Cat
01-29-2009, 09:37 AM
مقدمة عن علم المواريث
المال من أساسيات الحياة أو عصب الحياة كما يقولون ، وهو وسيلة لا غاية ، فالتعامل بين الناس إنما يكون به ، من بيع وشراء وغيره ، أما إذا استعمل في غير الوجه الصحيح فإنه يكون شرّّا ووبالا على الناس وخاصة إذا كان غاية . ومع ذلك فإن المال نعمة من نعم الله ، ولذلك وجب على الإنسان أن يسعى في تحصيله ، ووردت نصوص في تحصيله منها قوله تعالى : (وابتغ فيما آتاك الله الدّار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) . ومن الحديث ورد الكثير ومثال ذلك يقول عليه الصلاة والسلام : (أفضل الكسب كسب الرجل من يده) . وحذّر الرسول صلى الله عليه وسلم من الفقر فكان دعائه (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، لا إله إلا أنت) ، فاعتبر الإسلام أن الفقر المحوج المذل لكرامة الإنسان قرينا للكفر ، وحذّر من المسألة ، ولم يحلها إلا لثلاث : (لذي فقر مدقع ، أو لذي غرم مفظع ، أو لذي دم موجع) .
ومع هذا وذاك ، فإن الدنيا كلها بجميع ما فيها من مال ومتاع ليست شيئا بجانب ما في الآخرة من رضوان الله ونعيمه ، ولذلك ورد الكثير في القرآن والسنة حول ذلك .
وبجانب هذا التمثيل الذي يحطّ من شأن الدنيا والذي يجعل المرء لا يحرص حين يجيء أجله على أن يترك كل ما يملكه لأبنائه وحدهم ، بل يتركه كما قسمه الله للأسرة كلها ، ولم يفصّل القرآن حكما من الأحكام الشرعية كما فصّل الميراث ، كما نجد القرآن من ناحية ثانية يغرس في نفوسنا حقيقة أخرى ، وهي أن هذا المال ليس ملكا لنا حقّا ، بل هو مال الله جعله ودائع بين أيدينا إلى آجال محدودة حتى نجعل منه حقّا للسائل والمحروم قال تعالى : (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) ، وقال تعالى : (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه .....)
وإذا كان المال الذي بين أيدينا لله سبحانه وتعالى وأننا مستخلفون فيه ، فإنه لا يجوز لنا أن نبذّره ، وأن نضعه في غير مواضعه ، ولذا فقد حجر على المبذّرين والمسرفين ، ومنعوا من تصرفاتهم قال تعالى : (ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما) .
وإذا مات الإنسان وترك مالا فإنه يجب أن يؤول إلى أعز الناس إليه وهم فروعه ، وأصوله ، وحواشيه ، وأقرباؤه . ولذلك فإن نظام الميراث في الشريعة الإسلامية يفتت الثروة العامة ولا يجعلها مكدسة بين أيدي الناس دون الآخرين .
والأسباب التي دفعتني للكتابة عن علم المواريث ضمن موقع Agargam هو لعلاقته المباشرة بالحساب والأرقام ، وثانيا هذا الحديث الذي استوقفني كثيرا وهو : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تعلموا الفرائض وعلموها فإنها نصف العلم ، وهو ينسى ، وهو أول شيء ينزع من أمتي) رواه ابن ماجة والدارقطني (نيل االأوطار) .
إذن هو أول علم يفقد في الأرض ، وعليه يكون من واجبنا الحث على تعليمه والتذكير به ، ولذا قمنا بنقل ملخص ميسر عن علم المواريث قمنا بنسخه من الشبكة ، وهو بمثابة نقطة البداية لمن أراد الإلمام الكامل لهذا العلم العظيم خصوصا قسم المسائل المختلفة وحلولها ، إلى جانب بعض التفاصيل التي لم نوردها مخافة التطويل . فقد قمنا بعمل خمس صفحات ما عليك إلا التنقل بينها بالنقر على الرقم المطلوب أسفل كل صفحة .
من أشهر من ألف في علم المواريث هو سراج الدين محمد بن محمود السجاوندي الحنفي – من علماء القرن السابع الهجري – وضع متنا سمّاه (متن السراجية) . وأشهر شروحه شرح السيد الشريف الجرجاني المتوفى سنة 814 هجري ، ولا يزال هذا الكتاب والشرح من المصادر الموثوق بها إلى يومنا هذا .
موجز آخر مختصر عن علم المواريث
اعلم أن أحكام المواريث صنفت فيها التصانيف المستقلة من مختصرة و مطولة و قد ذكر العلماء من فضلها و الاهتمام بشأنها ما لا يتسع هذا الوضع لذكره و هي من الأحكام التي بينها الله مفصلة في كتابه، و قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح: " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " : و لما كانت على هذه الصفة قل الخلاف فيها جداً بالنسبة إلى غيرها، و حصل الاتفاق على أحكامها و لله الحمد، لأن الآيات القرآنية المتعلقة بها مع الحديث المذكور تجمع مسائلها، و تضم مفارقاتها، و إلحاق الفرائض بأهلها ثم بقي يعطي أقرب العصبات، و هو الطريق لفهمها فلا أبلغ في التعليم من سلوك الطرق التي نبه الشارع عليها لكمال علمه و سعة حكمته و رحمته. و لننشر ذلك و ننبه عليه تنبيها يحصل به المقصود. فأعلم أن أحكام الفرائض كلها تنبني على معرفة ثلاثة أمور:
أحدها: في ذكر أهل الفرائض و الشروط المشترطة لإرث كل منهم فرضه المخصوص.
و الثاني : في ذكر العصبات و درجاتهم و كيفية تقديم بعضهم على بعض.
و الثالث: في ذكر الرد و العول، و أما إرث ذوي الأرحام فهو فرع عن ذلك أما الأمر الأول ففي ذكر أهل الفروض و شروط إرثهم لها. أما الفروض فهي النصف و الربع و الثمن و الثلثان و الثلث و السدس فرضها الله للزوجين و للبنات و إن نزلن و الأخوات مطلقاً و الأخوة من الأم و الأصول مطلقاً. فالزوج له حالتان: يرث النصف إذا لم يكن لزوجته ولد صلب و لا ولد ابن لا ذكر و لا أنثى. لا منه و لا من غيره و هذا هو المراد بالولد عند الإطلاق. و له الربع مع وجود أحد من المذكورين. والزوجة واحدة أو متعددة لها حالتان: ترث الربع مع عدم الولد و الثمن مع وجوده. و للأم ثلاث حالات: ترث السدس مع وجود الولد أو أثنين فأكثر من الإخوة و الأخوات. و ترث الثلث مع فقد المذكورين و ترث الباقي في العمريتين و هما أب و أم مع زوج أو زوجة. أما الجدة أو الجدات فليس لها إلا حال واحدة حيث ورثت ترث السدس بكل حال و الأب يرث السدس مع وجود الأولاد ذكورا و إناثا فمع الذكور لا يزيد عليه. و مع الإناث إن بقي بعد الفروض شيء أخذه. و مع عدم الأولاد مطلقاً يرث بلا تقدير و الجد. عند عدم حكمه حكمه إلا مع الأخوة مطلقا و أنهم لا يرثون معه كما لا يرثون مع الأب، و هو إحدى الروايتين عن أحمد اختارها الشيخ و هو أصح بل هو الصواب لأدلة كثيرة عليه. و للبنت الواحدة النصف إذا لم يكن في درجتها أحد. و بنت الإبن كذلك بشرطين: أن لا يكون بدرجتها أحد و لا فوقها أحد. و الأخت الشقيقة بثلاثة شروط عدم الفروع مطلقا و عدم الأصول من الذكور و أن لا يكون بدرجتها أحد . و للأخت للأب بهذه الشروط و عدم الأشقاء. و الثلثان لثنتين فأكثر من المذكورات بهذه الشروط و أن لا يكون بدرجتهن ذكر يعصبهن. فإن كان بنت و بنت ابن فأكثر كان للبنت النصف، و لبنت الابن السدس تكملة الثلثين، فإن استغرقت العاليات الثلثين سقطت النازلات، إلا أن يكون بدرجتهن أو أنزل منهن من أولاد الابن ذكر فيعصبهن، و يسمي القريب المبارك و مثلهن الأخوات من الأب مع الشقيقات إلا أنه لا يعصبن إلا أخوهن. و أما ابن الأخ فلا يعصبهن بل يختص بالباقي تعصيباً؛ لأنه من غير جنسهن. و إذا كان بنات صلب أو بنات ابن معهن أخوات شقيقات أو لأب أخذت الأخوات ما فضل عن فرض البنات.
أما الأخوة للأم ذكور هم و إناثهم فيرثون في الكلالة و هو من لا فروع و لا أصول ذكور، الواحد منهم السدس و الاثنان فأكثر الثلث يستوي فيهم ذكرهم و أنثاهم، لأنهم خالفوا باقي الورثة في مسائل منها هذه، و منها أن كل ذكر يدلي بأنثى فلا يرث له إلا الإخوة للأم، و منها أن كل من أدلى بوارث حجبه ذلك المدلى به إلا الإخوة للأم مع الأم إجماعاً، و غلا الجدة أم الأب و أم الجد مع الأب و الجد في قول جمهور العلماء إذا تقررت أحوال أهل الفروض.
الأمر الثاني : في العصبات و درجاتهم و كيفية ترتيبهم في الإرث و بما تقدم يعلم الحجب. فالعصبات حدهم هم الذين يرثون بلا نصيب مقدر فيترتب على هذا أن الواحد منهم إذا انفرد أخذ المال كله، و إذا بقي بعد الفروض شيء أخذه قليلا كان أو كثيرا، و إذا استغرقت الفروض التركة سقط العاصب، حتى في المسألة التي يسميها الفرضيون الحمارية و هي : زوج له النصف، و أم لها السدس و إخوة لأم لهم الثلث و إخوة أشقاء عصبة يسقطون كما هو مذهب الإمام أحمد و جمهور العلماء و قد دل ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم : " الحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " مفهوم الحديث أنه إذا لم يبق شيء سقط العاصب من دون تفصيل فدخلت فيه هذه المسألة و لهذه المسألة أدلة ذكرت في غير هذا الموضع.
و أما درجات العصبة فالذي عليه المعول أن جهات العصبة خمس:
(1) البنوة و إن نزلوا (2) و الأبوة و إن علوا بمحض الذكور (3) و الأخوة و أبناؤهم و عن نزلوا بمحض الذكور و إن نزلوا (4) و الأعمام لأب أو لهما و أبناؤهم و إن نزلوا (5) و الولاء. فإن وجد عاصب واحد من هذه الجهات الخمس تثبت له أحكام العاصب السابق يأخذ المال إذا انفرد أو ما أبقت واحد في جهة أو يكونوا في جهة واحدة. فإن كان كل واحد في جهة قدم الأبعد، و لو كان الأبعد شقيقاً، فإن كانوا في المنزلة سواء قدم القوى و هو الشقيق على الذي لأب، فتقديم الإبن على باقي العصبات تقديم للجهة، و تقديمه على ابن الابن من باب قرب المنزلة و تقديم الأخ الشقيق على الذي لأب من باب تقديم القوة فإن تساووا من كل وجه اشتركوا و هؤلاء العصبات مع أخواتهم قسمان: قسم للذكر مثل حظ الأنثيين، و هم البنون و بنوهم مع أخواتهم و الأخوة الأشقاء أو لأب مع أخواتهم. و ليس لأخته معه شيء؛ لكونها من ذوي الأرحام و هم باقيهم. فعلم مما تقدم أن الأخوات مع أخواتهم في المواريث ثلاثة أقسام: هذان القسمان و الثالث الذكر و الأنثى سواء وهم الإخوة للأم.
و قد علم أيضا من هذا و مما سبق أن العصب ثلاثة أنواع : عاصب بنفسه و هم جميع الذكور إلا الزوج و الأخ للأم و المعتقة. و عاصب بغيره و هن البنات و بنات الابن و الشقيقات و اللاتي للأب مع إخوتهن، لأنهم يعصبونهن و يمنعونهن الفرض و عاصب مع غيره و هن الأخوات الشقيقات أو لأب مع البنات أو بنات الابن. و قد علم أيضا مما سبق أن ابن الابن لا يسقط إلا بالابن أو باستغراق الفروض. و أن الجد لا يسقط إلا بالأب أو بجد أقرب منه. و أن الجدة تسقط بالأم و كل جدة قريبة تسقط البعيدة، و أن الابن و ابن الابن و الأب يسقطون جميع الأخوة و الأخوات بالإجماع و كذلك الجد على الصحيح. و أن الإخوة للأم يسقطون بالفروع مطلقاً، و ذكورا و كانوا أو إناثاً و بالأصول الذكور، لتصير المسألة كلالة. و أن الإخوة للأب ذكوراً كانوا أو إناثاً يسقطون مع ذلك بالأخوة الأشقاء الذكور، و بالشقيقة إذا كانت عصبة مع البنات؛ لأنها تقوم مقام الأخ. و أن بنات الابن يسقطن بالابن و باستكمال من فوقهن الثلثين، و إن لم يعصبهن من هو في درجتهن أو أنزل منهن، و كذا الأخوات للأب مع الشقيقات إلا أن الأخوات للأب لا يعصبهن إلا أخوهن. و أن بني الأخوة يسقطون بجهة البنوة كلها، و بالأبوة و بعصوبة الإخوة- أشقاء أو لأب- و يدخل قولنا بعصوبة الإخوة الأخت- شقيقة أو لأب- إذا كانت عصبة مع البنات أو بنات الابن. و أن النازل من بني الأخوة و لو شقيقا يسقط بمن فوقه و لو كان لأب. و أن الأعمام و إن قربوا يسقطون ببني الإخوة و إن نزلوا بعدوا، و العم للأب مقدم على أبن العم الشقيق. وهكذا علي الترتيب. و قد علم من ذكر الوارثين من الأقارب من أصحاب الفرض و التعصيب، أن من عداهم من ذوي الأرحام، كأولاد البنات و أولاد الإخوة للأم و أولاد الأخوات و بنات الأخوة و بنيهم و العمات و بنات العم و الخال و الخالة و الجد من جهة الأم و الابن و البنت و الزوجين لا يسقطان أبداً إلا بالوصف. فالحجب بالوصف و هو أن يتصف الوارث بمانع كرق و اختلاف دين و قتل يمنعه يمكن دخوله على جميع الورثة. و حجب النقصان أيضا يدخل على جميع الورثة. و أما حجب الحرمان بالشخص فلا يدخل على الخمسة المذكورين.
الأمر الثالث : الــعــول و الرد.
أما العول فسببه ازدحام الفروض غير الساقطة حتى تزيد على أصل المسألة. فحينئذ يتعين التعويل و ينقص كل صاحب فرض بحسب ما دخل على المسألة من العول قلة و كثرة. و قد اتفق أهل العلم عليه إتباعا للصحابة رضي الله عنهم و سلوكا لطريق غاية ما يستطاع من العدل، و قد اشتهر خلاف ابن عباس رضي الله عنه و لكنه لم يتابع على القول و إذا كان العول سببه ازدحام الفروض فلا يتصور في أصل أثنين و لا أصل ثلاثة و لا أصل أربعة و لا أصل ثمانية، لأنها إما أن تكون فروضها ناقصة و إما أن تكون عادلة. و لا يتصور أن تزيد فروضها عن الستة إلى السبعة في زوج و أختين لغير أم. و إلى ثمانية إذا كان معهم أم. و إلى تسعة إذا كان مع الجميع أخ لأم. و إلى عشرة إذا كان أخوة الأم اثنين فأكثر.
و تعول الاثنا عشر إلى ثلاثة عشر كزوج و بنتين و أم و إلى خمسة عشر إذا كان معهم أب. و إلى سبعة عشر في زوجة و أم و أختين لغير أم و أختين لها.
و تعول الأربعة و العشرون مرة واحدة إلى سبعة و عشرين في زوجة و أبوين و ابنتين. فتبين أن العول سببه زيادة الفروض على أصل المسألة، حيث لا يمكن أن يكمل لكل واحد فرضه ولا حجب بعضهم بعض.
و أما الرد فسببه ضد سبب العول بأن تنقص الفروض عن أصل المسألة و لا بد من عدم العصبات كلهم. فيرد على أهل الفروض بقدر فروضهم، و تؤخذ سهامهم من أصل مسألتهم، و يجعل المال
على نسبة تلك السهام. فجدة و أخ من أم من اثنين لأن لكل واحد منهما سدساً و هو واحد من ستة. و مجموعهما اثنان فلكل منهما نصف المال. و بنت و بنت ابن من أربعة و زوج و بنت من ثلاثة و زوجة و أم من سبعة. فعلم من هذا أن الرد يشمل جميع أهل الفروض حتى الزوجين، على القول الصحيح، لأنه كما أجمع على دخول العول على فروضهم، فالرد الذي دليله من جنس دليل العول كذلك. و الرد عليهم مروي عن أمير المؤمنين عثمان وبه قال شيخ الإسلام، و لا دليل يدل على التفريق بينهم و بين سائر الفروض، خصوصا إذا فهمت أصل الحكمة في توزيع المال على الورثة، فإنها لو وكلت قسمة المواريث إلى اختيار المورثين أو الوارثين أو غيرهم، لدخل فيها من الجور و الضرر و الأغراض النفسية ما يخرجها عن العدل و الحكمة، و لكن تولاها الحكيم العليم فقسمها أحسن قسم و أعدله، بحسب ما يعلمه تعالى من قرب النفع و حصول البر و إيصال المعروف إلى من يجب إيصال المعروف إليه، و لذلك ذكر توزيعها قال ( تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً فريضة من الله إن الله كان عليماً حكيماً ) النساء 11 . فدل على وقوعها في غاية العدل و الحكمة، التي يحمد عليها فكما دخل العول على الزوجين و نقصت فروضهما مع سائر من معهم، فليدخل الرد عليهما فتزيد فروضهما مه زادت و الله أعلم.
و قد علم مما سبق في ذكر الوارثين أن أسباب الإرث ثلاثة النسب و يدخل فيهم جميع القرابة قربوا أو بعدوا، و نكاح صحيح، و ولاء و المراد بالولاء من تولى عتاقة رقيق بمباشرته للعتق أو عتق جزء منه، فيسري إلى بقيته، أو يملك نار رحم محرم فيعتق عليه بالملك أو يمثل برقيقه فيعتق عليه. فالمباشر لذلك أو المتسبب له يثبت ولاء الميراث، و لو كان المعتق أنثى فإن لم يوجد المعتق صار ولاؤه لعصبته من النسب المتعصبين بأنفسهم، لا يغيرهم و لا مع غيرهم. و يترتبون ترتيب عصبة النسب فإذا عدمت هذه الأسباب الثلاثة كلها. فالمشهور من المذهب أن تركته تكون لبيت المال. و المشهور من المذهب أن التعصيب فقط لعصبة الملاعنة، و عن رواية الملاعنة عصبة لولدها، و كذلك الملتقط و من أسلم على يده و من بينه و بينه محالفة و معاقدة و اختاره الشيخ تقي الدين و هو الصحيح.
و أما موانع الإرث فثلاثة: القتل بغير حق عمداً أو خطأ و الرق الكامل. فإن كان مبعضاً تبعضت أحكامه و اختلاف الدين و حكمتها ظاهرة . و شروط الإرث ثلاثة:
العلم بالجهة المقتضية للإرث، لأنه لابد من تحقق السبب الذي به نال الإرث. و تحقق موت الموروث أو إلحاقه بالأموات كالمفقود بعد مدة الانتظار. و تحقق وجود الوارث أو إلحاقه بذلك فالحمل يرث إذا امتنع الزوج من وطئها قبل الموت، و ولدت ما يمكن أن يكون موجوداً وقت الموت، فإن لم يمتنع فذكر أصحابنا أنه إذا ولدته لأقل من ستة أشهر و عاش فإنا نعلم وجوده قبل الموت، و يوقف للحمل إن اختار الورثة قسمتها قبل الولادة فإن ولد حيا حياة مستقرة و رث.
و مما يلحق بالورثة الموجودين المطلقة في مرض الموت المخوف، إذا انقضت عدتها فإنها و إن كانت الآن غير زوجة لكنها تلحق بالزوجات لأنه متهم بطلاقها في مرضه المخوف؛ لأجل حرمانها الميراث فلا تحرم منه. و مما يلحق بالورثة المفقود في مدة الانتظار، و الصحيح أن الانتظار لا يقدر بمده معينه لشخص لا مرجو السلامة و لا مرجو الهلاك بل يضرب له مده بحسب حاله و حال الوقت الذي هو فيه إذا لم يغلب على الظن هلاكه لأنه لما تعذر الوصول إلى القين وجب الاجتهاد في الوصول إلى ذلك. فمادام فيه نوع رجاء فلا يحكم بموته، فإذا انقطع الرجاء فيه ألحق بالأموات و أما المشهور من المذهب فيقدر لمن كان ظاهر غيبته الهلاك مدة أربع سنين و لمن ظاهرها السلامة تتمة تسعين سنة منذ ولد، و هذا التحديد بعيد من الصواب و من العلل الشرعية
المال من أساسيات الحياة أو عصب الحياة كما يقولون ، وهو وسيلة لا غاية ، فالتعامل بين الناس إنما يكون به ، من بيع وشراء وغيره ، أما إذا استعمل في غير الوجه الصحيح فإنه يكون شرّّا ووبالا على الناس وخاصة إذا كان غاية . ومع ذلك فإن المال نعمة من نعم الله ، ولذلك وجب على الإنسان أن يسعى في تحصيله ، ووردت نصوص في تحصيله منها قوله تعالى : (وابتغ فيما آتاك الله الدّار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) . ومن الحديث ورد الكثير ومثال ذلك يقول عليه الصلاة والسلام : (أفضل الكسب كسب الرجل من يده) . وحذّر الرسول صلى الله عليه وسلم من الفقر فكان دعائه (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، لا إله إلا أنت) ، فاعتبر الإسلام أن الفقر المحوج المذل لكرامة الإنسان قرينا للكفر ، وحذّر من المسألة ، ولم يحلها إلا لثلاث : (لذي فقر مدقع ، أو لذي غرم مفظع ، أو لذي دم موجع) .
ومع هذا وذاك ، فإن الدنيا كلها بجميع ما فيها من مال ومتاع ليست شيئا بجانب ما في الآخرة من رضوان الله ونعيمه ، ولذلك ورد الكثير في القرآن والسنة حول ذلك .
وبجانب هذا التمثيل الذي يحطّ من شأن الدنيا والذي يجعل المرء لا يحرص حين يجيء أجله على أن يترك كل ما يملكه لأبنائه وحدهم ، بل يتركه كما قسمه الله للأسرة كلها ، ولم يفصّل القرآن حكما من الأحكام الشرعية كما فصّل الميراث ، كما نجد القرآن من ناحية ثانية يغرس في نفوسنا حقيقة أخرى ، وهي أن هذا المال ليس ملكا لنا حقّا ، بل هو مال الله جعله ودائع بين أيدينا إلى آجال محدودة حتى نجعل منه حقّا للسائل والمحروم قال تعالى : (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) ، وقال تعالى : (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه .....)
وإذا كان المال الذي بين أيدينا لله سبحانه وتعالى وأننا مستخلفون فيه ، فإنه لا يجوز لنا أن نبذّره ، وأن نضعه في غير مواضعه ، ولذا فقد حجر على المبذّرين والمسرفين ، ومنعوا من تصرفاتهم قال تعالى : (ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما) .
وإذا مات الإنسان وترك مالا فإنه يجب أن يؤول إلى أعز الناس إليه وهم فروعه ، وأصوله ، وحواشيه ، وأقرباؤه . ولذلك فإن نظام الميراث في الشريعة الإسلامية يفتت الثروة العامة ولا يجعلها مكدسة بين أيدي الناس دون الآخرين .
والأسباب التي دفعتني للكتابة عن علم المواريث ضمن موقع Agargam هو لعلاقته المباشرة بالحساب والأرقام ، وثانيا هذا الحديث الذي استوقفني كثيرا وهو : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تعلموا الفرائض وعلموها فإنها نصف العلم ، وهو ينسى ، وهو أول شيء ينزع من أمتي) رواه ابن ماجة والدارقطني (نيل االأوطار) .
إذن هو أول علم يفقد في الأرض ، وعليه يكون من واجبنا الحث على تعليمه والتذكير به ، ولذا قمنا بنقل ملخص ميسر عن علم المواريث قمنا بنسخه من الشبكة ، وهو بمثابة نقطة البداية لمن أراد الإلمام الكامل لهذا العلم العظيم خصوصا قسم المسائل المختلفة وحلولها ، إلى جانب بعض التفاصيل التي لم نوردها مخافة التطويل . فقد قمنا بعمل خمس صفحات ما عليك إلا التنقل بينها بالنقر على الرقم المطلوب أسفل كل صفحة .
من أشهر من ألف في علم المواريث هو سراج الدين محمد بن محمود السجاوندي الحنفي – من علماء القرن السابع الهجري – وضع متنا سمّاه (متن السراجية) . وأشهر شروحه شرح السيد الشريف الجرجاني المتوفى سنة 814 هجري ، ولا يزال هذا الكتاب والشرح من المصادر الموثوق بها إلى يومنا هذا .
موجز آخر مختصر عن علم المواريث
اعلم أن أحكام المواريث صنفت فيها التصانيف المستقلة من مختصرة و مطولة و قد ذكر العلماء من فضلها و الاهتمام بشأنها ما لا يتسع هذا الوضع لذكره و هي من الأحكام التي بينها الله مفصلة في كتابه، و قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح: " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " : و لما كانت على هذه الصفة قل الخلاف فيها جداً بالنسبة إلى غيرها، و حصل الاتفاق على أحكامها و لله الحمد، لأن الآيات القرآنية المتعلقة بها مع الحديث المذكور تجمع مسائلها، و تضم مفارقاتها، و إلحاق الفرائض بأهلها ثم بقي يعطي أقرب العصبات، و هو الطريق لفهمها فلا أبلغ في التعليم من سلوك الطرق التي نبه الشارع عليها لكمال علمه و سعة حكمته و رحمته. و لننشر ذلك و ننبه عليه تنبيها يحصل به المقصود. فأعلم أن أحكام الفرائض كلها تنبني على معرفة ثلاثة أمور:
أحدها: في ذكر أهل الفرائض و الشروط المشترطة لإرث كل منهم فرضه المخصوص.
و الثاني : في ذكر العصبات و درجاتهم و كيفية تقديم بعضهم على بعض.
و الثالث: في ذكر الرد و العول، و أما إرث ذوي الأرحام فهو فرع عن ذلك أما الأمر الأول ففي ذكر أهل الفروض و شروط إرثهم لها. أما الفروض فهي النصف و الربع و الثمن و الثلثان و الثلث و السدس فرضها الله للزوجين و للبنات و إن نزلن و الأخوات مطلقاً و الأخوة من الأم و الأصول مطلقاً. فالزوج له حالتان: يرث النصف إذا لم يكن لزوجته ولد صلب و لا ولد ابن لا ذكر و لا أنثى. لا منه و لا من غيره و هذا هو المراد بالولد عند الإطلاق. و له الربع مع وجود أحد من المذكورين. والزوجة واحدة أو متعددة لها حالتان: ترث الربع مع عدم الولد و الثمن مع وجوده. و للأم ثلاث حالات: ترث السدس مع وجود الولد أو أثنين فأكثر من الإخوة و الأخوات. و ترث الثلث مع فقد المذكورين و ترث الباقي في العمريتين و هما أب و أم مع زوج أو زوجة. أما الجدة أو الجدات فليس لها إلا حال واحدة حيث ورثت ترث السدس بكل حال و الأب يرث السدس مع وجود الأولاد ذكورا و إناثا فمع الذكور لا يزيد عليه. و مع الإناث إن بقي بعد الفروض شيء أخذه. و مع عدم الأولاد مطلقاً يرث بلا تقدير و الجد. عند عدم حكمه حكمه إلا مع الأخوة مطلقا و أنهم لا يرثون معه كما لا يرثون مع الأب، و هو إحدى الروايتين عن أحمد اختارها الشيخ و هو أصح بل هو الصواب لأدلة كثيرة عليه. و للبنت الواحدة النصف إذا لم يكن في درجتها أحد. و بنت الإبن كذلك بشرطين: أن لا يكون بدرجتها أحد و لا فوقها أحد. و الأخت الشقيقة بثلاثة شروط عدم الفروع مطلقا و عدم الأصول من الذكور و أن لا يكون بدرجتها أحد . و للأخت للأب بهذه الشروط و عدم الأشقاء. و الثلثان لثنتين فأكثر من المذكورات بهذه الشروط و أن لا يكون بدرجتهن ذكر يعصبهن. فإن كان بنت و بنت ابن فأكثر كان للبنت النصف، و لبنت الابن السدس تكملة الثلثين، فإن استغرقت العاليات الثلثين سقطت النازلات، إلا أن يكون بدرجتهن أو أنزل منهن من أولاد الابن ذكر فيعصبهن، و يسمي القريب المبارك و مثلهن الأخوات من الأب مع الشقيقات إلا أنه لا يعصبن إلا أخوهن. و أما ابن الأخ فلا يعصبهن بل يختص بالباقي تعصيباً؛ لأنه من غير جنسهن. و إذا كان بنات صلب أو بنات ابن معهن أخوات شقيقات أو لأب أخذت الأخوات ما فضل عن فرض البنات.
أما الأخوة للأم ذكور هم و إناثهم فيرثون في الكلالة و هو من لا فروع و لا أصول ذكور، الواحد منهم السدس و الاثنان فأكثر الثلث يستوي فيهم ذكرهم و أنثاهم، لأنهم خالفوا باقي الورثة في مسائل منها هذه، و منها أن كل ذكر يدلي بأنثى فلا يرث له إلا الإخوة للأم، و منها أن كل من أدلى بوارث حجبه ذلك المدلى به إلا الإخوة للأم مع الأم إجماعاً، و غلا الجدة أم الأب و أم الجد مع الأب و الجد في قول جمهور العلماء إذا تقررت أحوال أهل الفروض.
الأمر الثاني : في العصبات و درجاتهم و كيفية ترتيبهم في الإرث و بما تقدم يعلم الحجب. فالعصبات حدهم هم الذين يرثون بلا نصيب مقدر فيترتب على هذا أن الواحد منهم إذا انفرد أخذ المال كله، و إذا بقي بعد الفروض شيء أخذه قليلا كان أو كثيرا، و إذا استغرقت الفروض التركة سقط العاصب، حتى في المسألة التي يسميها الفرضيون الحمارية و هي : زوج له النصف، و أم لها السدس و إخوة لأم لهم الثلث و إخوة أشقاء عصبة يسقطون كما هو مذهب الإمام أحمد و جمهور العلماء و قد دل ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم : " الحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " مفهوم الحديث أنه إذا لم يبق شيء سقط العاصب من دون تفصيل فدخلت فيه هذه المسألة و لهذه المسألة أدلة ذكرت في غير هذا الموضع.
و أما درجات العصبة فالذي عليه المعول أن جهات العصبة خمس:
(1) البنوة و إن نزلوا (2) و الأبوة و إن علوا بمحض الذكور (3) و الأخوة و أبناؤهم و عن نزلوا بمحض الذكور و إن نزلوا (4) و الأعمام لأب أو لهما و أبناؤهم و إن نزلوا (5) و الولاء. فإن وجد عاصب واحد من هذه الجهات الخمس تثبت له أحكام العاصب السابق يأخذ المال إذا انفرد أو ما أبقت واحد في جهة أو يكونوا في جهة واحدة. فإن كان كل واحد في جهة قدم الأبعد، و لو كان الأبعد شقيقاً، فإن كانوا في المنزلة سواء قدم القوى و هو الشقيق على الذي لأب، فتقديم الإبن على باقي العصبات تقديم للجهة، و تقديمه على ابن الابن من باب قرب المنزلة و تقديم الأخ الشقيق على الذي لأب من باب تقديم القوة فإن تساووا من كل وجه اشتركوا و هؤلاء العصبات مع أخواتهم قسمان: قسم للذكر مثل حظ الأنثيين، و هم البنون و بنوهم مع أخواتهم و الأخوة الأشقاء أو لأب مع أخواتهم. و ليس لأخته معه شيء؛ لكونها من ذوي الأرحام و هم باقيهم. فعلم مما تقدم أن الأخوات مع أخواتهم في المواريث ثلاثة أقسام: هذان القسمان و الثالث الذكر و الأنثى سواء وهم الإخوة للأم.
و قد علم أيضا من هذا و مما سبق أن العصب ثلاثة أنواع : عاصب بنفسه و هم جميع الذكور إلا الزوج و الأخ للأم و المعتقة. و عاصب بغيره و هن البنات و بنات الابن و الشقيقات و اللاتي للأب مع إخوتهن، لأنهم يعصبونهن و يمنعونهن الفرض و عاصب مع غيره و هن الأخوات الشقيقات أو لأب مع البنات أو بنات الابن. و قد علم أيضا مما سبق أن ابن الابن لا يسقط إلا بالابن أو باستغراق الفروض. و أن الجد لا يسقط إلا بالأب أو بجد أقرب منه. و أن الجدة تسقط بالأم و كل جدة قريبة تسقط البعيدة، و أن الابن و ابن الابن و الأب يسقطون جميع الأخوة و الأخوات بالإجماع و كذلك الجد على الصحيح. و أن الإخوة للأم يسقطون بالفروع مطلقاً، و ذكورا و كانوا أو إناثاً و بالأصول الذكور، لتصير المسألة كلالة. و أن الإخوة للأب ذكوراً كانوا أو إناثاً يسقطون مع ذلك بالأخوة الأشقاء الذكور، و بالشقيقة إذا كانت عصبة مع البنات؛ لأنها تقوم مقام الأخ. و أن بنات الابن يسقطن بالابن و باستكمال من فوقهن الثلثين، و إن لم يعصبهن من هو في درجتهن أو أنزل منهن، و كذا الأخوات للأب مع الشقيقات إلا أن الأخوات للأب لا يعصبهن إلا أخوهن. و أن بني الأخوة يسقطون بجهة البنوة كلها، و بالأبوة و بعصوبة الإخوة- أشقاء أو لأب- و يدخل قولنا بعصوبة الإخوة الأخت- شقيقة أو لأب- إذا كانت عصبة مع البنات أو بنات الابن. و أن النازل من بني الأخوة و لو شقيقا يسقط بمن فوقه و لو كان لأب. و أن الأعمام و إن قربوا يسقطون ببني الإخوة و إن نزلوا بعدوا، و العم للأب مقدم على أبن العم الشقيق. وهكذا علي الترتيب. و قد علم من ذكر الوارثين من الأقارب من أصحاب الفرض و التعصيب، أن من عداهم من ذوي الأرحام، كأولاد البنات و أولاد الإخوة للأم و أولاد الأخوات و بنات الأخوة و بنيهم و العمات و بنات العم و الخال و الخالة و الجد من جهة الأم و الابن و البنت و الزوجين لا يسقطان أبداً إلا بالوصف. فالحجب بالوصف و هو أن يتصف الوارث بمانع كرق و اختلاف دين و قتل يمنعه يمكن دخوله على جميع الورثة. و حجب النقصان أيضا يدخل على جميع الورثة. و أما حجب الحرمان بالشخص فلا يدخل على الخمسة المذكورين.
الأمر الثالث : الــعــول و الرد.
أما العول فسببه ازدحام الفروض غير الساقطة حتى تزيد على أصل المسألة. فحينئذ يتعين التعويل و ينقص كل صاحب فرض بحسب ما دخل على المسألة من العول قلة و كثرة. و قد اتفق أهل العلم عليه إتباعا للصحابة رضي الله عنهم و سلوكا لطريق غاية ما يستطاع من العدل، و قد اشتهر خلاف ابن عباس رضي الله عنه و لكنه لم يتابع على القول و إذا كان العول سببه ازدحام الفروض فلا يتصور في أصل أثنين و لا أصل ثلاثة و لا أصل أربعة و لا أصل ثمانية، لأنها إما أن تكون فروضها ناقصة و إما أن تكون عادلة. و لا يتصور أن تزيد فروضها عن الستة إلى السبعة في زوج و أختين لغير أم. و إلى ثمانية إذا كان معهم أم. و إلى تسعة إذا كان مع الجميع أخ لأم. و إلى عشرة إذا كان أخوة الأم اثنين فأكثر.
و تعول الاثنا عشر إلى ثلاثة عشر كزوج و بنتين و أم و إلى خمسة عشر إذا كان معهم أب. و إلى سبعة عشر في زوجة و أم و أختين لغير أم و أختين لها.
و تعول الأربعة و العشرون مرة واحدة إلى سبعة و عشرين في زوجة و أبوين و ابنتين. فتبين أن العول سببه زيادة الفروض على أصل المسألة، حيث لا يمكن أن يكمل لكل واحد فرضه ولا حجب بعضهم بعض.
و أما الرد فسببه ضد سبب العول بأن تنقص الفروض عن أصل المسألة و لا بد من عدم العصبات كلهم. فيرد على أهل الفروض بقدر فروضهم، و تؤخذ سهامهم من أصل مسألتهم، و يجعل المال
على نسبة تلك السهام. فجدة و أخ من أم من اثنين لأن لكل واحد منهما سدساً و هو واحد من ستة. و مجموعهما اثنان فلكل منهما نصف المال. و بنت و بنت ابن من أربعة و زوج و بنت من ثلاثة و زوجة و أم من سبعة. فعلم من هذا أن الرد يشمل جميع أهل الفروض حتى الزوجين، على القول الصحيح، لأنه كما أجمع على دخول العول على فروضهم، فالرد الذي دليله من جنس دليل العول كذلك. و الرد عليهم مروي عن أمير المؤمنين عثمان وبه قال شيخ الإسلام، و لا دليل يدل على التفريق بينهم و بين سائر الفروض، خصوصا إذا فهمت أصل الحكمة في توزيع المال على الورثة، فإنها لو وكلت قسمة المواريث إلى اختيار المورثين أو الوارثين أو غيرهم، لدخل فيها من الجور و الضرر و الأغراض النفسية ما يخرجها عن العدل و الحكمة، و لكن تولاها الحكيم العليم فقسمها أحسن قسم و أعدله، بحسب ما يعلمه تعالى من قرب النفع و حصول البر و إيصال المعروف إلى من يجب إيصال المعروف إليه، و لذلك ذكر توزيعها قال ( تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً فريضة من الله إن الله كان عليماً حكيماً ) النساء 11 . فدل على وقوعها في غاية العدل و الحكمة، التي يحمد عليها فكما دخل العول على الزوجين و نقصت فروضهما مع سائر من معهم، فليدخل الرد عليهما فتزيد فروضهما مه زادت و الله أعلم.
و قد علم مما سبق في ذكر الوارثين أن أسباب الإرث ثلاثة النسب و يدخل فيهم جميع القرابة قربوا أو بعدوا، و نكاح صحيح، و ولاء و المراد بالولاء من تولى عتاقة رقيق بمباشرته للعتق أو عتق جزء منه، فيسري إلى بقيته، أو يملك نار رحم محرم فيعتق عليه بالملك أو يمثل برقيقه فيعتق عليه. فالمباشر لذلك أو المتسبب له يثبت ولاء الميراث، و لو كان المعتق أنثى فإن لم يوجد المعتق صار ولاؤه لعصبته من النسب المتعصبين بأنفسهم، لا يغيرهم و لا مع غيرهم. و يترتبون ترتيب عصبة النسب فإذا عدمت هذه الأسباب الثلاثة كلها. فالمشهور من المذهب أن تركته تكون لبيت المال. و المشهور من المذهب أن التعصيب فقط لعصبة الملاعنة، و عن رواية الملاعنة عصبة لولدها، و كذلك الملتقط و من أسلم على يده و من بينه و بينه محالفة و معاقدة و اختاره الشيخ تقي الدين و هو الصحيح.
و أما موانع الإرث فثلاثة: القتل بغير حق عمداً أو خطأ و الرق الكامل. فإن كان مبعضاً تبعضت أحكامه و اختلاف الدين و حكمتها ظاهرة . و شروط الإرث ثلاثة:
العلم بالجهة المقتضية للإرث، لأنه لابد من تحقق السبب الذي به نال الإرث. و تحقق موت الموروث أو إلحاقه بالأموات كالمفقود بعد مدة الانتظار. و تحقق وجود الوارث أو إلحاقه بذلك فالحمل يرث إذا امتنع الزوج من وطئها قبل الموت، و ولدت ما يمكن أن يكون موجوداً وقت الموت، فإن لم يمتنع فذكر أصحابنا أنه إذا ولدته لأقل من ستة أشهر و عاش فإنا نعلم وجوده قبل الموت، و يوقف للحمل إن اختار الورثة قسمتها قبل الولادة فإن ولد حيا حياة مستقرة و رث.
و مما يلحق بالورثة الموجودين المطلقة في مرض الموت المخوف، إذا انقضت عدتها فإنها و إن كانت الآن غير زوجة لكنها تلحق بالزوجات لأنه متهم بطلاقها في مرضه المخوف؛ لأجل حرمانها الميراث فلا تحرم منه. و مما يلحق بالورثة المفقود في مدة الانتظار، و الصحيح أن الانتظار لا يقدر بمده معينه لشخص لا مرجو السلامة و لا مرجو الهلاك بل يضرب له مده بحسب حاله و حال الوقت الذي هو فيه إذا لم يغلب على الظن هلاكه لأنه لما تعذر الوصول إلى القين وجب الاجتهاد في الوصول إلى ذلك. فمادام فيه نوع رجاء فلا يحكم بموته، فإذا انقطع الرجاء فيه ألحق بالأموات و أما المشهور من المذهب فيقدر لمن كان ظاهر غيبته الهلاك مدة أربع سنين و لمن ظاهرها السلامة تتمة تسعين سنة منذ ولد، و هذا التحديد بعيد من الصواب و من العلل الشرعية