المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بحوث جنائية



Bakenam
01-28-2009, 06:44 PM
بحث في حق الاطلاع على محاضر التحقيقات الجنائية والإدارية والحصول على صور منها ومدى سلطة المحاكم في الأمر بضمه


مجلة المحاماة - العدد السادس
السنة الرابعة والثلاثون

بحث
في حق الاطلاع على محاضر التحقيقات الجنائية والإدارية والحصول على صور منها ومدى سلطة المحاكم في الأمر بضمه
للسيد الأستاذ عادل يونس المحامي العام لدى محكمة النقض

حق الاطلاع على محاضر التحقيقات الجنائية والأوراق المرافقة لها، وضمها إلى القضايا المدنية المطروحة على القضاء، أو الحصول على صور منها، تنتظمه عدة نصوص وتعليمات متناثرة، لا تزال قاصرة عن بيان أصل هذا الحق وماهية الأوراق التي يجوز الحصول على صورة منها أو ضمها إلى القضايا المطروحة أمام القضاء، والسلطة المختصة بهذا الشأن.
فالأمر يختلف باختلاف هذه الأوراق، وهل هي متعلقة بتحقيق قضائي أو بمجرد محاضر جمع استدلالات أو محاضر إدارية، وهل هذا التحقيق قائم، أو أنه انتهى بصدور أمر بألا وجه، أو بحكم قضائي، كما يختلف باختلاف صفة طالب الاطلاع أو الحصول على صورة أو الضم، وهل هو طرف في الدعوى الجنائية أو لا.
وقبل أن نمضي إلى تقصي منشأ هذا الحق وتأصيله، نبادر فنقول إن إجماع الفقه والقضاء هو أن القاضي المدني يستطيع أن يبني اقتناعه - في الأحوال التي يقبل فيها الإثبات بالبينة - على أصول يستمدها من ملفات التحقيقات الجنائية حتى ولو كانت قد انتهت بقرار بألا وجه [(1)].
وتبدو أهمية هذا البحث في تطبيقات عملية عديدة، فإذا رفعت شركة تأمين دعوى مدنية بطلب إبطال بوليصة تأمين فلا شك أنها تستفيد من ضم محضر التحقيق الجنائي الذي يدور حول اتهام المستفيد من البوليصة بالنصب، حتى ولو كان هذا التحقيق قد انتهى بتبرئته، لأنها قد تجد في هذه التحقيقات بعض عناصر الغش والخداع [(2)].
كما تظهر هذه الأهمية في حالة استدراج رجل مسن لدى امرأة متزوجة في بهيم الليل ومفاجأته بمعرفة الزوج المتآمر مع زوجته، ثم إرغامه على تحرير وصية بكامل ممتلكاته لصالح الزوجين نظير ترتيب إيراد ضئيل له لمدى الحياة، فإذا رفع المجني عليه دعوى مدنية لإبطال الوصية، وضحت أهمية ضم محضر التحقيق الجنائي الذي دار حول جريمة اغتصاب التوقيعات على الرغم من انتهائه بأمر بألا وجه [(3)].
وغير ذلك من الأمثلة العملية الكثيرة كحوادث السيارات والقضايا التي يشملها العفو الشامل وقضايا العمال [(4)] إلخ...
ولما كان التشريع الفرنسي قد تناول هذا الموضوع بالتفصيل، فسنستعرض أحكامه في هذا الشأن وتطبيقات القضاء له، ثم نعرج إلى أحكام التشريع المصري.
التشريع الفرنسي:
يرد أصل حق الاطلاع وضم الأوراق في القانون الفرنسي إلى أصلين:
الأول: أحكام قانون المرافعات الفرنسي بشأن الإلزام بضم الأوراق قضائيًا Le compulsoire.
الثاني: نصوص المراسيم الخاصة بالرسوم القضائية.
أولاً: الإلزام بضم الأوراق قضائيًا:
تناولت المواد من (846) إلى (853) مرافعات فرنسي هذا الطريق، وهو مقصور على غير الخصوم في الدعوى Le tiers ولا يلجأ إليه إلا أثناء السير في الدعاوى المدنية، فلا يلتجئ إليه ابتداءً، ولا يسري إلا على الأوراق التي لها صفة عمومية les actes Publics والتي تتعلق بمصالح خاصة، والمحفوظة أصولها لدى الموثقين كالعقود الموثقة Les actes notariés، كما يسري على العقود العرفية المثبتة في الأصول المحفوظة Les minutes لدى الموثقين والأمناء على السجلات العامة، فهو ليس إجراء عام يسري على جميع الأشخاص كما أن استعماله محدود، ولا يحق لأطراف الخصومة أو النائبين عنهم أو ورثتهم أن يسلكوا هذا الطريق اكتفاءً بالحق المخول لهم بالمادة (839) مرافعات فرنسي وما بعدها القاضية بإلزام الموثقين والأمناء على السجلات العامة بتسليم صور منها لذوي الشأن بناءً على أمر على عريضة يصدر من رئيس المحكمة.
وقد نشأ إلى جوار هذا الطريق تقليد قضائي يقوم على أساس الاعتراف بحق المحاكم في الأمر باتخاذ أي إجراء يوصلها إلى معرفة الحقيقة، ومن ذلك الأمر الموجه إلى قلم الكتاب بضم الملفات المحفوظة لديها ومن بينها ملفات التحقيقات الجنائية [(5)] injonction au greffe وسنتناول فيما يلي أساس هذا الحق ومدى شرعيته.
ثانيًا: قوانين الرسوم القضائية:
تناولت المراسيم الخاصة بالرسوم القضائية هذا الموضوع في المواد (54) - (56) من مرسوم 8 يونيو سنة 1811 المعدلة بالمواد (62) - (66) من مرسوم 5 أكتوبر سنة 1920 المنفذ لقانون 24 أكتوبر سنة 1919 والمعدل بمرسوم 28 ديسمبر سنة 1935 وبمرسوم 26 يوليو سنة 1947 وبمرسوم 7 فبراير سنة 1949.
فقبل سنة 1811 لم يكن هناك نص تشريعي ينظم كيفية الحصول على صور الأوراق والمحاضر والقرارات والأحكام في المواد الجنائية، فلم يكن ذلك مسموحًا به إلى أن صدر مرسوم 8 يونيو سنة 1811 فأباح للخصوم في مواد الجنح والمخالفات فقط، دون الجنايات، حق الحصول على صور من الشكاوى والتبليغات والأحكام النهائية، وذلك على مصاريفهم وبغير حاجة إلى تصريح خاص، كما أباح لهم بإذن من النائب العام الحصول على صور من الأوراق الأخرى في المواد سالفة الذكر، أما غير الخصوم le tiers فقد حرموا أصالة من هذا الحق سواء بإذن أو بغير إذن.
ثم أتى مرسوم 5 أكتوبر سنة 1920 فحفظ للخصوم في مواد الجنح والمخالفات فقط حقهم في الحصول على الأوراق التي تكلم عنها مرسوم سنة 1811، وأضاف إلى ذلك حقهم في الحصول على صور الأحكام النهائية في مواد الجنايات، وعلق حقهم في الحصول على صور باقي الأوراق على إذن النائب العام، كما أباح لغير الخصوم في مواد الجنايات والجنح والمخالفات الحصول على صور الأحكام النهائية فقط، واشترط الحصول مقدمًا على إذن النائب العام بالنسبة إلى باقي الأوراق مواد (64)، (65).
وقد عدل مرسوم 28 ديسمبر سنة 1935 [(6)] نص المادتين (64)، (65) فأصبح لنائب الجمهورية (رئيس النيابة) - بدلاً من النائب العام - حق الإذن للخصوم بالحصول على صور رسمية من الأوراق المودعة ملف الدعاوى في مواد الجنح والمخالفات (عدا الشكاوى والتبليغات والأوامر النهائية التي أبيح للخصوم الحصول على صورها بمجرد طلبهم مادة (64).
أما بالنسبة إلى غير الخصوم، فقد حظرت المادة (65) معدلة إعطاء صورة أية ورقة لهم في مواد الجنايات والجنح والمخالفات إلا بعد الحصول على إذن نائب الجمهورية (رئيس النيابة) أما الأحكام النهائية فقد أباحت لهم الحصول عليها بغير إذن.
فإذا كانت الأوراق مودعة قلم كتاب محكمة الاستئناف أو متعلقة بملف محفوظ قطعيًا أو بإجراءات تحقيق انتهت بأمر بألا وجه أو بقضية نُظرت في جلسة سرية، فيكون النائب العام هو المختص بالإذن بالحصول على الصورة المطلوبة، وفي حالة رفض النائب المختص الإذن بذلك فعليه أن يعلن الطالب بالطريق الإداري بقراره مسببًا مادة (65).
وجاء مرسوم 26 يوليو سنة 1947 مؤيدًا لهذا التعديل [(7)]، وأضاف مرسوم 7/ 2/ 1949 الجنايات إلى الجنح والمخالفات المنوه عنها في المادة (64) فأصبح للخصوم حق الحصول على صور منها دون حاجة إلى إذن.
ونصت المادة (66) معدلة بمرسوم 26 يوليو سنة 1947 على أنه عند إرسال الأوراق الجنائية إلى أية محكمة أو إلى وزارة العدل فيجب أن ترسل نفس الأوراق المتضمنة الإجراءات بذاتها إلا إذا أمر وزير العدل بإرسال صور أو مستخرجات من تلك الأوراق.
فلم يكن لنفس الخصوم les parties قبل سنة 1920 حق الحصول على صور الأحكام وباقي الأوراق في مواد الجنايات [(8)].
كما استقر الرأي على أن الأوراق التي تناولتها المراسيم سالفة الذكر وأجازت الحصول على صور منها، قد وردت على سبيل الحصر وأن حكمها يسري أيضًا على ضم أصل الأوراق لا مجرد الحصول على صورة منها [(9)].
وعلى الرغم من أن مرسوم سنة 1811 لم يكن يسمح بضم الجنايات إلى القضايا المطروحة أمام المحاكم المدنية أو الحصول على صور منها، فقد ذهبت أحكام القضاء الفرنسي، في ظل هذا المرسوم، على أن الإذن الذي يصدره النائب العام بضم الجنايات يعد إجراءً صحيحًا [(10)].
وقد نشأ عن قيام هذين الطريقين (طريق الأمر بضم الأوراق قضائيًا compulsoire وطريق استئذان النيابة العامة) بعض الخلاف في الرأي، فذهبت بعض المحاكم إلى إجابة طلب الخصوم فيما يطلبونه من طلب ضم الملفات الجنائية، تأسيسًا على الطريق القضائي للضم [(11)] وظلت أحكام القضاء وآراء الفقهاء متأرجحة بين المذهبين [(12)]، إلى أن حسم حكم دائرة العرائض بمحكمة النقض الفرنسية في 24 يوليو سنة 1924 [(13)] كل خلاف في هذا الشأن، فقد حدث أن أصدرت محكمة فلوراك المدنية حكمًا يقضي بالأمر بضم تحقيق في قضية جنحة أجري بطريقة غير سرية، فرفض النائب العام بمحكمة نيم ضم هذا التحقيق، وطعن النائب العام بمحكمة النقض في حكم محكمة فلوراك، فنقضت دائرة العرائض الحكم لتجاوز المحكمة سلطتها وتعديها على الحقوق المخولة للنائب العام بمحكمة استئناف نيم وحقه المطلق في الإذن بضم ملفات الجنايات والجنح والمخالفات [(14)].
فالطريق الوحيد المفتوح في فرنسا أمام الخصوم في الدعاوى المدنية لضم الملفات الجنائية على أنواعها المختلفة (جنايات وجنح ومخالفات) هو طريق الالتجاء إلى النيابة العامة سواء تعلق الأمر بضم الملفات ذاتها أو بطلب الحصول على صور منها.
والرأي الراجح لدى القضاء يحرم، كما قدمنا، على المحاكم إصدار أوامرها المباشرة إلى أقلام الكُتاب بضم الملفات الجنائية [(15)].
وقد جاء مرسوم سنة 1920 بلائحة الرسوم القضائية مؤيدًا لهذا الاتجاه.
ويلاحظ أن المشرع الفرنسي فرق بين القضايا التي انتهت بأحكام نهائية بعد مرافعات علنية من جهة وبين القضايا التي نظرت بجلسة سرية أو التي صدر فيها قرار بألا وجه من جهة أخرى، فمنح رئيس النيابة سلطة الأمر بضم النوع الأول والتصريح بالحصول على صور منها، وقصر ذلك الحق على النائب العام بالنسبة إلى النوع الأخير، وهي تفرقة مبناها الدور الذي يقوم به كل من هذين النائبين من حيث الأهمية، فواضح أن القضايا التي تنتهي بأحكام نهائية بعد مرافعات علنية تفقد سريتها بعد أن سمعها جمهور المترددين على المحاكم، أما النوع الآخر من القضايا، الذي يحتفظ بسريته [(16)]، لعدم طرحه على الجمهور فقد رُئي أن يترك أمر تقدير الموازنة بين أسرار الأفراد وشرفها من جهة، والمصلحة العامة من جهة أخرى، إلى النائب العام نفسه نظرًا لأهمية منصبه وخطره.
وقد وجه وزير العدل ديفور إلى النواب العموميين في فرنسا منشورًا في هذا الشأن جاء فيه:
(لقد عهد إليكم وحدكم القانون، حق كشف أسرار التحقيقات أو حفظها، ولا تستطيعون أن تغفلوا ما تتطلبه موازنة اعتبارات المصلحة العامة وشرف الأفراد والعائلات، وأحيانًا ضرورة الاطلاع على تحقيق غير منتهٍ [(17)]).
ولكن هل يكفي إذن النائب العام وحده لوضع حد لهذا الأمر ؟ وبعبارة أخرى، ألا يشترط الفقه والقضاء شروطًا مكملة لهذا الإذن حتى لا يطعن في الدليل المستمد من هذه الأوراق المضمونة ؟
ذهب بعض الشراح إلى عدم جواز ضم المحاضر التي نُظرت بصفة غير علنية والتحقيقات المنتهية بأمر بألا وجه أو الحصول على صورة منها استنادًا إلى الصفة السرية التي تلصق بكل تحقيق ابتدائي انتهى بقرار بألا وجه [(18)].
واشترطت بعض الأحكام علاوة على طرح هذه الملفات علانية أمام المحكمة ضرورة موافقة الشخص الذي صدر لصالحه الأمر بألا وجه [(19)].
وذهبت بعض الأحكام إلى أن رضاء هذا الشخص يمكن أن يستنتج ضمنًا من تمسكه بمدونات التحقيقات المضمومة واعتماده عليها تأييدًا لحجته [(20)].
ويؤخذ من بعض الأحكام أنه يكفي طرح الملف المضموم على المحكمة وعدم اعتراض أحد الخصوم على ذلك [(21)].
ويؤخذ من حكم محكمة النقض المدنية الفرنسية في 18 أكتوبر سنة 1933 [(22)] أنه إذا لم يتضح من مدونات الحكم المطعون فيه، أن الملف الجنائي المضموم قد طرح علنًا على بساط البحث بمعرفة الخصوم، فإن ذلك لا يعني أن الشرط لم يتوفر بل يكون هناك محل لافتراض تحققه.
على أن محكمة النقض الفرنسية عدلت بعد ذلك عن هذا التفسير واشترطت اشتمال الحكم على ما يدل على طرح الملف المضموم على الخصوم [(23)].
ثم أصدرت دائرة العرائض حكمًا في 28 يوليو سنة 1936 [(24)] يؤخذ من مدوناته أنه طالما أن النيابة قد أذنت بضم الملف الجنائي للقضية المدنية المطروحة وتمت مناقشته بمعرفة الخصوم دون ثمة معارضة صريحة في الضم فلا بطلان.
ويؤخذ بطريق مفهوم المخالفة من اشتراط عدم معارضة الخصوم معارضة صريحة، أنه إذا عارض أحد الخصوم معارضة صريحة في الضم أصبح الضم غير جائز [(25)].
على أن تعليق الضم على موافقة الخصوم غير مستساغ، فلا يجوز أن يترك الأمر لمحض إرادة الخصوم - ذلك أن هذه الموافقة لا معنى لها فإما أن قاعدة سرية التحقيقات الجنائية تعد من النظام العام وبذلك تصبح إرادة الخصوم لغوًا، وإما أنها لا تمس النظام العام وبذلك لا يتوقف الأمر على إرادة الخصوم [(26)].
والواقع أن الاتجاهات الحديثة في القانون الجنائي الفرنسي تناهض مبدأ السرية، فقد خففت المشرع الفرنسي من غلواء هذا المبدأ بأن يسمح للمتهم بحضور محاميه معه ناظرًا في ذلك إلى مصلحة المتهم.
ويمكن القول إن الرأي الراجح لدى الفقه والقضاء الفرنسي يكتفي لصحة ضم هذه المحاضر (التحقيقات الابتدائية المنتهية بأمر بألا وجه وما شابهها) صدور إذن النائب العام بغير تعليق ذلك على ضرورة موافقة ذوي الشأن، بل وعلى الرغم من معارضتهم [(27)].
من ذلك ما قضت به محكمة نانسي في 21 فبراير سنة 1938 [(28)] (بأن النائب العام هو وحده المختص دون غيره بتقدير ملاءمة ضم قضية جناية منتهية بقرار بألا وجه، وأمره في هذا الشأن يعد قرارًا إداريًا لا يخضع لأية رقابة، ومن باب أولى لا يخضع النائب العام لأي أمر قضائي بضم تلك الأوراق injonction وأنه إذا كان رفض النائب العام مبنيًا على عدم موافقة أحد الطرفين على الضم، فإن محكمة الاستئناف لا تستطيع أن تأمر الطرف المعارض في الضم بأن يوافق على طلب خصمه ضم هذا الملف [(29)].
بقيت نقطة تحتاج إلى مزيد من الإيضاح ألا وهي أن الملفات المعتبرة سرية ليست قاصرة على محاضر التحقيقات الجنائية المنتهية بأمر بألا وجه، بل تشمل التحقيقات الجارية en cours والقضايا التأديبية والقضايا التي تفتح فيها النيابة محاضر غير رسمية officieux [(30)] والمنتهية بأمر حفظ قطعي classement sans suite والملفات الخاصة بالمصالح الإدارية ومحاضر الضبطية القضائية، فما هو الحكم في مثل هذه الملفات ؟
ففيما يختص بالتحقيقات القضائية الجارية فتحكمها المبادئ التي سبق أن أشرنا إليها بالنسبة إلى التحقيقات المنتهية بأمر بألا وجه.
أما فيما يتعلق بالملفات الإدارية الخاصة بالمصالح الإدارية فقد حكمت محكمة السين في 12 نوفمبر سنة 1936 [(31)] بجواز ضم ملف إدارة الأمن العام في قضية مدنية رفعها شخص أصيب في حادث شغب، كانت الحكومة (بوصفها مسؤولة مدنيًا) قد ضمت هذا الملف كي تثبت أن المدعي قد اعتاد على التظاهر، وقالت المحكمة إنه يتعين على المدعي أن يناقش ما جاء بالملف المذكور وألا يتعرض إلى واقعة تقديمه.
فيكفي لجواز الضم أو الحصول على صورة من هذه الملفات الإدارية موافقة الجهة الحكومية الأمينة على هذه الملفات.
أما بالنسبة إلى محاضر البوليس gendarmerie غير المنتهية بحكم، فقد اختلف القضاء في شأنها، فبعض المحاكم ترى ضرورة الحصول على موافقة الخصوم علاوة على إذن النيابة [(32)] والبعض لا يحتم ذلك [(33)].
ويستند أصحاب الرأي الأول إلى أن محاضر البوليس لا تتم في حضور الخصوم، فلا يجوز عرضها في مناقشة علنية إلا برضاء جميع الخصوم، كما يستندون إلى صفة هذه المحاضر السرية، تلك الصفة التي لا ترتفع عنها طالما أنها لم تعرض على المحاكم الجنائية.
أما الشراح فينتقدون الأحكام التي اشترطت موافقة الخصوم على ضم مثل هذه المحاضر [(34)].
وخلاصة ما تقدم أن صحة إجراءات ضم محاضر التحقيقات الجنائية (التي لم تنتهِ بحكم) تتوقف حسب الرأي الراجح في فرنسا على إذن النائب العام طبقًا للمراسيم الخاصة بالرسوم القضائية دون أن يتوقف ذلك على رضاء الخصوم.
وقبل أن نعرض إلى قوة هذه المحاضر في الإثبات نتناول حكم التشريع المصري في هذا الشأن:
التشريع المصري:
النصوص التي تحكم هذه الإجراءات يمكن ردها إلى ما يأتي:
أولاً: تعليمات النائب العام:
1 - نص المادة (730) من التعليمات العامة للنيابات الذي يقضي بأنه لا يصرح بإعطاء صور من محاضر التحقيق أو أوراق قضائية أخرى إلا إذا قررت المحكمة المدنية تقديمها إليها، وإلا فيستأذن النائب العمومي، وتعطى الصور بعد حذف التأشيرات التي على المحاضر.
2 - المنشور رقم (80) لسنة 1931 الذي عهد بالفصل في هذه الطلبات في حالة عدم تقديم قرار المحكمة المدنية، إلى رؤساء النيابات ونوابها فلهم أن يجيبوها متى كان الطالب ذا صفة في التحقيق سواء باعتباره متهمًا أو مجنيًا عليه، وكان طلبه خاصًا بتحقيق تم فعلاً ومتعلقًا بأوراق التحقيق أي البلاغ ومحاضر الضبطية القضائية وتحقيق النيابة والكشوف الطبية، أما إذا كان الطالب لا شأن له في الأوراق التي يطلب صورها أو كانت القضية لا تزال في التحقيق، أو كان الطلب خاصًا بالأوراق الإدارية الملحقة بملف القضية، وكذلك إذا كان للطلب شأن خاص سواء بالنسبة لموضوع القضية أو ذوي الشأن فيها أو غير ذلك من الاعتبارات فإنه يجب دائمًا استطلاع رأي النائب العام.
3 - المنشور رقم (30) لسنة 1945 المبلغ للكشف الوارد بكتاب وزارة العدل رقم 31/ 35/ 100 (208) المؤرخ 12 يوليو سنة 1945 بشأن البحوث التي عرضت للنيابات في صدد تنفيذ قانون الرسوم في المواد الجنائية رقم (93) لسنة 1944 ورأي الوزارة في شأنها.
ثانيًا: القانون رقم (93) لسنة 1944 بشأن الرسوم القضائية في المواد الجنائية، وقد خلا هذا
القانون من النص على الجهة التي تأذن بالحصول على صور الأوراق واقتصر على بيان فئات الرسوم.
ثالثًا: نصوص المواد (75)، (77)، (84) من قانون الإجراءات الجنائية، وتتكلم أولى هذه المواد عن إجراءات التحقيق والنتائج التي تسفر عنها واعتبارها من الأسرار.
وتتكلم ثانيها عن حق الخصوم (بما فيهم النيابة العامة) في حضور جميع إجراءات التحقيق ما لم يأمر القاضي بإجراء التحقيق في غيبتهم، متى رأى ضرورة ذلك لإظهار الحقيقة، وبمجرد انتهاء تلك الضرورة، يبيح لهم الاطلاع على التحقيق.
وتتكلم الأخيرة عن حق المتهم والمجني عليه والمدعي بالحقوق المدنية والمسؤول عنها أن يطلبوا على نفقتهم أثناء التحقيق صورًا من الأوراق أيًا كان نوعها، إلا إذا كان التحقيق حاصلاً بغير حضورهم بناءً على قرار صادر بذلك.
وبمقارنة هذه النصوص الأخيرة بعضها ببعض، نجد أن المشرع المصري أخذ بما هو مقرر في فرنسا من سرية التحقيق بالنسبة إلى الجمهور مع حصوله في مواجهة الخصوم، وإباحة حق الاطلاع وأخذ صور من التحقيق، إلا إذا كان التحقيق حاصلاً بغير حضورهم بناءً على قرار بذلك