المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القرصنة الفكرية



Bakenam
01-28-2009, 06:50 PM
القرصنة الفكرية



يغيب عن بال الكثيرين في العالم العربي أن اتفاقية عربية وقعت في النصف الأول من الستينات فرضت على الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية إصدار القوانين التي تحمي حقوق الملكية الفكرية، وتمنع قرصنة المؤلفات والكتب وغيرها من الإبداعات الإنسانية، وفي الوقت ذاته كانت ولا تزال صناعة القرصنة مزدهرة في عدد من الدول العربية .


ووصلت في بعض الأحيان إلى درجة قرصنة الكتاب بعد صدوره بأسابيع قليلة، ودمغه باسم دار النشر التي قامت بعملية القرصنة، وكانت ولا تزال المحاكم العربية عاجزة عن القيام بدورها في هذا الشأن, لأن القوانين أما قاصرة, أو لا تستطيع السلطات التنفيذية بسبب عدم التزام الدول الأخرى بهذه الاتفاقية، أو لعدم وجود قوانين الحماية، أو لأن السلطات في تلك الدول تعتبر أن من حق دور النشر فيها ممارسة نشاطاتهم في القرصنة من دون أي مساءلة طالما إنها لا تخالف التوجهات السياسية للنظام الحاكم فيها، ولا تقدم على نشر اي كتاب لا ترضى عنه السلطات أو لأن صناعة النشر تدخل في إطار مراكز القوى الاقتصادية - السياسية في ماكينة النظام الحاكم.



وآخرها ضحايا القرصنة كان الكاتب المغربي المقيم في فرنسا الطاهر بن جلون، الذي يكتب بالفرنسية، وتترجم كتبه عربيا عبر ناشره المعتمد في المغرب «دار طوبقال», الا أن بن جلون فوجئ قبل أيام في لقاء متلفز اجرته معه قناة ابوظبي الفضائية بصدور بعض كتب عن احدى دور النشر العربية من دون معرفته، ومنها رواية «الرجل المحطم» وكتيب «العنصرية كما شرحتها لابنتي» وقال جلون أنا لا ابحث عن حقوق مادية في هذا الشأن إنما عن الحقوق المعنوية, فماذا يضير الناشر الذي يريد نقل احد كتبي إلى العربية من مراجعتي، فأنا في هذا الشأن لا أمانع وقد أكون مفيدا في هذا الأمر».



قضية الطاهر بن جلون واحدة من عشرات قضايا القرصنة والسطو على اعمال الاخرين، ومنها كتاب «بيموج» الذي صدر قبل سنوات عن دار الجديد في بيروت وبالاتفاق مع مؤلفه الرئيس الإيراني محمد خاتمي، وبعد اشهر قليلة صدرت نسخة مقرصنة من الكتاب عن دار نشر أخرى، والامر عينه تكرر في رواية «السجينة» التي تروي فيها مليكة اوفقير قصة حياة والدها الجنرال المغربي محمد أوفقير ودخولها هي وأسرتها إلى السجن في المغرب، ففي الأسبوع نفسه الذي صدرت فيه الرواية في بيروت، صدرت طبعة منها في دمشق عن إحدى دور النشر


وبينما كانت دار الجديد قد دفعت حقوق النشر والترجمة البالغة ثمانية الاف دولار اميركي، ترجمت دار النشر الأخرى، وأصدرتها بدون أي حقوق او أي إذن من المؤلفة او دار النشر صاحبة الحقوق حتى سلسلة «عالم المعرفة» التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت لم تسلم من اعتداءات بعض دور النشر العربية، التي قامت بقرصنة بعض الكتب الصادرة في السلسلة المذكورة, ومنها كتاب «اختلاق إسرائيل».






ومسألة حماية حقوق الملكية الفكرية لم تخرج إلى النور، وتصبح في دائرة الاهتمام العربي والدولي إلا عندما جعلتها الولايات المتحدة الاميركية من أوليات اهتماماتها بعد انتشار صناعة برامج الكمبيوتر، وأخذت الاتفاقية على الدولية لحماية حقوق الملكية الفكرية «الوايبو» بفرض نفسها على الدول الأعضاء في الاتفاقية بقوة في العقد الأخير من القرن العشرين، وفي المناسبة، لابد من التذكير بأن هذه الاتفاقية ولدت من رحم اتفاقية «الجات» التي وضعت عام 1947 في العاصمة الكوبية «هافانا» إلا أنها لم توضع موضع التنفيذ إلا عام 1994 في لقاء مراكش، وفي الفترة الفاصلة بين عامي 1947 و 1994 وقعت دول العالم العديد من الاتفاقات ومن بينها اتفاقية «الوايبو» في الثمانينات واستكملت شروطها التنفيذية في منتصف التسعينات، وبدأ الالتزام بتنفيذها في أواخر العقد الأخير من القرن الماضي، وسيكون العام 2003 نهاية الفترة المقررة للدول الأعضاء في تصحيح أوضاعها والالتزام بالاتفاقية، والمخالفة منها، أو التي لم توقع على الاتفاقية ستتخذ بحقها سلسلة من العقوبات التجارية والثقافية.


وبالتالي ستكون هذه الدول، ومن بينها بعض الدول العربية في موقف حرج، لأن الاتفاقية الدولية ملزمة لأعضائها وقوة حماية تنفيذها اكبر بكثير من قوة الاتفاقات الثنائية بين الدول، وفي حال لم تلتزم الدول العربية بتنفيذ الإجراءات المتخذة ضد بعضها، وهي في الوقت نفسه موقعة على اتفاقية عربية لحماية حقوق الملكية الفكرية, ستكون هي أيضا في موقع حرج دوليا، ومن المحتمل أن تطاولها العقوبات الدولية جراء تسهيلها أعمال القرصنة التي تقوم بها بعض الدول العربية عبر عدم التزامها تلك العقوبات في حق الدول المخالفة.
وبالعودة إلى الاتفاقية العربية التي تلتزم الدول العربية بحماية حقوق الملكية الفكرية، فقد جاء في ميثاق الوحدة الثقافية العربية والذي وافقت عليه الدول العربية في 29 فبراير سنة 1964 وفي المادة الحادية والعشرين منه: «تعمل الدول الأعضاء على أن تضع كل منها تشريعا لحماية الملكية الأدبية والعلمية والفنية لما ينتج في هذه الميادين في كل دولة من دول الجامعة العربية».


والمادة الثانية والعشرين من الميثاق المذكور نصت على ما يلي: «تتفق الدول الأعضاء على إصدار قانون إبداع للمطبوعات وعلى انشاء مراكز للتسجيل في كل دولة منها، على أن ترسل كل دولة إلى مركز التسجيل في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بيانات وافية عن كل مطبوع، وفقا لبطاقة خاصة موحدة يعدها المركز, ثم يقوم المركز بإصدار نشرات بيليوغرافية دورية تتضمن ما طبع في الدول الأعضاء», ولقد وقعت على هذا الميثاق 21 دولة لغاية السابع من مارس سنة 1978.
هذا الميثاق فرض على الدول العربية الالتزام بحماية حقوق الملكية الفكرية والأدبية, إلا الكثير من هذه الدول لم يلتزم به هذا الامر دفع بعدد من دور النشر العربية إلى جعل القرصنة أساسا في إصداراتها.


وفي الوقت ذاته لم تتحرك نقابات الناشرين، أو اتحاد الناشرين العرب لوقف هذه المخالفات، ولم تصدر أي بيانات واضحة عن هذه المؤسسات تحدد فيها موقفها من القرصنة التي تؤثر على حركة النشر العربية، وإذا حل العام 2003 ولم تعمل الدول المخالفة على تصحيح أوضاعها ساعتئذ ستكون صناعة النشر العربية مهددة بالعديد من الإجراءات العقابية والجدير ذكره في هذا السياق أن دولا عربية لم توقع على اتفاقية «الوايبو» لأن بعض المسئولين السياسيين فيها يمتلكون دورا للنشر، وبعض هذه الدور تمارس القرصنة، ويمارس هؤلاء المسئولون ضغوطا سياسية على دولهم لمنعها من التوقيع على الاتفاقية الدولية، أو تنفيذ ما جاء في ميثاق الوحدة الثقافية العربية.


هذا الأمر جعل العديد من دور النشر العربية تقع في خسائر مالية كبيرة إلى درجة أن بعضها بدأ في صرف موظفيه في حين تستمر بعض دور النشر في القرصنة والسطو على إبداعات وحقوق الأخرين