expresso222
04-25-2008, 09:21 PM
اعداد / عبده الاقرع
الحمد لله عالم السرِّ والنجوى، المطلع على الضمائر وكل ما يخفى، أحمده سبحانه، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد أفضل مَن أحسن العمل، وراقب مولاه في السرِّ والعلن، وبعد:
فالإحسان في اللغة: ضد الإساءة، وهو مصدر أحسن، إذا أتى بما هو حسن.
واصطلاحًا: الإتيان بالمطلوب شرعًا على وجه حسن. وقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحسان في حديث جبريل عليه السلام المشهور حين سأله عن الإحسان؟ فكان جوابه صلى الله عليه وسلم : «أن تَعْبُدَ اللَّـهَ كأنَّكَ تَراهُ، فإنْ لم تَكُنْ تراهُ فإنَّهُ يراكَ». [رواه مسلم 8].
فبين صلى الله عليه وسلم معنى الإحسان، وهو أن يفعل الإنسان ما تعبّده الله به كأنه واقف بين يدي الله، وذلك يستلزم تمام الخشية والإنابة إليه سبحانه، ويستلزم الإتيان بالعبادة على وفق الخطة التي رسمها رسوله عليه الصلاة والسلام ؛ لأن من مقتضى الإيمان بالله عز وجل الإيمان بأنه تعالى مطلع على جميع الخلائق يعلم أحوالهم ويشاهد تصرفاتهم وأعمالهم، ويسمع أقوالهم، لا يفوته شيء من ذلك، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة ولا أصغر من ذلك ولا أكبر http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [المجادلة: 7]، كما قال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [يونس: 61]، وقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFإِنَّ اللَّـهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [آل عمران: 5]، «شيء» نكرة في سياق النَّفي في قوله: «لا يخفى» فتعمُّ كل شيء، فكل شيء لا يخفى على الله في الأرض ولا في السماء، وقد فصَّل الله هذا في قوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الأنعام: 59].
تفيد هذه الآيات وغيرها من آي الكتاب العزيز إلى جانب ما تقرره من شمول علم الله وكماله واطلاعه ومراقبته وعظيم قدرته ورعايته وهيمنته، تفيد إلى جانب ذلك تعليم عباده بأن يراقبوه ويستحضروا قربه ويستشعروا على الدوام أنَّ الله عز وجل مطلع على حركاتهم وسكناتهم، على أقوالهم وأفعالهم وما يختلج في صدورهم، http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الملك: 13، 14]، ويتأكد ذلك الاستشعار عندما يشرع المسلم في عبادة من العبادات بحيث يقوم فيها بين يدي خالقه ومولاه مقام من آمن واستشعر أن الله تعالى يراه أو كأنه هو الذي يرى الله عز وجل، وهذه أعلى درجات السلوك مع الله تعالى ؛ لأن العاقل إذا تذكر أنَّ الله رقيب عليه أحسن عمله رغبة فيما عند الله من الثواب للمحسنين، خوفًا من العقاب الذي أعده للمسيئين، وقد قال الله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [النجم: 31]، ومن رحمته وفضله سبحانه أن جعل الجزاء من جنس العمل، ومن ذلك أنه جعل ثواب الإحسان إحسانًا: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFهَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الرحمن: 60]، فمن أحسن عمله أحسن الله جزاءه، وقد أوضح سبحانه في كتابه العزيز جزاء المحسنين وأنه أعظم جزاء وأكمله، فقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFلِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF
[يونس: 26]،
وهذه الآية فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رواه مسلم في صحيحه عن صهيب- رضي الله عنه- بأنَّ الحسنى الجنَّة، والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل.
ولا يخفى ما بين هذا الجزاء وذلك العمل الذي هو الإحسان من المناسبة، فالمحسنون الذين عبدوا الله كأنهم يرونه جعل جزاءهم على ذلك العمل النظر إليه عيانًا في الآخرة، وعلى العكس من ذلك الكفار الذين طُبع على قلوبهم، فلم تكن محلاً لخشيته ومراقبته في الدنيا، فعاقبهم الله على ذلك بأن حجبهم عن رؤيته في الآخرة، http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFكَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [المطففين: 15]، كما أنَّ جزاء الذين أحسنوا الحسنى، فإنَّ عاقبة الذين أساءوا السوأى كما قال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الروم: 10]، ولمزيد عناية الإسلام بالإحسان وعظيم منزلته، نوَّه سبحانه بفضله وأخبر أنه يحب المحسنين وأنه معهم، وكفى بذلك فضلاً وشرفًا فقال سبحانه: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [البقرة: 195]،
وقال: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [العنكبوت: 69]، وقد ضمّن رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابه عن الإحسان بيان السبب الحافز على الإحسان لمن يبلغ هذه الدرجة العالية والمنزلة الرفيعة، ألا وهو تذكير فاعل العبادة بأنَّ الله مطلع عليه لا يخفى عليه شيء من أفعاله، وسيجازيه على ذلك، فعلى العبد أن يأخذ نفسه بمراقبة الله تبارك وتعالى، ويلزمها إياها في كل لحظة من لحظات عمره، حتى يتم لها اليقين بأنَّ الله مطلع عليها، عالم بأسرارها، رقيب على أعمالها، قائم عليها وعلى كل نفس بما كسبت، وهذا أرفع مراتب الدين، وقد مدح الله الذين يخشونه بالغيب، وبَيَّنَ جزاءهم فقال: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFإِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF
[الملك: 12]،
وقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFإِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF
[يونس: 11].
وقد عدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية الله في السر والعلانية من المنجيات، فقال صلى الله عليه وسلم : «ثلاثٌ منجياتٌ: خَشْيَةُ الله في السِّرِّ والعلانية، والعدل في الرِّضا والغَضَبِ، والقَصدُ في الفَقْرِ والغنى».
[الصحيحة 1802، وصحيح الجامع 3039].
فخشية الله في السِّر والعلانية أساس عمل المسلم كله ومعاملاته، لأنه بإيمانه بالغيب سيعمل كل خيرٍ طمعًا في ثواب الله، وبمخافة الله بالغيب سيتجنب كل سوء، وقد ذمَّ اللهُ أولئك الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله، فقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFيَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًاhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [النساء: 108].
فعظِّم- أخي- حرمات الله في السِّر والعلانية: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الحج: 30]،
واحذر كل الحذر ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لأعلَمنَّ أقوامًا من أُمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تِهامة(1)، بيضاءَ فيجعلها الله عز وجل هباءً(2) منثورًا».
قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا، جلِّهم لنا، ألا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: «أما إنّهم إخوانُكم ومن جلدتكم ويأخذونَ من الليل كما تأخذون، ولكنّهم إذا خَلَوْا بمحارم الله انتهكوها».
[ابن ماجه في كتاب الزهد 4246، والصحيحة 505].
وحسبك قول القائل:
إذا ما خلوتَ الدهر يومًا فلا تقل
خلوت ولكن قل عليَّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أنَّ ما تُخفي عليه يغيب
ألم تر أن اليوم أسرع ذاهبٍ
وأنَّ غدًا للناظرين قريب
اللهم ارزقنا خشيتك في السرِّ والعلن.
هوامش
1- معنى تِهَامة: أرض منخفضة بين ساحل البحر وسلسلة الجبال في الحجاز واليمن.
2- معنى هباءً: التراب الذي تُطيره الريحُ، وقد ينبث في الهواء فلا يبدو إلا في ضوء الشمس، ويقال: ذهب عمله هباءً، أي هدرًا جمَعها.
الحمد لله عالم السرِّ والنجوى، المطلع على الضمائر وكل ما يخفى، أحمده سبحانه، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد أفضل مَن أحسن العمل، وراقب مولاه في السرِّ والعلن، وبعد:
فالإحسان في اللغة: ضد الإساءة، وهو مصدر أحسن، إذا أتى بما هو حسن.
واصطلاحًا: الإتيان بالمطلوب شرعًا على وجه حسن. وقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحسان في حديث جبريل عليه السلام المشهور حين سأله عن الإحسان؟ فكان جوابه صلى الله عليه وسلم : «أن تَعْبُدَ اللَّـهَ كأنَّكَ تَراهُ، فإنْ لم تَكُنْ تراهُ فإنَّهُ يراكَ». [رواه مسلم 8].
فبين صلى الله عليه وسلم معنى الإحسان، وهو أن يفعل الإنسان ما تعبّده الله به كأنه واقف بين يدي الله، وذلك يستلزم تمام الخشية والإنابة إليه سبحانه، ويستلزم الإتيان بالعبادة على وفق الخطة التي رسمها رسوله عليه الصلاة والسلام ؛ لأن من مقتضى الإيمان بالله عز وجل الإيمان بأنه تعالى مطلع على جميع الخلائق يعلم أحوالهم ويشاهد تصرفاتهم وأعمالهم، ويسمع أقوالهم، لا يفوته شيء من ذلك، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة ولا أصغر من ذلك ولا أكبر http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [المجادلة: 7]، كما قال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [يونس: 61]، وقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFإِنَّ اللَّـهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [آل عمران: 5]، «شيء» نكرة في سياق النَّفي في قوله: «لا يخفى» فتعمُّ كل شيء، فكل شيء لا يخفى على الله في الأرض ولا في السماء، وقد فصَّل الله هذا في قوله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الأنعام: 59].
تفيد هذه الآيات وغيرها من آي الكتاب العزيز إلى جانب ما تقرره من شمول علم الله وكماله واطلاعه ومراقبته وعظيم قدرته ورعايته وهيمنته، تفيد إلى جانب ذلك تعليم عباده بأن يراقبوه ويستحضروا قربه ويستشعروا على الدوام أنَّ الله عز وجل مطلع على حركاتهم وسكناتهم، على أقوالهم وأفعالهم وما يختلج في صدورهم، http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الملك: 13، 14]، ويتأكد ذلك الاستشعار عندما يشرع المسلم في عبادة من العبادات بحيث يقوم فيها بين يدي خالقه ومولاه مقام من آمن واستشعر أن الله تعالى يراه أو كأنه هو الذي يرى الله عز وجل، وهذه أعلى درجات السلوك مع الله تعالى ؛ لأن العاقل إذا تذكر أنَّ الله رقيب عليه أحسن عمله رغبة فيما عند الله من الثواب للمحسنين، خوفًا من العقاب الذي أعده للمسيئين، وقد قال الله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [النجم: 31]، ومن رحمته وفضله سبحانه أن جعل الجزاء من جنس العمل، ومن ذلك أنه جعل ثواب الإحسان إحسانًا: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFهَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الرحمن: 60]، فمن أحسن عمله أحسن الله جزاءه، وقد أوضح سبحانه في كتابه العزيز جزاء المحسنين وأنه أعظم جزاء وأكمله، فقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFلِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF
[يونس: 26]،
وهذه الآية فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رواه مسلم في صحيحه عن صهيب- رضي الله عنه- بأنَّ الحسنى الجنَّة، والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل.
ولا يخفى ما بين هذا الجزاء وذلك العمل الذي هو الإحسان من المناسبة، فالمحسنون الذين عبدوا الله كأنهم يرونه جعل جزاءهم على ذلك العمل النظر إليه عيانًا في الآخرة، وعلى العكس من ذلك الكفار الذين طُبع على قلوبهم، فلم تكن محلاً لخشيته ومراقبته في الدنيا، فعاقبهم الله على ذلك بأن حجبهم عن رؤيته في الآخرة، http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFكَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [المطففين: 15]، كما أنَّ جزاء الذين أحسنوا الحسنى، فإنَّ عاقبة الذين أساءوا السوأى كما قال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الروم: 10]، ولمزيد عناية الإسلام بالإحسان وعظيم منزلته، نوَّه سبحانه بفضله وأخبر أنه يحب المحسنين وأنه معهم، وكفى بذلك فضلاً وشرفًا فقال سبحانه: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [البقرة: 195]،
وقال: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFوَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [العنكبوت: 69]، وقد ضمّن رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابه عن الإحسان بيان السبب الحافز على الإحسان لمن يبلغ هذه الدرجة العالية والمنزلة الرفيعة، ألا وهو تذكير فاعل العبادة بأنَّ الله مطلع عليه لا يخفى عليه شيء من أفعاله، وسيجازيه على ذلك، فعلى العبد أن يأخذ نفسه بمراقبة الله تبارك وتعالى، ويلزمها إياها في كل لحظة من لحظات عمره، حتى يتم لها اليقين بأنَّ الله مطلع عليها، عالم بأسرارها، رقيب على أعمالها، قائم عليها وعلى كل نفس بما كسبت، وهذا أرفع مراتب الدين، وقد مدح الله الذين يخشونه بالغيب، وبَيَّنَ جزاءهم فقال: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFإِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF
[الملك: 12]،
وقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFإِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF
[يونس: 11].
وقد عدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية الله في السر والعلانية من المنجيات، فقال صلى الله عليه وسلم : «ثلاثٌ منجياتٌ: خَشْيَةُ الله في السِّرِّ والعلانية، والعدل في الرِّضا والغَضَبِ، والقَصدُ في الفَقْرِ والغنى».
[الصحيحة 1802، وصحيح الجامع 3039].
فخشية الله في السِّر والعلانية أساس عمل المسلم كله ومعاملاته، لأنه بإيمانه بالغيب سيعمل كل خيرٍ طمعًا في ثواب الله، وبمخافة الله بالغيب سيتجنب كل سوء، وقد ذمَّ اللهُ أولئك الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله، فقال تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFيَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّـهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًاhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [النساء: 108].
فعظِّم- أخي- حرمات الله في السِّر والعلانية: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIFذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِhttp://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [الحج: 30]،
واحذر كل الحذر ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لأعلَمنَّ أقوامًا من أُمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تِهامة(1)، بيضاءَ فيجعلها الله عز وجل هباءً(2) منثورًا».
قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا، جلِّهم لنا، ألا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: «أما إنّهم إخوانُكم ومن جلدتكم ويأخذونَ من الليل كما تأخذون، ولكنّهم إذا خَلَوْا بمحارم الله انتهكوها».
[ابن ماجه في كتاب الزهد 4246، والصحيحة 505].
وحسبك قول القائل:
إذا ما خلوتَ الدهر يومًا فلا تقل
خلوت ولكن قل عليَّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أنَّ ما تُخفي عليه يغيب
ألم تر أن اليوم أسرع ذاهبٍ
وأنَّ غدًا للناظرين قريب
اللهم ارزقنا خشيتك في السرِّ والعلن.
هوامش
1- معنى تِهَامة: أرض منخفضة بين ساحل البحر وسلسلة الجبال في الحجاز واليمن.
2- معنى هباءً: التراب الذي تُطيره الريحُ، وقد ينبث في الهواء فلا يبدو إلا في ضوء الشمس، ويقال: ذهب عمله هباءً، أي هدرًا جمَعها.