المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تهديدات عاصفة .. وإرادة خافتة!



الساحر2
03-25-2010, 11:14 AM
تهديدات عاصفة .. وإرادة خافتة!

بقلم : يحيى رباح
التهديدات العاصفة التي أطلقها "أفيغدور ليبرمان" وزير الخارجية الإسرائيلي، ورئيس الحزب اليميني المتطرف "إسرائيل بيتنا"، ضد الشقيقة سوريا، أثارت ردود أفعال واسعة النطاق، وخاصة داخل إسرائيل نفسها، لدرجة أن هناك من وصف تلك التهديدات بأنها سوقية!
وكثيرون أيضاً بما في ذلك أعضاء في الائتلاف وصفوها بأنها ضارة بإسرائيل.
ولكن أهم ما كشفت عنه ردود الأفعال أن هذا الائتلاف الذي صعد من خلاله نتنياهو إلى رأس السلطة في إسرائيل هو في حقيقة الأمر ائتلاف من الذئاب الهائجة المرشحة أن تنهش بعضها إذا وجدت موقفاً دولياً واميركياً على وجه الخصوص، يمتلك الحد الأدنى من الرؤية الموحدة تجاه الشرق الأوسط وملفاته الساخنة جميعها وعلى رأسها ملف القضية الفلسطينية.

كما تؤكد ردود الأفعال عن الضرورة الملحة لوجود موقف عربي موحد ولو بالحد الأدنى لإدارة الأزمة الراهنة والمتفاقمة المتعلقة بجمود عملية السلام وتفريعاتها الكثيرة والتي من بينها حالة الانقسام الفلسطيني، التي هي بكل صراحة وشجاعة أخطر اختراق إسرائيلي في جدار الأمن القومي العربي!

وأن الأطراف العربية التي تدعم الانقسام وتطيل عمره وتعتبره جزءاً من دورها الذي تتوهمه كبيراً، ومن نفوذها الذي تتوهمه مؤثراً، لن تنجو إذا استمر هذا الانقسام الفلسطيني " الاختراق الإسرائيلي الأكبر" مستمراً لفترة أطول.
بالنسبة للموقف الدولي، وخاصة الموقف الاميركي، فإننا نجد شيئاً غير مفهوم على الإطلاق حين نرى نتنياهو ينجح في إقناع الإدارة الاميركية بأنه لا يستطيع أن ينفذ المتطلبات الموضوعية لنجاح عملية السلام واستئناف المفاوضات، والمتمثلة في وقف الاستيطان لفترة محدودة تجري فيها المفاوضات تحت مرجعية محددة، بدعوى أنه لو فعل ذلك، فإن الائتلاف الإسرائيلي الحال سينهار!
إنه عذر أقبح من ذنب!
وخاصة حين نعرف أن نتنياهو نفسه هو الذي أتى بهذا الائتلاف!
فهو لم يكن مجبراً على دخول "أفيغدور ليبرمان: وحزبه إلى هذا الائتلاف، ولم يكن مجبراً على ادخال "إيلي شاي" وحركة شاس إلى هذا الائتلاف، وكان لديه بدائل كثيرة، بدائل من اليمين أيضاً، مثل حزب كاديما، وهم رغم أنهم في صف اليمين ولكنهم ليسوا بهذا الاستهتار والرعونة التي يتصرف بها من أرادهم معه في الحكومة.
وهذا يعني أن نتنياهو يرتكب الخطيئة ويريد من العالم أن يتفهم أعذاره، ويريد من السوريين أن يتحملوا سوقية أعضاء ائتلافه، ويريد من الفلسطينيين أن يدفعوا كامل الثمن!
أعتقد - رغم كل المظاهر الأخرى - أن التهديدات العاصفة التي أطلقها "أفيغدور ليبرمان" ضد الشقيقة سوريا، والتي تذكر بلغة زعماء عصابات المافيا، أضرت قبل كل شيء بصورة نتنياهو وهيبته ومصداقيته وأنه خاضع للذئاب الهائجة التي تحيط به، وهذا يجعل اللذين لا يثقون به على حق سواءً داخل إسرائيل أو في المنطقة أو في العالم.
أما على الصعيد العربي، فقد آن الأوان لتغيير قواعد اللعبة الهابطة والسخيفة والمؤذية التي تتيح للخلاف العربي أن يستمر، وتتيح للرهانات الخاطئة أن تستمر، وتتيح للانقسام الفلسطيني أن يتحول مع مرور كل هذا الوقت إلى ثغرة خطيرة وقاتلة في جدار منظومة الأمن القومي العربي.
لدينا في الأسبوعين الأخيرين تهديدان عاصفان جاء أحدهما من إيران على لسان علي لاريجاني رئيس البرلمان خلال زيارته للكويت!
ولم نعرف حتى الآن ما هو الموقف العربي ولو بحده الأدنى ضد هذا التهديد، بلغته الخارجة عن التقاليد الدبلوماسية، الذي يعكس ربما خطورة المأزق الداخلي الإيراني أكثر مما يعكس خطورة المأزق في العلاقات مع المجتمع الدولي!
وأكبر دليل على ذلك، أن إيران فاجأت الجميع من جديد بقبولها بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20% في الخارج وأن هذا القبول جاء على لسان الرئيس الإيراني أحمدي نجاد نفسه!
وهكذا وجدنا إيران تحاول تبريد الوضع مع المجتمع الدولي، و"تسخين" الوضع مع جيرانها!
وربما يكون هدا الموضوع من العناوين البارزة على جدول أعمال قمة طرابلس في آذار القادم.
أما التهديد العاصف الثاني الذي لم نلحظ بشأنه موقفاً عربياً ولو بالحد الأدنى، فهو التهديد الإسرائيلي الذي جاء على لسان ليبرمان، ومرة أخرى نعتقد أن هذا التهديد سيكون في الأولوية الأولى على جدول أعمال قمة طرابلس.
ولكن قبل هذا وذاك، هناك في الخاصرة العربية جراح كثيرة تنزف، أخطرها هو الانقسام الفلسطيني، كيف لنا أن نطمئن، وكيف لنا أن نصدق، إمكانية علاج هذا الجرح بدون موقف عربي واضح وبدون سلوك عربي مسؤول، وبدون إرادة عربية صادقة.
الانقسام ليس لعبة نتسلى بها، وليس" حيطة" فلسطينية واطية نتقافز فوقها، وليس ساحة مناسبة لتصفية الحسابات والتنافس على الأدوار الوهمية!
والتهديدات عبر هذا الانقسام التي توجهها إسرائيل لقطاع غزة ليست أقل خطورة من التهديدات الموجهة لجنوب لبنان!
فلماذا لا نسمع شيئاً، أم أن قطاع غزة مخصص فقط للموت والدمار، لكي تستمر اللعاب التافهة حوله ليس إلا؟
أنا من الذين يعتقدون أن الانقسام هو النموذج الذي يحكم بنجاح أو فشل النظام الإقليمي العربي في إدارة أوراقه وأزماته، وإذا بقي هذا الانقسام مدة أطول، وإذا بقيت الأطراف العربية تلعب حول هذا الانقسام فإن هذا يغري الآخرين بها، بأنها عاجزة وأنها فاشلة وأنها ليست بمستوى قضاياها الكبير.
الملاحظة الأخيرة في هذا السياق، هي أن المواقف العربية تجاه الانقسام الفلسطيني مكشوفة وعارية ومفضوحة تماماً، وكل فلسطيني يعرف على وجه التحديد من هي الأطراف العربية التي تنفخ في نار هذا الانقسام ليحترق بها شعبنا، فهل نبقى هكذا على المستوى العربي، يشمت أحدنا بشقيقه إذا أصيب بكارثة؟