المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح رباعيات الخيام للشاعر أحمد رامى



Danna
12-31-2008, 07:26 AM
تعريف الشاعر :
أحمد رامي : ولد في القاهرة ، وفي سن السابعة ذهب مع والده لليونان حصل على شهادة البكالوريا عام1911 م ، ودخل مدرسة المعلمين ، وتخرج فيها عام 1914 م ، عمل مدرسا خمس سنوات بالفيوم ،ثم عمل في دار الكتب التي أوفدته في بعثة إلي باريس ؛ لدراسة الفلسفة ، وبعد عودته قام بترجمة رباعيات الخيام من الفارسية إلى العربية ، ومن أشهر مؤلفاته ديوان ( أمي ) ، وترجمته للرباعيات ، ومسرحية شعرية بعنوان ( غرام الشعراء ) .
مقدمة رامي للرباعيات:
اختلف العلماء في تصنيف عمر الخيام: فمنهم من يرى أن رباعيات الخيام تتراوح بين الإيمان ، والإلحاد ، وبين الدعوة للمجون ، والدعوة للهو، وبين طلب العفو من الله عزّ وجلّ، وإعلان التوبة، ويُظهر الشك في أمر الحياة والموت . كما أنه متناقض مع نفسه تراه في المسجد تارة ، وفي الحانة طورا آخر . ويرى آخرون أنه غير واضح المذهب والاتجاه الفكري ويرى بعضهم أنه لم يكن شيئا من ذلك كله بل هو شاعر يقول بلسانه ما ليس بقلبه .
شكل الرباعيات :
تتكون الرباعية من أربعة أشطر التزم بالشطر الأول والثاني والرابع بروي واحد ، وخالفه في الشطر الثالث من كل رباعية . وهذا يعد تجديدا أحدثه بعض الشعراء في أقصائدهم فنظم بعضهم المزدوجات ، والمثلثات ، والمخمسات .
مناسبة النص :
شرع رامي في ترجمة الخيام عام 1932 م ، وهو في باريس بعد عام من ذهابه لدراسة الفارسية . وكان لوفاة أخيه محمود رامي في السودان أكبر الأثر في ترجمته للرباعيات فاستمد من حزنه على أخيه قوة في تصوير آلام الخيام .


قيمتها :
جعلها الكثير من النقاد أشهر ترجمة للخيام في اللغة العربية ؛ لبراعة أسلوبها ، ورقة لفظها ، وجمال تصويرها .
تحليل النص
1 - العمل للآخرة
سمعت صوتا هاتفا في السحر نادى من الغيب غفاة البشر
هبوا املأوا كأس المنى قبل أن تملأ كأس العمر كف القدر
المعجم :
هاتفا : صوتا خفيا . السحر : قبيل الفجر ، الجمع : أسحار . غفاة : جمع غاف أي النائم . هبوا : استيقظوا . المنى : الآمال والمقصود صحيفة أعمالكم ، والمفرد: منية.
الشرح :
بينما الشاعر نائما غافلا إذا بصوت خفي ينادي المؤمنين موقظا إياهم للعبادة والصلاة ليملؤا صحفهم بالإيمان قبل فوات الأوان ، وتنفيذ قدر الله فيهم .
الجماليات :
هبوا : أسلوب إنشائي طلبي أمر غرضه : النصح والإرشاد . كأس المني ، كأس العمر : تشبيه بليغ . كف القدر : استعارات مكنية .

@@ @@ @ @@ @@

2 - الطمع في رحمة الله

إن لم أكن أخلصت في طاعـتك فإنني أطمــع في رحمتك
وإنمـا يشـفـع لي أنـني قد عشت لا أشرك في وحـدتك
المفردات:
أخلصت : تركت الرياء . أطمع : أرغب وأشتهي . يشفع: يطلب المغفرة.


الشرح :
إن كنت قد قصرت يا ربي في طاعتي، وعبادتي لتصل للكمال, فرغبتي في رحمتك التي وسعت كل شيء. وعزائي الوحيد أنني لم أشرك في وحدانيتك .
الجماليات :
في البيت الأول: أسلوب شرط للربط بين التقصير والرغبة في المغفرة . وإنما : أفادت القصر، والتخصيص، والتأكيد . لا أشرك في وحدتك: كناية عن الإيمان.

@@ @@ @ @@ @@

3 - التعجب من ضياع العمر دون عبادة
أولى بهذا القلـب أن يخفــقا وفي ضرام الحـب أن يــحـرقا
ما أضيع اليـوم الذي مـر بي من غير أن أهـوى وأن أعشـقا
المفردات :
يخفقا : يتحرك ويضطرب . ضرام : لهيب . أهوى وأعشق : ألفاظ صوفية ليست مادية وتتعلق بالعشق الإلهي .
الشرح :
يبتهل الشاعر في عشق ربه متمنيا أن يتحرك قلبه ، ويخفق بوحدانيته ، ويحترق ؛ ليمتزج في العشق الإلهي . ويتعجب من ضياع بعض أيامه في غير عبادة ملؤها الحب والعشق لله .
الجماليات :
الشطر الثاني في البيت الأول : كناية عن شدة الحب . في البيت الثاني : أسلوب تعجب على صيغة ما أفعل يتعجب الشاعر مندهشا من اليوم الذي ضاع في غير طاعة. أهوى وأعشق : ترادف ؛ للتأكيد .

@@ @@ @ @@ @@

4 - التضرع والاعتذار
يـا عـالم الأسـرار علم اليقين يــا كاشف الضُر عن البائسين يـا قـابل الأعذار فئنـا إلـى ظـلك فاقبل توبـة التائــبين

المفردات :
الأسرار: الأمور الخفية ، و المفرد : سر . اليقين : ما لاشك فيه . كاشف الضر: مزيل الأذى ، والضرر . البائسين : الفقراء . فئنا : رجعنا . ظلك : أي رحمتك.
الشرح :
يعظم الشاعر ربه عالم الأسرار ، ومزيل الأذى عن الفقراء ، والمحتاجين ، وقابل الأعذار عن التائبين ، فيناجيه إننا رجعنا إلى رحمتك فاقبل توبتنا واغفر لنا .
الجماليات :
يا عـالم الأسـرار ، يا كاشف الضُر، يـا قـابل الأعذار: أساليب إنشائية طلبية نداء للتعظيم ، والدعاء. اقبل توبة التائبين : أسلوب إنشاء طلبي أمر. غرضه : الدعاء.


@@ @@ @ @@ @@


5 - دعوة للإخلاص في الطاعة
أفق خفيف الظل هذا السحر وهـاتها صرفا وناغ الوتـر
فما أطال النوم عمرا ولا قصر في الأعمار طول السهر
المفردات :
أفق : استيقظ . خفيف الظل : خفة القلب ، و الروح . هاتها : أدها . صرفا: خالصا. ناغي الوتر: وتر العود ، و الجمع : أوتار ، أي تعبد .
الشرح :
يدعو الشاعر الإنسان أن يكون خفيف القلب ، و الروح ، و أن تكون عبادته خالصة لله ، ويكون سهره طاعة .
الجماليات :
أفق , هاتها : أسلوب إنشائي طلبي أمر، غرضه : النصح ، و الإرشاد . أطال , قصر : طباق إيجاب .
@@ @@ @ @@ @@


6 - أمل ورجاء في رحمة الله
يا من يحار الفهم في قدرتك وتطلب النفس حمى طاعتك أسـكرني الإثم ولكـنـني صحوت بالآمال في رحمتك
المفردات :
يحار: يتردد ويضطرب . الفهم : الإدراك . حمى : الموضع الذي يُحمى ويُسكن فيه . أسكرني : غيب عقلي. الإثم : الذنب والجمع : آثام . صحوت : فقت من غفلتي .
الشرح :
يا من يعجز العقل عن إدراك مدى عظمتك ، وترجو النفس الحماية ، والخلاص بعبادتك ، غيبتني الذنوب عن طاعتك ، واحتوتني ولكن أملي في رحمتك أيقظني للرجوع إلى رشدي .
الجماليات :
يحار الفهم : استعارة مكنية ، فائدتها : التشخيص . تطلب النفس : استعارة مكنية ، فائدتها : التشخيص . أسكرني الإثم : استعارة مكنية ، فائدتها : التجسيم . صحوت بالآمال : استعارة مكنية ، فائدتها : لتجسيم .
الشطر الأول من البيت الأول : كناية عن عظمة الله ، وقدرته .

@@ @@ @ @@ @@

7 - ملل الشاعر من حياته
سئمت يا ربي حياة الألم وزاد همي الفـقر لما ألمْ
ربّ انتشلني من وجودي فقد جعلت في الدنيا وجود عدم
المفردات:
سئمت : مللت . همي : حزني ، و الجمع : هموم . ألم : حلّ . انتشلني : انتشل الشيء أسرع في نزعه . عدم: لاشي، أي نقيض الوجود .
الشرح :
يشكو الشاعر إلى الله ملله من حياته المليئة بالألم ، والحرمان ، وزاد ألمه ما حلّ به من فقر، ويطلب من الله الرحمة ، و الفرج ؛ فوجوده أصبح كالعدم لا قيمة له .


الجماليات :
زاد همي الفقر: استعارة مكنية ، فائدتها : التشخيص . الألم وألم : جناس تام . رب : أسلوب إنشاء طلبي نداء، غرضه : الدعاء . انتشلني : أسلوب إنشائي طلبي أمر، غرضه : الدعاء . وجودي ، عدم : طباق إيجابي ، فائدته : يبرز المعنى ويوضحه .

@@ @@ @ @@ @@



- دعوة للتمتع بالحياة



لا تشغل البال بماضي الزمان ولا بآتي العيش قبل الأوان
واغنم من الحاضر لذاته فليس في طبع الليالي الأمان
المفردات:
البال : الخاطر . الأوان: الحين ، و الجمع : آونة . اغنم : فز. لذاته : طيباته . طبع: خُلُق .
الشرح :
يطلب الشاعر من الإنسان ألا يشغل باله بما فات من عمره ، ولا بما هو آت ، وعليه أن يستمتع بكل لذات الحاضر الذي يعيشه قبل أن يموت دون الفوز بها .
الجماليات :
طبع الليالي : استعارة مكنية ، فائدتها: التشخيص . لا تشغل : أسلوب إنشائي طلبي نهي ، غرضه : النصح والإرشاد . اغنم : أسلوب إنشاء طلبي أمر ، غرضه : النصح والإرشاد.

@@ @@ @ @@ @@

9 – اغتنام الفرصة في الدنيا

تناثرت أيام هذا العمر تناثر الأوراق حول الشجر فانعم من الدنيا بلذاتها من قبل أن تسفيك كفّ القدر
المفردات:
تناثرت : تفرقت. تسفيك : تقتلك وتميتك .
الشرح :
يؤكد الشاعر دعوته للإنسان بالاستمتاع بالدنيا ، فلا يجعل أيام عمره تفنى دون قيمة كأوراق الشجر في فصل الخريف ، ويدعوه للتمتع ، والاندماج في الحياة بكل ملذاتها قبل أن تفاجئه كف القدر بالموت.
الجماليات :
في البيت الأول : تشبيه تمثيلي . تسفيك كف القدر : استعارة مكنية ، فائدتها : التشخيص .
انعم : أسلوب إنشائي طلبي أمر ، غرضه : النصح والإرشاد.


@@ @@ @ @@ @@

10 – التسليم بالقضاء ، و القدر
علام تشقى في سبيل الألم ما دمت تدري أنك ابن العدم
الدهر لا تجري مقاديره بأمرنا فارض بما قد حكم

المفردات:
تشقى : شقي : تعس وساءت حاله ، و المقصود تتعب . تدري : تعلم . الدهر : الزمن ، والجمع : دهور، وأدهر . ارض : اقبل . حكم : قضى .
الشرح :
طالما أن الموت والحياة حقيقة واقعة ، فعلى الإنسان أن ينعم بالحياة ، ويرضى بحكم القدر .
الجماليات :
سبيل الألم : استعارة مكنية ، فائدتها : التجسيم . الدهر لا تجري مقاديره : استعارة مكنية ، فائدتها : التشخيص . ابن العدم : كناية عن الموت . علام تشقى: أسلوب إنشائي طلبي استفهام ، غرضه : التعجب . ارض : أسلوب إنشائي طلبي أ مر ، غرضه : النصح ، و الإرشاد .



النقد و التعليق
أحمد رامي مترجم لرباعيات الخيام .
آراء نقدية في الرباعية
يجمع معظم النقاد على أن ترجمة رامي هي أشهر ترجمة للخيام في اللغة العربية ؛ لبراعة أسلوبها ، ورقة لفظها .
مميزاتها :
يقول عبد الرحمن صدقي : أنها أقرب مأخذا ، وأرق حاشية ، وأجمل تصويرا ، لولا أن بعض رباعياتها أقرب إلى النثر منها إلى الشعر، وتمنى لو أن رامي راعى تنسيق الرباعيات حسب تداعي معانيها ، وتسلسل روحها على قدر المستطاع ؛ حتى يبلغ المعنى الصميم من نفس القارئ . على أننا نعلم أن النسخة التي نقل عنها رامي غير منتظمة هذا الانتظام .
ويقول رجاء النقاش : إن ترجمة رامي هي أشهر ترجمة في اللغة العربية، رغم بعض العيوب الواضحة فيها تعد أرقى ترجمة عربية للرباعيات.
سمات الرباعيات : مليئة بالمعاني الكبيرة التي تجعل من شعره مادة إنسانية خالدة ؛ لأنه يبدو
متسامحا رقيقا ،عظيم الشعور، ويحس بضعف الإنسان في هذا العالم ، فهو كائن يستحق الغفران أكثر من العقاب ، وشعوره بالشفقة على الإنسان انتهى به إلى التصوف .
تُُُُُُأُثر رامي بالخيام : لم يخرج رامي من ترجمته لرباعيات بلمسة من لمسات هذا الشاعر الفيلسوف ، الذي يعالج مشاكل الدنيا ، ويتعمق في هموم القلب الإنساني ، ويدعو إلى الاندماج في الحياة اندماجا كاملا ؛ حتى ينسى الإنسان آلام الحياة ، وبخاصة الموت فهو يملك تجربة روحية كاملة كما ورد في الأبيات.
ولم يتأثر رامي بشيء من هذا على الإطلاق فتجد شعره بعيد عن التأمل ، والعمق ، والفلسفة يقدم آراء مختلفة بل متناقضة في شعره عن الحياة والناس .
الأفكار:
وقد تناولت الرباعيات السابقة عدة أفكار جزئية منها :


الدعوة للاستجابة لداعي الإيمان.

بيان تقصير الإنسان في حق ربه وعبادته.

الحب الإلهي وحده هو الذي يقربنا إلى الله ، وعلينا أن نجعل من الحب أملا في التوبة ، ومغفرة الله .

الإيمان بقضاء الله وقدره والعمل على طاعته .

.الألفاظ:
استخدم الشاعر ألفاظا سهلة يسيرة مما تجعلنا نشعر أن بعض الرباعيات أقرب إلى النثر منها إلى الشعر، وأكثر من الألفاظ الصوفية حول الوجود ، والعدم ، والعشق الإلهي مما دفع الصوفية لإدخال أشعار عمر الخيام في أورادهم .
العاطفة :
العاطفة صادقة تنبع من نظرة عمر الخيام إلى الإنسان هذا الكائن الذي يستحق الغفران أكثر من العقاب مما جعله يشفق على هذا الإنسان وانتهى به هذا الشعور إلى التصوف.
الصور والأخيلة :
استخدم الشاعر الخيال الجزئي من تشبيه واستعارة وكناية التي تعطي لمسة من الغموض المستحب الذي يحرك الوجدان نحو التوبة والعودة إلى الله والتفكر في حياة الإنسان .
المحسنات البديعية:
استخدم الشاعر المحسنات البديعية مثل : الطباق ، والمقابلة ، والجناس بغير تكلف ؛ لتوضيح المعنى ، وإثارة الذهن .
الأساليب :
راوح الشاعر بين الأساليب الخبرية التي تفيد التقرير ؛ لإظهار حالة الشاعر النفسية ، والأساليب الإنشائية التي تثير الذهن ، وتحرك المشاعر، والأحاسيس .مثل :الاستفهام، والنداء ، والدعاء .
الموسيقى :
قسمت القصيدة إلى رباعيات تتكون من أربعة أشطر ، التزم بالشطر الأول والثاني والرابع بروي واحد ، وخالف في الشطر الثالث من كل رباعية ، ويعد ذلك نوع من التجديد ، والتزم بوحدة الوزن الشعري .
الوحدة العضوية :
تمثلت في القصيدة الوحدة العضوية بكل مقوماتها :


وحدة الموضوع : فالقصيدة كلها تدور حول موضوع واحد هو التأمل في حياة الإنسان ، والشفقة عليه من العقاب .

وحدة الجو النفسي : فقد سيطرت على الشاعر مشاعر الخوف ، والألم ، والأمل.

نوع التجربة :
التجربة إنسانية عامة حيث نجد الشاعر يشعر بضعف الإنسان في هذا العالم متعمقا في هموم القلب الإنساني ، داعيا إلى الاندماج في الحياة ؛ حتى ينسى الإنسان آلام الحياة وبخاصة الموت .
الخلاصة :
لقد أبدع رامي عندما عبر بلغة رقيقة أنيقة تشبه النثر في ترجمته للخيام . فأزال الغموض عن النص الفارسي بحرصه على مطابقته للأصل المترجم ، فجاء أفضل من ترجمات سابقة كترجمة البستاني ، والسباعي .