المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذكريات سجين



bassem_1974
04-26-2008, 02:14 PM
كنت جالسا في خيمتي في أحد الأيام , قبل طعام الغداء - أي فترة الطعام الظهري - فدوى في سمعي انفجار قريب جدا فكبرت وقلت اللهم سدد ..!! وتلاه صوت آخر .. وآخر .. وآخر .. فتعالت الصيحات وتعالى العويل وارتفعت أعمدة الدخان من داخل المخيم .. !! وعلمت أننا المستهدفون , نعم كانت قنابر الهاون تتخطف المعتقلين وتصيبهم بالشظايا النارية منها القاتلة ومنها تلك الجارحة , فالذي لم يصب بعد ينتظر دوره لتأتي إليه تلك القذيفة أو صغيرتها الشظية .
فلما خرجت مسرعا من الخيمة هالني ما رأيت , فالدماء في كل مكان , هنا قتيل وهنا جريح وهنا مرعوب والصرخات المرة تتعالى في كل مكان فما كان مني إلا أن قلت ( أللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها ) . فكانت إصابات بليغة فنظرت فإذا بخيمة أصحابي وإخواني الذين كنت واحدا منهم وكان لا يفرقنا عن بعضنا شيء إلا النوم .. فهرعت مسرعا فقالوا لي إن .... قد أصيب وهو الآن قد يكون فارق الحياة ! وهذا الأخ كان من أكثرنا صلاحا وتقوى فكان همه الأول أن يكمل كتاب الله حفظا , وكان بلغ بالحفظ الجزء الثاني والعشرون من المصحف المطهر , فلما أتيت إليه وجده ممدا على الأرض مرمي عند باب المخيم , وأعداء الله الصليبيين يتفرجون علينا ويرون ما حل بنا فلم يسارعوا بمعالجة الجرحى ولم يسعفوهم ولم يحركوا ساكنا , فأثار فعلهم حفيظتنا فقمنا برميهم بالحجارة , والتكبيرات تعالت من كل مكان , فلما رأوا أن الأمر قد يسوء خاطبونا أن توقفوا عن رمينا بالحجارة كي نفتح لكم الباب وإلا فلا , فأوقفنا من كان يرمي الحجارة أنا وبعض الأخوة كي يتسنى لنا نقل الجرحى , فلما فتح الباب نادى علي أحد الإخوة أن هذا (....) يقصد به صاحبي , وهو مجروح وهو يقاسي الحشرجة وينازع ففزعت إليه أكاد لا أصدق فلما رأيته وهو مضرجا بدمه .. لكأني بمجد الأمة مبتسما لهذا الشاب المبارك الذي عهدته كله خير ...

يا جهادا كبر المجد له ...... لما رآنا بدم الأبطال مصبوغا لوانا ...

وقد تهلل وجهه فقال لي بلهجته ( أبو (....) آني ما أخاف أني أموت بس أخاف أن الله عز وجل ما يتقبلني شهيد ! ) فبكيت وضممته إلى صدري وقلت له أنك بخير وهذه جروح بسيطة , وأنك ستشفى عن قريب بإذن الله فخاطبني مسرعا كأنه تذكر شيئا ما فقال لي ( فلان يطلبني فلوس بقي علي لمن اشتريت الموطور , خبر أهلي يوفون عني الدين وجزاك الله خير ) وكانت هذه آخر الكلمات بيني وبينه فأخرجناه إلى السيارة التي جاءت للإسعاف , فقد كان منظر المخيم مفزع بحق فهناك من قتل في مكانه من غير حراك وهناك من بقي ينازع حتى فارق الحياة وهناك من أصيب إصابة بقيت تلازمه إلى الموت .. فهناك من فقأت الشظايا عينه , وهناك من بترت له ساعد أو ساق .
فمرت الأيام وأنا أدعوا من الله عز وجل أن يتقبله في الشهداء إن قتل وأن يشفيه أن كان على قيد الحياة وكنت أدعوا من الله عز وجل أن يجمعنا في الدنيا قبل الآخرة تحت هذا التيار المبارك - أي الجهاد - وفي هذه الأثناء جاء إلى مخيمنا ممن تم نقله من غير مخيم , وكانوا عرب - أي غير عراقيين - فسمعت أحدهم يتكلم عن ( ....) وأنه كان معه في المستشفى وهذا الأخ العربي لم أكن أعرفه قبل هذه الساعة فأخبرني خبره وأنه بخير ولم يمت بل باشر من جديد بحفظ كتاب الله عز وجل فسجدت لله شاكر وسألت الله عز وجل أن يجمعني به في الدنيا قبل الآخرة .... وبعد عدة شهور من الله عز وجل علي بالخروج من المعتقل .. تم اعتقالي من قبل المرتدين وأنا في المعتقل سمعت بأنه تم اعتقاله من قبل حرس الردة وأنهم أعدموه أثناء التحقيق فدعوت الله عز وجل أن يتقبله مع الشهداء , وبعد فترة من الله عز وجل علي بالخروج من المعتقل وبعد فترة وجيزة وإذا بجهازي المحمول يرتجف ويرن , رقم غريب يتصل بك ففتحت الجهاز وإذا بأحد الإخوة يسلم علي ويقول لي هل تريد رقم فلان (...) - يقصد به صاحبي الذي سمعت بأنه قتل - قلت له هو لم يقتل ؟ فقال لي كلا وهذا رقم هاتفه المحمول سأبعثه لك برسالة فانتظر .. فما هي إلا ثواني حتى وصلت الرسالة وإذا به رقم تلفون .. فأجريت الاتصال وإذا به يرد علي بنفسه وهو يخاطبني بصوت يتوق لرؤيتي والله يعلم أني كنت أحب شوقا لرؤيته من كل شيء في الدنيا في تلك اللحظة ... فمن الله عليّ بسماع صوته ولكن لم التق به بعد .. فأسأل الله الكريم أن يمن علينا سوينا برؤية بعضنا بعضا ونحن معافون بنعمة التوحيد والجهاد والثبات على هذا الطريق .. أنه ولي ذلك والقادر عليه والله المستعان .