المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في مستقبل الطب .. أدوية مركبة بحسب خريطتك الجينية - الجزء الاول



HAMS_EL_SHAGAN
05-15-2008, 09:50 AM
تتقدم العلوم الطبية بسرعة وتظهر مئات الأدوية الجديدة كل عام.
ولكن الأطباء لاحظوا أن استجابة بعض الناس للعلاج ببعض الأدوية تختلف عن استجابة الآخرين للدواء ذاته وفي الحالة المرضية نفسها، واكتشف الأطباء أن السبب يكمن في اختلاف بعض الجينات.
والآن يعمل الأطباء على حل هذه المشكلة بإجراء بعض الفحوصات الجينية التي يمكن منها معرفة الفروق في الجينات التي تؤدي الى الاستجابة المختلفة، وبعدها سوف يقرر الطبيب أي الأدوية أنسب إلى المريض من الناحية الجينية.
واذا لم يوجد هذا الدواء بجرعات مناسبة للمريض فسوف يتم تصميم أو تفصيل دواء جديد متناغم مع جينات المريض
وهكذا ظهر علم جديد هو علم الأدوية الجينية.
في كل مرة تتناول فيها دواء ما قد لا تحصل على التأثير الذي كنت تتوقعه، وفي كل عام يتناول مئات الآلاف منا أدوية وعقاقير، ولكنها لا تعمل بفاعلية بالنسبة إلى الكثير منا، والأسوأ أنها قد لا تعمل على الاطلاق أو تسبب أضرارًا وآثارًا جانبية خطرة.
وبعد دراسات مطولة عرف العلماء الآن أن المشكلة تقع بصورة كبيرة في تركيبنا الجيني.
أن التنوع هو توابل الحياة ولكن بالنسبة إلى مصانع الأدوية، فإن التنوع الجيني للبشر يضعهم في مشكلة صعبة،.
فنحن نستطيع أن نعرف الجرعة المأمونة من الاسبرين التي تعالج الصداع لدينا، ولكن الأمر يزداد صعوبة مع الأدوية الأكثر قوة التي تستعمل في علاج أمراض خطرة.
وفي وقتنا الحالي، فإن الأطباء يظلون غير قادرين على تحديد هذه الاختلافات، فالممارسة الطبية الحالية عبارة عمّا يمكن تشبيهه بمقاس واحد يناسب الجميع : فأنت تصاب بالمرض وتذهب الى طبيبك ثم تأخذ دواء وليكن اسمه (س)، وغالبًا ما يكون أرخص المتاح، لكي يعالج مرضك وليكن اسمه (ص).
ولكن الأطباء ومنتجي الأدوية يعلمون جيدًا أن ما يناسب شخصًا لا يناسب بالضرورة شخصًا آخر.
ومنذ عام 1892 قال طبيب كندي عظيم يدعى سير ويليام أوسلر : " لولا الفروقات الكبيرة بين الأشخاص لصار الطب مجرد علم وليس فن ".
ان علم الأدوية الجينية الذي يختص بدراسة كيف يمكن للجينات أن تؤثر على استجابتنا للعقاقير، يقودنا الى عصر جديد من الممارسة الطبية يمكن أن يطلق عليها "الطب الشخصي ".
وهذا العلم يمكن أن يجعل الأمور أكثر فاعلية عن طريق صنع الدواء المناسب للمريض المناسب.
وهذا يعني أن كثيرًا من الناس سيحصلون على أدوية تم تفصيلها بالمقاس لكي تناسب تركيباتهم الجينية وأمراضهم المحددة.
وهذا ما يقوله الدكتور ألين روزس نائب رئيس الأبحاث الجينية في شركة أدوية عملاقة.
وفي ديسمبر 2003 وجد الدكتور ألين روزس نفسه متصدرًا مانشتتات الصحف بعدما ذكر أمام مؤتمر علمي أن أكثر من 90 % من الأدوية تؤثر في 30 – 50 % فقط من الناس.
وهذا التعليق تم تداوله على أنه أمر سري وخطر، وهو في الواقع ليس سرًا بل هو حقيقة بيولوجية لأن المرض يمكن أن يختلف من شخص لآخر.

ومن المعروف أن البشر يتفقون جينيًا على وجه العموم،
وهناك بعض الفروق في فصيلة واحدة من الشمبانزي أكثر من الموجودة في النوع البشري كله،
ولكن مع ذلك فهناك كثير من الفروق الجينية المختلفة ذات الأهمية الطبية في البشر،
وعلى وجه التقريب فإن واحدًا في الألف في الثلاثة بليون حرف من الحمض النووي DNA التي تصنع الجينوم البشري تختلف في أي اثنين من البشر.
وهذا يجعل حوالى 3 مليون حرف مختلفة بين أي اثنين على وجه الأرض، ما عدا التوائم المتشابهة.
بعض هذه الفروق ليس لها تأثير على الاطلاق، ولكن بعضها الآخر يؤثر على امكانية الاصابة بأمراض مزمنة مثل السرطان والسكر وأمراض القلب، وبعض الاختلافات يحدد امكانية الاستجابة للعقاقير والتاثيرات الجانبية الضارة لها.
ويقرر الطب أن تناول أي دواء قد يكون عملاً خطرًا له تأثيرات ضارة، فالتأثيرات الضارة للأدوية هي خامس سبب للوفاة في بعض البلدان المتقدمة بما فيها أميركا وبريطانيا، وتكلف حوالى 2 بليون جنيه استرليني في السنة في بريطانيا وحدها لعلاج ما تتسبب فيه التأثيرات الجانبية للأدوية.
اذن فنحن نعرف الآن ان كيفية تفاعل جسمك مع الدواء ليس فقط بسبب نوع المرض بل بسبب جيناتك أيضًا.
وعلى الرغم من أن التأثيرات الضارة للدواء يمكن أن تكون لأسباب مختلفة مثل نوع الطعام والحالة الصحية العامة، فإن الجينات هي العامل الحاسم في تحديد كيفية استجابة جسمك للدواء.
وعلم الأدوية الجينية يستطيع أن يحدد الجينات التي تتحكم في عمل الدواء وما اذا كانت للخير أم للشر.
وتسمية هذا العلم بعلم الأدوية الجينية تم في عام 1959. واحد من الأمثلة المبكرة للتأثير الدوائي الجيني جاء من دواء باسط للعضلات يسمى "سكسينيل كولين" تم تطويره في الخمسينات، لكي يستخدم مع عقاقير التخدير ليمنع حركة عضلات المريض أثناء العمليات الجراحية.
وعلى الرغم من أن تأثير هذا الدواء يتلاشى بسرعة معقولة في معظم الناس مما يؤدي الى استعادة المريض لقدرته على الحركة والتنفس بحرية، فإنه قد لوحظ في نسبة قليلة من الناس يطلق عليهم اسم "ذوي التمثيل الغذائي البطيء" أن تأثيرات الدواء ظلت تعمل لفترة طويلة وبالتالي ظل المرضى في حالة شلل لفترة طويلة.
وأظهرت الدراسات التي أجريت على العائلات ذات التمثيل الغذائي البطيء نموذجًا جينيًا واضحًا،
وظل الأمر كذلك حتى التسعينات عندما تم تحديد الجينات المسؤولة عن هذا البطء في التمثيل الغذائي.
ووصل التقدم المذهل في علم الجينات البشرية في العقدين الماضيين الى قمته بالتوصل الى ترتيب الجينوم البشري في عام 2000،
وهذا التقدم مهد لاحتمالات جدية لتجربة جينات معينة وملاحظة استجابتها لعقاقير معينة،
وهكذا تدخل علم الأدوية الجينية في علاج سرطان الدم عند الأطفال عن طريق مجموعة من الأدوية تسمى "الثيوبيورين"،
فمنذ أربعين عامًا مضت كان سرطان الدم بمثابة حكم بالاعدام على من يصاب به،
ولكن مجموعة الثيوبيورين أثبتت أنها علاج فعال حيث يستجيب معظم الأطفال جيدا للثيوبيرين ولكن عدد قليل منهم يعانون من تأثيرات جانبية خطرة مع الجرعات العادية للدواء، وقد يقودهم ذلك الى حتفهم.
هؤلاء المرضى يحتاجون إلى نسبة ضئيلة من الدواء تبلغ واحد الى عشر من الجرعة الاعتيادية،
ولكن كيف يمكن معرفة من يحتاج الى الجرعة المنخفضة ومن يحتاج الى الجرعة العادية؟
منذ عام 1999 استعمل العلماء الاختبارات الجينية لتحديد آلاف من المرضى ذوي الاستعدادات الجينية للاصابة بآثار جانبية خطرة من تناول الدواء، وبالتالي أمكن تفصيل جرعة الدواء المناسبة لهم.
ويبدو أن علم الأدوية الجينية قد ظهر في وقت مناسب في التاريخ الطبي لأنه خلال الخمسين عامًا الماضية شهد الطب ثورة دوائية هائلة وظهرت أدوية جديدة لأمراض كانت غير قابلة للعلاج في الماضي.
وعلم الأدوية الجينية يستطيع مساعدة الأطباء لكي يحصلوا على أحسن ما في هذه الثورة الدوائية عن طريق ترتيب الجرعة المناسبة لكل فرد حسب استعداده الجيني،
وهكذا تقل التاثيرات الجانبية ومخاطرها، كما يمكن زيادة التأثيرات المفيدة للأدوية الجديدة.
وكما يقلل علم الأدوية الجينية من التأثيرات الجانبية للدواء، فإنه أيضًا يساعد على منع استعمال الأدوية غير المناسبة للمرضى.
ففي حالة سرطان الرئة يستعمل عقار يسمى "اريساIressa " تم تطويره في عام 2003، ووجد الأطباء أن بعض المرضى لا يستجيبون للدواء حيث أن سرطانات الرئة لا تأتي كلها من مسبب واحد،
اذ يظهر السرطان خلال تغييرات جينية في خلايا الرئة، ولكن دواء "اريسا" يكون فعالاً فقط ضد نوع محدد من التغيرات الجينية.
هذا النوع لم يتم التعرف إليه حتى أكتوبر 2004.
ولكن الأطباء يأملون الآن في امكانية تطوير اختبارات جينية يمكن من خلالها معرفة من سيستفيد من هذا العقار.
وعلى الرغم من الفوائد غير المشكوك فيها لعلم الأدوية الجينية، فإن هناك احتمال ظهور مشاكل لشركات انتاج الأدوية في هذه الجنة الطبية الموعودة،
اذ إن هنا احتمال انخفاض مبيعات بعض الأدوية عندما يتم التعرف إلى مجموعة محددة من المرضى ذات جينات معينة تستجيب لدواء معين، حيث أن مبيعات هذا الدواء لن تكون لكافة المرضى بل للمجموعة المستجيبة فقط،
ولكن شركات الأدوية قد تستجيب لهذا التهديد بانخفاض المبيعات عن طريق رفع أسعار الأدوية الجديدة الى مستويات خرافية،
مما يمكن أن يخلق حالة مزعجة في المجتمع عندما لا يستطيع عديد من المرضى الحصول على الدواء غالي الثمن.
وعلى العموم فمازال أمام الطب وقتًا كثيرًا للوصول الى الاستفادة الكاملة من معلوماته عن الجينات البشرية في صنع أدوية تفصيل مناسبة لكل مريض على حدة.

*************************************