المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيادة الدولة في المسائل الجنائية الجزء الثانى



Bakenam
01-28-2009, 05:39 PM
القضاء الجنائي:
وكذلك يعفى الممثل السياسي من القضاء الجنائي فلا يمكن اتخاذ إجراءات جنائية ضده أثناء قيامه بوظيفته ولو كانت خاصة بأعمال ارتكبها قبل تعيينه فيها وكذلك لا يمكن اتخاذ هذه الإجراءات بعد انتهاء وظيفته إذا كانت متعلقة بأعمال ارتكبت إبان تأديته لهذه الوظيفة ولكن لا يعني هذا الإعفاء أنه يفلت من العقاب إذ يمكن للحكومة المحلية التي ارتكب الممثل جريمته في أرضها أن تطلب من حكومته محاكمته لدى سلطتها المختصة وتوقيع الجزاء عليه ولا ترفض الدولة إجراء ذلك وإلا اعتبرت شريكة للممثل المجرم على أن للدولة أن تتخذ الإجراءات الشديدة لمنع الممثل السياسي المقيم على أرضها من الاستمرار في ارتكاب جرائم تخل بنظامها أو تمس الأمن فيها خصوصًا ما كان من نوع خطير كالمؤامرات وتدبير الفتن إذ يجوز لها في هذه الحالة أن تحاصر دار السفارة برجال البوليس وأن تراقبها مراقبة دقيقة كما يمكنها أن ترسل الممثل بحراس حوله إلى الحدود وتطلب من دولته معاقبته - وقلما يحدث أن يرتكب الممثلون السياسيون جرائم تدعو لمثل هذه الإجراءات ولكن حصل أثناء الحرب العظمى أن وقع من بعض الممثلين السياسيين في البلاد المحلية أعمالاً مخالفة للقانون فحدث في سنة 1915 أن البرنس دي روس سفير ألمانيا في طهران أخذ يجمع في إيران عصابات مسلحة لمحاربة الروسيين ودبر سفير النمسا في واشنطن قبل دخول أمريكا في الحرب بعض اعتصابات أراد بها منع صنع الأسلحة في المصانع الأمريكية وقام سفراء ألمانيا والنمسا وبلغاريا لدى الحكومة اليونانية ببعض أعمال التجسس ولكن انتهى الأمر في كل هذه الحالات بإخراج السفراء الذين ارتكبوا هذه الأفعال.
ولكن لا تتخذ هذه الإجراءات الشديدة إذا كانت الجريمة التي ارتكبها الممثل السياسي قليلة الأهمية إذ يكفي في هذه الحالة أن تنبهه الحكومة المحلية بصفة سرية أو تخابر حكومته بصفة خاصة ومن القواعد المسلم بها أنه يجب على الممثل السياسي أن يحترم تشريع البلد الذي يقيم فيه وأن يتبع أحكام لوائح البوليس والصحة وغيرها من الأنظمة الإدارية التي تضعها السلطة المحلية وإنما لا يمكن استعمال طرق إكراه ضده إلا إذا دعت إلى ذلك الضرورة كضبط ممثل سياسي أثناء تلبسه بجريمة معاقب عليها، وذلك لحمايته وحماية الجمهور إنما يجب الاقتصار في هذه الحالة على الضبط فلا تتخذ أية إجراءات جنائية بعد ذلك ضد الممثل كالتحقيق أو المحاكمة.
تأدية الشهادة:
وكذلك تقضي امتياز الإعفاء من القضاء المحلي بعدم إعلان الممثل السياسي لأداء الشهادة أمام السلطة المحلية ولا يمكن أن يكره على أداء شهادته ولكن يمكن أن يطلب منه إرسال شهادته كتابةً، ولا يجوز أن يطلب للحضور أمام المحقق في مكتبه بل على المحقق أن يذهب بنفسه لدار السفارة لأخذ المعلومات التي يريدها إذا وافق الممثل السياسي على ذلك [(20)].
وفي الواقع لا يحجم الممثلون السياسيون عن إنارة رجال التحقيق والسماح لهم بدخول دور السفارات لأخذ المعلومات التي يمكن أن ترشدهم للوصول إلى الحقيقة ما دام إبداء هذه المعلومات لا يضر بالمصالح الموكولة للممثلين أو يمس سر مهنتهم - إلا أن ذلك متروك لتقديرهم فلهم أن يمتنعوا عن مساعدة رجال السلطة المحلية ورفض إبداء أي معلومات وقد تشدد سفير إيطاليا في إنجلترا في سنة 1916 فمنع البوليس الإنجليزي من تحقيق حادثة موت السكرتير الأول للسفارة الإيطالية بعيار ناري في حجرته محتجًا في ذلك بإعفاء الممثلين السياسيين من القضاء المحلي.
ثالثًا: الإعفاء من الضرائب:
لا نُطيل كثيرًا في هذه النقطة إذ هي خارجة عن موضوع بحثنا في سلطة الدولة في المسائل الجنائية، ولكن نذكر عنها كلمة تكملة لبحث الامتيازات السياسية - إذ تقضي هذه الامتيازات بإعفاء الممثلين السياسيين من الضرائب الشخصية والمقررة وإنما لا يسري هذا الإعفاء على ما يمتلكه الممثل بصفة خاصة من عقارات في البلاد التي يقوم بأعماله الرسمية أما العقار الذي تملكه حكومته ليكون دارًا لسفارتها فيعفى من الضريبة - وقد جرى العرف من باب المجاملة على إعفاء لممثلين السياسيين أيضًا من رسوم الجمارك.

2 - خروج القوى الحربية الأجنبية من دائرة اختصاص السلطة المحلية

مقارنةً بالامتيازات السياسية:
وهناك استثناء ثانٍ من السيادة الإقليمية أو من اختصاص السلطة المحلية وهو استثناء القوى الحربية لدولة أجنبية كالجيوش والسفن الحربية وليس الغرض من هذا الاستثناء ضمان مركز أشخاص معينين وتمكينهم من تأدية وظائفهم باطمئنان واستقلال كما هو الحال في الامتيازات السياسية، وإنما الغرض منه تمكين الدولة الأجنبية مباشرةً من القيام ببعض وظائفها العامة إذ متى سمحت دولة الجيش أجنبي أو لسفينة حربية تابعة لدولة أجنبية بالدخول في إقليمها فقد قبلت بمقتضى ذلك أن تباشر تلك الدولة الأجنبية على الإقليم المذكور شيئًا من سلطتها العامة بالنسبة للجيش أو السفينة، ولا يجوز للدولة الإقليمية بعد ذلك أن تعطل استعمال هذه السلطة أو تشترك في مباشرتها فخروج القوى الحربية الأجنبية من سلطة الدولة الإقليمية إنما أريد به تمكين الدولة التي تتبعها هذه القوى من الانفراد بالسلطة بشكل فعالٍ على قواتها المسلحة التي تعتمد عليها في الدفاع عن كيانها.
وهذه القوى الحربية لا تدخل في إقليم أجنبي إلا برضاء الدولة صاحبة السيادة على الإقليم وهي إما أن تكون جيوشًا أو سفنًا حربية أو طائرات حربية وقد تحدد حقوقها وواجباتها أثناء إقامتها بذلك الإقليم بمقتضى اتفاقات خاصة على أن قواعد القانون الدولي تقرر لها مركزًا خاصًا ولو لم يوجد اتفاق بشأنها.
الجيوش:
فالجيش الأجنبي الذي يقيم أثناء السلم [(21)] في إقليم دولة أجنبية برضائها يعتبر خارجًا عن اختصاصها الجنائي طالما توفر فيه النظام العسكري وكون أعضاؤه وحدة كاملة مرتبطة بروابط درجات الرئاسة العسكرية فإذا وقع من أحد أفراده جريمة فليس لرجال السلطة المحلية أن يقوموا ضده بإجراءات جنائية وإنما يشترط لذلك أن تكون الجريمة قد وقعت داخل المنطقة التي يوجد بها الجيش وأن لا يكون رجال الجيش قاموا بأعمال عدائية ضد الدولة التي يقيمون بإقليمها، وكذلك لا يمكن إعلان بعض أفراد الجيش الأجنبي وطلبهم أمام السلطة المحلية إلا إذا أذن قائد الجيش بذلك - كما أنه لا يمكن لرجال هذه السلطة أن تدخل ثكنات هذا الجيش أو المكان الذي يقيم فيه بدون إذن قائده - وتبقى لهذا القائد السلطة التي يخولها له قانون بلاده العسكري إذ تستمر أحكام هذا القانون سارية على أفراد الجيش أثناء إقامته بالإقليم الأجنبي تبعًا للقاعدة التي تقضي بأن القانون يتبع العلم La loi suit le drapeau.
على أن أفراد الجيش الأجنبي لا يعفون من الاختصاص المدني إذ لا توجد فيه الإجراءات الكيدية التي يمكن أن توجد في حالة الاختصاص الجنائي.
السفن الحربية الأجنبية:
ويتمتع أيضًا بالإعفاء من القضاء المحلي السفن الحربية التي للدول الأجنبية عند رسوها بموانئ الدولة أو مياهها الإقليمية في حالة السلم وللدولة أن ترفض السماح لهذه السفن بدخول موانئها ولكن متى قبلت دخولها فلا تستطيع أن تخضعها لاختصاصها لأن هذه السفن تمثل دولة أجنبية وتكون جزءًا من قوتها المسلحة ولكن يجب أن تتبع السفينة اللوائح الإدارية للدولة الساحلية كلوائح الجمارك والصحة ولا تقوم بعمل عدائي ضد هذه الدولة.
ويقضي إعفاء هذه السفن من الاختصاص الوطني أن رجال السلطة المحلية لا يستطيعون دخول السفينة بدون إذن قائدها فإذا لجأ مجرم لسفينة حربية فليس لهم أن يتبعوه إلى داخلها وإنما يطلبون من القائد إخراجه وإعطائه لهم ولا يعد ذلك من قبيل تسليم المجرمين الذي تكلمنا عنه آنفًا ولكن جرى العمل على قبول إيواء المجرمين السياسيين في السفن الحربية وعدم تسليمهم إلى السلطة المحلية إذا كانت دواعي الإنسانية تقضي بذلك.
وكذلك تعفى السفينة الحربية من الاختصاص المدني المحلي فلا يمكن توقيع الحجز عليها ولا مقاضاة رجالها أمام المحكمة المدنية عن أمور متعلقة بأعمالهم الرسمية وقد قضت محكمة الاستئناف بسنتياجو في شيلي بتاريخ 5 نوفمبر سنة 1907 بأن السفينة الحربية الأجنبية لا تخضع للقضاء الوطني وبذلك تكون المحاكم المحلية غير مختصة بنظر الدعاوى التي ترفع من التجار للمطالبة بأثمان أغذية قدموها لرجال السفينة ولم يدفع ثمنها.
وليس لرجال السلطة المحلية أن تتخذ إجراءات جنائية بشأن جريمة وقعت على سطح السفينة الحربية الأجنبية إذ يعتبر ذلك من اختصاص الدولة التي تمتلك السفينة، وكذلك لا يخضع رجالها للقضاء الجنائي إذا كانوا خارج السفينة بشرط أن يكونوا سائرين تحت قيادة رئيس ويؤدون خدمة أمروا بها إذ يعتبرون في هذه الحالة كأفراد الجيوش التي سبق الكلام عليها ولا يخضعون إلا لقضاء دولتهم أما إذا وجد بعض أفراد منفصلين من رجال السفينة أو غير قائمين بخدمة مكلفين بها فإنهم لا يتمتعون بأي امتياز شأنهم في ذلك شأن أفراد الجيش المنفصلين عنه.
السفن التجارية:
أما السفن التجارية الراسية في مياه الدولة فيقضي الرأي الراجح بعدم إعفائها من الاختصاص المحلي إذ تعتبر كالأشياء المنقولة التي تملكها الأجانب في إقليم الدولة وإنما يقول بعض الكتاب بأن مسائل النظام الداخلي البحت للسفينة تخرج من دائرة الاختصاص المحلي وتخضع لسلطة الربان.
الطائرات الحربية:
وتسري القواعد الخاصة بالسفن الحربية على الطائرات الحربية للدولة الأجنبية فإذا سمحت دولة بدخول طائرة حربية لدولة أخرى في إقليمها الجوي فإن ذلك يقتضي عدم خضوع هذه الطائرة للسلطة المحلية إذ هي ممثلة للدولة التي تحمل علمها وإنما يجب عليها أن تتبع القوانين واللوائح الداخلية التي وضعت لضمان أمن الملاحة الجوية أو صيانة المصالح الحربية أو الصحية أو المالية للدولة الإقليمية إذ في ذلك احترام لحقوق الغير، ويجب على كل دولة أن تحترم حقوق غيرها من الدول، وبذلك يجب على الطائرات الأجنبية أن تمتنع عن الاقتراب من الحصون أو الأماكن الخاصة الممنوع المرور فوقها كما يجب أن تمتنع عن كل عمل عدائي ضد الدولة التي تطير فوق إقليمها فإن خالفت ذلك كان للدولة الإقليمية أن تخابر الدولة المالكة للطائرة وتطالبها بتعويضات عما حدث.
ولا تخضع الطائرات الحربية الأجنبية ورجالها للقضاء المحلي فلا يمكن لعمال السلطة المحلية أن يدخلوها بدون إذن أو يجروا فيها عملاً من الأعمال الرسمية كما أن الجرائم التي ترتكب على سطحها لا تدخل في اختصاص السلطة الجنائية المحلية وإنما تختص بنظرها سلطة الدولة المالكة للطائرة وكذلك لا تخضع لطائرات الحربية للقضاء المدني ولا يمكن الحجز عليها.
وقد نصت على هذه الامتيازات المعاهدة الدولية التي عقدت في 13 أكتوبر سنة 1919 بشأن الملاحة الجوية، وإنما لا تتمتع بها إلا الطائرات الحربية المملوكة لدولة أجنبية أما الطائرات الخصوصية أو المملوكة للدولة دون أن تكون حربية فلا تتمتع بهذه الامتيازات.

3 - الأجانب المتمتعون بالامتيازات

بقي هناك استثناء ثالث من اختصاص السلطة الإقليمية وإنما ليس عامًا كالاستثناءات التي سبق ذكرها بل هو استثناء قاصر على بعض البلاد الشرقية بل يكاد الآن يكون قاصرًا على القطر المصري، وهو استثناء الأجانب المتمتعين بالامتيازات من السلطة المحلية وقد كانت هذه الامتيازات قبلاً عبارة عن منح أعطيت في البلاد العثمانية وبعض البلاد الشرقية للأجانب حتى لا تنطبق عليهم قواعد هذه البلاد فالدولة العثمانية عندما منحت هذه الامتيازات لرعايا بعض الدول الأجنبية لم تكن ضعيفة تخشى بأس الأجانب أو دولهم بل كانت قد بلغت ذرا مجدها وكان في هذه الامتيازات فوائد عديدة لرعايا الدول الأجنبية إذ بدونها كان يعامل الأجنبي طبقًا لقواعد الشريعة الإسلامية باعتبار أنه مستأمن والمستأمن لا يكون حرًا في أعماله إلا لمدد معينة ثم تطبق عليه بعد ذلك أحكام الشريعة كما أنه كان يدفع جزية للحكومة وقد يجبر على سلوك مخصوص فألغت الامتيازات هذه القيود وأعطت للأجانب الحق في دخول الأراضي العثمانية والسكني بها ومباشرة التجارة بدون أي قيد والتمتع بحرية الأديان وحرمة المسكن وتطبيق قوانينهم الشخصية في التوارث وإعفائهم من القضاء المحلي وغير ذلك، وكذلك كان الحال في القطر المصري إذ وجد ساكن الجنان محمد علي باشا أن يشجع الأجانب على الحضور لبلاده حتى تستفيد من متاجرهم وعلومهم وفنونهم بعد أن كانوا ولوا وجههم عنها أيام المماليك بسبب ما كانوا يلاقونه من عسف وجور لذلك فتح لهم أبواب البلاد ورفع عنهم القيود التي كانت تفرض عليهم قبل ذلك وكان ينصفهم إذا أصابهم حيف بل كان يعطي أوامر لموظفيه ومرؤوسيه لمساعدتهم وتوفير سبل الراحة لهم وكانت تسلم بعض هذه الأوامر للأجانب أنفسهم ليقدموها لحكام البلاد حتى يعاملوا معاملة خاصة [(22)]، وقد أريد بذلك تمكين الأجانب من الإقامة في البلاد باطمئنان.
وقد توسعت مصر في الحقوق التي منحتها للأجانب أكثر من الدولة العثمانية ففي الوقت الذي كان فيه اختصاص القناصل في تركيا قاصرًا على ما يقع من الجرائم بين الأجانب التابعين لدولة واحدة كان اختصاصهم في مصر واسعًا يشمل كل الجرائم التي يرتكبها الأجانب ولو كانت ضد وطنيين ثم تأيد ذلك بلائحة وضعت في سنة 1857 تقرر فيها إعفاء الأجنبي الذي يرتكب جريمة من القضاء المحلي إلا إذا كان غير تابع لإحدى القنصليات وفي غير هذه الحالة تبلغ الجريمة للقنصل
التابع له المتهم وهو الذي يتولى محاكمته وقد قضى التوسع في تطبيق الامتيازات في مصر بتفسير معنى السكن الذي يتمتع فيه الأجنبي بحرمة خاصة تفسيرًا واسعًا فلم يقتصر على المنزل وملحقاته الملاصقة كما كان الحال في تركيا بل شمل أيضًا كل مكان يستعمله الأجنبي في تجارة أو صناعة أو عمل أو مهنة إذ ما دام المكان يستعمله أجنبي فإن له حرمة خاصة تمنع رجال السلطة المحلية من دخوله بدون مندوب القنصلية التي يتبعها الأجنبي إلا في أحوال استثنائية كحصول استغاثة أو تلبس بالجناية.
وكذلك كان الحال في الدعاوى المدنية أيضًا إذ كانت ترفع في مصر للقنصل الذي كان الخصم تابعًا له مهما كان نوعها بخلاف الحال في الدولة العثمانية إذ كانت الدعاوى العقارية تنظر أمام المحاكم العثمانية وقضت الامتيازات التي منحتها تركية سنة 1675 أن القضايا التي تزيد قيمتها عن 4000 آسير - (والآسير عملة فضية تساوي ثلاثة سنتيمات) تنظر أمام القاضي الوطني بحضور ترجمان القنصلية أما القضايا التي تتجاوز هذه القيمة فتنظر أمام الباب العالي فقط ولما كانت مصر بعيدة عن الباب العالي اعتاد الناس على رفع قضاياهم أمام القنصل في القضايا الكبيرة، وكذلك اعتادوا رفعها أمامه في القضايا الصغيرة لكي يصلوا إلى حقهم بسرعة ويضمنوا مساعدة القنصل في التنفيذ.
وهكذا أخذت حقوق الأجانب تزيد في مصر عما كانت عليه في تركيا فأعطى لهم حق امتلاك العقارات في القطر المصري في الوقت الذي كان محظورًا عليهم امتلاكها في البلاد العثمانية إذ لم ينشأ لهم هذا الحق في تركيا إلا بقانون صدر في يونية سنة 1867 بناءً على الخط الهمايوني الصادر في 18 فبراير سنة 1856 الذي أجاز فيه السلطان تملك الأجانب للعقارات أما في مصر فقد أعطى لهم هذا الحق قبل صدور الخط الهمايوني بمدة فكان المغفور له محمد علي باشا يسمح لهم بامتلاك العقارات بل كان يهبهم بعض الأراضي أسوة بالوطنيين (مثل أراضي الأبعادية وهي أراضٍ غير مزروعة كان يهبها لبعض أشخاص لزراعتها ويعفيهم من الضريبة المقررة عليها ثم أصبحت هذه الأراضي تورث عنهم بمقتضى أمر عالٍ صدر في سنة 1836) - ولما تولى المغفور له عباس الأول أمر القضاة بأن لا يعطوا حجة للأجنبي الذي يشتري أملاكًا عقارية في مصر ولكن لم يستمر هذا لأن المغفور له سعيد باشا أصدر أمرًا في مارس سنة 1858 أعلن فيه بيع الأراضي الخراجية التي تركها واضعوا اليد عليها وأباح للأجانب شراء هذه الأراضي (وكان هذا أيضًا قبل القانون التركي الصادر في يونية سنة 1867) بل هناك ما هو أكثر من ذلك إذ أن الأجانب كانوا يدفعون كل الضرائب العقارية في تركيا ولكنهم كانوا في مصر يمتنعون عن دفعها حتى اضطر نوبار باشا إلى مفاوضة الدول في ذلك ومما يدل على أهمية ما يدفعه الأجانب أنه لما تقرر في مؤتمر لندرة سنة 1885 عدم إعفائهم من دفع ضرائب الأملاك المبنية وصدر أمر عالٍ بذلك في سنة 1887 ارتفع دخل هذه الضريبة في تلك السنة من 45000 جنيه إلى 110000 جنيه ولا تزال توجد للآن ضرائب لا يدفعها الأجانب فكثيرين منهم يمتنعون عن دفع ضريبة الخفر التي يدفعها المصريون، وكذلك لا يمكن للحكومة فرض ضرائب جديدة عليهم إلا بعد مصادقة دولهم [(23)]، وقد حصل ذلك فعلاً عندما أرادت الحكومة المصرية زيادة عوائد الأملاك المبنية في سنة 1909 بمناسبة إنشاء المجاري في القاهرة إذ ورد في ديباجة القانون أنه صدر بعد مصادقة الدول وجاء في المادة الثانية منه أنه يجوز تعميم الزيادة في سائر المدن الأخرى التي تباشر فيها الحكومة إنشاء مجارٍ أو أعمال صحية مماثلة لها ويكون هذا التعميم بمقتضى أوامر مخصوصة تصدر بعد مصادقة الدول.
يتضح لنا من ذلك أن الامتيازات الأجنبية كانت عبارة عن منح للأجانب وكان كرم مصر في إعطائها واسعًا حاتميًا فنشأ من ذلك أن اعتبرتها الدول حقوقًا ثابتة لرعاياها بل هي لا تزال تطمع في ذلك الكرم المصري إذ اتفقت على إلغائها في أكثر البلاد دون القطر المصري فألغيت هذه الامتيازات في أكثر بلاد البلقان بعد سنة 1878 وكان آخر العهد بها في بلغاريا في سنة 1919 حيث قررت الدول في معاهدة الصلح التي عقدت مع بلغاريا (معاهدة نولى Neuilly) في المادة (175) أن تعقد اتفاقات مع بلغاريا لإلغاء الامتيازات نهائيًا وألغيت الامتيازات في الجزائر وتونس وطرابلس ومراكش وألغيت في اليابان بين سنتي 1894 و1900، وفي كوريا في سنة 1910 وألغيت في تركيا بمقتضى معاهدة لوزان التي عقدت في 24 يولية سنة 1923 وبدئ بإلغائها في سيام في سنتي 1925 و1926 مع وجود بعض قيود تقرر إزالتها عندما تضع سيام قوانينها الجنائية والمدنية وها هي الصين تكاد تصل الآن إلى إلغائها وفعلاً قد تنازلت لها بعض الدول عن امتيازاتهم من ذلك ألمانيا التي صرحت بهذا التنازل في 20 مايو سنة 1921 وروسيا التي عقدت اتفاقًا يتضمن ذلك مع الصين في 31 مايو سنة 1925، وكذلك أيدت أغلبية الدول بمناسبة الحركة القائمة في الصين الآن رأيها بأن الامتيازات أصبحت غير لازمة وغير متفقة مع المدنية الحاضرة وصرح بعض كبار الساسة بذلك كالمستر أوستن تشامبرلن والمستر لويد جورج وغيرهما - أما في مصر فلا تزال تلك الامتيازات العتيقة باقية وهي تقف عقبة دون كل إصلاح.
ولقد خف شيء من أثر الامتيازات بإنشاء المحاكم المختلطة بموافقة الدول المتمتعة بالامتيازات [(24)]، وبدأت أعمالها في فبراير سنة 1876 إذ جعلت مختصة بنظر القضايا المدنية التي ترفع بين أجانب مختلفة الجنسية أو بين أجانب ومصريين وتنظر بعض المسائل الجنائية وهي قضايا المخالفات التي تقع من الأجانب وكذلك أنواع معينة من الجنح والجنايات وهي ما يوجه ضد رجال القضاء المختلط أو يقع منهم بسبب تأدية وظائفهم أو أثناء تأديتها والجرائم التي ترتكب ضد تنفيذ أحكام المحاكم المختلطة وأضاف الأمر العالي الصادر في 26 مارس سنة 1900 على اختصاص المحاكم المختلطة جرائم التفاليس ومع ذلك فتقضي لائحة ترتيب المحاكم المختلطة في المادة (13) بضرورة إخبار قنصل الدولة التابع لها المدعى عليه بالدعوى المقامة عليه بالجناية أو الجنحة كما أنها تقضي بأن إجراءات التحقيق مع أحد الأجانب وإدارة المرافعات الشفوية قبيل الحكم تناط بأحد القضاة الأجانب سواء كانت الدعوى متعلقة بمادة من مواد المخالفات أو الجنايات أو الجنح وإذا لم يكن للمتهم بجناية أو جنحة مدافع عنه يعين له مدافع بمعرفة المحكمة عند استجوابه وإلا كان التحقيق لاغيًا وكذلك تنص المادة (16) من هذه اللائحة بأن المتهم المسجون تحت الشبهة يسلم إلى قنصل الدولة التابع لها عقب استجوابه في ظرف أربعة وعشرين ساعة على الأكثر من وقت ضبطه إلى أن يثبت وجود محلات لائقة للسجن بالقطر المصري - ما لم يأذن القنصل بحجزه في سجن الحكومة وتقضي المادة (20) أنه إذا اقتضى الحال في أثناء التحقيق الدخول في محل المتهم فيخبر بذلك قنصل الدولة التابع لها ويحرر محضر بهذا الإخبار تسلم صورته إلى القنصلية، وكذلك لا يسوغ الدخول ليلاً في محل بدون حضور القنصل أو مندوبه أو تصريح منه بالدخول في غيبته إلا في حالة مشاهدة الجاني حين تلبسه بالجناية أو في حالة الاستغاثة من داخل المحل.
هذه هي الجرائم التي تخص المحاكم المختلطة أما فيما عدا ذلك مما ترتكبه رعايا الدول المتمتعة بالامتيازات فخارج عن اختصاص المحاكم المصرية أهلية ومختلطة وعن نطاق القانون المصري - وهناك نص صريح على ذلك في قانون العقوبات الأهلي إذ نصت المادة الأولى منه على أنه يستثنى من أحكامه من كان غير خاضع لقضاء المحاكم الأهلية بناءً على قوانين أو معاهدات أو عادات مرعية.
فهذا الاستثناء يُعد من حقوق السيادة المصرية ويخرج من سلطة القضاء المصري أشخاصًا يرتكبون جرائم على الأراضي المصرية ويخلون بنظام الأمن فيها فتحاكمهم محاكم أجنبية قد تكون قوانينها مخالفة للقوانين المصرية بل قد يحدث أن يرتكب الجريمة شخصان أحدهما خاضع لاختصاص القضاء المصري والآخر غير خاضع له فتنظر القضية أمام محكمتين مختلفتين ويطبق عليهما قانونان مختلفان كما حدث أخيرًا في قضية مقتل المسيو شيكوريل في شهر مارس سنة 1927 إذ كان أحد المتهمين بقتله خاضع للقضاء المصري فتم التحقيق بشأنه بمعرفة رجال البوليس والنيابة المصريين بشكل أعجب به الأجانب ذاتهم ثم قدم لمحكمة الجنايات المصرية فقضت عليه بالإعدام في شهر إبريل أمام المتهمين الآخرين فتركوا لقضائهم الأجنبي وعلى ذلك صدر في القضية أحكام مختلفة.
ومن النتائج المحزنة للامتيازات إفلات بعض طبقات من المجرمين من يد البوليس والقضاء المصري كالأجانب الذين يتجرون بالمواد المخدرة أو بالرقيق الأبيض وغير ذلك ومن المدهش أن أغلب الدول الغربية الممثلة في عصبة الأمم تبذل جهدها لوضع حد في مثل هذه المسائل أما الحكومة المصرية فتقف مكتوفة الأيدي إزاء هذه الجرائم الخطيرة [(25)] - لهذا بدأت الحكومة المصرية بالسعي لإخضاع الذين يرتكبون جرائم على أرض مصرية للقوانين المصرية وقد قرر مجلس الوزراء فعلاً في 3 مارس سنة 1927 الترخيص لوزير الحقانية بوضع مشروع نصوص تشريعية يكون أساسًا لاقتراح تقدمه الحكومة إلى الدول يقضي بتوسيع سلطة المحاكم المختلطة في المواد الجنائية بحيث تشمل الجنح المنصوص عليها في قانون الاتجار بالمواد المخدرة وبعض الجرائم الأخرى، وذلك حرصًا على الآداب العامة ومحافظة على نظام المحال العمومية، والحكومة المصرية جادة في تنفيذ ذلك وإنا نرجو أن نتمكن من الوصول إلى إخضاع الأجانب المقيمين في القطر المصري إلى القوانين المصرية كما هو الحال في جميع الأمم المتمدينة ومنها ما يقل في المدنية والنظام عن الدولة المصرية - إذ ليست مصر بأقل درجة من سيام مثلاً التي وافقت الدول في سنتي 1925 و1926 أي في هذه السنين الأخيرة على إلغاء الامتيازات فيها والتي كتب عنها أحد أساتذة القانون في فرنسا تعليقًا على المعاهدات التي ألغت هذه الامتيازات أنه تتوفر في سيام الشروط اللازمة لتعامل من الآن كشخص بالغ (أي غير قاصر) في المجتمع الدولي

(Le Ciam remplit largement les conditions nécessaires pour être désormais traité en personne majeure dans la communauté internationale).

(انظر مقالة للمسيو مونكار فيل الأستاذ بكلية الحقوق باستراسيورج في مجلة القانون الدولي العام عن ديسمبر سنة 1926 صفحة 330.
“ M. Moncharville. Revue de Droit Int. Pub. - Sep. et Déc. 1926, P. 330 ”
فإذا قيل أن سيام أصبحت شخصًا دوليًا بالغًا في المجتمع الدولي فإن مصر قد تجاوزت دور البلوغ ووصلت إلى درجة الكمال بين أعضاء هذا المجتمع - ويقيننا أن الدول ستتنبه لهذه الحقيقة وتعترف بها قريبًا فتتنازل عن امتيازاتها العتيقة ويصبح الأجنبي والمصري سواء أمام القانون ما داموا يعيشون فوق أرض واحدة ويستظلون بسماء واحدة.

محمد رياض عبد المنعم


http://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gifhttp://www.w6w.net/album/30/w6w200504111331476636b4dbf.gif

[(1)] يوجد في كثير من القوانين الجنائية نصوص تقضي بعقاب من يرتكب جرائم في الخارج ومن ذلك قانون العقوبات الأهلي إذ نص في المادة الثانية منه على معاقبة من يرتكب من الأشخاص الخاضعين لأحكامه خارج القطر فعلاً يجعله فاعلاً أو شريكًا في جريمة وقعت كلها أو بعضها في القطر المصري أو من يرتكب في الخارج جناية من الجنايات المضرة بأمن الحكومة من الداخل أو من الخارج أو من يرتكب جناية تزوير أوامر عالية أو أختام الحكومة أو أوراق البنوك وسندات الخزينة مما نص عليه في المادة (174) من قانون العقوبات أو جناية تزييف مسكوكات متداولة في القطر المصري مما نص عليه في المادتين (170) و(171)، وكذلك تنص المادة الثالثة على عقاب كل مصري تابع للحكومة المحلية ارتكب وهو خارج القطر فعلاً يعتبر جناية أو جنحة في القانون المصري فيعاقب بأحكامه إذا عاد إلى القطر وكان الفعل معاقبًا عليه بمقتضى قانون البلد الذي ارتكبه فيه.
وقد تقرر في كل من الاتفاقين المنعقدين مع حكومة فلسطين وحكومة السودان بشأن تسليم المجرمين أنه إذا تقدم طلب تسليم مجرم هارب وكانت محكمة البلد المقدم إليها الطلب مختصة بنظر الجريمة المنسوبة إليه فيجوز اتخاذ الإجراءات لمحاكمته أمام محاكمها بدلاً من قبول التسليم وقد اشترط الاتفاق المعقود مع حكومة فلسطين ضرورة حصول هذه المحاكمة في خلال الثلاثة شهور التالية لورود طلب التسليم وألا يتعين على الحكومة صاحبة الشأن أن تسلم المجرم متى توفرت الشروط الأخرى الواردة في الاتفاق.
[(2)] هذا هو الرأي المتبع عملاً في أكثر الدول الآن وقد اتبعته الحكومة المصرية بالنسبة لشخص مصري يدعى عبد المجيد اتهم أخيرًا بارتكاب جريمة نصب في طرابلس بالشام وفر إلى مصر فطلبت المفوضية الفرنسية بمصر تسليمه ليحاكم في سوريا، ولكن الحكومة المصرية رفضت إجابة هذا الطلب باعتبار أنه مصري وفعلاً قدم للسلطة المحلية في مصر فأجرت النيابة معه تحقيقًا وقبضت عليه وقدم للمحاكمة وقد حكمت عليه فعلاً محكمة الوايلي الجزئية حضوريًا بتاريخ 19 إبريل سنة 1927 بالحبس سنتين مع الشغل والنفاذ وأجرى تنفيذ الحكم - على أن هذا الرأي القاضي بعدم تسليم الوطنيين ليس متفقًا عليه من جميع الكتاب بل منهم من يقول بعكسه وبوجوب العدول عنه ومن هؤلاء الكتاب جارو Garraud أحد علماء القانون الجنائي ووستليك Westlake أحد علماء القانون الدولي، وقد جاء في معاهدة فرساي والمعاهدات الأخرى الملحقة بها ما يفيد نبذ المبدأ القاضي بعدم تسليم الوطنيين النسبة لمجرمي الحرب الذين تقرر تسليمهم طبقًا لهذه المعاهدات إذ اشترط فيها على ألمانيا والنمسا وحلفائهما تسليم المجرمين من رعاياهم (راجع المادة (228) من معاهدة فرساي مع ألمانيا)، والمادة (173) من معاهدة سان جرمان مع النمسا، والمادة (118) من معاهدة نويلي Neuilly مع بلغاريا، والمادة (157) من معاهدة تريانون مع المجر إلخ...).
[(3)] من الأمثلة التي يذكرها التاريخ في هذا الصدد أنه في سنة 1506 حجز هنري السابع ملك إنجلترا فيليب ملك كاستيل ووالد شارلكان أثناء سفره من فلاندر إلى إسبانيا حتى ألقت به عاصفة على الشاطئ الإنجليزي - وقد انتهز ملك الإنجليز هذه الفرصة فطلب من فيليب تسليم أحد النبلاء الإنجليز المسمى دوق أو إيرل سافولك Earl of Suffolk الذي كان التجأ لبلاد فيليب هربًا من ملك الإنجليز إذ كان من ضمن المناوئين للعرش الإنجليزي باعتباره من عائلة يورك House of York التي كانت تطالب بعرش إنجلترا - فرفض فيليب تسليم دوق سافولك في أول الأمر ولكن اضطر للإذعان إزاء تشدد هنري السابع الذي أصر على عدم إطلاق سراح فيليب إلا إذا سلم سافولك وقد قبل قيليب تسليمه بشرط عدم إعدامه وقد تم ذلك فعلاً وحجز النبيل الإنجليزي عقب تسليمه في برج لندن وحافظ هنري السابع على الشرط الخاص بعدم إعدامه إلى أن خلفه هنري الثامن فأعدمه في سنة 1513 عند قيام الحرب بين إنجلترا وبين فرنسا بحجة مراسلته لأخيه الذي كان في خدمة الفرنسيين (راجع هذه الحادثة في دائرة معارف برتيانيكا طبعة سنة 1926 الجزء الثامن والعشرون صفحة 925).

(Eneyclopedia Britannica 1926; Vol. 28 p. 925.).

[(4)] من الكتاب الذين يرون هذا الرأي الكاتب لويس رينو Louis Renault وهو يقول إنه لا يمكن اعتبار هذه الجرائم من الجرائم السياسية مطلقًا وإلا أدى ذلك إلى جواز اعتبار جرائم أخرى كالنصب أيضًا ضمن الجرائم السياسية في بعض الأحوال وقد رد على ذلك الكاتب الألماني فون لستز von Listz بأنه يجوز أن تكون هذه الجرائم من الجرائم السياسية بل يقول بإمكان وقوع جريمة هتك عرض سياسي طبقًا للقانون الإنجليزي الصادر في سنة 1878 Criminal code Bill (1878) إذ اعتبر من الخيانة العظمى الاعتداء على عرض ملكة أو الابنة الكبرى لملك أو زوجة الابن الأكبر أو ولي العهد (راجع مجموعة محاضرات أكاديمية القانون الدولي الجزء الأول صفحة 202 محاضرة البارون البيريك رولان Baron Alberic rolin
[(5)] ممن يقول بهذا الرأي الكاتب دبيانييه Despagnet, droit International Public 291 وقد ورد أيضًا في بعض المعاهدات كما أن المعهد الدولي الذي عقد في جنيف سنة 1892 أخذ بمثل هذا الرأي فقرر جواز التسليم إذا كانت الجريمة خطيرة وإنما لا يحاكم المتهم إلا على الجريمة العادية.
[(6)] راجع كتاب فوشي في القانون الدولي (M. Fauchille)الجزء الأول صفحة 1017 طبعة سنة 1922، وراجع أيضًا كتاب حضرة صاحب المعالي الأستاذ علي ماهر باشا في القانون الدولي العام صفحة 354.
[(7)] يطلق على هذه المادة اسم المادة البلجيكية (Clause belge) أو مادة الاعتداء (Clause d'attentat) وقد دعا إلى وضعها حادثة في سنة 1854 إذ حاول فرنسويان الاعتداء على حياة نابليون الثالث، وذلك بأن شرعا في نسف القطار الذي كان يقله وهرب أحدهما إلى بلجيكا فطلبت فرنسا تسليمه، وقد حصل اختلاف في الرأي بين محكمتي استئناف بروكسل ولييج فقررت الأولى أن هذه الجريمة سياسية أما الثانية فاعتبرها جريمة عادية وقررت محكمة النقض في بروكسل جواز التسليم باعتبار أن هذه الجريمة خارجة عن نطاق القانون الصادر في سنة 1833، والذي يمنع تسليم اللاجئين السياسيين ولكن الرأي العام البلجيكي أخذ يطالب بعدم التسليم وانتهى الأمر بأن سحبت الحكومة الفرنسية طلب التسليم الذي كانت قدمته حتى تخرج الحكومة البلجيكية من المأزق - ولكن صدر بعد ذلك في 22 مارس سنة 1856 القانون الذي أضاف على المادة السادسة من القانون القديم الصادر في سنة 1833 النص الخاص بتسليم من يعتدي بالقتل أو بالسم على رئيس دولة أو أخيه أو أحد أفراد عائلته فانتهزت الحكومة الفرنسية وضع هذا النص واتفقت على إضافته في المعاهدة الخاصة بالتسليم والمعقودة بين الدولتين في سنة 1834 ثم وضع بعد ذلك في أكثر المعاهدات التي عقدتها الدول الأوروبية بشأن التسليم.
[(8)] بناءً على هذه القاعدة رفضت وزارة الحربية المصرية تسليم بعض جنود من الجيش الإيطالي المرابط في طرابلس الغرب كانوا قد لجأوا إلى واحة سيوة داخل الحدود المصرية (راجع ما ورد في جريدة الأهرام بتاريخ 17 إبريل سنة 1927)، وبسبب هذه القاعدة أيضًا امتنعت الحكومة المصرية عن المطالبة بتسليم بعض الهاربين من الخدمة العسكرية الذين التجأوا لبلاد مجاورة من ذلك أن جنديًا يدعى أحمد هرب من الخدمة العسكرية في القطر المصري والتجأ إلى فلسطين وقيل بوجوده في ميناء يافا يشتغل هناك كبحار في السفن الشراعية وعلمت الحكومة المصرية بذلك في سنة 1925 ولكنها قررت عدم المطالبة بتسليمه من حكومة فلسطين بناءً على القاعدة التي تقضي بعدم تسليم الفارين من العسكرية.
[(9)] أثيرت هذه المسائل عقب الحرب العظمى فقرر الحلفاء معاقبة الأشخاص الذين ارتكبوا أعمالاً تخالف القواعد الدولية وقوانين الحرب من ذلك ما ورد في المادة (227) من اتهام إمبراطور ألمانيا السابق غليوم الثاني وتقديمه للمحاكمة وقد طلب تسليمه من حكومة هولندا ولكنها رفضت بحجة أن الأعمال المنسوبة للإمبراطور السابق هي عبارة عن أمور سياسية ويرى بعض الكتاب أن هذه الحجة غير صحيحة وأن ما اتهم به إمبراطور ألمانيا لا يعتبر من الجرائم السياسية التي تعفى من التسليم (راجع كتاب فوشى المشار إليه الجزء الأول فقرة (469)، والجزء الثاني (الخاص بالحرب) فقرة 1753).
[(10)] نص على هذه القاعدة في الاتفاق الذي عقد بين حكومة مصر وفلسطين فقضت المادة العاشرة فيه على أنه لا تجوز إقامة الدعوى أمام محاكم البلد الذي سلم إليه شخص بناءً على أحكام هذا الاتفاق من أجل جريمة ارتكبت قبل تسليمه غير الجريمة أو الجرائم التي يمكن إثباتها بالواقعة التي حصل التسليم بناءً عليها ما لم تتح لذلك الشخص قبل محاكمته فرصة العودة للقطر الذي سلمه.
[(11)] كانت البلاد الإسلامية توفد أيضًا في بعض الأحيان ممثلين للبلاد الأجنبية وتقبل ممثليهم وكان يتم هذا التبادل بمراسيم التجلة والحفاوة من ذلك أن هارون الرشيد تبادل السفراء مع شارلمان وكانوا يحملون الهدايا النفيسة لتأكيد الصداقة والمودة ومن جملة الهدايا التي أرسلها الرشيد مع سفرائه ساعة مائية أعجب بها رجال شارلمان (راجع مقالاً لحضرة الأستاذ الفاضل محمد عبد الله عنان المحامي نشر في مجلة الهلال بعدد نوفمبر سنة 1926 صفحة 80 عن العلاقات السياسية في عهد العرب).
[(12)] حالة التنكر هي حالة يلجأ لها بعض الملوك أو بعض رؤساء الدول في سياحاتهم ليتفادوا المراسيم التي تقام لاستقبالهم من ذلك ما فعله ملك الإنجليز إذ ذهب إلى باريس متنكرًا في أوائل مارس سنة 1927، وما فعله رئيس جمهورية تشيكوسلوفاكيا الرئيس مازاريك إذ جاء للقطر المصري متنكرًا في إبريل سنة 1927.
[(13)] مما يلاحظ في هذا الصدد أن أعضاء محكمة التحكيم الدولية لا يعتبرون خارجين عن السيادة الإقليمية إلا عندما يكونون خارج بلادهم en dehors des leurs pays بخلاف أعضاء محكمة العدل الدائمة التي أنشئت طبقًا لعهد عصبة الأمم إذ يخرجون عن سلطة السيادة الإقليمية بدون هذا القيد.
[(14)] من القائلين بهذا الرأي الكاتب الفرنسي فوشي (راجع كتابه في القانون الدولي القسم الثالث من الجزء الأول طبعة سنة 1926 صفحة 69 وصفحة 87)، وقال كتاب آخرون أيضًا بوجود حرمة للممثل أثناء وجوده في إقليم دولة غير الدولة الموفد لها نذكر منهم دي مارتس ولوريمردويتون De Martens, Loriner et Wheaton كما صدرت بذلك بعض أحكام قضائية في فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة (راجع حكمًا صادرًا من محكمة استئناف باريس في 2 يناير سنة 1901 منشور في مجلة القانون الدولي العام المجلد الثامن صفحة 492 Reine de droit Int. Public، ويمكن أن نشير في هذا الصدد إلى قانون إيطالي صادر في 13 مايو سنة 1871 بشأن الضمانات الممنوحة للبابا إذ نص في المادة الحادية عشرة منه على أن ممثلي الحكومات المعتمدين لدى البابا يتمتعون في إيطاليا بكل الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها رجال التمثيل السياسي طبقًا لقواعد القانون الدولي، وكذلك يتمتع بها ممثلو البابا لدى الحكومات الأجنبية عندما يمرون بالإقليم الإيطالي في طريقهم إلى مقر أعمالهم وفي عودتهم منها.
[(15)] راجع كتاب فوشي القسم الثالث من الجزء الأول صفحة 72.
[(16)] يقول بعض الكتاب إن دار السفارة تعتبر جزءًا من إقليم الدولة التي يمثلها السفير ولكن هذا القول غير صحيح وقال بخلافه أكثر الكتاب المعتمدين كما قضت بعكسه محكمة استئناف باريس إذ كانت محكمة السين قد قضت بتاريخ 20 نوفمبر سنة 1920 بأن الزواج المعقود في دار مفوضية أجنبية يفترض أنه عقد في إقليم الدولة التي تمثلها المفوضية ولكن محكمة استئناف باريس حكمت بإلغاء هذا الحكم (انظر جريدة القانون الدولي Journal de droit International لسنة 1921 صفحة 186، وما بعدها ولسنة 1922 صفحة 407).
[(17)] نجد في التاريخ أمثلة لاستعمال حق الإيواء بدور السفارات بالنسبة للاجئين السياسيين فحصل في سنة 1729 أن الدوق دي ريبردا Duc de Riperda الذي كان وزيرًا لفليب الخامس ملك إسبانيا احتمى بعد سقوطه بدار السفير الإنجليزي لورد هارنجتون، ولما طلب تسليمه رفض السفير الإنجليزي إجابة الطلب فقرر مجلس كاستيل أنه يمكن أخذه بالقوة وفعلاً قبض عليه فاحتج السفير الإنجليزي وطلبت إنجلترا ترضية من إسبانيا إلا أن هذه الأخيرة رفضته وشبت الحرب بين الدولتين - وحدث في تركيا في شهر ديسمبر سنة 1895 أثناء الاضطرابات الأرمنية أن الوزير التركي كوجوك سعيد باشا اعتقد أن حياته مهددة فاحتمى بدار السفارة البريطانية في الأستانة فطلب سلطان تركيا تسليمه ولكن السفير البريطاني أجاب بأنه لا يستطيع إكراه سعيد باشا على مغادرة الدار وأيده في ذلك رجال الهيئة السياسية لبقية الدول في الأستانة فأرسل السلطان كتابًا يؤكد فيه أن حياة سعيد باشا لن تمس بسوء وأنه يمكنه أن يقيم في أي مكان يريده في الأستانة وغادر على ذلك سعيد باشا السفارة البريطانية وإنما أرسل السفير البريطانية كتابًا لوزير خارجية تركيا يخبره فيه أن سعيد باشا لم يبرح دار السفارة إلا بناءً على وعده بالمحافظة على حياته وأنه يأمل احترام هذا الوعد (راجع مجلة القانون الدولي Reine de Droit International المجلد الثالث صفحة 375).
وقد كان حق الإيواء شائعًا في بلاد العجم بسبب الثورات الداخلية إذ كان يلجأ المضطهدون لدور السفارات ويطلق على ذلك لفظ بست Bast، وقد عقد اتفاق بين فارس وبين كل من إنجلترا والولايات المتحدة لإلغاء هذا الحق (راجع بشأن هذا الحق مقال للسير سيسيل هرست في مجموعة محاضرات أكاديمية لاهاي سنة 1926 جزء ثانٍ) - وهناك أمثلة غريبة لاستعمال نظام البست هذا في إيران، من ذلك ما رواه السير مورتيمر ديوارنث أحد وزراء إنجلترا الأسبقين في فارس أنه في أثناء تولي الشاه نصر الدين الحكم حضر للسفارة الإنجليزية عبد أسود يخطر السفير بأن حريم الشاه وعددهن 300 سيدة سيلتجئن للسفارة لأن الشاه عزم على الزواج بابنة بستاني في السراي فوجدن في ذلك ما يمس كرامتهن فلم يسع السفير الإنجليزي إلا أن يجهز مكانًا للسيدات واشترى قطيعًا من الغنم وكميات كبيرة من الخبز ولكن لحسن حظه لم تتم الزيارة إذ عدل الشاه في آخر لحظة عن الزواج - وفي سنة 1906 لجأ للسفارة الإنجليزية عدد كبير من التجار والأهالي الذين كانوا يطالبون بإصلاحات دستورية وبلغ عدد اللاجئين 14000 وانتهى الأمر بقبول الحكومة الفارسية لكثير من مطالبهم.
[(18)] قدم في مسألة هذا الصيني طلب للمحكمة لتأمر بإخلاء سبيله ولكن المحكمة رفضت إجابة هذا الطلب لأن السفارة الصينية غير خاضعة للسلطة القضائية وإنما للحكومة المحلية وحدها أن تضغط على الحكومة الصينية ليفرج عن الصيني المحبوس في السفارة.
[(19)] حكم في إنجلترا في سنة 1921 بأن ممثل الدولة الغير معترف بها قانونًا لا يعفى من القضاء المحلي وكان ذلك بشأن كراسين الممثل الرسمي لحكومة السوفيت في إنجلترا.
[(20)] ينتقل رجال بالبوليس أو رجال التحقيق عادةً إلى دار السفارة للحصول على المعلومات التي يحتاجون إليها بعد استئذان الممثل السياسي فمن ذلك ما حدث في فرنسا في سنة 1920 حيث انتقل قاضي التحقيق لدار المفوضية اليونانية لسؤال الوزير اليوناني عن معلوماته في حادث الاعتداء الذي وقع على مسيو فنزيلوس رئيس وزارة اليونان إذ ذاك في محطة ليون بباريس.
[(21)] نحن لا نتعرض هنا لمركز الجيش الأجنبي عند احتلاله لإقليم دولة أثناء الحرب إذ هي مسألة أخرى تحددها قواعد الحرب.
[(22)] أشار بعض الكتاب إلى مثل هذه الأوامر وقد أورد كلوت بك في كتابه عن مصر (تعريب حضرة الأستاذ محمد مسعود بك) نص فرمان مما كان يعطى للأجانب وهو كما يأتي:
من ديواننا سنة من الهجرة
(أن صديقنا الحميم المسيو............. من.......... جاء إلى أملاكنا ليزور المعاهد الأثرية وغيرها من
(الأماكن المفيدة له في أبحاثه، وقد قدمه إلينا جناب قنصله فبناءً عليه قد سلمناه فرماننا هذا لينتفع، ويستظهر به أثناء رحلته في طول أملاً كنا وعرضها - فعلى المديرين والمأمورين وأرباب الحل والعقد ملكيين، وعسكريين وبالجملة كل من يقدم إليهم هذا الفرمان أن يعنوا بأمره ويهتموا بأداء الخدم التي يروم منهم قضاءها حتى لا ترفع إلينا منه شكوى فيما بعد.
(ونوصيكم بعمل ما يلزم كيلا يلحقه حيف أو يوجه إليه شتم من الفلاحين (كذا...) أو غيرهم وأن، تبادروا بموافاته بكل ما يحتاج إليه وأن لا يدفع شيئًا عنه إلا ما يطابق بالسعر الجار في البلاد وذلك فيما يختص بأجر ركوب الدواب والمراكب وثمن الأغذية، وأني اعتبر أن الخدمات التي ستؤدونها إليه كأنها أديت إلينا بالذات).
[(23)] مما يذكر في هذا الشأن ما لاحظه حضرة صاحب المعالي إسماعيل صدقي باشا رئيس اللجنة المالية بمجلس النواب من أن الامتيازات لا تعطي أي حق استثنائي للأجانب فيما يتعلق بدفع الضرائب وهاك ما ورد في هذا الصدد في تقرير اللجنة المالية لمجلس النواب الذي تلي في جلسة 27 إبريل سنة 1927 إذ طلب فيه السعي لدى الدول لأجل التخلص من الحالة الاستثنائية الشاذة التي يقولون إنها نشأت عن الامتيازات مع أنها لم تنشأ في الواقع إلا عن سوء تنفيذ الامتيازات لأن هذه الامتيازات لا تعطي أي امتياز مطلقًا للأجانب فيما يتعلق بدفع الضرائب بل كل ما ترمي إليه هو حماية الأجانب من سوء تصرف الحكام في فرض الضرائب، أما مبدأ المساواة في دفعها فقد تقرر غير مرة كما تقرر في سنة 1885... إلخ (راجع مضبطة جلسة مجلس النواب في 27 إبريل سنة 1927).
[(24)] كانت الدول التي تتمتع بالامتيازات في مصر إلى ما قبل الحرب العظمى خمسة عشر دولة وهي بريطانيا وأمريكا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبلجيكا وهولندا والنرويج والسويد والدانمارك واليونان والبرتغال والنمسا والمجر وروسيا وألمانيا.
[(25)] مما يذكر بهذه المناسبة أن عصبة الأمم دعت الدول للاجتماع في مؤتمر دولي لبحث مشروع معاهدة خاصة بمراقبة الاتجار الدولي للأسلحة والذخائر والمهمات الحربية وقد عقد المؤتمر فعلاً من 4 مايو إلى 17 يونية سنة 1925 ومثلت فيه مصر وتقرر فيه تقييد الاتجار ببعض أنواع الأسلحة وفي بعض المناطق وقد سعى ممثلو مصر ليحصلوا على موافقة بقية ممثلي الدول على تقرير المساواة بين الأجانب والوطنيين المقيمين في مصر في شأن تطبيق القيود الواردة في المعاهدة وانتهى الأمر بوضع نص في المعاهدة يقضي بأن تتعهد الدول المتعاقدة التي تتمتع بحق قضائي في إقليم دولة أخرى من ضمن الدول المشتركة في المعاهدة بأن تمنع رعاياها المقيمين في هذا الإقليم من القيام بأي عمل يخالف أحكام المعادة ولكن هذا لا يفيد تطبيق أحكام المعاهدة بمعرفة الحكومة المصرية على الأجانب المقيمين في إقليمها بل تطبقها قناصل الدول الأجنبية في مصر، وكذلك دعت عصبة الأمم الدول لعقد مؤتمر لمحو مسائل المواد المخدرة وتقيد استعمالها وعقد المؤتمر فعلاً في أوائل سنة 1925، ومثلت فيه مصر وتقرر فيه مراقبة الاتجار بالمواد المخدرة مراقبة شديدة وتقييد إنتاجها وقد قامت الحكومة فعلاً بنصيب كبير في هذا الشأن إذ وضعت مرسومًا بقانون في 21 مارس سنة 1925 رفعت فيه العقوبة الخاصة باستعمال المواد المخدرة أو الاتجار بها بدون رخصة إلى عقوبة الجنح التي تصل إلى الحبس لمدة ثلاث سنوات مع غرامة قد تصل إلى 300 جنيه، ولكن للأسف لا تزال العقوبة بالنسبة للأجانب هي عقوبة المخالفات مع أن أكثر المتجرين في هذه المواد من الأجانب فلذلك لا يمكن تنفيذ قرارات المؤتمر الذي دعت له عصبة الأمم ولم تطلق يد الحكومة المصرية لتضرب بشدة على أيدي الأجانب.