ORED_ELGANA
04-10-2008, 09:11 AM
مقدمة
قد يخطئ كثير من الناس في الحكم على الصوفية ويظن أنهم طائفة خارجة على الإسلام وذلك ربما يكون بحسن نية لما يسمعه ممن لا علم لهم بحقائق الأمور ولذلك لابد من تجلية هذا الأمر في أذهان من التبس عليهم شأنهم فاستعين بالله تعالى وأتبرأ من حولي وقوتي قاصداً وجه الله تعالى متحرياً الحق ما استطعت إلى ذلك سبيلاً مشيرا إلى بعض الحقائق الثابتة محاولا التقريب بين وجهات النظر ملتمسا العذر للباحثين عن الحقيقة في هذا الموضوع ما دام قصدهم الوصول إلى صراط الله المستقيم لان صادق النية له اجر إذا كان متجردا عن الهوى والتعصب باحثا عن الحقيقة مزعنا لها أينما كانت وان الهدف الأساسي من هذا البحث هو جمع كلمة المسلمين ووحدتهم وإيجاد روح المحبة والتعاون بينهم حتى نتفرغ لأعدائنا ونستجمع قوتنا لتخليص بيت المقدس وأرضنا السليبة ومؤازرة إخواننا المسلمين في أفغانستان وفي كل مكان من ارض الله التي يذكر فيها اسمه لأنه عدونا واحد وإلهنا واحد وديننا واحد وقبلتنا واحدة ونبينا واحد ] [r ولا يريد أعداؤنا منا اكثر من الخلاف وضياع الوقت في الجدال وتمزيق الأمة حتى ننشغل بهذه الأمور الجانبية عن الأمور الكبيرة التي يجب علينا أن نجاهد من اجلها .
وانه من الأمور البديهية والمسلمات الثابتة التى لا اختلاف فيها أن المسلم يجب أن يحمل حالة علي احسن الوجوه وان نلتمس له المعاذير لتبرير وجهة نظره إذا وجدنا إلى ذلك سبيلا وخاص إذا ني عن نفسه الباطل وأعلن ولو بصفة إجمالية انه يريد الحق ويؤمن به وذلك يتجلي فيما قاله] [r لأسامة بن زيد : وقد هم يقبل رجل بعد أن نطق بالشهادة : ( أفلا شققت عن قلبه)رواه البخاري
وظل ] [r يعنفه ويلومه علي ذلك مع أن حالة الرجل ونطقه بالشهادة بعد أن تمكن منه أسامه بن زيد توحي بأنه قالها تقيه بعد أن تمكن منه ، وانتصر عليه ولكن الإسلام يضع لنا منهجا ربانيا قويما ولان نخطئ في العفو خير من أن نخطئ في العقوبة وانه يجب علينا أن نكل بواطن الأمور إلى الله ونحكم للمسلم بما أعلنه عن نفسه وجعله شعاره وعنوان عقيدته وليس لنا أن نحمل حالة علي شئ آخر مهما كانت الأسباب وهكذا الأمر ينطبق علي حالة الصوفية و ما يصلنا من أقوالهم وأحوالهم فانك لو سألت أي أحد من هؤلاء القوم أو ممن ينتسب إليهم هل هناك أدنى مخالفة للكتاب والسنة يعتقدها الصوفية لأجابك الجميع بشدة ويقين انه ليس للصوفية أي ابتداع في الدين أو مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله ] [r .
اتباع الكتاب والسنة
واليك بعض أقوال أئمتهم : يقول الإمام أبو القاسم الجنيد الملقب بسيد الطائفة : الطرق كلها مسدودة علي الخلق إلا علي من اقتفي أثار رسول الله ] [r وقال : من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدي به في هذا الأمر - أي التصوف – لان علمنا مقيد بالكتاب والسنة .
وقال سهل بن عبد الله : كل فعل يفعله العبد بغير اقتداء – أي بالمعصوم ] [r - فهو عيش النفس أي من هوى النفس لا يقبله الله تعالي وهو من كبار الصوفية .
وقال أبو العباس احمد بن أبى الحواري : من عمل عملا بلا اتباع سنة رسول الله ] [r فباطل عمله وقال أبو الحسن النوري : من رأيتموه يدعي مع الله عز وجل حالة تخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربوا منه وهو من أئمة الصوفية .
وقال ابن عطاء الله السكندري : من ألزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام اشرف من مقام متابعة الحبيب ] [r في أوامره وأفعاله وأخلاقه وقال أبو حمزة البغدادي : لا دليل علي الطريق إلى الله إلا متابعة الرسول ] [r في أحواله وأقواله وأفعاله وقال أبو القاسم النصر اباذي عالم خرسان : اصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة وترك الأهواء والبدع وترك الرخص والتأويلات .
وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي عن الصوفي : إن سالك سبيل الله قليل والمدعي فيه كثير ونحن نعرفك علامتين له الأولى : أن تكون جميع أفعاله موزونة بميزان الشرع موقوفة علي توقيفاته إيرادا وإصدارا وإقداما وإحجاما إذ لا يمكن سلوك هذا السبيل إلا بعد التلبس بمكارم الشريعة كلها والثانية : لا يصل فيه إلا من واظب علي جملة من النوافل فكيف يصل إليه من أهمل الفرائض .
وقال الإمام التستي : أصول طريقتنا – أي منهج الصوفية – سبعة : التمسك بالكتاب والاقتداء بالسنة واكل الحلال وكف الأذى وتجنب المعاصي لزوم التوبة وأداء الحقوق وقال أبو حفص أحد كبار الصوفية : من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا يعد في ديوان الرجال وقال الشيخ محيي الدين بن عربي : لا يرتجي الوصول من لم يتابع الرسول ] [r ويقول أبو يزيد البسطامي : لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة .
ويقول أبو الحسن الشاذلي : إذا تعارض كشفك مع الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف وقل لنفسك إن الله تعالي ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة إلا بعد عرضها علي الكتاب والسنة إلى غير ذلك من الأقوال الكثيرة التى تبين إن الاستقامة علي الشريعة المطهرة هي افضل من أي كرامة .
أدعياء التصوف
وبناء علي ذلك نري أن كل ما يخالف الإسلام في شئ فلا تصح نسبته إلى الصوفية والتصوف إنما هو من ضلالات المدعين الذين انتسبوا للتصوف زورا وبهتانا أو من الأمور المدسوسة علي كتبهم بقصد الطعن في هؤلاء القوم وتشويه صورتهم ونهجهم كما حدث في كتب التفسير من الإسرائيليات التى تتنافى مع ما عرف عن هؤلاء المفسرين من حرص علي بيان الحق والبعد عن هذه المرويات الملفقة وكذلك ما جاء في كتب الحديث من الأحاديث الموضوعة وقام العلماء الأجلاء ببيانها وذلك فإني أرى إن الهوة بين المعارضين للتصوف نشأت من اقتناعهم بان هذه الأقوال الباطلة هى من صميم آرائهم ولو انهم وضعوا الأمور في نصابها ونظروا نظرة فاحصة مستبصرة لوجب عليهم ألا يلصقوا هذه الأقوال الشنيعة بهؤلاء القوم ويحسنوا الظن بهم وخاصة انهم قد لقوا ربهم واصبحوا بين يدي الله تعالي وأفضوا إلى ما قدموا .
افتراء وكذب
إليك بعض الأمثلة علي ذلك الدس والافتراء علي هؤلاء القوم يقول الشيخ عبد الوهاب الشعرني في كتابه لطائف المنن : ( ومما من الله تبارك وتعالي به علي صبري علي الحسدة والأعداء لما دسوا في كتبي كلاما يخالف ظاهر الشريعة وذلك ما صنفت كتاب : البحر المورودفي المواثيق والعهود وكتب عليه علماء المذاهب الأربعة بمصر وتسارع الناس لكتابته فكتبوا منه نحو أربعين نسخة غار من ذلك الحسدة فاحتالوا علي بعض المغفلين من أصحابي واستعاروا منه نسخته وكتبوا لهم منها بعض كراريس ودسوا فيها عقائد زائفة ومسائل خارقة لإجماع المسلمين وحكايات وسخريات عن جحا وابن الراوندي وسبكوا في ذلك غضون الكتاب في مواضيع كثيرة حتى كأنهم المؤلف ثم اخذوا تلك الكراريس وأرسلوها إلى سوق الكتب في يوم السوق وهو مجمع طلبة العلم فنظروا في تلك الكراريس ورأوا اسمي عليها فاشتراها من لا يخشى الله تعالي ثم دار بها علي علماء الجامع الأزهر فأوقع ذلك فتنة كبيرة ومكث النادي يدورون في المساجد والأسواق وبيوت الأمراء نحو سنة وانتصر لي الشيخ نصر الدين القاني وشيخ الإسلام الحنبلي والشيخ شهاب الدين بن الحلبي كل ذلك وأنا لا اشعر فأرسل لي شخص من المحبين بالجماع الأزهر واخبرني الخبر فأرسلت نسختي التى عليها خطوط العلماء فنظروا فيها لم يجدوا فيها شيئا مما دسه هؤلاء الحسدة ...الخ .
وذلك في كتابه : لطائف المنن والأخلاق ج2 ص 190 وقد ذكر ذلك أيضا المؤرخ الكبير عبد الحي بن العماد الحنبلي في كتابه شذرات الذهب ج 8 ص 374 حيث قال : ( وحسده طوائف فدسوا عليه كلمات تخالف ظاهر الشرع وعقائد زائفة ومسائل تخالف الإجماع فخذلهم الله وأظهره الله عليهم وكان مواظبا علي السنة ومبالغا في الورع ...) الخ .
ومن ذلك يتبين واضحا جليا أن كل ما نراه في الكتب منسوبا إليهم وهو مخالف للشرع كما في الطبقات الكبرى للشعراني فهو من وضع الزنادقة وقد جاء في كتاب حقائق عن التصوف للشيخ عبدالقادر عيسي ص 508 وكذلك دسوا علي الشيخ محيي الدين ابن عربي رحمة الله قال الشعراني " كان رضي الله عنه متقيدا بالكتاب والسنة ويقول : كل من رمي ميزان الشريعة من يده لحظة هلك " إلى أن قال " جميع ما عارض من كلامه ظاهر الشريعة وما عليه الجمهور فهو مدسوس عليه كما اخبرني بذلك سيدي أبو طاهر المغربي ثم اخرج لي نسخة الفتوحات المكية التى قابلها علي نسخة الشيخ التي بخطه في مدينة قونية فلم ير فيها شيئا مما كنت توقفت فيه وحذفته حين اختصرت الفتوحات كما جاء في اليواقيت والجواهر ج 1 ص 9 .
وذكر العلامة ابن عابدين الفقيه الحنفي وصاحب اكبر موسوعة في الفقه الحنيفي أن الراجح عنده بالنسبة لما ورد في كتب الشيخ محيي الدين بن عربي مما يخالف الشرع بأنه مفترى عليه ولذلك تجد نص عبارة صاحب الدر المختار ج 3 ص 303 : " لكن الذي تيقنته أن بعض اليهود افتراها علي الشيخ قدس الله سره " بل أن ابن تيميه نفسه يعترف بالدس علي السيدة رابعة العدوية حيث يقول : (وأما ما ذكر عن رابعة عن قولها عن البيت الحرام انه الصنم المعبود في الأرض كذب علي رابعة المؤمنة التقية ..) وذلك في كتاب مجموعة الرسائل والمسائل لا بن تيميه ج1 ص 80 .
كلمة الصوفية وسببها
وأما بالنسبة للتسمية التى كثر حولها الخلاف فنكتفي بما قاله الإمام الشاطبي ناقلا عن أبى القاسم القشيري في كتاب الاعتصام ج1 ص 89 ما يلي : " انهم إنما اختصوا باسم التصوف انفرادا به عن أهل البدع فذكر إن المسلمين بعد رسول الله ] [r لم يتسم أفاضلهم في عصرهم باسم علم سوي الصحبة إذ لا فضيلة فوقها ثم سمي من يليهم التابعين ورأوا هذا الاسم اشرف الأسماء ثم قيل لمن بعدهم اتباع التابعين ثم اختلف الناس وتباينت المراتب فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية في الدين : الزهاد والعباد قال : ثم ظهرت البدع وادعي كل فريق أن فيهم زهادا وعبادا فانفر خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله الحافظون قلوبهم عن الغفلة باسم التصوف .
وقد ذكر الشيخ مح الحافظ التيجاني في كتابه أهل الحق : " قال الشيخ ابن تيميه في رسالته الصوفية والفقراء ص18 طبع المنار سنة 1928م عن اصطلاح القوم : وهم يسيرون بالصوفية إلى معنى الصديق وافضل الخلق بعد الأنبياء الصديقون ولا مشاحة في الاصطلاح فمن جميع بين صفاء العلم في اسمي مرتبه من الشهود الجامع لعلم اليقين وعين اليقين وصفاء العمل في اسمي مرتبة من الإخلاص وصفاء الحال في ذروة الصدق والحب الإلهي والمحبوبية فادعه من الربانيين أو قل من الصديقين أو ادعه صوفيا فلا جناح عليك فالمسمي واحد وان اختلفت الأسماء .
شهادة علماء الإسلام
وهذه شهادة علماء الأمة الإسلامية لمنهج التصوف والصوفية ونبدأهم بالأئمة الأربعة رحمهم الله تعالي فقد نقل الفقيه الحنفي الحصكفي صاحب الدر المختار : إن أبا علي الدقاق رحمة الله تعالي قال : أنا أخذت هذه الطريقة من أبى القاسم النصر اباذي ، وقال أبو القاسم أنا أخذتها من الشبلي ، وهو من السري السقطي ، وهو من معروف الكرخي ، وهو من داود الطائى ، وهو اخذ العلم والطريقة من أبى حنيفة رضي الله عنه ، وكل منهم اثني عليه واقر بفضله . ثم قال صاحب الدر معلقا : فيا عجبا لك يا أخي ! ألم يكن لك أسوة حسنة في هؤلاء السادات الكبار ؟ أكانوا متهمين في هذا الإقرار والافتخار وهم أئمة هذه الطريقة وأرباب الشريعة والحقيقة ؟ ومن بعدهم في هذا الأمر فلهم تبع ، وكل ما خالف ما اعتمدوه مردود مبتدع وذلك في كتاب الدر المختار ج 1 ص 43 وعليه حاشية ابن عابدين .
وقال الإمام مالك : ( من تفقه ولم يتصوف فق تفسق من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن جمع بينهما فقد تحقق ) وذلك في كتاب: ( الشفا للقاضي عياض ) شرح ملا علي القارئ ج5 ص 408 وذكرها أيضا في كتابه عين العلم وزين الحلم ج1 ص 33ونقلها كذلك العلامة العدوي علي شرح الإمام أبى الحسن في الفقه المالكي ج2 ص 195 وجاء عن الإمام الشافعي قوله : حبب إلى من دنياكم ثلاث : ترك التكلف وعشرة الخلق بالتلطف والاقتداء بطرق أهل التصوف) وذلك في كتاب : ( كشف الخفايا ومزيل الإلباس فيما اشتهر من الأحاديث علي السنة الناس ) للعجلوني ج 1 ص 341 .
ونقل العلامة محمد السفاريني الحنبلي عن إبراهيم بن عبد الله القلانس أن الإمام احمد بن حنبل قال عن الصوفية : 0 لا اعلم أقواما افضل منهم قيل : انهم يستمعون ويتواجدون ؟ قال : دعوهم يفرحوا مع الله ساعة ) وهذا في كتاب : غذاء الألباب شرح منظومة الآداب ج 1 ص 10 فهذه أقوال الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالي في بيان فضل علم التصوف ومنزلة السادة الصوفية في الإسلام .
قد يخطئ كثير من الناس في الحكم على الصوفية ويظن أنهم طائفة خارجة على الإسلام وذلك ربما يكون بحسن نية لما يسمعه ممن لا علم لهم بحقائق الأمور ولذلك لابد من تجلية هذا الأمر في أذهان من التبس عليهم شأنهم فاستعين بالله تعالى وأتبرأ من حولي وقوتي قاصداً وجه الله تعالى متحرياً الحق ما استطعت إلى ذلك سبيلاً مشيرا إلى بعض الحقائق الثابتة محاولا التقريب بين وجهات النظر ملتمسا العذر للباحثين عن الحقيقة في هذا الموضوع ما دام قصدهم الوصول إلى صراط الله المستقيم لان صادق النية له اجر إذا كان متجردا عن الهوى والتعصب باحثا عن الحقيقة مزعنا لها أينما كانت وان الهدف الأساسي من هذا البحث هو جمع كلمة المسلمين ووحدتهم وإيجاد روح المحبة والتعاون بينهم حتى نتفرغ لأعدائنا ونستجمع قوتنا لتخليص بيت المقدس وأرضنا السليبة ومؤازرة إخواننا المسلمين في أفغانستان وفي كل مكان من ارض الله التي يذكر فيها اسمه لأنه عدونا واحد وإلهنا واحد وديننا واحد وقبلتنا واحدة ونبينا واحد ] [r ولا يريد أعداؤنا منا اكثر من الخلاف وضياع الوقت في الجدال وتمزيق الأمة حتى ننشغل بهذه الأمور الجانبية عن الأمور الكبيرة التي يجب علينا أن نجاهد من اجلها .
وانه من الأمور البديهية والمسلمات الثابتة التى لا اختلاف فيها أن المسلم يجب أن يحمل حالة علي احسن الوجوه وان نلتمس له المعاذير لتبرير وجهة نظره إذا وجدنا إلى ذلك سبيلا وخاص إذا ني عن نفسه الباطل وأعلن ولو بصفة إجمالية انه يريد الحق ويؤمن به وذلك يتجلي فيما قاله] [r لأسامة بن زيد : وقد هم يقبل رجل بعد أن نطق بالشهادة : ( أفلا شققت عن قلبه)رواه البخاري
وظل ] [r يعنفه ويلومه علي ذلك مع أن حالة الرجل ونطقه بالشهادة بعد أن تمكن منه أسامه بن زيد توحي بأنه قالها تقيه بعد أن تمكن منه ، وانتصر عليه ولكن الإسلام يضع لنا منهجا ربانيا قويما ولان نخطئ في العفو خير من أن نخطئ في العقوبة وانه يجب علينا أن نكل بواطن الأمور إلى الله ونحكم للمسلم بما أعلنه عن نفسه وجعله شعاره وعنوان عقيدته وليس لنا أن نحمل حالة علي شئ آخر مهما كانت الأسباب وهكذا الأمر ينطبق علي حالة الصوفية و ما يصلنا من أقوالهم وأحوالهم فانك لو سألت أي أحد من هؤلاء القوم أو ممن ينتسب إليهم هل هناك أدنى مخالفة للكتاب والسنة يعتقدها الصوفية لأجابك الجميع بشدة ويقين انه ليس للصوفية أي ابتداع في الدين أو مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله ] [r .
اتباع الكتاب والسنة
واليك بعض أقوال أئمتهم : يقول الإمام أبو القاسم الجنيد الملقب بسيد الطائفة : الطرق كلها مسدودة علي الخلق إلا علي من اقتفي أثار رسول الله ] [r وقال : من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدي به في هذا الأمر - أي التصوف – لان علمنا مقيد بالكتاب والسنة .
وقال سهل بن عبد الله : كل فعل يفعله العبد بغير اقتداء – أي بالمعصوم ] [r - فهو عيش النفس أي من هوى النفس لا يقبله الله تعالي وهو من كبار الصوفية .
وقال أبو العباس احمد بن أبى الحواري : من عمل عملا بلا اتباع سنة رسول الله ] [r فباطل عمله وقال أبو الحسن النوري : من رأيتموه يدعي مع الله عز وجل حالة تخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربوا منه وهو من أئمة الصوفية .
وقال ابن عطاء الله السكندري : من ألزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام اشرف من مقام متابعة الحبيب ] [r في أوامره وأفعاله وأخلاقه وقال أبو حمزة البغدادي : لا دليل علي الطريق إلى الله إلا متابعة الرسول ] [r في أحواله وأقواله وأفعاله وقال أبو القاسم النصر اباذي عالم خرسان : اصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة وترك الأهواء والبدع وترك الرخص والتأويلات .
وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي عن الصوفي : إن سالك سبيل الله قليل والمدعي فيه كثير ونحن نعرفك علامتين له الأولى : أن تكون جميع أفعاله موزونة بميزان الشرع موقوفة علي توقيفاته إيرادا وإصدارا وإقداما وإحجاما إذ لا يمكن سلوك هذا السبيل إلا بعد التلبس بمكارم الشريعة كلها والثانية : لا يصل فيه إلا من واظب علي جملة من النوافل فكيف يصل إليه من أهمل الفرائض .
وقال الإمام التستي : أصول طريقتنا – أي منهج الصوفية – سبعة : التمسك بالكتاب والاقتداء بالسنة واكل الحلال وكف الأذى وتجنب المعاصي لزوم التوبة وأداء الحقوق وقال أبو حفص أحد كبار الصوفية : من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا يعد في ديوان الرجال وقال الشيخ محيي الدين بن عربي : لا يرتجي الوصول من لم يتابع الرسول ] [r ويقول أبو يزيد البسطامي : لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة .
ويقول أبو الحسن الشاذلي : إذا تعارض كشفك مع الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف وقل لنفسك إن الله تعالي ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة إلا بعد عرضها علي الكتاب والسنة إلى غير ذلك من الأقوال الكثيرة التى تبين إن الاستقامة علي الشريعة المطهرة هي افضل من أي كرامة .
أدعياء التصوف
وبناء علي ذلك نري أن كل ما يخالف الإسلام في شئ فلا تصح نسبته إلى الصوفية والتصوف إنما هو من ضلالات المدعين الذين انتسبوا للتصوف زورا وبهتانا أو من الأمور المدسوسة علي كتبهم بقصد الطعن في هؤلاء القوم وتشويه صورتهم ونهجهم كما حدث في كتب التفسير من الإسرائيليات التى تتنافى مع ما عرف عن هؤلاء المفسرين من حرص علي بيان الحق والبعد عن هذه المرويات الملفقة وكذلك ما جاء في كتب الحديث من الأحاديث الموضوعة وقام العلماء الأجلاء ببيانها وذلك فإني أرى إن الهوة بين المعارضين للتصوف نشأت من اقتناعهم بان هذه الأقوال الباطلة هى من صميم آرائهم ولو انهم وضعوا الأمور في نصابها ونظروا نظرة فاحصة مستبصرة لوجب عليهم ألا يلصقوا هذه الأقوال الشنيعة بهؤلاء القوم ويحسنوا الظن بهم وخاصة انهم قد لقوا ربهم واصبحوا بين يدي الله تعالي وأفضوا إلى ما قدموا .
افتراء وكذب
إليك بعض الأمثلة علي ذلك الدس والافتراء علي هؤلاء القوم يقول الشيخ عبد الوهاب الشعرني في كتابه لطائف المنن : ( ومما من الله تبارك وتعالي به علي صبري علي الحسدة والأعداء لما دسوا في كتبي كلاما يخالف ظاهر الشريعة وذلك ما صنفت كتاب : البحر المورودفي المواثيق والعهود وكتب عليه علماء المذاهب الأربعة بمصر وتسارع الناس لكتابته فكتبوا منه نحو أربعين نسخة غار من ذلك الحسدة فاحتالوا علي بعض المغفلين من أصحابي واستعاروا منه نسخته وكتبوا لهم منها بعض كراريس ودسوا فيها عقائد زائفة ومسائل خارقة لإجماع المسلمين وحكايات وسخريات عن جحا وابن الراوندي وسبكوا في ذلك غضون الكتاب في مواضيع كثيرة حتى كأنهم المؤلف ثم اخذوا تلك الكراريس وأرسلوها إلى سوق الكتب في يوم السوق وهو مجمع طلبة العلم فنظروا في تلك الكراريس ورأوا اسمي عليها فاشتراها من لا يخشى الله تعالي ثم دار بها علي علماء الجامع الأزهر فأوقع ذلك فتنة كبيرة ومكث النادي يدورون في المساجد والأسواق وبيوت الأمراء نحو سنة وانتصر لي الشيخ نصر الدين القاني وشيخ الإسلام الحنبلي والشيخ شهاب الدين بن الحلبي كل ذلك وأنا لا اشعر فأرسل لي شخص من المحبين بالجماع الأزهر واخبرني الخبر فأرسلت نسختي التى عليها خطوط العلماء فنظروا فيها لم يجدوا فيها شيئا مما دسه هؤلاء الحسدة ...الخ .
وذلك في كتابه : لطائف المنن والأخلاق ج2 ص 190 وقد ذكر ذلك أيضا المؤرخ الكبير عبد الحي بن العماد الحنبلي في كتابه شذرات الذهب ج 8 ص 374 حيث قال : ( وحسده طوائف فدسوا عليه كلمات تخالف ظاهر الشرع وعقائد زائفة ومسائل تخالف الإجماع فخذلهم الله وأظهره الله عليهم وكان مواظبا علي السنة ومبالغا في الورع ...) الخ .
ومن ذلك يتبين واضحا جليا أن كل ما نراه في الكتب منسوبا إليهم وهو مخالف للشرع كما في الطبقات الكبرى للشعراني فهو من وضع الزنادقة وقد جاء في كتاب حقائق عن التصوف للشيخ عبدالقادر عيسي ص 508 وكذلك دسوا علي الشيخ محيي الدين ابن عربي رحمة الله قال الشعراني " كان رضي الله عنه متقيدا بالكتاب والسنة ويقول : كل من رمي ميزان الشريعة من يده لحظة هلك " إلى أن قال " جميع ما عارض من كلامه ظاهر الشريعة وما عليه الجمهور فهو مدسوس عليه كما اخبرني بذلك سيدي أبو طاهر المغربي ثم اخرج لي نسخة الفتوحات المكية التى قابلها علي نسخة الشيخ التي بخطه في مدينة قونية فلم ير فيها شيئا مما كنت توقفت فيه وحذفته حين اختصرت الفتوحات كما جاء في اليواقيت والجواهر ج 1 ص 9 .
وذكر العلامة ابن عابدين الفقيه الحنفي وصاحب اكبر موسوعة في الفقه الحنيفي أن الراجح عنده بالنسبة لما ورد في كتب الشيخ محيي الدين بن عربي مما يخالف الشرع بأنه مفترى عليه ولذلك تجد نص عبارة صاحب الدر المختار ج 3 ص 303 : " لكن الذي تيقنته أن بعض اليهود افتراها علي الشيخ قدس الله سره " بل أن ابن تيميه نفسه يعترف بالدس علي السيدة رابعة العدوية حيث يقول : (وأما ما ذكر عن رابعة عن قولها عن البيت الحرام انه الصنم المعبود في الأرض كذب علي رابعة المؤمنة التقية ..) وذلك في كتاب مجموعة الرسائل والمسائل لا بن تيميه ج1 ص 80 .
كلمة الصوفية وسببها
وأما بالنسبة للتسمية التى كثر حولها الخلاف فنكتفي بما قاله الإمام الشاطبي ناقلا عن أبى القاسم القشيري في كتاب الاعتصام ج1 ص 89 ما يلي : " انهم إنما اختصوا باسم التصوف انفرادا به عن أهل البدع فذكر إن المسلمين بعد رسول الله ] [r لم يتسم أفاضلهم في عصرهم باسم علم سوي الصحبة إذ لا فضيلة فوقها ثم سمي من يليهم التابعين ورأوا هذا الاسم اشرف الأسماء ثم قيل لمن بعدهم اتباع التابعين ثم اختلف الناس وتباينت المراتب فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية في الدين : الزهاد والعباد قال : ثم ظهرت البدع وادعي كل فريق أن فيهم زهادا وعبادا فانفر خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله الحافظون قلوبهم عن الغفلة باسم التصوف .
وقد ذكر الشيخ مح الحافظ التيجاني في كتابه أهل الحق : " قال الشيخ ابن تيميه في رسالته الصوفية والفقراء ص18 طبع المنار سنة 1928م عن اصطلاح القوم : وهم يسيرون بالصوفية إلى معنى الصديق وافضل الخلق بعد الأنبياء الصديقون ولا مشاحة في الاصطلاح فمن جميع بين صفاء العلم في اسمي مرتبه من الشهود الجامع لعلم اليقين وعين اليقين وصفاء العمل في اسمي مرتبة من الإخلاص وصفاء الحال في ذروة الصدق والحب الإلهي والمحبوبية فادعه من الربانيين أو قل من الصديقين أو ادعه صوفيا فلا جناح عليك فالمسمي واحد وان اختلفت الأسماء .
شهادة علماء الإسلام
وهذه شهادة علماء الأمة الإسلامية لمنهج التصوف والصوفية ونبدأهم بالأئمة الأربعة رحمهم الله تعالي فقد نقل الفقيه الحنفي الحصكفي صاحب الدر المختار : إن أبا علي الدقاق رحمة الله تعالي قال : أنا أخذت هذه الطريقة من أبى القاسم النصر اباذي ، وقال أبو القاسم أنا أخذتها من الشبلي ، وهو من السري السقطي ، وهو من معروف الكرخي ، وهو من داود الطائى ، وهو اخذ العلم والطريقة من أبى حنيفة رضي الله عنه ، وكل منهم اثني عليه واقر بفضله . ثم قال صاحب الدر معلقا : فيا عجبا لك يا أخي ! ألم يكن لك أسوة حسنة في هؤلاء السادات الكبار ؟ أكانوا متهمين في هذا الإقرار والافتخار وهم أئمة هذه الطريقة وأرباب الشريعة والحقيقة ؟ ومن بعدهم في هذا الأمر فلهم تبع ، وكل ما خالف ما اعتمدوه مردود مبتدع وذلك في كتاب الدر المختار ج 1 ص 43 وعليه حاشية ابن عابدين .
وقال الإمام مالك : ( من تفقه ولم يتصوف فق تفسق من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن جمع بينهما فقد تحقق ) وذلك في كتاب: ( الشفا للقاضي عياض ) شرح ملا علي القارئ ج5 ص 408 وذكرها أيضا في كتابه عين العلم وزين الحلم ج1 ص 33ونقلها كذلك العلامة العدوي علي شرح الإمام أبى الحسن في الفقه المالكي ج2 ص 195 وجاء عن الإمام الشافعي قوله : حبب إلى من دنياكم ثلاث : ترك التكلف وعشرة الخلق بالتلطف والاقتداء بطرق أهل التصوف) وذلك في كتاب : ( كشف الخفايا ومزيل الإلباس فيما اشتهر من الأحاديث علي السنة الناس ) للعجلوني ج 1 ص 341 .
ونقل العلامة محمد السفاريني الحنبلي عن إبراهيم بن عبد الله القلانس أن الإمام احمد بن حنبل قال عن الصوفية : 0 لا اعلم أقواما افضل منهم قيل : انهم يستمعون ويتواجدون ؟ قال : دعوهم يفرحوا مع الله ساعة ) وهذا في كتاب : غذاء الألباب شرح منظومة الآداب ج 1 ص 10 فهذه أقوال الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالي في بيان فضل علم التصوف ومنزلة السادة الصوفية في الإسلام .