المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشعب يريد الانتفاضة... الشعب لا يريد الانتفاضة



الساحر2
03-25-2010, 11:31 AM
الشعب يريد الانتفاضة... الشعب لا يريد الانتفاضة



بقلم : هاني المصري

مسكين الشعب الفلسطيني لأن الاطراف الفلسطينية المتباينة جداً تتحدث باسمه دون أن يفوض أحداً بذلك لأن فترة التفويض التي منحها في الانتخابات السابقة انتهت ولم تجر انتخابات جديدة حتى الآن.
فمن يريد الانتفاضة الثالثة يدعي أن الشعب يريدها دون ان يفعل شيئاً لاندلاعها ودون الوقوف أمام تجربة الانتفاضتين السابقتين ولماذا لم تحققا أهدافهما، وكيف يمكن ان تحقق الانتفاضة الثالثة ما عجزت سابقتاها عن تحقيقه.
ومن لا يريد الانتفاضة يدعي بأن الشعب الفلسطيني لا يريدها دون ان يبرهن على ادعائه، ودون ان يبذل جهداً كافياً للدلالة على أن هناك طريقاً آخر، غير طريق الانتفاضة والمقاومة لدحر الاحتلال وتحقيق الحرية والعودة والاستقلال، قافزاً عن التوقف أمام دلالات المصير البائس الذي قادت عملية السلام والمفاوضات الشعب الفلسطيني اليه.
وبينما تختلف القوى والقيادات فيما بينها، وتكتفي بإطلاق الشعارات والتهديدات وتبادل الاتهامات دخلت الحرب بين الشعب الفلسطيني والاحتلال فصلاً جديداً فهناك معركة على الارض خصوصاً في القدس، تشتد حيناً وتتراجع حيناً آخر، ولكنها مستمرة منذ عدة أشهر ومرشحة للتصاعد ما دامت المخططات الاسرائيلية متصاعدة وتستهدف اساساً استكمال تهويد وأسرلة القدس.
أن المطلوب من القوى والقيادات خوض المعركة والسعي لتطويرها قدر الامكان وتركيزها ضد الاحتلال، وليس الانشغال بتصفية الحسابات الداخلية، فالمطلوب أن تكون الانتفاضة القادمة مثمرة، وأن تأخذ بالحسبان القدرات والمعطيات والاحتجاجات والاولويات والظروف الفلسطينية وقدرة الشعب الفلسطيني على التحمل.
ليس صعباً الاستنتاج أن قسماً نافذاً من فريق "فتح" والسلطة والمنظمة، يعارض الانتفاضة ويخشاها ويعمل على منعها لأنه ينظر لها بأعتبارها تحدياً للسلطة وقدرتها على الحكم بدلاً من اعتبارها رافداً اساسياً من روافد التحرر الوطني.
الحجة التي يستخدمها اصحاب الرأي السابق ان الدولة الفلسطينية، رغم كل شيء، قريبة، وأن الانتفاضة ستؤدي الى كارثة ودمار ودون أن تحقق شيئاً.
وما لا يقوله هؤلاء علناً يرددونه سراً، وهو أن "فتح" اذا بدأت الانتفاضة لا تعرف كيف تتحكم بها ولا متى تنهيها، وان "حماس" ستواصلها وتقطف ثمارها.
وليس صعباً الاستنتاج ان قسماً من فريق "حماس" والتيارات الاسلامية والفصائل المقيمة بدمشق يريد الانتفاضة ودعا اليها، فهو لا يكتوي بنارها والدعوة لها تحرج الفريق الآخر. والبعض من هذا الفريق دعا أيضا الى استئناف المقاومة المسلحة وتوجيه ضربة عسكرية قوية للاحتلال الاسرائيلي، وكأن المقاومة المسلحة أو الانتفاضة مجرد ردة فعل على اجراءات الاحتلال، أو وسيلة لتصفية الحسابات الداخلية، أو تكتيك وليس استراتيجية.
إن الشارع الفلسطيني حائر بين من يدعو الى الانتفاضة وبين من يخاف منها، وذلك انعكاسا للانقسام بين قواه وقياداته، ولكنه رغم حيرته يعرف ان الانتفاضة والمقاومة والمفاوضات، ولا أي شيء آخر يمكن ان يفيد الشعب الفلسطيني في ظل الانقسام المدمر واستمرار حالة التعددية في الاستراتيجيات والسلطات والبرامج والاجندات المحلية المتأثرة بالاجندات الخارجية. وهذا ينطبق على كل الاطراف دون استثناء.
ورغم حيرة الشعب الا ان المرء يستطيع ان يلمس ان هناك اغلبية كبيرة تعرف ما يحتاجه الشعب الفلسطيني، وهو الوحدة والمقاومة والانتفاضة المثمرة، وتدرك أن طريق المفاوضات فشل فشلاً كبيراً.
فخسائر الشعب والقضية من طريق المفاوضات كانت هائلة حيث لم تتحقق أي انجازات تذكر، ولا مجال للمقارنة بما حققته المقاومة و(الانتفاضة) التي كانت رافعة النهوض الوطني الكبرى التي استطاعت توحيد الشعب الفلسطيني في كيان واحد وفي اطار وبرنامج واحد، وفي ظل قيادة واحدة وقرار واحد. بينما اتفاق اوسلو، وطريق المفاوضات قسم الشعب والارض وفصل القضايا الاساسية عن بعضها وعن الارض والشعب، وحول القضية الفلسطينية الى نزاع على الارض وليس الى قضية تحرر وطني وشعب يتوق للخلاص من الاحتلال.
الجديد في المشهد الفلسطيني الحالي أن حدة الاستقطاب بين "فتح" و"حماس" تتراجع. ويظهر هذا الأمر بالموقف من المجريات الحالية والى اين تسير، واين يجب أن تسير؟
ان الفرز لم يعد حاسماً وقاطعاً بين فريق السلطة والمنظمة والمفاوضات والفريق المعارض له. بل ان الكثير من فريق "حماس" اصبح مقتنعاً بأن طريق المقاومة لوحده لا يكفي، وأن الانتفاضة ليست تحت الطلب.
كما ان الكثير من فريق المنظمة اصبح مقتنعاً بأن طريق المفاوضات سقط سقوطاً مدوياً، لذا دعا الى الانتفاضة الشعبية او الاستعداد لها، ودعا الى التمييز بين الانتفاضة الشعبية والمقاومة المسلحة.
ولاظهار مدى التداخل الحاصل نشير الى ما صرح به احد قادة "حماس" بالضفة رافضاً الدعوة الفوقية لقيادة "حماس" الى الانتفاضة، والى ما صرح به حاتم عبد القادر مسؤول ملف القدس في حركة فتح ووزير القدس السابق، الذي اتهم الحكومة بمنع انتفاضة شعبية بالضفة لنصرة القدس.
ان اتهامات عبد القادر لها ما يبررها لأن السلطة اتخذت موقفاً ملتبساً. فمن جهة دعت الى الصمود ومواجهة الاعتداءات الاسرائيلية وغيرها، ومن جهة أخرى فإنها لم تكتف بالتحذير من مغبة اندلاع انتفاضة ثالثة، بل سعت الى منع المظاهرات واحتكاكها في الضفة بقوات الاحتلال والمستوطنين، الامر الذي حولها الى تحركات اذا حصلت على الإذن، لا معنى لها ولا تؤثر على الاحتلال شيئاً ولو استمرت لمائة عام.
لقد نقلت المراسلة العسكرية للاذاعة العبرية عن مصادر عسكرية اسرائيلية ان هناك تنسيقاً امنياً عالي المستوى بين الاجهزة الامنية الفلسطينية والاسرائيلية نجح في منع انتقال المواجهات إلى الضفة.
لابد من استخلاص الدروس والعبر من الانتفاضات السابقة حتى تنجح الانتفاضة الثالثة القادمة، في تحقيق ما فشلت بتحقيقه سابقتاها .
فالانتفاضة حتى تنتصر بحاجة الى وحدة الشعب وقواه الحية، والى قيادة واحدة وبرنامج واحد، وان يكون هناك اتفاق على اهدافها واشكال نضالها، والا تكون وصفة للفوضى الهدامة واقصر طريق للتدمير الذاتي.
ان الانتفاضة تندلع عندما تنضج ظروف اندلاعها. ولن تمنع أو تندلع بقرار او فرمان او كبسة زر من احد.
ما يحول دون اندلاع الانتفاضة حتى الآن استمرار الانقسام المدمر، وما يعكسه من تغليب الصراع على السلطة على اي شيء آخر، ومن استمرار رهان فريق مهم من الحركة الوطنية على عملية سلام ماتت منذ زمن طويل، وحيرة فريق آخر بين كونه جزءاً من الحركة الوطنية وامتداداً لحركة سياسية عالمية في نفس الوقت.
يوم الثلاثاء الماضي فاجأ الشارع المقدسي قوى وفعاليات القدس بخروجه الى الشوارع والاحياء بأعداد كبيرة والانخراط بمواجهات حامية مع جنود الاحتلال في مختلف مناطق القدس، متجاوزاً الدعوة التي اطلقتها في يوم الاثنين لتنظيم اضراب جزئي احتجاجاً على الاعتداءات الاسرائيلية التي بلغت ذروتها ضد القدس والاقصى. فالشعب عندما يصبح مستعداً يتحرك دون استئذان احد او تلبية اوامر احد. فالانتفاضة قادمة عاجلاً ام اجلاً ما دام الاحتلال قائماً و ما دام لا يوجد طريق آخر لانجاز الحقوق والاهداف الفلسطينية.
ان الشعب ليس بحاجة الى من يحركه، فهو يتحرك دائما لوحده، وانما بحاجة لأن تكون قيادته وقواه وفعالياته موحدة ومعه في مقدمة الصفوف في مقاومة الاحتلال لكي تقود المقاومة والانتفاضة وتنظمها وترشدها عندما تندلع، وتوفر لها الوعي اللازم ومقومات الصمود والاستمرار حتى تحقق الاهداف التي عجزت الانتفاضات السابقة عن تحقيقها.
لقد استطاعت الانتفاضة الاولى ان تحصل على اعتراف العالم كله، بما فيه معظم الاسرائيليين بوجود شعب فلسطيني وقضيته. ولكن القيادة اخطأت بعقد اتفاق اوسلو الذي اعترف بالمنظمة ولم يعترف بالحقوق الفلسطينية مقابل الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل والتخلي عن المقاومة واوراق القوة الفلسطينية.
واستطاعت الانتفاضة الثانية (المظلومة) ان تجعل العالم كله، بما فيه معظم الاسرائيليين يعترفون بضرورة قيام دولة فلسطينية، ولكن القيادة اخطأت بتحميل نفسها وشعبها المسؤولية عن اندلاع "العنف" وألغت مرة اخرى خيار الانتفاضة والمقاومة، وانهمكت بالبحث عن اوهام السلام، دون التركيز على ضرورة انهاء الاحتلال التي بدونها لا يمكن اقامة دولة حرة ومستقلة.
ان الانتفاضة الثالثة قادمة لا محالة لأن الشعب الفلسطيني لا يمكن ان يقبل استمرار الاحتلال، أو بمجرد تحسين حياته تحت الاحتلال.
تأسيساً على ذلك يجب ان ينشغل الجميع منذ الآن بالحوار والبحث والاستعداد لقيادة الانتفاضة القادمة لكي تكون انتفاضة قادرة على انهاء الاحتلال وانجاز الحرية والعودة والاستقلال، وحتى تحقق ذلك لابد وان تكون سلمية وشعبية وشاملة وتضمن استمرار الحياة الفلسطينية في مجرى النضال لدحر الاحتلال على أساس تقليل الخسائر الفلسطينية الى ادنى حد ممكن وتعظيم المكاسب.
واذا كان الحوار الوطني لم ينه الانقسام، فيمكن ان يؤدي الانخراط في مواجهة الاحتلال في انتفاضة شعبية اقصر طريق نحو الوحدة.
فالانتفاضة والمقاومة توحد والسلطة تفرق!!!