Warning: Function get_magic_quotes_gpc() is deprecated in /home/forumbs/public_html/includes/class_core.php on line 1960
الزواج وظاهرة تبديل الدين [الأرشيف] - منتديات بانى ستار

المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الزواج وظاهرة تبديل الدين



Cat
01-29-2009, 09:41 AM
الزواج وظاهرة تبديل الدين

تمهيد:

من الظواهر المنتشرة في بلاد المهجر تغيير المسلم دينه وعقيدته إلى دين آخر، أو بالعكس تغيير غير المسلم عقيدته ودينه إلى الإسلام، وينتج عن هذا التغيير تبعات كثيرة وأول أثر يتركه على مصير الزواج، وهناك حوادث كثيرة في تغيير العقيدة حدثت في الغرب دون أن يبالي أحد الزوجين بنتائجه بسبب قلة وعيه بالأحكام الشرعية فكان لابد من حملة توعية للمسلمين بالاخص المسلمين الجدد بالأحكام الشرعية التي تبني العلاقات الزوجية بعد أي تغيير يطرأ في العقيدة.

هذا من جانب، ومن جانب آخر يحظى حدود التغيير في العقيدة أهمية كبرى في الغرب فمتى يعتبر المسلم مرتداً حتى تحرم زوجته عنه؟، هذه القضية أيضاً غير واضحة، وما هي حدود الارتداد حتى يسمى الشخص مرتداً في الشرع لتترتب عليه الأحكام الشرعية ؟.

حول هذه الموضوعات يدور البحث في هذا الفصل، والذي سنقسمه إلى مبحثين: المبحث الأول الارتداد، والمبحث الثاني: الأسلمة.






المبحث الأول

الارتداد


معنى الارتداد:

الارتداد في اللغة يعني الرجوع، ومنه المرتد وعرّفه القوندي "ت978هـ) في أنيس الفقهاء: المرتد اسم فاعل من الارتداد وهو الرجوع على الإطلاق لغة، وفي الشريعة وهو الرجوع من الدين الحق إلى الباطل أعاذنا الله سبحانه وتعالى من ذلك فمن ارتد والعياذ بالله عرض عليه الإسلام وكشفت شبهته فإن استمهل حبس ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل أي إن تاب فيها وإن لم يتب قتل ومعنى فيها أي بالخصلة الحسنة أخذ وكلمة إلا معناها إن لا وليست للاستثناء كذا في صدر الشريعة[1].

وعرّفه النفراوي المالكي "ت1125هـ) الارتداد الذي هو الرجوع، ومنه المرتد وحقيقة الردة شرعاً قطع الإسلام من المكلف وفي الصبي خلاف، وقال ابن عرفة: الردة كفر بعد السلام تقرر النطق بالشهادتين على التزام أحكامها بقوله ويقتل وجوباً كل من ارتد أي قطع إسلامه بعد بلوغه بصريح لفظه كقوله العزيز ابن الله أو البعيد كفر بالله أو أشرك به، أو أتى بلفظ يقتضي الكفر كقوله الصلوات مفروضة أو الركوع أو فرض لأن الجاحد كافر أو فرض على المستطيع أو الله جسم كأجسام الحوادث أو أتى بفعل يستلزم الكفر كإلقاء شيء من القرآن في قذر اختياراً أو شد نحو الزنا وتوجه به إلى متعبدهم[2].

حدود الارتداد:

1- عند الشيعة الإمامية:

الارتداد هو الكفر بعد الإسلام أعاذنا الله مما يوبق الأديان والكفر يكون بنية وبقول كفر وفعل مكفر، فالأول العزم على الكفر ولو في وقت مترقب وفي حكمه التردد فيه والثاني كنفي الصانع لفظاً أو الرسل وتكذيب رسول وتحليل محرم بالإجماع كالزنا وعكسه كالنكاح ونفي وجوب مجمع عليه كركعة من الصلوات الخمس وعكسه كوجوب صلاة سادسة يومية وكضابط ما علم من الدين ضرورة ولا فرق في القول بين وقوعه عناداً أو اعتقاداً أو استهزاءً حملاً على الظاهر ويمكن رد هذه الأمثلة إلى الأول حيث يفتقدها من غير لفظ والثالث ما تعمده استهزءاً صريحاً بالدين أو جحوداً له كإلقاء مصحف أو بعضه في قاذورة مقصداً أو سجود لصنم ويعتبرها خالف الإجماع كونه مما يثبت حكمه في دين الإسلام ضرورة كما ذكر لخفاء كثير من الإجماعات على الإلحاد وكون الإجماع من أهل الحل والعقد من المسلمين فلا يكفر المخالف في مسألة خلافية وإن كان نادراً وقد اختلفت عبارات الأصحاب وغيرهم في هذا الشرط فانتصر بعضهم على اعتبار مطلق الإجماع وآخرون على إضافة ما ذكرناه[3].

2- عند الحنفية:

كل قول أو فعل أو اعتقاد ينافي ما هو معلوم من الدين بالضرورة كان خروجاً من دين الإسلام، وذلك كمن أنكر فرضية الصلاة أو الصيام أو الحج أو قال: إن المسيح صلب، أو هو بن الله أو أعتقد أن الله يشبه الحوادث، أو سجد لصنم، أو أهان مصحفاً بإلقائه في قاذورة عمداً، أو سب دين الإسلام، أو حلل حراماً معلوماً من الدين بالضرورة كشرب الخمر والزنا واللواط ولعب الميسر وأكل أموال الناس بالباطل، ومن ذلك السرقة والغش والخيانة وتطفيف الكيل والوزن والاعتداء على أعراض الناس ودمائهم كالقتل والقذف إلى غير ذلك من الأمور التي حرمتها الشريعة الإسلامية تحريماً باتاً، فمن فعل شيئاً من ذلك وهو مستحلّ له أو قال: إنه حلال مرتداً عن دين الإسلام، ومثل ذلك ما إذا أنكر نبوة أحد الأنبياء الذين ذكرهم القرآن الكريم، أو أنكر قصة من القصص التي وردت فيه، أو أنكر آية منه، فإن هذا وأمثاله هو الذي يقال أن فاعله أو قائله مرتد.

ثم يقول: وبالجملة فالمحققون من الحنفية صرحوا بأنه لا يجوز تكفير المسلم إلا إذا لم يمكن تأويل كلامه، فلو قال كلمة تحتمل الإيمان من وجه والكفر من وجوه تحمل على الإيمان حتى قالوا إذا قال كلمة أو عمل عملاً يستلزم ظاهره الكفر ولكن وجدت رواية ضعيفة يحمل بها على الإيمان لا يصح المبادرة بتكفيره، نعم إذا فعل ما لا يمكن حمله على الإيمان كان حرق مصحفاً وألقاه على الأرض لغيظٍ أو غضب من حالة عصبية وهو مؤمن فإنه يؤاخذ به مع اعتقاده بالنسبة لزوجته، لأن بينونتها منه بذلك حق من حقوقها، ولا يكن للقاضي أن يدخل إلى ما في نفسه، بل لابد من معاملته بظاهر أمره في حق هذه المرأة أما الذي يمكن تأويله فإن فاعله أو قائله يؤمر بالتوبة والاستغفار وتجديد عقد زوجته احتياطاً، فإن أبت فلا تمكن من غرضها ولا تجبر على التجديد[4].

3- عند المالكية:

إن ما يوجب الرد ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

1- أن يقول كلمة كفر صريحة كقوله: إنه كفر بالله أو برسول الله، أو بالقرآن، أو يقول: إن الإله اثنان، أو ثلاثة، أو المسيح ابن الله، أو عزيز ابن الله.

2- أن يقول لفظاً يستلزم الكفر استلزاماً ظاهراً، وذلك كأن ينكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة كفرضية الصلاة، فإنه وإن لم يكن كفراً صريحاً ولكنه يستلزم تكذيب القرآن أو تكذيب رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم)، أو يقول إن الله جسم متحيز في مكان، لأن ذلك يستلزم أن يكون الإله محتاجاً للمكان، والمحتاج حادث لا قديم، ومن ذلك ما إذا أحل حراماً معلوماً من الدين بالضرورة كشرب الخمر والزنا واللواط وأكل أموال الناس بالباطل وغير ذلك.

3- أن يفعل أمراً يستلزم الكفر استلزاماً بيناً، كأن يرمي مصحفاً أو بعضه ولو آية في شيء مستقذر تعافه النفس ولو طاهراً، كالبصاق والمخلوط أو يلطخه بأن يبصق عليه، أو يراه ملطخاً بالأقذار وهو قادر على إزالتها عنه فلم يفعل وتركه استخفافاً وتحقيراً فمدار الكفر على الاستخفاف والتحقير، ولكن يحرم أن يفصل ما فيه صورة التحقير وإن لم يقصده كأن يبل أصبغه بالباصق ليسهل به تقليب ورق المصحف ومن الفعل المستلزم للكفر شد الزنار، وهو حزام خاص به أشكال مختلفة يشد به النصارى وسطهم ليمتازا به عن غيرهم، فإذا لبسه المسلم فإنه يكفر بشروط:

الشرط الأول: أن يلبسه محبة لدينهم وميلاً لأهله، فيكون معنى لبسه له خروجاً من جماعة المسلمين إلى جماعة الكافرين، فإذا لبسه لغرض آخر غير ذلك، كأن لبسه هازلاً أو نحو ذلك، فإنه لا يكفر، ولكن يحرم عليه فعل ذلك.

الشرط الثاني: أن لا تضطره الضرورة إلى لبسه كما إذا وجد في بلادهم لضرورة ولم يجد لباساً سواه.

الشرط الثالث: أن ينضم إلى لبسه عمل آخر من أعمال ديانتهم كمشي إلى الكنيسة أو تعظيم للصليب، أو نحو ذلك فإن لبسه ولم يفعل ذلك فإنه يكفر على الراجح، ومثل الزنار في الحكم لبس كل ما يختص بالكافر من الملابس[5].

4- رأي الشافعية:

الارتداد كل ما ينافي الإسلام ويقطعه سواء كان قولاً أو فعلاً أو نية فإنه يكون شاردة يجري عليها فاعلها الجرم المتقدم، لا فرق بين أن يصدر عنه ذلك استهزاءً وعناداً أو اعتقاداً فمثال القول: ثالث ثلاثة، أو يقول كلمة عيب في حق الذات العلية أو في حق رسول الله أو نحو ذلك، ومن ذلك ما إذا قال المسلم يا كافر وأراد رميه بالكفر حقيقة، لأن من كفّر مسلماً كفر، ومثال الفعل أن يسجد لصنم، أو يلقي مصحفاً في قاذورة ولو طاهرة، ولو آية منه، وكذا إذا ألقى كتاباً شرعياً بقصد السخرية والاستهزاء ولا يضر أن يمسح اللوح بالبصاق كما يفعل صبية المكاتب لأن الغرض من هذا تسهيل المسح، ومقال الردة بالنية أن يعزم على الكفر بعد ساعة، أو غد فإنه بذلك يكفر فوراً، فإن تاب عاد له إسلامه كما كان حتى ولو كان بسبب التعريض بمقام الرسول الكريم خلافاً للمالكية ووفاقاً للحنفية وإذا قامت قرينة على أنه لا يقصد الاستهزاء كما إذا كان خائفاً أو سبق لسانه أو كان غافلاً فإنه لا يكفر، وإذا سجد لمخلوق فإن كان يقصد تعظيمه تعظيم الإله فإنه يكفر وإلا فلا، ولا شيء في التحية بالانحناء ونحوها لأن الفرق في هذا مجرد الاحترام[6].

رأي الحنابلة:

الأمور المكفرة تنقسم إلى قسمين: أحدهما أقوال تقتضي الخروج من الإسلام كأن يقول الله ثالث ثلاثة، أو يقول: إنه يعبد الصنم أو يعبد البشر أو البقر أو يقول: إن الله غير موجود أو يقول: إن إبراهيم ليس برسول ومثل ذلك ما إذا أنكر رسالة ذكره القرآن الكريم أو قال: إن الله لم ينزل توراة ولا إنجيل أما إذا قال إن التوراة والإنجيل اللذين من عند الله فقدتا ولم يبق منهما شيء فهو صحيح ولا شيء فيه، أو قال: إن الإنسان لا يبعث وأنكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة كاملاً كالصلاة والصيام والحج والزكاة، أو أحل حراماً كالزنا، واللواط فإن كل ذلك أقوال توجب الردة.

ثانيتها: أفعال كذلك، ومنها أن يسجد لصنم أو يلقي مصحفاً في قاذورة ونحو ذلك، أما لبس الزنار ونحوه في ملابسهم الخاصة فإنها حرام لا تكفر متى كان فاعلها يقرّ لله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة ومثل ذلك ما إذا لبس صليباً لا بقصد التعظيم، ومن استحلّ حراماً وهو يتأوله فإنه لا يكفر كالخوارج الذين استحلوا قتل عليّ فإنهم لا يكفرون لاعتقادهم أن ذلك يوجب الزلفى إلى الله ويرفع المشاكل عن المسلمين[7].

مناقشة في آراء المذاهب:

نجد في الآراء المتقدمة هناك قواسم مشتركة لا تختلف فيها المذاهب الإسلامية كنفي الخالق سبحانه وتعالى وتكذيب الرسالة، وتحليل ما حرمه الله سبحانه وتعالى في الأمور هي سبب لارتداد المسلم عن دينه بإجماع المذاهب الإسلامية، لكن هناك مسائل خلافية بين المذاهب فبينما يذهب الشيعة الإمامية والشافعية إلى ثلاثة أمور تخرج المسلم عن دينه هي النية والفعل والقول نجد أن المالكية والحنبلية لا يعتبرون النية موجبة للارتداد فيذهبون إلى سببين للكفر هما القول والفعل.

بينما يستبدل الحنفيون النية بلفظ العقيدة، فيرون أن سبب الارتداد ينشأ من كل قول أو فعل أو اعتقاد ينافي ما هو معلوم من الدين.

والغريب أن الحنابلة الذين لم يعيروا أهمية للنية أفرطوا في اعتقاد الإنسان فمتى لو كان فعله ارتداداً صريحاً لكن اعتقاده بأن عمله هذا هو تقرب إلى الله فهو لا يحسب ارتداد ويضربون مثلاً على ذلك بالخوارج فإن قتلهم لأمير المؤمنين خليفة المسلمين على رأيهم لا يشكل كفراً لأنهم يعتقدون أن عملهم هذا يقربهم إلى الله سبحانه وتعالى، فإذا كان صرف العمل هو المناط فالمشرك الذي يعبد الصنم لا يعتبر مرتد لأنه يعتقد بأن هذه الأصنام تقربه إلى الله زلفى فلا فرق بينه وبين الخارجي إلا قول الشهادتين فإذا قال الشهادتين هل نعتبره مسلماً وهو يعبد الصنم.

وثمرة هذا البحث :

أن الكثير من الممارسات التي نشاهدها اليوم في دنيا الغرب من تقليد أبناء المسلمين لأبناء الغرب في لبسهم وحتى في لبس الصليب فهو لا يعتبر ارتداداً عن الدين وحتى حمل بعض الأفكار الخاصة أو توجيه بعض النقد إلى بعض الأحكام لا يعتبر ارتداداً لأنه يحسب حساب المناقشة وقد فتح الدين باب المناقشة ودعا الإنسان إلى فتح عقله لكل أمر من الأمور، فالإسلام لا يقبل من المسلم عقيدته إلا أن يكون عن طريق العقل وللوصول إلى حالة اليقين يمرّ الإنسان في حالات من الشك والظن وهي أمور طبيعية تسامح الإسلام إزاءها.

أنواع الارتداد:

ذكر فقهاء الشيعة الإمامية نوعين من الارتداد:

النوع الأول هو المرتد عن فطرة: وهو الذي انعقد وأحد أبويه مسلم لا تقبل توبته ظاهراً وإن قبلت باطناً على الأقوى.

النوع الثاني:هو المرتد عن غير فطرة، وهو الذي انعقد ولم يكن أحد أبويه مسلماً لا يقتل معجلاً بل يستتاب عن الذنب الذي ارتد بسببه فإن تاب وإلا قتل ولا يقسم ماله حتى يقتل أو يموت[8]. وقد أطلق البعض على النوع الثاني بالمرتد الملي، ومقصوده من المرتد عن أبوين غير مسلمين.

أما فقهاء المذاهب الإسلامية فذكروا النوعين من الارتداد دون أن يعبروا عنهما بالمصطلح الذي أورده فقهاء الشيعة، فهم يقسمون الارتداد إلى قسمين أيضاً قسم من تقبل توبته ولا يقتل وقسم من لا تقبل توبته ويقتل كالزنديق وما شابه ذلك.




أحكام الزواج حين الارتداد

أول أثر يتركه الارتداد هو في أحكام الزواج، وينشأ عنه موضوعات فقهية هي:

أولاً: مصير عقد الزواج.

ثانياً: هل انفصال الزوج أو الزوجة بسبب الارتداد فسخ أم طلاق.

ثالثاً: هل تستحق المرأة المرتدة المهر.

رابعاً: هل تستحق المرأة المرتدة النفقة، وينشأ أيضاً نتيجة الارتداد حكم يتعلق بالإرث فهل تستحق الزوجة أو الزوج حين الارتداد الإرث.




المطلب الأول: مصير عقد الزواج.

رأي الحنفية:

إذا ارتدّ الزوج عن دينه بانت منه زوجته في الحال لأنه لا يحل للكافر أن يستولي على المسلمة بحال من الأحوال، ويفرق بينهما عاجلاً بدون قضاء، أما إذا أرتدت الزوجة وحدها فإن في ذلك أقوال ثلاثة.

القول الأول: إن ردتها تكون فسخاً للنكاح وتعزر بالضرب كل ثلاثة أيام بحسب حالها وما يراه الإمام زاجراً لها وتجبر على الإسلام بالحبس إلى أن تسلم أو تموت وهي محبوسة وإذا أسلمت تمنع من التزويج بغير زوجها بل تجبر على تجديد النكاح بمهر يسير، رضيت أم لم ترض، فلكل قاض أن يحدد نكاحها على زوجها، ولو بنصف جنيه متى طلب الزوج ذلك، أما إذا سكت أو تركها صريحاً فإنها تزوج بغيره حينئذٍ هذا القول يعمل به على الإسلام وتحديد النكاح فإن تعذر ذلك سقط العمل به.

القول الثاني: إن ردة المرأة لا توجب فسخ النكاح مطلقاً، خصوصاً إذا تعهدت الردة للتخلص من زوجها، وعلى ذلك فلا فسخ ولا تجديد للنكاح وهذا هو الذي أفتى به علماء بلخ وهو الذي يجب العلم به في زماننا فلا يصح للقاضي أن يحيد عنه.

القول الثالث: إن المرأة إذا ارتدت تصير رقيقة مملوكة للمسلمين فيشتريها زوجها من الحاكم وإن كان مصرفاً يستحقها صرفها له بدون ثمن، ولا تعود حرة إلا بالعتق، فلو اسلمت ثانياً لا تعود حرة، ومتى استولى عليها زوجها بعد ذلك ملكها، فله بيعها ما لم تكن قد ولدت منه، وهذا فيه زجر شديد للمرأة عن الردة على أن العمل به غير ممكن اللهم إلا في البلاد التي لا يزال بها الرق موجوداً، أما إذا ارتدا معاً بحيث سجدا للصنم معاً في آن واحد، أو سبق أحدهما الآخر بكلمة الكفر ولكن لم يعلم السابق، فإن نكاحهما يبقى ولا يفسخ، فإذا أسلما معاً دفعة واحدة بقي النكاح بينهما كذلك، أما إذا أسلم أحدهما قبل الآخر فسد النكاح[9].

ويقول السرخسي "أبو بكر) وإذا ارتد المسلم بانت منه امرأته مسلمة كانت أو كتابية دخل بها أو لم يدخل بها عندنا، وابن أبي ليلى "رحمه الله تعالى) يقول لا تقع الفرقة بردة أحدهما قبل الدخول ولا بعده حتى يستتاب المرتد فإن تاب فهي امرأته وإن مات أو قتل ورثته وجعل هذا قياس إسلام أحد الزوجين على ما بيناه، ولكن نقول الردة تنافي النكاح واعتراض السبب المنافي للنكاح موجب للفرقة بنفسه كالمحرمية فأما اختلاف الدين عنه لا ينافي النكاح حتى يجوز ابتداء النكاح بين المسلم والكتابية وكذلك الإسلام ولا تنافي النكاح فإن النكاح نعمة وبالإسلام تصير النعم محرزة له فلهذا لا تقع الفرقة هناك إلا بقضاء القاضي بعد إباء الآخر[10].

فإذن على رأي السرخسي لابد من حكم القاضي فهو الذي يقضي بفسخ الطلاق عند تحقق الارتداد، وهناك بعض الاختلاف في المذهب يعرضها الكاساني في البدائع.

ويقول علاء الدين الكاساني من فقهاء الحنفية "ت587هـ) في تبعات الارتداد: ومنها الفقرة إذا ارتد أحد الزوجين ثم إن كانت الردة من المرأة كانت فرقة بغير طلاق بالاتفاق وإن كانت من الرجل ففيه خلاف مذكور في كتاب النكاح ولا ترتفع هذه الفرقة بالإسلام ولو ارتد الزوجان معاً أو أسلما معاً فهما على نكاحهما عندنا وعند زحر رحمه الله فسد النكاح ولو اسلم أحدهما قبل الآخر فسد النكاح بالإجماع[11].

2- رأي المالكية:

تقول المالكية: إذا ارتد الزوج فرّق بينه وبين زوجته، أما إذا ارتدت هي فإن قامت القرائن على أن غرضها الاحتيال على الخلاص منه فإنها لا تبين منه، بل تعامل بنقيض قصدها إذا ارتد الزوج ليخلص من زوجته فإنه يعامل بقصده وتبين منه، وذلك لأن بيده طلاقها أما كان أغناه عن الردة ليخلص منها[12].

ويقول مالك في الارتداد: قلت أرأيت المرتدة أتنقطع العصمة فيما بينهما إذا ارتد مكانه أم لا قال: قال مالك تنقطع العصمة فيما بينهما ساعة ارتد قلت: أرأيت المرأة إذا ارتدت قال لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا إني أرى إذا ارتدت المرأة أيضاً أن تنقطع العصمة فيما بينهما[13].

وقد اعتبر مالك انقطاع العصمة طلاقاً بائناً فيقول: قال مالك إذا ارتد الزوج كانت تطليقه بائنة لا يكون للزوج عليها رجعة[14].

وأكد النفراوي المالكي على هذا المعنى: ولو ارتد المسلم لدين زوجته النصرانية أو اليهودية والمراد أن الارتداد نفسه يعد طلاقاً بائناً على مشهور المذهب، قال: خليل وفسخ الإسلام أحدهما بلا طلاق لردته فبائنة ولو لدين زوجته وقيل يعد الارتداد طلاقاً[15].

فهناك ارتداد ينفسخ العقد بموجبه وهناك ارتداد يحدث الطلاق بموجبه ويقول في ذلك: فإن قيل ما الفرق على المشهور بين الردة يقدر فسخها طلاقاً وإسلام أحد الزوجين الكافرين لا يقدر فسخه طلاقاً فيحاب بأن الردة طرأت على نكاح صحيح بخلاف إسلام أحد الزوجين وأيضاً المسلم يصح طلاقه بخلاف الكافر وقد قيل أن الارتداد فسخ بغير طلاق أي لا يعد طلاقاً وعليه لو رجع المرتد للإسلام وعقد الزوج يكون له فيها ثلاث طلقات وعلى القولين السابقين ويبقى له فيها طلقتان فنلخص أن الأقوال ثلاثة أرجحها أولها[16].

3- رأي الشافعية:

إذا ارتد الزوجان أو أحدهما فلا يخلو إما أن تكون الردة قبل الدخول أو بعد الدخول فإن كانت قبل الدخول انقطع النكاح بينهما حالاً لعدم تأكيد النكاح بالدخول، وإن كانت بعد الدخول فإن النكاح لا ينقطع حالاً فتقف الفرقة بينهما فإن أسلما أو أسلم المرتد منهما قبل انقضاء عدة المرأة ذم النكاح بينهما وإلا انقطع النكاح من حين الردة سواء أسلما بعد انقضاء العدة أو أسلما في نهاية جزء منها بحيث يكون الإسلام مقارناً لانقضاء العدة أو يسلما ولا فرق في ذلك بين أن تكون المرتدة الزوجة أو يكون المرتد الزوج وليس معنى هذا أنهما يؤخران حتى تنقضي عدة الزوجية كلا، فإنك ستعلم أنهما يعاقبان على الردة فوراً، بل هذا صورة فرضية، بمعنى أنه لو فرض بقاؤها من غير قتل، أو إسلام إلى قبل انقضاء العدة وأسلما بقي النكاح بينهما مستمراً والمراد بالدخول هنا الوطء سواء كان من القبل أو الدبر أو ما يقوم مقامه وهو إدخال مني الرجل في فرجها بغير وطء كأنبوبة ونحوها، ولا يلزم من عدم انقطاع النكاح بقاء ملك النكاح[17] بالردة لكن لا يحدان بالوطء في هذه الحالة لشبهة بل يعززان لارتكاب الحرام ويجب العدة في أول هذا الوطء،وكذلك يقف تصرف الزوج المتعلق بعقد الزواج من أطهار، أو إيلاء أو طلاق فإن أسلما قبل انقضاء العدة نفذ والأفلا وإذا ارتدت المرأة.

يقول الإمام الشافعي "204هـ) في الأم: فإن ارتد الزوج بعد الوطء حيل بينه وبين الزوجة أن انقضت عدتها قبل أن يرجع الزوج إلى الإسلام انفسخ النكاح وإن ارتدت المرأةأو ارتدا جميعاً أو أحدهما بعد الآخر فهكذا انظر إلى العدة فإن انقضت قبل أن يصيرا مسلمين فسختها وإذا أسلما قبل أن تنقضي العدة فهي ثابتة قال الشافعي في المسلمين يرتد أحدهما والحربيين يسلم أحدهما ثم يخرس المرتد منها قبل أن يسلم أو يغلب على عقله إذا مضت العدة قبل أن يسلم المتخلف عن الإسلام منهما انقطعت العصمة والعقدة.

إذا لم تثبت إلا بان يكون مسلمين قبل انقضاء العدة فقد انقضت العدة قبل أن يكون مسلمين ولو خرس المرتد منهما وقد أصابها الزوج قبل الردة ولم يذهب عقله فأشار بالإسلام إشارة تعرف وصلى قبل انقضاء العدة أثبتنا النكاح فإن كان هو الزوج فنطق فقال كانت إشارتي بغير إسلام وصلاتي بغير إيمان إنما كانت لمعنى يذكره جعلنا عليه ا لصداق وفرقنا بينهما إن كانت العدة مضت وإن لم تكن مضت حلنا بينه وبينها حتى تنقضي العدة الأولى وإن كان أصابها بعد الردة جعلنا صداقاً آخر وتستقبل العدة من الجماع الآخر وتكمل عدتها من الأول وتعتد بها في الآخر وإن كان أسلم في العدة الآخرة لم يكن له أن ثبت النكاح قال الشافعي وإذا كانت الزوجة المرتدة فأشارت بالإسلام إشارة تعرف وصلت فخلي بينها وبين زوجها فأصابها فقالت كانت إشارتي بغير الإسلام وصلاتي الإسلام لم تصدق على أفسخ النكاح وجعلت الآن مرتدة تستتاب وإلا تقبل فإن رجعت في عدتها إلى الإسلام ثبت على النكاح[18].

فنتيجة الارتداد هو الفسخ وليس الطلاق:

يقول الإمام الشافعي: وإذا ارتد أحد الزوجين ولم يدخل بالمرأة فقد بانت منه والبينونة فسخ بلا طلاق لأنه لا عدة عليها وإن كان هو المرتد فعليه نصف المهر لأن الفسخ جار من قبله وإن كانت هي المرتدة فلا شيء لها[19].

4- رأي الحنابلة:

يقول الحنابلة: إذا ارتد الزوجان معاً فلم يسبق أحدهما الآخر، بأن سجدا لصنم أو صليب بآن واحد، فإن وقع ذلك قبل الدخول انفسخ النكاح، وكذلك إذا ارتد أحدهما دون الآخر، وإن وقع ذلك بعد الدخول، وقعت الفرقة بينهما فلا ينقطع النكاح إلا إذا انقضت العدة، فإن عاد المرتد إلى الإسلام قبل انقضائها فالنكاح باق على حاله، وإلا تبين فسخه من وقت الردة ويمنع الزوج من وطئها لأن ههنا حالتين: حالة إباحة بعقد الزواج. وحالة حظر بالردة، فتغلب الحظر على حالة الإباحة، فإن وطئها الزوج في حال وقف النكاح فإنه لا يحد لشبهة الإباحة ولا كفارة عليه، ولكن يعزر لأنه فعل معصية لأحد لها ولا كفارة، فيكون جزاؤه التعزير ثم إن ارتدت هي وحدها فلا نفقة لها أما إن ارتد هو فعليه نفقتها ومثل ذلك ما إذا ارتدا معاً[20].

يقول إبراهيم ضويان من فقهاء الحنابلة "1353هـ): وإن ارتد أحد الزوجين أو هما معاً قبل الدخول انفسخ النكاح في قول عامة أهل العلم لقوله تعالى: "ولا تمسكوا بعصم الكواف لا هن حل لهم ولا هم يلحون لهن ولاختلاف دينهما"[21].

وماذا يقول الحنابلة هل انفصال الزوجين انفساخ للعقد أم أنه طلاق يعتبر ضويان الفرقة التي تحدث بعد الدخول هو العقد يقول في ذلك: وبعد الدخول تقف الفرقة على انقضاء العدة لأن الردة اختلاف دين بعد الإصابة فلا يوجب فسخه في الحال بالإسلام كافرة تحت كافر[22].

رأي الشيعة الإمامية:

ورد في الكتب الأربعة وهي مصادر الحديث عن الشيعة الإمامية بعض الروايات حول الارتداد وتبعاته نذكر منها:

1- عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم عن أبيه وعدة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعاً عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن عمار الساباطي، قال: سمعت أبا عبد الله يقول كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم) نبوته وكذبه فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه وامرأته بائنة منه يوم ارتد ويقسم ماله على ورثته وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها وعلى الإمام أن يقتله أن أتوه به ولا يستتيب[23].

2- ابن محبوب عن سيف بن عميره عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله "عليه السلام) قال: إذا ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة وأن قتل أو مات قبل انقضاء العدة فهي ترثه في العدة ولا يرثها إن ماتت وهو مرتد عن الإسلام[24].

3- روى الحسن بن محبوب عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله "عليه السلام) قال: إذا ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة ثلاثاً وتعتد منه كما تعتد المطلقة فإن رجع إلى الإسلام وتاب قبل أن تتزوج فهو خاطب ولا عدة عليها له وإنما عليها العدة لغيره فإن قتل أو مات قبل انقضاء العدة اعتدت منه عدة المتوفى عنها زوجها فهي ترثه في العدة ولا يرثها إن ماتت وهو مرتد عن الإسلام[25].

4- في حديث طويل ذكر في نهايته: ولعلها كانت تزوجت بمسلم ثم ارتدت وتزوجت واستحقت القتل لذلك ولامتناعها من الرجوع إلى الإسلام فإما الحكم في المرتدة فهو أن تحبس أبداً إذا لم ترجع إلى الإسلام حسب ما قدمناه في الروايات المتقدمة[26].

وعند الشيعة الإمامية:

أن الارتداد يوجب الفسخ وبطلان العقد ، يقول الشيخ الطوسي: وإذا ارتد أحد الزوجين فإن كان قبل الدخول بها وقع الفسخ في الحال، وإن كان بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة، فإن انقضت قبل أن يرجع إلى الإسلام فقد انفسخ النكاح.

ويقول العاملي: ولو ارتد أحد الزوجين عن الإسلام قبل الدخول بطل النكاح سواء كان الارتداد فطرياً أم ملياً[27].

وللسيد الشيرازي بحث مفصل في الارتداد يقول تعليقاً على قول المحقق الحلي في شرائع الإسلام: «لو ارتد أحد الزوجين المسلمين انفسخ النكاح، سواء ارتد الآخر أم لا، وسواء كان الارتداد عن ملة أو عن فطره، وسواء كان قبل الدخول أو بعده، سواء كانت الزوجية بالدوام أو الانقطاع، وهكذا لو كان الزوج مسلماً والزوجة كتابية فارتد المسلم على المشهور بين الفقهاء، بل المجمع عليه في الجملة، أما نصاً منهم بعض الفروع، وإما إطلاقاً واستدلوا بذلك بأدلة خمسة.

الأول: أن المرتد لا يقر على دينه وإن كان ارتداد إلى الكتابي والكتابي ولذا يقتل بينما لا يقتل الكتابي ابتداءً لأنه مقر على دينه، فإذا صار الزوج كتابياً بعد الإسلام لم يصح النكاح لأنه لا يجوز للمسلمة النكاح بالكتابي، وإذا صارت الزوجة كتابية وكان الزوج مسلماً لم يقبل دخولها في الكتابية، فليس حالها حال الكتابية التي يجوز للمسلم التزويج فلا يشملها دليل جواز نكاح الكتابية.

وهذا الدليل وإن كان صحيحاً في الجملة فيما إذا أشرك الزوج أو صار كتابياً والحال أن الزوجة مسلمة، أو أشركت الزوجة حيث لا يجوز للمسلم التزوج بالمشركة إلا أن في كل صور المسألة أشكالاً، فإن إطلاق أدلة المتزوج بالكتابية فيما إذا صارت هي كتابية لا مانع منه والانصراف لو كان فهو بدوي.

وكذا لو صار كتابيين أو مشركين أو مشركاً وكتابياً، فإن عموم دليل لكل قوم نكاح شامل لهما حينئذ فتأمل.

الثاني: أن أدلة كون الكتابية يجوز تزويجها منصرفة إلى الكتابي بالأصل فإذا صارت الزوجة كتابية لم يعتبرها الشارع كتابية، فالأصل الحرمة، وهذا الدليل بعد كونه خاصاً ببعض الصور محل تأمل، إذ لا وجه للانصراف بحيث يمنع الإطلاق، بل ظاهر أدلة العناوين أن العنوان حتى تحقق ترتب عليه الحكم، مثلاً:

إذا قال: العادل يقتدي به، والفاسق يهان، والزوج يجب عليه النفقة وهكذا، فالظاهر إن العرف يفهم من هذه العناوين الإطلاق، سواء كان متحققاً من قبل ،أو تحقق الآن.

الثالث: الإجماع الذي ادعاه الرياض والجواهر وغيرهما، وهذا لا بأس به لو لم يكن محتمل الاستناد، بل مظنون الاستفادة وبناء المتأخرين على أن الإجماع المحتمل الاستناد وليس بحجة.

الرابع: ما دل على أن الرجل لو ارتد بانت منه زوجته بضميمة عدم القول بالفعل بين ارتداد الزوجة والزوج، لخبر الحضرمي عن أبي عبد الله "عليه السلام): إذا ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت عنه امرأته، كما تبين المطلقة ثلاثاً وتعتد منه، كما تعتد المطلقة، فإن رجع إلى الإسلام وتاب قبل أن تتزوج فهو خاطب.

وخبر الساباطي: قال: سمعت أبا عبد الله "عليه السلام) يقول: لكل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وحجة رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم) نبوته وكذبه فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه، وامرأته بائنة منه يوم ارتد ويقسم ماله على ورثته، وتعتد امرأته عدة المتوفى عن زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستبقيه.

وقال ابن مسلم: سألت أبا جعفر "عليه السلام) عن المرتد؟ فقال: من رغب عن الإسلام وكفر بما أنزل على محمد "صلى الله عليه وآله وسلم) بعد إسلامه فلا توبة له وقد وجب قتله وبانت منه امرأته ويقسم ما ترك على ولده إلى غير ذلك.

الخامس: أن المرتد محكوم عليه بالقتل أو الحبس وكلاهما ينافي الزوجية منافاة عرفية، وفيهما أن الأخبار في ارتداد الزوج لا الزوجة ووجوب القتل لا ينافي الزوجية، ولا وجوب في قتل المرأة فالحكم تام في الجملة في ارتداد الزوج لا الزوجة والحبس أن تحقق لا ينافي ذلك.

نعم لو اشتركت لم يجز بقائها، لأن المشركة لا تكون زوجة للمسلم ابتداءً ولا استدامة كما يظهر من الأدلة[28].

حصيلة البحث:

هل يكون الفسخ بالارتداد بهدم عدد الطلقات الثالث أم لا. السؤال الذي نطرحه في نهاية البحث عن مصير النكاح بعد الارتداد هو هل الفراق بالردة هو فسخ أم طلاق؟

تبين لنا مما تقدم عند المالكية فيه ثلاثة أقوال: أحدهما أن الردة نفسها طلاق بائن فمتى ارتد بانت منه امرأته، كما لو طلقها طلاقاً بائناً، ويجب التفريق بينهما فوراً وهذا هو المشهور.

القول الثاني: أن الردة طلاق رجعي وعلى القول الثاني أنه إذا تاب وهي في العدة يراجعها بدون عقد جديد، أما على القول الأول فلا بد من تحديد العقد.

القول الثالث: أن الردة فسخ لا طلاق، والفرق بين القول الثالث والقولين الأولين أن القول الثالث يقتضي بقاء الطلقات الثلاث بيد الزوج إن تاب ورجع لها، أما على القولين فإن عدد الطلاق بنقص بالردة. "أي تبقى طلقتان).

أما عند الحنفية:

فعند أبي حنيفة أن الفرقة بينهما لا تكون طلاقاً، بل هي فسخ لا يهدم شيئاً من عدد الطلاق، فإذا ارتد ثالثاً فإن له أن يجدد نكاحها بدون محلل، ولا يقال له: إنك قد طلقتها ثلاثاً بردتك ثلاث مرات، فلا تحل لك حتى تنكح زوجاً آخر، وهذا بخلاف ما إذا أسلمت زوجته ثم عرض عليه الاسلام فأبى فإن إباءه الإسلام يعتبر طلاقاً عند أبي حنيفة، كما تقدم، ومحمد يرى أن لا فرق بين الحالتين، فالفسخ فيهما يكون طلاقاً، وأبو يوسف يرى أن الفسخ في الأمرين ليس بطلاق. ورأي أبي حنيفة أن الطلاق يتضمن الزوجية، فإنه لا يقع إلا على زوجه، أما الردة فإنها هنا في الزوجية بطبيعتها فلا يمكن أن نجعل طلاقاً يتضمن زوجية بحال، بخلاف إباء الزوج عن الإسلام فإنه ليس فيه خروج عن دين الإسلام، فحل محل طلاق المرأة التي أسلمت هذا وإذا ارتدت المرأة ثم طلقها زوجها وهي في العدة وقع الطلاق فإذا طلقها ثلاثاً وهي في العدة فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وذلك لأن تحريمها بالردة لم يكن على التأبيد ألا ترى أن يرتفع بالإسلام، فمتى كانت في العدة كانت علاقتها به قائمة، ولكن يشترط بوقوع الطلاق أن تلحق بدار الحرب، فإذا لحقت بدار الحرب فطلقها زوجها ثم عادت مسلمة قبل الحيض فعنده يقع، وعندها لا يقع، أما الزوج إذا ارتد ولحق بدار الحرب وطلق فإن طلاقه لا يقع وإذا عاد وهو مسلم ثم طلقها قبل أن تنقضي عدتها فإنه يقع.

وعند الشافعية:

أن الردة فسخ لا طلاق فلا تنقص عدد الطلاق الثالث على أي حال.

عند الحنابلة: الردة فسخ لا طلاق كما هو ظاهر[29].

أما الشيعة الإمامية فعندهم الارتداد يتسبب في بطلان العقد وفسخ النكاح