Cat
01-29-2009, 11:48 AM
تتخذ الإدارة العامة في مباشرة وظيفتها عدة وسائل لتحقيق أهدافها المختلفة و هذه الوسائل قد تتم بالإرادة المنفردة للإدارة وقد تكون في شكل تعاقدات تبرمها الإدارة لتصريف شئونها وتحقيق أهداف العمل الإداري ومما لاشك فيه أن الإدارة عندما تبرم مثل هذه التعاقدات يتعين أن تستهدف تحقيق المصلحة العامة وهو هدفا يتعين أن يكون أساس لكل ما تقوم بع الإدارة من أعمال أو تصرفات ، و إذا كان الفقه والقضاء في مصر وفرنسا قد تناول بالدراسة فكرة تعاقد الإدارة وذلك لوضع الأسس التي يقوم عليها مثل هذا التعاقد وخاصة فيما يتعلق بمعيار تميز العقد الإداري ، انطلاقا من أهمية تحديد ذلك المعيار تمهيدا لتطبيق الأحكام الموضوعية و الإجرائية لقواعد القانون الإداري على مثل هذه التعاقدات إلا انه في هذا الإطار يتعين أن نشير أيضا في هذا المقام أن الفقه والقضاء لم يعني كثير ببحث الأحكام الخاصة المتعلقة بفكرة الوكالة في العقود الإدارية 0
وإذا كانت فكرة الوكالة لم تحظ بتلك الأهمية إلا أن التطور المعاصر لتدخل السلطة العامة غير هذا الوضع تماما و أصبحت فكرة الوكالة محل اهتمام القضاء و تحليلات الفقهاء وتعليقاتهم بحيث اصبح أسلوب الوكالة يحتل مكانا هاما نسبيا بين الأساليب التي تسمح للشخص الخاص بالدخول في مجال النشاط الإداري ( 1 )
( 1 ) الدكتور / مصطفى عبد المقصود سليم – الوكالة في إبرام العقد الإداري –1995- دار النهضة العربية ص 30 وما بعدها
و إذا كان الاهتمام بفكرة الوكالة يرجع إلى بعض أحكام التي صدرت من القضاء الفرنسي يشير لها الفقه عادة عند تناول فكرة الوكالة في العقود الإدارية فان ما يثير التساؤل في هذا الصدد عن مدى تصور تطبيق قواعد الوكالة في مجال العقود الإدارية بل وعلى فرض قبول هذه الفكرة فان التساؤل يدور عن ملامح هذه الفكرة و أحكامها القانونية ومدى تميزها عن قواعد القانون الخاص و إذا كانت فكرة النيابة في التعاقد وما يندرج تحتها من أحكام خاصة فيما يتعلق بالوكالة في التعاقد بحسبان أن فكرة النيابة اعم واشمل إذا كانت تلك الأفكار تحتاج إلى دراسات متأنية للوصول لمدى ملاءمتها وقواعد العقد الإداري فأننا في هذا البحث نحاول وبجهد متواضع أن نرصد أحد صور التعاقدات التي تتم بالنيابة عن الإدارة والتي يثور الجدل حول مدى إدارية العقد المبرم في ظلها خاصة فالفرض هنا و هو الفرض محل البحث يتعلق بتعاقد أطراف من أشخاص القانون الخاص أحدهما يقوم بتسير أو المساهمة في تسير مرفق عام وهو وان كان يقوم بهذه المهمة إلا انه لا يعد من أشخاص القانون العام فهل تعتبر التعاقدات التي يقوم بإبرامها تعد من العقود الإدارية و إذا اعتبرت مثل هذه العقود عقودا إدارية فما هو الأساس القانوني لذلك 0
تأسيسا على ذلك فأننا في هذه الدراسة المتواضعة سوف نتعرض برصد الظاهرة من خلال التعرض لفكرة التعاقد لحساب الإدارة من حيث مفهوم الظاهرة ومصدرها ثم نتناول بالبحث للأساس القانوني الذي اعتمده كل من القضاء الفرنسي والمصري و نأمل أن تكون هذه الدراسة مقدمة طيبة لتناول البحث بشيء من التعمق والتحليل في دراسات أخرى في هذا المجال الرحب 0
وعلى هذا فأننا قد اعتمدنا خطة البحث على الوجه الآتي :-
خطة البحث
• الفصل الأول - التعاقد باسم ولحساب الإدارة
المبحث الأول :- العقد الإداري الذي تبرمه الإدارة بنفسها
المطلب الأول :- كون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام
المطلب الثاني :- تصرف الإدارة بوصفها سلطة عامه
المبحث الثاني :-العقد الإداري الذي يبرم بالنيابة عن الإدارة
المطلب الأول :- النيابة القانونية في التعاقد لحساب الإدارة
المطلب الثاني :- التعاقد لحساب الإدارة
• الفصل الثاني :- التكيف القانوني للتعاقد لحساب الإدارة
المبحث الأول :- مدى قيام فكرة الوكالة الضمنية
المطلب الأول :- الرأي المؤيد لقيام فكرة الوكالة الضمنية
المطلب الثاني :- الرأي المنكر لقيام فكرة الوكالة الضمنية
المبحث الثاني :- حقيقة التكيف القانوني للتعاقد لحساب الإدارة
المطلب الأول :- عدم افتراض النيابة
المطلب الثاني :- ذاتية فكرة النيابة في القانون العام
• خاتمة :-
الفصل الأول - التعاقد باسم ولحساب الإدارة
الأصل أن تقوم الإدارة العامة بنفسها بإبرام التصرفات القانونية المختلفة سواء كان ذلك التعاقد صادرا من السلطة المركزية أم كان صادرا من السلطة اللامركزية مرفقة كانت أم محلية بيد انه من المتصور أيضا أن تنوب الإدارة غيرها في إبرام تلك التصرفات باسمها ولحسابها وبالتالي تنصرف جميع آثار هذا العقد للإدارة وعلى هذا نتناول هنا مثل هذا التعاقد في مبحثين يتناول الأول العقد الإداري الذي تبرمه الإدارة بنفسها ثم نتناول ذلك العقد الذي يبرم بالنيابة عن الإدارة 0
المبحث الأول :- العقد الإداري الذي تبرمه الإدارة بنفسها
إذا كان الأصل أن تقوم الإدارة بالتعبير عن إرادتها بنفسها و إبرام عقودها بمناسبة ممارسة وظيفتها الإدارية فانه من المقرر أيضا انه ليس كل ما تبرمه الإدارة من تعاقدات تعد عقودا إدارية وبالتالي تخضع لقواعد القانون الإداري ورقابة القضاء الإداري إنما يجب أن تتوافر مقومات العقد الإداري على مثل هذا التعاقد الشخصي ومما لا شك فيه أن مثل هذه المقومات كان الفضل لكل من مجلس الدولة الفرنسي والمصري في وضع ملامحها ولهذا نتناول ذلك في مطلبين كون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام والثاني أن تتصرف الإدارة باعتبارها سلطة عامة 0
المطلب الأول :- كون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام
عرفت المحكمة الإدارية العليا المصرية العقد الإداري بأنه " العقد الذي يبرمه
القانون العام وذلك بتضمين العقد شرطا أو شروطا غير مألوفة من عقود القانون الخاص " 0 ( 1 )
الشرط الأول إذن هو أن يكون أحد أطراف العقد أحد أشخاص القانون العام سواء تعلق الأمر بالدولة أم بأحد الأشخاص المعنوية المرفقية أو المحلية والفرض هنا محل البحث أن الإدارة تتعاقد بنفسها ولكن أهمية هذا الشرط تثور بشكل اكثر وضوحا وكما سوف نرى في الحالة التي لا تظهر الإدارة أو أحد أشخاص القانون العام بنفسها كطرف في العقد فهل يعد العقد في مثل هذه الحالة عقدا إداريا حتى ولو افترضنا أن أحد أطراف العقد يعمل لحساب الإدارة لقد ثار مثل هذا التساؤل بمناسبة الأحكام التي صدرت من محكمة التنازع الفرنسية و مجلس الدولة الفرنسي بل و مجلس الدولة المصري حيث اعتبرت بعض العقود عقودا إدارية بالرغم من أن أطرافها أشخاصا من أشخاص القانون الخاص وقد اعتبر بعض الفقهاء أن مثل هذا الاتجاه يعد استثناء من القاعدة العامة من شرط وجود الإدارة كطرف من طرفي العقد 0
أيا ما كان الأمر فان الفرض هنا أن الإدارة تتعاقد بنفسها ولا تثور هذه الإشكالية ولهذا يجب البحث عن الشرط الثاني لقيام مقومات العقد الإداري 0
المطلب الثاني :- تصرف الإدارة بوصفها سلطة عامه
لكي يكون العقد إداريا لا يكفي أن يكون أحد طرفيه من أشخاص القانون العام أو كما سنرى يعمل باسم ولحساب شخص عام و إنما يجب كذلك أن تتصرف الإدارة عند تعاقدها بوصفها سلطة عامة وذلك بان يتصف العقد
( 1 ) الأستاذ الدكتور / ماجد راغب الحلو – العقود الإدارية والتحكيم – ط 2004 دار الجامعة الجديدة للنشر – ص – 10 وما بعدها
ببعض الصفات في شروطه أو في موضوعه يتصل بفكرتي السلطة العامة والمرافق العامة وهما المحوران الرئيسيان للقانون الإداري فأما أن تتضمن شروط العقد استخدام امتيازات السلطة العامة المتمثلة في وجود شروط فادحة أو غير مألوفة في القانون الخاص و أما أن يكون موضوعه هو تنفيذ مهمة مرفق عام ( 1 )
مما لا شك في أن هذا الشرط يحتوي على معيارين هما معيار الشروط الغير مألوفة أو الشروط الاستثنائية ومعيار تعلق العقد بتنفيذ مهمة مرفق عام و أيا من المعيارين - بالإضافة للشرط الأول – يكفي لتوافر الصفة الإدارية لعقود الإدارة فأما أن يكون العقد يتعلق بتنفيذ مهمة مرفق عام و أما أن يتضمن شروطا استثنائية غير موجودة في عقود القانون الخاص عادة ( 2 )
الخلاصة إذن انه يلزم أن تتوافر مقومات العقد الإداري فبالإضافة إلى انه يجب أن يكون أحد أطراف العقد شخصا معنويا عاما يجب أيضا أن يكون العقد صادرا من الإدارة باعتبارها سلطة عامة سواء بتضمين العقد شروط غير مألوفة في مجال عقود القانون الخاص أو لتعلق العقد بتنفيذ مرفق عام وعلى ذلك فان العقد الذي تبرمه الإدارة العامة بنفسها باعتبارها سلطة عامة يعد عقدا إداريا بتوافر المقومات المشار إليها ولكن تدق التفرقة وكما سوف نرى في الحالة التي
لا تقوم الإدارة بإبرام العقد بنفسها أما لقيام من ينوب عنها قانونا و أما لان
الشخص الذي يبرم العقد يعمل لحساب الإدارة بالمفهوم الذي سوف نعرض له بعد قليل 0
( 1 ) الأستاذ الدكتور / ماجد راغب الحلو – المرجع السابق – ص 18
( 2 ) الأستاذ الدكتور / ماجد راغب الحلو – المرجع السابق – ص- 19
المبحث الثاني :-العقد الإداري الذي يبرم بالنيابة عن الإدارة
إذا كان الأصل أن تقوم الإدارة بإبرام عقودها بشخصها إلا انه ليس هناك ما يحول دون قيام الإدارة بإنابة غيرها في إبرام مثل هذه العقود فللجهات الإدارية أن تنوب عن بعضها في مباشرة إجراءات التعاقد لإبرام عقد معين هذا من جهة بل انه من المتصور أيضا أن تقوم الإدارة بإنابة شخصا أخر سواء كان ذلك الشخص من أشخاص القانون العام أم من أشخاص القانون الخاص في مثل هذه الحالة يتعين التفرقة بين فرضين الأول يتعلق بالحالة التي تكون تلك النيابة صريحة وقانونية والثاني يتعلق بالحالة التي لا تكشف فيها الإدارة عن إرادتها الصريحة في قيام تلك النيابة 0
المطلب الأول :- النيابة القانونية في التعاقد لحساب الإدارة
قد لا تظهر الإدارة في عقد من العقود ومع ذلك يعتبر العقد إداريا إذا كان أحد طرفيه يتعاقد باسم ولمصلحة الإدارة على انه في هذه الحالة يتعين احترام القواعد المدنية الخاصة بالوكالة والواردة في المادة 105 من القانون المدني وهو ما أوردته المحكمة الإدارية العليا صراحة في حكمها الصادر 23 نوفمبر سنة 1968 ( س14 ؛ ص 56 ) 0 ( 1 )
وقد عبرت عن ذلك المحكمة الإدارية العليا حين قررت في حكمها السابق الإشارة إليه " إلا انه متى استبان أن تعاقد الفرد أو الهيئة الخاصة إنما كان في الحقيقة لحساب
( 1 ) الأستاذ الدكتور / سليمان محمد الطماوي – الأسس العامة للعقود الإدارية – ط – 1984 – مطبعة جامعة عين شمس – ص- 65
الإدارة ومصلحتها فان التعاقد يكتسب صفة العقد الإداري " كما قررت المحكمة العليا أيضا صراحة انه إذا نص صراحة في العقد على وجود الوكالة فهذا لا يمنع من احترام القواعد المدنية الخاصة بها والتي وردت في المادة 105 من التقنين المدني "
والفرض هنا أذن أننا بصدد نيابة قانونية سواء كانت تلك النيابة بمقتضى نص قانوني أم بمقتضى عقد وكالة صريح ونعتقد أن مجلس الدولة المصري قد استقر على اعتماد قواعد كل من النيابة والوكالة متى كانت تلك النيابة أو الوكالة صريحة لا تحتاج ثمة شك أو تأويل وعلى ذلك فان مجلس الدولة المصري قد اعتبر العقد الصادر من أحد أشخاص القانون الخاص إذا كان ذلك الشخص يمثل شخصا معنويا عاما ويعمل باسمه ولحسابه وتتوافر مقومات العقد الإداري قد اعتبر ذلك العقد عقدا إداريا ولا غرابة في ذلك ما دام أن هذا الشخص الخاص يمثل الشخص المعنوي العم ويعمل باسمه ولحسابه على النحو السابق بل إننا نرى أن مثل هذا المسلك القضائي لا يعد بأي حال من الأحوال خروجا عن الأصل العام من اشتراط أن يكون أحد أطراف العقد شخصا معنويا عاما كما يذهب جانبا من الفقه ذلك انه إذا كان ظاهر الحال يقطع بان كلا من المتعاقدين من أشخاص القانون الخاص إلا أن حقيقة الأمر وطبقا لقواعد النيابة فان مثل العقد بالنظر إلى الآثار التي تترتب عليه وبالنظر للقواعد المستقرة لكل من النيابة والوكالة أن جميع آثار العقد تنصرف لشخص الأصيل وهو في هذا الفرض الشخص العام ولهذا قلنا انه لا مجال للقول أن هذا الفرض يعد استثناء عن الأصل بل انه في حقية الأمر يؤكد ذلك الأصل 0
المطلب الثاني :- التعاقد لحساب الإدارة
ثارت فكرة التعاقد لحساب الإدارة أو باسم ولحساب الإدارة بمناسبة حكم محكمة التنازع الفرنسية بتاريخ 8يوليه عام 1964 ويهمنا في هذا الصدد أن نعرض لما جاء بهذا الحكم ( 1 ) بالنظر إلى ما إثارة من أفكار تستحق البحث عن التكيف القانوني لتلك النتيجة التي انتهى إليها ذلك الحكم و لاسيما أن جانبا كبيرا من فقه القانون الإداري في مصر وفرنسا حاول أن يستند في تفسير ذلك الحكم إلى فكرة الوكالة الضمنية كتبرير لاعتبار مثل هذا العقد المبرم بين أشخاص القانون الخاص عقدا إداريا بالرغم من عدم قيام النيابة الصريحة بصورها المختلفة في جانب أحد المتعاقدين 0
وتتلخص الوقائع في أن القانون 18 أبريل سنة 1955 قد حدد نظام طرق السيارات ونص في المادة 4على انه يمكن بصفة استثنائية أن يكون إنشاء و استغلال أحدها بمنح التزامه إلى شخص عام أو غرفة تجارية أو شركة اقتصاد مختلط تكون الأغلبية فيها للمصالح العامة وقد أنشأت شركة طريق سيارات استيريل-كوت دازور تطبيقا لهذا النص وحصلت على التزام إنشاء طريق السيارات باتفاق اقره مرسوم بعد موافقة مجلس الدولة في 21 مايو 1957 و أبرمت الشركة عقودا مع المقاولين لإنشاء الطريق وقد أدي أحد هذه العقود إلى نزاع فقد عاني صاحبه شركة منشاة بيرو صعوبات مالية وتقرر إفادتها من التصفية القضائية وقد نسبت الشركة ومديرها القضائي إلى شركة طريق السيارات ارتكاب حيل تدليسية لجعل المتعاقد معها (المنشاة المدعية)تنسحب من العقد وطالبها علي هذا الأساس بتعويض ارتفع إلى اكثر من مليون فرنك وقد
وإذا كانت فكرة الوكالة لم تحظ بتلك الأهمية إلا أن التطور المعاصر لتدخل السلطة العامة غير هذا الوضع تماما و أصبحت فكرة الوكالة محل اهتمام القضاء و تحليلات الفقهاء وتعليقاتهم بحيث اصبح أسلوب الوكالة يحتل مكانا هاما نسبيا بين الأساليب التي تسمح للشخص الخاص بالدخول في مجال النشاط الإداري ( 1 )
( 1 ) الدكتور / مصطفى عبد المقصود سليم – الوكالة في إبرام العقد الإداري –1995- دار النهضة العربية ص 30 وما بعدها
و إذا كان الاهتمام بفكرة الوكالة يرجع إلى بعض أحكام التي صدرت من القضاء الفرنسي يشير لها الفقه عادة عند تناول فكرة الوكالة في العقود الإدارية فان ما يثير التساؤل في هذا الصدد عن مدى تصور تطبيق قواعد الوكالة في مجال العقود الإدارية بل وعلى فرض قبول هذه الفكرة فان التساؤل يدور عن ملامح هذه الفكرة و أحكامها القانونية ومدى تميزها عن قواعد القانون الخاص و إذا كانت فكرة النيابة في التعاقد وما يندرج تحتها من أحكام خاصة فيما يتعلق بالوكالة في التعاقد بحسبان أن فكرة النيابة اعم واشمل إذا كانت تلك الأفكار تحتاج إلى دراسات متأنية للوصول لمدى ملاءمتها وقواعد العقد الإداري فأننا في هذا البحث نحاول وبجهد متواضع أن نرصد أحد صور التعاقدات التي تتم بالنيابة عن الإدارة والتي يثور الجدل حول مدى إدارية العقد المبرم في ظلها خاصة فالفرض هنا و هو الفرض محل البحث يتعلق بتعاقد أطراف من أشخاص القانون الخاص أحدهما يقوم بتسير أو المساهمة في تسير مرفق عام وهو وان كان يقوم بهذه المهمة إلا انه لا يعد من أشخاص القانون العام فهل تعتبر التعاقدات التي يقوم بإبرامها تعد من العقود الإدارية و إذا اعتبرت مثل هذه العقود عقودا إدارية فما هو الأساس القانوني لذلك 0
تأسيسا على ذلك فأننا في هذه الدراسة المتواضعة سوف نتعرض برصد الظاهرة من خلال التعرض لفكرة التعاقد لحساب الإدارة من حيث مفهوم الظاهرة ومصدرها ثم نتناول بالبحث للأساس القانوني الذي اعتمده كل من القضاء الفرنسي والمصري و نأمل أن تكون هذه الدراسة مقدمة طيبة لتناول البحث بشيء من التعمق والتحليل في دراسات أخرى في هذا المجال الرحب 0
وعلى هذا فأننا قد اعتمدنا خطة البحث على الوجه الآتي :-
خطة البحث
• الفصل الأول - التعاقد باسم ولحساب الإدارة
المبحث الأول :- العقد الإداري الذي تبرمه الإدارة بنفسها
المطلب الأول :- كون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام
المطلب الثاني :- تصرف الإدارة بوصفها سلطة عامه
المبحث الثاني :-العقد الإداري الذي يبرم بالنيابة عن الإدارة
المطلب الأول :- النيابة القانونية في التعاقد لحساب الإدارة
المطلب الثاني :- التعاقد لحساب الإدارة
• الفصل الثاني :- التكيف القانوني للتعاقد لحساب الإدارة
المبحث الأول :- مدى قيام فكرة الوكالة الضمنية
المطلب الأول :- الرأي المؤيد لقيام فكرة الوكالة الضمنية
المطلب الثاني :- الرأي المنكر لقيام فكرة الوكالة الضمنية
المبحث الثاني :- حقيقة التكيف القانوني للتعاقد لحساب الإدارة
المطلب الأول :- عدم افتراض النيابة
المطلب الثاني :- ذاتية فكرة النيابة في القانون العام
• خاتمة :-
الفصل الأول - التعاقد باسم ولحساب الإدارة
الأصل أن تقوم الإدارة العامة بنفسها بإبرام التصرفات القانونية المختلفة سواء كان ذلك التعاقد صادرا من السلطة المركزية أم كان صادرا من السلطة اللامركزية مرفقة كانت أم محلية بيد انه من المتصور أيضا أن تنوب الإدارة غيرها في إبرام تلك التصرفات باسمها ولحسابها وبالتالي تنصرف جميع آثار هذا العقد للإدارة وعلى هذا نتناول هنا مثل هذا التعاقد في مبحثين يتناول الأول العقد الإداري الذي تبرمه الإدارة بنفسها ثم نتناول ذلك العقد الذي يبرم بالنيابة عن الإدارة 0
المبحث الأول :- العقد الإداري الذي تبرمه الإدارة بنفسها
إذا كان الأصل أن تقوم الإدارة بالتعبير عن إرادتها بنفسها و إبرام عقودها بمناسبة ممارسة وظيفتها الإدارية فانه من المقرر أيضا انه ليس كل ما تبرمه الإدارة من تعاقدات تعد عقودا إدارية وبالتالي تخضع لقواعد القانون الإداري ورقابة القضاء الإداري إنما يجب أن تتوافر مقومات العقد الإداري على مثل هذا التعاقد الشخصي ومما لا شك فيه أن مثل هذه المقومات كان الفضل لكل من مجلس الدولة الفرنسي والمصري في وضع ملامحها ولهذا نتناول ذلك في مطلبين كون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام والثاني أن تتصرف الإدارة باعتبارها سلطة عامة 0
المطلب الأول :- كون أحد طرفي العقد من أشخاص القانون العام
عرفت المحكمة الإدارية العليا المصرية العقد الإداري بأنه " العقد الذي يبرمه
القانون العام وذلك بتضمين العقد شرطا أو شروطا غير مألوفة من عقود القانون الخاص " 0 ( 1 )
الشرط الأول إذن هو أن يكون أحد أطراف العقد أحد أشخاص القانون العام سواء تعلق الأمر بالدولة أم بأحد الأشخاص المعنوية المرفقية أو المحلية والفرض هنا محل البحث أن الإدارة تتعاقد بنفسها ولكن أهمية هذا الشرط تثور بشكل اكثر وضوحا وكما سوف نرى في الحالة التي لا تظهر الإدارة أو أحد أشخاص القانون العام بنفسها كطرف في العقد فهل يعد العقد في مثل هذه الحالة عقدا إداريا حتى ولو افترضنا أن أحد أطراف العقد يعمل لحساب الإدارة لقد ثار مثل هذا التساؤل بمناسبة الأحكام التي صدرت من محكمة التنازع الفرنسية و مجلس الدولة الفرنسي بل و مجلس الدولة المصري حيث اعتبرت بعض العقود عقودا إدارية بالرغم من أن أطرافها أشخاصا من أشخاص القانون الخاص وقد اعتبر بعض الفقهاء أن مثل هذا الاتجاه يعد استثناء من القاعدة العامة من شرط وجود الإدارة كطرف من طرفي العقد 0
أيا ما كان الأمر فان الفرض هنا أن الإدارة تتعاقد بنفسها ولا تثور هذه الإشكالية ولهذا يجب البحث عن الشرط الثاني لقيام مقومات العقد الإداري 0
المطلب الثاني :- تصرف الإدارة بوصفها سلطة عامه
لكي يكون العقد إداريا لا يكفي أن يكون أحد طرفيه من أشخاص القانون العام أو كما سنرى يعمل باسم ولحساب شخص عام و إنما يجب كذلك أن تتصرف الإدارة عند تعاقدها بوصفها سلطة عامة وذلك بان يتصف العقد
( 1 ) الأستاذ الدكتور / ماجد راغب الحلو – العقود الإدارية والتحكيم – ط 2004 دار الجامعة الجديدة للنشر – ص – 10 وما بعدها
ببعض الصفات في شروطه أو في موضوعه يتصل بفكرتي السلطة العامة والمرافق العامة وهما المحوران الرئيسيان للقانون الإداري فأما أن تتضمن شروط العقد استخدام امتيازات السلطة العامة المتمثلة في وجود شروط فادحة أو غير مألوفة في القانون الخاص و أما أن يكون موضوعه هو تنفيذ مهمة مرفق عام ( 1 )
مما لا شك في أن هذا الشرط يحتوي على معيارين هما معيار الشروط الغير مألوفة أو الشروط الاستثنائية ومعيار تعلق العقد بتنفيذ مهمة مرفق عام و أيا من المعيارين - بالإضافة للشرط الأول – يكفي لتوافر الصفة الإدارية لعقود الإدارة فأما أن يكون العقد يتعلق بتنفيذ مهمة مرفق عام و أما أن يتضمن شروطا استثنائية غير موجودة في عقود القانون الخاص عادة ( 2 )
الخلاصة إذن انه يلزم أن تتوافر مقومات العقد الإداري فبالإضافة إلى انه يجب أن يكون أحد أطراف العقد شخصا معنويا عاما يجب أيضا أن يكون العقد صادرا من الإدارة باعتبارها سلطة عامة سواء بتضمين العقد شروط غير مألوفة في مجال عقود القانون الخاص أو لتعلق العقد بتنفيذ مرفق عام وعلى ذلك فان العقد الذي تبرمه الإدارة العامة بنفسها باعتبارها سلطة عامة يعد عقدا إداريا بتوافر المقومات المشار إليها ولكن تدق التفرقة وكما سوف نرى في الحالة التي
لا تقوم الإدارة بإبرام العقد بنفسها أما لقيام من ينوب عنها قانونا و أما لان
الشخص الذي يبرم العقد يعمل لحساب الإدارة بالمفهوم الذي سوف نعرض له بعد قليل 0
( 1 ) الأستاذ الدكتور / ماجد راغب الحلو – المرجع السابق – ص 18
( 2 ) الأستاذ الدكتور / ماجد راغب الحلو – المرجع السابق – ص- 19
المبحث الثاني :-العقد الإداري الذي يبرم بالنيابة عن الإدارة
إذا كان الأصل أن تقوم الإدارة بإبرام عقودها بشخصها إلا انه ليس هناك ما يحول دون قيام الإدارة بإنابة غيرها في إبرام مثل هذه العقود فللجهات الإدارية أن تنوب عن بعضها في مباشرة إجراءات التعاقد لإبرام عقد معين هذا من جهة بل انه من المتصور أيضا أن تقوم الإدارة بإنابة شخصا أخر سواء كان ذلك الشخص من أشخاص القانون العام أم من أشخاص القانون الخاص في مثل هذه الحالة يتعين التفرقة بين فرضين الأول يتعلق بالحالة التي تكون تلك النيابة صريحة وقانونية والثاني يتعلق بالحالة التي لا تكشف فيها الإدارة عن إرادتها الصريحة في قيام تلك النيابة 0
المطلب الأول :- النيابة القانونية في التعاقد لحساب الإدارة
قد لا تظهر الإدارة في عقد من العقود ومع ذلك يعتبر العقد إداريا إذا كان أحد طرفيه يتعاقد باسم ولمصلحة الإدارة على انه في هذه الحالة يتعين احترام القواعد المدنية الخاصة بالوكالة والواردة في المادة 105 من القانون المدني وهو ما أوردته المحكمة الإدارية العليا صراحة في حكمها الصادر 23 نوفمبر سنة 1968 ( س14 ؛ ص 56 ) 0 ( 1 )
وقد عبرت عن ذلك المحكمة الإدارية العليا حين قررت في حكمها السابق الإشارة إليه " إلا انه متى استبان أن تعاقد الفرد أو الهيئة الخاصة إنما كان في الحقيقة لحساب
( 1 ) الأستاذ الدكتور / سليمان محمد الطماوي – الأسس العامة للعقود الإدارية – ط – 1984 – مطبعة جامعة عين شمس – ص- 65
الإدارة ومصلحتها فان التعاقد يكتسب صفة العقد الإداري " كما قررت المحكمة العليا أيضا صراحة انه إذا نص صراحة في العقد على وجود الوكالة فهذا لا يمنع من احترام القواعد المدنية الخاصة بها والتي وردت في المادة 105 من التقنين المدني "
والفرض هنا أذن أننا بصدد نيابة قانونية سواء كانت تلك النيابة بمقتضى نص قانوني أم بمقتضى عقد وكالة صريح ونعتقد أن مجلس الدولة المصري قد استقر على اعتماد قواعد كل من النيابة والوكالة متى كانت تلك النيابة أو الوكالة صريحة لا تحتاج ثمة شك أو تأويل وعلى ذلك فان مجلس الدولة المصري قد اعتبر العقد الصادر من أحد أشخاص القانون الخاص إذا كان ذلك الشخص يمثل شخصا معنويا عاما ويعمل باسمه ولحسابه وتتوافر مقومات العقد الإداري قد اعتبر ذلك العقد عقدا إداريا ولا غرابة في ذلك ما دام أن هذا الشخص الخاص يمثل الشخص المعنوي العم ويعمل باسمه ولحسابه على النحو السابق بل إننا نرى أن مثل هذا المسلك القضائي لا يعد بأي حال من الأحوال خروجا عن الأصل العام من اشتراط أن يكون أحد أطراف العقد شخصا معنويا عاما كما يذهب جانبا من الفقه ذلك انه إذا كان ظاهر الحال يقطع بان كلا من المتعاقدين من أشخاص القانون الخاص إلا أن حقيقة الأمر وطبقا لقواعد النيابة فان مثل العقد بالنظر إلى الآثار التي تترتب عليه وبالنظر للقواعد المستقرة لكل من النيابة والوكالة أن جميع آثار العقد تنصرف لشخص الأصيل وهو في هذا الفرض الشخص العام ولهذا قلنا انه لا مجال للقول أن هذا الفرض يعد استثناء عن الأصل بل انه في حقية الأمر يؤكد ذلك الأصل 0
المطلب الثاني :- التعاقد لحساب الإدارة
ثارت فكرة التعاقد لحساب الإدارة أو باسم ولحساب الإدارة بمناسبة حكم محكمة التنازع الفرنسية بتاريخ 8يوليه عام 1964 ويهمنا في هذا الصدد أن نعرض لما جاء بهذا الحكم ( 1 ) بالنظر إلى ما إثارة من أفكار تستحق البحث عن التكيف القانوني لتلك النتيجة التي انتهى إليها ذلك الحكم و لاسيما أن جانبا كبيرا من فقه القانون الإداري في مصر وفرنسا حاول أن يستند في تفسير ذلك الحكم إلى فكرة الوكالة الضمنية كتبرير لاعتبار مثل هذا العقد المبرم بين أشخاص القانون الخاص عقدا إداريا بالرغم من عدم قيام النيابة الصريحة بصورها المختلفة في جانب أحد المتعاقدين 0
وتتلخص الوقائع في أن القانون 18 أبريل سنة 1955 قد حدد نظام طرق السيارات ونص في المادة 4على انه يمكن بصفة استثنائية أن يكون إنشاء و استغلال أحدها بمنح التزامه إلى شخص عام أو غرفة تجارية أو شركة اقتصاد مختلط تكون الأغلبية فيها للمصالح العامة وقد أنشأت شركة طريق سيارات استيريل-كوت دازور تطبيقا لهذا النص وحصلت على التزام إنشاء طريق السيارات باتفاق اقره مرسوم بعد موافقة مجلس الدولة في 21 مايو 1957 و أبرمت الشركة عقودا مع المقاولين لإنشاء الطريق وقد أدي أحد هذه العقود إلى نزاع فقد عاني صاحبه شركة منشاة بيرو صعوبات مالية وتقرر إفادتها من التصفية القضائية وقد نسبت الشركة ومديرها القضائي إلى شركة طريق السيارات ارتكاب حيل تدليسية لجعل المتعاقد معها (المنشاة المدعية)تنسحب من العقد وطالبها علي هذا الأساس بتعويض ارتفع إلى اكثر من مليون فرنك وقد