Warning: Function get_magic_quotes_gpc() is deprecated in /home/forumbs/public_html/includes/class_core.php on line 1960

Warning: Array and string offset access syntax with curly braces is deprecated in ..../includes/functions.php on line 865

Warning: Array and string offset access syntax with curly braces is deprecated in ..../includes/functions.php on line 1303

Warning: Array and string offset access syntax with curly braces is deprecated in ..../includes/functions.php on line 4416

Warning: Array and string offset access syntax with curly braces is deprecated in ..../includes/functions.php on line 7343

Warning: Methods with the same name as their class will not be constructors in a future version of PHP; vBulletinHook has a deprecated constructor in ..../includes/class_hook.php on line 27
عصفور من الشرق [الأرشيف] - منتديات بانى ستار

المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عصفور من الشرق



expresso222
05-13-2008, 10:00 AM
عصفور من الشرق ـ د.أيمن محمد الجندي



تدور أحداث هذه الرواية ( عصفور من الشرق ) قبيل الحرب العالمية الثانية وترسم أحوال فرنسا بدقة : البطالة والفقر المدقع ، والعمال عبيد القرن العشرين تسخرهم المصانع للعمل طيلة اليوم من أجل لقمة لا تغنى من جوع ، انهيار العملة الفرنسية وتدني سعر الفرنك وهجمة السائح الأمريكي المتلذذ بالفقر الفرنسي وإشعال سجائرهم بأوراق العملة إمعانا في إذلال الفرنسيين ..لا بيت هناك ولا أسرة .. عصر العبيد عاد من جديد ..سيقفز إلى ذهنك هذا التساؤل على الفور : كيف استطاعوا في هذا الزمن الوجيز تجاوز المحنة فيما غرقنا نحن ؟ٍ.
هذه الرواية قد تبدو – للوهلة الأولى – من أدب الرحلات .. محسن ، الشاب العشريني المصري ، الذي أرسله أبوه لدراسة الدكتوراه في القانون في باريس ..أو ربما تقرأها كسيرة ذاتية لتوفيق الحكيم الشخصية وقصة حبه المؤلمة لغادة باريسية مبهرة وغادرة ..لكن الحقيقة غير ذلك كله : إنها محاكمة لأوربا ذاتها ونقد للحضارة الغربية من الأعماق .
بعد فترة الانبهار الأول بباريس– وهي حتمية – وبعد المقارنة المحزنة بيننا وبينهم تثوب النفس إلى التأمل وتؤدي الملكة النقدية عملها..لا شك أن الحضارة الغربية أهدت الإنسانية المنهج العلمي التجريبي الذي قاده إلى رفاهية الجسد ولكنها – في الوقت نفسه - سلبته طمأنينة الروح .
في براعة فائقة استطاع الحكيم أن يغزل مأساة الشرق بمأساته الشخصية..حتى العنوان " عصفور من الشرق " له مغزى هنا.. سوزي الحسناء الباريسية تمثل الغرب بماديته وأنانيته حينما غدرت بمحسن الشاب الشرقي المبهور بالجمال الأوربي الملون دون أن يفطن إلى ما وراء فخ الألوان القاسي . .
...................
حسناء باريسية هام بها عشقا ..عيناها بحيرتا فيروز ، وأنفها غير مقاييس الجمال لديه ..يسخر صديقه الفرنسي من حبه الأفلاطوني .. إغراقه في الخيال غير مفهوم لرجل باريسي يعتقد أن ثمن أي امرأة لا يتعدى عشرين فرنكا ( ثمن زجاجة عطر ) وطوق ورد .
أما هو – الشرقي العتيد – فليس أقل من روحه كاملة يقدمها إليها ..إنها أعظم قدرا وأجل خطرا من أن يقدم لها عطرا أو وردا أو يباسطها الحديث ..هي ليست مجرد عاملة في شباك تذاكر بل ملكة تشرف على الناس بعينين من فيروز وهم يمرون بين يديها دون أن يعرف أحد سر قلبها المغلق .
كان يقضي الساعات الطويلة في المقهى المقابل لها سعيدا بأنه على مقربة منها ، ثم أخيرا استجمع شجاعته وقرر أن يتبعها ليعرف مكان سكنها تمهيدا للحديث معها .
حينما عرف مكان سكنها لم يتردد في حمل حقائبه إلى نفس الفندق ..كاد يطير فرحا حينما وجد غرفته تعلوها مباشرة ..استيقظ في الصباح التالي على غناء عذب :
-" الحب طائر بوهيمي ، لا يعرف أبدا قانونا "
أسرع إلى النافذة وبحث عن الصوت فوجدها في روب نسائي من الحرير الأبيض تنظم أزهار البنفسج في أصص على حافة النافذة وتغني :
- " إذا لم تحبني فأنا أحبك ، وإذا أحببتك فالويل لك !!"
أسرع وارتدى ثيابه ووقف بباب الفندق ينتظر خروجها ..رفعت أهدابها الجميلة وسددت إليه عينيها الفيروزتين في تساؤل . تبادل معها كلمات سريعة خجولة ثم أنفق ما تبقى من الصباح هائما على وجهه ..
حان وقت الغذاء فدلف إلى مطعم وهناك تعرف بعامل روسي انعقدت بينهما الصداقة بسرعة .. وهناك دار بينهما حديث حميم ..قال له الرجل الروسي : إن أنبياء الشرق فهموا أن المساواة غير ممكنة على الأرض وليس في مقدورهم تقسيم مملكة الأرض بين الأغنياء والفقراء فأدخلوا في القسمة مملكة السماء فمن حرم الحظ في جنة الأرض فحقه محفوظ في جنة السماء !!..بذلك عاش الناس في سلام وأمان حتى جاء الغرب ليعالج الأمر على ضوء العلم ..أخرج كارل ماركس السماء من المعادلة وأراد تقسيم الأرض بين الناس فكانت النتيجة أن أمسك الناس برقاب بعض ووقعت المجزرة بين الطبقات تهافتا على تلك الأرض !.
...............
بعد الغذاء راح يهيم في الطرقات باحثا عن هدية مناسبة لحبيبته ..وبرغم أن باريس خلقت للنساء وكل تجارتها على الهدايا التي تقدم إليهن فإنه كان يريد شيئا مميزا يهديه إليها .. ببغاء ملون في قفص أنيق سهر جواره طيلة الليل ليلقنه كلمة أحبك !!.
وحينما استيقظت الحسناء في الصباح واتجهت إلى نافذتها مترنمة كعادتها وجدت أمامها الببغاء في قفص معلق بحبل متدل فرفعت عينيها إليه في الطابق العلوي فابتسم لها وطلب منها قبول الببغاء الذي راح يصيح : أحبك ، أحبك ، أحبك .. كانت تلك هي الكلمات التي سهر يلقنها له طوال الليل !.
مناوشات غرامية ، تلك كانت بهجة أيامه القادمة مع الحسناء الباريسية ذات العينين الفيروزيتين ..مواعيد العشاء وباقات من زهور النرجس التي راح يهديها لها ، والطريق الطويل ذي الأشجار الوارفة ، واختلاج أهدابها الطويلة ، وفي المساء تدخل غرفته كزنبقة ، وخصلات شعرها الذهبي تنتشر على وجهه كما تنتشر أشعة القمر على الكائنات .
كؤوس الغرام ذاقها ورشفها كاملة وبرغم ذلك لم يفقد صداقته مع صديقه الروسي المريض الواقف في منتصف الطريق بين الشرق والغرب ..راح يستمع له في تعاطف وهو يقول:
- إن الغرب اليوم هو موضع التقدير والإكبار لعلمه واختراعاته وإنتاجه ..ولكن ما قيمة ذلك بجوار مملكة السماء التي أهداها الشرق للعالم !!؟..الإيمان لا يصنع ، بل نولد به ، وحينما نفقده لا يعود سيرته الأولى ..
وجد هذا الكلام صدى عند محسن الذي راح يتذكر حبه القديم للسيدة زينب ووجودها الحقيقي في حياته ..آه ما أقوى الإنسان الذي يعتقد أن له نصيرا من أهل السماء !!..وما أتعسه حينما راح يطالع أفكارا فلسفية مربكة حتى عصفت الحمى برأسه ولم يعد هناك مكان تهبط فيه السيدة بردائها الأبيض !!.
لقد تغير !! حقا لقد تغير !.
............
نعيم وجحيم ..أما النعيم فهو الحب المتبادل ..طعام العشاء والأمسيات الحالمة..وأما الجحيم فهو غيرته الجنونية حين يراها تبتسم لأحد معارفها أو يتذكر علاقتها القديمة بعشيقها هنري الذي عرف منها بعض أخباره .
أسبوعان في الجنة ثم جاءت النهاية مفاجئة وغادرة ..كانا يتناولان طعام العشاء في المطعم حينما مر عشيقها القديم فعراها الارتباك ..طلبت من النادل مجلة مصورة لتوحي له أنها تتناول العشاء غير حافلة به !!..وكلما حاول أن يستفسر منها لزمت الصمت ورفضت الإجابة ..قال متوسلا : إنك تحمليني من الإذلال ما لا أطيق ، وأرجوك أن تنقذي المظاهر !! لا تجعليني ذليلا أمام عشيقك القديم .
لكنها في قسوة بالغة أصرت على الصمت المهين فأنصرف في يأس بعد دفع الحساب . قبع في غرفته مهيض النفس جريح القلب وإذا بالصوت العذب يغني في الصباح وكأن شيئا لم يكن :
- "الحب طفل بوهيمي لا يعرف أبدا قانونا !!"
هذا صحيح ، وها هو ذا الآن يلقى جزاء اللعب مع ذلك الطفل البوهيمي .
ساعات وأيام وهو يعيش في ألمه الجهنمي وكلما طرق بابها ليحدثها أغلقت الباب في وجهه ..توسل إليها أن تصغي إليه بلا جدوى ..لم يفقد حبه فحسب وإنما أهدرت كرامته ..آه للمحبين المقهورين !! .. لا يريدون أن يفهموا أن الشرح والإيضاح وكل وسائل العقل لا جدوى له إذا نفذ الحب !.
في النهاية ترك الفندق واستأجر غرفة في نزل صديقه الروسي ليكون بجواره بعد أن اشتدت عليه وطأة المرض ..قال لنفسه : لا ينبغي أن نبني شيئا جميلا فوق هذه الأرض ..راح يتذكر عهد الصفاء القديم في رحاب السيدة زينب حينما كان يقتات بطبق الفول النابت ويجلس بكتابه كل يوم إلى جوار الضريح ..لم يكن شيء يعكر عليه صفوه غير صندوق النذور والسجاجيد باهظة الثمن ..هذا الاحترام الكاذب والخشوع المزيف!! .. كان يجلس على الحصير شاعرا انه أقرب - هكذا - إلى روح السيدة .
هل السيدة بحاجة إلى الشمع والنذور ؟ ، ولماذا كلما همت روح الإنسان بالتحليق نحو الأعالي كبلتها الأكاذيب ؟.
.............
كان مرض صديقه الروسي ميئوسا منه ..حينما راح يحتضر أمامه ظل يتحدث بلا توقف عن الكتب السماوية التي وهبت الشرق- لقرون طويلة - سكينة النفس وطمأنينة الروح !!..ما أسعد المؤمنين الذين يرون الموت مرحلة إلى حياة مجيدة جميلة !!..ولكم يتوق أن يصبح منهم ..لقد أفسد الغرب الهدية الغالية التي منحها إياه الشرق وحولوا المسيحية إلى تيجان مرصعة وأردية موشاة بالذهب ..ذهبت كلمة المسيح وصارت الكنيسة أعظم مؤسسة مالية تسند ظهر أقوى البيوت المالية أو تقوضها في طرفة عين .
رجال الدين هم المسئولون عن انهيار مملكة السماء..كان عليهم أن يتجردوا من متاع الأرض كما فعل الأنبياء الحقيقيون ويظهروا في زهدهم بمنظر المنتظر لنعيم آخر في السماء ..كل ما بناه الأنبياء بزهدهم الحقيقي هدموه وكانوا هم خير دعاية لمملكة الأرض .
آه يا أوربا القاسية ..منحت الناس صفيحًا وزجاجًا ومعدنًا وبعض الراحة في أمور معاشهم ولكنها سلبتهم الشاعرية وصفاء الروح ..أعطتهم سرعة الانتقال وحرمتهم ثروة النفس التي تنمو عند اتصالها بالطبيعة ..والعلم ، تلك الماسة المتألقة ، لم تضعها أوربا في قمة عمامتها لتشع نورا وجمالا بل ولكنها وضعتها في سن مخرطة تقطع بها شرايين الروح.
فلنرحل إلى الشرق ، هكذا هتف الروسي في لهفة..إلى فضاء الصحراء نشرب من النيل والفرات وماء زمزم .
راح يستمع إليه في رثاء ، لم يرد أن يفسد لحظات احتضاره بالحقيقة المؤلمة ..الشرق الذي يحلم به لم يعد شرقا ولا استطاع أن يصير غربا ..صار مسخا مشوها للغرب القاسي ..مثل قرد يحاول تقليد الإنسان فلا يظفر إلا بالسخرية ..لا هو نال جوهرة العقل ولا احتفظ بروعة الفطرة ..امتلأ فم الروسي برغوة وزبد ووضع يده على عنقه يمزق قميصه وكأنما يختنق ثم قال في صوت كالحشرجة :
- فات الأوان ..اذهب وحدك إلى النبع الجميل ، إلى موطن الأنبياء ..واحمل ذكراي معك إلى الأبد .
..................
وهكذا تنتهي رواية الشاب المفتون بذكريات مؤلمة ودروس مستفادة ..دروس نحن بحاجة إلى استرجاعها بعد كل هذه السنوات ..الغرب القاسي المتقدم ، الملح والسكر ، النور والنار ..قرص الدواء وقنبلة النابالم ..مأساة الشرق التليدة التي ورثناها من أجدادنا وأغلب الظن أننا سنورثها لأحفادنا ..أو سنصبح مثل ذلك الحالم الروسي الذي قضى نحبه وهو يحلم بشرق – لا وجود له - استعاد طمأنينته وسمت أشواقه إلى مملكة السماء .

Owi
05-14-2008, 10:50 AM
قصة رائعة وبها موعظة