهذا قول الأكثرين . وقال عيسى بن دينار : ومعناه كفه عن المكاره , وإكرامه , وجعله في كنفه وستره , ومنه قولهم : السلطان ظل الله في الأرض . وقيل : يحتمل أن الظل هنا عبارة عن الراحة والنعيم , يقال : هو في عيش ظليل أي طيب .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:05 PM
‏حدثني ‏ ‏محمد بن حاتم بن ميمون ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بهز ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد بن سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏ثابت ‏ ‏عن ‏ ‏أبي رافع ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله عز وجل يقول يوم القيامة ‏ ‏يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف ‏ ‏أعودك ‏ ‏وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي ‏

صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله عز وجل : ( مرضت فلم تعدني قال : يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده , أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟ ) ‏
‏قال العلماء : إنما أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى , والمراد العبد تشريفا للعبد وتقريبا له . قالوا : ومعنى ( وجدتني عنده ) أي وجدت ثوابي وكرامتي , ويدل عليه قوله تعالى في تمام الحديث : " لو أطعمته لوجدت ذلك عندي , لو أسقيته لوجدت ذلك عندي " أي ثوابه . والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:06 PM
‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مروان يعني ابن محمد الدمشقي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعيد بن عبد العزيز ‏ ‏عن ‏ ‏ربيعة بن يزيد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي إدريس الخولاني ‏ ‏عن ‏ ‏أبي ذر ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال ‏ ‏يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في ‏ ‏صعيد ‏ ‏واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم ‏ ‏أحصيها لكم ثم ‏ ‏أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ‏
‏قال ‏ ‏سعيد ‏ ‏كان ‏ ‏أبو إدريس الخولاني ‏ ‏إذا حدث بهذا الحديث ‏ ‏جثا ‏ ‏على ركبتيه ‏ ‏حدثنيه ‏ ‏أبو بكر بن إسحق ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو مسهر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعيد بن عبد العزيز ‏ ‏بهذا الإسناد ‏ ‏غير أن ‏ ‏مروان ‏ ‏أتمهما حديثا ‏ ‏قال ‏ ‏أبو إسحق ‏ ‏حدثنا بهذا الحديث ‏ ‏الحسن ‏ ‏والحسين ‏ ‏ابنا ‏ ‏بشر ‏ ‏ومحمد بن يحيى ‏ ‏قالوا حدثنا ‏ ‏أبو مسهر ‏ ‏فذكروا الحديث بطوله ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسحق بن إبراهيم ‏ ‏ومحمد بن المثنى ‏ ‏كلاهما ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الصمد بن عبد الوارث ‏ ‏حدثنا ‏ ‏همام ‏ ‏حدثنا ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي قلابة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي أسماء ‏ ‏عن ‏ ‏أبي ذر ‏ ‏قال ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى إني حرمت على نفسي الظلم وعلى عبادي فلا تظالموا وساق الحديث ‏ ‏بنحوه وحديث ‏ ‏أبي إدريس ‏ ‏الذي ذكرناه أتم من هذا ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله تعالى : { إني حرمت الظلم على نفسي } ‏
‏قال العلماء : معناه تقدست عنه وتعاليت , والظلم مستحيل في حق الله سبحانه وتعالى . كيف يجاوز سبحانه حدا وليس فوقه من يطيعه ؟ وكيف يتصرف في غير ملك , والعالم كله في ملكه وسلطانه ؟ وأصل التحريم في اللغة المنع , فسمى تقدسه عن الظلم تحريما لمشابهته للممنوع في أصل عدم الشيء . ‏

‏قوله تعالى : { وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا } ‏
‏هو بفتح التاء أي لا تتظالموا , والمراد لا يظلم بعضكم بعضا , وهذا توكيد لقوله تعالى : { يا عبادي وجعلته بينكم محرما } وزيادة تغليظ في تحريمه . ‏

‏قوله تعالى : { كلكم ضال إلا من هديته } ‏
‏قال المازري : ظاهر هذا أنهم خلقوا على الضلال إلا من هداه الله تعالى . وفي الحديث المشهور " كل مولود يولد على الفطرة " قال : فقد يكون المراد بالأول وصفهم بما كانوا عليه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم , وأنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الشهوات والراحة وإهمال النظر لضلوا . وهذا الثاني أظهر . وفي هذا دليل لمذهب أصحابنا وسائر أهل السنة أن المهتدي هو من هداه الله , وبهدى الله اهتدى , وبإرادة الله تعالى ذلك , وأنه سبحانه وتعالى إنما أراد هداية بعض عباده وهم المهتدون , ولم يرد هداية الآخرين , ولو أرادها لاهتدوا , خلافا للمعتزلة في قولهم الفاسد : أنه سبحانه وتعالى أراد هداية الجميع . جل الله أن يريد ما لا يقع , أو يقع ما لا يريد . ‏

‏قوله تعالى : { ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر } ‏
‏المخيط بكسر الميم وفتح الياء هو الإبرة : قال العلماء : هذا تقريب إلى الأفهام , ومعناه لا ينقص شيئا أصلا كما قال في الحديث الآخر : " لا يغيضها نفقة " أي لا ينقصها نفقة ; لأن ما عند الله لا يدخله نقص , وإنما يدخل النقص المحدود الفاني , وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه , وهما صفتان قديمتان لا يتطرق إليهما نقص , فضرب المثل بالمخيط في البحر , لأنه غاية ما يضرب به المثل في القلة , والمقصود التقريب إلى الإفهام بما شاهدوه ; فإن البحر من أعظم المرئيات عيانا , وأكبرها , والإبرة من أصغر الموجودات , مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء . والله أعلم . ‏

‏قوله تعالى : ( يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار ) ‏
‏الرواية المشهورة ( تخطئون ) بضم التاء , وروي بفتحها وفتح الطاء , يقال : خطئ يخطأ إذا فعل ما يأثم به فهو خاطئ , ومنه قوله تعالى : { استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين } ويقال في الإثم أيضا : أخطأ , فهما صحيحان . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:07 PM
‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن يوسف الأزدي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمر بن حفص بن غياث ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏أبي مسلم الأغر ‏ ‏أنه حدثه عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏وأبي هريرة ‏ ‏قالا ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ) ‏
‏( الأشعث ) الملبد الشعر المغبر غير مدهون ولا مرجل و ( مدفوع بالأبواب ) أي لا قدر له عند الناس فهم يدفعونه عن أبوابهم , ويطردونه عنهم احتقارا له , ( لو أقسم على الله لأبره ) أي حلف على وقوع شيء أوقعه الله إكراما له بإجابة سؤاله , وصيانته من الحنث في يمينه , وهذا لعظم منزلته عند الله تعالى , وإن كان حقيرا عند الناس . وقيل : معنى القسم هنا الدعاء , وإبراره إجابته . والله أعلم .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:08 PM
‏حدثنا ‏ ‏زهير بن حرب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله إذا أحب عبدا دعا ‏ ‏جبريل ‏ ‏فقال إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه ‏ ‏جبريل ‏ ‏ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء قال ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبدا دعا ‏ ‏جبريل ‏ ‏فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه قال فيبغضه ‏ ‏جبريل ‏ ‏ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه قال فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض ‏
‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يعقوب يعني ابن عبد الرحمن القاري ‏ ‏وقال ‏ ‏قتيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز يعني الدراوردي ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثناه ‏ ‏سعيد بن عمرو الأشعثي ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عبثر ‏ ‏عن ‏ ‏العلاء بن المسيب ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثني ‏ ‏هارون بن سعيد الأيلي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏حدثني ‏ ‏مالك وهو ابن أنس ‏ ‏كلهم ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل ‏ ‏بهذا الإسناد ‏ ‏غير أن حديث ‏ ‏العلاء بن المسيب ‏ ‏ليس فيه ذكر البغض ‏ ‏حدثني ‏ ‏عمرو الناقد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يزيد بن هارون ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل بن أبي صالح ‏ ‏قال ‏ ‏كنا ‏ ‏بعرفة ‏ ‏فمر ‏ ‏عمر بن عبد العزيز ‏ ‏وهو على الموسم فقام الناس ينظرون إليه ‏ ‏فقلت ‏ ‏لأبي ‏ ‏يا أبت إني أرى الله يحب ‏ ‏عمر بن عبد العزيز ‏ ‏قال وما ذاك قلت لما له من الحب في قلوب الناس فقال بأبيك أنت ‏ ‏سمعت ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏يحدث عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ثم ذكر ‏ ‏بمثل حديث ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل ‏

صحيح مسلم بشرح النووي‏

‏ومعنى ( يوضع له القبول في الأرض ) ‏
‏أي الحب في قلوب الناس , ورضاهم عنه , فتميل إليه القلوب , وترضى عنه . وقد جاء في رواية ( فتوضع له المحبة ) . ‏
‏قوله : ( وهو على الموسم ) ‏
‏أي أمير الحجيج . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:09 PM
‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏وزهير بن حرب ‏ ‏واللفظ ‏ ‏لقتيبة ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول الله عز وجل ‏ ‏أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ هم خير منهم وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ‏
‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏وأبو كريب ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏بهذا الإسناد ‏ ‏ولم يذكر وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله عز وجل : { أنا عند ظن عبدي بي } ‏
‏قال القاضي : قيل : معناه بالغفران له إذا استغفر , والقبول إذا تاب , والإجابة إذا دعا , والكفاية إذا طلب الكفاية . وقيل : المراد به الرجاء وتأميل العفو , وهذا أصح . ‏

‏قوله تعالى : { وأنا معه حين يذكرني } ‏
‏أي معه بالرحمة والتوفيق والهداية والرعاية . وأما قوله تعالى : { وهو معكم أينما كنتم } فمعناه بالعلم والإحاطة . ‏

‏قوله تعالى : { إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي } ‏
‏قال المازري : النفس تطلق في اللغة على معان : منها الدم , ومنها نفس الحيوان , وهما مستحيلان في حق الله تعالى , ومنها الذات , والله تعالى له ذات حقيقة , وهو المراد بقوله تعالى : { في نفسي } ومنها الغيب , وهو أحد الأقوال في قوله تعالى : { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك } أي ما في غيبي , فيجوز أن يكون أيضا مراد الحديث , أي إذا ذكرني خاليا أثابه الله , وجازاه عما عمل بما لا يطلع عليه أحد . ‏

‏قوله تعالى : { وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم } ‏
‏هذا مما استدلت به المعتزلة ومن وافقهم على تفضيل الملائكة على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين , واحتجوا أيضا بقوله تعالى : { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } فالتقييد بالكثير احتراز من الملائكة , ومذهب أصحابنا وغيرهم أن الأنبياء أفضل من الملائكة لقوله تعالى في بني إسرائيل : { وفضلناهم على العالمين } والملائكة من العالمين . ويتأول هذا الحديث على أن الذاكرين غالبا يكونون طائفة لا نبي فيهم , فإذا ذكره الله في خلائق من الملائكة , كانوا خيرا من تلك الطائفة . ‏

‏قوله تعالى : { وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا , وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا , وإن أتاني يمشي أتيته هرولة } ‏
‏هذا الحديث من أحاديث الصفات , ويستحيل إرادة ظاهره , وقد سبق الكلام في أحاديث الصفات مرات , ومعناه من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي والتوفيق والإعانة , وإن زاد زدت , فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة , أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها , ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود , والمراد أن جزاءه يكون تضعيفه على حسب تقربه . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:10 PM
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن رافع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏همام بن منبه ‏ ‏قال هذا ما حدثنا ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فذكر أحاديث منها ‏
‏وقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله قال ‏ ‏إذا تلقاني عبدي بشبر تلقيته بذراع وإذا تلقاني بذراع تلقيته بباع وإذا تلقاني بباع أتيته بأسرع ‏


صحيح مسلم بشرح النووي‏

‏قوله تعالى في رواية محمد : ( وإذا تلقاني بباع جئته أتيته ) ‏
‏هكذا هو في أكثر النسخ : ( جئته أتيته ) وفي بعضها ( جئته بأسرع ) فقط , وفي بعضها ( أتيته ) وهاتان ظاهرتان والأول صحيح أيضا والجمع بينهما للتوكيد , وهو حسن لا سيما عند اختلاف اللفظ . والله أعلم .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:10 PM
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن حاتم بن ميمون ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بهز ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وهيب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سهيل ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إن لله تبارك وتعالى ملائكة ‏ ‏سيارة ‏ ‏فضلا ‏ ‏يتتبعون ‏ ‏مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء قال فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك قال وماذا يسألوني قالوا يسألونك جنتك قال وهل رأوا جنتي قالوا لا أي رب قال فكيف لو رأوا جنتي قالوا ‏ ‏ويستجيرونك ‏ ‏قال ومم ‏ ‏يستجيرونني ‏ ‏قالوا من نارك يا رب قال وهل رأوا ناري قالوا لا قال فكيف لو رأوا ناري قالوا ويستغفرونك قال فيقول قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا ‏ ‏وأجرتهم ‏ ‏مما ‏ ‏استجاروا ‏ ‏قال فيقولون رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم قال فيقول وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلا يبتغون مجالس الذكر ) ‏
‏أما السيارة فمعناه : سياحون في الأرض , وأما ( فضلا ) فضبطوه على أوجه أحدها : وهو أرجحها وأشهرها في بلادنا ( فضلا ) بضم الفاء والضاد . والثانية : بضم الفاء وإسكان الضاد , ورجحها بعضهم , وادعى أنها أكثر وأصوب , والثالثة : بفتح الفاء وإسكان الضاد . قال القاضي : هكذا الرواية عند جمهور شيوخنا في البخاري ومسلم , والرابعة ( فضل ) بضم الفاء والضاد ورفع اللام على أنه خبر مبتدأ محذوف , والخامسة ( فضلاء ) بالمد جمع فاضل . قال العلماء : معناه على جميع الروايات : أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق , فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم , إنما مقصودهم حلق الذكر , وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( يبتغون ) فضبطوه على وجهين أحدهما : بالعين المهملة من التتبع وهو البحث عن الشيء والتفتيش . والثاني : ( يبتغون ) بالغين المعجمة من الابتغاء , وهو الطلب وكلاهما صحيح . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم , وحف بعضهم بعضا ) ‏
‏هكذا هو في كثير من نسخ بلادنا ( حف ) بالفاء , وفي بعضها ( حض ) بالضاد المعجمة أي : حث على الحضور والاستماع , وحكى القاضي عن بعض رواتهم ( وحط ) بالطاء المهملة واختاره القاضي , قال : ومعناه أشار بعضهم إلى بعض بالنزول , ويؤيد هذه الرواية قوله بعده في البخاري ( هلموا إلى حاجتكم ) ويؤيد الرواية الأولى وهي ( حف ) قوله في البخاري : ( يحفونهم بأجنحتهم , ويحدقون بهم ويستديرون حولهم , ويحوف بعضهم بعضا ) . ‏

‏قوله : ( ويستجيرونك من نارك ) ‏
‏أي : يطلبون الأمان منها . ‏

‏قوله : ( عبد خطاء ) ‏
‏أي : كثير الخطايا . وفي هذا الحديث : فضيلة الذكر , وفضيلة مجالسه , والجلوس مع أهله , وإن لم يشاركهم , وفضل مجالس الصالحين وبركتهم . والله أعلم . ‏
‏قال القاضي عياض - رحمه الله - : وذكر الله تعالى ضربان : ذكر بالقلب , وذكر باللسان , وذكر القلب نوعان . أحدهما : وهو أرفع الأذكار وأجلها الفكر في عظمة الله تعالى وجلاله وجبروته وملكوته وآياته في سماواته وأرضه , ومنه الحديث : " خير الذكر الخفي " والمراد به هذا . والثاني : ذكره بالقلب عند الأمر والنهي , فيمتثل ما أمر به ويترك ما نهي عنه , ويقف عما أشكل عليه . وأما ذكر اللسان مجردا فهو أضعف الأذكار , ولكن فيه فضل عظيم كما جاءت به الأحاديث , قال : وذكر ابن جرير الطبري وغيره اختلاف السلف في ذكر القلب واللسان أيهما أفضل ؟ قال القاضي : والخلاف عندي إنما يتصور في مجرد ذكر القلب تسبيحا وتهليلا وشبههما , وعليه يدل كلامهم لا أنهم مختلفون في الذكر الخفي الذي ذكرناه , وإلا فذلك يقاربه ذكر اللسان , فكيف يفاضله , وإنما الخلاف ذكر القلب بالتسبيح المجرد ونحوه , والمراد بذكر اللسان مع حضور القلب , فإن كان لاهيا فلا , واحتج من رجح ذكر القلب بأن عمل السر أفضل , ومن رجح اللسان قال : لأن العمل فيه أكثر , فإن زاد باستعمال اللسان اقتضى زيادة أجر , قال القاضي : واختلفوا هل تكتب الملائكة ذكر القلب ؟ فقيل : تكتبه ويجعل الله تعالى لهم علامة يعرفونه بها , وقيل : لا يكتبونه ; لأنه لا يطلع عليه غير الله , قلت : الصحيح أنهم يكتبونه , وأن ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من القلب وحده . والله أعلم . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:11 PM
‏حدثني ‏ ‏سويد بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حفص بن ميسرة ‏ ‏حدثني ‏ ‏زيد بن أسلم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنه قال قال الله عز وجل ‏ ‏أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته ‏ ‏بالفلاة ‏ ‏ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه ‏ ‏باعا ‏ ‏وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه ‏ ‏أهرول ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


قوله صلى الله عليه وسلم : { قال الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي , وأنا معه حيث يذكرني , ومن تقرب إلي شبرا . . . إلخ } هذا القدر من الحديث سبق شرحه واضحا في أول كتاب الذكر , ووقع في النسخ هنا ‏
‏( حيث يذكرني ) ‏
‏بالثاء المثلثة , ووقع في الأحاديث السابقة هناك ( حين ) بالنون , وكلاهما من رواية أبي هريرة , وبالنون هو المشهور , وكلاهما صحيح ظاهر المعنى . ‏
‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة ) قال العلماء : فرح الله تعالى هو رضاه , وقال المازري : الفرح ينقسم على وجوه منها : السرور , والسرور يقاربه الرضا بالمسرور به , قال : فالمراد هنا أن الله تعالى يرضى توبة عبده أشد مما يرضى واجد ضالته بالفلاة , فعبر عن الرضا بالفرح تأكيدا لمعنى الرضا في نفس السامع , ومبالغة في تقريره . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:12 PM
‏حدثنا ‏ ‏قتيبة بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏المغيرة يعني الحزامي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش ‏ ‏إن رحمتي تغلب غضبي ‏

صحيح مسلم بشرح النووي‏


‏قوله تعالى : ( إن رحمتي تغلب غضبي ) ‏
‏وفي رواية : ( سبقت رحمتي غضبي ) قال العلماء : غضب الله تعالى ورضاه يرجعان إلى معنى الإرادة , فإرادته الإثابة للمطيع , ومنفعة العبد تسمى رضا ورحمة , وإرادته عقاب العاصي وخذلانه تسمى غضبا , وإرادته سبحانه وتعالى صفة له قديمة يريد بها جميع المرادات , قالوا : والمراد بالسبق والغلبة هنا كثرة الرحمة وشمولها , كما يقال : غلب على فلان الكرم والشجاعة إذا كثرا منه . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:12 PM
‏حدثني ‏ ‏عبد الأعلى بن حماد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد بن سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي عمرة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فيما يحكي عن ربه عز وجل قال أذنب عبد ذنبا فقال اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى ‏ ‏أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك قال ‏ ‏عبد الأعلى ‏ ‏لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة ‏ ‏اعمل ما شئت ‏
‏قال ‏ ‏أبو أحمد ‏ ‏حدثني ‏ ‏محمد بن زنجوية القرشي القشيري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الأعلى بن حماد النرسي ‏ ‏بهذا الإسناد ‏ ‏حدثني ‏ ‏عبد بن حميد ‏ ‏حدثني ‏ ‏أبو الوليد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏همام ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة ‏ ‏قال ‏ ‏كان ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏قاص يقال له ‏ ‏عبد الرحمن بن أبي عمرة ‏ ‏قال فسمعته يقول سمعت ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏يقول سمعت ‏ ‏رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول إن عبدا أذنب ذنبا ‏ ‏بمعنى حديث ‏ ‏حماد بن سلمة ‏ ‏وذكر ثلاث مرات أذنب ذنبا وفي الثالثة قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء ‏

صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله عز وجل للذي تكرر ذنبه : ( اعمل ما شئت فقد غفرت لك ) ‏
‏معناه : ما دمت تذنب ثم تتوب غفرت لك , وهذا جار على القاعدة التي ذكرناها .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:13 PM
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن المثنى ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن جعفر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو بن مرة ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏أبا عبيدة ‏ ‏يحدث ‏ ‏عن ‏ ‏أبي موسى ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ‏
‏و حدثنا ‏ ‏محمد بن بشار ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو داود ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏بهذا الإسناد ‏ ‏نحوه ‏

صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار , ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ) ‏
‏ولا يختص قبولها بوقت , وقد سبقت المسألة فبسط اليد استعارة في قبول التوبة , قال المازري : المراد به قبول التوبة , وإنما ورد لفظ ( بسط اليد ) لأن العرب إذا رضي أحدهم الشيء بسط يده لقبوله , وإذا كرهه قبضها عنه , فخوطبوا بأمر حسي يفهمونه , وهو مجاز , فإن يد الجارحة مستحيلة في حق الله تعالى .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:13 PM
‏حدثنا ‏ ‏زهير بن حرب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسمعيل بن إبراهيم ‏ ‏عن ‏ ‏هشام الدستوائي ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏صفوان بن محرز ‏
‏قال قال رجل ‏ ‏لابن عمر ‏ ‏كيف سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول في النجوى قال سمعته يقول ‏ ‏يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه عز وجل حتى يضع عليه ‏ ‏كنفه ‏ ‏فيقرره بذنوبه فيقول هل تعرف فيقول أي رب أعرف قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رءوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله ‏

صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه ) ‏
‏إلى آخره . أما ( كنفه ) فبنون مفتوحة , وهو : ستره وعفوه , والمراد بالدنو هنا : دنو كرامة وإحسان , لا دنو مسافة , والله تعالى مˆه عن المسافة وقربها

ahmedaboali
02-04-2009, 03:14 PM
حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو أسامة ‏ ‏عن ‏ ‏عمر بن حمزة ‏ ‏عن ‏ ‏سالم بن عبد الله ‏ ‏أخبرني ‏ ‏عبد الله بن عمر ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول ‏ ‏أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم ‏ ‏يطوي الأرضين بشماله ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ‏

صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى , ثم يطوي الأرضين بشماله ) ‏
‏وفي رواية : ( أن ابن مقسم نظر إلى ابن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يأخذ الله سماواته وأرضيه بيديه , ويقول : أنا الله , ويقبض أصابعه ويبسطها , أنا الملك , حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه ) , قال العلماء : المراد بقوله : ( يقبض أصابعه ويبسطها ) النبي صلى الله عليه وسلم , ولهذا قال : إن ابن مقسم نظر إلى ابن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وأما إطلاق اليدين لله تعالى فمتأول على القدرة , وكنى عن ذلك باليدين , لأن أفعالنا تقع باليدين , فخوطبنا بما نفهمه , ليكون أوضح وأوكد في النفوس , وذكر اليمين والشمال حتى يتم المثال , لأنا نتناول باليمين ما نكرمه , وبالشمال ما دونه ولأن اليمين في حقنا يقوى لما لا يقوى له الشمال , ومعلوم أن السموات أعظم من الأرض , فأضافها إلى اليمين , والأرضين إلى الشمال , ليظهر التقريب في الاستعارة , وإن كان الله سبحانه وتعالى لا يوصف بأن شيئا أخف عليه من شيء , ولا أثقل من شيء , هذا مختصر كلام المازري في هذا . قال القاضي : وفي هذا الحديث ثلاثة ألفاظ : يقبض , ويطوي , ويأخذ كله بمعنى الجمع لأن السموات مبسوطة , والأرضين مدحوة , وممدودة , ثم يرجع ذلك إلى معنى الرفع والإزالة وتبديل الأرض غير الأرض والسموات فعاد كله إلى ضم بعضها إلى بعض ورفعها وتبديلها بغيرها , قال : وقبض النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه وبسطها تمثيل لقبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها , وحكاية للمبسوط والمقبوض , وهو السموات والأرضون , لا إشارة إلى القبض والبسط الذي هو صفة القابض والباسط سبحانه وتعالى , ولا تمثيل لصفة الله تعالى السمعية المسماة باليد التي ليست بجارحة . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:15 PM
‏حدثنا ‏ ‏سعيد بن منصور ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يعقوب يعني ابن عبد الرحمن ‏ ‏حدثني ‏ ‏أبو حازم ‏ ‏عن ‏ ‏عبيد الله بن مقسم ‏
‏أنه نظر إلى ‏ ‏عبد الله بن عمر ‏ ‏كيف يحكي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه فيقول ‏ ‏أنا الله ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏
‏حدثنا ‏ ‏سعيد بن منصور ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز بن أبي حازم ‏ ‏حدثني ‏ ‏أبي ‏ ‏عن ‏ ‏عبيد الله بن مقسم ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمر ‏ ‏قال ‏ ‏رأيت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏على المنبر وهو يقول ‏ ‏يأخذ الجبار عز وجل سماواته وأرضيه بيديه ثم ذكر نحو حديث ‏ ‏يعقوب ‏

صحيح مسلم بشرح النووي


‏وقوله : في المنبر ( يتحرك من أسفل شيء منه ) ‏
‏أي : من أسفله إلى أعلاه لأن بحركة الأسفل يتحرك الأعلى ويحتمل أن تحركه بحركة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الإشارة , قال القاضي : ويحتمل أن يكون بنفسه هيبة لسمعه كما حن الجذع ثم قال : والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم فيما ورد في هذه الأحاديث من مشكل , ونحن نؤمن بالله تعالى وصفاته , ولا نشبه شيئا به , ولا نشبهه بشيء , { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه , فهو حق وصدق , فما أدركنا علمه فبفضل الله تعالى , وما خفي علينا آمنا به ووكلنا علمه إليه سبحانه وتعالى , وحملنا لفظه على ما احتمل في لسان العرب الذي خوطبنا به , ولم نقطع على أحد معنييه بعد تنزيهه سبحانه عن ظاهره الذي لا يليق به سبحانه وتعالى . وبالله التوفيق . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:15 PM
‏حدثنا ‏ ‏عبيد الله بن معاذ العنبري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عمران الجوني ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يقول الله تبارك وتعالى لأهون أهل النار عذابا ‏ ‏لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت ‏ ‏مفتديا بها ‏ ‏فيقول نعم فيقول قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب ‏ ‏آدم ‏ ‏أن لا تشرك ‏ ‏أحسبه قال ولا أدخلك النار ‏ ‏فأبيت إلا الشرك ‏
‏حدثناه ‏ ‏محمد بن بشار ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد يعني ابن جعفر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شعبة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي عمران ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏يحدث ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بمثله إلا قوله ولا أدخلك النار فإنه لم يذكره ‏

صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا : لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتديا بها ؟ فيقول : نعم فيقول : قد أردت منكم أهون من هذا وأنت في صلب آدم ألا تشرك . إلى قوله : فأبيت إلا الشرك ) ‏
‏وفي رواية ( فيقال : قد سئلت أيسر من ذلك ) وفي رواية : ( فيقال : كذبت قد سئلت أيسر من ذلك ) المراد أردت في الرواية الأولى : طلبت منك وأمرتك , وقد أوضحه في الروايتين الأخيرتين بقوله : ( قد سئلت أيسر ) فيتعين تأويل ( أردت ) على ذلك جمعا بين الروايات لأنه يستحيل عند أهل الحق أن يريد الله تعالى شيئا فلا يقع , ومذهب أهل الحق أن الله تعالى مريد لجميع الكائنات , خيرها وشرها , ومنها : الإيمان والكفر , فهو سبحانه وتعالى مريد لإيمان المؤمن , ومريد لكفر الكافر , خلافا للمعتزلة في قولهم : إنه أراد إيمان الكافر ولم يرد كفره , تعالى الله عن قولهم الباطل , فإنه يلزم من قولهم إثبات العجز في حقه سبحانه , وأنه وقع في ملكه ما لم يرده . وأما هذا الحديث فقد بينا تأويله . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:16 PM
‏حدثني ‏ ‏هارون بن سعيد الأيلي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏حدثني ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال قال الله عز وجل ‏ ‏أعددت ‏ ‏لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرا ‏ ‏بله ‏ ‏ما أطلعكم الله عليه ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله عز وجل : ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرا بله ما أطلعكم الله عليه ) ‏
‏وفي بعض النسخ ( أطلعتكم عليه ) هكذا هو في رواية أبي بكر بن أبي شيبة ( ذخرا ) في جميع النسخ , وأما رواية هارون بن سعيد الأيلي المذكورة قبلها ففيها ذكر في بعض النسخ ( وذخرا ) كالأول في بعضها , قال القاضي : هذه الرواية الأكثرين , وهو أبين كالرواية الأخرى , قال : والأولى رواية الفارسي فأما ( بله ) فبفتح الباء الموحدة وإسكان اللام , ومعناها : دع عنك ما أطلعكم عليه , فالذي لم يطلعكم عليه أعظم , وكأنه أضرب عنه استقلالا له في جنب ما لم يطلع عليه , وقيل : معناها : غير , وقيل : معناها : كيف .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:17 PM
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عبد الرحمن بن سهم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن المبارك ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏مالك بن أنس ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثني ‏ ‏هارون بن سعيد الأيلي ‏ ‏واللفظ له ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن وهب ‏ ‏حدثني ‏ ‏مالك بن أنس ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن أسلم ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏
‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال إن الله يقول لأهل الجنة ‏ ‏يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا ‏ ‏نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا ‏

صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله تعالى : ( أحل عليكم رضواني ) ‏
‏قال القاضي في المشارق : أنزله بكم , والرضوان بكسر الراء وضمها قرئ بهما في السبع , والكوكب الدري فيه ثلاث لغات قرئ بهن في السبع , الأكثرون ( دري ) بضم الدال وتشديد الياء بلا همز , والثانية بضم الدال مهموز ممدود , والثالثة بكسر الدال مهموز ممدود , وهو الكوكب العظيم , قيل : سمي دريا لبياضه كالدر , وقيل : لإضاءته , وقيل : لشبهه بالدر في كونه أرفع من باقي النجوم كالدر أرفع الجواهر .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:17 PM
حدثني ‏ ‏محمد بن رافع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏شبابة ‏ ‏حدثني ‏ ‏ورقاء ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏تحاجت النار والجنة فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم فقال الله للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكم ملؤها فأما النار فلا تمتلئ فيضع قدمه عليها فتقول قط قط فهنالك تمتلئ ‏ ‏ويزوى ‏ ‏بعضها إلى بعض ‏
‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن عون الهلالي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو سفيان يعني محمد بن حميد ‏ ‏عن ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏أيوب ‏ ‏عن ‏ ‏ابن سيرين ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏احتجت ‏ ‏الجنة والنار واقتص الحديث بمعنى حديث ‏ ‏أبي الزناد ‏




صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( تحاجت النار والجنة ) ‏
‏إلى آخره , هذا الحديث على ظاهره , وأن الله تعالى جعل في النار والجنة تمييزا تدركان به فتحاجتا , ولا يلزم من هذا أن يكون ذلك التمييز فيهما دائما . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( وقالت الجنة : فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم ؟ ) ‏
‏أما ( سقطهم ) : فبفتح السين والقاف , أي : ضعفاؤهم والمحتقرون منهم , وأما ( عجزهم ) بفتح العين والجيم جمع عاجز , أي : العاجزون عن طلب الدنيا والتمكن فيها والثروة والشوكة , وأما الرواية رواية محمد بن رافع ففيها ( لا يدخلني إلا ضعاف الناس وغرتهم ) فروي على ثلاثة أوجه حكاها القاضي وهي موجودة في النسخ إحداها ( غرثهم ) بغين معجمة مفتوحة وثاء مثلثة , قال القاضي : هذه رواية الأكثرين من شيوخنا , ومعناها : أهل الحاجة والفاقة والجوع , والغرث : الجوع . والثاني : ( عجزتهم ) بعين مهملة مفتوحة وجيم وزاي وتاء , جمع عاجز كما سبق . والثالث : ( غرتهم ) بغين معجمة مكسورة وراء مشددة وتاء مثناة فوق , وهكذا هو الأشهر في نسخ بلادنا , أي : البله الغافلون , الذين ليس بهم فتك وحذق في أمور الدنيا . وهو نحو الحديث الآخر ( أكثر أهل الجنة البله ) قال القاضي : معناه سواد الناس وعامتهم من أهل الإيمان , الذين لا يفطنون للسنة , فيدخل عليهم الفتنة , أو يدخلهم في البدعة أو غيرها , فهم ثابتو الإيمان , وصحيحوا العقائد , وهم أكثر المؤمنين , وهم أكثر أهل الجنة . ‏
‏وأما العارفون والعلماء العاملون , والصالحون المتعبدون , فهم قليلون , وهم أصحاب الدرجات , قال : وقيل : معنى الضعفاء هنا وفي الحديث الآخر ( أهل الجنة كل ضعيف متضعف ) أنه الخاضع لله تعالى , المذل نفسه له سبحانه وتعالى , ضد المتجبر المستكبر . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فتقول قط قط فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ) ‏
‏معنى ( يزوى ) يضم بعضها إلى بعض فتجتمع وتلتقي على من فيها , ومعنى ( قط ) حسبي , أي : يكفيني هذا , وفيه ثلاث لغات : قط قط بإسكان الطاء فيهما , وبكسرها منونة , وغير منونة .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:18 PM
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن رافع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏حدثنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏همام بن منبه ‏ ‏قال هذا ما حدثنا ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فذكر أحاديث منها ‏
‏وقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏تحاجت الجنة والنار فقالت النار ‏ ‏أوثرت ‏ ‏بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم ‏ ‏وغرتهم ‏ ‏قال الله للجنة إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله تقول قط قط قط فهنالك تمتلئ ‏ ‏ويزوى ‏ ‏بعضها إلى بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا ‏
‏و حدثنا ‏ ‏عثمان بن أبي شيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جرير ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏قال ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏احتجت ‏ ‏الجنة والنار فذكر نحو حديث ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏إلى قوله ولكليكما علي ملؤها ولم يذكر ما بعده من الزيادة ‏




صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله ) ‏
‏وفي الرواية التي بعدها ( لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع فيها رب العزة تبارك وتعالى قدمه فتقول : قط قط ) وفي الرواية الأولى ( فيضع قدمه عليها ) هذا الحديث من مشاهير أحاديث الصفات , وقد سبق مرات بيان اختلاف العلماء فيها على مذهبين : ‏
‏أحدهما : وهو قول جمهور السلف وطائفة من المتكلمين : أنه لا يتكلم في تأويلها بل نؤمن أنها حق على ما أراد الله , ولها معنى يليق بها , وظاهرها غير مراد . ‏
‏والثاني : وهو قول جمهور المتكلمين أنها تتأول بحسب ما يليق بها , فعلى هذا اختلفوا في تأويل هذا الحديث , فقيل : المراد بالقدم هنا المتقدم , وهو شائع في اللغة ومعناه : حتى يضع الله تعالى فيها من قدمه لها من أهل العذاب , قال المازري والقاضي : هذا تأويل النضر بن شميل , ونحوه عن ابن الأعرابي . الثاني : أن المراد قدم بعض المخلوقين , فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم . الثالث : أنه يحتمل أن في المخلوقات ما يسمى بهذه التسمية , وأما الرواية التي فيها ( يضع الله فيها رجله ) فقد زعم الإمام أبو بكر بن فورك أنها غير ثابتة عند أهل النقل , ولكن قد رواها مسلم وغيره فهي صحيحة وتأويلها كما سبق في القدم , ويجوز أيضا أن يراد بالرجل الجماعة من الناس , كما يقال : رجل من جراد , أي : قطعة منه , قال القاضي : أظهر التأويلات أنهم قوم استحقوها , وخلقوا لها , قالوا : ولا بد من صرفه عن ظاهره ; لقيام الدليل القطعي العقلي على استحالة الجارحة على الله تعالى . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا يظلم الله من خلقه أحدا ) ‏
‏قد سبق مرات بيان أن الظلم مستحيل في حق الله تعالى , فمن عذبه بذنب أو بلا ذنب فذلك عدل منه سبحانه وتعالى . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا ) ‏
‏هذا دليل لأهل السنة أن الثواب ليس متوقفا على الأعمال , فإن هؤلاء يخلقون حينئذ , ويعطون في الجنة ما يعطون بغير عمل , ومثله أمر الأطفال والمجانين الذين لم يعملوا طاعة قط , فكلهم في الجنة برحمة الله تعالى وفضله . ‏
‏وفي هذا الحديث : دليل على عظم سعة الجنة , فقد جاء في الصحيح : أن للواحد فيها مثل الدنيا وعشرة أمثالها , ثم يبقى فيها شيء لخلق ينشئهم الله تعالى .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:19 PM
‏حدثني ‏ ‏عبيد الله بن عمر القواريري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد بن زيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏بديل ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن شقيق ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها ‏ ‏قال ‏ ‏حماد ‏ ‏فذكر من طيب ريحها وذكر المسك قال ويقول أهل السماء روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه فينطلق به إلى ربه عز وجل ثم يقول انطلقوا به إلى ‏ ‏آخر الأجل ‏ ‏قال وإن الكافر إذا خرجت روحه ‏ ‏قال ‏ ‏حماد ‏ ‏وذكر من نتنها وذكر لعنا ويقول أهل السماء روح خبيثة جاءت من قبل الأرض قال فيقال انطلقوا به إلى ‏ ‏آخر الأجل ‏ ‏قال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏فرد رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ريطة ‏ ‏كانت عليه على أنفه هكذا ‏





صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله في روح المؤمن : ( ثم يقول انطلقوا به إلى آخر الأجل , ثم قال في روح الكافر فيقال : انطلقوا به إلى آخر الأجل ) ‏
‏قال القاضي : المراد بالأول : انطلقوا بروح المؤمن إلى سدرة المنتهى , والمراد بالثاني انطلقوا بروح الكافر إلى سجين , فهي منتهى الأجل , ويحتمل أن المراد إلى انقضاء أجل الدنيا . ‏

‏قوله : ( فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريطة كانت عليه على أنفه ) ‏
‏الريطة بفتح الراء وإسكان الياء وهو ثوب رقيق , وقيل : هي الملاءة , وكان سبب ردها على الأنف بسبب ما ذكر من نتن ريح روح الكافر .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:19 PM
‏حدثنا ‏ ‏أبو خيثمة زهير بن حرب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الوليد بن مسلم ‏ ‏حدثني ‏ ‏عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ‏ ‏حدثني ‏ ‏يحيى بن جابر الطائي ‏ ‏قاضي ‏ ‏حمص ‏ ‏حدثني ‏ ‏عبد الرحمن بن جبير ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏جبير بن نفير الحضرمي ‏ ‏أنه سمع ‏ ‏النواس بن سمعان الكلابي ‏ ‏ح ‏ ‏و حدثني ‏ ‏محمد بن مهران الرازي ‏ ‏واللفظ له ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الوليد بن مسلم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ‏ ‏عن ‏ ‏يحيى بن جابر الطائي ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن جبير بن نفير ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏جبير بن نفير ‏ ‏عن ‏ ‏النواس بن سمعان ‏ ‏قال ‏
‏ذكر رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏الدجال ‏ ‏ذات غداة ‏ ‏فخفض ‏ ‏فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال ‏ ‏ما شأنكم قلنا يا رسول الله ذكرت ‏ ‏الدجال ‏ ‏غداة ‏ ‏فخفضت ‏ ‏فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل فقال غير ‏ ‏الدجال ‏ ‏أخوفني عليكم إن يخرج وأنا فيكم فأنا ‏ ‏حجيجه ‏ ‏دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ ‏ ‏حجيج ‏ ‏نفسه والله خليفتي على كل مسلم إنه شاب ‏ ‏قطط ‏ ‏عينه ‏ ‏طافئة ‏ ‏كأني أشبهه ‏ ‏بعبد العزى بن قطن ‏ ‏فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة ‏ ‏الكهف ‏ ‏إنه خارج ‏ ‏خلة ‏ ‏بين ‏ ‏الشأم ‏ ‏والعراق ‏ ‏فعاث ‏ ‏يمينا ‏ ‏وعاث ‏ ‏شمالا يا عباد الله فاثبتوا قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة ‏ ‏أتكفينا فيه صلاة يوم قال لا اقدروا له قدره قلنا يا رسول الله وما إسراعه في الأرض قال كالغيث ‏ ‏استدبرته ‏ ‏الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ‏ ‏فتروح ‏ ‏عليهم ‏ ‏سارحتهم ‏ ‏أطول ما كانت ‏ ‏ذرا ‏ ‏وأسبغه ضروعا ‏ ‏وأمده خواصر ‏ ‏ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ‏ ‏ممحلين ‏ ‏ليس بأيديهم شيء من أموالهم ويمر ‏ ‏بالخربة ‏ ‏فيقول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها ‏ ‏كيعاسيب ‏ ‏النحل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه ‏ ‏جزلتين ‏ ‏رمية الغرض ‏ ‏ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك فبينما هو كذلك إذ بعث الله ‏ ‏المسيح ابن مريم ‏ ‏فينزل عند ‏ ‏المنارة البيضاء ‏ ‏شرقي ‏ ‏دمشق ‏ ‏بين ‏ ‏مهرودتين ‏ ‏واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه ‏ ‏جمان ‏ ‏كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي ‏ ‏طرفه ‏ ‏فيطلبه حتى يدركه ‏ ‏بباب لد ‏ ‏فيقتله ثم يأتي ‏ ‏عيسى ابن مريم ‏ ‏قوم قد ‏ ‏عصمهم ‏ ‏الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى ‏ ‏عيسى ‏ ‏إني قد أخرجت عبادا لي ‏ ‏لا يدان ‏ ‏لأحد بقتالهم ‏ ‏فحرز ‏ ‏عبادي إلى ‏ ‏الطور ‏ ‏ويبعث الله ‏ ‏يأجوج ‏ ‏ومأجوج ‏ ‏وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على ‏ ‏بحيرة طبرية ‏ ‏فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء ويحصر نبي الله ‏ ‏عيسى ‏ ‏وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم ‏ ‏فيرغب ‏ ‏نبي الله ‏ ‏عيسى ‏ ‏وأصحابه فيرسل الله عليهم ‏ ‏النغف ‏ ‏في رقابهم فيصبحون ‏ ‏فرسى ‏ ‏كموت نفس واحدة ثم يهبط نبي الله ‏ ‏عيسى ‏ ‏وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه ‏ ‏زهمهم ‏ ‏ونتنهم ‏ ‏فيرغب ‏ ‏نبي الله ‏ ‏عيسى ‏ ‏وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيرا كأعناق ‏ ‏البخت ‏ ‏فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ثم يرسل الله مطرا لا ‏ ‏يكن ‏ ‏منه بيت ‏ ‏مدر ‏ ‏ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها ‏ ‏كالزلفة ‏ ‏ثم يقال للأرض أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل ‏ ‏العصابة ‏ ‏من الرمانة ويستظلون ‏ ‏بقحفها ‏ ‏ويبارك في ‏ ‏الرسل ‏ ‏حتى أن ‏ ‏اللقحة ‏ ‏من الإبل ‏ ‏لتكفي ‏ ‏الفئام ‏ ‏من الناس ‏ ‏واللقحة ‏ ‏من البقر ‏ ‏لتكفي القبيلة من الناس ‏ ‏واللقحة ‏ ‏من الغنم ‏ ‏لتكفي ‏ ‏الفخذ ‏ ‏من الناس فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس ‏ ‏يتهارجون ‏ ‏فيها ‏ ‏تهارج الحمر ‏ ‏فعليهم تقوم الساعة ‏
‏حدثنا ‏ ‏علي بن حجر السعدي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ‏ ‏والوليد بن مسلم ‏ ‏قال ‏ ‏ابن حجر ‏ ‏دخل حديث أحدهما في حديث الآخر ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ‏ ‏بهذا الإسناد ‏ ‏نحو ما ذكرنا وزاد بعد قوله لقد كان بهذه مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى ‏ ‏جبل الخمر ‏ ‏وهو جبل ‏ ‏بيت المقدس ‏ ‏فيقولون لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء فيرمون ‏ ‏بنشابهم ‏ ‏إلى السماء فيرد الله عليهم ‏ ‏نشابهم ‏ ‏مخضوبة ‏ ‏دما ‏ ‏وفي رواية ‏ ‏ابن حجر ‏ ‏فإني قد أنزلت عبادا لي لا ‏ ‏يدي ‏ ‏لأحد بقتالهم ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-04-2009, 03:21 PM
صحيح مسلم بشرح النووي

‏قوله : ( سمع النواس بن سمعان ) ‏
‏بفتح السين وكسرها . ‏

‏( ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة , فخفض فيه ورفع , حتى ظنناه في طائفة النخل ) ‏
‏هو بتشديد الفاء فيهما , وفي معناه قولان : أحدهما أن خفض بمعنى حقر , وقوله ( رفع ) أي عظمه وفخمه , فمن تحقيره وهو أنه على الله تعالى عوره , ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " هو أهون على الله من ذلك " وأنه لا يقدر على قتل أحد إلا ذلك الرجل , ثم يعجز عنه , وأنه يضمحل أمره , ويقتل بعد ذلك هو وأتباعه . ومن تفخيمه وتعظيم فتنته والمحنة به هذه الأمور الخارقة للعادة , وأنه ما من نبي إلا وقد أنذره قومه . والوجه الثاني أنه خفض من صوته في حال الكثرة فيما تكلم فيه , فخفض بعد طول الكلام والتعب ليستريح , ثم رفع ليبلغ صوته كل أحد . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( غير الدجال أخوفني عليكم ) ‏
‏هكذا هو في جميع نسخ بلادنا : ( أخوفني ) بنون بعد الفاء , وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين . قال : ورواه بعضهم بحذف النون , وهما لغتان صحيحتان , ومعناهما واحد . قال شيخنا الإمام أبو عبد الله إنما مالك رحمه الله تعالى : الحاجة داعية إلى الكلام في لفظ الحديث ومعناه , فأما لفظه لكونه تضمن ما لا يعتاد من إضافة أخوف إلى ياء المتكلم مقرونة بنون الوقاية , وهذا الاستعمال إنما يكون مع الأفعال المتعدية , والجواب أنه كان الأصل إثباتها , ولكنه أصل متروك , فنبه عليه في قليل من كلامهم , وأنشد فيه أبياتا منها ما أنشده الفراء . ‏ ‏فما أدري فظني كل ظن ‏ ‏أمسلمتي إلى قومي شراحي ‏ ‏يعني شراحيل فرخمه في غير الندا للضرورة وأنشد غيره : ‏ ‏وليس الموافيني ليرفد خائبا ‏ ‏فإن له أضعاف ما كان أملا ‏ ‏ولأفعل التفضيل أيضا شبه بالفعل , وخصوصا بفعل التعجب , فجاز أن تلحقه النون المذكورة في الحديث كما لحقت في الأبيات المذكورة . هذا هو الأظهر في هذه النون هنا , ويحتمل أن يكون معناه أخوف لي فأبدلت النون من اللام كما أبدلت في ( لعن وعن ) بمعنى ( لعل وعل ) . وأما معنى الحديث ففيه أوجه أظهرها أنه من أفعل التفضيل , وتقديره غير الدجال أخوف مخوفاتي عليكم , ثم حذف المضاف إلى الياء , ومنه أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون , معناه أن الأشياء التي أخافها على أمتي أحقها بأن تخاف الأئمة المضلون . والثاني بأن يكون أخوف من أخاف بمعنى خوف , ومعناه غير الدجال أشد موجبات خوفي عليكم . والثالث أن يكون من باب وصف المعاني بما يوصف به الأعيان على سبيل المبالغة , كقولهم في الشعر الفصيح : شعر شاعر , وخوف فلان أخوف من خوفك , وتقديره خوف غير الدجال أخوف خوفي عليكم , ثم حذف المضاف الأول , ثم الثاني . هذا آخر كلام الشيخ رحمه الله . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنه شاب قطط ) ‏
‏هو بفتح القاف والطاء أي شديد جعودة الشعر , مباعد للجعودة المحبوبة . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنه خارج خلة بين الشام والعراق ) ‏
‏هكذا في نسخ بلادنا : ( خلة ) بفتح الخاء المعجمة واللام وتنوين الهاء . وقال القاضي : المشهور فيه ( حلة ) بالحاء المهملة , ونصب التاء يعني غير منونة . قيل : معناه سمت ذلك وقبالته وفي كتاب العين الحلة موضع حزن وصخور . قال : ورواه بعضهم ( حله ) بضم اللام وبهاء الضمير أي نزوله وحلوله قال : وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين . ‏
‏قال : وذكره الهروي ( خلة ) بالخاء المعجمة وتشديد اللام المفتوحتين , وفسره بأنه ما بين البلدين . هذا آخر ما ذكره القاضي , وهذا الذي ذكره عن الهروي هو الموجود في نسخ بلادنا , وفي الجمع بين الصحيحين أيضا ببلادنا , وهو الذي رجحه صاحب نهاية الغريب , وفسره بالطريق بينهما . ‏

‏قوله : ( فعاث يمينا وعاث شمالا ) ‏
‏هو بعين مهملة وثاء مثلثة مفتوحة , وهو فعل ماض , والعيث الفساد , أو أشد الفساد والإسراع فيه , يقال منه : عاث يعيث , وحكى القاضي أنه رواه بعضهم فعاث بكسر الثاء منونة اسم فاعل , وهو بمعنى الأول . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( يوم كسنة , ويوم كشهر , ويوم كجمعة , وسائر أيامه كأيامكم ) ‏
‏قال العلماء هذا الحديث على ظاهره , وهذه الأيام الثلاثة طويلة على هذا القدر المذكور في الحديث يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : ( وسائر أيامه كأيامكم ) . ‏
‏وأما قولهم : ( يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا اقدروا له قدره ) ‏
‏فقال القاضي وغيره : هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع . قالوا : ولولا هذا الحديث , ووكلنا إلى اجتهادنا , لاقتصرنا فيه على الصلوات الخمس عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام . ‏
‏ومعنى ( اقدروا له قدره ) ‏
‏أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم فصلوا الظهر , ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر , وإذا مضى بعد هذا قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب , وكذا العشاء والصبح , ثم الظهر , ثم العصر , ثم المغرب , وهكذا حتى ينقضي ذلك اليوم . وقد وقع فيه صلوات ستة , فرائض كلها مؤداة في وقتها . وأما الثاني الذي كشهر , والثالث الذي كجمعة , فقياس اليوم الأول أن يقدر لهما كاليوم الأول على ما ذكرناه , والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا , وأسبغه ضروعا , وأمده خواصر ) ‏
‏أما ( تروح ) فمعناه ترجع آخر النهار , ( والسارحة ) هي الماشية التي تسرح أي تذهب أول النهار إلى المرعى . وأما ( الذري ) فبضم الذال المعجمة وهي الأعالي و ( الأسنمة ) جمع ذروة بضم الذال وكسرها . وقوله : ( وأسبغه ) بالسين المهملة والغين المعجمة أي أطوله لكثرة اللبن , وكذا ( أمده خواصر ) لكثرة امتلائها من الشبع . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ) ‏
‏هي ذكور النحل , هكذا فسره ابن قتيبة وآخرون . قال القاضي : المراد جماعة النحل لا ذكورها خاصة , لكنه كنى عن الجماعة باليعسوب , وهو أميرها , لأنه متى طار تبعته جماعته . والله أعلم . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيقطعه جزلتين رمية الغرض ) ‏
‏بفتح الجيم على المشهور , وحكى ابن دريد كسرها , أي قطعتين . ومعنى ( رمية الغرض ) أنه يجعل بين الجزلتين مقدار رميته . هذا هو الظاهر المشهور , وحكى القاضي هذا , ثم قال : وعندي أن فيه تقديما وتأخيرا , وتقديره فيصيبه إصابة رمية الغرض , فيقطعه جزلتين , والصحيح الأول . ‏

‏قوله : ( فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين ) ‏
‏أما ( المنارة ) فبفتح الميم وهذه المنارة موجودة اليوم شرقي دمشق , ودمشق بكسر الدال وفتح الميم , وهذا هو المشهور , وحكى صاحب المطالع كسر الميم , وهذا الحديث من فضائل دمشق . وفي ( عند ) ثلاث لغات : كسر العين وضمها وفتحها , والمشهور الكسر . وأما ( المهرودتان ) فروي بالدال المهملة , والذال المعجمة , والمهملة أكثر , والوجهان مشهوران للمتقدمين والمتأخرين من أهل اللغة والغريب وغيرهم , وأكثر ما يقع في النسخ بالمهملة كما هو المشهور , ومعناه لابس مهرودتين أي ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران , وقيل : هما شقتان , والشقة نصف الملاءة . ‏


http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-04-2009, 03:22 PM
‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( تحدر منه جمان كاللؤلؤ ) ‏
‏الجمان بضم الجيم وتخفيف الميم هي حبات من الفضة تصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار , والمراد يتحدر منه الماء على هيئة اللؤلؤ في صفائه , فسمي الماء جمانا لشبهه به في الصفاء . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ) ‏
‏هكذا الرواية : ( فلا يحل ) بكسر الحاء . و ( نفسه ) بفتح الفاء . ومعنى ( لا يحل ) لا يمكن ولا يقع , وقال القاضي : معناه عندي حق وواجب . قال : ورواه بعضهم بضم الحاء , وهو وهم وغلط . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( يدركه بباب لد ) ‏
‏هو بضم اللام وتشديد الدال مصروف , وهو بلدة قريبة من بيت المقدس . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( ثم يأتي عيسى صلى الله عليه وسلم قوما قد عصمهم الله منه , فيمسح عن وجوههم ) ‏
‏قال القاضي يحتمل أن هذا المسح حقيقة على ظاهره , فيمسح على وجوههم تبركا وبرا . ويحتمل أنه إشارة إلى كشف ما هم فيه من الشدة والخوف . ‏

‏قوله تعالى : ( أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ) ‏
‏فقوله ( لا يدان ) بكسر النون تثنية ( يد ) . قال العلماء : معناه لا قدرة ولا طاقة , يقال : ما لي بهذا الأمر يد , وما لي به يدان ; لأن المباشرة والدفع إنما يكون باليد , وكأن يديه معدومتان لعجزه عن دفعه . ومعنى ( حرزهم إلى الطور ) أي ضمهم واجعله لهم حرزا . يقال : أحرزت الشيء أحرزه إحرازا إذا حفظته وضممته إليك , وصنته عن الأخذ . وقع في بعض النسخ ( حزب ) بالحاء والزاي والباء أي اجمعهم . قال القاضي : وروي ( حوز ) بالواو والزاي , ومعناه نحهم وأزلهم عن طريقهم إلى الطور . ‏

‏قوله : ( وهم من كل حدب ينسلون ) ‏
‏( الحدب ) النشز و ( ينسلون ) يمشون مسرعين . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم ( فيرسل الله تعالى عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى ) ‏
‏( النغف ) بنون وغين معجمة مفتوحتين ثم فاء , وهو دود يكون في أنوف الإبل والغنم , الواحدة : نغفة . و ( الفرسى ) بفتح الفاء مقصور أي قتلى , واحدهم فريس . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( ملأه زهمهم ونتنهم ) ‏
‏هو بفتح الهاء أي دسمهم ورائحتهم الكريهة . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يكن منه بيت مدر ) ‏
‏أي لا يمنع من نزول الماء بيت . ( المدر ) بفتح الميم والدال , وهو الطين الصلب . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ) ‏
‏روي بفتح الزاي واللام والقاف , وروي ( الزلفة ) بضم الزاء وإسكان اللام وبالفاء , وروي ( الزلفة ) بفتح الزاي واللام وبالفاء , وقال القاضي : روي بالفاء والقاف وبفتح اللام وبإسكانها . وكلها صحيحة . قال في المشارق : والزاي مفتوحة . واختلفوا في معناه , فقال ثعلب وأبو زيد وآخرون : معناه كالمرآة , وحكى صاحب المشارق هذا عن ابن عباس أيضا , شبهها بالمرآة في صفائها ونظافتها , وقيل : كمصانع الماء أي إن الماء يستنقع فيها حتى تصير كالمصنع الذي يجتمع فيه الماء . وقال أبو عبيد : معناه كالإجانة الخضراء , وقيل : كالصحفة , وقيل : كالروضة . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ) ‏
‏العصابة الجماعة , و ( قحفها ) بكسر القاف هو مقعر قشرها , شبهها بقحف الرأس , وهو الذي فوق الدماغ , وقيل : ما انفلق من جمجمته وانفصل . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ) ‏
‏( الرسل ) بكسر الراء وإسكان السين هو اللبن , واللقحة بكسر اللام وفتحها , لغتان مشهورتان , والكسر أشهر , وهي القريبة العهد بالولادة , وجمعها لقح بكسر اللام وفتح القاف , كبركة وبرك . واللقوح ذات اللبن , وجمعها لقاح . والفئام بكسر الفاء وبعدها همزة ممدودة , وهي الجماعة الكثيرة . هذا هو المشهور والمعروف في اللغة وكتب الغريب , ورواية الحديث أنه بكسر الفاء والهمز . قال القاضي : ومنهم من لا يجيز الهمز , بل يقوله بالياء . وقال في المشارق : وحكاه الخليل بفتح الفاء , وهي رواية القابسي . ‏
‏قال : وذكره صاحب العين غير مهموز , فأدخله في حرف الياء , وحكى الخطابي أن بعضهم ذكره بفتح الفاء وتشديد الياء , وهو غلط فاحش . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( لتكفي الفخذ من الناس ) ‏
‏قال أهل اللغة : الفخذ الجماعة من الأقارب , وهم دون البطن , والبطن دون القبيلة . قال القاضي : قال ابن فارس : الفخذ هنا بإسكان الخاء لا غير , فلا يقال إلا بإسكانها , بخلاف الفخذ التي هي العضو , فإنها تكسر وتسكن . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ) ‏
‏هكذا هو في جميع نسخ مسلم : ( وكل مسلم ) بالواو . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( يتهارجون تهارج الحمر ) ‏
‏أي يجامع الرجال النساء بحضرة الناس كما يفعل الحمير , ولا يكترثون لذلك : ( والهرج ) بإسكان الراء الجماع , يقال : هرج زوجته أي جامعها يهرجها , بفتح الراء وضمها وكسرها . ‏

‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر ) ‏
‏هو بخاء معجمة وميم مفتوحتين , والخمر الشجر الملتف الذي يستر من فيه , وقد فسره في الحديث بأنه جبل بيت المقدس . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:23 PM
‏حدثنا ‏ ‏أبو بكر بن النضر بن أبي النضر ‏ ‏حدثني ‏ ‏أبو النضر هاشم بن القاسم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبيد الله الأشجعي ‏ ‏عن ‏ ‏سفيان الثوري ‏ ‏عن ‏ ‏عبيد المكتب ‏ ‏عن ‏ ‏فضيل ‏ ‏عن ‏ ‏الشعبي ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏قال ‏
‏كنا عند رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فضحك فقال هل تدرون مم أضحك قال قلنا الله ورسوله أعلم قال من مخاطبة العبد ربه يقول ‏ ‏يا رب ألم ‏ ‏تجرني ‏ ‏من الظلم قال يقول بلى قال فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على ‏ ‏فيه ‏ ‏فيقال ‏ ‏لأركانه ‏ ‏انطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم ‏ ‏يخلى بينه وبين الكلام قال فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل ‏


صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( فيقال لأركانه ) ‏
‏أي لجوارحه . ‏

‏وقوله : ( كنت أناضل ) ‏
‏أي أدافع وأجادل .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:24 PM
‏حدثني ‏ ‏زهير بن حرب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسمعيل بن إبراهيم ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏روح بن القاسم ‏ ‏عن ‏ ‏العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال الله تبارك وتعالى ‏ ‏أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ‏

صحيح مسلم بشرح النووي


‏قوله تعالى : ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك , من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه ) ‏
‏هكذا وقع في بعض الأصول : ( وشركه ) , وفي بعضها ( وشريكه ) , وفي بعضها : ( وشركته ) . ومعناه أنا غني عن المشاركة وغيرها , فمن عمل شيئا لي ولغيري لم أقبله , بل أتركه لذلك الغير . والمراد أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه , ويأثم به .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:25 PM
الأحاديث القدسية في سنن الترمذي

‏حدثنا ‏ ‏محمد بن يحيى النيسابوري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏معمر ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏قال ‏
‏فرضت على النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ليلة أسري به الصلوات خمسين ثم نقصت حتى جعلت خمسا ثم نودي ‏ ‏يا ‏ ‏محمد ‏ ‏إنه لا يبدل القول لدي وإن لك بهذه الخمس خمسين ‏
‏قال ‏ ‏وفي ‏ ‏الباب ‏ ‏عن ‏ ‏عبادة بن الصامت ‏ ‏وطلحة بن عبيد الله ‏ ‏وأبي ذر ‏ ‏وأبي قتادة ‏ ‏ومالك بن صعصعة ‏ ‏وأبي سعيد الخدري ‏ ‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏حديث ‏ ‏أنس ‏ ‏حديث حسن صحيح غريب ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به الصلاة خمسين ) ‏
‏وفي رواية ثابت عن أنس عند مسلم فرض الله علي خمسين صلاة كل يوم وليلة وفي رواية للبخاري فرض الله على أمتي خمسين صلاة قال الحافظ فيحتمل أن يقال في كل من رواية الباب اختصار , أو يقال ذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على الأمة وبالعكس إلا ما يستثنى من خصائصه ‏
‏( ثم نقصت حتى جعلت خمسا ) ‏
‏قاله الحافظ قد حققت رواية ثابت أن التخفيف كان خمسا خمسا وهي زيادة معتمدة يتعين حمل باقي الروايات عليها ‏
‏( ثم نودي يا محمد إنه ) ‏
‏الضمير للشأن ‏
‏( لا يبدل القول ) ‏
‏ي لا يغير ‏
‏( وإن لك بهذا الخمس خمسين ) ‏
‏أي ثواب خمسين صلاة والحديث استدل به على فرضية الصلوات الخمس وعدم فرضية ما زاد عليها كالوتر , وعلى جواز النسخ قبل الفعل , قال الحافظ في الفتح : قال ابن بطال وغيره ألا ترى أنه عز وجل نسخ الخمسين بالخمس قبل أن تصلى ثم تفضل عليهم بأن أكمل لهم الثواب , وتعقبه ابن المنير فقال هذا ذكره طوائف من الأصوليين والشراح وهو مشكل على من أثبت النسخ قبل الفعل كالأشاعرة أو منعه كالمعتزلة لكونهم اتفقوا جميعا على أن لا يتصور قبل البلاغ , وحديث الإسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ فهو مشكل عليهم جميعا . وقال وهذه نكتة مبتكرة . قال الحافظ إن أراد البلاغ لكل أحد فممنوع وإن أراد قبل البلاغ إلى أمته فمسلم . لكن قد يقال ليس هو بالنسبة إليهم نسخا , لكن هو بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم نسخ لأنه كلف بذلك قطعا ثم نسخ بعد أن بلغه , وقبل أن يفعل فالمسألة صحيحة التصوير في حقه صلى الله عليه وسلم انتهى . ‏

‏قوله : ( وفي الباب عن عبادة بن الصامت وطلحة بن عبيد الله وأبي قتادة وأبي ذر ومالك ابن صعصعة وأبي سعيد الخدري ) ‏
‏أما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه أحمد والنسائي عنه مرفوعا : خمس صلوات افترضهن الله تعالى من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له الحديث , وروى مالك والنسائي نحوه , وأما حديث طلحة بن عبيد الله فأخرجه الشيخان عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول الحديث , وفيه خمس صلوات في اليوم والليلة الحديث . وأما حديث أبي قتادة فلينظر من أخرجه , وأما حديث أبي ذر فأخرجه الشيخان , وأما حديث مالك بن صعصعة فأخرجه الشيخان أيضا وأما حديث أبي سعيد الخدري فلينظر من أخرجه . ‏

‏قوله : ( حديث أنس حديث حسن صحيح غريب ) ‏
‏وأخرجه أحمد والنسائي والحديث طرف من حديث الإسراء الطويل وأخرجه الشيخان مطولا . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:26 PM
‏حدثنا ‏ ‏علي بن نصر بن علي الجهضمي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏سهل بن حماد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏همام ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏الحسن ‏ ‏عن ‏ ‏حريث بن قبيصة ‏ ‏قال ‏
‏قدمت ‏ ‏المدينة ‏ ‏فقلت اللهم يسر لي جليسا صالحا قال فجلست إلى ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏فقلت إني سألت الله أن يرزقني جليسا صالحا فحدثني بحديث سمعته من رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لعل الله أن ينفعني به فقال سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل ‏ ‏انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك ‏
‏قال ‏ ‏وفي ‏ ‏الباب ‏ ‏عن ‏ ‏تميم الداري ‏ ‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏حديث ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏حديث حسن غريب ‏ ‏من هذا الوجه ‏ ‏وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏وقد روى بعض أصحاب ‏ ‏الحسن ‏ ‏عن ‏ ‏الحسن ‏ ‏عن ‏ ‏قبيصة بن حريث ‏ ‏غير هذا الحديث والمشهور هو ‏ ‏قبيصة بن حريث ‏ ‏وروي عن ‏ ‏أنس بن حكيم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نحو هذا ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( عن الحسن ) ‏
‏هو الحسن البصري ‏
‏( عن حريث بن قبيصة ) ‏
‏قال في التقريب : قبيصة بن حريث ويقال حريث بن قبيصة والأول أشهر الأنصاري البصري صدوق من الثالثة . ‏
‏قوله : ‏
‏" إن أول ما يحاسب به العبد " ‏
‏بالرفع على نيابة الفاعل ‏
‏" يوم القيامة من عمله صلاته " ‏
‏أي المفروضة . قال العراقي في شرح الترمذي : لا تعارض بينه وبين الحديث الصحيح : إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء . فحديث الباب محمول على حق الله تعالى , وحديث الصحيح محمول على حقوق الآدميين فيما بينهم . فإن قيل : فأيهما يقدم محاسبة العباد على حق الله أو محاسبتهم على حقوقهم , فالجواب أن هذا أمر توقيفي وظواهر الأحاديث دالة على أن الذي يقع أولا المحاسبة على حقوق الله تعالى قبل حقوق العباد انتهى . وقيل الأول من ترك العبادات والثاني من فعل السيئات ‏
‏" فإن صلحت " ‏
‏بضم اللام وفتحها , قال ابن الملك : صلاحها بأدائها صحيحة ‏
‏" فقد أفلح وأنجح " ‏
‏الفلاح الفوز والظفر , والإنجاح بتقديم الجيم على الحاء يقال أنجح فلان إذا أصاب مطلوبه . قال القاري في المرقاة : فقد أفلح أي فاز بمقصوده , وأنجح أي ظفر بمطلوبه فيكون فيه تأكيد , وفاز بمعنى خلص من العقاب , وأنجح أي حصل له الثواب ‏
‏" وإن فسدت " ‏
‏بأن لم تؤد أو أديت غير صحيحة أو غير مقبولة ‏
‏" فقد خاب " ‏
‏بحرمان المثوبة ‏
‏" وخسر " ‏
‏بوقوع العقوبة , وقيل معنى خاب ندم وخسر أي صار محروما من الفوز والخلاص قبل العذاب ‏
‏" فإن انتقص " ‏
‏بمعنى نقص المتعدي ‏
‏" شيئا " ‏
‏أي من الفرائض ‏
‏" هل لعبدي من تطوع " ‏
‏أي في صحيفته سنة أو نافلة من صلاة على ما هو ظاهر من السياق قبل الفرض أو بعده أو مطلقا ‏
‏" فيكمل " ‏
‏بالتشديد ويخفف على بناء الفاعل أو المفعول وهو الأظهر وبالنصب ويرفع قاله القاري ‏
‏" بها " ‏
‏قال ابن الملك : أي بالتطوع وتأنيث الضمير باعتبار النافلة . وقال الطيبي : الظاهر نصب فيكمل على أنه من كلام الله تعالى جوابا للاستفهام , ويؤيده رواية أحمد فكملوا بها فريضته , وإنما أنث ضمير التطوع في بها نظرا إلى الصلاة ‏
‏" ما انتقص من الفريضة " ‏
‏فهو متعد قال العراقي في شرح الترمذي : يحتمل أن يراد به ما انتقصه من السنن والهيئات المشروعة فيها من الخشوع والأذكار والأدعية وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة وإن لم يفعله . فيها وإنما فعله في التطوع , ويحتمل أن يراد به ما انتقص أيضا من فروضها وشروطها , ويحتمل أن يراد ما ترك من الفرائض رأسا فلم يصله فيعوض عنه من التطوع . والله سبحانه وتعالى يقبل من التطوعات الصحيحة عوضا عن الصلوات المفروضة انتهى . وقال ابن العربي : يحتمل أن يكون يكمل له ما نقص من فرض الصلاة وإعدادها بفضل التطوع , ويحتمل ما نقصه من الخشوع والأول عندي أظهر لقوله ثم الزكاة كذلك وسائر الأعمال , وليس في الزكاة إلا فرض أو فضل فكما يكمل فرض الزكاة بفضلها كذلك الصلاة وفضل الله أوسع ووعده أنفذ وعزمه أعم انتهى ‏
‏" ثم يكون سائر عمله على ذلك " ‏
‏أي إن انتقص فريضة من سائر الأعمال تكمل من التطوع . ‏

‏قوله : ( وفي الباب عن تميم الداري ) ‏
‏أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه بلفظ . أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن كان أتمها كتبت له تامة وإن لم يكن أتمها قال الله تعالى لملائكته : انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع ; فيكمل بها فريضته ثم الزكاة كذلك , ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك . ‏

‏قوله ( حديث أبي هريرة حديث حسن غريب إلخ ) ‏
‏وأخرجه أبو داود ورواه أحمد عن رجل كذا في المشكاة قال ميرك : ورواه الترمذي بهذا اللفظ وابن ماجه . قال ابن حجر : ورواه النسائي وآخرون , ورواه أبو داود أيضا من رواية تميم الداري معناه بإسناد صحيح : وأما خبر لا تقبل نافلة المصلي حتى يؤدي الفريضة فضعيف كذا في المرقاة . ‏

‏قوله : ( وقد روى بعض أصحاب الحسن عن الحسن عن قبيصة بن حريث غير هذا الحديث والمشهور هو قبيصة بن حريث ) ‏
‏قال الحافظ في تهذيب التهذيب : قبيصة بن حريث , ويقال حريث بن قبيصة الأنصاري البصري روى عن سلمة بن المحبق وعنه الحسن البصري . قال البخاري : في حديثه نظر . وقال الترمذي : في حديث حريث بن قبيصة عن أبي هريرة : رواه بعض أصحاب الحسن عنه عن قبيصة بن حريث والمشهور هو قبيصة بن حريث , وذكره ابن حبان في الثقات وقال مات في طاعون الجارف سنة 167 سبع وستين ومائة . قال الحافظ : وجهله ابن القطان , وقال النسائي لا يصح حديثه , وذكر أبو العرب التميمي أن أبا الحسن العجلي قال : قبيصة بن حريث تابعي ثقة , وأفرط ابن حزم فقال ضعيف مطروح انتهى . ‏
‏قوله : ( وروي عن أنس بن حكيم ) ‏
‏الضبي البصري مستور من الثالثة ( ‏
‏عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ) ‏
‏رواه أبو داود , عن الحسن عن أنس بن حكيم الضبي قال : خاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة قال فنسبني فانتسبت له فقال يا فتى ألا أحدثك حديثا قال : قلت : بلى رحمك الله , قال : إن أول ما يحاسب الناس الحديث .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:26 PM
‏حدثنا ‏ ‏قتيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني ‏ ‏عن ‏ ‏سهيل بن أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين ‏ ‏يمضي ثلث الليل الأول فيقول ‏ ‏أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر ‏
‏قال ‏ ‏وفي ‏ ‏الباب ‏ ‏عن ‏ ‏علي بن أبي طالب ‏ ‏وأبي سعيد ‏ ‏ورفاعة الجهني ‏ ‏وجبير بن مطعم ‏ ‏وابن مسعود ‏ ‏وأبي الدرداء ‏ ‏وعثمان بن أبي العاص ‏ ‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏حديث ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏حديث حسن صحيح ‏ ‏وقد روي هذا الحديث من أوجه كثيرة عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وروي عنه أنه قال ينزل الله عز وجل حين يبقى ثلث الليل الآخر ‏ ‏وهو أصح الروايات ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني ) ‏
‏ثقة . ‏

‏قوله : " ينزل الله تبارك وتعالى كل ليلة " ‏
‏قد اختلف في معنى النزول على أقوال , فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم , ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة وهم الخوارج والمعتزلة وهو مكابرة ومنهم من أوله ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمنا به على طريق الإجمال منزها الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم , وهذا القول هو الحق فعليك اتباع جمهور السلف وإياك أن تكون من أصحاب التأويل والله تعالى أعلم ‏
‏" حين يمضي ثلث الليل الأول " ‏
‏بالرفع صفة ثلث " من ذا الذي يدعوني فأستجيب " بالنصب على جواب الاستفهام والرفع على الاستئناف , وكذا قوله فأعطيه وفأغفر له , وقد قرئ بهما في قوله تعالى { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له } الآية , وليست السين في أستجيب للطلب بل أستجيب بمعنى أجيب ‏
‏" حتى يضيء الفجر " ‏
‏وفي رواية مسلم حتى ينفجر الفجر , والمعنى حتى يطلع ويظهر الفجر . ‏

‏قوله : ( وفي الباب عن علي بن أبي طالب وأبي سعيد ورفاعة الجهني وجبير بن مطعم وابن مسعود وأبي الدرداء وعثمان بن أبي العاص ) ‏
‏أما حديث علي وابن مسعود وعثمان بن أبي العاص فأخرجه أحمد . وأما حديث جبير بن مطعم ورفاعة الجهني فأخرجه النسائي . وأما حديث أبي الدرداء فأخرجه الطبراني كذا في فتح الباري . وأما حديث أبي سعيد فأخرجه النسائي . ‏

‏قوله : ( حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ) ‏
‏أخرجه الأئمة الستة ‏
‏( وقد روي هذا الحديث من أوجه كثيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ينزل الله تبارك وتعالى حين يبقى ثلث الليل الآخر " وهذا أصح الروايات ) ‏
‏برفع الآخر لأنه صفة الثلث . قال الحافظ في الفتح بعد ذكر قول الترمذي : وهذا أصح الروايات ما لفظه : ويقوي ذلك أن الروايات المخالفة له اختلف فيها على رواتها وسلك بعضهم طريق الجمع , وذلك أن الروايات انحصرت في ستة أشياء : أولها هذه يعني حين يبقى ثلث الليل الآخر , ثانيها إذا مضى الثلث الأول ثالثها الثلث الأول أو النصف , رابعها النصف خامسها النصف أو الثلث الأخير سادسها الإطلاق . فأما الروايات المطلقة فهي محمولة على المقيدة : وأما التي بأو فإن كانت أو للشك فالمجزوم به مقدم على المشكوك فيه , وإن كانت للتردد بين حالين فيجمع بذلك بين الروايات بأن ذلك يقع بحسب اختلاف الأحوال لكون أوقات الليل تختلف في الزمان وفي الآفاق باختلاف تقدم دخول الليل عند قوم , وتأخره عند قوم , وقال بعضهم يحتمل أن يكون النزول يقع في الثلث الأول والقول يقع في النصف والثلث الثاني , وقيل يحمل على أن ذلك يقع في جميع الأوقات التي وردت بها الأخبار , ويحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمور في وقت فأخبر به ثم أعلم به في وقت آخر فأخبر به فنقل الصحابة ذلك عنه والله أعلم انتهى كلام الحافظ . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:27 PM
‏حدثنا ‏ ‏أبو جعفر السمناني ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو مسهر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسمعيل بن عياش ‏ ‏عن ‏ ‏بحير بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏خالد بن معدان ‏ ‏عن ‏ ‏جبير بن نفير ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الدرداء ‏ ‏أو ‏ ‏أبي ذر ‏
‏عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عن الله عز وجل أنه قال ‏ ‏ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏اركع لي من أول النهار أربع ركعات أكفك آخره ‏
‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث حسن غريب ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏( أبو جعفر السمناني ) ‏
‏بكسر السين المهملة وسكون الميم ونونين اسمه محمد بن جعفر ثقة من الحادية عشرة ‏
‏( أخبرنا أبو مسهر ) ‏
‏بمضمومة وسكون مهملة وكسر هاء براء اسمه عبد الأعلى بن مسهر الغساني الدمشقي ثقة فاضل من كبار العاشرة ‏
‏( عن بحير بن سعد ) ‏
‏بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة ثقة ثبت من السادسة . ‏

‏قوله : ( ابن آدم ) ‏
‏أي يا ابن آدم ‏
‏( اركع ) ‏
‏أي صل ‏
‏( لي ) ‏
‏أي خالصا لوجهي ‏
‏( من أول النهار ) ‏
‏قيل المراد صلاة الضحى وقيل صلاة الإشراق . وقيل سنة الصبح وفرضه لأنه أول فرض النهار الشرعي , قلت : حمل المؤلف وكذا أبو داود هذه الركعات على صلاة الضحى ولذلك أدخلا هذا الحديث في باب صلاة الضحى ‏
‏( أكفك ) ‏
‏أي مهماتك ‏
‏( آخره ) ‏
‏أي النهار . قال الطيبي أي أكفك شغلك وحوائجك وأدفع عنك ما تكرهه بعد صلاتك إلى آخر النهار : والمعنى أفرغ بالك بعبادتي في أول النهار أفرغ بالك في آخره بقضاء حوائجك انتهى . ‏

‏قوله : ( هذا حديث غريب ) ‏
‏قال المنذري في تلخيص السنن : وأخرجه الترمذي من حديث أبي الدرداء وأبو ذر وقال حسن غريب هذا آخر كلامه وفي إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال , ومن الأئمة من يصحح حديثه عن الشاميين وهذا الحديث شامي الإسناد انتهى وعلم من كلام المنذري هذا أن في نسخة الترمذي التي كانت عنده كان فيها هذا حديث حسن غريب .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:27 PM
‏حدثنا ‏ ‏إسحق بن موسى الأنصاري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الوليد بن مسلم ‏ ‏عن ‏ ‏الأوزاعي ‏ ‏عن ‏ ‏قرة بن عبد الرحمن ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال الله عز وجل ‏ ‏أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا ‏
‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن عبد الرحمن ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏أبو عاصم ‏ ‏وأبو المغيرة ‏ ‏عن ‏ ‏الأوزاعي ‏ ‏بهذا الإسناد ‏ ‏نحوه ‏ ‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث حسن غريب ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا ) ‏
‏أي أكثرهم تعجيلا في الإفطار . قال الطيبي : ولعل السبب في هذه المحبة المتابعة للسنة والمباعدة عن البدعة والمخالفة لأهل الكتاب انتهى . وقال القاري : وفيه إيماء إلى أفضلية هذه الأمة لأن متابعة الحديث توجب محبة الله تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } وإليه الإشارة بحديث : " لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون " انتهى . ‏

‏قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) ‏
‏ورواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما نقله ميرك , كذا في المرقاة . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:28 PM
‏حدثنا ‏ ‏عمران بن موسى القزاز ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الوارث بن سعيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏علي بن زيد ‏ ‏عن ‏ ‏سعيد بن المسيب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن ربكم يقول ‏ ‏كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف والصوم لي وأنا أجزي به الصوم ‏ ‏جنة ‏ ‏من النار ‏ ‏ولخلوف ‏ ‏فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم فليقل إني صائم ‏
‏وفي ‏ ‏الباب ‏ ‏عن ‏ ‏معاذ بن جبل ‏ ‏وسهل بن سعد ‏ ‏وكعب بن عجرة ‏ ‏وسلامة بن قيصر ‏ ‏وبشير ابن الخصاصية ‏ ‏واسم ‏ ‏بشير زحم بن معبد ‏ ‏والخصاصية ‏ ‏هي أمه ‏ ‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏وحديث ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏حديث حسن غريب ‏ ‏من هذا الوجه ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( القزاز ) ‏
‏بفتح القاف وشد الزاي الأولى , قال في القاموس : القز الإبريسم والقزاز ككتان بائع القز . ‏

‏قوله : ( كل حسنة بعشر أمثالها ) ‏
‏أي تضاعف بعشر أمثالها ‏
‏( إلى سبعمائة ضعف ) ‏
‏بكسر الضاد أي مثل ‏
‏( والصوم لي ) ‏
‏وفي رواية الشيخين : كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي إلخ , قال الحافظ في الفتح : قد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى : " الصيام لي وأنا أجزي به " مع أن الأعمال كلها له وهو الذي يجزي بها على أقوال , ثم ذكر الحافظ عشرة أقوال ثم قال : وأقرب الأقوال التي ذكرتها إلى الصواب الأول والثاني , وأنا أذكر هاهنا هذين القولين , ومن شاء الوقوف على باقيها فليرجع إلى الفتح , فالقول الأول أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره , قال أبو عبيد في غريبه : قد علمنا أن أعمال البر كلها لله وهو الذي يجزي بها فترى - والله أعلم - أنه إنما خص الصيام ; لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله وإنما هو شيء في القلب , ويؤيد هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس في الصيام رياء " , حدثنيه شبابة عن عقيل عن الزهري فذكره يعني مرسلا , قال : وذلك ; لأن الأعمال لا تكون إلا بالحركات إلا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى عن الناس , هذا وجه الحديث عندي انتهى . قال الحافظ : وقد روى الحديث المذكور البيهقي في الشعب من طريق عقيل وأورده من وجه آخر عن الزهري موصولا عن أبي سلمة عن أبي هريرة وإسناده ضعيف ولفظه : الصيام لا رياء فيه قال الله عز وجل : هو لي وأنا أجزي به , وهذا لو صح لكان قاطعا للنزاع . قال الحافظ : معنى النفي في قوله : " لا رياء في الصوم " أنه لا يدخله الرياء بفعله وإن كان قد يدخله الرياء بالقول كمن يصوم ثم يخبر بأنه صائم فقد يدخله الرياء من هذه الحيثية , فدخول الرياء في الصوم إنما يقع في جهة الإخبار بخلاف الأعمال فإن الرياء قد يدخلها بمجرد فعلها . وثانيها أن المراد بقوله : " وأنا أجزي به " , أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته , وأما غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس قال القرطبي : معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعفت من عشرة إلى سبع مائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير . ويشهد لهذا السياق الرواية الأخرى يعني رواية الموطأ وكذلك رواية الأعمش عن أبي صالح حيث قال : كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله , قال الله : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به , أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره , وهذا كقوله تعالى { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } انتهى . والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال انتهى ما في الفتح . ‏

‏قوله : ( وفي الباب عن معاذ بن جبل وسهل بن سعد وكعب بن عجرة وسلامة بن قيصر وبشير ابن الخصاصية ) ‏
‏أما حديث معاذ بن جبل فأخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم من رواية أبي وائل عن معاذ , والحديث طويل وفيه : الصوم جنة , وذكر المنذري هذا الحديث الطويل في باب الصمت . وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما . وأما حديث كعب بن عجرة فأخرجه الحاكم عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احضروا المنبر " , فحضرنا , فلما ارتقى درجة قال : " آمين " , فلما ارتقى الدرجة الثانية , قال : " آمين " , فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال : " آمين " , فلما نزل قلنا يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه ؟ قال , " إن جبريل عرض لي فقال : بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له . قلت : آمين , فلما رقيت الثانية قال : بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت : آمين , فلما رقيت الثالثة قال : بعد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قلت : آمين " . قال الحاكم صحيح الإسناد . وأما حديث سلامة بن قيصر فأخرجه أبو يعلى والبيهقي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من صام يوما ابتغاء وجه الله بعده الله من جهنم كبعد غراب طار وهو فرخ حتى مات هرما " , كذا في الترغيب , لكن فيه سلمة بن قيصر بغير الألف , وقال المنذري بعد ذكر هذا الحديث . ورواه الطبراني فسماه سلامة بزيادة ألف , وفي إسناده عبد الله بن لهيعة انتهى . وأما حديث بشير ابن الخصاصية فلينظر من أخرجه . ‏

‏قوله : ( واسم بشير زحم ) ‏
‏بالزاي وسكون الحاء المهملة . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:29 PM
‏حدثنا ‏ ‏سويد بن نصر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن المبارك ‏ ‏عن ‏ ‏حماد بن سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سنان ‏ ‏قال ‏
‏دفنت ابني ‏ ‏سنانا ‏ ‏وأبو طلحة الخولاني ‏ ‏جالس على ‏ ‏شفير ‏ ‏القبر فلما أردت الخروج أخذ بيدي فقال ألا أبشرك يا ‏ ‏أبا سنان ‏ ‏قلت بلى ‏ ‏فقال حدثني ‏ ‏الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي موسى الأشعري ‏ ‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدي فيقولون حمدك ‏ ‏واسترجع ‏ ‏فيقول الله ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد ‏
‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث حسن غريب ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( على شفير القبر ) ‏
‏أي على طرفه ‏
‏( حدثني ضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب ) ‏
‏بفتح المهملة وسكون الراء وفتح الزاي ثم موحدة ثقة من الثالثة ‏
‏( قال الله لملائكته ) ‏
‏أي ملك الموت وأعوانه ‏
‏( قبضتم ) ‏
‏على تقدير الاستفهام ‏
‏( ولد عبدي ) ‏
‏أي روحه ‏
‏( فيقول قبضتم ثمرة فؤاده ) ‏
‏أي يقول ثانيا إظهارا لكمال الرحمة كما أن الوالد العطوف يسأل الفصاد هل فصدت ولدي مع أنه بأمره ورضاه . وقيل سمى الولد ثمرة فؤاده لأنه نتيجة الأب كالثمرة للشجرة ‏
‏( واسترجع ) ‏
‏أي قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ‏
‏( وسموه بيت الحمد ) ‏
‏أضاف البيت إلى الحمد الذي قاله عند المصيبة لأنه جزاء ذلك الحمد , قاله القاري . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:29 PM
‏حدثنا ‏ ‏هناد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو معاوية ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏شقيق ‏ ‏عن ‏ ‏أبي مسعود ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان رجلا موسرا وكان يخالط الناس وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر فقال الله عز وجل ‏ ‏نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه ‏
‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث حسن صحيح ‏ ‏وأبو اليسر ‏ ‏كعب بن عمرو ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( عن أبي مسعود ) ‏
‏اسمه عقبة بن عمرو بن ثعلب الأنصاري البدري صحابي جليل رضي الله عنه ‏
‏( إلا أنه كان رجلا موسرا ) ‏
‏أي غنيا ذا مال ‏
‏( يخالط الناس ) ‏
‏أي يعامل الناس بالبيع والشراء ‏
‏( أن يتجاوزوا عن المعسر ) ‏
‏أي الفقير أي يتسامحوا في الاقتضاء والاستيفاء وقبول ما فيه نقص يسير ‏
‏( بذلك ) ‏
‏أي بالتجاوز ‏
‏( تجاوزوا عنه ) ‏
‏أي تسامحوا عنه . ‏
‏قوله : ( هذا حديث صحيح ) ‏
‏وأخرجه مسلم . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:30 PM
‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عبد الله بن بزيع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏المعتمر بن سليمان ‏ ‏حدثني ‏ ‏مرزوق أبو بكر ‏ ‏عن ‏ ‏قتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يعني يقول الله عز وجل ‏ ‏المجاهد في سبيل الله هو علي ضامن إن قبضته أورثته الجنة وإن رجعته رجعته بأجر أو غنيمة ‏
‏قال ‏ ‏هو ‏ ‏صحيح غريب ‏ ‏من هذا الوجه ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( يعني يقول الله ) ‏
‏الظاهر أن قائله أنس , أي يريد صلى الله عليه وسلم أن المجاهد في سبيل إلخ من الأحاديث الإلهية . ووقع في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه قال : " أيما عبد من عبادي خرج مجاهدا في سبيلي ابتغاء مرضاتي ضمنت له إن أرجعته أن أرجعه بما أصاب من أجر أو غنيمة , وإن قبضته غفرت له " , رواه النسائي ‏
‏( وهو علي ضامن ) ‏
‏كذا في النسخ الحاضرة بلفظ ضمان . وفي ترغيب المنذري نقلا عن الترمذي بلفظ ضامن , وكذا نقله الحافظ في الفتح وقال : قوله هو علي ضامن أي مضمون , أو معناه أنه ذو ضمان انتهى ‏
‏( وإن رجعته ) ‏
‏أي أرجعته . قال في القاموس : رجع يرجع رجوعا انصرف , والشيء عن الشيء وإليه رجعا صرفه ورده كأرجعه . ‏
‏قوله : ‏
‏( هذا حديث غريب صحيح ) ‏
‏قال المنذري بعد ذكره : وهو في الصحيحين وغيرهما بنحوه من حديث أبي هريرة وتقدم انتهى . ‏
‏قلت : ذكر المنذري فيما تقدم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة إلخ " , رواه مسلم واللفظ له , ورواه مالك والبخاري والنسائي ولفظهم : " تكفل الله من مجاهد في سبيله " إلخ . قال الحافظ في الفتح : تضمن الله وتكفل الله تكفل الله وانتدب الله بمعنى واحد ومحصله تحقيق المذكور في قوله تعالى : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } وذلك التحقيق على وجه الفضل منه سبحانه وتعالى , وقد عبر صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه وتعالى بتفضله بالثواب بلفظ الضمان ونحوه مما جرت به عادة المخاطبين فيما تطمئن به نفوسهم . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:31 PM
‏حدثنا ‏ ‏ابن أبي عمر ‏ ‏وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏سفيان بن عيينة ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏قال ‏
‏اشتكى ‏ ‏أبو الرداد الليثي ‏ ‏فعاده ‏ ‏عبد الرحمن بن عوف ‏ ‏فقال خيرهم ‏ ‏وأوصلهم ما علمت ‏ ‏أبا محمد ‏ ‏فقال ‏ ‏عبد الرحمن ‏ ‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول قال الله تبارك وتعالى ‏ ‏أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها ‏ ‏بتته ‏
‏وفي ‏ ‏الباب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد ‏ ‏وابن أبي أوفى ‏ ‏وعامر بن ربيعة ‏ ‏وأبي هريرة ‏ ‏وجبير بن مطعم ‏ ‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏حديث ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏حديث صحيح ‏ ‏وروى ‏ ‏معمر ‏ ‏هذا الحديث عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏عن ‏ ‏رداد الليثي ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن عوف ‏ ‏ومعمر ‏ ‏كذا يقول قال ‏ ‏محمد ‏ ‏وحديث ‏ ‏معمر ‏ ‏خطأ ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


قوله ‏
‏( عن أبي سلمة ) ‏
‏هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري . ‏

‏قوله : ( فقال ) ‏
‏أي أبو الدرداء ‏
‏( خيرهم ) ‏
‏مبتدأ ‏
‏( وأوصلهم ) ‏
‏عطف على المبتدأ ‏
‏( أبو محمد ) ‏
‏خبر وهو كنية عبد الرحمن بن عوف . والمعنى خير الناس وأوصلهم في علمي أبو محمد عبد الرحمن بن عوف ‏
‏( أنا الله ) ‏
‏كان هذا توطئة للكلام حيث ذكر العلم الخاص , ثم ذكر الوصف المشتق من مادة الرحم فقال ‏
‏( وأنا الرحمن ) ‏
‏أي المتصف بهذه الصفة ‏
‏( خلقت الرحم ) ‏
‏أي قدرتها أو صورتها مجسدة ‏
‏( وشققت ) ‏
‏أي أخرجت وأخذت اسما ‏
‏( لها ) ‏
‏أي للرحم ‏
‏( من اسمي ) ‏
‏أي الرحمن وفيه إيماء إلى أن المناسبة الاسمية واجبة الرعاية في الجملة , وإن كان المعنى على أنها أثر من آثار رحمة الرحمن , ويتعين على المؤمن التخلق بأخلاق الله تعالى والتعلق بأسمائه وصفاته , ولذا قال ‏
‏( فمن وصلها وصلته ) ‏
‏أي إلى رحمتي أو محل كرامتي , ‏
‏( ومن قطعها بتته ) ‏
‏بتشديد الفوقية الثانية أي قطعته من رحمتي الخاصة من البت وهو القطع . ‏

‏قوله : ( وفي الباب عن أبي سعيد ) ‏
‏أخرجه إسماعيل القاضي في الأحكام كما في الفتح ‏
‏( وابن أبي أوفى ) ‏
‏هو عبد الله بن أبي أوفى الجهني الأنصاري شهد أحدا وما بعدها . وأخرج حديثه البيهقي في شعب الإيمان مرفوعا : " لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم " , وأخرجه أيضا البخاري في الأدب المفرد ‏
‏( وعامر بن ربيعة ) ‏
‏لم أقف على من أخرجه ‏
‏( وأبي هريرة ) ‏
‏خرجه الشيخان ‏
‏( وجبير بن مطعم ) ‏
‏أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي في الباب الآتي . ‏

‏قوله : ( حديث سفيان عن الزهري حديث صحيح ) ‏
‏قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث : رواه أبو داود والترمذي من رواية أبي سلمة عن عبد الرحمن بن عوف . وقال الترمذي : حديث حسن صحيح . قال المنذري : وفي تصحيح الترمذي له نظر , فإن أبا سلمة ابن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئا قاله يحيى بن معين وغيره . ورواه أبو داود وابن حبان في صحيحه من حديث معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن رداد الليثي عن عبد الرحمن بن عوف , وقد أشار الترمذي إلى هذا , ثم حكى عن البخاري أنه قال : وحديث معمر خطأ انتهى . والحديث أخرجه أيضا أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد والحاكم ‏
‏( عن رداد ) ‏
‏بفتح الراء وتشديد الدال المهملة بعدها ألف ثم دال مهملة . وقال بعضهم أبو الرداد وهو أصوب , حجازي مقبول من الثانية ‏
‏( ومعمر كذا يقول ) ‏
‏أي عن أبي سلمة عن رداد عن عبد الرحمن ‏
‏( قال محمد ) ‏
‏يعني الإمام البخاري ‏
‏( وحديث معمر خطأ ) ‏
‏وقال ابن حبان في ثقات التابعين : وما أحسب معمرا حفظه , روى هذا الخبر أصحاب الزهري عن أبي سلمة عن ابن عوف , كذا في تهذيب التهذيب .

ahmedaboali
02-04-2009, 03:31 PM
‏حدثنا ‏ ‏قتيبة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حماد بن زيد ‏ ‏عن ‏ ‏أيوب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي قلابة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي أسماء الرحبي ‏ ‏عن ‏ ‏ثوبان ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله ‏ ‏زوى ‏ ‏لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما ‏ ‏زوي ‏ ‏لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها ‏ ‏بسنة ‏ ‏عامة وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح ‏ ‏بيضتهم ‏ ‏وإن ربي قال يا ‏ ‏محمد ‏ ‏إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم ‏ ‏بسنة ‏ ‏عامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح ‏ ‏بيضتهم ‏ ‏ولو اجتمع عليهم من بأقطارها ‏ ‏أو قال من بين أقطارها ‏ ‏حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ‏ ‏ويسبي ‏ ‏بعضهم بعضا ‏
‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث حسن صحيح ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( عن أبي أسماء ) ‏
‏الرحبي , اسمه عمر بن مرثد الدمشقي , ويقال اسمه عبد الله ثقة من الثالثة ‏
‏( عن ثوبان ) ‏
‏الهاشمي مولى النبي صلى الله عليه وسلم , صحبه ولازمه ونزل بعده الشام ومات بحمص . ‏
‏قوله : ( إن الله زوى لي الأرض ) ‏
‏أي جمعها لأجلي . قال التوربشتي زويت الشيء جمعته وقبضته , يريد به تقريب البعيد منها , حتى اطلع عليه اطلاعه على القريب منها ‏
‏( فرأيت مشارقها ومغاربها ) ‏
‏أي جميعها ‏
‏( وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها ) ‏
‏قال الخطابي توهم بعض الناس أن من في منها للتبعيض , وليس ذلك كما توهمه بل هي للتفصيل للجملة المتقدمة , والتفصيل لا يناقض الجملة , ومعناه أن الأرض زويت لي جملتها مرة واحدة فرأيت مشارقها ومغاربها , ثم هي تفتح لأمتي جزءا فجزءا حتى يصل ملك أمتي إلى كل أجزائها , قال القاري : ولعل وجه من قال بالتبعيض هو أن ملك هذه الأمة ما بلغ جميع الأرض فالمراد بالأرض أرض الإسلام , وأن ضمير منها راجع إليها على سبيل الاستخدام ‏
‏( وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ) ‏
‏بدلان مما قبلهما أي كنز الذهب والفضة . قال التوربشتي : يريد بالأحمر والأبيض خزائن كسرى وقيصر , وذلك أن الغالب على نقد ممالك كسرى الدنانير , والغالب على نقد ممالك قيصر الدراهم ‏
‏( بسنة عامة ) ‏
‏أي بقحط شائع لجميع بلاد المسلمين . قال الطيبي : السنة القحط والجدب وهو من الأسماء الغالبة ‏
‏( وأن لا يسلط عليهم عدوا ) ‏
‏وهم الكفار . ‏
‏وقوله : ( من سوى أنفسهم ) ‏
‏صفة ‏
‏( عدوا ) ‏
‏أي كائنا من سوى أنفسهم ‏
‏( فيستبيح ) ‏
‏أي العدو وهو مما يستوي فيه الجمع والمفرد أي يستأصل ‏
‏( بيضتهم ) ‏
‏قال الجزري في النهاية أي مجتمعهم , وموضع سلطانهم , ومستقر دعوتهم , وبيضة الدار وسطها ومعظمها , أراد عدوا يستأصلهم ويهلكهم جميعهم , قيل أراد إذا أهلك أصل البيضة كان هلاك كل ما فيها من طعم أو فرخ . وإذا لم يهلك أصل البيضة بما سلم بعض فراخها . وقيل أراد بالبيضة الخوذة , فكأنه شبه مكان اجتماعهم والتآمهم ببيضة الحديد , انتهى ما في النهاية . ‏
‏( إذا قضيت قضاء ) ‏
‏أي حكمت حكما مبرما ‏
‏( فإنه لا يرد ) ‏
‏أي بشيء لخلاف الحكم المعلق بشرط وجود شيء أو عدمه ‏
‏( وإني أعطيتك ) ‏
‏أي عهدي وميثاقي ‏
‏( لأمتك ) ‏
‏أي لأجل أمة إجابتك ‏
‏( أن لا أهلكهم بسنة عامة ) ‏
‏أي : بحيث يعمهم القحط ويهلكهم بالكلية , قال الطيبي : اللام في لأمتك هي التي في قوله سابقا : سألت ربي لأمتي أي أعطيت سؤالك لدعائك لأمتك والكاف هو المفعول الأول . وقوله : أن لا أهلكهم المفعول الثاني كما هو في قوله : سألت ربي أن لا يهلكها هو المفعول الثاني ‏
‏( ولو اجتمع عليهم من ) ‏
‏أي الذين هم ‏
‏( بأقطارها ) ‏
‏أي بأطرافها جمع قطر وهو الجانب والناحية . ‏
‏والمعنى فلا يستبيح عدو من الكفار بيضتهم ولو اجتمع على محاربتهم من أطراف بيضتهم , وجواب لو ما يدل عليه قوله , وأن لا أسلط ‏
‏( أو قال من بين أقطارها ) ‏
‏أو الشك من الراوي ‏
‏( ويسبي ) ‏
‏كيرمي بالرفع عطف على يهلك أي ويأسر ‏
‏( بعضهم ) ‏
‏بوضع الظاهر موضع المضمر ‏
‏( بعضا ) ‏
‏أي بعضا آخر . قال الطيبي حتى بمعنى كي أي لكي يكون بعض أمتك يهلك بعضا , فقوله إني إذا قضيت قضاء فلا يرد توطئة لهذا المعنى , ويدل عليه حديث خباب بن الأرت يعني حديثه المذكور في هذا الباب , قال المظهر : اعلم أن لله تعالى في خلقه قضاءين مبرما ومعلقا بفعل , كما قال إن الشيء الفلاني كان كذا وكذا , وإن لم يفعله فلا يكون كذا وكذا من قبيل ما يتطرق إليه المحو والإثبات كما قال تعالى في محكم كتابه { يمحو الله ما يشاء ويثبت } وأما القضاء المبرم فهو عبارة عما قدره سبحانه في الأزل من غير أن يعلقه بفعل , فهو في الوقوع نافذ غاية النفاذ , بحيث لا يتغير بحالة ولا يتوقف على المقضى عليه , ولا المقضي له ; لأنه من علمه بما كان وما يكون , وخلاف معلومه مستحيل قطعا , وهذا من قبيل ما لا يتطرق إليه المحو والإثبات قال تعالى : { لا معقب لحكمه } وقال النبي عليه السلام : " لا مرد لقضائه ولا مرد لحكمه " . فقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا قضيت قضاء فلا يرد من القبيل الثاني " ولذلك لم يجب إليه , وفيه أن الأنبياء مستجابو الدعوة إلا في مثل هذا . ‏

‏قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) ‏
‏وأخرجه مسلم . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:37 PM
‏حدثنا ‏ ‏سويد بن نصر ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عبد الله بن المبارك ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏حيوة بن شريح ‏ ‏أخبرني ‏ ‏الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان المدائني ‏ ‏أن ‏ ‏عقبة بن مسلم ‏ ‏حدثه أن ‏ ‏شفيا الأصبحي ‏ ‏حدثه ‏
‏أنه دخل ‏ ‏المدينة ‏ ‏فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس فقال من هذا فقالوا ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏فدنوت ‏ ‏منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس فلما سكت وخلا قلت له أنشدك بحق وبحق لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عقلته ‏ ‏وعلمته فقال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏أفعل لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عقلته ‏ ‏وعلمته ثم ‏ ‏نشغ ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏نشغة ‏ ‏فمكث قليلا ثم أفاق فقال لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره ثم ‏ ‏نشغ ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏نشغة ‏ ‏أخرى ثم أفاق فمسح وجهه فقال لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وأنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره ثم ‏ ‏نشغ ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏نشغة ‏ ‏أخرى ثم أفاق ومسح وجهه فقال أفعل لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وأنا معه في هذا البيت ما معه أحد غيري وغيره ثم ‏ ‏نشغ ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏نشغة ‏ ‏شديدة ثم مال ‏ ‏خارا ‏ ‏على وجهه فأسندته علي طويلا ثم أفاق فقال حدثني رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة ‏ ‏جاثية ‏ ‏فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ورجل يقتتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله للقارئ ‏ ‏ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما علمت قال كنت أقوم به ‏ ‏آناء ‏ ‏الليل ‏ ‏وآناء ‏ ‏النهار فيقول الله له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت أن يقال إن فلانا قارئ فقد قيل ذاك ‏ ‏ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما آتيتك قال كنت أصل الرحم وأتصدق فيقول الله له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله تعالى بل أردت أن يقال فلان ‏ ‏جواد ‏ ‏فقد قيل ذاك ‏ ‏ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له في ماذا قتلت فيقول أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله تعالى له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذاك ثم ضرب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏على ركبتي فقال يا ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏أولئك الثلاثة أول خلق الله ‏ ‏تسعر ‏ ‏بهم النار يوم القيامة ‏
‏و قال ‏ ‏الوليد أبو عثمان ‏ ‏فأخبرني ‏ ‏عقبة بن مسلم ‏ ‏أن ‏ ‏شفيا ‏ ‏هو الذي دخل على ‏ ‏معاوية ‏ ‏فأخبره بهذا ‏ ‏قال ‏ ‏أبو عثمان ‏ ‏وحدثني ‏ ‏العلاء بن أبي حكيم ‏ ‏أنه كان سيافا ‏ ‏لمعاوية ‏ ‏فدخل عليه ‏ ‏رجل ‏ ‏فأخبره بهذا عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏فقال ‏ ‏معاوية ‏ ‏قد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس ثم بكى ‏ ‏معاوية ‏ ‏بكاء شديدا حتى ظننا أنه هالك وقلنا قد جاءنا هذا الرجل بشر ثم أفاق ‏ ‏معاوية ‏ ‏ومسح عن وجهه وقال صدق الله ورسوله ‏
‏من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها ‏ ‏لا يبخسون ‏ ‏أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ‏
‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث حسن غريب

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-04-2009, 03:38 PM
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي‏


‏قوله : ( أن عقبة بن مسلم ) ‏
‏التجيبي المصري القاص إمام المسجد العتيق بمصر ثقة من الرابعة ‏
‏( أن شفيا الأصبحي ) ‏
‏قال في التقريب شفي بالفاء مصغرا ابن ماتع بمثناة الأصبحي ثقة من الثالثة أرسل حديثا فذكره بعضهم في الصحابة خطأ . مات في خلافة هشام قاله خليفة انتهى . ‏

‏قوله : ( أنه ) ‏
‏أي شفيا ‏
‏( فلما سكت ) ‏
‏أي عن التحديث ‏
‏( وخلا ) ‏
‏أي بقي منفردا ‏
‏( وأسالك بحق وبحق ) ‏
‏التكرار للتأكيد والباء زائدة . والمعنى أسألك حقا غير باطل ‏
‏( لما حدثتني حديثا ) ‏
‏كلمة لما هاهنا بمعنى ألا . قال في القاموس ولما يكون بمعنى حين ولم الجازمة وألا , وإنكار الجوهري كونه بمعنى ألا غير جيد . يقال : سألتك كما فعلت أي ألا فعلت ومنه . ( أن كل نفس لما عليها حافظ ) ( وإن كل لما جميع لدينا محضرون ) انتهى ‏
‏( ثم نشغ ) ‏
‏بفتح النون والشين المعجمة بعدها غين معجمة أي شهق حتى كاد يغشى عليه أسفا أو خوفا قاله المنذري . وقال الجزري في النهاية : النشغ في الأصل الشهيق حتى يكاد يبلغ به الغشي وإنما يفعل الإنسان ذلك تشوقا إلى شيء فائت وأسفا عليه ومنه . حديث أبي هريرة أنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فنشغ نشغة أي شهق وغشي عليه انتهى ‏
‏( مال خارا ) ‏
‏من الخرور أي ساقطا ‏
‏( فأسندته ) ‏
‏. قال في الصراح إسناد تكية دادن جيزي رايجيزي ‏
‏( وكل أمة جاثية ) ‏
‏قال في القاموس : جثا كدعا ورمى جثوا وجثيا بضمهما جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه انتهى ‏
‏( يدعو ) ‏
‏أي الله تعالى ‏
‏( به ) ‏
‏الضمير راجع إلى من ‏
‏( رجل جمع القرآن ) ‏
‏أي حفظه ‏
‏( قتل ) ‏
‏بصيغة المجهول ‏
‏( فماذا عملت ) ‏
‏من العمل ‏
‏( فيما علمت ) ‏
‏من العلم ‏
‏( كنت أقوم به ) ‏
‏أي بالقرآن ‏
‏( آناء الليل وآناء النهار ) ‏
‏أي ساعاتهما . قال الأخفش : واحدها إنى مثل معى , وقيل واحدها إني وإنو , يقال مضى من الليل إنوان وإنيان ‏
‏( فقد قيل ذلك ) ‏
‏أي ذلك القول فحصل مقصودك وغرضك ‏
‏( ألم أوسع عليك ) ‏
‏أي ألم أكثر مالك ‏
‏( حتى لم أدعك ) ‏
‏أي لم أترك من ودع يدع ‏
‏( جواد ) ‏
‏أي سخي كريم ‏
‏( جريء ) ‏
‏فعيل من الجرأة فهو مهموز , وقد يدغم أي شجاع ‏
‏( تسعر ) ‏
‏من التسعير أي توقد . والحديث دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال كما قال تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } وفيه أن العمومات الواردة في فضل الجهاد وإنما هي لمن أراد الله تعالى بذلك مخلصا , وكذلك الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات كله محمول على من فعل ذلك لله تعالى مخلصا ‏
‏( وحدثني العلاء بن أبي حكيم ) ‏
‏قال في التقريب : العلاء بن أبي حكيم يحيى الشامي سياف معاوية ثقة من الرابعة ‏
‏( قد فعل بهؤلاء ) ‏
‏أي القارئ والشهيد والجواد المذكورين في الحديث ‏
‏( { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها } ) ‏
‏يعني بعمله الذي يعمله من أعمال البر . نزلت في كل من عمل عملا يبتغي به غير الله عز وجل ‏
‏( { نوف إليهم أعمالهم فيها } ) ‏
‏يعني أجور أعمالهم التي عملوها لطلب الدنيا , وذلك أن الله سبحانه وتعالى يوسع عليهم الرزق ويدفع عنهم المكاره في الدنيا ونحو ذلك ‏
‏( { وهم فيها لا يبخسون } ) ‏
‏أي لا ينقصون من أجور أعمالهم التي عملوها لطلب الدنيا بل يعطون أجور أعمالهم كاملة موفورة ‏
‏( { أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها } ) ‏
‏أي وبطل ما عملوا في الدنيا من أعمال البر ‏
‏( { وباطل ما كانوا يعملون } ) ‏
‏لأنه لغير الله . واختلف المفسرون في المعنى بهذه الآية فروى قتادة عن أنس أنها في اليهود والنصارى وعن الحسن مثله . وقال الضحاك من عمل عملا صالحا في غير تقوى يعني من أهل الشرك أعطي على ذلك أجرا في الدنيا وهو أن يصل رحما أو يعطي سائلا أو يرحم مضطرا أو نحو هذا من أعمال البر فيعجل الله له ثواب عمله في الدنيا يوسع عليه في المعيشة والرزق ويقر عينه فيما حوله , ويدفع عنه المكاره في الدنيا وليس له في الآخرة نصيب . ويدل على صحة هذا القول سياق الآية وهو قوله ( { أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار } ) الآية . وهذه حالة الكافر في الآخرة . وقيل نزلت في المنافقين الذين كانوا يطلبون بغزوهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم لأنهم كانوا لا يرجون ثواب الآخرة . وقيل إن حمل الآية على العموم أولى فيندرج الكافر والمنافق الذي هذه صفته والمؤمن الذي يأتي بالطاعات وأعمال البر على وجه الرياء والسمعة . قال مجاهد في هذه الآية هم أهل الرياء وهذا القول مشكل لأن قوله سبحانه وتعالى ( { أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار } لا يليق بحال المؤمن إلا إذا قلنا إن تلك الأعمال الفاسدة والأفعال الباطلة لما كانت لغير الله استحق فاعلها الوعيد الشديد وهو عذاب النار , كذا في تفسير الخازن . ‏

‏قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) ‏
‏وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه . ‏

ahmedaboali
02-04-2009, 03:39 PM
‏حدثنا ‏ ‏أبو كريب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏وكيع ‏ ‏عن ‏ ‏جعفر بن برقان ‏ ‏عن ‏ ‏يزيد بن الأصم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله يقول ‏ ‏أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني ‏
‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث حسن صحيح ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( عن جعفر بن برقان ) ‏
‏بضم الموحدة وسكون الراء بعدها قاف , الكلابي , كنيته أبو عبد الله الرقي صدوق يهم في حديث الزهري من السابعة ‏
‏( عن يزيد بن الأصم ) ‏
‏في التقريب يزيد بن الأصم , واسمه عمرو بن عبيد بن معاوية البكائي أبو عوف , كوفي نزل الرقة وهو ابن أخت ميمونة أم المؤمنين , يقال له رؤية ولا يثبت وهو ثقة . ‏

‏قوله : ( أنا عند ظن عبدي بي ) ‏
‏أي أنا أعامله على حسب ظنه بي وأفعل به ما يتوقعه مني من خير أو شر , والمراد الحث على تغليب الرجاء على الخوف وحسن الظن بالله كقوله عليه الصلاة والسلام : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله " . ويجوز أن يراد بالظن اليقين . ‏
‏والمعنى : أنا عند يقينه بي وعلمه بأن مصيره إلي وحسابه علي وأن ما قضيت به له أو عليه من خير أو شر لا مرد له . لا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت , قاله الطيبي . وقال القرطبي في المفهم : قيل معنى ظن عبدي بي ظن الإجابة عند الدعاء , وظن القبول عند التوبة , وظن المغفرة عند الاستغفار , وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكا بصادق وعده قال ويؤيده قوله في الحديث الآخر : " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة " . قال ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه , موقنا بأن الله يقبله ويغفر له لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها وأنها لا تنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من الكبائر , ومن مات على ذلك وكل إلى ما ظن كما في بعض طرق الحديث المذكور , فيظن بي عبدي ما شاء . قال : وأما ظن المغفرة مع الإصرار فذلك محض الجهل والغرة , وهو يجر إلى مذهب المرجئة ‏
‏( وأنا معه إذا دعاني ) ‏
‏أي بعلم , وهو كقوله إنني معكما أسمع وأرى . ‏

‏قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) ‏
‏وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه

ahmedaboali
02-04-2009, 03:40 PM
اخوة الاسلام



اكتفي بهذا القدر و اكمل غدا


ان قدر لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


و صلي الله و سلم علي سيدنا محمد

ahmedaboali
02-07-2009, 05:03 AM
‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن منيع ‏ ‏حدثنا ‏ ‏كثير بن هشام ‏ ‏حدثنا ‏ ‏جعفر بن برقان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏حبيب بن أبي مرزوق ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن أبي رباح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي مسلم الخولاني ‏ ‏حدثني ‏ ‏معاذ بن جبل ‏ ‏قال ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول قال الله عز وجل ‏ ‏المتحابون في جلالي لهم منابر من نور ‏ ‏يغبطهم ‏ ‏النبيون والشهداء ‏
‏وفي ‏ ‏الباب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الدرداء ‏ ‏وابن مسعود ‏ ‏وعبادة بن الصامت ‏ ‏وأبي هريرة ‏ ‏وأبي مالك الأشعري ‏ ‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث حسن صحيح ‏ ‏وأبو مسلم الخولاني ‏ ‏اسمه ‏ ‏عبد الله بن ثوب ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( أخبرنا كثير بن هشام ) ‏
‏الكلابي أبو سهل الرقي نزيل بغداد , ثقة من السابعة ‏
‏( أخبرنا حبيب بن أبي مرزوق ) ‏
‏الرقي ثقة فاضل من السابعة . ‏

‏قوله : ( المتحابون في جلالي ) ‏
‏أي لأجل إجلالي وتعظيمي ‏
‏( يغبطهم النبيون والشهداء ) ‏
‏قال القاري : بكسر الموحدة من الغبطة بالكسر , وهي تمني نعمة على ألا تتحول عن صاحبها , بخلاف الحسد فإنه تمني زوالها عن صاحبها فالغبطة في الحقيقة عبارة عن حسن الحال كذا قيل . وفي القاموس : الغبطة حسن الحال والمسرة , فمعناها الحقيقي مطابق للمعنى اللغوي , فمعنى الحديث يستحسن أحوالهم الأنبياء والشهداء . قال : وبهذا يزول الإشكال الذي تحير فيه العلماء . وقال القاضي : كل ما يتحلى به الإنسان أو يتعاطاه من علم وعمل فإن له عند الله منزلة لا يشاركه فيه صاحبه ممن لم يتصف بذلك وإن كان له من نوع آخر ما هو أرفع قدرا وأعز ذخرا فيغبطه بأن يتمنى ويحب أن يكون له مثل ذلك مفهوما إلى ما له من المراتب الرفيعة أو المنازل الشريفة , وذلك معنى قوله : يغبطهم النبيون والشهداء فإن الأنبياء قد استغرقوا فيما هو أعلى من ذلك من دعوة الخلق وإظهار الحق وإعلاء الدين وإرشاد العامة والخاصة , إلى غير ذلك من كليات أشغلتهم عن العكوف على مثل هذه الجزئيات والقيام بحقوقها , والشهداء وإن نالوا رتبة الشهادة وفازوا بالفوز الأكبر , فلعلهم لن يعاملوا مع الله معاملة هؤلاء , فإذا رأوهم يوم القيامة في منازلهم وشاهدوا قربهم وكرامتهم عند الله , ودوا لو كانوا ضامين خصالهم فيكونون جامعين بين الحسنتين وفائزين بالمرتبتين . وقيل إنه لم يقصد في ذلك إلى إثبات الغبطة لهم على هؤلاء بل بيان فضلهم وعلو شأنهم وارتفاع مكانهم وتقريرها على آكد وجه وأبلغه . ‏
‏والمعنى أن حالهم عند الله يوم القيامة بمثابة لو غبط النبيون والشهداء يومئذ مع جلالة قدرهم ونباهة أمرهم حال غيرهم لغبطوهم . ‏

‏قوله : ( وفي الباب عن أبي الدرداء وابن مسعود وعبادة بن الصامت وأبي هريرة ) ‏
‏وأبي مالك الأشعري أما حديث أبي الدرداء فأخرجه الطبراني بإسناد حسن , وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الطبراني في الأوسط , وأما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه أحمد بإسناد صحيح , وأما حديث أبي مالك الأشعري فأخرجه أحمد وأبو يعلى بإسناد حسن والحاكم , وقال صحيح الإسناد . ذكر المنذري أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في ترغيبه , وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم عنه مرفوعا : " أن الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي , يوم لا ظل إلا ظلي " . وله أحاديث أخرى في هذا الباب . ‏

‏قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) ‏
‏وأخرجه مالك وأحمد والطبراني والحاكم والبيهقي بلفظ : قال الله تعالى وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في . ‏

‏قوله : ( وأبو مسلم الخولاني ) ‏
‏الزاهد الشامي ‏
‏( اسمه عبد الله بن ثوب ) ‏
‏بضم المثلثة وفتح الواو بعدها موحدة قال في التقريب : وقيل بإشباع الواو وقيل ابن أثوب وزن أحمر , ويقال ابن عوف , أو ابن مشكم ويقال اسمه يعقوب بن عوف ثقة عابد من الثانية , رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يدركه وعاش إلى زمن يزيد بن معاوية .

ahmedaboali
02-07-2009, 05:04 AM
‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن معاوية الجمحي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد العزيز بن مسلم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو ظلال ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إن الله يقول ‏ ‏إذا أخذت ‏ ‏كريمتي ‏ ‏عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة ‏
‏وفي ‏ ‏الباب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏وزيد بن أرقم ‏ ‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث حسن غريب ‏ ‏من هذا الوجه ‏ ‏وأبو ظلال ‏ ‏اسمه ‏ ‏هلال ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( إن الله يقول إذا أخذت كريمتي عبدي ) ‏
‏أي أعميت عينيه الكريمتين عليه وإنما سميتا بها لأنه لا أكرم عند الإنسان في حواسه منها ‏
‏( لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة ) ‏
‏أي دخولها مع السابقين أو بغير عذاب ; لأن العمى من أعظم البلايا , وهذا قيده في حديث أبي هريرة الآتي بما إذا صبر واحتسب . ‏

‏قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة وزيد بن أرقم ) ‏
‏أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث زيد بن أرقم فأخرجه البزار من رواية جابر الجعفي بلفظ : " ما ابتلي عبد بعد ذهاب دينه بأشد من ذهاب بصره ومن ابتلي ببصره فصبر حتى يلقى الله لقي الله تبارك وتعالى ولا حساب عليه " . قال الحافظ في الفتح وأصله عند أحمد بغير لفظه بسند جيد انتهى . ‏
‏قوله : ( هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ) ‏
‏وأخرجه البخاري ولفظه : إن الله قال إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة يريد عينيه . ‏

ahmedaboali
02-07-2009, 05:04 AM
‏حدثنا ‏ ‏محمود بن غيلان ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرزاق ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏رفعه إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يقول الله عز وجل ‏ ‏من أذهبت ‏ ‏حبيبتيه ‏ ‏فصبر واحتسب لم أرض له ثوابا دون الجنة ‏
‏وفي ‏ ‏الباب ‏ ‏عن ‏ ‏عرباض بن سارية ‏ ‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث حسن صحيح ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( من أذهبت حبيبتيه ) ‏
‏بالتثنية قال الحافظ وقد فسرهما آخر الحديث بقوله يريد عينيه والمراد بالحبيبتين المحبوبتان ; لأنهما أحب أعضاء الإنسان إليه لما يحصل له بفقدهما من الأسف على فوات رؤية ما يريد رؤيته من خير فيسر به أو شر فيجتنبه ‏
‏( فصبر واحتسب ) ‏
‏قال الحافظ المراد أنه يصبر مستحضرا ما وعد الله به الصابر من الثواب , لا أن يصبر مجردا عن ذلك لأن الأعمال بالنيات وابتلاء الله عبده في الدنيا ليس من سخطه عليه , بل إما لدفع مكروه أو لكفارة ذنوب أو لرفع منزلة , فإذا تلقى ذلك بالرضا تم له المراد , وإلا يصير كما جاء في حديث سلمان : إن مرض المؤمن يجعله الله له كفارة ومستعتبا , وإن مرض الفاجر كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلا يدري لم عقل ولم أرسل . أخرجه البخاري في الأدب المفرد موقوفا انتهى ‏
‏( لم أرض له ثوابا دون الجنة ) ‏
‏قال الحافظ : وهذا أعظم العوض لأن الالتذاذ بالبصر يفنى بفناء الدنيا , والالتذاذ بالجنة باق ببقائها وهو شامل لكل من وقع له ذلك بالشرط المذكور , ووقع في حديث أبي أمامة فيه قيد آخر أخرجه البخاري في الأدب المفرد بلفظ : " إذا أخذت كريمتيك فصبرت عند الصدمة واحتسبت " فأشار إلى أن الصبر النافع هو ما يكون في وقوع البلاء فيفوض ويسلم وإلا فمتى تضجر وتقلق في أول وهلة ثم يئس فيصبر لا يكون حصل المقصود . وقد مضى حديث أنس في الجنائز : إنما الصبر عند الصدمة الأولى . وقد وقع في حديث العرباض فيما صححه ابن حبان فيه بشرط آخر ولفظه : " إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له ثوابا دون الجنة إذا هو حمدني عليهما " . ولم أر هذه الزيادة في غير هذه الطريق , وإذا كان ثواب من وقع له ذلك الجنة , فالذي له أعمال صالحة أخرى يزاد في رفع الدرجات انتهى . ‏
‏قوله : ( وفي الباب عن عرباض بن سارية ) ‏
‏أخرجها ابن حبان في صحيحه ‏
‏قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) ‏
‏وأخرجه ابن حبان في صحيحه بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يذهب الله بحبيبتي عبد فيصبر ويحتسب إلا أدخله الله الجنة"

ahmedaboali
02-07-2009, 05:05 AM
‏حدثنا ‏ ‏سويد ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن المبارك ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏يحيى بن عبيد الله ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏أبي ‏ ‏يقول سمعت ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏يقول ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يخرج في آخر الزمان رجال ‏ ‏يختلون ‏ ‏الدنيا بالدين يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ألسنتهم أحلى من السكر وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله عز وجل ‏ ‏أبي يغترون أم علي يجترئون فبي حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع ‏ ‏الحليم ‏ ‏منهم حيرانا ‏
‏وفي ‏ ‏الباب ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( يختلون الدنيا بالدين ) ‏
‏أي يطلبون الدنيا بعمل الآخرة , يقال ختله يختله ويختله ختلا وختلانا : إذا خدعه وراوغه , وختل الذئب الصيد إذا تخفى له ‏
‏( يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ) ‏
‏كناية عن إظهار اللين مع الناس . وقال القاري : المراد بجلود الضأن عينها أو ما عليها من الصوف وهو الأظهر . فالمعنى أنهم يلبسون الأصواف ليظنهم الناس زهادا وعبادا تاركين الدنيا راغبين في العقبى . وقوله من اللين : أي من أجل إظهار التلين والتلطف والتمسكن والتقشف مع الناس وأرادوا به في حقيقة الأمر التملق والتواضع في وجوه الناس ليصيروا مريدين لهم ومعتقدين لأحوالهم , انتهى ‏
‏( أحلى من السكر ) ‏
‏بضم السين المهملة وتشديد الكاف معرب شكر ‏
‏( وقلوبهم قلوب الذئاب ) ‏
‏أي مسودة شديدة في حب الدنيا والجاه ‏
‏( أبي تغترون ) ‏
‏الهمزة للاستفهام أي أبحلمي وإمهالي تغترون ؟ والاغترار هنا عدم الخوف من الله , وإهمال التوبة , والاسترسال في المعاصي والشهوات ‏
‏( أم علي تجترئون ) ‏
‏؟ أم منقطعة أضرب إلى ما هو أشنع من الاغترار بالله أي تعملون الصالحات ليعتقد فيكم الصلاح فيجلب إليكم الأموال وتخدمون ‏
‏( فبي حلفت ) ‏
‏أي بعظمتي وجلالي لا بغير ذلك ‏
‏( لأبعثن ) ‏
‏من البعث أي لأسلطن ولأقضين ‏
‏( على أولئك ) ‏
‏أي الموصوفين بما ذكر ‏
‏( منهم ) ‏
‏أي مما بينهم بتسليط بعضهم على بعض ‏
‏( فتنة تدع الحليم ) ‏
‏أي تترك العالم الحازم فضلا عن غيره ‏
‏( حيرانا ) ‏
‏كذا في النسخ الحاضرة بالتنوين . وذكر المنذري هذا الحديث في الترغيب نقلا عن الترمذي وفيه حيران بغير التنوين وكذلك في المشكاة وهو الظاهر أي حال كونه متحيرا في الفتنة لا يقدر على دفعها ولا على الخلاص منها لا بالإقامة فيها ولا بالفرار منها . قال الأشرف : من في منهم يجوز أن يكون للتبيين بمعنى الذين والإشارة إلى الرجال , وتقديره على أولئك الذين يختلون الدنيا بالدين وأن يجعل متعلقا بالفتنة أي لأبعثن على الرجال الذين يختلون الدنيا بالدين فتنة ناشئة منهم كذا في المرقاة . وهذا الحديث أيضا ضعيف لأن في سنده أيضا يحيى بن عبيد الله . ‏
‏قوله : ( وفي الباب عن ابن عمر ) ‏
‏أخرجه الترمذي بعد هذا ‏

ahmedaboali
02-07-2009, 05:06 AM
‏حدثنا ‏ ‏أحمد بن سعيد الدارمي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عباد ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏حاتم بن إسمعيل ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏حمزة بن أبي محمد ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن دينار ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال إن الله تعالى قال ‏ ‏لقد خلقت خلقا ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من ‏ ‏الصبر ‏ ‏فبي حلفت ‏ ‏لأتيحنهم ‏ ‏فتنة تدع ‏ ‏الحليم ‏ ‏منهم حيرانا فبي يغترون أم علي يجترئون ‏
‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث حسن غريب ‏ ‏من حديث ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏لا نعرفه إلا من هذا الوجه ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( حدثنا أحمد بن سعيد ) ‏
‏بن صخر الدارمي أبو جعفر السرخسي ثقة حافظ من الحادية عشرة ‏
‏( حدثنا محمد بن عباد ) ‏
‏بن الزبرقان المكي نزيل بغداد صدوق يهم من العاشرة ‏
‏( أخبرنا حمزة بن أبي محمد ) ‏
‏المدني ضعيف من السابعة كذا في التقريب , وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته له في الترمذي حديث واحد في خلق قوم ألسنتهم أحلى من العسل . قال أبو حاتم ضعيف الحديث منكر الحديث لم يرو عنه غير حاتم انتهى ‏
‏قوله : ( لقد خلقت خلقا ) ‏
‏أي من الآدميين ‏
‏( ألسنتهم أحلى من العسل ) ‏
‏فبها يملقون ويداهنون ‏
‏( وقلوبهم أمر من الصبر ) ‏
‏قال في القاموس : الصبر ككتف ولا يسكن إلا في ضرورة شعر عصارة شجر مر أي فبها يمكرون وينافقون ‏
‏( لأتيحنهم ) ‏
‏بمثناة فوقية فمثناة تحتية فحاء مهملة فنون أي لأقدرن لهم من أتاح له كذا أي قدر له وأنزل به ‏
‏( فتنة ) ‏
‏أي ابتلاء وامتحانا ‏
‏( تدع الحليم ) ‏
‏بفتح الدال أي تتركه ‏
‏( منهم حيرانا ) ‏
‏أي تترك العاقل منهم متحيرا , لا يمكنه دفعها , ولا كف شرها . ‏
‏( فبي يغترون ) ‏
‏بتقدير همزة الاستفهام . ‏
‏قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) ‏
‏ذكر المنذري في الترغيب هذا الحديث ونقل تحسين الترمذي وأقره . اعلم أن حديث ابن عمر هذا وحديث أبي هريرة الذي قبله , لا مناسبة لهما بباب ذهاب البصر , ولعله سقط قبلهما باب يناسب هذين الحديثين . ‏

ahmedaboali
02-07-2009, 05:07 AM
‏حدثنا ‏ ‏سويد بن نصر ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن المبارك ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏إسمعيل بن مسلم ‏ ‏عن ‏ ‏الحسن ‏ ‏وقتادة ‏ ‏عن ‏ ‏أنس ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يجاء بابن ‏ ‏آدم ‏ ‏يوم القيامة كأنه ‏ ‏بذج ‏ ‏فيوقف بين يدي الله فيقول الله له ‏ ‏أعطيتك ‏ ‏وخولتك ‏ ‏وأنعمت عليك فماذا صنعت فيقول يا رب جمعته وثمرته فتركته أكثر ما كان فارجعني آتك به فيقول له أرني ما قدمت فيقول يا رب جمعته وثمرته فتركته أكثر ما كان فارجعني آتك به كله فإذا عبد لم يقدم خيرا ‏ ‏فيمضى به إلى النار ‏
‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏وقد روى هذا الحديث غير واحد عن ‏ ‏الحسن ‏ ‏قوله ولم يسندوه ‏ ‏وإسمعيل بن مسلم ‏ ‏يضعف في الحديث من قبل حفظه ‏ ‏وفي ‏ ‏الباب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏وأبي سعيد الخدري ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( أخبرنا إسماعيل بن مسلم ) ‏
‏المكي أبو إسحاق كان من البصرة , ثم سكن مكة , وكان فقيها ضعيف الحديث من الخامسة . ‏
‏قوله : ( يجاء ) ‏
‏أي يؤتى ‏
‏( كأنه بذج ) ‏
‏بفتح موحدة وذال معجمة فجيم ولد الضأن معرب بزه أراد بذلك هوانه وعجزه . وفي بعض الطرق فكأنه بذج من الذل وفي شرح السنة شبه ابن آدم بالبذج لصغاره وصغره , أي يكون حقيرا ذليلا ‏
‏( فيوقف ) ‏
‏أي ابن آدم ‏
‏( أعطيتك ) ‏
‏أي الحياة والحواس والصحة والعافية ونحوها ‏
‏( وخولتك ) ‏
‏أي جعلتك ذا خول من الخدم والحشم والمال والجاه وأمثالها ‏
‏( وأنعمت عليك ) ‏
‏أي بإنزال الكتاب وبإرسال الرسول وغير ذلك ‏
‏( فماذا صنعت ) ‏
‏أي فيما ذكر ‏
‏( فيقول جمعته ) ‏
‏أي المال ‏
‏( وثمرته ) ‏
‏بتشديد الميم أي نميته وكثرته ‏
‏( وتركته ) ‏
‏أي في الدنيا عند موتي ‏
‏( أكثر ما كان ) ‏
‏أي في أيام حياتي ‏
‏( فارجعني ) ‏
‏بهمزة وصل أي ردني إلى الدنيا ‏
‏( آتك به كله ) ‏
‏أي بإنفاقه في سبيلك , كما أخبر عن الكفار أنهم يقولون في الآخرة : " رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت " " فيقول له " أي الرب لابن آدم ‏
‏( أرني ما قدمت ) ‏
‏أي لأجل الآخرة من الخير ‏
‏( فيقول) ‏
‏أي ثانيا كما قال أولا ‏
‏( فإذا عبد ) ‏
‏الفاء فصيحة تدل على المقدر وإذا للمفاجأة وعبد خبر مبتدأ محذوف . أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو عبد ‏
‏( لم يقدم ) ‏
‏خيرا أي فيما أعطي ولم يمتثل ما أمر به ولم يتعظ ما وعظ به من قوله تعالى : { ولتنظر نفس ما قدمت لغد وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله } ‏
‏( فيمضى به ) ‏
‏بصيغة المجهول أي فيذهب به ‏
‏قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة ) ‏
‏وأبي سعيد الخدري أخرجه الترمذي بعد هذا . ‏

ahmedaboali
02-07-2009, 05:07 AM
‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن محمد الزهري البصري ‏ ‏حدثنا ‏ ‏مالك بن سعير أبو محمد التميمي الكوفي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏وعن ‏ ‏أبي سعيد ‏ ‏قالا ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقول الله له ‏ ‏ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا وسخرت لك الأنعام والحرث وتركتك ترأس ‏ ‏وتربع ‏ ‏فكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا قال فيقول لا فيقول له اليوم ‏ ‏أنساك كما نسيتني ‏
‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث صحيح غريب ‏ ‏ومعنى قوله اليوم ‏ ‏أنساك يقول اليوم أتركك في العذاب هكذا فسروه ‏ ‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏وقد فسر بعض أهل العلم هذه الآية ‏
‏فاليوم ‏ ‏ننساهم ‏
‏قالوا إنما معناه اليوم نتركهم في العذاب ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( حدثنا عبد الله بن محمد الزهري البصري ) ‏
‏صدوق من صغار العاشرة ‏
‏( أخبرنا مالك بن سعير ) ‏
‏بالتصغير وآخره راء ابن الخمس بكسر المعجمة وسكون الميم بعدها مهملة , لا بأس به من التاسعة . ‏
‏قوله : ( ترأس ) ‏
‏بوزن تفتح رأس القوم يرأسهم إذا صار رئيسهم ومقدمهم ‏
‏( وتربع ) ‏
‏أي تأخذ ربع الغنيمة , يقال ربعت القوم إذا أخذت ربع أموالهم أي ألم أجعلك رئيسا مطاعا ; لأن الملك كان يأخذ ربع الغنيمة في الجاهلية دون أصحابه ويسمى ذلك الربع المرباع ‏

ahmedaboali
02-07-2009, 05:08 AM
‏أخبرنا ‏ ‏سويد بن نصر ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عبد الله بن المبارك ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏أبو حيان التيمي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي زرعة بن عمرو بن جرير ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏
‏أتي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بلحم فرفع إليه الذراع فأكله وكانت تعجبه ‏ ‏فنهس ‏ ‏منها ‏ ‏نهسة ‏ ‏ثم قال ‏ ‏أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون لم ذاك يجمع الله الناس الأولين والآخرين في ‏ ‏صعيد ‏ ‏واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس منهم فبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس بعضهم لبعض ألا ترون ما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم فيقول الناس بعضهم لبعض عليكم ‏ ‏بآدم ‏ ‏فيأتون ‏ ‏آدم ‏ ‏فيقولون أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ألا ‏ ‏ترى ما نحن فيه ألا ‏ ‏ترى ما قد بلغنا فيقول لهم ‏ ‏آدم ‏ ‏إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد نهاني عن الشجرة فعصيت نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى ‏ ‏نوح ‏ ‏فيأتون ‏ ‏نوحا ‏ ‏فيقولون يا ‏ ‏نوح ‏ ‏أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا اشفع لنا إلى ربك ألا ‏ ‏ترى إلى ما نحن فيه ألا ‏ ‏ترى ما قد بلغنا فيقول لهم ‏ ‏نوح ‏ ‏إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كان لي دعوة دعوتها على قومي نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏فيأتون ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏فيقولون يا ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ‏ ‏ترى ما نحن فيه فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قد كذبت ثلاث كذبات ‏ ‏فذكرهن ‏ ‏أبو حيان ‏ ‏في الحديث ‏ ‏نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى ‏ ‏موسى ‏ ‏فيأتون ‏ ‏موسى ‏ ‏فيقولون يا ‏ ‏موسى ‏ ‏أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبكلامه على البشر اشفع لنا إلى ربك ألا ‏ ‏ترى ما نحن فيه فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى ‏ ‏عيسى ‏ ‏فيأتون ‏ ‏عيسى ‏ ‏فيقولون يا ‏ ‏عيسى ‏ ‏أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى ‏ ‏مريم ‏ ‏وروح منه وكلمت الناس في المهد اشفع لنا إلى ربك ألا ‏ ‏ترى ما نحن فيه فيقول ‏ ‏عيسى ‏ ‏إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنبا نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى ‏ ‏محمد ‏ ‏قال فيأتون ‏ ‏محمدا ‏ ‏فيقولون يا ‏ ‏محمد ‏ ‏أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ‏ ‏ترى ما نحن فيه فأنطلق فآتي تحت العرش ‏ ‏فأخر ‏ ‏ساجدا لربي ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقال يا ‏ ‏محمد ‏ ‏ارفع رأسك سل ‏ ‏تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول يا رب أمتي يا رب أمتي يا رب أمتي فيقول يا ‏ ‏محمد ‏ ‏أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ثم قال والذي نفسي بيده ما بين ‏ ‏المصراعين ‏ ‏من ‏ ‏مصاريع ‏ ‏الجنة كما بين ‏ ‏مكة ‏ ‏وهجر ‏ ‏وكما بين ‏ ‏مكة ‏ ‏وبصرى ‏
‏وفي ‏ ‏الباب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي بكر الصديق ‏ ‏وأنس ‏ ‏وعقبة بن عامر ‏ ‏وأبي سعيد ‏ ‏قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث حسن صحيح ‏ ‏وأبو حيان التيمي ‏ ‏اسمه ‏ ‏يحيى بن سعيد بن حيان ‏ ‏كوفي وهو ثقة ‏ ‏وأبو زرعة بن عمرو بن جرير ‏ ‏اسمه ‏ ‏هرم

http://www.9ll9.com/up/uploads/2105778686.gif (http://www.9ll9.com/up)

ahmedaboali
02-07-2009, 05:09 AM
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي

‏قوله : ( أخبرنا أبو حيان ) ‏
‏بتشديد التحتانية ‏
‏( التيمي ) ‏
‏قال في التقريب : اسمه يحيى بن سعيد بن حيان بمهملة وتحتانية الكوفي , ثقة عابد من السادسة . ‏
‏قوله : ( وكان يعجبه ) ‏
‏قال القاضي عياض : محبته صلى الله عليه وسلم للذراع لنضجها وسرعة استمرائها مع زيادة لذتها وحلاوة مذاقها , وبعدها عن مواضع الأذى انتهى كلامه . وقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما كانت الذراع أحب اللحم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولكن كان لا يجد اللحم إلا غبا , فكان يعجل إليها لأنها أعجلها نضجا ‏
‏( فنهش منه نهشة ) ‏
‏بالشين المعجمة . وفي بعض النسخ بالسين المهملة , ووقع في رواية مسلم بالسين المهملة . قال القاضي عياض : أكثر الرواة رووه بالمهملة ووقع لابن ماهان بالمعجمة وكلاهما صحيح بمعنى أخذ بأطراف أسنانه . قال الهروي : قال أبو العباس : النهس بالمهملة بأطراف الأسنان , وبالمعجمة بالأضراس , ثم قال ‏
‏( أنا سيد الناس يوم القيامة ) ‏
‏إنما قال هذا صلى الله عليه وسلم تحدثا بنعمة الله تعالى وقد أمره الله تعالى بهذا نصيحة لنا بتعريفنا حقه صلى الله عليه وسلم قال القاضي عياض : قيل السيد الذي يفوق قومه والذي يفزع إليه في الشدائد النبي صلى الله عليه وسلم سيدهم في الدنيا والآخرة , وإنما خص يوم القيامة لارتفاع السؤدد فيها , وتسليم جميعهم له , ولكون آدم وجميع أولاده تحت لوائه صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى : { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } أي انقطعت دعاوى الملك في ذلك اليوم ‏
‏( هل تدرون لم ) ‏
‏أي لأي وجه ‏
‏( ذاك ) ‏
‏أي كوني سيد الناس يوم القيامة ‏
‏( في صعيد واحد ) ‏
‏الصعيد هو الأرض الواسعة المستوية ‏
‏( فيسمعهم ) ‏
‏من الإسماع أي أنهم بحيث إذا دعاهم داع سمعوه ‏
‏( وينفذهم البصر ) ‏
‏بفتح أوله وضم الفاء من الثلاثي أي يحزقهم وبضم أوله وكسر الفاء من الرباعي , أي يحيط بهم والذال معجمة في الرواية . وقال أبو حاتم السجستاني : أصحاب الحديث يقولونه بالمعجمة وإنما هو بالمهملة ومعناه يبلغ أولهم وآخرهم . وأجيب بأن المعنى يحيط بهم الرائي لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض فلا يكون فيها ما يستتر أحد به من الرائي , وهذا أولى من قول أبي عبيدة يأتي عليهم بصر الرحمن : إذ رؤية الله تعالى محيطة بجميعهم في كل حال سواء الصعيد المستوي وغيره , ويقال نفذه البصر إذ بلغه وجاوزه والنفاذ الجواز والخلوص من الشيء ومنه نفذ السهم نفوذا إذا خرق الرمية وخرج منها كذا في الفتح . وقال النووي : بعد ذكر هذه الاختلافات ما لفظه فحصل خلاف في فتح الياء وضمها وفي الذال والدال وفي الضمير في ينفذهم والأصح فتح الياء وبالذال المعجمة وأنه بصر المخلوق انتهى ‏
‏( فيبلغ الناس ) ‏
‏بالنصب أي فيلحقهم ‏
‏( من الغم ) ‏
‏أي من أجله وسببه ‏
‏( والكرب ) ‏
‏وهو الهم الشديد ‏
‏( ما لا يطيقون ) ‏
‏أي ما لا يقدرون على الصبر عليه ‏
‏( ولا يتحملون ) ‏
‏فيجزعون ويفزعون ‏
‏( ألا ترون ما قد بلغكم ) ‏
‏أي لحقكم من الغم أو الكرب ‏
‏( ألا تنظرون ) ‏
‏أي ألا تتأملون ولا تتفكرون أو لا تبصرون ‏
‏( من يشفع لكم إلى ربكم ) ‏
‏أي ليريحكم من هذا الهم والغم ‏
‏( نفسي نفسي نفسي ) ‏
‏أي نفسي هي التي تستحق أن يشفع لها ‏
‏( فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ) ‏
‏استشكلت هذه الأولية بأن آدم عليه السلام نبي مرسل وكذا شيث وإدريس وغيرهم . وأجيب بأن الأولية مفيدة بقوله إلى أهل الأرض ويشكل ذلك بحديث جابر في البخاري في التيمم : وكان النبي يبعث خاصة إلى قوم خاصة ويجاب بأن العموم لم يكن في أصل بعثة نوح وإنما اتفق باعتبار حصر الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس انتهى . وفيه نظر ظاهر لا يخفى , وقيل إن الثلاثة كانوا أنبياء لم يكونوا رسلا ويرد عليه حديث أبي ذر عند ابن حبان فإنه كالصريح بإنزال الصحف على شيث وهو علامة الإرسال انتهى وفيه بحث , إذ لا يلزم من إنزال الصحف أن يكون المنزل عليه رسولا لاحتمال أن يكون في الصحف ما يعمل به بخاصة نفسه , ويحتمل أن لا يكون فيه أمر نهي . بل مواعظ ونصائح تختص به , فالأظهر أن يقال الثلاثة كانوا مرسلين إلى المؤمنين والكافرين وأما نوح عليه السلام فإنما أرسل إلى أهل الأرض وكلهم كانوا كفارا هذا وقد قيل هو نبي مبعوث أي مرسل ومن قبله كانوا أنبياء غير مرسلين كآدم وإدريس عليهما السلام فإنه جد نوح على ما ذكره المؤرخون . قال القاضي عياض : قيل إن إدريس هو إلياس وهو نبي من بني إسرائيل فيكون متأخرا عن نوح فيصح أن نوحا أول نبي مبعوث مع كون إدريس نبيا مرسلا . وأما آدم وشيث فهما وإن كانا رسولين إلا أن آدم أرسل إلى بنيه ولم يكونوا كفارا بل أمر بتعليمهم الإيمان وطاعة الله . وشيث كان خلفا له فيهم بعده بخلاف نوح فإنه مرسل إلى كفار أهل الأرض وهذا أقرب من القول بأن آدم وإدريس لم يكونا رسولين , كذا في المرقاة ‏
‏( وقد سماك الله عبدا شكورا ) ‏
‏أي في قوله تعالى : { ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا } , ‏
‏( وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي ) ‏
‏وفي حديث أنس عند البخاري فيقول : لست هناكم ويذكر خطيئته . قال الحافظ في رواية هشام : ويذكر سؤال ربه ما ليس به علم وفي حديث أبي هريرة : إني دعوت بدعوة أغرقت أهل الأرض ويجمع بينه وبين الأول بأنه اعتذر بأمرين أحدهما نهى الله تعالى أن يسأل ما ليس له به علم , فخشي أن تكون شفاعته لأهل الموقف من ذلك . ثانيهما أن له دعوة واحدة محققة الإجابة وقد استوفاها بدعائه على أهل الأرض . فخشي أن يطلب فلا يجاب وقال بعض الشراح : كان الله وعد نوحا أن ينجيه , وأهله فلما غرق ابنه ذكر لربه ما وعده , فقيل له المراد من أهلك من آمن وعمل صالحا فخرج ابنك منهم فلا تسأل ما ليس لك به علم ‏
‏( وإني قد كذبت ثلاث كذبات ) ‏
‏وهي قوله : إني سقيم وقوله : فعله كبيرهم هذا . وقوله : لامرأته أخبريه أني أخوك . قال البيضاوي : الحق أن الكلمات الثلاث إنما كانت من معاريض الكلام , لكن لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها استصغارا لنفسه عن الشفاعة مع وقوعها ; لأن من كان أعرف بالله وأقرب منزلة كان أعظم خوفا ‏
‏( ولم يذكر ذنبا ) ‏
‏قال الحافظ : ولكن وقع في رواية الترمذي من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد : إني عبدت من دون الله . وفي رواية أحمد والنسائي من حديث ابن عباس : إني اتخذت إلها من دون الله . وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه وزاد : وإن يغفر لي اليوم حسبي ‏
‏( يا رب أمتي . يا رب أمتي . يا رب أمتي ) ‏
‏أي ارحمهم واغفر لهم التكرار للتذكير ‏
‏( وهم ) ‏
‏أي من لا حساب عليهم ‏
‏( شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ) ‏
‏أي ليسوا ممنوعين من سائر الأبواب بل هم مخصوصون للعناية بذلك الباب . قال في القاموس : المصراعان من الأبواب والشعر ما كانت قافيتان في بيت , وبابان منصوبان ينضمان جميعا مدخلهما في الوسط منهما ‏
‏( كما بين مكة وهجر ) ‏
‏بفتحتين مصروفا وقد لا يصرف , ففي الصحاح : هجر اسم بلد مذكر مصروف وقيل هي قرية من قرى البحرين . وقيل من قرى المدينة . قال القاري : والأول هو المعول . وكذا صحح القول الأول الشيخ عبد الحق في اللمعات . قلت : وهو الظاهر . وفي بعض النسخ بين مكة وحمير وهو بكسر الحاء المهملة وفتح التحتية بينهما ميم ساكنة آخره راء أي صنعاء لأنها بلد حمير . ووقع في رواية البخاري في تفسير سورة بني إسرائيل : كما بين مكة وحمير ‏
‏( وكما بين مكة وبصرى ) ‏
‏بضم الموحدة مدينة بالشام بينها وبين دمشق ثلاث مراحل . اعلم أنه وقع في النسخ الحاضرة وكما بين مكة وبصرى بالواو , والظاهر أن الواو هنا بمعنى أو , وقد وقع في رواية البخاري المذكورة : كما بين مكة وحمير , أو كما بين مكة وبصرى بلفظ أو . ‏
‏قوله : ( وفي الباب عن أبي بكر ) ‏
‏أخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه ‏
‏( وأنس ) ‏
‏أخرجه الشيخان ‏
‏( وعقبة ) ‏
‏بن عامر لينظر من أخرجه ‏
‏( وأبي سعيد ) ‏
‏أخرجه الترمذي في تفسير سورة بني إسرائيل . ‏
‏قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) ‏
‏وأخرجه الشيخان . ‏

ahmedaboali
02-07-2009, 05:09 AM
‏حدثنا ‏ ‏علي بن خشرم ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏عيسى بن يونس ‏ ‏عن ‏ ‏عمران بن زائدة بن نشيط ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي خالد الوالبي ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال إن الله تعالى يقول ‏ ‏يا ابن ‏ ‏آدم ‏ ‏تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك ‏
‏قال ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث حسن غريب ‏ ‏وأبو خالد الوالبي ‏ ‏اسمه ‏ ‏هرمز ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( عن عمران بن زائدة بن نشيط ) ‏
‏بفتح النون وكسر المعجمة بعدها تحتانية ثم مهملة الكوفي ثقة من السابعة ‏
‏( عن أبيه ) ‏
‏هو زائدة بن نشيط الكوفي مقبول من السادسة ‏
‏( عن أبي خالد الوالبي ) ‏
‏بموحدة قبلها كسرة الكوفي اسمه هرمز ويقال هرم مقبول من الثانية وفد على عمر . وقيل حديثه عنه مرسل فيكون من الثالثة . ‏

‏قوله : ( إن الله يقول يا ابن آدم تفرغ لعبادتي ) ‏
‏أي تفرغ عن مهماتك لطاعتي ‏
‏( أملأ صدرك ) ‏
‏أي قلبك ‏
‏( غنى ) ‏
‏والغنى إنما هو غنى القلب ‏
‏( وأسد فقرك ) ‏
‏أي تفرغ عن مهماتك لعبادتي أقضي مهماتك وأغنيك عن خلقي , وإن لا تفعل ملأت يديك شغلا , وتسكن للتخفيف . ولم أسد فقرك أي إن لم تتفرغ لذلك واشتغلت بغيري لم أسد فقرك لأن الخلق فقراء على الإطلاق فتزيد فقرا على فقرك . ‏

‏قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) ‏
‏وأخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي في كتاب الزهد , وقال الحاكم صحيح الإسناد وقال المناوي : وأقروه . ‏

ahmedaboali
02-07-2009, 05:10 AM
‏حدثنا ‏ ‏هناد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو الأحوص ‏ ‏عن ‏ ‏ليث ‏ ‏عن ‏ ‏شهر بن حوشب ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن غنم ‏ ‏عن ‏ ‏أبي ذر ‏ ‏قال ‏
‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول الله تعالى ‏ ‏يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فسلوني الهدى أهدكم وكلكم فقير إلا من أغنيت فسلوني أرزقكم وكلكم مذنب إلا من عافيت فمن علم منكم أني ذو قدرة على المغفرة فاستغفرني غفرت له ولا أبالي ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أتقى قلب عبد من عبادي ما زاد ذلك في ملكي جناح بعوضة ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أشقى قلب عبد من عبادي ما نقص ذلك من ملكي جناح بعوضة ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا في ‏ ‏صعيد ‏ ‏واحد فسأل كل إنسان منكم ما بلغت أمنيته فأعطيت كل سائل منكم ما سأل ما نقص ذلك من ملكي إلا كما لو أن أحدكم مر بالبحر فغمس فيه إبرة ثم رفعها إليه ذلك بأني جواد ماجد أفعل ما أريد عطائي كلام وعذابي كلام إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له كن فيكون ‏
‏قال ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث حسن ‏ ‏وروى ‏ ‏بعضهم هذا الحديث ‏ ‏عن ‏ ‏شهر بن حوشب ‏ ‏عن ‏ ‏معدي كرب ‏ ‏عن ‏ ‏أبي ذر ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نحوه ‏

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي


‏قوله : ( يا عبادي ) ‏
‏قال الطيبي : الخطاب للثقلين لتعاقب التقوى والفجور فيهم , ويحتمل أن يعم الملائكة فيكون ذكرهم مدرجا في الجن لشمول الاجتنان لهم وتوجه هذا الخطاب لا يتوقف على صدور الفجور ولا على إمكانه انتهى . قلت : والظاهر هو الاحتمال الأول ‏
‏( إلا من هديت ) ‏
‏قيل المراد به وصفهم بما كانوا عليه قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لا أنهم خلقوا في الضلالة . والأظهر أن يراد أنهم لو تركوا بما في طباعهم لضلوا , وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام : إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره . وهو لا ينافي قوله عليه الصلاة والسلام : ( كل مولود يولد على الفطرة ) , فإن المراد بالفطرة التوحيد والمراد بالضلالة جهالة تفصيل أحكام الإيمان وحدود الإسلام ومنه قوله تعالى : { ووجدك ضالا } ‏
‏( وكلكم مذنب ) ‏
‏قيل أي كلكم يتصور منه الذنب ‏
‏( إلا من عافيت ) ‏
‏أي من الأنبياء والأولياء , أي عصمت وحفظت , وإنما قال عافيت تنبيها على أن الذنب مرض ذاتي , وصحته عصمة الله تعالى وحفظه منه أو كلكم مذنب بالفعل . وذنب كل بحسب مقامه إلا من عافيته بالمغفرة والرحمة والتوبة ‏
‏( ولا أبالي ) ‏
‏أي لا أكترث ‏
‏( ولو أن أولكم وآخركم ) ‏
‏يراد به الإحاطة والشمول ‏
‏( وحيكم وميتكم ) ‏
‏تأكيد لإرادة الاستيعاب كقوله ‏
‏( ورطبكم ويابسكم ) ‏
‏أي شبابكم وشيوخكم أو عالمكم وجاهلكم أو مطيعكم وعاصيكم . قال الطيبي هما عبارتان عن الاستيعاب التام كما في قوله تعالى { ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } والإضافة إلى ضمير المخاطبين تقتضي أن يكون الاستيعاب في نوع الإنسان فيكون تأكيدا للشمول بعد تأكيد الاستيعاب وتقريرا بعد تقرير انتهى ‏
‏( اجتمعوا على أتقى قلب عبد من عبادي ) ‏
‏وهو نبينا صلى الله عليه وسلم ‏
‏( ما زاد ذلك ) ‏
‏أي الاجتماع ‏
‏( اجتمعوا على أشقى قلب عبد من عبادي ) ‏
‏وهو إبليس اللعين ‏
‏( اجتمعوا في صعيد واحد ) ‏
‏أي أرض واسعة مستوية ‏
‏( ما بلغت أمنيته ) ‏
‏بضم الهمزة وكسر النون وتشديد الياء , أي مشتهاه وجمعها المنى والأماني , يعني كل حاجة تخطر بباله ‏
‏( ما نقص ذلك ) ‏
‏أي الإعطاء أو قضاء حوائجهم ‏
‏( فغمس ) ‏
‏بفتح الميم أي أدخل ‏
‏( إبرة ) ‏
‏بكسر الهمزة وسكون الموحدة وهي المخيط ‏
‏( ذلك ) ‏
‏أي عدم نقص ذلك من ملكي ‏
‏( بأني جواد ) ‏
‏أي كثير الجود ( واجد ) هو الذي يجد ما يطلبه ويريده وهو الواجد المطلق لا يفوته شيء ‏
‏( ماجد ) ‏
‏هو بمعنى المجيد , كالعالم بمعنى العليم من المجد وهو سعة الكرم ‏
‏( إنما أمري لشيء إذا أردت أن أقول له كن فيكون ) ‏
‏بالرفع والنصب , أي من غير تأخير عن أمري . وهذا تفسير ‏
‏لقوله : ( عطائي كلام وعذابي كلام ) ‏
‏. قال القاضي يعني ما أريد إيصاله إلى عبد من عطاء أو عذاب لا أفتقر إلى كد ومزاولة عمل بل يكفي لحصوله ووصوله تعلق الإرادة به وكن من كان التامة أي احدث فيحدث . ‏

‏قوله : ( هذا حديث حسن ) ‏
‏وأخرجه أحمد وابن ماجه , وروى مسلم نحوه بزيادة ونقص . ‏