Warning: Function get_magic_quotes_gpc() is deprecated in /home/forumbs/public_html/includes/class_core.php on line 1960
مدى سيادة الدولة في المسائل الجنائية [الأرشيف] - منتديات بانى ستار

المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مدى سيادة الدولة في المسائل الجنائية



Bakenam
01-28-2009, 05:51 PM
مدى سيادة الدولة في المسائل الجنائية


مجلة المحاماة - العدد الثالث
السنة التاسعة

مدى سيادة الدولة في المسائل الجنائية
بحث في القانون الجنائي الدولي مع بعض تطبيقات بالنسبة لمصر

سيادة الدولة من الوجهة الخارجية:
سيادة الدولة بصفة عامة “ Souveraineté ” هي حقها في العمل داخل البلاد وخارجها بما تراه في صالح الوطن وذويه فبالنسبة للخارج أي بعلاقات الدولة مع غيرها من الدول تعتبر السيادة خارجية وتظهر في الوجود حيث التمثيل الخارجي للدولة وحتى إعلان الحرب وإجراء المفاوضات مع الدول الأجنبية.
من الوجهة الداخلية:
أما بالنسبة لأعمال الدولة داخل إقليمها فتعتبر السيادة داخلية فالدولة حرة في اختيار نظام الحكم الذي تسير عليه ووضع الأنظمة الداخلية التي تراها ومن مقتضيات هذه السيادة أن يكون للدولة الحق في وضع قوانينها وإنشاء المحاكم لتطبيق هذه القوانين ومجازاة من يخالف أحكامها ومنع الأجرام في إقليمها.
تحديد السيادة بإقليم الدولة:
كل هذا ناتج من السيادة الداخلية ولكن هذه السيادة محدودة بحدود إقليم الدولة - أي تنتهي هذه السيادة عند الحد الجغرافي لأرض الدولة - فإذا ارتكب مجرم جريمة على هذه الأرض وفرّ إلى خارج حدود البلاد فلا تستطيع رجال الدولة أن تتبعه لتقبض عليه ولكن لا يفيد هذا أنها تتركه وشأنه بل لها أن تطلب بالطرق السياسية تسليمه من الدولة التي لجأ إليها - ويتم التسليم طبقًا لقواعد يحددها القانون الدولي ويمكن بيان أهمها فيما يلي:
مقارنه التسليم بالأبعاد:
1 - تسليم المجرمين (Extradition)- هذا التسليم هو عبارة عن التخلي عن الشخص المتهم بارتكاب جريمة أو المحكوم عليه جنائيًا للدولة التي يحق لها محاكمته وتوقيع العقاب عليه وهو يخالف الطرد أو الأبعاد (Expulsion) وهو تخلص الدولة من أجنبي تجد في وجوده خطرًا على الأمن في إقليمها أو ترى أن بقاءه في أرضها يدعو لعدم الطمأنينة فتبعده إلى خارج الحدود دون أن تسلمه لأي دولة - ولا يهم في حالة الطرد أن تكون هناك دولة أخرى تطلب تسليم هذا الشخص بل قد يحدث أن يكون الشخص المبعد غير متهم بارتكاب جريمة في أي بلد من البلاد وإنما تطرده الدولة لأنها تجد أن مصلحتها تدعو لذلك - فالطرد أو الأبعاد هو عمل إداري لا تنظر فيه الدولة لصالح دولة أخرى أجنبية بل هي تراعي فيه صالحها الخاص.
معاهدات التسليم:
أما تسليم المجرمين فهو عمل له صبغة قضائية ويحصل بالطرق السياسية وينظم عادةً في معاهدات تعقدها الدول فيما بينها - وقد عرف التاريخ معاهدات عديدة من هذا القبيل ويقال إن أقدم معاهدة عقدت في سنة 1300 قبل الميلاد بين رمسيس الثاني فرعون مصر وبين ملك الحيثيين في ذاك الوقت وكان الغرض منها توثيق عرى المودة والتحالف بين الملكين ونص فيها على ضرورة تبادل تسليم المجرمين الذين يهربون من أحد البلدين إلى الآخر - وعقدت في القرون الوسطى معاهدات أخرى خاصة بتسليم المجرمين منها معاهدة في سنة 1174 ميلادية بين إنجلترا وأيقوسيا ومعاهدة في سنة 1303 بين إدوارد الثالث ملك إنجلترا، وفيليب الرابع ملك فرنسا - غير أن هذه المعاهدة هي في الواقع اتفاق خاص بإبعاد أشخاص خطرين معينين في مدة خمسة عشر يومًا من تاريخ طلب ذلك - وقد توالى عقد الاتفاقات الخاصة بالتسليم في العصور الحديثة وخصوصًا في القرن التاسع عشر.
قوانين التسليم:
وعقدت الحكومة المصرية اتفاقًا مؤقتًا مع حكومة فلسطين بشأن تسليم المجرمين بتاريخ 21 ديسمبر سنة 1922 كما أن هناك اتفاق آخر بين حكومتي مصر والسودان بشأن تسليم المجرمين وتبادل إعلان الأوراق القضائية صدر به قرار مجلس الوزراء بتاريخ 17 مايو سنة 1902، وكذلك صدرت في كثير من البلاد قوانين لتحديد قواعد تسليم المجرمين وكانت بلجيكا أول الدول في سن مثل هذه القوانين في الأزمنة الحديثة إذ أصدرت قانونًا بهذا الشأن في سنة 1833، وتعدل على عدة مرات حتى سنة 1893، وكذلك أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والبرازيل واليابان والمكسيك وهولندا وغيرها قوانين خاصة بتسليم المجرمين ونصت بعد الدول على قواعد التسليم في قوانينها الجنائية من ذلك ألمانيا حيث جاء ذكر هذه القواعد في المادة التاسعة من قانون العقوبات الألماني وفنزويلا حيث نص عليها في القانون الجنائي الذي أصدرته سنة 1903.
القواعد العامة لتسليم المجرمين:
ولكن ليس من الضروري لإمكان تسليم المجرمين أن تكون هناك اتفاقات أو قوانين تنظم ذلك بل يقضي الرأي الراجح بجواز التسليم ولو لم يكن هناك اتفاق أو قانون إذ يرجع أساس تسليم المجرمين إلى التضامن العام الذي يجب أن ترتبط به الدول لمنع الإجرام وفي الواقع تقبل دول كثيرة تسليم مجرمين لدول أخرى دون أن تكون هناك معاهدات تنظم هذا التسليم وقد نص في اتفاقية جنيف التي عقدت في 30 سبتمبر سنة 1921 لمنع الاتجار بالرقيق الأبيض على إلزام الدول المتعاقدة بتسليم المتجرين به حتى ولو لم تكن هناك معاهدات خاصة بذلك ولكن لا يعني هذا أنه عند عدم وجود معاهدات أو قوانين لا تكون هناك قواعد لتنظيم تسليم المجرمين فأحكام القانون الدولي العام قد حددت كثيرًا من هذه القواعد العامة وهي تطبق في أحوال عديدة وكثيرًا ما أشير إليها في المعاهدات والقوانين الخاصة بالتسليم ويمكن تلخيص أهمها فيما يأتي:
عدم تسليم الوطنيين:
أولاً: لا يجوز تسليم الوطنيين الذين يرتكبون جرائم في الخارج - وهذا هو الرأي المتبع في البلاد الغربية ما عدا إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية إذ القانون الجنائي فيهما إقليمي محض أي يطبق على الجرائم التي ترتكب داخل الإقليم ويستند أنصار الرأي القائل بعدم تسليم رعايا الدولة على أن هؤلاء يجدون في دولتهم ضمانة قوية وعدلاً تامًا بعيدًا عن الهوى - وقد يكون في تسليمهم للقضاء الأجنبي تعريضهم لسلطة أجنبية تتحيز ضدهم بسبب جنسيتهم ويقولون أيضًا أن في تنازل الدولة عن شخص من رعاياها ليحاكم في دولة أخرى تنازل عن جزء من سيادتها وليس هناك ما يدعو لذلك إذ المتهم الوطني لن يفلت من العقاب على ما اقترفه في الخارج فهو سيحاكم أمام محاكم دولته أي أمام قضاته الطبيعيين [(1)].
أدلة الرأي القائل بتسليمهم:
ويقول أنصار الرأي العكسي القاضي بوجوب تسليم الوطنيين أنه لا يوجد في ذلك ما يمس سيادة الدولة أو كرامتها بل فيه مساس بالدولة الأجنبية للاعتقاد بأن محاكمها تتحيز ضد الأجانب وإذا كان هذا الاعتقاد صحيحًا فلا يجب إذن تسليم المجرمين كلية سواء أكانوا من الوطنيين أو من غيرهم ما دام يخشى تعريضهم لسلطة متحيزة ثم أن تسليم المجرم للدولة التي ارتكب جريمته في أرضها هو في الواقع تسليم للقضاة الطبيعيين الذين يحق لهم الحكم فيما وقع من الجرم إذ ليس قضاة الدولة التي يتبع المجرم جنسيتها بالقضاة الطبيعيين في هذه الحالة وإنما القضاة الطبيعيين هنا هم قضاة المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة حيث اختل النظام الاجتماعي وحيث يمكن إجراء التحقيق بدقة والحكم على ما وقع حكمًا عادلاً - ويظهر الضرر من رفض تسليم المجرم الوطني ظهورًا جليًا عندما يكون شريكًا لأجنبي في ارتكاب الجريمة فيسلم أحدهما للدولة التي ارتكبت الجريمة في بلادها ويحاكم الوطني أمام محاكم دولته فينتج من ذلك وجود قضيتين مختلفتين عن جريمة واحدة وقد يحدث أن يصدر حكمان متناقضان أو عقوبتان مختلفتان مع أن ذلك ليس في مصلحة العدل.
رأي وسط:
هذه هي أدلة الرأيين في مسألة تسليم الوطنيين ولكن الرأي المتبع للآن في أكثر الدول هو رأي القائلين بعدم التسليم ومحاكمة الوطنيين أمام دولتهم [(2)]، واعتقد أن كلا الرأيين فيه شيء من التطرف وأنه وإن كان يحسن الأخذ بنظرية عدم تسليم الوطنيين بصفة عامة إلا أنه من الأفضل عدم وضع قواعد جامدة لمثل هذه المسألة فيجاب مثلاً طلب تسليم الوطني إذا كان مشتركًا في الجريمة مع آخرين ستجري محاكمتهم في الدولة التي تطلب التسليم، وذلك حتى تتوحد محاكمة المتهمين في ارتكاب جرم واحد وكذلك يسلم الوطني إذا كانت محاكمته في الدولة الطالبة في مصلحته كأن يكون العقاب الذي ينص عليه قانونها أخف من العقاب الذي ينص عليه قانون الدولة المطلوب منها التسليم - وبعبارة أخرى يجاب طلب تسليم الوطني إذا كان في تسليمه مصلحة للعدل أو للمتهم أما إذا لم توجد هذه المصلحة فمن الأفضل محاكمة الوطني أمام محاكم دولته.
التجنس اللاحق:
أما التجنس اللاحق فلا يمنع من التسليم أي أن الأجنبي الذي يرتكب جريمة في الخارج ثم يقيم في إقليم الدولة ويتجنس بجنسيتها يجوز تسليمه لمحاكمته عن الجريمة التي ارتكبها قبل تجنسه وقد نص على هذا المبدأ في كثير من الاتفاقات الخاصة بالتسليم كالاتفاق الذي عقد بين إنجلترا والبرازيل في 18 نوفمبر سنة 1872 والاتفاق الذي عقد بين إنجلترا وفرنسا في 14 أغسطس سنة 1876، وهذا المبدأ وإن كان متفقًا مع القواعد العامة إلا أن الرأي عليه ليس إجماعيًا بل تقرر عنه في بعض القوانين من ذلك القانون البلجيكي الخاص بتسليم المجرمين الذي صدر في سنة 1874 إذ قرر أن التجنس يكون له أثر رجعي، وكذلك جاء أيضًا في المعاهدة التي عقدت في 5 فبراير سنة 1873 بين إيطاليا وبريطانيا والمعاهدة التي عقدت في 28 مارس سنة 1877 بين فرنسا والدانيمارك نص يبيح التسليم في هذه الحالة وإنما يشترط له مدة معينة.
عدم تسليم المجرمين السياسيين:
ثانيًا: لا يجوز تسليم المجرمين السياسيين وذلك مراعاة للإنسانية والشفقة فالدولة التي تطلبهم إنما تريد أن توقع بهم شر عقاب وفضلاً عن ذلك فالجرائم السياسية تتغير بتغير الأحوال والمجرم السياسي قد يصبح رئيسًا للدولة إذا نجح وقد اتفق على هذا المبدأ منذ منتصف القرن التاسع عشر - أما قبل ذلك فلم يكن هناك مبدأ مسلم به بهذا الشأن بل كان كثيرًا ما يحصل التسليم لأسباب سياسية ولكن دون أن تكون هناك قاعدة لذلك إذ كان الأمر يتبع الميل الموجود في الدولة اللاجئ لها المجرم نحو الدولة الطالبة له فكان يحصل التسليم من باب المجاملة أو بسبب خوف الدولة من جراء رفضه أو بناءً على الضغط عليها من الدولة التي تطلب المجرم [(3)] أو غير ذلك من الأسباب - على أن الرأي القائل بعدم تسليم المجرمين السياسيين لم يعدم إذ ذاك أنصارًا يعترضون على حصوله - فمن ذلك ما وقع من بونابرت سنة 1801 إذ اعترض على ما فعله مجلس شيوخ هامبورج إذ ذاك من تسليم بعض أرلنديين متهمين بالثورة إلى إنجلترا التي طلبت تسليمهم لمحاكمتهم وقد كان اعتراض بونابرت قويًا إذ قال إن هذا العمل يخالف قواعد الضيافة بشكل تخجل منه القبائل الرحالة في الصحراء وهاك بعض ما كتبه بونابرت في ذلك

(..... la vertu et le courage sont le soutien des Etats, la servilité et la bassesse les ruinent, vous avez volé les lois de I’hospitalité d’une manière qui aurait fait rougir les tribus nomades du désert.)

أما الآن فلم يبقَ شك في أن عدم تسليم المجرمين السياسيين أصبح من القواعد المسلم بها في القانون الدولي العام وقد نص عليه في قوانين أكثر البلاد المتمدينة وفي كثير من الاتفاقات الدولية وهو وارد في الدستور المصري في المادة (151) التي تقضي بأن تسليم اللاجئين السياسيين محظور (وهذا مع عدم الإخلال بالاتفاقات الدولية التي يقصد بها المحافظة على النظام الاجتماعي)، وقد ورد أيضًا في الاتفاق المؤقت الذي عقد بين الحكومة المصرية وحكومة فلسطين بشأن تسليم المجرمين بتاريخ 21 ديسمبر سنة 1922 إذ نص فيه على استثناء الجرائم السياسية من أحكام التسليم.
الجرائم السياسية - الجرائم المختلطة:
وليست هناك صعوبة في تمييز الجريمة السياسية البحتة إذ هي الجريمة التي يكون موضوعها سياسيًا صرفًا كالمؤامرات التي تدبر لتغيير نظام حكومة من الحكومات وإنما هناك صعوبة في تمييز الجرائم المختلطة أي التي تدخل ضمن جرائم القانون العام وإنما تقع لغرض سياسي كالقتل والتعدي على الملكية - ويرى بعض الكتاب أن هذه الجرائم لا تخرج عن كونها جرائم عادية [(4)]، وقد جاء في الاتفاق المؤقت الذي عقد بين الحكومة المصرية وحكومة فلسطين ما يفيد الأخذ بهذا الرأي إذ نص في المادة الثامنة منه أنه لا تعد من الجرائم السياسية الجرائم الآتية:
(جرائم الاعتداء والنهب والسرقة بإكراه والتعدي على شخص جلالة ملك مصر أو شخص المندوب السامي لحكومة بريطانيا في فلسطين).
آراء مختلفة:
وبعبارة أخرى اعتبر الاتفاق المشار إليه أن هذه الجرائم لا تخرج مطلقًا عن الجرائم العادية - ولكن هذا الرأي ليس متفقًا عليه إذا يرى البعض أن تعتبر جرائم القتل والتعدي على الملكية من الجرائم السياسية إذا وقعت لغرض سياسي وورد ذلك فعلاً في بعض المعاهدات كمعاهدة فرنسا مع سويسرا المعقودة سنة 1869، وفي بعض القوانين أيضًا كالقانون الإيطالي - ويرى البعض الآخر أن يفرق بين الجريمة السياسية وبين الجريمة العادية فيسلم المتهم ليحاكم عن الجريمة العادية فقط [(5)]، وهناك فريق آخر يبحث عن العنصر الأكبر في الجريمة فإذا كان هو العنصر السياسي كانت الجريمة سياسية وإذا كان غير ذلك كانت عادية [(6)]، وقد أخذ بهذا الرأي القانون السويسري الصادر في سنة 1862 إذ ورد في المادة العاشرة منه أنه يجوز التسليم حتى ولو ادعى المتهم وجود غرض أو قصد سياسي إذا كانت الجريمة تكون في الغالب جريمة عادية على أن يترك تقدير هذه الصفة للمحكمة المركزية السويسرية وعلى أن يشترط عدم التشديد على المتهم بسبب غرضه السياسي وها هو نص المادة

L’extradition ne sera pas accordée pour les infractions politiques = elle sera accordée, alors même que le coupable alléguerait un motif ou un but politiqe, si I’infraction pour laquelle elle est demandée constitue principalement un délit commun.
Le tribuna fédral appréciera, dans chaque cas particulier, le caractèr de I’ifraction selon les faits de la cause.
Lorsque l’extradition sera accordée, le Conseil fédéral y mettra la condition que Ia personne don’t l’extradition est demandée, ne sera pas traitée d’une facon plus rigoureuse à cause de son motif ou de son but politique.

وقد جاء في القانون البلجيكي الذي صدر في 22 مارس سنة 1856 وفي أكثر معاهدات التسليم نص خاص يقضي باستثناء الاعتداء بالقتل أو بالسم على شخص رئيس حكومة أجنبية أو أعضاء عائلته وعدم اعتبار هذا الاعتداء من الجرائم السياسية [(7)]، وقد انتقد بعض الكتاب هذا النص وقالوا بأن الواجب توسيع الاستثناء حتى يشمل جرائم الاعتداء على كل رجال الحكم في الدولة من أكبر الرؤساء إلى أبسط الجنود (راجع في ذلك كتاب الأستاذ لورنس المطول صفحة 242 من الطبعة السابعة
(Laurence, Principles of International Law p. 242).
أما الجرائم التي تقع أثناء ثورة داخلية أو حرب أهلية فالرأي الراجح بشأنها أنها تعتبر من الجرائم السياسية إذا كانت مما يقع عادةً في الحروب المنظمة وتسمح به قواعد الحرب وعاداتها وقد قرر المعهد الدولي الذي عقد في جنيف سنة 1892 بجواز التسليم في حالة ارتكاب أعمال متوحشة تمنعها قواعد الحرب وإنما يكون ذلك بعد انتهاء الثورة - وقرر هذا المعهد أيضًا أن لا يعتبر ضمن الجرائم السياسية الجرائم التي توجه ضد قواعد النظم الاجتماعية بصفة عامة دون أن تقصد بها دولة خاصة أو شكل حكومة معينة.

Ne sont point réputée délits politiques, au point de vue de l’application des règles qui précèdent, les faits délietueux qui sont dirigée contre les ****s de toute organisation sociale et non pas seulement contre tel état déterminé ou contre une telle forme de gouvernment.


وعلى ذلك يمكن تطبيق هذا النص الآن على جرائم الشيوعية والجرائم التي يقصد بها هدم نظام الملكية فلا تعتبر من نوع الجرائم السياسية التي تعفي من التسليم.
ونفس الأسباب التي دعت لتقرير إعفاء المجرمين السياسيين من التسليم دعت أيضًا إلى تقرير إعفاء الفارين من الخدمة العسكرية فهم لا يسلمون للدولة التي فروا من خدمتها إذ لا يعدون من طبقة المجرمين العاديين الذين يجب على الدول أن تتضامن لمجازاتهم والدول ترفض عادةً تسليم هؤلاء الفارين إلا إذا كانت هناك معاهدات تقضي بعكس ذلك كما حصل أثناء الحرب العظمى بين بعض الدول [(8)]، ولكن لا تسري هذه القاعدة على الفارين من البحارة إذ يجاب دائمًا طلب تسليمهم سواء أكان فرارهم من سفينة بحرية أو سفينة تجارية، وذلك حرصًا على الملاحة ومنعًا لتعطيل السفن إذ فرار بحارة سفينة عند رسوها في ميناء دولة أجنبية قد يؤدي إلى الإضرار بالسفينة ويمنعها من متابعة سيرها.
وكذلك تعفى من التسليم الجنود المتهمين بجرائم عسكرية غير الفرار مثل عدم إطاعة الأوامر أو الخيانة أو التجسس أما الجرائم العادية التي يرتكبها الجنود فلا تعفى من التسليم بحجة وقوعها من عسكريين بل ينظر إليها كما ينظر للجرائم السياسية المختلطة التي سبقت الإشارة إليها وقد حصل فعلاً أثناء الحرب العظمى أن طلبت ألمانيا من حكومة هولندا تسليم بعض الفارين من الجيش الألماني الذين ارتكبوا جرائم عادية يجوز فيها التسليم طبقًا لمعاهدة تسليم المجرمين المعقودة بين هولندا وألمانيا فأجابت الحكومة الهولندية بأنها مستعدة لتسليم هؤلاء الجنود بشرط أن تؤكد لها ألمانيا بأن تعطي لهم الفرصة في ترك الأراضي الألمانية بعد انتهاء الإجراءات واستيفاء العقوبة المتعلقة بالجرائم التي طلب التسليم من أجلها - ولقد رفضت ألمانيا قبول هذا الشرط بصفة عامة ولم تعطَ التعهد الذي طلبته هولندا إلا في بعض أحوال استثنائية.
أما الأعمال التي يرتكبها الجنود في حرب من الحروب وتكون مخالفة لقواعد الحرب وعاداتها فالرأي الراجح أنه يجوز تسليم المتهمين بارتكابها لأنها بعيدة عن الجرائم السياسية التي يكون أساسها اختلاف في الرأي أو المذهب السياسي لأن الأعمال المخالفة لقواعد الحرب كالنهب والتخريب والسرقة هي كالجرائم العادية وليس هناك ما يبرر ارتكابها [(9)].
ثالثًا: من القواعد المتفق عليه بين جمهور العلماء أنه لا يجوز التسليم إلا إذا كان العمل المطلوب التسليم من أجله معاقبًا عليه في الدولة الطالبة وفي الدولة المطلوب منها التسليم وإذا كان التسليم مطلوبًا لتنفيذ حكم صادر على المتهم فيشترط أيضًا أن لا يكون الحكم نفذ بتمامه ويستثني بعض الكتاب الحالة التي يكون فيها العمل غير ممكن الوقوع في الدولة المطلوب منها التسليم بسبب أنظمتها الخاصة أو موقعها الجغرافي كأن يكون التسليم مطلوبًا عن تعدٍ وقع على السكك الحديدية ولم يكن هناك نص يعتبر مثل هذا العمل معاقبًا عليه في البلد المطلوب منها التسليم بسبب عدم وجود سكة حديدية فيها.
وهذه القاعدة من القواعد التي وضعها المعهد الدولي في اجتماعه باكسفورد سنة 1880 إذ قرر النص الآتي:

En règle, on doit exiger que les faits auxquels s’applique l’extradition soient punis par la législation des deux pays excepté dans le cas, où à cause des institutions particulières ou de la situation géographique du pays de refugé, Ies eirconstances de fait constituant le délit ne peuvent se produire.

ومتى سلم شخص فلا تجوز معاقبته عن عمل آخر خلاف العمل الذي اتهم بارتكابه والذي بني عليه طلب التسليم - فإذا سلم شخص لارتكابه جريمة سرقة مثلاً فلا تجوز محاكمته عن جريمة أخرى وقعت قبل التسليم كنصب أو قتل الأبناء على طلب تسليم آخر يقدم للدولة التي لجأ إليها - وتسمى هذه القاعدة بقاعدة التخصص [(10)] (Principe de la spécialite)
وقد توسع بعض الكتاب في ذلك فقالوا بضرورة تقديم طلب تسليم آخر حتى ولو قبل المتهم أن يحاكم على الجريمة الثانية وذلك خوفًا من أن يكون هذا القبول قد حصل بطريق الإكراه.
رابعًا: من المسلم به أيضًا في موضوع تسليم المجرمين أن للدولة التي يطلب منها التسليم الحق في فحص الموضوع ويحصل هذا الفحص في بعض البلاد بمعرفة السلطة التنفيذية كما في ألمانيا وفي البعض الآخر يحصل بمعرفة السلطة القضائية كما في فرنسا وإنجلترا، ويشترط بعض الدول تقديم مستندات تبرر إحالة المتهم على المحاكم الجنائية وتشدد كل من إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية فتطلب تقديم الأدلة التي تثبت الجريمة المطلوب التسليم من أجلها - وهناك دول أخرى تكتفي بالاطلاع على أمر القبض على المتهم أو ما يماثله فتقرر التسليم دون حاجة لمستندات أخرى وهذه الطريقة مقررة في بعض المعاهدات كالمعاهدات التي عقدت بين فرنسا وبلجيكا في 15 أغسطس سنة 1874.
وقد نص الاتفاق المؤقت الذي عقد بين الحكومة المصرية وحكومة فلسطين في سنة 1922 في المادة الخامسة منه على ضرورة إرفاق طلب التسليم بجميع ما يتيسر من البيانات التي تكون من شأنها إثبات شخصية من يطلب تسليمه وتعيين محل وجوده وبالمستندات التي تثبت الجريمة كأصل أمر القبض أو صورة مصدق عليها منه، وكذلك صورة من شهادات الشهود التي أديت أمام القاضي أو أي شخص آخر مكلف بالتحقيق ومن أي دليل آخر بني عليه الاتهام وإذا كان هناك حكم صادر في غيبة المتهم في جنحة أو جناية وجب أن يصحب الطلب بصورة مصدق عليها من الحكم أو من أمر التنفيذ الصادر بناءً على هذا الحكم - وكذلك عندما يكون الطلب مبنيًا على حكم صادر في مواجهة المتهم يرفق الطلب بصورة مصدق عليها من الحكم أو من أمر التنفيذ الصادر بناءً عليه وشهادة من وزارة الحقانية أو أي سلطة أخرى مماثلة لها في القطر الصادر منه الطلب دالة على أن الحكم أصبح واجب التنفيذ - وقضت المادة السادسة من هذا الاتفاق على أن لكل من الحكومتين المتعاقدتين السلطة التامة في البت فيما إذا كان هناك وجه لقبول الطلب الصادر من الحكومة الأخرى بتسليم مجرم هارب بناءً على أحكام هذا الاتفاق ويتولى الحكم بذلك السلطة القضائية أو أية سلطة أخرى يكون ذلك من اختصاصها بناءً على القوانين السارية في القطر صاحب الشأن ونصت المادة السابعة على أن ترخص السلطة المختصة بتسليم المجرم الهارب إلا متى ثبت لديها.
( أ ) عندما يكون الطلب مبنيًا على أمر بالقبض أن الأدلة المقدمة كافية لمحاكمة المتهم.
(ب) عندما يكون التسليم مبنيًا على حكم أن الأدلة كافية لتبرير الحكم الصادر.
(ج) أن لا تكون الجريمة المنسوبة للمتهم أو التي حكم عليه من أجلها في جميع الأحوال من الجرائم السياسية وأن لا تكون الغاية من طلب التسليم هي محاكمة المجرم الهارب أو توقيع العقوبة عليه من أجل جريمة سياسية.
وقد قضى قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 مايو سنة 1902 بشأن الوفاق بين حكومتي مصر والسودان بشأن تسليم المجرمين وتبادل إعلان الأوراق القضائية أن يرفق طلب التسليم المقدم من إحدى الحكومتين للأخرى بالمستندات القوية التي تثبت الجريمة أو تبرر الحكم على المتهم (المواد (11) و(12) و(13) و(14) و(15) إلخ...).
هذه هي خلاصة القواعد المهمة في موضوع تسليم المجرمين وهو موضوع يهم المشتغلين بالمسائل الجنائية أو الدولية إذ قد يحدث أن يتعدى أحد رجال الدولة سلطته فيقتص أثر مجرم هارب خارج حدود دولته أو يقبض عليه في إقليم الدولة الأجنبية دون أن يتبع في ذلك إجراءات طلب التسليم وقد يؤدي عمله هذا إلى وقوع مشاكل بين دولته وبين الدولة الأجنبية - كما أن القبض الذي يجريه في هذه الحالة يقع باطلاً ويجب رد المتهم إلى الدولة التي كان لاجئًا إليها - وكذلك قد يحدث من باب الخطأ أو عدم العلم بالقواعد المتبعة أن يسلم أحد رجال الدولة متهمًا هاربًا من دولة أجنبية إلى رجال هذه الدولة الأخيرة دون أن تتبع في ذلك إجراءات التسليم - والرأي الراجح في مثل هذه الحالة أنه إذا كان هذا العمل قد وقع بحسن نية فليس هناك ما يدعو لطلب إعادة المتهم الذي سلم خطأ - وقد وقعت حادثة من هذا القبيل في سنة 1910 حيث رست في ميناء مارسيليا الفرنسية سفينة إنجليزية تسمى موريا More، وكانت تحمل رجلاً هنديًا مقبوضًا عليه ومأخوذًا إلى الهند ليحاكم على جريمة قتل ارتكبها أثناء حركة ثورية ولكنه تمكن من الفرار من السفينة ولجأ إلى داخل الميناء فطلب ربان السفينة إعادته وفعلاً قبض عليه رجال البوليس الفرنسي وأعادوه بدون اتباع إجراءات التسليم اعتمادًا منهم على وجود تعليمات صادرة لهم بعدم تمكين هذا المتهم من الهرب إلا أن الحكومة الفرنسية تنبهت للأمر بعد إقلاع السفن وطلبت إعادة المتهم للأراضي الفرنسية بحجة أن تسليمه كان غير قانوني فعارضت إنجلترا في ذلك وعرض المسألة على محكمة التحكيم في الهاي ولكن هذه المحكمة قضت في 24 فبراير سنة 1911 بجواز بقاء هذا المتهم تحت يد السلطة الإنجليزية ما دام لم يقع منها غش ولم يقع منها اعتداء على حقوق السيادة الفرنسية.
_