Warning: Function get_magic_quotes_gpc() is deprecated in /home/forumbs/public_html/includes/class_core.php on line 1960
الموضوع المساهمة في الجريمة المساهمة الجنائية [الأرشيف] - منتديات بانى ستار

المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الموضوع المساهمة في الجريمة المساهمة الجنائية



Bakenam
01-28-2009, 06:34 PM
محتويات البحث :

- المقدمة .
المبحث الاول : صور المساهمة الجنائية .

ا المطلب الاول : التمييز بين المساهمة الاصلية والتبعية .
- النظرية الشخصية .
- النظرية الموضوعية .
- اهمية التمييز بين المساهمتين .

المطلب الثاني : تكييف مسؤولية الشريك .
- نظام وحدة الجريمة .
- نظرية تعدد الجرائم .

المبحث الثاني : المساهمة الجنائية في القانون .
المطلب الاول : الفاعل في القانون العراقي .
المطلب الثاني : الشريك في القانون العراقي .

المراجع .



المقدمــــــــة

غالبا ما تقع الجريمة من قبل شخص واحد اذا فكر وحده بالمشروع الاجرامي وصمم على تنفيذه ونفذ الوقائع المادية المؤدية الى الجريمة . وفي حالات اخرى تقع الجريمة من مجموعة من الاشخاص يتعاونون على ارتكابها . وقد تتماثل ادوارهم وما يقومون به من نشاطات مادية او معنوية في تحقيق النتيجة الجرمية وقد تختلف. فقد يقتصر دور البعض على التهيئة والتحضير فيما يقوم الاخرون بالافعال المادية ، كما قد يقوم البعض بالتحريض على الجريمة فيما ينفذ الباقون موضوع التحريض ، او ربما يستخدم شخص غيره لارتكاب جريمة ويكون هذا الغير غير مسؤول قانونا عن هذه الجريمة. هذه الحالات التي يساهم فيها اكثر من شخص في ارتكاب جريمة واحدة تسمى بالمساهمة الجنائية او كما يسميها البعض الاخر بالمساهمة في الجريمة او الاشتراك فيها.

يتضح مما تقدم ان المساهمة في الجريمة تعني اشتراك شخصين او اكثر في جريمة واحدة سواء تماثلت ادوارهم او اختلفت في ارتكابها. وحتى تتحقق المساهمة لابد ان يتوافر شرطان:

1- تعدد الجناة:
وهو ان يقوم شخص بالتعاون مع غيره في تنفيذ جريمة ما، سواء تماثلت ادوارهم في الجريمة كما لوقام كل منهم بأطلاق النار على شخص المجني عليه فأردوه قتيلا، او ما اذا قام شخصان بسرقة منزل فحمل كل منهما جزء من المال المسروق. وقد تتباين ادوارهم في الجريمة كما لوقام الاثنان بسرقة المال وحمل كل منهما جزء من المال المسروق فيما قام الثالث بمراقبة الطريق. المهم في تحقق المساهمة ان يكون اكثر من شخص ساهم في ارتكاب جريمة ما سواء اشترك بعضهم في التخطيط دون التنفيذ او اشتركوا جميعا في التخطيط والتنفيذ.

2- وحدة الجريمة:
لا يكفي الشرط الاول لقيام المساهمة الجنائية بل لابد من تحقق شرط آخر هو وحدة الجريمة المرتكبة ، وتكون نتيجة التعاون المشترك بين الجناة. كما لو تعاون شخصان على قتل ثالث وفعلا تم ازهاق روحه نتيجة هذا التعاون ، بغض النظر عن دور كل منهما في تحقيق النتيجة الجرمية . على ان وحدة الجريمة تعني وحدة ركنيها المادي والمعنوي.

يعتبر الركن المادي للجريمة التي يتعاون على ارتكابها اكثر من شخص هو وحدة النتيجة التي قصدها الجناة من تعاونهم . فاذا ما كانت النتيجة المقصودة واحدة كان الركن المادي لها واحدا. ولا يختلف الامر بعد ذلك فيما اذا كانت هذه النتيجة قد تحققت بفعل مادي واحد كما لوقام شخصان باطلاق النار على المجني عليه فأردياه قتيلا. او ان النتيجة تحققت بأكثر من فعل مادي كما لوقام احد الجناة بكسر باب المنزل ، بينما قام الاخران بفتح الباب وسرقة الاموال ، فاعمال الجناة الثلاثة تهدف جميعها الى تحقيق نتيجة واحدة الا هي جريمة السرقة ، والتي تعتبر اعتداء على حق يحميه القانون .

اما وحدة الركن المعنوي فهي العلاقة الذهنية التي التي تربط بين المساهمين في الجريمة الواحدة. وما تعنيه العلاقة الذهنية قصد المساهم التداخل في الجريمة لتحقيق نتيجتها الجرمية. فمتى توفرقصد التداخل لدى كل المساهمين قامت الرابطة الذهنية بينهم وبالتالي تحققت وحدة الركن المعنوي للجريمة. ولا يشترط كي يتحقق قصد التداخل ان يكون هناك اتفاق مسبق بين الجناة وان كان الاغلب كذلك. فيمكن ان يتوفر قصد التداخل لدى المساهمين لتتحقق المساهمة الجنائية نتيجة المصادفة وليس نتيجة الاتفاق . كما لو اراد ( أ ) طعن ( ب ) بسكين قاصدا قتله فصادف ذلك مرور ( ج ) الذي هو عدو ( ب ) فقيّد يديه مما سهل على ( أ ) الاجهاز عليه وقتله فتحقق لدى ( ج ) قصد التداخل في الجريمة دون ان يكون بينهما اتفاق مسبق .

تعتبر العلاقة الذهنية التي يحققها قصد التداخل الاساس في تحقق المساهمة الجنائية. فتدور المساهمة معها وجودا وعدما ، فاذا ما قامت الرابطة الذهنية بين المساهمين كنا بصدد جريمة تنتجها مساهمة الجناة ، وفي حالة انعدامها فنكون بصدد جرائم متعددة ، ويُسأل في الحالة الاخيرة كل فاعل عن فعله. سواء تشابهت الافعال المادية التي يقوم بها الجناة او اختلفت. ومثال تشابه الافعال المادية كما لو وجد شخصان في آن واحد يسرقان في منزل واحد دون ان يتفقا على السرقة وانما كان وجودهما مصادفة في ذات المنزل ولذات الغرض .

اما اختلاف الافعال المادية كما لو ان شخصا اطلق عيارا ناريا على شخص آخر قاصدا قتله الا ان الطلق الناري اصابه في قدمه فلم تكن الاصابة قاتلة ، فيما جاء ثالث فسرق محفظة المجني عليه دونما اتفاق مع الجاني الاول ، فلا يعتبر الجاني الاول مساهما في جريمة الثاني، كما لايعتبر الثاني مساهما مع الاول ، وانما يُسأل كل عن جريمته. فيُسأل الاول عن الشروع في القتل حيث خاب فعله ولم يحقق نتيجته ، في حين يُسأل الثاني عن جريمة السرقة. وسبب عدم تحقق المساهمة الجنائية في المثال السابق هو عدم وحدة الركن المادي لان النتيجة لم تكن واحدة في الفعليين الماديين ، اضافة الى عدم تحقق وحدة الركن المعنوي الذي يعني الرابطة الذهنية بين الجانيين . فلم يقم قصد التداخل من قبل احد الجانيين في عمل الجاني الاخر .

وبما ان المتفق عليه في المساهمة الجنائية انها لا تتحقق الابتحقق وحدة الركنين المادي والمعنوي للجريمة الواحدة. ووحدة الركن المعنوي لا تكون الا اذا قامت الرابطة الذهنية بين المساهمين . فاذا ما تخلفت الرابطة الذهنية - التي تتحقق بتحقق قصد التداخل في الجريمة الواحدة بين المساهمين – تخلفت تبعا لذلك المساهمة الجنائية. وهو امر ان صح في بعض الحالات فانه لا يصح في حالات اخرى .
لتوضيح الرأي نطرح المثالين التاليين :
الاول: لو اراد ( أ ) قتل (ب ) فاطلق عليه النار فاصابه بقدمه وهي اصابة غير قاتلة ولكنها اضعفته عن المقاومة فصادف ذلك مرور ( ج) الذي هو عدو الى (ب ) فاستغل ضعف مقاومته فوجه اليه طعنة بسكين قضت عليه . رغم عدم وجود اتفاق مسبق بين ( أ ) و ( ب ) فيكون حسب الرأي السائد يسأل كل من الجانيين عن جريمته ولا يعتبر الاول مساهما في جريمة الثاني كأن يسأل ( أ ) عن جريمة الشروع في القتل في حين يسأل ( ب ) عن جريمة القتل .
على ان الواقع يقول ان عمل الجاني الاول يعتبر مقدمة ضرورية لعمل الثاني. فلولا عمل الاول لما استطاع الثاني ان يتم عمله. وبذلك تقوم بينهم نوع من المساهمة غير المباشرة والتي نستطيع ان نطلق عليها المساهمة المادية رغم تخلف العلاقة الذهنية بين الجانيين . لانه من غير الممكن القول بأن عمل الاول مستقل تماما عن عمل الثاني ، اذ لولا الاول لماحدث الثاني .
اضافة الى ذلك فان الجريمة تقع بصدور مادياتها من الجاني وان تخلف الركن المعنوي وان اختلف تكييفها والعقوبة المقررة لها . في حين لا يكفي الركن المعنوي وحده لوقوع الجريمة الا نادرا . وفي موضوع البحث قد تتحقق الرابطة الذهنية بين شخصين او اكثر لسرقة منزل ما ولكن لا تتحقق المساهمة الجنائية في جريمة السرقة الا اذا كانت قد وقعت ماديات الجريمة . اضافة الى ان الركن المادي هو الوسيلة الى معرفة الركن المعنوي فكيف يكون كذلك ويهمل .
يترتب على ذلك ان المساهمة ( المادية او غير المباشرة ) تتحقق بتحقق الركن المادي حتى لو لم تتحقق وحدة الركن المعنوي . ويكون ذلك واضحا اذا عرفنا ان القانون جعل المساعدة في ارتكاب الجريمة وسيلة من وسائل المساهمة ، في حين ان المساعدة قد تكون آنية وغير مسبوقة بأتفاق.
ولهذا اضطر بعض المشرعين الى اعتبار من لم يدخل في جريمة ارتكبها غيره شريكا فيها مادام انها كانت جريمة محتملة لجريمة اخرى. كما لواتفق شخصان على سرقة منزل واثناء خروجهما من المنزل صادف احدهم صاحب المنزل فقتله. فيعتبر المساهم الثاني شريكا رغم انه لم يشترك في جريمة القتل. لان جريمة القتل كانت نتيجة محتملة لجريمة السرقة.

اما المثال الثاني :
فهو ما اذا تصادف وجود ( أ ) و ( ب ) في منزل واحد لغرض السرقة دون ان يكون عمل اي منهما مقدمة لعمل الثاني ودون ان يكون بينهما اتفاق مسبق ولم يقم اي منهما بالتداخل في عمل الاخر. فلم يقم احدهم مثلا بكسر الباب مما سهل دخول الثاني اليها .ففي هذا المثال تختلف الحالة تماما عما هي عليه في المثال الاول . فهنا يسأل كل منهما عن جريمته والسبب هو عدم وجود مساهمة مادية او معنوية بينهما .

يترتب على ذلك نتيجتان :
الاولى ان المساهمة المادية لا تتحقق الا ان يتوفر شرطان:
1- ان يكون عمل احد الجناة مقدمة ضرورية لعمل الجناة الاخرين . اذ يتوقف عمل الاخرين على عمل الجاني الاول .
2- ان يكون العمل الاول ( المقدمة الضرورية ) عملا غير مشروع اصلا . كما في المثال الاول وهو اصابة المجني عليه من قبل الجاني الاول . اما اذا كان عمل الاول مباحا اصلا الا انه اكتسب الجرمية نتيجة عمل الثاني فلا تتحقق المساهمة المادية وانما نكون بصدد مساهمة من نوع آخر نطلق عليه المساهمة المعنوية. كما لواعار احدهم سكينا لاخر لقتل ثالث، فاذا عدل الاخر عن جريمة القتل فلا يعتبر عمل اعارة السكين جريمة اما اذا اتم عمله فيعتبر المنفذ مساهما اصليا بينما يعتبر الثاني شريكا او مساهما تبعيا .
نخلص من كل هذا ان المساهمة على ثلاث اقسام:
1- المساهمة العامة اذا تحقق في الجريمة الواحدة وحدة ركنيها المادي والمعنوي .
2- المساهمة المادية وتكون بتحقق الركن المادي وتخلف الركن المعنوي .
3- المساهمة المعنوية وهي عكس المادية يتحقق فيها الركن المعنوي وتتعدد فيها الافعال المادية .


المبحث الاول
صور المساهمة في الجريمة

قلنا ان ادوار المساهمين في الجريمة الواحدة قد تتماثل وقد تختلف. ولا اشكال في الحالة الاولى ما اذا كان الدور الرئيسي يتكون من فعل مادي واحد يؤدي الى وقوع الجريمة ، على ان يكون الى جانبه شريك يقوم بدور غير رئيسي . ولا اشكال حتى في حال تعدد الادوار المتشابهة الرئيسية بحيث تؤدي جميعها الى نتيجة اجرامية واحدة ، فتعتبر في هذه الحالة افعالا اصلية ويسمى القائمون بها بالمساهمين الاصليين . ولكن يظهر الاشكال في حالة ما اذا اختلفت الادوار بين المساهمين فبعضها يكون رئيسيا والاخر يكون دورا ثانويا ، اما ما هي الحدود الفاصلة بين الادوار الرئيسية والثانوية. وما اهمية الفصل بين النوعين من الادوار حيث ان القائميين بالنشاطات الرئيسية يطلق عليهم المساهمون الاصليون، اما اصحاب النشاطات الثانوية فيطلق عليهم بالمساهميين التابعين، وما فائدة التمييزهذا ما سنتناوله في المطلبين التاليين:

المطلب الاول
التمييز بين المساهمة الاصلية والتبعية

تختلف مساهمة الشركاء في الجريمة الواحدة تبعا لادوارهم فيها، وعلى هذا فالشائع ان للمساهمة صورتين:
المساهمة الاصلية: ويتحقق هذا النوع من المساهمة اذا ماكان للمساهم بالجريمة دور رئيسي فيها ، ويسمى صاحب الدور الرئيسي بالمساهم الاصلي او الفاعل.
المساهمة التبعية: اما اذا كان دور المساهم في الجريمة دورا ثانويا ، فيسمى صاحب الدور بالشريك او المساهم التبعي وتسمى مساهمته تبعا لدوره بالمساهمة التبعية.

لكن لابد من معرفة الحد الفاصل بين هذين النوعين من المساهمة ، مما ينبغي تبني معيار يفصل بين اعمال الفاعل ( المساهم الاصلي ) وبين الشريك ( الفاعل التبعي ). واختلف الفقه في المعيار وتنازعته نظريتان:

اولا- النظرية الشخصية:
اعتمدت هذه النظرية الركن المعنوي للجريمة معيارا للتمييز بين المساهمة الاصلية والتبعية لان الفاعل هو من تتوفر لديه نية ما اذا كانت الجريمة من فعله الخاص، وانه هو صاحب المشروع وما الاخرون الذين اشتركوا معه في الجريمة الا تابعين له يعملون لحسابه ويساعدونه في اتمام مشروعه. اما الشريك من يعتبر الجريمة ليست فعله وانما هي فعل غيره ودوره في الجريمة هو مساندة صاحب المشروع ، وبعبارة ادق ماهو الا عامل يعمل لحساب الفاعل.

يتبين ان النظرية الشخصية تعوّل على الركن المعنوي في التمييز بين المساهمتين وتغفل الركن المادي للجريمة ولا تهتم به في هذا المجال. فهي تعول على دور الفاعل في تحقيق الجريمة حتى لو لم يقم بأي عمل تنفيذي فيها. فمن يضع خطة لسرقة بنك ومن يحصل على اكبر حصة من الاموال المسروقة يعتبر هو صاحب المشروع ، واذا كان كذلك فهو الفاعل حتى لو لم يشترك في التنفيذ. فيكفي ان يكون قصده ان المشروع مشروعه الخاص ومن يعمل معه فهو تابع له ينفذ المشروع على ارض الواقع .

يؤخذ على النظرية الشخصية انها لم تتبن معيارا واضحا يسهل معه التمييز بين المساهمتين ، وانما اخذت بمعيار فضفاض يصعب معه التمييز بينهما. فقد تتحقق ظروف قاهرة تجبر بعض المساهمين التابعين الى تبني المشروع الاجرامي على انه مشروعهم ، وهو في الحقيقة مشروع مساهم آخر يخاف الاول من بطشه فيظهر خلاف نيته الحقيقية ، او انه يقع تحت وطأة الاغراء المادي ، او بدافع علاقة القربى كأن يكون صاحب المشروع هو ابن الشريك ، فتأخذه الرأفة على ابنه فيدعي بأنه صاحب المشروع ، وبذلك يظهر خلاف الحقيقة مما يؤثر سلبا على سير العدالة او يحول دون تحققها. ولصعوبة تحديد الاعتبارات الشخصية للمساهمين تم تبني النظرية الموضوعية.

ثانيا النظرية الموضوعية ( المادية ):
على عكس ما ذهبت اليه النظرية الشخصية فقد تبنت النظرية الموضوعية الركن المادي للجريمة كمعيار للتمييز بين نوعي المساهمة. وبهذا يكون فعل ونشاط المساهم معيارا لدوره في الجريمة. فاذا ما ارتكب المساهم فعلا يعد من اعمال تنفيذ الجريمة فيعتبر مساهم اصلي ، اما اذا كان سلوكه ممهدا لسلوك فاعل آخر كأن يكون عملا من اعمال التحضير والاعداد للجريمة فيكون في الحالة الاخيرة مساهما تبعيا ( شريك ) .

تعتبر هذه النظرية اكثر دقة من النظرية السابقة ، حيث تعتمد الاولى الاعتبارات الشخصية التي يصعب تحديدها كما ذكرنا بينما تعتمد النظرية المادية الفعل المادي الذي غالبا ما يكون وسيلة الى تشخيص نية الفاعل وبالتالي تحديد دوره في الجريمة. على ان النظرية الاخيرة لا تخلو من النقد ، حيث لا يمكن دائما اعتماد الركن المادي لمعرفة دور المساهم فيها ولذلك اخذت بعض القوانين بفكرة الفاعل المعنوي الذي اعتبرته المساهم الاصلي مع انه لم ينفذ اي عمل مادي بل دفع غيره الى التنفيذ. كما ان السلوك او النشاط المعنوي ربما يكون اكثر خطورة من السلوك المادي ، فواضعي الخطط الاجرامية هم اكثر خطورة من منفذيها.

لذلك لا يمكن الاستغناء عن اي من النظريتين في تحديد دور المساهم في الجريمة. بمعنى انه في الوقت الذي نأخذ بسلوك ونشاط المساهم في تحديد دوره في الجريمة علينا ان لا نغفل الاعتبارات الشخصية المتعلقة بذلك المساهم ، وبذلك نكون اكثر قربا للعدالة مما لواخذنا بأحد النظريتين واهملنا الثانية ، لعدم خلوهما من النقد كما ذكرنا .

ثالثا – اهمية التمييز بين المساهمتين الاصلية والتبعية:

1- من حيث الخطورة الاجرامية:
تظهر اهمية التمييز في ان من قام بدور رئيسي في تنفيذ الجريمة يكون اجرامه اكثر خطورة من اجرام صاحب الدور الثانوي. لان من يرتكب عملا ماديا ينفذ به عناصر ووقائع الجريمة يكون قد اصر على الاجرام، وذلك يكون اكثر خطرا ممن قام بعمل تمهيدي او تحضيري، وقد لايكون في ذاته عملا مخالفا للقانون وانما اكتسب عدم مشروعيته من عمل آخر.

2- من حيث العقوبة:
اذا كانت هناك قوانين قد ساوت في العقوبة بين الفاعل والشريك كالمصري والعراقي، الا ان هناك قوانين اخرى قد فرقت بين العقوبتين، فجعلت عقوبة الفاعل اشد من عقوبة الشريك. ولكن حتى القوانين الاولى التي ساوت في العقوبة لم تجعل هذه المساواة مطلقة. ففي حالات معينه يقرر المشرع للمساهم التبعي عقوبة تختلف عن عقوبة الجريمة والتي هي عقوبة الفاعل. وهذا ما اشارت اليه المادة ( 50 ) من قانون العقوبات العراقي ( كل من ساهم بوصفه فاعلا او شريكا في ارتكاب جريمة يعاقب بالعقوبة المقررة لها مالم ينص القانون على خلاف ذلك ). وفي الحالات التي ينص عليها القانون خلافا لهذه المادة تظهر ثمرة التمييز بين صورتي المساهمة. وهذ اما اخذ به المشرع التونسي في الفصل (34 م ج ).

3- من حيث كونها ظرفا مشددا:
اعتبرت الكثير من القوانين ان المساهمة ظرف مشدد للجريمة، كما فعل المشرع العراقي في جريمة السرقة ( ف2 م440 ) قانون العقوبات العراقي. اما الرأي الراجح في الفقه فلا يعتبر تعدد الجناة ظرفا مشددا الا في حالة تعدد المساهمين الاصليين في الجريمة. وعليه وحسب الراي الاخير لاتعتبر المساهمة ظرفا مشددا للجريمة اذا كان هناك فاعل واحد وان تعدد الشركاء(2).

4- من حيث الصفة الجرمية لفعل الشريك:
ذكرنا بان فعل الشريك يستعير صفته الجرمية من فعل الفاعل الاصلي. وبذلك يكون المعول عليه في فرض العقاب هو صفة الفاعل الاصلي دون صفة الشريك. فاذا ما تخلف ركنا من اركان الجريمة لدى الفاعل الاصلي فلا تعتبر الجريمة قائمة حتى وان توفر ذلك الركن لدى الشريك ، كجريمة الرشوة التي يشترك لتحققها صفة الوظيفة عند الفاعل.



المطلب الثاني
تكييف مسؤولية الشريك

اذاكانت المساهمة تقوم على اساسين، تعدد الجناة ووحدة الجريمة ، كما ان عمل كل مساهم يعتبر ضروري لاكمال النتيجة الجرمية. ولا يهم بعد ذلك ما اذا تشابهت ادوارهم او اختلفت، انما المهم هي توفر علاقة بين المساهم الاصلي والمساهم التبعي والتي تعتبر ضرورية لمعرفة ما اذا كانت الجريمة المرتكبة نفذت بواسطة المساهمة الجنائية ام انها جرائم متفرقة يسأل عنها فاعلها فقط. ولما كانت مسؤولية الشريك تدور وجودا وعدما مع مسؤولية الفاعل فكان لابد من تكييف العلاقة بينهما. وبهذا الصدد انقسم الفقه الى مذهبين ، اخذ المذهب الاول بنظام وحدة الجريمة كأساس لتحديد العلاقة بين الفاعل والشريك بينما تبنى المذهب الاخر نظام تعدد الجرائم.


اولا – نظام وحدة الجريمة ( الاستعارة ):
تذهب هذه النظرية الى ان الافعال سواء كانت ثانوية ( اعمال المساهمين التابعين ) او افعالا اصلية (افعال المساهمين الاصليين ) تؤدي جميعها الى تنفيذ المشروع الاجرامي وبها جميعا تتحقق النتيجة الاجرامية وبهذا نكون امام جريمة واحدة تعاون على ارتكابها اكثر من شخص، وبالتالي يسأل الجميع عن الجريمة التي هي نتاج تعاونهم. اما كيفية تحقق مسؤولية الشركاء مع ان ما يقومون به من اعمال هي مباحة وغير معاقب عليها قانونا. يجيب انصار هذا المذهب بان مسؤولية الشركاء تحققت عن افعالهم المباحة اصلا، من استعارتهم الصفة الجرمية من اعمال الفاعليين الاصليين، وهذه الاستعارة المطلقة.

ترتكز هذه النظرية على فكرة الاستعارة المطلقة بحيث تنقل جرمية الفاعل الى الشريك، فيُسأل الثاني كمسؤولية الاول، ولم تقف عند هذا الحد بل تنقل الى الشريك الظروف المشددة للجريمة. اما لو امتنع الفاعل عن القيام بفعله فلا تتحقق مسؤولية الشريك وبالتالي لايعاقب. فلو ان احدا اعار آخر سكينا لقتل ثالث. اذا نفذ المستعير جريمته وقام بفعل القتل يعتبر الاول شريكا. على الرغم من ان فعل الاعارة لو أُخذ مجردا عن فعل القتل لكان فعلا مباحا ولم يشكل جريمة يعاقب عليها القانون، انما اصبح جريمة نتيجة قيام المستعير بجريمة القتل، وللعلاقة بين القتل والاعارة اصبح الفعل الاخير جريمة، فالاعارة استعارت صفتها الجرمية من فعل القتل وبهذا تحققت مسؤولية الشريك. دليلهم في ذلك لو لم يقم المستعير بجريمة القتل فلا يعاقب الشريك لان فعله مباح.

واخذ المشرع الفرنسي بالاستعارة المطلقة وعنه اخذ المشرع المصري المادة ( 41 ) وكذا فعل المشرع التونسي في الفصل ( 32 م ج ). ولم تسلم نظرية الاستعارة المطلقة من النقد فقد وجهت الهيا انتقادات شديدة منها:

1- انها تربط بين مسؤولية الشريك ومسؤولية الفاعل الاصلي، فلا تتحقق الاولى الا بتحقق الثانية مع العلم ان الشريك في حالات كثيرة يكون اكثر خطورة من الفاعل الاصلي كما في حالة التحريض، واستنادا الى هذه النظرية لا يعاقب المحرِض الا اذا ارتكب المحرَض ما حرض عليه. الامر الذي دفع بعض التشريعات الى اعتبار المحرض شريكا وعاقبته بعقوبة مستقلة، حيث اعتبرت تبعة المحّرض مستقلة عن تبعة المحرَّضَ كما هو الحال في قانون العقوبات السوري المادة ( 216 ).

2- مساواتها بين الفاعل الاصلي والشريك، مع تفاوتهما في الخطورة الاجرامية، لان دور الشريك في الغالب اقل خطورة من دور الفاعل الاصلي.

3- تنسحب ظروف الجريمة وظروف الفاعل الاصلي على الشريك فيكون مشمولا بها.

هذه الانتقادات وغيرها دفعت البعض الى التخلي عن نظرية الاستعارة المطلقة وحلت محلها الاستعارة النسبية، والتي تتفق مع الاستعارة المطلقة في استعارت الصفة الجرمية لفعل الشريك من فعل الفاعل الاصلي، الا انها تفترق عنها في تخفيف العقوبة عن الشريك لان دوره ثانويا قياسا الى دور الفاعل الاصلي. وانقسمت القوانين في تخفيف العقوبة عن الشريك، فمنها نص عليه صراحة الامر الذي جعل تخفيف العقوبة بالنسبة للشريك امرا الزاميا، في حين اتجهت قوانين اخرى اتجاها آخر حيث تركت مسألة تخفيف العقوبة الى تقدير القاضي وهذا مافعله المشرع السوري.
يؤخذ على الاستعارة النسبية انها جعلت افعال الشريك دوما اخف من افعال الفاعل الاصلي ، وهذه ليست قاعدة مضطردة، اذ يمكن في حالات اخرى يحدث العكس. ولما لم تسلم نظرية الاستعارة بشقيها المطلق والنسبي من الانتقادات اتجه بعض الفقهاء الى تبني نظرية الجرائم المتعددة لتكييف مسؤولية الشريك.

ثانيا – نظرية تعدد الجرائم:
ان الاساس الذي تقوم عليه هذه النظرية هو استقلال مسؤولية الفاعل الاصلي عن الشريك، لانها تتبنى فكرة تجزئة الجريمة الى ادوار وكل من هذه الادوار يشكل جريمة قائمة بذاتها. ولما كان دور كل مساهم يشكل جريمة مستقلا عن ادوار الشركاء الاخرين فيُسأل كل فاعل عن نشاطه. وعلى هذا لا يستمد الشريك الصفة الاجرامية لفعله من فعل الاصيل كما هو الحال في نظرية الجريمة الواحدة. انما يسأل عن فعله دون الالتفات الى فعل الاصيل او المساهمين الاخرين. فلو اتفق اكثر من شخص على جريمة قتل فحرض احدهم على القتل فيما اخفى الثاني الفاعل في بيته بينما قام الثالث بتنفيذ الجريمة. فيُسأل الاول عن فعل التحريض بينما تكون جريمة الثاني هي فعل التستر او الاخفاء بينما يُسأل الثالث عن جريمة القتل.
يترتب على ذلك نتيجتان:
1- اذا لم يرتكب الفاعل الجريمة فان الشريك يظل مسؤولا كما في التحريض على القتل. فاذا لم ينفذ المحرَض فعل القتل فان المحرِّض يبقى مسؤولا عن التحريض, لان وفق هذه النظرية كل مساهم يسأل عن فعله ، فلا يستمد فعل الشريك المسؤولية من فعل الفاعل الاصيل.
2- فعل كل مساهم يختص بالظروف التي احاطت به ولا يتأثر بظروف افعال المساهمين الاخرين.

ما يؤخذ على هذه النظرية هو تفتيتها للمشروع الاجرامي بحيث يجعل الجريمة الواحدة تتفرع الى عدة جرائم. اضافة الى انه يقضي على فكرة الخطورة الجنائية للمساهمة.

يلاحظ ان المشرع العراقي وان اخذ بنظام الجريمة الواحدة التي تعتمد اساسا على مذهب الاستعارة المطلقة حيث قرر معاقبة الشريك بنفس العقوبة المقررة للجريمة. الا انه جعل لذلك استثناءات بموجبها يكون للشريك عقوبة تختلف عن عقوبة الفاعل اذا ( نص القانون على خلاف ذلك ) وهذا ما اشارت اليه المادة ( 50 ) من قانون العقوبات العراقي. كما ان المشرع العراقي اخذ بنظرية الاستعارة النسبية عندما ترك للقاضي حق تفريد عقوبة الفاعل والشريك ولم يطبق الظروف الشخصية المشددة للعقوبة والخاصة بالفاعل على الشريك. وبذلك يكون المشرع العراقي قد تفادى الانتقادات الموجهة الى الاستعارة المطلقة والاستعارة النسبية بسلوكه طريقا وسطا بين الاستعارتين.

واخذ المشرع المصري في المادة ( 41 ) بالاستعارة المطلقة وعاقب الشريك بنفس عقوبة الفاعل الا انه استثنى من ذلك حالات نص عليها القانون. ومن نص الفصل (32 م ج ) التونسية يتبين ان المشرع التونسي تبنى نفس المذهب، حيث نقل الى الشركاء جريمة المجرم الاصلي وكذلك نقل اليهم الظروف المادية المشددة. اما في الفصل ( 33 ) فيعاقب الشريك بنفس عقوبة الاصيل مالم ينطبق عليه الفصل ( 53 ).





المبحث الثاني
المساهمة الجنائية في القانون

تناولت التشريعات العقابية المساهمة في الجريمة فذكرت المساهمين الاصلين ثم تناولت الشركاء والعقوبة المقررة لهما وسريان الظروف على الشريك. فجعل المشرع العراقي المساهمة في الجريمة موضوع المواد (47 – 54 ) الواردة في الفصل الخامس من الكتاب الاول. وتناولت المادة (47 ) منه المساهم الاصلي واطلقت عليه اسم الفاعل فيما تناولت المادة (48 ) الشريك. اما المشرع التونسي فقد ذكر في الفصل ( 32 ) الافعال المكونه للركن المادي للمشاركة وذكر انها اما ان تكون سابقة على وقوع الجريمة او متزامنه معها او لاحقة لها وبذلك اتفق مع المشرع المصري في ذكر الافعال اللاحقة على الجريمة وخالف المشرع العراقي كما سنرى ذلك. ولم يختلف المشرع المصري عن المشرع العراقي في تعداده للفاعلين الاصليين في المادة ( 39 ) من قانون العقوبات المصري. اما الشركاء فتم ذكرهم بموجب المادة ( 40 ). وذلك ما سنبحثه في المطلبين اللاحقين:


المطلب الاول
الفاعل في القانو ن العراقي

تناولت المادة ( 47 ) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل بفقراتها الثلاث المساهمين الاصلين واطلقت عليهم الفاعلين . وحالة رابعة اشارت اليها المادة ( 49 ) وهي الشركاء المذكورين في المادة ( 48) اذا حضروا وقت ارتكاب الجريمة او وقت ارتكاب اي فعل من الافعال المكونة لها . وبذلك يكون الفاعلون في قانون العقوبات العراق اربعة وعلى النحو التالي:



1- من يرتكب الجريمة لوحده:
يتبادر الى الذهن من القراءة الاولية للفقرة الاولى من المادة ( 47 ) اعلاه انها اعتبرت ان المساهم هو من يقوم بالفعل لوحده، وفي هذه الحالة لاتتحقق المساهمة لتخلف ركن تعدد المساهمين، وسبق القول ان المساهمة تقوم على ركنين تعدد المساهمين ووحدة الجريمة. واذا كان الامر كذلك فلماذا ذكر المشرع هذه الحالة في موضوع المساهمة ؟ الجواب على ذلك هو ان المشرع افرد المادة ( 47 ) بفقراتها الثلاث الى الفاعلين الاصليين . والفاعل الاصلي هنا يكون قد ارتكب فعل الجريمة لوحدة مع وجود شركاء آخرين ثانويين لم يذكرهم كون الحديث منصبا على المساهم الاصلي . كما لوحرض – أ - آخرهو – ب – لقتل – ج - فاستعار ب سكينا من – د – وقتل ج. فهنا نكون امام مساهم اصلي واحد هو ب الذي نفذ جريمة القتل مع مساهمين آخرين هما ( أ ، د ) الا انهما شركاء وليسا فاعلين.

2- من يرتكب الجريمة مع غيره:
وتتحقق هذه الصورة اذا شارك اكثر من فاعل في ارتكاب الركن المادي للجرية، سواء اكان الركن المادي يتكون من فعل واحد ساهم في اتيانه اكثر من فاعل. كما لو ساهم اثنان في اطلاق النار على شخص فاردياه قتيلا. او ان الركن المادي يتكون من اكثر من فعل ويأتي كل مساهم احد الافعال. ويتحقق ذلك في صورتين:

أ – اذا قام كل مساهم بفعل يكفي وحده لوقوع الجريمة فيعتبر مساهما اصليا، كما لواتى اكثر من مساهم بأفعال متماثلة وكلا منها يكفي قانونا لوقوع جريمة . كما لو اتفق مجموعة من الاشخاص على سرقة منزل وحمل كل منهم قسما من المال المسروق وبما ان جريمة السرقة تتحقق بوضع اليد على مال الغير، فيعتبر كل منهم مساهما اصليا في جريمة السرقة. لان فعل كل مساهم من هؤلاءيشكل جريمة لوحده.

ب – اذا كان فعل كل مساهم لايكفي وحده لتحقق جريمة، ولا يهم ان تكون افعالهم متماثلة ام لا،
انما تقع الجريمة متى اجتمعت جميع افعال المساهمين، فاذا ما اجتمعت افعالهم تحقق الركن المادي للجريمة. كما لو حرر احدهم السند المزور وقام الثاني بالتوقيع عليه، وهنا ساهم الاثنان في الركن المادي للجريمة ووقعت الجريمة باجتماع عملهما.

3- من قام اثناء ارتكابها بعمل من اعمالها:
وهذا ما اشارت اليه الفقرة الثانية من المادة ( 47 ) حيث اعتبرت فاعلا اصليا كل من يقوم بفعل يدخل في تنفيذ الجريمة. وليس المراد من هذه الافعال ان تكون جزء من الركن المادي لان مثل هذه الافعال تشملها الفقرة السابقة، ولو اراد المشرع ذلك لكان تكرارا لا فائدة منه ، انما كان قصد المشرع هو تلك الافعال التي تحقق البدء بتنفيذ الشروع في الجريمة. وذكر المشرع هؤلاء المساهمين لانهم يدخلون في الجريمة دون الدخول بالركن المادي لها الا ان افعالهم تؤدي الى الركن المادي مباشرة(3). مثال هذه الحالة كما لو كسر احدهم باب المنزل ودخل الثاني لسرقته فكلاهما فاعلا اصليا من سرق ارتكب الفعل المكون للركن المادي للجريمة حيث وضع يده على المال ونقل حيازته ، بينما الثاني دخل في ارتكابها ولو لم يات بفعل يعتبر جزء من الركن المادي للجريمة ، الا انه فعل تحقق به البدء بالتنفيذ فهو متصل بالركن المادي ومؤدي اليه.

4- الفاعل المعنوي:
يختلف الفاعل المعنوي عن غيره من الفاعلين فهو لم يشترك باي فعل من الافعال المكونة او المؤدية الى الركن المادي للجريمة. انما يقوم بانتهاز نقطة ضعف في غيره فيستعمله كأداة لتنفيذ جريمته.

اعتبر المؤتمر السابع الذي نظمته الجمعية الدولية لقانون العقوبات في اثينا عام 1957 الفاعل غير المباشر هو من يدفع الى ارتكاب الجريمة منفذا غير مسؤول عنها جزائيا. كما اعتبر المحرض هو من يحمل عمدا شخصا آخر على ارتكاب جريمة (4).

وهنا لابد من التمييز بين المحرض والفاعل المعنوي.فالثاني يدفع شخصا لا يعلم بجرمية العمل الذي يقوم به ولذلك فهو غير مسؤول عن فعله جزائيا كحسن النية او عدم الادراك. كما لوطلب احدهم من آخر في المطار ان يساعده في حمل الحقيبة وتقوم الشرطة بتفتيش الحقيبة فاذا بها مخدرات. اما المحرض فيرتكب جريمته بواسطة شخص يعلم ان ما يقوم به يشكل جريمة وبالتالي فهو مسؤول عن فعله. اضافة لذلك الفاعل المعنوي يعتبر فاعلا اصليا لان الشخص الذي ارتكب الفعل الكون للركن المادي للجريمة ماهو الا وسيلة استخدمها الفاعل المعنوي كما لو استخدم يده في تنفيذ الجريمة او استخدم عربة دفعها تجاه المجني عليه فقتله او اي وسيلة اخرى. كما ان الفاعل المعنوي يشمل معنى اوسع من التحريض الامر الذي حدى بالمشرع العراقي ان يذكر عبارة ( من دفع باية وسيلة ) حتى وان كانت هذه الوسيلة اقل درجة من التحريض.

وقد ظهرت نظرية الفاعل المعنوي والفصل بينها وبين التحريض، لان الاخير يؤدي الى افلات المحرض من العقوبة اذا كان الفاعل للجريمة غير مسؤول جزائيا عنها. بما ان فعل الشريك يكتسب الصفة الجرمية من الفاعل الاصلي وهنا الفاعل الاصلي غير مسؤول وهذا يعني عدم مسؤولية المحرض. لذلك ظهرت نظرية الفاعل المعنوي التي وسعت في مفهوم الفاعل. واخذ بذلك الفقه والقضاء في المانيا (5).
وقد اثار موضوع الفاعل المعنوي جدلا فقهيا واسعا، وانقسم الفقهاء الى مؤيد لهذه النظرية ومعارض لها. وتباينت التشريعات في الاخذ بها، فمن التشريعات من نص عليها صراحة، بينما عزف عن ذكرها القسم الاخر وكأنما ترك امرها للقضاء ليقول كلمته فيها. والمشرع العراقي من اخذ بنظرية الفاعل المعنوي ونص عليها في الفقرة الثالثة من المادة ( 47 ).

4 – الشريك الذي يحضر ارتكاب الجريمة:
ولم تشترط المادة (49 ) من قانون العقوبات العراقي ان يباشر الشريك اي عمل من الاعمال المادية للجريمة بل اكتفت بحضوره اثناء ارتكاب الجريمة ليكتسب صفة المساهم الاصلي. كما لم تشترط المادة ان يكون حضور الشريك وقت تمام الفعل او الافعال المكونة للركن المادي للجريمة بل اعتبرت الشريك مساهما اصليا حتى قبل التنفيذ او المباشرة بأي فعل من الافعال التنفيذية. الا انه ينبغي ان يكون الحضور على علم الشريك ورغبته لا ان يكون نتيجة المصادفة. وتبعا لذلك فمن يراقب الطريق بينما يسرق الاخرون يعتبر مساهما اصليا في الجريمة.

ما اخذ به المشرع العراقي من ان حضور الشريك اثناء ارتكاب الجريمة ليس من ابداعه. انما نادت به النظرية الشخصية حيث جعلت المعيار للتمييز بين الفاعل والشريك معيارا شخصيا قوامه ما يثبت من قصد الجاني بعمله. ولكون الشريك هنا اتخذ خطوة ابعد من الاشتراك وذلك لانه قام بمؤازرة المساهم الاصلي فيها وحضوره دل على رغبته في الدخول في ارتكابها(6).

على ان ماتجب الاشارة اليه هو ما يلي:
1- يشترط في الفاعل الاصلي ان يساهم في دور رئيسي في الجريمة او ان يقوم بعمل يتحقق بموجبه البدء في التنفيذ المحقق للشروع في الجريمة. على ان يكون قد اتى بعمله الاخير وقت تنفيذ الجريمة والا فلايعتبر مساهما اصليا انما شريكا. فلو قام احدهم بكسر الباب ليدخل الثاني للسرقة وفعل دخل وسرق يعتبر كل منهما فاعلا في الجريمة. اما اذا كسر الباب ودخله الثاني في وقت آخر غير وقت الكسر وقام بعملية السرقة فيعتبر الاول شريكا بينما الثاني فاعلا(7).

2 – القصد الجرمي او الجنائي شرط لابد منه لتحقق صفة الفاعل الاصلي في المساهمة. وقد سبقت الاشارة الى هذا الموضوع بالقول ان القصد الجرمي لا يتحقق الا بتحقق نية التداخل في الجريمة لدى المساهم . ما يترتب على ذلك اذا قام اكثر من فاعل في ماديات الجريمة ولم تقم بينهم الرابطة الذهنية فلا نكون امام مساهمة اصلية ، وانما امام عدة جرائم ارتكبها عدة اشخاص ويسأل كل منهم عن الجريمة التي ارتكبها.

3- قد يرتكب احد المساهمين جريمة اخرى غير الجريمة التي تم الاتفاق عليها ولم تكن نتيجة محتملة للجريمة المتفق عليها. ففي هذه الحالة يسأل مرتكبها لوحده عنها دون الاخرين الذين تنحصر مسؤوليتهم عن الجريمة التي اتفقوا عليها. بينما الاول تتحقق مسؤوليته عن الجريمة التي ارتكبها بمفرده والغير متفق عليها ولم تكن نتيجة للجريمة الاصلية، اضافة الى مسؤوليته عن الجريمة المتفق عليها. كما لو اتفق عدة اشخاص على سرقة منزل وفي الطريق صادف احدهم عدوا له فقتله. فلا يسأل عن جريمة القتل الا القاتل. اما اذا كانت الجريمة هي نتيجة محتملة للجريمة المتفق عليها فيُسأل الجميع عنها. كما لو اتفقوا على سرقة منزل واثناء نقل المواد المسروقة احس صاحب المنزل فقتله احدهم ولم يشترك الاخرون بأي فعل مادي او تحريض او غيره في هذه الجريمة. يُسأل الجميع عن جريمتي القتل والسرقة، صحيح ان من قام بالقتل هو شخص واحد ولم يشاركه غيره من المساهمين الا ان جريمة القتل هي ( نتيجة محتملة للمساهمة التي حصلت ) وهذا مانصت عليه المادة ( 53 ) من قانون العقوبات العراقي .

عقوبة المساهم الاصلي:
يعاقب الفاعل او المساهم الاصلي بالعقوبة التي يقررها القانون للجريمة ( المادة 50 ع ع ). ولا يهم ما اذا كان الفاعل قد ارتكبها لوحده او مع غيره حتى لوكان العمل الذي قام به المساهم الاصلي لا يعدو ان يكون شروعا فيها فيما لو أُ خذ بمفرده. كما لو اطلق شخصان النار على المجني عليه وكانت اصابة احدهم هي الاصابة القاتله، يعاقب الاثنان بعقوبة القتل العمد. وهذا ما اخذت به محكمة تمييز العراق بقرارها (ب 1966 ) جنايات ، 1964في 23 /1 / 1965 بقولها ( اذا تحققت المساهمة الاصلية فلا عبرة بالفعل المنسوب الى كل واحد من المساهمين في الجريمة )(8).

ويعاقب المساهم الاصلي بعقوبة الشروع عن الجريمة التي اراد ارتكابها اذا اوقف سلوكه او تخلفت نتيجته لسبب لادخل لارادة الفاعل به. ويلاحظ ان قانون العقوبات العراقي لا يعتبر تعدد الفاعلين الاصليين ظرفا مشددا للجريمة بشكل مطلق. ولكنه جعل تعدد الفاعلين في بعض الجرائم ظرفا مشددا كما في جريمة السرقة.

المطلب الثاني
الشريك في القانون العراقي

تتحقق المساهمة التبعية اذا كان دور المساهم ثانوي في تنفيذ الجريمة، ويطلق على القائم بهذا الدور بالشريك او المساهم الثانوي او التبعي. وغالبا مايكون دور المساهم التبعي مباحا قانونا، وانما يكتسب صفته الجرمية من فعل المساهم الاصلي.

اتجهت معظم التشريعات الى النص على صور المساهمة التبعية ومنها قانون العقوبات المصري في المادة ( 40 ) ، كذلك فعل قانون العقوبات العراقي في المادة ( 48 ). الا ان بعض التشريعات ومنها التونسي ذكرت بعض الاعمال التي تشكل الركن المادي للمساهمة وقسمتها من الناحية الزمنية الى افعال سابقة لوقوع الجريمة ، كالارشاد والتحريض، وافعال متزامنة مع وقوع الجريمة، وهي الاعانة على الاعمال التنفيذية شريطة ان تكون الاعانة فعلا ماديا يقوم به الشريك ولا يشترط فيه ان يكون من الاعمال المكونة للركن المادي اذ لوكانت كذلك لاصبح المساهم فاعلا اصليا لا شريكا كما في حالة التدخل في تنفيذ الركن المادي لجريمة الزنا الفصل
(236 م ج ) والبغاء الفصل (231 م ج). و المشاركة اللاحقة وهي التي اثارت جدلا اذ كيف يشارك شخص في فعل تم قبل تدخله ؟ وان مثل هذا الفعل لا يعتبر مشاركة في الجريمة التي تمت وانما جريمة قائمة بذاتها. وحسما لهذا الجدل ذهبت بعض التشريعات الى اعتبار عملية اخفاء المسروق مساهمة تبعية او اشتراك في جريمة السرقة مثل المشرع التونسي والمصري وقانون العقوبات السوري.

اورد المشرع العراقي في المادة ( 48 ) صور المساهمة التبعية على سبيل الحصر. وهي اما تحصل قبل وقوقع الجريمة او تحصل وقت تنفيذ الجريمة فقط. ولم يذهب المشرع العراقي الى ماذهب اليه المشرع المصري والسوري والتونسي. ادناه الحالات كما وردت في قانون العقوبات العراقي:


1- التحريض:
وهو النشاط الذي يهدف الى التأثير على تفكير شخص بحيث يخلق لديه فكرة المشروع الاجرامي. وان يقوم المحرَّض بتنفيذ موضوع التحريض. كما لوحرض شخص آخر على القتل ووقعت جريمة القتل بناء على التحريض. ويشترط في محل التحريض ان يكون جريمة قانونا. ولا يقع التحريض في غير ذلك كما لوحرض شخص آخر على الكراهية فان هذا التحريض لا يحقق المساهمة التبعية في جريمة القتل فيما اذا قتل احد الشخصين الاخر.

يتحقق التحريض اذا كان مقرونا بوعد او وعيد او هدية او مخادعة او غيرها من الامور التي تدفع المحرَّض الى التفكير جديا بارتكاب الجريمة المحرض عليها. واغفل المشرع العراقي تعداد وسائل التحريض كما فعلت بعض التشريعات ومنها المصري والليبي والكويتي، خلافا لما ذهبت اليه بعض التشريعات. وقد احسن المشرع العراقي صنعا اذ ترك موضوع تقدير هذه الوسائل الى تقدير قاضي الموضوع.

وينبغي ان يكون التحريض مباشرا، ويكون كذلك اذا انصب على موضوع يعتبر جريمة. اما اذا انصب على فعل لايعتبر جريمة فلا يصلح ان يكون وسيلة للمساهمة التبعية. فأثارة البغضاء بين شخصين لا يحقق المساهمة التبعية في جريمة القتل العمد فيما لوقام احدهما بقتل الثاني.

كما ينقسم التحريض الى تحريض عام عندما يوجه الى مجموعة من الناس وفي هذه الحالة يكون علنيا عن طريق استخدام وسائل الاعلام لايصاله الى هذه الجماعة. والى تحريض خاص او فردي عندما يكون موجها الى شخص معين او اشخاص معينين. والتحريض العام اكثر خطورة من الخاص.

ولخطورة التحريض يعتبر في بعض الحالات اكثر خطورة من من الفعل الذي يقوم به المحرَّض.ولذلك عمدت بعض التشريعات الى المعاقبة على التحريض حتى لولم ينتج آثاره. وبذلك يعتبر جريمة مستقلة خارجا عن نطاق المساهمة التبعية. كما هو الحال في التحريض على التمرد والعصيان.



2- الاتفاق:
لم يعرف قانون العقوبات العراقي الاتفاق. وعرفه البعض بأنه ( انعقاد ارادتين او اكثر على ارتكاب الجريمة ، اساسه عرض من احد الطرفين يصادفه قبول من الطرف الاخر )(9). ويمكن تعريفه بانه التقاء ارادتين او اكثر بشكل متساوي وانعقادها على فعل شئ او الامتناع عن فعله واظهاره الى العلن بالقول او الكتابه او الاشارة.

ومن التعريف السابق يظهر الفرق بين الاتفاق والتحريض، ففي الاول تتساوى الارادات بينما تختلف في الثاني لان ارادة المحرِّض تكون ذات تأثير وتعلو ارادة المحرَّض. كما ويظهر الفرق بين الاتفاق والتوافق. في ان الاول يعني اتجاه ارادتين نحو موضوع معين وانعقادهما ، بينما التوافق يلتقي معه في اتجاه ارادتين او اكثر نحو موضوع معين ولكن يفترق عنه في عدم انعقاد هذه الارادات على ذلك الموضوع وانما هو فقط توارد خواطر. كما لواراد شخص قتل شخص واراد ثالث قتل نفس الشخص دون ان يكون بينه وبين الاول اتفاق على موضوع قتل المجني عليه، وان قيام احدهما بالقتل دون الثاني لا يجعل من الثاني شريكا له لعدم وجود الاتفاق بينهما وانما هو توارد خواطر لم يصل الى مرتبة الاتفاق.

وقد اعتبر قانون العقوبات العراقي التحريض من وسائل المساهمة التبعية، ولم ينفرد في هذا الموقف بل اخذت به قوانين اخرى مثل قانون العقوبات المصري في المادة ( 40 )، والجزاء الكويتي المادة (48 ) فقد اعتبرا الاتفاق من وسائل المساهمة التبعية ايضا. في حين لم تأخذ بهذا الاتجاه قوانين اخرى كالقانون الليبي.

اشترطت الفقرة الثانية من المادة ( 48 ) من القانون العراقي في الاتفاق حتى يكون وسيلة من وسائل المساهمة الجنائية ان تقع الجريمة بناء على هذا الاتفاق. فاذا ماحصل الاتفاق ولم تقع الجريمة فلا يعتبر اتفاقا معاقبا عليه. وهنا يجب التمييز بينه وبين الاتفاق كجريمة مستقلة مثل الاتفاق الجنائي والاتفاق على التمرد والعصيان.

3- المساعدة:
وتعني تقديم العون الى الفاعل بحيث يرتكب جريمته بناء على هذا العون. وكما يمكن ان يكون العون ايجابيا كتقديم الوسائل التي تسهل او تهئ للفاعل الاتيان بفعله، كذلك يكون سلبيا كالامتناع عن تقديم المساعدة للحيلولة دون وقوع الجريمة مع استطاعته ذلك رغبة منه في وقوعها. ولا يشترط في المساعدة ان تكون مادية بل يمكن ان تكون معنوية كتقديم معلومات الى الجاني تمكنه من اتمام جريمته. واذا كان المشرع العراق قد اهمل تعريف المساعدة وقد فعل حسنا لان التعريف من اختصاص الفقهاء وليس المشرعين، وحتى يترك حرية التحرك للقاضي في تقدير هذه الوسائل. الا ان بعض الكتاب عرفها بأنه ( تقديم العون ايا كانت صورته الى الفاعل فيرتكب الجريمة بناء عليه ). الا ان هذا التعريف يهمل الجانب السلبي للمساعدة، فهو يشير الى تقديم العون ولم يتطرق الى الامتناع عن تقديمة مع التمكن من ذلك رغبة في وقوع الجريمة.

لذلك فالتعريف الاوفق للمساعدة حسب مايراه الباحث هي سلوك ايجابي او سلبي يقوم به شخص يكون وسيلة لتقديم العون المادي او المعنوي الى شخص آخر يستند عليه في ارتكاب جريمته.

واشارت الفقرة الثالثة من المادة ( 48 ) من القانون العراقي الى حالتين بهما تتم المساعدة او العون:
أ- الوسائل المجهزة:
وهي الاعمال التي تسبق وقوع الفعل المادي لتنفيذ الجريمة كأعطاء التعليمات للفاعل عن كيفية القيام بفعله ، اوعن كيفية التخلص من الصعوبات التي تعترض سبيله. او ان يقدم للفاعل آلة تسهل عليه كسر الباب لغرض السرقة.

ب- الوسائل المسهلة او المتممة:
وتعني مايقدم للفاعل من وسائل اثناء ارتكابه الجريمة ، فما ان يقوم الفاعل بالاعمال التنفيذية حتى يأتيه العون من المساعد لاتمامها. ومن هنا يتبين ان الفارق بينها وبين الوسائل المجهزة هو فارق زمني ، فبينما تقدم الاولى والفاعل في المراحل الاولى لتنفيذ الجريمة ، تقدم الثانية والفاعل في المراحل الاخيرة لمشروعه الاجرامي. كما لو اعاق المساعد وصول المسعف الى المجني عليه بعد ان اطلق عليه الفاعل النار لقتله.

ويخالف المشرع العراقي كلا من المشرعي المصري والسوري في موضوع المساعدة اللاحقة على ارتكاب الجريمة. فاعتبر القانون العراقي ان المساعدة اللاحقة لاتحقق المساهمة التبعية وانما تكون جريمة قائمة بذاتها فيما اعتبر المشرع السوري والمصري ان الاعمال اللاحقة على ارتكاب الجريمة هي من صور المساهمة التبعية كما في حالة اخفاء الاموال المسروقة.

عقوبة المساهم التبعي:
اتخذت التشريعات الجنائية بشأن مسألة عقوبة المساهم التبعي اتجاهين:
- اتجاه يقرر للمساهم التبعي نفس عقوبة الفاعل وهي العقوبة المقررة للجريمة التي ساهم فيها. وبذلك يكون اصحاب هذا الاتجاه قد ساووا بين المساهم الاصلي والتبعي في العقوبة. وحجتهم في ذلك ان الجريمة التي ساهم في تنفيذها المساهمون الاصليون والتبعيون هي مشروع اجرامي واحد اتفق الجميع على تنفيذه وتحمل تبعاته. وهذا ما نادت به مدرسة الاستعارة المطلقة ومن القوانين التي اخذت بهذا الاتجاه القانون المصري والقانون الليبي والقانون العراقي.

على ان المشرع العراقي الذي ساوى في العقوبة بين الفاعل والشريك اشار في المادة (50 )على عقوبة الشريك حتى وان ظهرت اسباب تمنع معاقبة الفاعل وذكرت حالتين :

1- حالة عدم توفر القصد الجنائي لدى المساهم الاصلي:
واذا كان تخلف الركن المعنوي عند الفاعل مانعا من عقوبته لعدم تحقق مسؤوليته، فانه لا يكون مانعا من عقوبة الشريك متى توافر القصد الجنائي لديه في ارتكاب الجريمة. وفي هذه الحالة اقر المشرع اختلاف مسؤولية الشريك عن مسؤولية المساهم الاصلي.

واذا كان المشرع العراقي قد وفق في الفصل بين مسؤولية الفاعل والشريك الا انه قد وقع في خطأ التكرار او التناقض اذ ان هذه الحالة عالجتها الفقرة الثالثة من المادة 48 في موضوع الفاعل المعنوي، اما تناقضه مع الحالة السابقة فهو قد اعتبر الفاعل المعنوي فاعلا اصليا في حين اعتبره في هذه الحالة شريكا ، وهو تناقض ينبغي رفعه.

2- الاحوال الاخرى:
ويقصد منها موانع العقاب. فاذا ما قامت موانع تمنع عقاب الفاعل فان هذه الموانع لاتسري على الشريك الا في حالة تحققها فيه. كما لو تزوج الخاطف بمن خطفها فمثل هذا الزواج يمنع عقاب الفاعل ولكنه لا يسري على شريكه الذي ساعده على الخطف. واذا كان المشرع العراق قد اكد في الحالة الاولى استقلال الشريك عن الفاعل في المسؤولية فقد اكد في هذه الحالة على استقلالهما في المصير.


- بينما سلك فريق آخر من المشرعين اتجاه اخر حيث فرق بين عقوبة المساهم الاصلي والمساهم التبعي، وجعل عقوبة الثاني اخف من عقوبة الاول في الجريمة التي ساهموا فيها جميعا. واخذ قانون العقوبات السوري والاردني بهذا الاتجاه. حجتهم في ذلك اختلاف دور الفاعل عن دور الشريك في المساهمة الجنائية ، اذ يعتبر دور الفاعل اهم من دور الشريك في تنفيذ الجريمة. وهذا ما نادى به اصحاب الاستعارة النسبية.


المصادر :
1 – قانون العقوبات القسم العام كتاب يدرس في جامعة بغداد ممزق الغلاف ل يوجد عليه المعلومات .
2- السعيد مصطفى السعيد ، والدكتور محمد كامل مرسي ، قانون العقوبات المصري الجديد ، الجزء الاول ، القاهرة ، 1946 .
3- المصدر السابق .
4 – د. محمود محمود مصطفى ، نموذج لقانون العقوبات ، الطبعة الاولى ، مطبعة جامعة القاهره والكتاب الجامعي ، 1976 .
5 – د. سامح السيد جاد ، مبادئ قانون العقوبات ، القاهرة ، 1987 .
6 – د . علي حسين الخلف ، الوسيط في شرح قانون العقوبات ، بغداد ، 1968 .
7 – د . محمود نجيب حسني ، دروس في قانون العقوبات القسم العام ، القاهرة ، 1957 .
8 - مجلة القضاء ، 1966 ، العدد الثاني .
9 – د.محمود نجيب حسني ، علم العقاب ، القاهرة ، 1967 .