المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسباب الإجرام عند علماء السياسة



Bakenam
01-28-2009, 05:24 PM
بداية، لابدَّ من القول: إن هناك تمازجاً بين وجهة نظر سياسية ووجهة نظر اقتصادية في هذا البحث، لكن جاءت التسمية هكذا، وملخص القول في ذلك، وبشكل مختصر جداً:

إن المجتمعات - على حد تعبير كارل ماركس - خلال التاريخ البشري، عرفت أنواعاً من التشكيلات الاجتماعية: البدائية، والرق، والإقطاع، والرأسمالية، والشيوعية، وفي قلب كل واحدة منها - عدا الشيوعية - يولد أسلوب جديد في الإنتاج، يوصله في النهاية إلى الانهيار نتيجة الصراع الطبقي.

وعلى حد تعبيره، فلابدَّ من الانتقال إلى الاشتراكية، ثم إلى الشيوعية (حتمية تاريخية!!) - ولو طال الزمن - وبرر ذلك بعدم سكوت الطبقة العاملة (البروليتاريا) عن ظلم الطبقة البرجوازية، وبالتالي فلابدَّ من الثورة وامتلاك وسائل الإنتاج.

من هنا، كان التركيز في هذه النظرية على الجانب الاقتصادي لذلك قالوا:

إن التناقضات التي تحدث داخل المجتمع الرأسمالي، تخلق أشكالاً من الصراعات، وليست الجريمة إلا شكلاً منها، أو بتعبير آخر: ليست الجريمة إلا تعبيراً عن الصراع بين الفرد والظروف المحيطة به.

ثم ظهرت مدرسة الدفاع الاجتماعي والتي تتلخص مقولاتها على حد تعبير غراماتيكا بما يلي:

1- الإنسان هو المشكلة التي يجب أن تبحثها النظرية الاجتماعية وتعتني بها.

2- والتربية الاجتماعية هي الحل الوحيد للقضاء على ما يؤدي إلى الجريمة.

3- يجب دراسة أسباب الخلل والاضطرابات الاجتماعية بهدف القضاء عليها كلياً.

4- يجب تحقيق الرفاه لكل فرد وبالتالي للمجتمع كله.

إن المدرسة الماركسية ثورية انقلابية، بينما مدرسة الدفاع الاجتماعي إصلاحية هادئة، أما ما قدمته تلك المدرستان من أفكار حول الجرائم، فكان منها ما يلي:

(ماركس وأنجلز) كرسا الجزء الثالث من كتابهما (الأيديولوجية الألمانية) للحقوق والجريمة والعقوبة.

ثم نشر (ماركس) كتابه (نظريات فضل القيمة) تحدث فيه عن الإجرام والمهن.

كذلك اهتم (أنجلز) بهذا الأمر، فتحدث مطولاً عن ذلك في كتابه (أوضاع الطبقة العاملة في انكلترا/1844).

ثم جاء العالم الإيطالي (فيليو توراتي) - وهو ماركسي أيضاً - ليقدم دراسة عن الجريمة، وأن سببها الأول هو العامل الاقتصادي، وكان ذلك في كتاب له: (الجريمة والمسألة الاجتماعية)

ثم كتب العالم الإيطالي الماركسي (نابليون كولاجاني) كتابه (علم الاجتماع الجنائي). وهكذا حتى جاء الهولندي (وليم أدريان بونجير) فقدم أوسع دراسة ماركسية عن الجريمة في كتابه (الإجرام والظروف الاقتصادية)، ونفى فيه أن يكون سبب الفعل الإجرامي عاملاً بيولوجياً، وقال: إن السبب هو عامل اقتصادي بحت.

ويحلل الأمر أكثر فيقول: الجريمة هي فعل أناني، لذلك تندر في مجتمعات المشاع البدائية، لأن كل الإنتاج ينقسم بين الجميع، بينما تزداد في مجتمعات الرأسمالية، لأن أصحاب الأموال ينهبون (بدافع الأنا) عرق وجهد العمال.

وعندما وصل العمال والفقراء والفلاحون إلى سدة الحكم في (الاتحاد السوفياتي سابقاً)، تركز الحديث، وسنت القوانين على هذا الأساس. لذلك ظهرت أفكار: كاللوم الأخلاقي، والأخلاق الاشتراكية، والضمير الأخلاقي!!

وركزت السلطات هناك على سحق الجرائم التي خلقتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية، والتي كانت سائدة ما قبل الثورة، وجاء الحديث بتعبيرات (رواسب الماضي، أو بقايا البرجوازية..).

لكن، لم تخل النظرية الماركسية من أخطاء قاتلة، والدليل العملي على ذلك، أنه لم تمر أكثر من (سبعين عاماً) على قيام الثورة التي جسدتها، حتى انهارت الدولة والأحلام التي كانوا يحلمون بها، وذهبت (الحتمية التاريخية) إلى حيث تذهب الريح بريشة خفيفة، وبتصدع هذا البناء للدولة، ظهرت الجرائم المنظمة (المافيا) وظهرت السرقات والتجسس!!

الاتجاه التكاملي في تفسير الجريمة:

يرى أصحاب هذا الاتجاه أن السلوك الإجرامي هو سلوك مركب لا يمكن أن يخضع للتجزئة، أي لعوامل ذات صبغة اجتماعية أو عضوية أو نفسية خالصة، بل إن مزيجاً مشتركاً من عدة عوامل هو الذي يؤدي إلى ارتكاب الجريمة. ولذلك دلّت أعمال الأمريكيين (شلدون واليانور جلوك) على اتجاه تعددي ينظر إلى الإنسان على أنه وحدة عضوية نفسية اجتماعية، وانعكس ذلك في بحوثهما التتبعية طويلة المدى، ووصولهما إلى ثلاثة جداول للتنبؤ بالنجاح.. أحدها يحتوي على عوامل اجتماعية مثل معاملة الأب ورقابة الأم واهتمام الوالدين، والثاني خاص بالعوامل النفسية مثل الرغبة في تأكيد الذات والميل إلى التخريب، والثالث يتعلق بالعوامل المتأثرة بالجهاز العضوي مثل المخاطر والاستسلام والانبساط.

وظهرت أيضاً نظرية الاحتواء، لعالم الإجرام الأمريكي (والتركلس)، والتي ترجع السلوك الإجرامي إلى فشل الاحتواء الداخلي، وهو قدرة الفرد على الإمساك عن تحقيق رغباته بطرق منافية للمعايير الاجتماعية، والاحتواء الخارجي وهو قدرة الجماعة أو النظم الاجتماعية على أن تجعل لمعاييرها الاجتماعية أثراً فعالاً على الأفراد.

كذلك، كان من أنصار الاتجاه التكاملي هذا، العالم الاجتماعي الأمريكي (كلارنس جيفري) صاحب نظرية التحول الاجتماعي، والذي حاول فيها دمج المفاهيم النفسية والاجتماعية للإجرام، مشيراً إلى ارتفاع معدلات الجريمة بين الجماعات التي يتسم تفاعلها الاجتماعي بالانعزالية واللامعيارية.

وتعتبر هذه النظريات التكاملية مهمة في تحليل دور الشخصية، بوصفها متغيراً وسيطاً بين ضغوط البيئة الاجتماعية، وبين نشوء السلوك الإجرامي. لكن من سلبياتها، أنها اقتصرت في مجالها على تأثر الشخصية بالظروف الاجتماعية، وعجزت عن تفسير الطابع الاجتماعي للجريمة الذي قد يختلف باختلاف البناء الاجتماعي، والذي يرى البعض ضرورة تفسيره على مستوى الجماعة أو المجتمع ككل.

الاتجاه النوعي في تفسير الجريمة:

بعد أن عجز الباحثون عن الوصول إلى اتفاق على صياغة نظرية موحدة تستطيع تفسير السلوك الإجرامي، ظهر اتجاه حديث يحاول أن يركز على نمط خاص للجريمة، وكان من بين هؤلاء (ستيورات لوتيير) والذي قدَّم نظرية التوتر في جريمة النصب وملخصها: إن المذنب عندما يقوم على انفراد بعملية النصب إنما يكون بذلك محاولاً التخفيف عما يعانيه من توتر.

كذلك، ظهرت - حديثاً - دراسات تتحدث عن جريمة الاغتصاب الجنسي، مبررةً ذلك العمل الشائن بأنه أداة لتحقيق رغبة الرجل المغتصب ليؤكد سلطته وسيطرته، وليدنس ويذلّ المرأة ويحطّ من شأنها