المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وفاق يعطله الخائفون



الساحر2
03-25-2010, 11:26 AM
وفاق يعطله الخائفون


بقلم : عدلي صادق

منذ مدة، لم نتطرق الى موضوع المصالحة الفلسطينية، ولا لشيء مما نعرفه تفصيلاً، عن مسلك حماس في قطاع غزة. فقد أردنا تهيئة المناخ للتصالح. ويبدو أن قطاعاً من الحمساويين في الداخل، والبعض المتابع من الخارج، والكثير من المناصرين لحماس، باتوا أكثر تحسساً لفداحة الطريق العقيم الذي لم تعد تبرره، كل معزوفات التخوين والتحليل الحلمنتيشي، القائم على فرضية أن هناك قطيعاً من الناس، يذهب به دايتون الى حيث يريد المحتلون، ثم نقطة على السطر. فكلما اقترب المتابعون من واقع الحال الفلسطيني، يكتشفون أن لا دايتون في واقع السلوك ولا في دائرة اتخاذ القرار، حتى وان كانت السياسة الوطنية تُملي على قوات الأمن الفلسطينية في الضفة، ما أملته السياسة الاسلاموية على ميليشيات حماس في غزة، بتشدد أكبر ومن واقع سيطرة أقوى، في مساحة ضيقة ومحدودة. ولم يعد بمقدور ناطقين حمساويين من الخارج، اقناع الناس ان لا خلاف داخلياً في حماس، على طريقة التعاطي مع موضوع المصالحة، وبخاصة بعد أن بادرت فتح الى التوقيع على الورقة المصرية، على الرغم مما تشتمل عليه من نقاط لصالح حماس، وأخرى فضفاضة من شأنها أن تفيد حماس وأن تُضعف الكيانية الوطنية الفلسطينية. وبدا واضحاً أن فريقاً من قادة حماس في غزة، يميل الى الذهاب فوراً الى اتفاق يُعيد اللُحمة، ولعل من حُسن المصادفات، أن بعض الذين جروا ساحة غزة الى الاقتتال الدموي، باتوا أقرب الى الموقف الوفاقي، علماً ان هؤلاء هم الذين تعاطوا مع كل المسائل الصغيرة والعارضة، بخلفية ونفسية حاقدتين بسبب الحبس في سجون السلطة سابقاً، فأدى منحاهم ذاك، الى ما حدث من سفك دماء، بينما كان من مقتضيات المسؤولية، الوطنية والدينية والأخلاقية، أن يرموا المشاعر الثأرية الشخصية وراء ظهورهم، وأن يعالجوا المسائل بمنطق أسبابها لا بمنطق نتائجها، وأن يجعلوا للحيثيات الايجابية المتصلة بالعلاقة مع القوى الأخرى، وحتى مع أجهزة الأمن، وبخاصة في سنوات الانتفاضة، مكاناً في الذكرى وفي الاعتبار.

عموماً باتت العناصر الحماسوية القيادية الأكثر انغماساً في الهموم اليومية للناس في غزة؛ أقرب الى الموقف الوفاقي، على النحو الذي يرسم اختلافاً واضحاً عن مواقف المرتبطين برزمة مسائل اقليمية، تضمن لهم هامشاً استعراضياً يغذي اوهام الزعامة ولا يؤسس لقواعد ارتكاز قتالية في الخارج. ولعل من أسوأ حسابات هؤلاء، هي ما تجعلهم لا يقدرون أهمية المصالحة على أساس برنامج وطني واقعي ممانع، لا خلاف على خطوطه العامة، ولا يبتعد في الجوهر عن الموقف السوري مثلاً، مع فارق أن الدور والحضور والتأثير الفلسطيني سيكون أهم وأكثر تقدما وأقوى.

بعض المتشددين في غزة، هم الذين يعطلون المصالحة ويضغطون على سائر حماس. ويعرف سكان القطاع المحاصر، أن هؤلاء بعد ان قتلوا واغتنوا وامتلكوا العقارات والأراضي والمال، بالفساد وبالاستحواذ والتدليس؛ صاروا يحسبون كل صيحة عليهم، ولا يحسون بشيء سوى الخطر على أنفسهم وعلى امتيازاتهم الخرافية التي لم تتحقق لمعظم فاسدي فتح، على امتداد اربعين عاماً من شربحاتهم الذميمة والمعلومة. ومن المفارقات أن متشددي حماس يتشددون على ثلاثة محاور: اللفظي المتمسك بالمقاومة لتسليك المصالح، والقمعي الذي يمنع المقاومة ويبطش بمن يقاوم وينتقد، ومحور منع المصالحة نفسها، علما ان هذه المصالحة ستضمن حلولاً قانونية لحقوق الناس دون التعسف مع الذين تجاوزوا، وأنها الضامنة الوحيدة لسلامة كل الذين نسوا أنفسهم ونسوا دروس الأيام، اذ تمنحهم الفرصة لتسوية مشاكلهم بالقانون ودون تعسف. ان بعض هؤلاء يعلم أن مشكلته ليست مع فتح، بل ان فتح الضحوكة ضعيفة الذاكرة حيال الخصومات، لن تطالب بشي. فالمشكلة مع الناس، وهنا مكمن الأهمية في المصالحة. لقد كتبنا هذا الكلام منذ سنوات، ثم كرره وأكد عليه قبل أيام د. نبيل شعت بعد أن ذهب الى غزة وتحسس الأوضاع!

ان من هم خارج الواقع الفلسطيني في غزة ولا يتابعونه بتفصيلاته؛ لن يفهموا كل معنى الرسالة التي تمثلها هذه السطور. حمساويو غزة، يعرفون حجم المأزق ليس مع المجتمع فحسب، وانما كذلك مع مسلحين ومنتمين ومناصرين، التحقوا بحماس وحملوا رمزياتها وساندوها، ثم شاهدوا بأمهات عيونهم التناقضات بين القول والسلوك. لقد بدأ همس هؤلاء في الاتجاه المضاد، ثم تحول الهمس الى صوت مسموع وسخرية ومحاولة لاعادة ترميم العلاقات في الاطار الاجتماعي. وعلى الرغم من هذا الذي نقوله، نحن لا نستحسن ولا نرحب بالمشاحنات الداخلية بين الحمساويين. بالعكس، نحن نشد على أيدي كل الخيرين في حماس، ونشجعهم على الذهاب الى وفاق يحاصر الفاسدين والمفرطين من كل الأطراف، ويأخذ للناس حقها من كل متجاوز بصرف النظر عن موقعه وحزبه. وفي هذا السياق، لا يسعدنا نشوء ظاهرة فلتان أو تمحور شللي، لأننا نطمح الى وئام اجتماعي والى وفاق سياسي، انقاذاً للعامل الفلسطيني في معادلة الصراع الذي يتفاقم!